شكَّلت الأقنعة في المسرح الشرقي وخاصة في العروض الطقسية الدرامية الآسيوية في الملاحم الدرامية الهندية مثل الرامايانا والمهابهاراتا نرى ان القناع كان يستعمل على شكل مكياج على الوجة يرمز لبعض الشخصيات (كالشياطين والآلهة والقرود) حيث يقوم الممثل بتخطيط رسم على وجهه على أشكال مختلفة، ذات ألوان سوداء وبرتقالية وحمراء وزرقاء فوق الخدين والجبهة، أو يلصق دوائر من ورق مقصوص على عظمتيّْ الفكين، ومن ثم يضع بذوراً صغيرة داخل كل عين، كي تحمّر لتضفي مزيداً من التعبير المرعب الذي يتجلّى على وجه من يُؤدِّي شخصية الشيطان .
والقناع في المسرح الشرقي له دور أساسي في التعريف بالشخصية الدرامية، فوجوه الشخصيات الخيّرة أو ذات المركز الاجتماعي النبيل في مسرح الكابوكي الياباني على سبيل المثال، وسيمة وجذابة بالعرف الياباني، فهي تُلوَّن بالطباشير البيضاء لتعطي هالة ملائكية، على عكس المسرح الصيني، في حين الشخصيات الشريرة، وذات المكانة الدنيا، تُلوَّن بدرجات مختلفة من اللون الأحمر، وظلال هذا اللون تُصمَّم على أساس عوامل مختلفة، مثل درجة الشر التي عليها الشخصية، وأما إذا كانت في حالة هياج وغضب، أو إذا كانت من أصل ريفي، ولإظهار الصفات الداخلية لطبيعة الشخصية يُستخدم مكياج (الكومادوري)، وهو عبارة عن خطوط ملوّنة على كريم أساس أبيض، فلإبراز مظاهر القوة تنحني الخطوط إلى الأعلى، ولإبراز الضعف والشر تتَّجه الخطوط إلى الأسفل، وتُصمَّم الوجوه النسائية بلون أبيض صافٍ مع خطوط حمراء حول العينين وظلال وردية ناعمة، أما ألوان البشرة الطبيعية فهي لحدِّ ما مختصّة بالتجَّار والمزارعين وعامة الناس، يُوضع المكياج في الكابوكي لمعظم الأدوار، ليس على الوجه فحسب، بل على أعضاء الجسم الظاهرة الأخرى، فعند الضرورة تُرسَم خطوط الكومادوري على الأذرع وعلى الأقدام بلون أحمر فاقع مثلاً، للدلالة على عظمة قوة جسد المحارب وجراحِهِ في المعركة، ويأتي اللون الأحمر في مكياج الكومادوري كتعبير عن القوة، أما الأزرق فهو يدلُّ على أن الشخصية ليست إنساً بل شبحاً، ويُبيِّن اللون البني أن الشخصية مخلوق ذو سمات خاصة، كما هو الحال في دور [روح عنكبوت الأرض] في مسرحية الكابوكي «تسوشي جومو» التقليدية التراثية.
أما في مسرح النو، فنرى أن النساء [اللواتي يلعب أدوارهن الرجال هنا، على عكس الكابوكي] والشياطين والأشباح، تظهر دائماً مُقنَّعة بأقنعة صغيرة تُغطِّي مساحة الوجه فقط، ومن ثمَّ تظهر أذنا الممثل ورقبته، وهذه الأقنعة محفورة حفراً جمالياً ضمن حدود غير واقعية، تملك مجالاً كبيراً من التعبيرية، مثلاً هناك قناع الشيطان أو العفريت ذو القرنين في أعلى جبهته، صاحب الابتسامة المرعبة والعينين المحاطتين بهالات حمراء كرمزٍ للشر، وتُستخدم باروكات الشعر عادةً في الأدوار التي تتطلَّب أقنعة، وهو الأمر المتَّبع في مسرح الكابوكي كذلك، إضافة للملابس البرَّاقة ذات الألوان الباهرة المطرّزة تطريزاً فخماً والموشَّاة بالفضة والذهب.
وفي أوبرا بكين التي تُمثِّل المسرح الصيني التقليدي، يرمز للشخصية بمكياج يلائم زيَّها وأخلاقيتها وسنها وطبيعتها النفسية، فمظهرها بالتالي خاضع لرمزية معيَّنة تختلف من شخصية لأخرى، فهناك مثلاً (تسينج Tsing) وهو دور الشرير الرهيب العنيف، أو شخصية الرجل الشاب، أو المرأة الشابة، أو النساء المتوسطات العمر… إلخ. والمكياج التقليدي المعروف يقوم على التلوين بكريم الأساس، فالوجوه يوضع عليها المكياح إلى أن تصبح سميكة مزخرفة كالأقنعة، مزيَّنة برسوم ذات مغزى، فالوجه الأبيض يدلُّ على الشخص الشرير، والوجه الأحمر على الرجل الشريف، والوجه الذهبي على الرجل السماوي، والوجه المخطط يخصُّ اللص، العروس تضع نقاباً أحمر، والأجداد الموتى يضعون نقاباً أسود أو أشرطة من ورق تتدلّى من أذنهم اليمنى .
المصادر :
1- ناكامورا، ماثازو، من مسرح الشرق: المسرح الياباني (الكابوكي)، ت: عبد الوهاب محمود خضر، وزارة الثقافة، القاهرة، 1995.
2- ويلز، هنري، المسرح الكلاسيكي الهندي: دراسات حول إسهامه في الأدب والمسرح العالمي، ت: علي فرغلي، وزارة الثقافة، القاهرة، 1995.
0 التعليقات:
إرسال تعليق