أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الجمعة، أغسطس 31، 2012

مسرح المونودراما / منصور عمايرة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أغسطس 31, 2012  | لا يوجد تعليقات

الكاتب الأردني منصور عمايرة 


1- المونودراما:
مما لا شك فيه، أن الإنسان الفرد، هو الذي يصنع الحياة من خلال الفكر والرؤى التي تتبلور لديه، وتنبت تلك الرؤى بعدا اجتماعيا من أجل خدمة الإنسان من خلال الفرد، ربما هذا يقودني إلى القول أن النظرة إلى مسرح المونودراما من زاوية الفردية في التعاطي الركحي، من خلال فرد واحد وهو الذي ينقل في الوقت ذاته رؤية فرد من خلال نص مكتوب، وهنا نتحدث عن وجود المؤلف الفرد، لينتقل هذا النص من مادته اللغوية الممتلئ بالإشارات والرموز، والمحمل بالأبعاد الدرامية للإنسان كفرد من خلال الجماعة. لم تعد النظرة إلى الفرد في العصر الحالي، بأنه يمثل طابعا رومانسيا في ظل التغييرات التي يشهدها العالم، وبوتيرة متسارعة جدا حتى وصلنا إلى التكنولوجيا والعالم الافتراضي، فيغدو العمل المونودرامي عملا جماعيا يعبر عن رؤية جماعية من خلال تجربة إنسانية فردية، لكنها تلتقي مع تجارب الآخرين، لتكون المونودراما ذات طابع رؤيوي جماعي، والغاية منها المجتمع أو تسليط الضوء على حركية ودينامكية المجتمع في جانب إنساني ما، لتعبر بالتالي عن وجودية الحياة، فالمونودراما تعتبر معطى مسرحيا تتبلور فيه جماليات المسرح الجماعي الذي يتمثل في عدد من الممثلين.
إن المحرك الأساس للإنسان في المجتمع راهنيا، هو البعد النفسي الفردي، ولهذا يتشكل المجتمع من أبعاد سيكولوجية للأفراد، وهذا لا يعني أنها تتنافر ما بين فرد وآخر، ولكنها تلتقي معه في جزئية ما، فالتعبير عن تجربة فردية لم تعد فرديا في ظل التواصل التكنولوجي العالمي، والحضور الإعلامي الكبير الذي يشهده العالم في كل مكان، فأصبح التأثر والتأثير ظاهرة حياتية يعيشها الإنسان في كل أطراف الأرض. "كان المسرح بالنسبة للأغريق طقسا دينيا يكرس أفضل العقول النابهة في المجتمع لخدمته"1ومازال المسرح يخدم المجتمع. وخدمة المجتمع من خلال المسرح، تتبلور في مكونات المسرح الرئيسة، وهي النص المؤلف، الإخراج العرض، الممثل الفعل. وإذا ما كانت جزئية الترفيه والمتعة جزئية أساسية في المسرح، فإن "  المسرح الجيد يتخطى مجرد الترفيه ... إذ إن فن المسرح يعتمد في جوهره على حصيلة المعرفة في شمولها العام ... على قدرة الإنسان على الاستكشاف والتعجب والتأمل "2 ولهذا سنجد أن المسرح لا يتوقف على البعد الجمالي فحسب كما يبين ذلك هوايتنج، بل إنه يتكون من بعيدن:الجمالي، والذهني." فالجمالي يعمل على سد حاجات الإنسان العاطفية وإشباع نهمه إلى كل ما هو جميل مثل الفنون الأخرى كالموسيقى والرسم والرقص، والذهني يتضمن التعبير عن نسبة هائلة من أعظم الأفكار التي تفتق عنها عقل الإنسان"3
وبما أن عقل الإنسان يتمثل في أبعاد "ابستمولوجية" معرفية لفهم الوجود في الحياة، ولفهم وجود الإنسان وتطلعاته وحركته الدينامكية عبر الزمن، ولهذا خلق الفنون وأوجدها سواء تلك التي تتمثل بالتعبير مثل الأدب، أو تلك التي تتمثل بالحركة، وتلك التي تتمثل بالتقمص والأداء والمحاكاة للأفعال، أو تلك التي تمثل الصورة بأشكالها المختلفة.
وكان المسرح " أبو الفنون " جميعها نتاج عقل الإنسان؛ نتيجة للتفكير والتأمل، وحالة الاستهجان والتعجب، التي كانت تواجهه في حياته، وهي بحالة تصاعدية تراكمية، نتيجة لجدلية حدثت ما بين عقل الإنسان والأشياء التي تحيط به.
ولهذا قد لا نبالغ إذا ما قلنا أن المونودراما، هي بنية الإنسان الفرد، العقل والعاطفة، ونتيجة لتفاعل العقول والعواطف، كان لا بد أن تصبح الدعوة للتشاركية، لتكون الحياة على أساس عادل من حق الجميع المشاركة بها، وهذا لا يعني أن المونودراما ذات بنية شوفانية، بقدر ما هي تجربة إنسانية فردية يشار إليها بالبنان، وبما أن الإنسان اجتماعي، سنرى أن معاناته أو أفكاره وأحاسية وشعوره يشاركه بها آخرون، فالمسرح كما يقول جان دوفينيو " هذا المكان الذي نلقي فيه أمام أنظار الجميع، ذلك الوجه الشاحب، لكائن منتزع من فوضى الحياة الغثة، بما فيها من ضياء وظلام، المسرح هو الأداة التي تبدع الإنسان، عندما تمثله وتجعل من الوجود خلقا مستمرا "4 فهذا الخلق المستمر يصنعه الإنسانن ومهما حاول أن يظهر دوفينيو البعد الجمعي في العمل المسرحي لأنه بالتالي ظاهرة اجتماعية، فهو لن ينكر الجزئية الفردية في إطار الجماعة والمجتمع، وهذا لا شك فيه بأن المسرح هو تجليات اجتماعية.
إن المسرح الذي يقوم على بنية الحوار ما بين الممثلين، وقبل ذلك في نص الكاتب وبعد ذلك في المتلقي، فالحوار موجود في المونودراما من خلال خلق هذا الحوار، وهذه طبيعة بشرية أن يتحدث الإنسان لنفسه،  وقبل ولوج العمل كان العمل فكرة، أو صورة ذهنية، والممثل الوحداني في المونودراما يتحدث مع الأشياء الأخرى التي تتمثل في الفضاء المسرحي، والتي تشاركه الحياة، فكل ما يحيط بالإنسان هو حقيقة مشارك له بحياته، إذن فهو يحاوره بمختلف أساليب الحوار المتدرجة في أحيان كثيرة، والمتقلبة والمتغيرة حسب الظروف والرؤية العقلية والمقدرة بالتحكم العاطفي، ولا يستطيع الاستغناء عن هذه الأشياء، ولو كان بإمكانه لم تكن هناك سينوغرافيا مسرحية أو ديكورية على الخشبة، لكننا سنجد أن الأشياء هي التي تشارك بصنع الحدث، فالمرآة مثلا لاتكون ديكورا من دون جدوى، أو تشاركية في العمل المسرحي، فالمرآة قد تبين حالة الفخر عند الإنسان، أو حالة الغضب من الدمامة والأخلاق، أو حالة الزهو، أو حالة التغير، وهذا ما نجده في الحياة اليومية للإنسان المتغير.
وبالنظر إلى الممثل من خلال الحضور الجسدي الفاعل، نجد أن الممثل يملك جسدا واحدا يستطيع أن ينقل لنا التعابير المختلفة من خلاله، وهذا يؤكد أن كل الممثلين على خشبة المسرح سينطلقون من فردية الممثل، فهذا الممثل " إنسان يعمل بجسده على مرأى من المتفرجين واهبا جسده إياهم "5 فالجسد في هذه الحالة يمثل دورا روحيا يتلاقى مع الجمهور ومع ذات الممثل أيضا.
