أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الثلاثاء، يناير 17، 2012

مهرجان المسرح العربي الرابع عمّان 2012 / منصور عمايرة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يناير 17, 2012  | لا يوجد تعليقات


مهرجان المسرح العربي الرابع  عمّان 2012! منصور عمايرة

الكاتب الردني منصور عمايرة

بداية لا بد أن نعي ونتفق على أن المسرح ليس لعبة كرة قدم ، والمنافسه على جائزة المسرح ليست منافسة تحاط بالعنجهية والرؤية القاصرة ، والتي تنظر إلى القدم قبل أن تنظر إلى الرأس، لتكون لعبة كرة قدم ، إن الوقوف على النتيجة النهائية للمهرجان ، يسجل للجنة التحكيم بكل اقتدار بالرغم من أني لست مطلعا على ما دار بين أعضاء اللجنة ، لكن اللجنة ضمت أسماء كبيرة وموضوعية مثل الأستاذ روجيه عساف والأستاذ حسن منيعي والأستاذ آرتي ، وهذا ما يجعلنا نؤكد أن مصداقية اللجنة ، احتكمت للرؤية المسرحية المسرحية ، وللرؤية المسرحية العربية الحالية والمستقبلية.
البعض بكى أو كاد يبكي ، وليس من منطلق حق بل من منطلق لعبة كرة القدم ، علما بأن البكائين لا يستحقون أية جائزة في هذا المهرجان لو كانت هناك أكثر من جائزة ، ووصل بعضهم إلى حالة من التشج الفكري ، علما بأنهم لم يقدموا مسرحا ، والبعض الآخر بكى وهو ليس مع العير ولا النفير ، ولكن بكاءه يندرج في لعبة كرة القدم وشتان ما بين الرأس والقدم ، وكانت غايته التي تقوم على المدح الكذاب ، ليجد له مكانا كما اعتاد منذ زمن بعيد ، ليبقى المسرح العربي في إطار لعبة كرة القدم ، كنت قد أشرت منذ اللحظة الأولى التي انتهت فيها المسرحية التونسية " زهايمر " بأنها ذات مستوى فني وتقني لا بد من الوقوف عندها ، وتأملها من قبل المسرحين انطلاقا من الر أس وليس القدم ، ما يجعلني أحس بالاشمئزاز أن الكثيرين من الذين يدعون حبهم للمسرح ، ويتحدثون عن المسرح ، ويقولون بأنهم يشتغلون على المسرح، كانت ردة الفعل لديهم متدنية جدا بدا على وجوههم الغضب وأكثر ، لأنهم ينطلقون من القدم ، وربما يبقون كذلك لمدة زمنية طويلة ، وهؤلاء الصوت الماضي طالما أثر سلبا على المسرح العربي وتراكميته وانطلاقه ، وهذا الشيء يشعرني بالحزن ، وللأسف هؤلاء هم الذين يدعون لكل مهرجان مسرحي أو احتفال مسرحي ، ليكيلون له المديح ، وهم يصمون آذاننا بأنهم أكلة، والمسرح قصعة ، وما فوقها كتف ، ويعرفون كيف تؤكل الكتف، ما جاءت به اللجنة لحظة رؤية مستقبلية رائعة يحسب للجنة أو الغالبية التي قررت أن تكون النتيجة على هذه الحالة ، لتصب هذه النتيجة بشكل إيجابي في إيقونة المسرح العربي ، الذي أحس من خلال اللجنة بالارتياح ، وهناك رؤيا وأمل ومستقبل كبير نريد أن يكون المسرح ليس مفصلا على مقاييس خاصة ، بقدر ما يكون مفصلا على مقاييس المسرح والمسرح فقط.
الجائزة في المهرجان ذهبت لمن يستحقها ويستحقها ، فالمسرح لن يكون تحت عنوان آخر إلا المسرح ، ولكن يجب أن نعي معنى المسرح قبل أن يكون مجرد فزعة ، وفي الفزعة تحمل جميع أنواع العنجهيات والرؤى الشيزوفرينية.
