أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

السبت، مارس 31، 2012

مسرحيّة "طورغوت" أحفورة تاريخية بعرض مسرحي نصي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, مارس 31, 2012  | لا يوجد تعليقات

مسرحيّة "طورغوت" أحفورة تاريخية بعرض مسرحي نصي

الكاتب منصور عمايرة
     منصور عمايرة 

عرضت مسرحية طورغوت من تأليف الشيخ سلطان بن محمد القاسمي ، كخاتمة لأيام الشارقة المسرحية في مساء يوم الأربعاء 28-3-2012 أخرجها التونسي منصف السويسي على خشبة مسرح قصر الثقافة الشارقة والمسرحية تتكون من أربعة فصول، وجاء تقسيم المسرحية من حيث الشكل على هذا الترتيب: الفصل الأول: من مشهدين. الفصل الثاني: من ثلاثة مشاهد. الفصل الثالث: من ثلاثة مشاهد. الفصل الرابع: من أربعة مشاهد. وتمتاز المشاهد بالقصر، وبالحديث عن مرحلة تاريخية محددة مر بها طورغوت.

وقعت المسرحية في 70 صفحة من الحجم المتوسط، وقد اعتمدت المسرحية عدة مراجع عربية وأجنبية، وتضمنت المسرحية صورا عدة وفهرسا للمحتويات وتمثل هذه المسرحية نبشا في التاريخ العربي الإسلامي في شمال افريقيا في العام 1540م . ومن الملاحظ أن مسرحيات الشيخ سلطان بن محمد القاسمي تحتفي بهذا الأحفور التاريخي - فهذه المسرحية تمثل " جينالوجيا " تسلسلا زمنيا لتاريخية الشخصية المسرحية فيها " طورغوت " - وهذا إن دل على شيء يدل على الهم الكبير الذي يربض في صدر المؤلف، والنظرة المستقبلية للوجود البشري العربي الإسلامي في البلاد العربية، ويتمثل كتابة التاريخي مسرحيا مع كل الانزياحات التي ستقصية جزئيا عن التاريخ بالإدانة مهما حاول المؤلف أن يبتعد عن تلك الإدانة من خلال الصيغ التعبيرية، لماذا الإدانة وليس اتخاذ موقف ؟ لأن الإدانة هي النظرة السابقة لحالة تاريخية اندرجت في طيات الزمن الماضي، ونظرة مستقبلة أيضا كإدانة، ولو كان الأمر يندرج في اتخاذ موقف لكان الأمر التاريخي حدثا حديثا مازال يحدث أو مازالت تأثيراته المتلاحقه تؤثر على المشهدية المكانية والزمانية، تبدو المسرحية واضحة من البعد التاريخي من خلال النظر بمصادر المسرحية، حيث أن المسرحية برمتها ترتكز على التاريخ، لأنها تؤرخ للبطولة، للمعركة، للتصارع، والتاريخ كما هو معلوم يؤرخ للبطولة – التصارع بين قوتين - والأحداث المرحلية الزمانية والمكانية، ولكن لا بد أن نعي أن الأدب حتى لو كان تاريخيا لن يعكس كل الواقع، وهو بالتالي لن يكون انطباعيا بقدر ما يمثل انزياحا – مهما كان متواضعا - عن التاريخ، لرسم صورة مخيالية ترتسم في ذهن الكاتب حتى لو كانت الكتابة تاريخية.
إن المسرحية عامرة بالصور التعبيرية عن الشخصية البطل " طورغوت " وعن الأحداث، فالصورة التعبيرية عن طورغوت تبدو على لسان صاحب السفينة وهو يخاطب مدير الميناء: إنه طورغوت يتقدم، آه.. لقد انتهينا، لقد هلكنا، طوبى لمن نجا بنفسه ... آي طورغوت ما أصعب الإفلات منك وما أصعب مواجهتك بلا جدوى.1 إن هذه الصورة تبين عن حالة طورغوت وما عليها من قوة، وهو يطرد الاسبان من شمال افريقيا، وتبدو الصورة مرعبة ومخيفة، فلا منجا من الموت كما تبدو الصورة، إن دلالة التعبير يفصح عن القوة التي يتمثل بها طورغوت.
وتبدو الصورة عن طورغوت أكثر وضوحا عندما يقول مدير الميناء: عادة ما كان يأوي إلى جزيرتنا " كورسيكا " ويختار ميناء " جيراللاتو " لملاحقة القراصنة والأساطيل الاوروبية.2 هذه الصورة تبين عن هيمنة طورغوت على البحر، وهذه الصورة تبدي مدى القوة والسطوة التي يتمتع بها.