والممثل يبدو هو المحور الأساسي في العرض المسرحي، هو الذي يجعل المتلقي مشاركا في العرض المسرحي، والممثل في العرض الجماعي والعرض المونودرامي من حيث الصفة العامة هو هو، مع خصوصية أن من واجب الممثل في المونودراما، أن لا يخرج عن إطار أنه يمثل على خشبة المسرح مع ممثلين آخرين، يبدو أنه يستحضرهم ذاتيا، وبمشاركة فعالة مع الجمهور؛ فتحويل الجمهور من سلبي إلى إيجابي مسؤولية تقع على الممثل " فالممثل حين ينجح في أداء مهمته يحول الجمهور من مشاهد سلبي إلى مشارك إيجابي في إنشاء دلالة الحدث المسرحي، الأداء الجيد يجعل المشاهد في اشتباك جدلي مع العرض وجوديا ومعرفيا، فيبدو الحاجز ما بين الممثل والجمهور قد تلاشى..6   
إن الحديث عن المونودراما كعمل درامي، لم يلق الكثير من الدراسات والإشارت إليه، وأن الكثير من المنظرين في الدراما تجاهله تماما ولم يتعرض إليه، في الآونة الأخيرة بات هناك اهتمام من خلال احتفالية دولية تهتم بمونودراما النص والعرض، وهذا ما يشهده العالم العربي، وهناك جهود دولية مثل جمعية الممثل الواحد العالمية، والمهرجانات العالمية والعربية في بعض الدول العربية، ومسابقات في المونودراما بالنص والعرض، وهذا يؤكد على حضورية المونودراما في الوقت الراهن،  وتبين الدكتورة نهاد صليحة بأن المونودراما "لم تظهر بشكلها المكتمل إلا إبان الحركة الرومانسية منذ منتصف القرن الثامن عشر، وتتعرض نهاد صليحة للتطور التاريخي للمونودراما- علما بأنها لم تكن معروفة بصيغتها التي تم التعارف عليها فيما بعد- من اليونان وحتى المسرح الحديث وما يدور الآن. *  
 أتفق مبدئيا على تعريف المونودراما " Monodrama " على أنها المسرحيّة التي يقوم بها ممثل واحد، يقف على خشبة المسرح ويقوم بكل العرض المسرحي.
ربما نؤكد أن الجدل في المونودراما موجود، ولكنه ليس بالمنظور المتعارف عليه في المسرحيّة الجماعية، فهناك الجدل الذاتي وهو محاولة الركون إلى تفسير ما، وكذلك الجدل من خلال استعراض الممثل يكون ملتحما مع الجمهور، وهو جدل بشكل أو بآخر؛ لأن العرض المسرحي يتوجه إلى الجمهور.

2-  الزمن في المونودراما :
يبدو أنه من الصعب القبض على الزمن، لكن الإنسان يحس بوجودية الزمن وبتأثيره الفاعل على الحياة الإنسانية بشكل عام، والكثير من علماء الفلسفة والنفس، تطرقوا لمفهومية الزمن. إن غاستون باشلار في كتابه جدلية الزمن، حاول أن يؤسس فيه ما أسماه "علم نفـس الزمان" إذ يبين أن " الفلسفة النفسية لم تعد سوى فلسفة زمنية... ومفهوم الزمن النفسي عند برجسون، هو معطى مباشر من معطيات الوجدان، ويقترن بالحالات الشعورية والنفسية، ويقترن بالديمومة، والتي تعني أننا نميز الزمن كانسياب مستمر، فلا يتميز اختبار الزمن باللحظات المتتابعة، بل بشيء يدوم عبر التتابع والتغير.7 
إن الإنسان يتعامل مع الزمن في ظل الحياة اليومية كخطية تسير باتجاه أفقي، في منتصفه نقطة الصفر، وتمثل الزمن الحاضر، وما قبلها يمثل الماضي والمستقبل يكون ما بعدها.8   
ومن هنا يؤكد البعض أن الزمن لا يعدو عن شيئين: زمن فيزيائي خطي لا متناه، وله ما يطابقه عند الإنسان، وهو المدة المتغيرة، ويقيسها الفرد حسب إحساسه، وهواه، وزمن حدثي وهو زمن الأحداث التي تغطي حياة الإنسان كمتتالية من الأحداث.9 
الكاتب الفرنسي "  آلان روب غرييه " وفي حدييثه عن الزمن الروائي، يبين أن الزمن يقاس بالمدة الزمنية التي تستغرقها قراءة الرواية، وبعد الانتهاء منها لا يعد زمنا، وكأن الرواية التي تغطي أحداثها الزمنية سنين طويلة، لا يزيد زمنها على ساعة أو ساعتين.  وإذا تحولت إلى فيلم لا تزيد مشاهدتها على أكثر من هذا الزمن.  من  خلال  تصور  آلان روب غرييه  نجد  أنـه لا  يوجـد  إلا الزمن الحاضر، أما  اللاحاضر، فسواء  أكان قبل أو بعد ليس له وجود. 10  
إن حضور الممثل بجسده على خشبة المسرح يمثل حضور الزمن من خلال الجسد، فحضور الجسد هو الحالة الراهنية التي تمثل الزمن، نجد أن وجودنا يتمثل من خلال جسد الممثل وبالتالي هو جسدنا نحن المتفرجين، وليس فقط الوجود بل هو "ساحة تصورات لكل ما يؤثر فينا هنا وهناك، ومجال رهانات سياسية وثقافية واجتماهعية ودينية وميثية "11 
إن الحديث عن الزمن يقودنا إلى الحديث عن الزمن النفسي، وهو الذي يبدو أكثر أهمية وخاصة في العرض المسرحي المونودرامي- وليس العرض المسرحي الجماعي استثناء- لأن كل شيء يدور الآن، مهما عاد بنا النص المسرحي والعرض المسرحي إلى الوراء، لكن ما يجسد على خشبة المسرح من ركح يمثل البعد الزمني الحاضر، وربما أكثر ما يبين عن حضور الزمن الحاضر الزمن النفسي الذي نلمحه من خلال التمثيل والأداء، وهذا ما ينعكس على الممثلين، لتصوير حادثة ما وقعت، لكننا نحس الآن بالزمن الحاضر، ويتلبس هذا الزمن البعد النفسي للشخصيات المسرحيّة، إن العامل النفسي، لارتباطه الشديد بين الحالات الشعورية للذات وواقعها المعيش، وهناك نظرة تربط بين موضوع الزمن والتكنيك الزماني في الأدب الحديث، وأهمية الزمن في النظريات النفسية، فقد استعير مجرى الشعور بلوازمه الفنية من التداعي النفسي إلى المونولوج الداخلي، ومنطق الصور.12 
وبناء على هذا، نجد أن الزمن النفسي أكثر أنماط الزمن ارتباطا بالحالات الشعورية، ونتيجة للتغيرات في كل مناحي الحياة فأدى إلى انسحاب الذات إلى ذاتها، وشعرت بالعجز، فتداعت أحداث الماضي، واستشراف المستقبل على الذات في اللحظة الآنية.13 ولهذا نلمح في العرض المونودرامي، وقبل العرض النص المونودرامي، أن الزمن النفسي يكاد يسيطر على جملة العمل برمته، وما العودة إلى الماضي من خلال المناجاة، والاستذكار، ما هو إلا دليل واضح على تشظي الإنسان في الحاضر، فالمونودراما تعتمد على المناجاة الذاتية. المناجـاة النفسية، في العرض المسرحي المونودرامي تناجي الذات نفسهـا، بحيث تقـوم ياسترجاع الأحداث الماضية التي عرفتها الشخصية ومرت بها، ويعرف تكنيك مناجاة النفس بأنه تكنيك تقديم المحتوى الذهني والعمليات الذهنية للشخصية مباشرة من الشخصية إلى القارئ بدون حضور المؤلف مع افتراض وجود الجمهور افتراضا خاصا.14 إن ما قاله روبرت همفري عن الرواية يكاد ينطبق تماما على المونودراما نصا وعرضا. فالزمن يتمثل في المونودراما "  بالزمن النفسي ... بالتركيز على الماضي والحلم  "15 
ويبدو أن الفرد "الإنسان" هو صنيعة مجتمعه، وبالتالي فالتعبير في المونودراما يبين عن صراع مهما كان هذا الصراع خفيا، ولابد من الإشارة إلى أن صراع الإنسان مع نفسه في العرض المسرحي المونودرامي هو صراعي تمثيلي، وليس مجرد أي حالة عادية من حالات التعبير اليومي، الممثل المسرحي ينقل لنا حالة إنسانية تملك تصورات عن الحياة الإنسانة، وهي تعبير عن الاندهاش والفجيعة، وهي تعبير عن التأمل للوجود من خلال نقل معاناة معينة، ليتخذ الإنسان شكل المقاومة أحيانا، وربما في المونودراما تبدو المقاومة استسلامية لكنها أيضا مقاومة تعبر عن الرفض، حيث أن " التناولات المعاصرة  لمسرحية هاملت قد اتخذت طرائق متعددة، وذهبت في التفسير لأحداثها مذاهب شتى، يتجه بعضها إلى تطبيق علم النفس الفردي على شخصية هاملت، ويتجه بعضها الآخر إلى دراسة البيئة الاجتماعية والأخلاقية والسياسية التي تربى فيها هاملت، فاتجاه التحليل النفسي يقدم تفسيرا فرديا لشخصية البطل في علاقاته بالشخصيات الأخرى، بصرف النظر عن عوامل التأثير والتأثر باﻟﻤﺠتمع الذي يعيش فيه، وهناك الاتجاه الثاني الذي يبدأ من مسلمة معاصرة، هي أن الفرد صنيعة مجتمعه، وأن انتصاراته وهزائمه هي نتيجة حتمية لإملاءات هذا اﻟﻤﺠتمع...16  
وبما أن الزمن الذي يشكل حياة الإنسان متعدد دائما، نتوقف عند تقسيم الزمن المسرحي إلى عدة أزمان :
1- زمن النص: وهو زمن متخيل، صورة ذهنية.
