مجلة الفنون المسرحية
الملحمة
قصيدة سردية موسعة ذات لغة عالية كثيرة الأحداث والشخصيات مليئة بالأساطير والخرافات والشخصيات البطولية، ينسب بعضها إلى مؤلف (مثل الإلياذة والأوديسا التي تنسب للشاعر هوميرويس) لكن بعض الباحثين ينفون ذلك، فالكاتب الحقيقي للملحمة هو الشعب، لذلك نجد أشكالاً ونصوصاً متعددة للملحمة الواحدة.
كانت الملاحم تروى وتنقل شفهياً من جيل إلى آخر، وقد حظي معظمها باهتمام كبير على مر العصور وصار جزءاً من التراث الإنساني، فتمت ترجمته إلى مختلف اللغات وأدرجته منظمة اليونسكو ضمن التراث العالمي، وقد تحول عدد منها إلى أعمال فنية مسرحية وسينمائية وتلفزيونية حققت نجاحاً كبيراً لما تحتويه هذه الملاحم من أفكار وقيم إنسانية خالدة على مر العصور، ولتعدد شخصياتها وخطوط البناء الدرامي فيها، إضافة لقيمتها التاريخية والجمالية وارتباط بعضها (الملاحم الهندية) بحياة شعوبها حتى يومنا هذا. وقد تناولت العديد من الافلام ملاحم معروفة فكانت سببا في شهرة هذه الافلام وديمومتها.
الإلياذة
الإلياذة ملحمة شعرية تحكي قصة حرب طروادة وتعد أهم ملحمة شعرية إغريقية، وتاريخها يعود إلى القرن التاسع أو الثامن ق. م، وهي عبارة عن نص شعري طويل، جمع عام 700 ق.م، وتدور الملحمة حول أخيل الذي أبحر لطروادة من بلاد الإغريق لينتقم من باريس الذي قام بغواية هيلين ومن ثم هرب معها إلى طروادة، فقام الإغريق بتجريد حملة ضخمة للثأر بقيادة (اجاممنون) واشتعلت الحرب بين اليونانيين والطرواديين وانقسمت الآلهة إلى فريقين مع طرفي النزاع، وفي نهاية الملحمة ينهزم الطرواديون لكن بعد مصرع أبطال اليونانيين واحداً تلو الآخر. وفي الملحمة وصف دقيق ليس للمعارك فحسب، بل لمشاعر الأبطال النبيلة تارة، والعنيفة الوحشية تارة أخرى، ووصف لمشاعر الحب والأمومة والواجب الوطني والعشرات من القيم الفكرية والعاطفية وكذلك الاجتماعية، التي تصور لنا عادات وتقاليد الناس ومعتقداتهم الدينية. أما أبرز الأعمال التي جسدت هذه الملحمة (فيلم(TROY وهو فيلم طروادة أنتج سنة 2004 من بطولة شون بين وبراد بيت، إخراج فولفغانغ بيترسون، وهو إنتاج مشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا ومالطا، حطم الفيلم شباك التذاكر وترشح للعديد من الجوائز وفاز بجائزة الأوسكار عن فئة أفضل تصميم أزياء.
المهابهاراتا
ملحمة الهند الكبرى.. يحدد الباحثون الفترة التي كتبت بها بين (القرن الرابع ق.م – القرن الرابع بعد الميلاد) لا يعرف لها مؤلف ولها عدة نصوص غير متكاملة بالسنسكريتية، ونصوص بلغات هندية مختلفة أشهرها النص المكتوب بالتاميلية، والذي ترجم إلى معظم اللغات العالمية والأمر الذي جعل المهابهاراتا الأكثر شهرة بين ملاحم الشرق هو ارتباطها بالمعتقدات الهندوسية وعادات وتقاليد المجتمع الهندي حتى يومنا هذا على خلاف الملاحم الأخرى التي صارت جزءاً من تراث الشعوب منفصلاً عن حاضرها.
وفكرة المهابهاراتا الرئيسة هي الصراع الدائر بين أبناء العمومة (أسرة الباندافا) و(أسرة الكورافا) والقسم الأهم منها هو الحرب الطاحنة التي دارت بين الأسرتين وحلفاء كل منهم وانتهت بانتصار الباندافا بعد أن قتل معظم أفراد الأسرتين.