وتبدو صورة طورغوت ترد على لسان المؤلف الراوي " يدخل رجل ضخم الجثة، عريض المنكبين باللباس التركي يدب في مشيته "3  هنا تبدو ضخامة الهيئة دالة على القوة والجبروت ولكن ليس قهرا بل دفاعا عن الأوطان. فتسقط على صورة طورغوت الكثير من الهيبة والوقار والقوة عندما يرد ذاك الوصف على لسان طورغوت: في السابعة أو الثامنة من عمري أخذت أتعلم الرماية والمصارعة واللعب بالسيف ...؟ إلى أن التحقت بإحدى سفن القراصنة، وأخذت أتعلم فنون البحرية، واشتريت لنفسي سفينة وبها كنت أهاجم الأعداء .4  هذه الصورة تعطينا توضيحا حول ما كانت عليه شخصية طورغوت، وهو مازال طفلا وشابا، وهي صورة تنم عن مقارعة الخطوب بقلب جسور.
المسرحية تتعرض  للحدث الدرامي من خلال محاصرة سفينة طورغوت وقد سرد المؤلف ذاك الحدث في الصفحات 20-23 حينما يستولي الكورسيكيون على سفن الأتراك،  بل يطالبوا بقطع أنوفهم وآذانهم ويبدأ العراك والصياح "5
وصورة طورغوت كمدافع شرس تقلق أوروبا، وتبدو هذه الصورة متمثلة بقول جيانتين دوريا قائد السفن الاسبانية " لما بقي طورغوت يجوب البحر الابيض ، يأسر من أساطيل النصارى حتى وقع في يديه خيرة سفنهم ، ويذيقهم أنواع الدمار، فلقد أثار ذلك حفيظة الدول المسيحية ، وأخذوا يفكرون مليا بالقبض على طورغوت والخلاص منه "6 هذه الصورة تبين عن مدى تفكير الآخر بما آل إليه الأمر الآن، وهذا التفكير ينم عن استعداد لمواجة خطر طورغوت والخلاص منه.
على النقيض من صورة القوة التي تسم طورغوت، نلمح صورة طورغوت ملأى بالحزن والغضب والضعف، وهذه الحالة تمثلت عندما يرى نفسه أسيرا في يدي جيانتين دوريا: أهكذا أقع بيد صبي أمرد يا لسخرية القدر يا للعار؟7 تبدو الصورة تنم عن حالة قهرية وحزن. ولكن هذه الصورة سرعان ما تتبدل، لتؤكد تجدد صورة البطل حتى لو كان ضعيفا، هذه الصورة تمثل صورة القائد المقاوم والمدافع عن وطنه ولا يهاب الضعف، عندما يبصق في وجه جيانتين دوريا: ليس من شيم الرجال تحقير الأسير خاصة اذا كانت يداه مغلولتين، ومن العار أن يحمل عليه، إن هذه البصقة هي جزاء الأنذال والأوغاد.8
نجد هنا صورة البطل الذي لا يهادن، وتبرز هذه الصورة عندما يستشعر طورغوت الإهانة بعد سقوطة بأسر شاب صغير جيانتين دوريا " عندما هجم قادة وضباط السبان على طورغوت فقاومهم برأسه وبصدره وركلاته إلى أن تمزقت ثيابه وأنهكت قواه ... إلى أن أحكموا القيود والسلاسل من جديد عليه"9
تبرز المسرحية مساحة لتدخل الإميرال خير الدين بربروس لانقاذ طورغوت من سجنه في جنوه " إيطاليا " ويهدد بتدمير جنوه، إلى أن يلتقي برئيس المجلس الاميرال أندريا دوريا حيث يدور بينهما حوار، أندريا : من ؟ الاميرال بربروس ؟ يتصافحان "  بربروس: اخيرا بعد سنين من القتال نلتقي اليوم في سلام.10
وتبرز المسرحية صورة قوة الأتراك في بلاد العرب " الجزائر " عندما يقول بربروس مخاطبا أندريا دوريا: ثلاث سنوات وطورغوت إما على المجداف أو مريض، رميتموه في السجن، عرضت عليك أن أفديه بالنقود، ولكن محاولاتي المتكررة باءت بالفشل، عرضت عليك مبادلته بآلاف الأسرى المسيحيين لدى مسلمي الجزائر من العرب ولكن لم يجد نفعا ... والآن ماذا تريدون ؟ 11 هذه إشارة كبيرة على مدى التحارب والتصارع بين الشمال الافريقي العربي وبين أوروبا، وتدل أيضا على استمرارية الحروب، وتدل أيضا على قوة الجيش العربي الإسلامي، حيث يذكر بربروس آلاف الأسرى، وهذه إشارة على تفوق المسلمين العرب على خصومهم من الأوروبيين.