2- زمن العرض: وهو الزمن الفيزيائي، زمن يسير باتجاه واحد إلى الأمام، أي متصاعد منذ البداية.
3- زمن الحدث في العرض المسرحي: وهو بدا مختلفا في المسرح المعاصر، حيث نجد من خلال حضور الآن والحاضر يبرز الزمن الماضي بشقيه الفيزيائي والسيكولوجي.
4- الزمن النفسي: وهو زمن الشخصية "الممثل" زمن ذاتي للفرد، ويرتبط بالجماعة .
يبدو أن الزمن النفسي في المسرح المونودرامي، هو الذي الذي سيبدو أكثر وضوحا وحضورا في العرض المونودرامي، وذلك بسبب حضور الممثل الواحد، والذي لابد له أن يلج الماضي في العرض المسرحي، وربما يدور العرض المونودرامي كله في الذكريات أو التداعي الحر أحيانا، ويتشكل هذا الزمن بأشكال تعبيرية تظهر على الممثل مثل:
 أ- المونولوج: الحديث النفسي "  الذاتي "  والذي يدور ما بين الإنسان وذاته، وقد يبدو بصورة عاطفية غير قابلة للعقلنة، فتبدو الشخصية المونودرامية منقادة تماما لعاطفتها التي تسيطر عليها الآن. 
ب- المناجاة: تتميز مناجاة النفس في المسرح بطبيعة مزدوجة، حديث مباشر إلى الجمهور وحديث نفسي يعبر عن الصدق مع الذات..17، وهذا الصدق مع  الذات يمتزج من صور عقلية وعاطفية، وهنا نستشعر الإحساس بالاغتراب وفقدان الماضي، ومن خلال ذلك تبدو الشخصية المونودرامية متلبسة بالضعف، وكأننا بها تميل إلى العقلنة. 
ج- استحضار الغياب: إن بنية الغياب التي تطلبها الشخصية في المونودراما حالة نفسية تعود به إلى الشيء المفقود، والذي تأمل أن يعود، أو تتمنى أن تتواجد هذه الحالة الآن، وكأننا نلمح صوت العقل بصراع مع العاطفة المتأملة بحدوث ما تريده الشخصية الآن، وهذا ما يجعل الشخصية في حالة من الحزن والاكتئاب، وإن بدت صورة الأمل التي تتشبث بها الشخصية ليبدو مؤملا بحدث استرجاعي، ولكن المفقود لا يعود.  
د-  الإحساس الآني بالماضي وما يحدث الآن: وربما هذه الحالة تنطبق بشيء ما مع حالة استحضار الغياب، ولكن الأمر يبدو فيه فارق وإن بدا قليلا، وكأن الشخصية هنا تركن إلى الحاضر بشيء من التعقل، والزمن المنصرم بات مقطوعا.
هـ- الجانبية: إن الحديث الجانبي أو الهمس المسموع أو المتهدج، هو ما يدور بين الممثل المونودرامي وذاته المستبطنة، وكأن الشخصية المونودرامية تطلب استعطاف الآخرين، وهنا يبدو الجمهور يسمع هذا الصوت الخافت وعلى علم به، ولا تحس الشخصية بالخجل بقدر ما تكون الجانبية نوعا من العتاب أو اللوم وتقريع النفس، وهي نوع من طلب النصيحة كما تبدو. 
وربما ينطبق على هذه الحالات الشعورية من خلال الزمن النفسي عندما نصف مسرحية بيكيت " شريط كراب الأخير" بالقول: إن شريط كراب هو عبارة عن حالة إنسانية تعبر عن الماضي من خلال ذكريات رجل عجوز، إن هذا العجوز يريد أن يقول شيئا، وهو في أشد حالات الاكتئاب الإنساني التي يمر بها كل واحد في لحظات معينة، عندما يدرك بأن القطار قد فاته، القطار في شريط كراب غادر ولم يبق إلا الذكريات، ووقف كراب على خشبة المسرح صامتا، ومن دون ذاك الشريط سيعطى تفسيرا واحدا، بأن كراب أراد أن يقول شيئا ولكنه لم يستطع، ووجود الشريط أفصح عن شيء يريد أن يقوله للآخر.

3- التطبيق:
" مسرحية شريط كراب الأخير صموئيل بيكيت "
إن مسرحية شريط تسجيل كراب الأخير، هي مونودراما تمثل البعد السيكولوجي لكراب، تمثلت المسرحيّة بالمناجاة والمونولوج والجانبية، سواء أكان في سرد الشريط لحالة كراب الفيزيائية، وتوقفه عندها الآن كبعد نفسي يعيش في اللحظة، أو كان من خلال حضور كراب في المسرحيّة حينما يتولى الحديث عن نفسه، وهو إعادة لتلك الحالة التسجيلية لماضي كراب المفقود.
ونستشعر ذاك البعد النفسي لكراب من خلال الجسد، إن بيكيت أعطانا وصفا دقيقا لكراب من خلال قوله "  كراب ذو وجه أبيض، أنف أرجواني، شعر رمادي مشعث، غير حليق نظره قصير للغاية، لا يلبس نظارة، سمعه ثقيل، صوته مشدوخ، أداؤه مميز، سيره يقتضي جهدا كبيرا "18 إن هذا الوصف الجسدي يشي بحالة من الضعف الرهيبة التي تظهر عن إنسان هدّه الزمن، وبات غير مرغوب به، من خلال فقدانه لمقومات حياتية لازمة لاستمرارية الحياة التبادلية والتشاركية مع الآخرين، فالسمع ثقيل وهذا يعطي دلالة أنه يعيش في وقت مضى، فكراب في نهاية الستين من العمر وتبدو حياته بدأت تسير منذ زمن بعيد، ونلمح سكونية كراب من خلال صوته المشدوخ والذي يفصح عن مكوثه وحيدا، فهو يبدو كمن لا يحادث الآخرين، إذن هو في عزلة، والعزلة ربما وقد تشاركت بالكبر قد جعلت صوته مشدوخا، ونظره بات ينحصر عن الرؤى، وهذه علامة تدل على كبره، كل هذه العلامات تعطينا نبرة إقصاء لكراب، فهو المقصي من الآخر الذي بات بعيدا عنه، وغير قادر على استحضاره، فالتغير الزمني ارتسم على جسده الهرم، وهناك دلالة أخرى تبين عن اللامبالاة عندما يوصف بشعره المشعث، وهذه دلالة عالى اعتزال الآخرين أو ان الآخرين اعتزلوه.
لابد إذن وهذه الحالة لكراب أن نستشعر الحالة السكونية التي بات عليها الآن، فلا توجد لديه  دوافع إغراء، ليكون فاعلا في هذا الوقت.
ثم نلاحظ عبثية وجوده مرة أخرى عندما يوصف " كراب رجل عجوز مرهق يرتدي بنطلونا أسود كالحا، قصيرا جدا عليه، وصدريته سوداء، بدون أكمام، بها أربعة جيوب واسعة، ساعة فضية ثقيلة وسلسلة، قميصه أبيض متسخ، مفتوح من الرقبة وبلا ياقة، ينتعل حذاء غريبا، أبيض قذرا، برقبة عالية، ضيقا جدا ومدببا..19 فهو علاوة على ضعفه يبدو إنسانا مهمِلا، ومهمَلا، فالمهمل الأولى تدل على أن الزمن لم يعد يأبه به، ومهمل الثانية تبين عن عدم الاهتمام من قبل الآخرين به، فهو بهذه الحالة يمثل بعدا سكونيا أقرب للموت من الحياة، ويتجلى هذا الإهمال بجانبيه من خلال قميصه المتسخ وبنطاله الأسود، والقميص يبدو بشكل مزري، وهو مفتوح من الأعلى ومن دون ياقة، وكذلك نلمح بكراب صفة القذارة، وهذا ما يؤكد حقيقة الاهمال من نفسه ومن الآخرين.