وأشير أيضا إلى ميزة وقد تكون ميزة وهي كلمة الأستاذ روجيه عساف ، والتي أبانت عن بعد نظر من رجل مسرحي ، وقبل ذلك هو إنسان والمسرح هو الإنسان ، إن تلك الكلمة جاءت على أشياء كثيرة تشعر المسرحي بحالة من العنفوان والانطلاق والمسرح ، وهي تستقرئ الماضي المسرحي العربي الذي بدأ بكل ما في رؤوس الأوائل منذ الستينيات ، وفي تلك المرحلة نظر للمسرح العربي وكانت الجهود كبيرة ، والآن المسرح العربي نريده كما يخطط له أن يكون مثل قرار اللجنة الأخير ناصعا ، لينتج مسرحا يتعلق على أكتاف الشباب ، وهم يستقرئون الواقع العربي المسرحي ، والواقع المعيشي ، ويعرفون الماضي المسرحي العربي ، وإن بدا عمر المسرح العربي صغيرا ، لكنه قادر على أن يكون كبيرا.
لا بد من الإشارة إلى أن هناك هنات كثيرة في المهرجان ناتجة عن انعدام الموضوعية في بعض الجوانب ، ولا أريد الوقوف عندها كي لا أفسد الفرح بنتيجة المهرجان ، والكلمات الجميلة التي قيلت من أجل المسرح وهذا يسعدني... وربما أشير إلى إعادة النظر بهذا المهرجان على كل المستويات ، كتقييم ومعالجة النقص وحتى مناقشة مسألة الجائزة ذاتها، وبحوار فكري جاد يضع نصب عينيه المسرح ، بعيدا عن المدح والبهرجة والتطبيل... وربما يشار إلى جعل جزء من المبلغ ، لتشييد مسرح في كل عام وفي بلد عربي مختلف.
لا بد أيضا من الإشارة ، إلى أن المسرحيات المشاركة في المسابقة ، كانت متفاوتة كثيرا في اللعبة الفنية والتقنية ، وربما تشابهت كثيرا من خلال طرح الموضوع ، سواء أكان على مستوى الهم العربي ، أو على مستوى المرأة ، وعلى مستوى البعد الذاتي للإنسان ، وسنرى أن تلك الفجوات هي التي ستبرز المنافسة ، لنقول هذا العرض اشتغل مسرحا ، وذاك سقط في الاشتغال، وآخر كان مقاربا ، وآخر لا يعنيه المسرح ، لأنه كان تحت عنوان آخر ، هذه هي العروض باختصار.
***
عرض مسرحية زهايمر التونسية يأخذك من البداية حتى النهاية!
من العروض المسرحية التي تشارك منافسة على جائزة مهرجان المسرح العربي، والمنعقد في عمان " مسرحية الزهايمر التونسية " حيث عرضت على المسرح الرئيسي المركز الثقافي عمان مساء الأربعاء 11-1-2012 ، المسرحية من إخراج مريم بوسالمي ، تمثيل صلاح مصدق وقابيل السياري.
إن موضوع المسرحية ، يدور حول مرض الأب المريض بالزهايمر ، ومعاناة الابن الذي يعتني بهذا الأب لمدة طويلة ، وهي تبين عن العلاقة بين الأب والابن سواء أكانت في حالة تواصلية تندرج في إطار التراحم والتعاطف والشفقة، أو حالة انفصامية تبين عن التذمر والبحث عن الخلاص.
عبرت المسرحية عبر مراحلها الزمنية عن سينوغرافيا بسيطة وفقيرة ، تتواءم مع الحالة العامة للمسرحية " الموضوع " فمرة تبدو السينوغرافيا منضدة في مكتب المحامي يحكم بالعدل كما يشي بذلك ميزان العدالة المائل، وفي مرحلة أخرى يبدو الملف الذي يحوي كل الذكريات كجزء مهم في حياة الأب فيضن به على ابنه ليفتحه ويقرأ ما فيه ، وفي لحظة المرض الشديد يقوم الأب بفتح الملف الضخم، ويقوم بتقطيع كل الذكريات، وهو يشي بأنه لا فائدة من الزمن الماضي ، ولم يعد يعنيه بشيء في الحالة الهذيانية المريضة.