حيث يظهر للعلن حوار قوتين متصارعتين، تمثلت هذه الصورة بالاميرال بربروس والأميرال أندريا دوريا عندما قال أندريا دوريا: تفضل اجلس حتى نستطيع التباحث في مسألة اطلاق سراح طورغوت .... يتباحث الاثنان ... يتصافحان، ويعلن أندريا دوريا للمجلس: لقد اتفقنا على تسليم طورغوت مقابل ثلاثة آلاف وخمسمئة ليرة ذهبية "12 بهذه الصورة التي بدت حوارية تصالحية بعيدا عن التصادمية، يتفق الطرفان ليكون الوئام بدلا من الخصام لانقاذ طورغوت من سجن أندريا دوريا.
ثم نلمح صورة للتعاون بين العرب والمسلمين مع الاوروبيين مثل فرنسا، والتي كانت تخضع لهجمات الاسبان، وقد تمثل بقول بربروس يجيب طورغوت: إنه الأسطول العثماني بمئتين وعشر سفن بعثني بها السلطان سليمان القانوني لمساعدة فرنسا حليفتنا ضد الاسبان "13 إن القوة العثمانية سيدة الموقف في البحر المتوسط في ذاك الزمن.
ثم تتعرض المسرحية لتكافؤ القوة أحيانا بين العثمانيين والاوروبيين في حالة التحارب، وهنا يتحدث طورغوت عن القائد لوليتا الايطالي ويوجه الخطاب لبربروس: لقد كان لوليتا محكوما عليه بالتجديف في سفينتي.14 وهذه إشارة إلى أسر لوليتا حيث صار خادما ليقوم بالتجديف في سفن طورغوت، وطورغوت وقع في الأسر وقد شمت فيه لوليتا عندما رآه على تلك الحال، وأن الزمن يدور، هذه الزمنية تنبئنا بتغير الأحوال، القوي ذات يوم سيصبح ضعيفا ليظهر قوي آخر، وهكذا تتبدل الأدوار بين الأمم والشعوب، وهذه إشارة إلى أن القوة لا تستمر والضعف لا يستمر أيضا، وربما هي إشارة تنبيهية من المؤلف للتأمل في هذا العالم بسلام بدلا من طغيان التقاتل، وفي الوقت ذاته لا تقلل من المطالبة بمقارعة العدو وطرده من الوطن، ولهذا ستظهر لنا في المسرحية صورة مطاردة الاسبان بعزيمة، وتتمثل تلك الصورة عندما يخاطب بربروس طورغوت: إن سفينتي الاحتياطية هدية لك بكل طاقمها ومدافعها، وهناك أيضا تسعة عشر قائدا بسفنهم تحت إمرتك، وعليك يا صديقي أن تطرد الاسبان من شمال افريقيا.15 هذه إشارة واضحة لمقاومة الاسبان الذين يطمعون بالسيطرة على شمال افريقيا. هذه العزيمة تتمثل بقول طورغوت يخاطب القادة وهو يدافع عن شمال افريقيا في البحر الابيض المتوسط: منذ سنة 1544 بعد أن أعطاني بربروس السفن والقادة بعد تخليصي من الأسر، وعلى مدى ست سنوات حتى الآن لم يبق ميناء أو أسطول في البحر الابيض المتوسط الا وقد هاجمته، وفي سنة 1550  قمت بتخليص المهديه وصفاقس وسوسة والمنستير في تونس من أيدي الاسبان، وكانت المهدية بدون قلعتها لكن عندما استولى عليها الفرنسيون في تلك السنة فجروا قلعتها، عندها توفي بربروس وعينت خلفا له كقائد للأسطول العثماني في البحر المتوسط، فكانت ضرباتي أقوى وموجعة في كل مكان، شعر الفرنسيون والأوروبيون بالخطر، فصدرت أوامرهم إلى اندريا دوريا بالابحار بكل قواته لالقاء القبض علي حيا او ميتا ... 16 ولكن طورغوت يحكم قبضته على البحر، حيث يقول قائد مالطي مخاطبا اندريا: هناك أخبار مزعجة، أريد ان أقول لك أن الرئيس طورغوت موجود الآن في عرض البحر بكامل سفنه، لقد هاجمنا، وقد نجونا منه بشق الأنفس؟ الأميرال أندريا دوريا: سانتا ماريا، سانتا ماريا، طورغوت في عرض البحر ؟ لا يمكن أبدا، كيف هذا ؟ 17 تنم هذه الصورة عن مقدرة طورغوت على مباغته أعدائة بخطط حربية بحيث يفلت من محاصرتهم ، ويصبح خطرا عليهم.