وتتمثل حالة السكون التي تبين عن اللامبالاة بقوله " يمر بأصابعه على إصبع الموز برفق يقشره يطوح القشرة داخل المكان المخصص للاوركسترا، يضع في فمه نهايه طرف إصبع الموز، ويبقى دون حراك، محملقا أمامه بالفراغ في النهاية تداهمه فكرة "20
إن مداهمة الفكرة له تجعله كمن صعق بكهرباء، فهي تبعث فيه الحركة واليقظة "  يذهب باقصى سرعة إلى خلفية خشبة المسرح داخل الظلام، فيعود مرة ثانية إلى داخل بقعة الضوء وهو يحمل دفترا عتيقا "21
وفي النهاية تعود حالة السكون لتطغى على العرض المونودرامي في شريط كراب عندما يقول بيكيت "  كراب دون حراك محملقا أمامه بينما شريط التسجيل مستمر في صمت " 22
إن حالة كراب الحالية تمثل لحظة ذهول مما يعيشه الآن، وهو يفقد ماهية الأشياء التي كانت تتعلق بالصحبة كحالة وجودية دينامكية، لتصل به الحالة الآن إلى حالة من الثبات والسكونية المطلقة.
فالجسد الساكن لكراب هو حالة نفسيه، وحركة الجسد الرتيبة من خلال اختفائه في الظلمة، ولا نسمع إلا قرع الكؤوس يعزز حالة السكون النفسي، ليمثل العرض الزمن النفسي الذي يعيشه كراب.
ونلمح دلالة الزمن من خلال قول بيكت واصفا لحجرة كراب وما يتخللها من أشياء " على المائدة جهاز تسجيل بميكرفون، وعدد من صناديق كرتون تحتوي على شرائط تسجيل... 23 من هذا الوصف نلمح الزمن الفيزيائي لكراب، إن شريط التسجيل والمسجل تدل على الزمن الماضي، والذي بات شيئا بعيدا عن الحياة وكأنه صورة ذهنية، وربما أكثر من ذلك عندما بات الزمن صورة ارشيفيه وثائقية تعبر عن حياة انقضت. ونلاحظ أن الزمن تمثل ببقعة ضوء قليلة تسقط على كراب، ولكن العالم الآخر من حوله خارج دائرة الضوء، وهي بالتالي خارج دائرة الزمن والحدث. 
ومرة أخرى نلمح الزمن الماضي من خلال قوله " يعود داخل منطقة الضوء وهو يحمل دفترا عتيقا "24 هذا الدفتر العتيق حالة استذكارية للزمن الماضي، ويبدو أنه يمثل حالة حميمية قصوى عند كراب، لأنه حالما داهمته الفكرة أسرع يبحث عن هذا الدفتر. إن الدفتر أعطاه جرعة يقظة وحميمية، وكأن الزمن الآن ينقله من حالة الاكتئاب والوحدة إلى حالة من الفرح، فهو يقول بعد إحضار الدفتر " منتشيا آه، يقرأ الصندوق الثالث باستمتاع شريط، يبتسم بسعادة.. يبدأ التحديق والبحث بفضول في الصناديق"25
ويتكرر هذا المشهد الذي يوحي بالسعادة ومن خلال هذه السعادة يتمتم مرات كثيرة شريط ويتذكر الربيع والمربية السمراء، ثم يقول وداعا إلى الحب، ويضع الشريط في المسجل" 26
إن هذه الحالة المبهجة لدى كراب هي حالة الماضي الأليف الذي كان يعيشه فيما مضى، ويبدأ الشريط يعيد سيرة كراب الزمنية الماضية، ويبدو في تلك اللحظة عصبيا " يخبط بعنف الصندوق .. يلقي الدفتر بعنف على الأرض .. لكنه يستأنف الاستماع مرة أخرى " 27
تبدو حالة العنف والغضب فقدان اللحظات السعيدة في الوقت الحاضر. إلا أن كراب وهو يعود بتذكر الماضي ومن خلال الحضور؛ ليؤكد لنفسه أن الضوء الذي يسقط فوق المائده يقلل من وحدته، وسرعان ما يتكرر الظلام من حوله، هنا يفتقد كراب لحظة الحميمية الماضية.  ويستذكر اللحظة الحميمية لأيام الصبا عندما يذكر أغاني العجوز " كانت تقول إنها أغاني صباها وإن كان من الصعب تصورها كصبية " 28
إن الجملة الأخيرة تشي باستدعاء الماضي، فالصبا يكون بالماضي، ولكنها الآن عجوز، وهو يؤكد هذا لنفسه. ولكنه بحزن وفجيعة يقول " منذ لحظات كنت أصغي إلى عام مضى ... لكن من المؤكد أنه ليس أقل من عشر أو اثنتي عشر عاما مضت... في ذلك الوقت كنت على ما أظن لا أزال أعيش على نحو متقطع مع بياكا في شارع كيدار .. عجبا أن تكون نهاية ذلك، مشروع ميؤوس منه .."  29
هذا التذكر يعود بكراب إلى حالة العاطفة التي ولت، ولكنها لحظات حميمية، وبدا غير مصدق بأن ذاك الحدث مرت عليه سنون طويلة، ثم يأخذ كراب يشرح بياكا معجبا بها ومحبا لها، وهو يتذكر الحياة السعيدة والمفقودة الآن.  ويصل بنا إلى حالة اكتئاب وحزن وهو يقول " من الصعب أنني كنت في أي وقت من الأوقات ذلك الصبي الصغير"30 وبحالة أكثر حزنا يقول "  كل ذلك قد انتهى تماما"31 وأكثر حزنا عندما يغني"  النهار الآن قد ولى وليل يجر وراءه ليل أشباح "32 هذا المقطع الغنائي يبين عن الحسرة النفسية التي يمر بها كراب في الحاضر، ولكن السبب بغياب ذاك هو الزمن الذي ظل يسير لا يأبه بأحد، فبقي كراب يعيش في صورة ذهنية للزمن الماضي ذكريات متشظية بسبب زمن مفقود فيزيائيا، والحضور الطاغي الآن هو النزمن النفسي.
ومرة أخرى نتلمس اللاجدوى مما يفعله كراب " آه انته من شرابك الآن وآو إلى فراشك، وفي الصباح واصل حديثك الحمق " 33 الحديث واضح عن عبثية ما يفعله الإنسان وكأن الماضي بكل ما فيه من ذكرى جميلة أو بائسة في الوقت الحاضر يبدو عبثيا وكأنه لا شيء.  ويصل إلى درجة عالية من الاكتئاب والحزن"  ربما تكون أجمل سنوات عمري قد  مضت، بينما  كانت  هناك  فرصة للسعادة، لكني لا أريدها أن تعود " 34 إنها حالة من الرفض لشيء لا يمكن أن يعود الآن إنها حالة من العبثية.
والعبثية في المسرحيّة تعبر عن حالة الفقدان والغياب، ومهما حاول استجداء أو رفض الماضي بحضوره سيبقى غيابا، وما عدم الاهتمام بالنفس من حيث الهندام ووساخة الهندام، وتقشير إصبع الموز وإلقائه في المكان، ووضعه في جيبه وإهماله أيضا، لأنه لم يأكله، تؤكد البعد النفسي الطاغي في مونودراما شريط كراب الأخير من خلال الزمن الفيزيائي المتواري.