ولكن المهابهاراتا تحتوي خطوطاً درامية متوازية أخرى مليئة بالعبر نتعلم منها قيماً عظيمة كالوفاء والتضحية والصبر، ونتعلم أيضاً دروساً مريرة في الحب المهووس للسلطة وانهيار المبادئ والقيم الإنسانية في أوقات الحرب والمحن. وقد تجسدت في فيلم المهابهاراتا: أنتج سنة 1965 أخرجه (بابوباي مستري) وقام ببطولته (براديب كومار) و(دارا سينغ)، حقق الفيلم نجاحاً جيداً في شباك التذاكر وحافظ على روح النص الملحمي وأفكاره الرئيسة مضيفاً لها مجموعة جميلة من الأغاني والرقصات الفنية. ثم اعيد انتاجه في العام حيث أخرجه المخرج العبقري (بيتر بروك) قام ببطولته مجموعة كبيرة من النجوم منهم روبرت لانجتون وبروس ماير، وهو إنتاج ضخم اشتركت فيه الولايات المتحدة مع عدة دول منها أستراليا وأيرلندا والسويد، وقد حقق الفيلم نجاحاً كبيراً وحصل على جائزة الـ(إيمي) كأفضل عمل إبداعي، وقد حافظ أيضاً على النص الأصلي للملحمة.
ملحمة الرامايانا
ثاني أكبر ملحمة هندية بعد الماهابهاراتا، ينسب جزء كبير منها إلى الشاعر (فالميكي) لها عدة نصوص باللغات التاميلية والنيبالية والبورمية، لكن أهم نصوصها وأكثرها دقة النص القديم المدون باللغة السنسكريتية المكون من ما يقارب ألف صفحة مقسمة إلى سبعة فصول يحدد المؤرخون تاريخ كتابته بنحو1500 ق.م.
والفكرة الأساسية للملحمة هي صراع الخير والشر.. وفي كل سنة تقام احتفالات في الهند تسمى (أعياد دوشيرا) تستمر عدة أيام وكلمة دوشيرا تعني (هزيمة الشيطان ذو الرؤوس العشرة) تقدم أجزاء من ملحمة الرامايانا في مشاهد مسرحية مليئة بالأغاني والرقصات تقدمها الفرق المسرحية العريقة في المدن الكبيرة والفرق الجوالة في القرى والمدن الصغيرة، وتقدم الرامايانا كذلك في عروض مسرحية في الدول المجاورة للهند مثل بنغلاديش وبورما وبوتان.
ملحمة جلجامش
الملحمة القادمة من عمق حضارة وادي الرافدين وتحديداً من العهد السومري، وأقدم الملاحم المعروفة في العالم؛ إذ تشير المصادر أنها كتبت في القرن السابع عشر ق.م، وعثر على الألواح التي تحتوي نصوصها سنة 1853 وهي محفوظة الآن في المتحف البريطاني تحكي سيرة الملك جلجامش الذي كان ثلثاه إله وثلثه الباقي من البشر، ولأن البشر محكوم بالفناء أصبح جلجامش يبحث عن الخلود الموجود في عشبة سحرية، ويبدأ رحلته للعثور عليها وبعد سلسلة من الأحداث يعثر عليها لكنه يفقدها في طريق عودته لكنه يكتشف أن الخلود الحقيقي للإنسان يكون في أعماله لا في بقائه على قيد الحياة.
وقد حازت الملحمة على شهرة عالمية وعرضت على مختلف مسارح العالم بشكل مسرحية أو أوبرا أو باليه وقدمت في العراق غير مرة: قدمها المخرج الراحل إبراهيم جلال سنة 1966 عن نص كتبه الأستاذ عادل كاظم بعنوان (الطوفان) مع الفرقة القومية برؤية جمعت بين الحداثة وروح النص التاشريخية. ثم قدمها المبدع الراحل عوني كرومي في مسرحية (رثاء أور ) برؤية متميزة ناقش فيها فكرة قيام المدن والحضارات ثم اندثارها فيما بعد. وايضا قدمها الأستاذ سامي عبد الحميد 6 مرات برؤى مختلفة بعد دراسة مستفيضة لنص الملحمة بل وحتى موقعها الجغرافي العراقي اعتماداً على النص الأصلي أو النص المعد عنه أو النص الذي كتبته الأستاذة لطفية الدليمي وبمشاركة نخبة كبيرة من نجوم المسرح العراقي.
الجدير بالذكر أن هناك ملاحم أخرى لم تحظ بنفس الاهتمام العالمي لسبب أو لآخر مثل ملحمة (الملك جيسار) التيبتية التي رفض شعب التيبت اعتبار اليونسكو لها جزءاً من التراث الصيني.
وملحمة (ماناس) القرغيزية التي تطالب الصين باعتبارها من التراث الصيني لوجود جالية قرغيزية في الصين تعود بنسبها إلى بطل الملحمة ماناس.
--------------------------------------------
المصدر : جريدة الصباح الجديد
0 التعليقات:
إرسال تعليق