وبالفعل يدب الفزع والخوف في أعداء طورغوت " اندريا دوريا "،  هذه الصورة المفزعة لاندريا والقائد المالطي يخبره بسفن طورغوت: عشر سفن من نوع " قاليته " وعدة فرقاطات ". الاميرال اندريا: مندهشا، لا يمكن أبدا إنها حيلة الشيطان القابع هنا ؟ 18 هذا الحوار ينم عن حالة من الخوف والفزع مما آلت إليه أمور الحالة الحربية بين طورغوت وأندريا، وكان الفزع يسيطر على أندريا.
ويبدو أن عظمة طورغوت جعلته يدب الفزع بالأعداء ، فنجد المؤلف الراوي يعبر عن تلك الصورة " وفجأة تقع عينا أندريا دوريا على خيمة طورغوت، وكانت ظاهرة للعيان، تتماوج على التلة وكأنها تستهزئ بالغزاة القادمين "19 53 إنها الحنكة، وتبدو هذه الصورة التي يتمتع بها طورغوت، قد بلغت مبلغا كبيرا حتى في عيون الأعداء، ويبدو العدو فزعا من تلك الحيل، حيث يبلغ رسول أندريا دوريا بأن طورغوت أسر القادة والسادة والنبلاء، فيبدو أندريا بحالة مزرية يترنح وهو يقول: طورغوت شيطان، وكرر المقولة ثلاث مرات. 20 ونلمح هنا إشارة إلى الاعتداء العدواني على شمال افريقيا حيث وصفهم الكاتب في الخطاب السابق بالغزاة.
لم يكن الأمر ليمر بسلام تام على طورغوت، فاحتشد التحالف الاوروبي ضده للقضاء عليه، حيث يكون هناك اجتماع كبير يضم ممثل اسبانيا، وممثل جنوه، وممثل مالطه، وقائد قوات صقليه، وممثل البندقية وفرنسا يشتركان بالسر ... والرئيس العام لفرسان القديس المسيحيين في مالطه جاء للتشريف والتبجيل والمشاركة في الحملة كما جاء في الصفحتين 57،58 ،  هذه هي القوة التي اجتمعت على طورغوت لتضع له حدا، وقد اجتمع عليه كل الأعداء .
ثم تبدأ الحملة ضد طورغوت ولكن بخسائر كبيرة للحلفاء، حيث يقول الاميرال جيانندريا دوريا: النحس يلازمنا منذ بداية الحملة، حيث تأخرنا عشرة أسابيع مات فيها ألف وخمسمئة جندي من المرض... وعدد كبير ممن السفن جنحت على الجزيرة.21 فتتملك صورة الضعف والفزع حشود الحلفاء، وكما ورد ذلك على لسان دون خوان دي لا سردا، وهو يتحدث عن جربة: من أي شيء تخاف ؟ من أهالي هذه الجزيرة الوادعة ؟ في البداية كانت للفلاحين والمزارعين في جربة مقاومة، اما الآن لا بد ان يكونوا عقلاء لن يفعلوا شيئا ... جندي: ها هم العثمانيون ينزلون على الجزيرة، يا للهول .. " فوضى عارمة بين قوات الحلف المقدس المتبقية ... وتستمر أصوات المدافع العثمانية ... جزيرة جربة تحت سيطرة قوات الاسطول العثماني " 63 -65 الأسطول العثماني يستطيع أن يتغلب على الحلفاء ويستولي على جربة بعد معركة كبرى وقوية، ولم يكن أمام قادة الحلفاء إلا الهرب.