فالزمن الفيزيائي في مسرحية شريط كراب الأخير، يتمثل من خلال الماضي كتاريخ سار بشكل لا متناه حتى وصل هذه اللحظة التي يمثلها كراب على الخشبة، وأثناء العرض يبقى الزمن التاريخي الكرونولوجي يسير ما بين كل فعل وآخر، وربما هذا ما لا يدرك من قبل المتلقي؛ لأنه الآن يعيش في الزمن النفسي ويتشارك مع كراب في هذا الزمن، ولكن الزمن التاريخ سيدرك من خلال بداية العرض والسير فيه ونهايته.  وقد تمثل الزمن الفيزيائي لكراب، كما تشي به المسرحيّة من خلال سردية لحياة كراب الماضية، وما تمثل فيها من الجانب العاطفي الجميل الذي عبر عنه بقوله " هناك فرصة للسعادة، لكني لا أريدها أن تعود " 35 ولكنه الآن لا يريد إعادته، والسؤال كيف سيعاد ؟ إن رفض كراب لإعادته يمثل حالة جدلية مع الزمن الفيزيائي الذي لا يعود، ويؤكد على حضور الزمن النفسي الذي يمثل الحضور.
ولم يبق الحوار في مسرحية شريط كراب الأخير ذاتيا، بل هناك حوار يبدو موجها للجمهور، وخاصة عندما يقوم كراب بسرد جانبا من قصته، ولم يكتف بما جاء في الشريط، وهذا السرد التمثيلي كان حوارا موجها للجمهور، وبدا الحوار الموجه إلى الجمهور بوضوح أكثر، بعدما أدرك كراب حقيقة الحضور "  الآن " وقد أبان عن ذاك الحوار بقوله"الآن أختتم هذا الشريط، الصندوق الثالث الشريط الخامس، ربما تكون أجمل سنوات عمري قد مضت، بينما هناك فرصة للسعادة، لكني لا أريدها أن تعود"36
وحالة السكون التي مثلت تأمل لكراب في نهاية المسرحيّة، هي حالة تمثيلية يتأملها الجمهور، تبين عن علاقة اشتباك ما بين الممثل والجمهور، وكان هذا الاشتباك بعدما استطاع كراب أن يجعل المتلقي يستمع إليه بعقله وقلبه وبعينيه أيضا. 

الهوامش :
1- قرانك م. هوايتنج، المدخل إلى الفنون المسرحيّة، ترجمة كامل يوسف وآخرون، نشر بالتعاون مع مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر القاهرة نيويورك 1970،
2- هوايتنج، المرجع نفسه،
3- هوايتنج، المرجع نفسه،
4 - جان دوفينيو، سسيولوجية المسرح، ترجمة حافظ الجمالي، وزارة الثقافة، سوريا، دمشق 1976
5- نديم معلا، الجسد والمسرح، مجلة عالم الفكر، مجلد 37 ابريل يونيو 4 الكويت، 2009
6 - جوليان هلتون، نظرية العرض المسرحي، ترجمة نهاد صليحة، مكتبة المسرح مركز الشارقة للابداع الفكري. 
* انظر كتاب الاتجاهات المسرحيّة المعاصرة نهاد صليحة مهرجان القراءة للجميع، القاهرة، 1997
7- غاستون باشلار، جدلية الزمن، ترجمة خليل أحمد خليل، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، د ت،
 8- مراد عبد الرحمن مبروك، بناء الزمن في الرواية العربية المعاصرة، الهيئة المصرية، 1998
9- سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، الدار البيضاء، المركز الثقافي، 1989،
10- سعيد يقطين، المرجع نفسه،
11- إبراهيم محمود، الجسد والزمن، مجلة كتابات معاصرة، 1997،
12- مراد عبد الرحمن مبروك، بناء الزمن في الرواية العربية المعاصرة، مرجع سابق،
13- مراد عبد الرحمن، المرجع نفسه،
14 - روبرت همفري، تيار الوعي في الرواية الحديثة، ترجمة محمود الربيعي، دار غريب، القاهرة، 2000،
15- نهاد صليحة، الاتجاهات المسرحيّة المعاصرة، مهرجان القراءة لجميع، القاهرة، 1997
16- سعد أردش، المخرج، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1979،
17- جوليان هلتون، مرجع سابق،
18- صامويل بيكيت، خمس مسرحيات تجريبية لصامويل بيكيت، ترجمة نادية البنهاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1992،
19- المصدر نفسه، ص27
20- المصدر نفسه، ص28
21- المصدر نفسه، ص28
22- المصدر نفسه، ص40
23- المصدر نفسه، ص27
24- المصدر نفسه، ص28
25- المصدر نفسه، ص28
26- المصدر نفسه، ص29
27- المصدر نفسه، ص30
28- المصدر نفسه، ص31
29- المصدر نفسه، ص31
30- المصدر نفسه، ص32
31- المصدر نفسه، ص32
32- المصدر نفسه، ص33
33- المصدر نفسه، ص39
34- المصدر نفسه، ص40
35- المصدر نفسه، ص40
36- المصدر نفسه، ص40
***
منصور عمايرة كاتب وناقد مسرحي وروائي أردني
Buqasem_21@yahoo.com

تابع القراءة→

0 التعليقات:

مسرحية مونودراما "ابن فضلان في بلاد العربان " منصور عمايرة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أغسطس 31, 2012  | لا يوجد تعليقات

الكاتب الأردني منصور عمايرة 


مسرحية 
ابن فضلان في بلاد العربان 
"  مونودراما  "  
الشخصيّات :
ابن فضلان 

( المسرح، هناك حصان خشبي في الطرف الأيمن من المسرح، تمثال للخليفة في الطرف الأيسر من المسرح... بقرب التمثال أكمة )
( الضوء يبدو معتما، وتزول العتمة شيئا فشيئا، ويبقى الضوء خافتا )
( يسمع صوت قادم من بعيد يصل خافتا )
صوت: اللعنة عليك، أنت مطرود من حاشيتي.
( تسمع همهمات الحرس، وهم يقرعون الأرض بأقدامهم )
( الضوء يبدو أكثر سطوعا ويسلط على الطرف الأيمن من المسرح )
ابن فضلان : أستميحك عذرا يا مولاي أن تؤجلني بالإجابة عن هؤلاء القوم وهذه البلاد قليلا، حتى أنهي كل الأخبار التي أحملها لك كهدهد سليمان، و كجن سليمان الذي جاء بعرش بلقيس منكسا... فأنا طفت بلادا كثيرة أبحرها وبراريها مدنها وصحاريها... أتأمرني يا مولاي أن أخبرك عن تلك البلاد المهزولة، إذا كانت هذه رغبتك وأنت صاحب الأمر والنهي، سأقول لك بأن تلك البلاد، وأولئك الأقوام ضعفاء العزيمة، وأحصنتهم خشبية هي بلاد وأقوام تحكمها أنت.
صوت : " يبدو الصوت أكثر وضوحا، يسمع من مكان قريب "
اللعنة عليك يا ابن فضلان.
ابن فضلان : " ملتح وخط شعر لحيته الشيب، يدخل المسرح مدفوعا من الخلف بقوة، يسقط على الأرض، ينهض مثقلا متوكئا على يديه، يذرع المكان بخطوات طويلة وسريعة "
" تعتيم "
" تبدأ العتمة بالتلاشي "
ابن فضلان : " يرقد بين شواهد القبور... ينهض متثاقلا حزينا ومندفعا أحيانا... وهو يخاطب التمثال، تمثال الخليفة في الجانب الأيسر... يفضح الضوء تمثالا مركونا في طرف المسرح الأيسر"
ها أنا أعود يا مولاي من رحلة طويلة ومضنية، لا، لا يا مولاي أنا لا أتذمر بقولي مضنية، لكني وكما تعلم أنا إنسان، يداخله التعب والضنك، فيبدو على وجهي وقلبي؛ لهذا قلت كانت الرحلة مضنية، نعم، لم أجد فيها متعة مهما كانت صغيرة كبقية ثمالة في قعر كأس ماء، لا تروي عطش الجسد، أو كلمة لا تشفي ألم الروح.
" يصمت قليلا "
العفو يا مولاي أنا لم أعد إلى التذمر، وأنت ربما تراني كذلك، لكن غايتي أن أصدقك القول بكل المهمة التي شرفتني بها، نعم وكلفتني بها.
"وهو يقترب من الحصان الخشبي "
جئتك بخبر يقين... والله الأمر مضحك أترى تلك الأكمة؟ نعم، نعم تلك الأكمة التي هي في مرمى النظر، رأيت أقواما عاجزين عن الوصول إلى تلك الأكمة، هذا سبب كبير يجعلني استبعد المتعة في هذه الرحلة، أو قل أنساها، وأغمض عيني عنها، لأن الآخرين يبدون بحالة لا يصدقها أحد، هم غير قادرين على معرفة هذه الأكمة، أو كما يقال "وراء الأكمة ما وراءها " ليعرفوا ما يختبئ وراء الأكمة.