إن الجمجة في العرض المسرحي تقرأ على مستويات عدة ، وهي تمثل المراحل الزمنية للإنسان والدولة ، وهي مثلت حالة من مخزون ذكرياتي كبير ، وجمود الجمجمة في مكانها كشيء متحجر، يشي بأبعاد كثيرة منها السلطة وحب الذات والتفرد ؛ ولهذا تبدوا الجمجمة شيئا جامدا.
إن الساعة الذاكرة الزمنية تشي بأن الزمن يسير باتجاه واحد تصاعدي إلى ما لانهاية ، وهنا إشارة إلى التغيير والتحول ودعوة تمثل حالة أمل بأن الزمن يسير مهما بدت الحركة راكدة وهنا قد نقول " لا بد أن يستجيب القدر ".  
إن السرير أوضح الحالة المرضية المستعصية والتي لا بد أنها ستعني الاستسلام ، لكن الأب الذي يفقد الذاكرة شيئا فشيئا يبقى يحافظ على وجوده في المكان ، وكأنه يرفض الرحيل ، وهذه الحالة التي أخذت سواد المجتمعات العربية إلى حالة من القهر ، ليبحث عن كيفية العلاج ، ولهذا يحاول الابن أن يصطنع علاقة لمداراة هذا المرض ، فذاك المشجب هو الذي سيغذي المريض بالغذاء والدواء ، وهنا إشارة مرة أخرى إلى رفض الإزاحة والتشبث بكل بقايا الحياة من أجل الاستمرار، وهذا ما تمثله الحالة المرضية للأب ، وينجر وراءها الابن بغير حول ولا قوة.
إن ثياب الأب تتماهى مع طبيعة الحالة المرضية الزمنية، حتى يصل إلى الحالة الرثة التي تستدعي الشفقة ، وتلجأ إلى الله في حالة الابن أكثر من مرة ، ليخلص الأب من هذه الحياة ، ولكنها بالواقع ، ليتخلص الابن من أب مريض أثقل عليه في كل شيء حتى بدا كالمقيد ، وكذلك فعل من حكم الشعوب العربية فصار الشعب يسير كالمقيد ، لأن رأسه محشوه بالتعليمات الفوقية والضريبية والمعيشة البغيضة التي تغلق نوافذ الضوء " الأمل ".  
ثياب الابن أبانت عن حالة التماهي التي تماشت مع حالة الأب في المسرحية ، فكل تلك الأوامر الخدمية التي يقوم بها الابن تجاه والده ، أمست كأنها أسلاك كهربائية تحوي شحنات تلقائية ، ليتحرك الابن كرد فعل على طلبات الأب المتوقعة وغير المتوقعة ، في ظل هذا التوقع واللاتوقع صار الابن مقيدا غير قادر على التحرر من خلال تلك المشية ، والتي تعبر عن حالة قهرية غير إرادية ، وهذه الحالة مرة أخرى تماهت فيها الشعوب العربية كثيرا ، وهي تستقريء ما ماهو متوقع وما هو غير متوقع في الأنظمة التي تحكمه ، فاختلط الحابل بالنابل.
إن التابوت أبان عن حالة جمود أخرى ، ولكنها حالة يركن إليها الإنسان ، حالة لا بد أن تأتي ، ولكنها للأسف تأتي بعد الكثير من العذاب والمعاناة ، الموت هو مصير كل حي ، والدول تموت والحاكم يموت والنظام يموت ، والأب في نهاية المسرحية يموت ، وهي حالة متوقعة من قبل المتلقي ، ولكنها ليست متوقعه بكل حيثياتها المأساوية ، والتي غلفت البعد البيئي الميحط بالأب ، ليعاني من حالة المرض الابن بشكل غير متوقع من خلال ردة الفعل، حتى أنه يندب حظه في النهاية ، وهو يخاطب التابوت والميت في داخل التابوت بأنه عكر عليه صفو الاحتفال بيوم ميلاده، وهذا يبين عن حزن شديد ، وكأن العرض يقول بأننا لم نكن ذات يوم قادرين على تذوق الفرح ، أليس للفرح طعم ومذاق لا يعرفه إلا من حرم منه ؟ فيبدأ بالتفكير بطرق كثيرة للوصول إلى هذا المذاق ، وكأنه حلم في متناول اليد ولكنه ممنوع.