ومادام أن لكل أمر نهاية، إلا أن نهاية طورغوت تبقى عظيمة عندما يسقط وهو في حالة الحرب، وهذه الصورة تتمثل بإعلان الراوي المؤلف عن موت طورغوت أثناء حصار مالطة، فيبدو صوت المؤلف على لسان المعلق الذي يتحدث عن طورغوت وعن نهايته بشكل خاص في نهاية المسرحية: في السابع من شهر يونيو 1565 استشهد طورغوت في حرب حصار مالطة  وتقرر دفنه في طرابلس.22 هنا تنتهي المسرحية

إن الكتابة الأدبية التاريخة قد تكون من أصعب أنواع الكتابة، لأن الكاتب أمام حالتين، الأولى تتمثل في الماضي، الصورة التاريخية البهرجية أحيانا إلى حد كبير قد تجعل الكاتب يقف طويلا عندها قبل أن يبدأ بالكتابة، والثانية تتمثل بالحاضر وكيفية إدراج الماضي لإسقاطه على الحاضر، وهذه الحالة قد تكون أصعب من الحالة الأولى، لذا فلا بد للكاتب في المسرحية التاريخية أن يعي مصادره ويحكمها من منطلقين، منطلق الكتابة التاريخية ومنطلق الكتابة الأدبية، فكلاهما يختلف عن الآخر، ولا أبالغ بالقول بأن الكتابة التاريخية سواء أكانت كجنس روائي أو مسرحي هي كتابة صعبة للغاية تحتاج إلى يقظة ذهنية كبيرة، لأن الكاتب مراقب زمنيا، ومراقبة الزمن للكاتب تجعله يعيش في حالة من التركيز الشديد، وهنا قد يشار أيضا إلى مبدأ الصدق في مثل هذه الكتابة، ومهما قيل عن انزياح ومخيال الكتابة قد يبقى الأمر بخصوص الكتابة التاريخية يحاصر في إطار رؤيوي كبير من الواقعية.
تظهر هذه المسرحية عمق الجذور التاريخية التي كانت تربط الشمال الافريقي ،الجزائر، وتونس وليبيا. إن هذه المسرحية تمثل سردا تاريخيا لسيرة غيرية إنها سيرة " طورغوت " القائد العثماني الذي استطاع ببسالته أن يذيق الأعداء جل أنواع الهزائم والقتل والتدمير، إن هذه المسرحية تضعنا اليوم أمام سؤال كبير لماذا دب الخنوع بالأمة العربية الإسلامية ؟ فأصبحت الأمة مشتتة يسيطر عليها العدو من كل جانب، حيث إن استنهاض الهمم بات وكأنه من الأمور المستحيلة، وقد داخل الوهن النفوس حيث تبدو خائرة القوة والعزيمة . إن مسرحية القاسمي تطرح جملة من التساؤلات على الحاضر، وهي بالوقت ذاته تملك أجوبة ماضية على تلك الأسلئة وقد تمثلت الإجابة بصورة طورغوت .
وبالرجوع إلى الإدانة التي مر ذكرها في بداية المسرحية، نجد أنها إدنة مستقبلية أو حاضرة وليست ماضوية، وهنا استدعاء لشحذ الذاكرة بجزئيات التاريخ، لتقود زمنية الحاضر، ونستشف الإدانة من خلال انتقالها الماضوي إلى الحاضر، فهو المدين الآن وصور الضعف تسيطر على المشهد العربي برمته وليس على الشمال الافريقي، إن المسرحية حالة استنهاضية للأمة الآن.
ورد استهلال في المسرحية وهو عبارة عن مقدمة للمؤلف، يتحدث الاستهلال عن حال شمال افريقيا في العام 1510 عندما دب الضعف في الامير محمد بن حسين من السلالة الحفصية التي حكمت تونس، فاستولى الاسبان على معظم الشمال الافريقي. إن هذا البرولوج لم يكن عبثيا، بل ضرورة تبين عن طبيعة الحدث الذي تتعرض له المسرحية، إنه الحدث التاريخي وبالتحديد في الشمال الافريقي وعلى وجه الخصوص في تونس. هذا الاستهلال يأخذ بيد القارئ، وحتى في حالة عرض المسرحية إلى تفهم الجزئيات المسرحية. وبما أن البرولوج يعد قديما في حال غياب الجوقة، حيث يأتي ممثل يتحدث بلسان المؤلف لتكون هذه المقدمة تنويرا للمسرحية. وهناك غاية أخرى من هذا الاستهلال وهي النظرة إلى المرحلة الزمنية الآن، وهذا المراد الأول بالرجوع إلى التاريخ، لمساءلته أو محاكمته أو إدانته، وهنا نلمح في المسرحية الدعوة لمعرفة الذات والتاريخ الآن، لاتخاذ موقف مما كان لاسقاطه على الواقع المعيش.
ينظر إلى هذه المسرحية كميزات من خلال الآتي :
- المسرحية خالية من الخطابة ومن البلاغة البيانية، فهي مباشرة،  ولهذا لا يستطيع المخرج حذف أي شيء منها منذ البداية حتى النهاية.
- المسرحية بنيت على مركزية تاريخية، ويظهر ذلك من خلال ثبت المراجع التي رجع إليها المؤلف.