" صوت ضحك ينقلب إلى قهقهة "
نعم، من حقك أن تضحك على هؤلاء، من حقك أن تتمتع بالضحك.
" ضحك صاخب "
لا، لا يا مولاي لديهم أحصنة… المشكلة أن أحصنتهم خشبية، فاقدة القوى… نعم، يستطيعون أن يستعيضوا عنها بأشياء أخرى، لكن الأمر…
" يذرع المكان بخطوات طويلة وسريعة مرتين …"
لكن الأمر...
" يصمت وهو يفرك فروة رأسه بشده "
لكن الأمر...
" يصمت وهو يعبث بيديه "
لكن الأمر ليس بهذه البساطة.
" يقترب من الحصان الخشبي يخاطبه"
هناك أمور أكثر تعقيدا تزيد بعجزهم.
" يركض نحو التمثال، يقف أمامه "
نعم، نعم يامولاي، سأقول لك ما الذي يعجزهم.
” يقترب من التمثال ويهمس في أذنه " 
هم صاروا كخشب مسندة.
" يضحك "
قواهم خائرة.
" يضحك "
نفوسهم غير قادرة على ولوج شيء.
" يبدو حزينا ويصمت قليلا "
" ينتقل بسرعة إلى جوار الحصان الخشبي، ويشير من بعيد إلى الأكمة "
لم تعد مقولة " اطلبوا العلم ولو في الصين " تقرع آذانهم.
" يشير إلى التمثال "
لمَ ؟ تسألني يا مولاي لمَ ؟ لأن الصين أصبحت بين ظهرانيهم.
" يذرع المكان بخطوات طويلة وسريعة "
انظر إلى هذه الأكمة… نعم، نعم هذه الأكمة القريبة، إنها بلاد الصين، خطوات قليلة، ألم أقل بأن بلاد الصين لم تعد بعيدة؟
" يقف في الطرف الأيمن من المسرح مبتعدا عن الحصان الخشبي، وهو يبدو حزينا منكسرا "
لكن الهمة بعيدة.
" يسير باتجاه الحصان بطيئا.. بطيئا وهو ينشد "
" وإذا كانت النفوس كبارا    
تعبت في مرادها الأجسام "
"وهو يربت على الحصان الخشبي ويخاطبه بحزن "  
الأجساد نائمة، كأن غمامة المُدام سكنت فيها لا تريد أن تبرحها.
" يضحك حزينا "
" يقترب من التمثال بخطوات وئيدة "
والنفوس وضيعة، كأنها استسلمت لفراغ الرأس من المخ.
" يضحك "
" ما للجمال مشيها وئيدا  
أجندلا يحملن أم حديدا "   
نعم، حديث مضحك وحزين كما تقول يا مولاي... وأنت تستحثني على معرفة تلك البلاد التي جلبت إليك الضحك الكثير، والحزن القليل من حيث تدري ولا تدري، إنها في أرض الله الواسعة.
لا تفتح عمورية عندهم بصراخ امرأة، ولا بإبادة وطن، أو ضياع وطن؟!
" يسرع إلى الحصان الخشبي يخاطبه "
ها أنا أعود، سأقول له: إن رحلة ابن فضلان جاءت بثمرها كله، إلى حد التخمة رأيت هناك أناسا أكثر حاجة برحلتي إليهم من الذهاب بأطراف الأرض، اسمع يا مولاي، والشاعر عندهم محقور، إنهم قوم لا يعرفون الشعر، نعم وأكثر من ذلك يضعون شعراءهم في السجون، والكلمة مقتولة، رأيت بأم عيني أصحاب الكلمة يسيرون في الطرقات بأحوال رثة وبؤس، نعم إنهم أقوام يغتالون الكلمة.
" يصمت قليلا وهو يسترق السماع للحصان الخشبي "
أسمعك تسألني عن هذه البلاد، وكم كنت أود ألا تسألني عنها، لهذا تظاهرت بالصمم والغفلة، ولكنك كررت السؤال ثلاث مرات، وها أنت تظهر لي دهشتك بأنه لم يعلمك أحد عن هذه البلاد من قبل، إن الدهشة
مفزعة عندما تفج الحقيقة.
سأعلمك عنها يا مولاي، لكني أريد أن أحدثك عنها حتى النهاية.
" يصمت قليلا، وهو يتمايل بنشوة النصر مبتعدا قليلا عن الحصان الخشبي"
جئتك يا مولاي بخبر يقين، وأنا أمشي في تلك البلاد التي فاضت بالصحراء، بلاد الصحراء العربية...
" يقترب من التمثال وهو مازال يترنح "
لمن هذه البلاد التي تطاول أهلها بالبنيان؟ نعم لديهم بنايات يقال لها ناطحة للسحاب، أنا موجع، ونادم، لكن ما الذي يشغل الغريب مثلي، إذا ما بقي صامتا لا يسأل أو لا يحير جوابا لسائل..؟
" يهمس للتمثال "
تستطيع أن تقول بأني وجدت المتعة بالأسئلة، واللذة بسماع الإجاية، إنها أبنية كرتونية، نعم، نعم أبنية من ورق كل ما فيها لم يصنعه أهل هذه الأرض... لا شيء فيها من صنعهم، خاوية من الحنين، لا تحوي ذكريات...
" هل غادر الشعراء من متردم    
أم هل عرفت الدار بعد توهم "
" وهو يحتضن التمثال "
أقسم لك أن الشاعر لا يقدر على قول الشعر بين هذه البنايات المتطاولة، ولن يخطر ببباله ذكريات درستها الأيام، لكنها مليئة بالحنين الذي يوجع صدورنا، ولا نستطيع أن نغمض أعيينا عنه مهما كان قاسيا.
" يصمت قليلا، ويبدو زاهدا بالتمثال، يبتعد عنه خائفا منه "
في تلك البلاد سال النفط يغذي الآخرين، نعم، هذا شيء يشار إليه بالبنان عندما تمد للآخرين يدا.. ولكني حزين، لأن هذا النفط صار ينشر الجوع في بيوتهم ورأيت الفقر متربصا بهم...
" لو كان الفقر رجلا لقتلته "
أسواق الشعر هدمت، والجوع انتشر.
" يسرع إلى الحصان الخشبي يركبه "
هذا الحصان الأعجف لا يعنية الكمبيوتر والطائرات، عجبا، عجبا ما بالهم ...
" ينزل عن الحصان بسرعة، يأخذ المكان جيئة وذهابا، وهو يتمتم ويعبث بيديه "
وأنا أجول بأطراف تلك البلاد، قلت له من أين أنت أيها الفتى؟
" ينحني أمام التمثال "
بذلة وإنكسار أجابني، أنا من بلاد الصحراء العربية... ذات يوم كان للصحراء مجد، صحراء العربان الحارقة وهجت روحة لينطلق، ذات يوم كان لهم مجد.
" وهو يتحسس التمثال ويربت عليه "
لججت بأسئلة كثيرة متتالية، وكلما سألت سؤالا ندمت، لم يعد أحد يسمع كلمة.
أماتت الكلمة؟ إني أسمع صوتك هامسا على استحياء من بين أطراف الأسنان، ماتت الكلمة وعاش الدولار.
وهل صنعتموه؟ لم تصنعوه، غزاكم الدولار ولم تصنعوه!
" وهو مازال يتحسس التمثال "
وكلما قلت لنفسي سأصمت عن طرح أسئلة تستولد الإجابات أسئلة أخرى، فقلت بخضم تلك الأسئلة المحشورة في صدري، وماذا فعلتم؟ ماذا صنعتم ؟ " يبتعد عن التمثال صارخا " ماذا صنعتم ؟ ماذا فعلتم ؟
" يشير بيده إلى التمثال "
أرجوك ارفق بي، أنا فزع بإجابتك، نستخدم كل وسائل الحضارة والتقدم ...
" يقترب من التمثال "
أنا فرح، أنا فرح، أحس بنشوة الفرح، أرى أنكم ما زلتم تمدون للمجد يدا...
" إذا القوم مـدّوا بأيديهم
 إلى المجد مـدّ إليه يدا "
" يصمت قليلا "
ماذا تقول؟ ماذا أسمع؟ أنت تفج سمعي بهذا الكلام الذي يطربني..