فصلى الابن مرتين لينتهي الأب من عذابه ، وينتهي الابن من عذابه ، ليتخلص من معاناة رجل مريض بالزهايمر ، والذي سيقض مضجع من يهتم به صباح مساء، وبدا في المرة الثالثة غير قانع بهذا الدعاء ، وكأن الدعاء الذي يرفعه الناس ليتخلصوا من حاكم مجرم غرض وغاية المفلس، وبالتالي يستمر الغاشم والطاغي بالجلوس فوق صدورهم ، وهم يتلذذون بالدعاء من دون تغيير حقيقي أو النهوض بالتغيير.
إن الممثلين من خلال العرض ، ظهرا وكأنهما في حرية تامة ومطلقة بعيدين عن تعليمات المخرجة ، وهذا ما جعلهما يبدعان بدور كل واحد منهما، أليس الممثل هو عصب العرض المسرحي ؟ الأب لعب بإجادة كبيرة لهذا الدور الكبير ، والذي يبدو معقدا من خلال الحركات الجسدية المتغيرة ما بين مرحلة وأخرى ، منذ بدايات المرض وحتى وصوله إلى الموت ، إن التعبير الجسدي في المسرحية نقطة رئيسة لا بد أن يقوم على هذا التبدل الجسدي المصاحب للحالة المرضية، وهو ينتقل من حالة القوة إلى حالة الضعف النهائية.
وبالمقابل إن الممثل الشاب " الابن " استطاع أن يتقمص دوره بقوة وبراعة ، حيث بدا كأنه مقيد ، فيمشي كما " الريبوت " الإنسان الآلي، وهذه الحالة كانت نتيجة لسبب الاستمرارية في الحالة المرضية للأب ، مما جعله يستحوذ حتى على تصرفات الآخر الأبن ، ما بين صحوة الضمير وهو يحاول جاهدا مساعدة والدة بالخروج من أزمته المرضية النفسية - وهي حقيقة أزمة نفيسية تقود بالتالي إلى مرض عضال لا يرجى شفاءه أبدا - وهذه الحالة النفسية انعكست على الابن وهو ينتقل من حالة إلى أخرى ، والشفقة أيضا حالة نفسية يمر بها الابن ، وهو يرفق بأبيه الذي يعد له الطعام ويخدمه ، ويقدم له الدواء وقت الحاجة ، ويرفق به حيث يقوم بربطه ، كي لا يذهب بعيدا ويؤذي نفسه ، ومرة ثالثة الوصول إلى حالة الانفجار ، وهو يحاول أن يضع الحبل حول رقبة الأب المريض ، والذي لم يكن بالنسبة للزوجة الزوج المحب والبار والمرفق بها، وهي أم ابنه الذي يقوم على خدمته ، فتلك العلاقة ما بين الأب والأم ، لم تكن كما يجب أن تكون العلاقة الزوجية القائمة على الاحترام المتبادل.