- واقعية المسرحية، حيث تمثل سيرة غيرية تاريخية للشخصية الرئيسة فيها " طورغوت " وما الانزياحات الوصفية كتعظيم الشخصية مثل وصف طورغوت وقوته وحنكته إلا كنتيجة تصب في واقعية الحدث التاريخي، وأشير إلى ذلك بمثل ما جاء محددا وهو عدد السفن التي كانت تذكر بدقة حسابية، وعدد الأسرى أيضا، وكذلك تحديد الفترة الزمنية التي تمر فيها تاريخية الشخصية والأحداث في المسرحية مثل ذكر السنة.
- كثرة الشخصيات في المسرحية نتيجة طبيعية لواقعية الحدث، فالمسرحية تتحدث عن الحرب أو حالة مستمرة من التعارك، وهذا يتطلب حتما تعددا في الشخصيات المسرحية.
وقد قرأت النص المسرحي " طورغوت " للشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة قبل يوم واحد من عرض المسرحيّة ، وقلت بأن المخرج لا يستطيع أن يخرج هذا النص المسرحي إلا معتمدا بشكل كلي على النص المسرحي ، لأن النص المسرحي لمّ بكل جوانب الشخصية المسرحية التاريخية طورغوت وبلغة واضحة ومحددة تماما ، حيث لا يوجد هناك مجال لتخيلات بعيدة عن الواقعية " واقعية شخصية طورغوت " وهذا ما فعله المخرج تماما باعتمادة النص المسسرحي كركيزة للعرض ، وهنا قد يتساوى المخرجون من حيث هذه النظرة ، فليس الأمر بحاجة لمخرج محترف أو مخضرم وآخر يطرق باب الاحتراف.

ينظر إلى هذا العرض كقراءة من خلال القدرة التوظيفية الفنية والتقنية ، والتي تمثل على خشبة المسرح بشاشة سينمائية كبيرة ، حيث سعى مخرج العمل إلى اغتيال أي أفق توقعي لدى المتلقي ، فقد فتحت خشبة المسرح أصلا على شاشة سينمائية ضخمة تنفتح على البحر ، وهنا دلالة على أن المعارك التي خاضها طورغوت كانت بحرية.
لكن المخرج استخدم هذه الوسائطية ليست كإحالة مرجعية على الماضي، بقدر ما استخدمها كحالة عرض مسرحي يمثل الآن على خشبة المسرح ، ولهذا بقيت الشاشة السينمائية كبطل كبير في العرض المسرحي ، وربما تأخذ من العرض أكثر من 40 % ، وهذه الصورة السينمائية لا تندرج في إطار الصورة والمسرحية ، لأنها ستأخذ المتلقي بعيدا عن المشاهدة الحية ، وهو بالتالي أي المخرج سيأخذ العرض المسرحي خارج الإدانة الآنية ، مهما استغرقت المسرحية في التاريخية ، لكنها لم تكتب كحالة تارخية ماضوية ، بل لإسقاطها على الواقع العربي المتشظي كثيرا في ظل فرقة ضخمة وحراك شعبي قوي كان نتيجة لفساد كبير طاغ.
فالمتلقي أمام الشاشة السينمائية يرى سفنا عتيقة تجوب البحر ، ويسمع أصوات المدافع البحرية ، ويرى الدخان من السفن وحطامها ، ويأتي الحوار الحي مرة أو مرتين ؛ ليسم الموقف وما يحدث في المعركة كمذيع للنشرة الإخبارية ولكن كما يقال " غائب طوشة " كان غائب الطوشة سيبدو المتلقي في حضورية صورة سينمائية بدأت من بداية العرض وختمته أيضا ، ولم يحفل المخرج كثيرا بالمتلقي حتى أنه عرض أسماء الذين سيمثلون العرض على خشبة المسرح على الشاشة السينمائية ، وقد كرر هذا العمل في البداية والنهاية ، وكانت النهاية وهو يعرض لنهاية العرض كصورة سينمائية وصلت إلى درجة استقزام المتلقي.
ومن جانب آخر فإن هذه الصورة السينمائية صورة مركبة " ملصقة " في العرض أي أنها لم تصنع بقدر ما أخذت من معارك حربية، أي أنها مادة فلمية ليس للمخرج فضلا بها ، بل لجأ إليها بشكل أو بآخر ، أي أن المخرج لا يعود له الفضل بإيجاد مثل هذه الصورة السينمائية ، والتي استخدمت كثيرا في العروض المسرحية في ألمانيا تحديدا كإدانة مرجعية لما حدث من أهوال الحرب العالمية الثانية والنازية والفاشية ، وعرض طورغوت تمثل بهذه الشاشة و قد جاءت ليس كصورة تسجيلية ، أي أن المخرج اعتمد بإخراج العرض المسرحي بحضور مشاهد سينمائية لم يصنعها، ولكنه أسقطها على المسرحية كتوثيق سينمائي لأحداث ليست موثقة بالصور كمادة فلمية.