" يحضن التمثال"
تمدون أيديكم إلى كل ما صنعت الأيام؟ أنا فرح، انظر إلي، ألا ترى؟ تأخذني نشوة النصر، أنا سعيد بما أسمع، ولو أنكم اغتلتتم الشعر والكلمة والحكمة؛ لكنكم مازلتم تسجلون أسماءكم في الزمن.
" يصمت قليلا "
ما هذا الصوت الصارخ في وجهي؟
" ينتفض مبتعدا عن التمثال، وهو يسرع إلى الحصان الخشبي"
تسجلون أسماءكم في سجلات المستهلكين والمدينين من الدرجة الأولى.
" وهو يضرب الحصان بيده "
لم أفهم، لم أفهم... ، أسمعك، سيوفكم ثلمت؟
" يربت على الحصان "
أحمد الله؛ لأنكم لم تعودوا بحاجة للسيوف، هذا فضل ربكم.
" وهو يسترق السماع إلى الحصان الخشبي، يبتعد عنه فزعا "
لا، لا، لا تقول لي بأن عزيمتكم ثلمت، لا تقول، اشحذوها، اشحذوها. لا، لا. أتقول لي ما من همم، أغتلتم الهمم؟ وتقول لي إنها اختفت وراء الأكمة، هذه الأكمة القريبة؟
" وهو يبدو متبرما، يقترب من التمثال "
وتقول نعم؟  قالوا " وراء الكلمة ما وراءها " لا أريد أن أسمع هذا الكلام، لم تذهبوا إلى الأكمة، عجبا أسمع، وتقول لم العجب؟ كيف تقدرون على شحذ الهمم؟ كيف تفرحون لسماع الشعر وقول الكلمة ؟
" وهو يبتعد عن التمثال يسرع إلى الحصان الخشبي، يركبه"
سأرحل من فوري.
" وهو يخاطب الحصان الخشبي"
لمن هذه الديار، أتقول إنها الديار الشرقية من الأرض العربية؟ جلت دياركم أبحث عن مدنكم العتيقة، لم أجد لها وجها. أتماهت فيها كل الأقنعة؟ لله دركم؟ أضاعت؟ وضاعت غيرها؟ وقطعوا البلاد وشردوا العباد؟ لم أسمع بهذه الكلمة من قبل... قطعوا... قطعوا " يردد قطعوا " أنا راحل من هنا.
انظر يا حصاني مابال الشباب والشيوخ يتمسكون بتلك الأبواب الحديدية المؤصدة؟ أنت؟
" وهو يخاطب الحصان "
نعم أنت، مابالكم تقفون على الأبواب الحديدية مثقلون بالهموهم؟ صرتم تقفون طوابير على أبواب أمريكا وأوروبا حبا بالشبع، ورغبة برؤية حياة خالية من الاكتئاب والحزن؟
" وهو يخاطب الحصان الخشبي "
سأرحل إلى الصحراء، إلى أقاصي الصحراء...
" وهو يسترق السماع إلى الحصان الخشبي "
أسمعك تضحك، لماذا تضحك؟ وضحكك صاخب، توقف توقف.
" يلطم الحصان الخشبي "
لم تعد لك ... الصحراء لم تعد لك؟
" وهو يتعلق بالحصان الخشبي "
الصحراء؟!
لا تتهمني بالغربة، لست غريبا، لكن كلامك عن الصحراء يوجعني... ما بالها مابالها؟ أبيعت بالدولار؟ لله دركم أيها العربان...؟ لله دركم، أغواكم الدولار! أحدثتم أشياء كثيرة في بلادكم.
" وهو مازال يتعلق بالحصان الخشبي يخاطبه "
أتقول الكل يهرع وراء الدولار؟ ولا قول في هذا الزمن إلا للدولار.
" ينزل عن الحصان فزعا، ينتقل من مكان إلى آخر بخطوات واسعة وسريعة ... يقفز فوق الحصان الخشبي، يلبث قليلا، ينزل، يذرع المكان مرة ثانية ... يقترب من التمثال "
عمّ تبحث؟ الصحراء لم تعد تستولد الشعر ولا العزيمة، تستولد " البترول " النفط ... لا بأس، لا بأس، مازلتم أسياد الصحراء، أرجوك لا تقل لي بأني واهم، ماذا أسمع ؟ هيهات هيهات ؟! ورأسي ذهبت بعيدا؟
" ضحك ساخر "
أسمع ضحكا ساخرا، ماذا؟ الصحراء والنفط لمن يملك الدولار...؟ ألم تعد لكم الصحراء برمالها وحرها؟ أرحلت؟ لم يبق لكم شيء؟
" يقترب من الحصان يعانقه "
" فإن  تبغني في حلْقة القوم تلقنـي     
وإن تلتمسني في الحوانيت تصطد"
" وهو يخاطب الحصان "
سأرحل ضاقت بي دياركم، قد ضاق هذا العيش بي، أين المفر؟
" وهو يقترب من التمثال منكسرا حزينا "
أستميحك عذرا يا مولاي أن تؤجلني بالإجابة عن هؤلاء القوم وهذه البلاد قليلا، حتى أنهي كل الأخبار التي أحملها لك كهدهد سليمان، و كجن سليمان الذي جاء بعرش بلقيس منكسا... فأنا طفت بلادا كثيرة أبحرها وبراريها مدنها وصحاريها... أتأمرني يا مولاي أن أخبرك عن تلك البلاد المهزولة، إذا كانت هذه رغبتك وأنت صاحب الأمر والنهي، سأقول لك بأن تلك البلاد، وأولئك الأقوام ضعفاء العزيمة، وأحصنتهم خشبية هي بلاد وأقوام تحكمها أنت.
" يبدأ المسرح بالتعتيم، تسمع صوت جلبة وصراخ في الخارج... وحركة جنود،  يفضح الضوء ابن فضلان وهو في السجن وبقربه الحصان الخشبي، وبدا تمثال الخليفة بعيدا، اختفت الأكمة، وظهرت شواهد القبور قرب التمثال "
" يقترب من التمثال"
كيف تحاكمونني بتهمة الخيانة، تقولون يا مولاي ... أنا لا أوجه لك اتهماما ، بل أفتح عينيك على أمانة كلفتني بها، راودتك نفسك أن تزهو قليلا في مجدك بأطراف الأرض، وكلفتني بالرحيل، لكني لم أستطع الوصول إلى تلك الأطراف، ولم أنجز المهمة، لأني بقيت أدور في مكاني، في الأرض التي تحكمها.
" يقترب من الحصان الخشبي "
خنت الأمانة ؟!
" يصمت قليلا "
لم أخن الأمانة، جئتك بخبر يقين.
" يصمت قليلا، وهو يجلس أمام التمثال راكعا "
نعم، نعم لم أقم بالمهمة أصلا، كنت أود القيام بكل ما طلبت مني يا سيدي، أن أذهب إلى تلك البلاد لأرى ما فيها، ننقل لها صورتنا التي نود أن تكون، ننقل لها ثقافتنا، لكني وأنا في وسط الطريق هجم علي في عرض البحر قراصنة، لم تكن سحناتهم غريبة عني، إنهم يشبهونني، نعم يا مولاي يشبهونني، وأكثر من ذلك إنهم يتكلمون لغتي، أخذوني رهينة، وسرقوا كل ما كان معي في القافلة المنطلقة إلى بلاد الظلمات التي أرسلتني إليها، وجدت نفسي في ظلمات، كانوا يعيشون في ظلمات، الصحيح لم يؤذوني، كم وددت لو أنني لم أشرع بتلك الرحلة، رأيت أشياء تدمي قلبي، وتدمع عيني، أشياء لن يقبلها عاقل لبني البشر، أترى يا مولاي، وأنت تخاطب الغيمة " امطري حيث شئت فخراجك لي " كان القراصنة جوعى، كان القراصنة مغبونين، محرومين من الحقوق، خرجوا على الناس فصاروا يقطعون الطرق في البحر والبر، وقالوا  " الجوع كافر" ومرة ثانية أسمعك يا مولاي تقول " لو كان الفقر رجلا لقتلته"
" يصمت وهو يزحف مقتربا من التمثال "
الحقيقة كانت أكبر من ذلك.
" يبدو أكثر حزنا، ينهض ويهرول بخطوات سريعة وطويلة في المسرح، وهو يقترب من التمثال "
كانت الحقيقة أكبر من ذلك، كان الفقر أوطانا، رجالا نساء صبية، انتشر الجوع..