إن هذه المسرحية ، والتي ستقرأ على أنها حالة بائسة ، مرت بها وتمر بها الشعوب العربية المختلفة ، ما بين حالة حب الذات والتفرد بالقرار والتمتع، وخاصة عندما كان يذهب الأب مع صديقته في عرض البحر تاركا الزوجة حبيسة البيت ، وكان يعود للبيت حبا بابنته وليس زوجته ... وتشيخ الدول وتمرض كما يمرض جسد الإنسان فالدولة العثمانية كانت الرجل المريض ومات، وكذلك الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية تمر بمرحلة الشيخوخة ، فكل منها يمثل الرجل المريض الذي سيموت ، ولكن هذه المراحل من القوة إلى الضعف أرهقت الآخرين ، والابن يرهق جدا وهو يقوم برعاية والد عاق لأمه إذا ما صح هذا التعبير ، وهذا الأب في لحظة أنانية يقول لابنه أنه يسكن في بيته ، وكأنه يحاول طرده ، وهذه الحالة مرت بها البلاد العربية ما بين حاكم أناني وشعب مغلوب ، لتقرأ هنا المسرحية في إطار الربيع العربي، العمل يشتغل على قراءة الواقع العربي ما قبل الثورة وما بعدها أيضا في بعض البلاد العربية ، ما بعد الثورة من خلال طرح الأب لسؤال على ابنه لماذا لا يذهب إلى العمل ؟ فيجيبه الابن بالبطالة والادمان ، هناك حالة قاتمة ما زالت تعرض في المجتمعات العربية ومنها تونس البطالة المميتة ، والإدمان الأكثر موتا ، وكأن الأمل لا يبدو قريبا.
إن اللغة الحوارية بين الأب والابن في مثل هذا الموضوع ، والذي سيبدو ليس من السهل طرحه بكل حيثياته على خشبة المسرح " وهنا أعني الحالة المرضية الزهايمر " فحفلت المسرحية بالكثير من اللغة الحوارية التي لم تبدو منفرة ، وبقيت قادرة على الإمساك بالمتلقي ، إلا أن اللغة الخطابية في نهاية المسرحية مثلت مثلبة في العرض المسرحي ، ما كان للمخرجة أن تسعى إلى هذا التمطيط في نهاية العرض المسرحي ، كان بإمكانها أن تكتفي بجملتين " هبي بيرث دي تو يو happy birth day to you " ومثل : أ تموت في يوم ميلادي ؟ وكان بمقدورها أن تمزج هذه الحالة بالذات بحالة مزدوجة ما بين الحزن والفرح ، يمكن أن يظهر الابن في يوم ميلادة وفرحه بأن منَّ الله عليه بقبض روح والده ، وهنا يفرح لأن والده ارتاح من العذاب ، وحالة الحزن تثير الذكريات الماضية التي تمثل العاطفة والشفقة والواجب.
من خلال الستارة السوداء ، والتي اخترقت كباب أو شق ، يظهر من خلاله التابوت في مكان قصي وبعيد عن خشبة المسرح ، وهنا إشارة إلى إقصاء ما كان يمثل ألما للآخرين ، وهذا اللون الأسود يندمغ في حالة الرؤية للعرض المسرحي.
وبدت الموسيقى غائبة ، فكأننا أمام عرض مسرحي ملأ الفجوات كلها من خلال انشغال الممثلين بكل شيء حواريا ، فلا مكان لسماع الموسيقى أو الغناء ، وهذا الانشغال ، هو ما شغل الممثلين عن الاستماع إلى الموسيقى أو الغناء في جو تملأه السوداوية والمرض ، بحيث طغى البعد الحواري على العرض منذ لحظة البداية وحتى النهاية.
بدت الإضاءة قاتمة لتشيع جو الاكتئاب من الحالة المرضية التي يعيشها الأب، ومن الحالة النفسية التي يعيشها الأبن ، الإضاءة كانت محدودة ومحصورة في المكان الذي يتواجد فيه الممثلين دائما كبقعة ضوئية ، تعطي تركيزا شديدا جدا على الممثلين وهذا المراد من هذه المسرحية.
والإضاءة تبدو مرة أخرى باللون الزرق ، والذي يذكرنا بحالة الإسعاف ، فهذا اللون يعني الهدوء وهو حالة ما بين الصحة والمرض ، وحالة إنعاش في غرفة العمليات وحالة سكون في حالة الموت.