ومرة أخرى ، نجد المخرج يستخدم موسيقى ليس لها أي بعد موسيقي عربي " إسلامي " وهنا أشير إلى الموسيقى الأندلسية ، والتي مازالت سائدة في شمال أفريقيا المغرب والجزائر وتونس مثلا ، وسيضعنا المخرج للمرة الثانية أمام موسيقى سيمفونية Symphony أوركسترا Orchestra " وهي غربية ، ولكنها ليست موسيقى ذات تواؤم مع العرض المسرحي ، وهنا يطرح السؤال لماذا لم يقم المخرج بصناعة موسيقى ؟ أعتقد أن الأمر استهواه كثيرا كما فعل في الشاشة السينمائية ، لجأ المخرج إلى موسيقى ليست من صنعه ، وإنما هي موسيقى مسجلة كإسطوانات أسقطها على العرض ، ولكن لو نظرنا إلى المنطقة وفي الفترة الزمنية التي عاشها طورغوت لوجدنا حضورية كبيرة جدا للموسيقى الأندلسية ، وكان حري بالمخرج أن يلجأ لهذه الموسيقى ، وأن يقوم بصناعة موسيقى تتواءم مع البعد العربي والإسلامي، لأن الشخصية المعروضة على الخشبة شخصية إسلامية ذات وجود عربي، وهذه الموسيقى مرة أخرى سنجدها تتقاسم العرض المسرحي مع الصورة السينمائية ، ومرة أخرى أصم المخرج آذان المتلقين بهذه الموسيقى وبصوت صاخب، ولكنه لم يستطع أحيانا أن يوصل صوت الممثلين إلى المتلقي.
في نهاية العرض المسرحي وقف المخرج طويلا عند ترديد " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وكان الترديد بشكل صاخب ومكرور كثيرا ، ليكون خاتمة العرض المسرحي ، وبشكل غير مبرر أيضا... وقد رأيناه يستحدم كل الفضاء المسرحي للعب المسرحي ، فيأتي مثلا بربروس من صالة المتفرجين ، وكذلك يدخل نعش طورغوت من صالة المتفرجين ، ومهما يكن من أمر المحاولة على شد انتباه المتلقي ، لكننا نستطيع أن نقول باستطاعة المخرج أن يستخدم فضاء الخشبة المسرحية، وهي كافيه ليقدم عرضه المسرحي ، لأن خشبة المسرح هي أصلا خشبة كبيرة وواسعة ، ويستطيع المخرج أن يتصور كل الرؤى الإخراجية عليها ، قد لا تكون هذه مثلبة ، ولكن المخرج قام بها لاستشعار المتلقي بالحدث الذي يدور على خشبة المسرح كاكتساب التعاطف في حالة موت طورغوت ، والإحساس بالزهو في حالة ظهور بربروس كقائد كبير... لكني مازلت أميل لاستخدام الخشبة كعرض مسرحي من دون استخدام صالة المتلقي.
في هذا العرض المسرحي نلمح الأداء التمثيلي حسب ، لأن العرض ارتكز كلية على النص المسرحي ، وقام بأداء ما جاء في النص المسرحي ، ولهذا نستطيع أن نسم الممثلين بأنهم أدوا عرضا مسرحيا ينطبق تماما على النص الدرامي.
إن المسرحية كنص كتب بلغة عربية فصحى ، ولم يكن فيه ركاكة ، وبحديث كل الشخصيات المسرحية بما فيها الغربية والتركية ، وأحب أن أشير إلى لغة الاميرال بربروس والتي بدت كلغة ركيكة غير مفهومة عندما وصل إلى جنوه لملاقاة الاميرال " اندريا دوريا " ، وظهر بربروس مرة أخرى بلغة أكثر وضوحا وهو يتكلم إلى طورغوت ، إن هذا التفاوت في اللغة لم يكن موفقا لأسباب ، منها : أن اللغة العربية يفترض أن تكون صبغت اللسان التركي في شمال افريقيا ، بسبب مدة الحكم الطويلة ، ولم لا يكون كذلك وهو يحكم شعبا عربيا ؟ والجيش سيكون من العرب وأقل ما يمكن قوله سيكون من العرب في حالة نشوب الحرب والقتال، فحري بقائد الأسطول أن يتكلم اللغة العربية الواضحة ، ومرة أخرى إن هذا القائد الكبير بربروس كقائد مسلم يقرأ القرآن باللغة العربية ، ويفترض أن تكون قراءة القرآن بلغة واضحة.