" يصمت يسرع إلى الحصان الخشبي.. يركب الحصان الخشبي.. "
وأنتم تريدون محاكمتي على الخيانة؛ لأني لم أصل إلى تلك البلاد التي سنفتخر بأننا نشرنا فيها ثقافتنا، ولكننا أغمضنا عيوننا عن قراصنة من بني جلدتنا وقومنا، يسرقون الناس في بحرهم وصحرائهم.
" يصمت قليلا "
جئتكم بخبر يقين، وأنا أدور في بلاد العربان، رأيت الناس يقطنون المقابر... وسادتهم يرددون " أنا ربكم الأعلى ".
" من علم الأسود المخصي مكرمةً
أ قومه  البيض أم  آباؤه  الصيد "
" يصمت قليلا "
وأنتم تريدون مني أن أبلغ ثقافتنا كما تقولون إلى أطراف الدنيا.
" بصوت عال "
وأنا لست حرا ... ما الثقافة إذا لم تكن حرية؟ ما الثقافة إذا لم نأكل ونشبع؟ ما الثقافة إذا لم تكن هناك كلمة؟ أليست كلمة حق عند سلطان جائر هي أعظم الكلام؟
" وهو يخاطب الحصان الخشبي "
أثقافة جفاء وغلظة؟ ثياب قصيرة بدوية، ونعال صحراوية، أهذا الدين؟ لا أعرف، لا أعرف، أحس برأسي فارغة.
" يصمت قليلا، ويخاطب الحصان الخشبي "
ما الدين إذا وضعنا كمامات على أفواه الناس؟ ما الدين إذا ألزمنا نفوسنا ذلها وهوانها ونحن نردد : في فمي ماء ماء ماء؟!
" يصمت قليلا "
هذه البلاد يا مولاي، هي أحق بنشر الثقافة فيها من تلك القابعة في أطراف الدنيا ونهاياتها.
" يصمت... ينزل عن الحصان يقترب من التمثال... "
جئتك بخبر يقين، وأنا في بلاد العربان كانت السجون ملأى بالناس.
" يتعلق بالتمثال "
جئتك بخبر يقين، وأنا في بلاد العربان لم يعد هناك من يقرأ.
" يصمت قليلا "
أتوجد في هذه البلاد رؤى؟
" يدور حول نفسه يبحث عن شيء "
ها أنا أبحث علني أعثر عليها...
" وهو يضرب كفا بأخرى "
هاهي يداك فارغتان الآن، متى أعثر على ذاك الشيء الضائع؟
" يسير باتجاه الحصان ... يركبه، تسمع أصوات مرعبه وأصوات أناس يصرخون ويتراكضون، ينتقل بسرعة خائفا من مكان إلى آخر، يلتجئ إلى التمثال، يتمتم بصوت غير مسموع، يحاول الاحتماء بالتمثال "
إنه لا يحرك ساكنا كيف تحتمي بتمثال؟
" يتمتم، يهرول إلى الحصان، يمتطيه، يستحثه على الهرب بسرعة "
إنه خشبي، كيف ينجيك حصان خشبي من هذا الفزع ؟
" وهو يخاطب التمثال "
أنت، نعم أنت، ماذا يحدث؟ لصوص يقتلون الناس ويحرقون البلاد والعباد.
" نيرون " مجنون روما ما زال يعيش بينكم؟ ماذا؟ نيرون لم يمت، جاء نيرون من مكان بعيد فالتقى بنيرون يعيش بينكم فاحترقت البلاد والعباد.
" يدور في المسرح من مكان إلى آخر وهو يردد "
اللصوص اللصوص.
" يصمت قليلا "
أنا نيرون بإرادتي تتطهر الأوطان.
" يصمت قليلا "
وأنا نيرون باسم العنجهية سأحكم البلاد والعباد. 
" يهرول باتجاه الحصان الخشبي "
أسمعت أيها الحصان الأعجف المهزوم...؟
" وهو يقترب من شواهد القبور يخاطبها "
وأنتم ماذا تفعلون في هذه المقبرة؟ أنتم سكان المقابر، تنامون هنا، تعيشون بين الأموات، أنا أحسدكم، أراكم تتشابهون مع الأموات في حالة النوم السرمدي.
" وهو يقترب من التمثال"
أسمعت؟ هم مطرودون من رحمة الحكام.
" يسرع إلى الحصان يركبه "
جئتك بخبر يقين، وأنا في بلاد العربان كان عرابو النفط يسرقونه، وأهله غافلون.
" حرام  على  بلابله  الدوح   
حلال للطير من كل جنس "
" يسرع إلى التمثال يخاطبه منحنيا "
وجئتك بخبر يقين، لا، لا يا مولاي ليسوا غوغاء، إنهم محرومون.
" وهو يشير إلى رأسه "
 لا يكون كل شيء في الحياة بالتفكير، هناك شيء آخر يحس بوجود الحياة..
" يشير إلى صدره "
إنه القلب.
" يجثو أمام التمثال، يتعلق به.. يضحك "
دع الأمور خفيّة.
تريد إصلاح العالم، وأنت غير قادر على إصلاح أرض رعيتك التي ورثتها كما تقول من الله وحده.
" يضحك ويبدو حزينا "
من الله وحده! وبقيت تمارس علينا غواية الوصاية؟
" يبتعد قليلا عن التمثال وهو مازال جاثيا أمامه، يبدو مضطربا يحرك يديه ورأسه تارة، ويعبث بشعر رأسه ولحيته تارة أخرى "
من الله وحده!  وبقينا نصدق أنك ظل الله في الأرض؟
" يتعلق بالتمثال، يهمس إليه "
دع الأمور خفيّة.
" يصمت... يتجه صوب الحصان الخشبي بخطوات وئيدة، يركب الحصان الخشبي، ينهره، ينهره ثانية وثالثة، يبقى ثابتا... يخاطب الحصان "
تسألني لمن أنتصر، أنتصر للكلمة، للشعر بعيدا عن مهاوى ردى التفكير الذاتي... أبحث عن روحي الموجودة هنا، بعدئذ يمكنني الرحيل لأروي للآخر ما يوجد عندنا، كيف أرحل وجوفي جائع، وحقي ضائع؟ كيف أرحل وحصاني خشبي؟
كيف أرحل ونحن أمة مدججة بالهزائم، والبؤس، والضعف والفرقة، نحن أمة مدججة بالفقر والفساد واللصوص، ونهب ثروات الأمة وحرمان الآخر؟ كيف أرحل والحروب الأهليه تمزقني، ويمارس علينا الإرهاب بشبقية إلى حد الجنون؟
ليس هناك راحة أو طمأنينة، كثر النخاسون، كثر المشردون وسكان المقابر، كثر المنافقون، وعصفت بنا سلطة تقمعنا، كيف أرحل؟
" ينهار ويسقط على الأرض قرب التمثال، يزحف إلى الحصان الخشبي، يحاول التشبث به أكثر من مرة "
أين المفر؟ سأهرب من هنا، كيف الهرب؟
" وهو يتعلق بالحصان الخشبي "
نعم هذا الحصان ينجيني، سأرحل، يبدو حصانا أعجف لكني سأرحل... أين سترحل؟ الفقر والإرهاب والجوع واللصوص، الجميع يتربص بك؟
آه ! ما هذا الحزن البليد؟
" يحاول التعلق بالحصان الخشبي... يفشل "
أنا طفل صغير، رق لحالي، أغنيك كالأطفال.
" يردد الغناء وهو يزحف من مكان إلى آخر "
يا حصان يا حصان،
خذني برأفة وحنان،
أبغي النوم بأمان.
" يحاول التعلق بالحصان الخشبي مرة ومرة ومرة ... يفشل "
" يبقى ممدا، يطغى عليه اليأس "
لم يبق لك شيء تستطيع أن تلوذ به. 
" وهو ينظر إلى الحصان الخشبي "
لا، لا هناك المقبرة، نعم، المقبرة، عليك بها، اظفر بالمقبرة، بالمقبرة تكون لك أقل الخسائر، هذا صحيح، لست ميتا ولا حيا، وتعيش على هامش حياة مليئة بكل الفوضى، لكنك في مأمن من السطوات، لا مطمع لهم بك.
" يزحف إلى المقبرة "
ها هي المقبرة، هنا يرقد ابن فضلان بسلام... ( ادخلوها بسلام آمنين ) يتكور قرب شاهد القبر... يبدأ التعتيم... تعتيم... 
                                 ستار  
                         منصور عمايرة
 كاتب أردني 2009



تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9