بدت السينوغرافيا - بعيدا عن الشاشة السينمائية - تتمثل بأرض يابسة تشكلت بصور قليلة، ولكن غلب عليها طابع متجانس ، وربما تكون هذه السينوغرافيا التي تمثلت بالمجلس والشاطئ وكساحة تعارك وخصام مرة أخرى حركة سينوغرافية تتواءم مع العرض المسرحي ، فاستطاع المخرج أن يشكلها كنتيجة لرؤية العرض المسرحي ما بين فترة وأخرى.
في السينوغرافيا استخدم المخرج الجماجم لبناء برج منها ، قد تكون الصورة مبالغ فيها كثيرا على خشبة المسرح ، صحيح إن هذا الأمر ورد في النص المسرحي ، وقال طورغوت بأنه سيبني من جماجم الأعداء برجا ، لكن تمثيله على خشبة المسرح قد يشكل قراءة سيئة للتفاهم الحضاري ، وهذا التفاهم الحضاري ينطلق من أن المسلم لا يمثل بأعدائه ، بل يقوم بإكرام الميت ودفنه ، فكيف بطورغوت أن يفعل هذا؟ ما قيل كلفظ ربما لم يطبق كواقع ، وما طبق كواقع بقسوة لو افترضنا أنه طبق ، لا يطبق على خشبة المسرح ، فالواقع شيء ، وخشبة المسرح شيء آخر مهما كانت الواقعية فيها ، فالمخرج كان حري به أن يكتفي بالإشارة اللفظية لهذه المقولة وليس كصورة مرئية على خشبة المسرح.
في مثل هذا العرض قد تكون الإضاءة ليست فنية ، بقدر ما هي واقعية تخدم العرض المسرحي الواقعي ، وربما لا يستطيع المخرج أن يتلاعب بها ، كما يفعل مثلا مع التدريبات والحركات الجسدية للمثلين كفرادى ومجاميع ، فتبدو الإضاءة تبين عن حدوث حالة ما توجه الإشارة إلى ما يحدث الآن ، ونذكر من ذلك اللقاء الذي يجمع بربروس بأندريا للتفاوض بشأن طورغوت من أجل إطلاق سراحه... ومرة أخرى كانت الإضاءة أحيانا كثيرة تطغى عليها الإضاءة السينمائية أثناء العرض السينمائي.
لجأ المخرج إلى تدريبات أو حركات تدريبية على خشبة المسرح ، قد تكون هذه التدريبات عسكرية أو رياضية كحصة معلم الرياضة في مدرسة ابتدائية مثلا ، لم تكن تلك التدريبات ذات بعد تعبيري بقدر ما كانت حركات رياضية لا تنم عن شيء ، ومرة أخرى سنجد أن المخرج استخدم الحركة كتدريب رياضي وليس كتعبير مسرحي ، علما بأن المسرح قد استخدم الرقص الحديث البالية واستخدم الرقص التعبيري المعاصر ، وكان بإمكان المخرج أن يلجأ إلى أحدهما وإن كان الأفضل اللجوء إلى الرقص التعبيري ، والذي يعطي مشهدية فرجوية بصرية للعرض تقلل من طغيان الشاشة السينمائية... إذن فالحركة التدريبية ليست تعبيرية ، وإنما هي حركات ادائية رتيبة جدا.
في نهاية الأمر مهما قلنا عن هذا العرض ، نستطيع القول بأن العرض المسرحي بقي أمينا من حيث النص المسرحي ، ودار العرض في إطارية رئيوية للنص، فهذا العرض عرض مسرحي نصي تماما. 
المرجع:
سلطان بن محمد القاسمي، مسرحية طورغوت، منشورات القاسمي، الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، 2011م.

1-المرجع نفسه ص14 2-المرجع نفسه ص15 3-المرجع نفسه ص15 4-المرجع نفسه ص16 5-المرجع نفسه ص23 6-المرجع نفسه ص23 7-المرجع نفسه ص24 8-المرجع نفسه ص25 9-المرجع نفسه ص25 10-المرجع نفسه ص34 11-المرجع نفسه ص34 12-المرجع نفسه ص35 13-المرجع نفسه ص38 14-المرجع نفسه ص38 15-المرجع نفسه ص39 16-المرجع نفسه ص43 17-المرجع نفسه ص49 18-المرجع نفسه ص51 19-المرجع نفسه ص53 20-المرجع نفسه ص55 21-المرجع نفسه ص62 22- المرجع نفسه ص69

تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9