مسرحية الزهايمر تأخذك من بداية العرض ، ولا تستطيع الخلاص منه حتى اللحظة الأخيرة ، والتي يعلن فيها نهاية العرض ، والتي أبانت عن تكامل في العرض المسرحي باستثناء القليل ، وهو ما حدث في حالة الخطاب من الابن الحي إلى الأب الميت.
***
مسرحية حرب النعل الإماراتية أداء تمثيلي كبير !
قدم عرض حرب النعل يوم الجمعة 13-1-2012 على المسرح الرئيسي المركز الثقافي عمان، في إطار المنافسة على جائزة المسرح العربي الدورة الرابعة ضمن سبعة عروض تشارك بصفة رسمية على نيل أفضل عرض يقدم في الدورة ، حرب النعل من تاليف إسماعيل عبدالله ، إخراج محمد العامري، تمثيل أحمد الجسمي ، عبدالله صالح ، حميد سميح ، بدور ، مروان عبدالله ، ناجي جمعة ، أحمد مال الله ، عبد الرحيم أحمد، وهناك مجاميع.
برز في المسرحية دور كبير للفنان أحمد الجسمي ، وكان للفنان الجسمي الذي قام بدور الحوت في مسرحية حرب النعل مقدرة كبيرة بادية جدا على خشبة المسرح، إن الجسمي يمتلك قدرات تمثيليه تشتغل على المسرح بشكل كبير ويقدر لهذا الفنان، و نجد دورا كبيرا وأداء كبيرا للمثل عبدالله صالح الذي قام بدور غيث الأعمى ، ولا ننسى الدور الكبير والأداء الرائع أيضا للتابع الذي قام بدور الوكيل حميد سميح ، لنقول إن المسرحية أبانت عن صراع بين الممثلين لإظهار أداء تمثيلي قوي يحسب للعرض المسرحي ، وهو يجمع نخبة من الفنانين الكبار ، هذا ما يسجل لهذه المسرحية والتي قد تكون الميزة الرئيسة ، لأنها ضمت نخبة من الفنانيين.
إن موضوع المسرحية ، يدور حول سطوة وسيطرة الحوت على البحر وعلى القرية والناس فيها، وبالمقابل بقيت الممثلة بدور التي تلعب دور حور وبرفقة مجموعة من الآخرين الذين مثلوا الضعف في الجانب الآخر ليقابلوا الحوت المتجبر ، وهي تذكرنا بشيء من سطوة الحاكم الغاشم والجبار الذي يملك كل شيء ، ويوزع كل شيء بشكل شحيح ، ينم عن استعباد الناس وسماع ما يقول ، وبالمقابل أبان دور الأعمى عن حالة ضعف والعمى حقيقة مهما كان قويا سيسيطر عليه الضعف ، لأنه يفتقد لقوة الإبصار ، وهي قوة كبيرة تستطيع أن ترسم مسار القلب والعقل ، فالمسرحية انقسمت إلى مجموعتين مجموعة القوة ومجموعة الضعف ، وما بينهما شاب سكير مسلوب الإرادة ، لأن الخمر سيطرت عليه ، فهو ضعيف أيضا ، وقام بدور السكير مروان عبداالله الصنقل كما سمي في المسرحية .
المسرحية ، وبهذا الضعف الذي يسيطر على سكان القرية ، تبدأ القطط وهم اللصوص بالاعتداء على البحر وسرقة السمك ، وقد اعتادوا هذا العمل مرات كثيرة حتى سيطروا على القرية ، فعاثوا فيها فسادا وبالتالي أصبحت مسلوبة تماما ، أو تلاشت بعدما ولد طفل برأس قط وجسم آدمي.
إن الخطابية التنبوئية بدأت منذ اللحظات الأولى للمسرحية بعدما انتشر خبر القطط ، فصار البعض يعلن بأن القطط ستدخل البيوت وتخربها ، وهذا ما ورد على لسان الأعمى غيث وعلى لسان حور ، وقد كرر هذا القول ، وهذا يعد مثلبة وقع فيها المخرج الذي لم يجعل الأمور تسير بشكل طبيعي ، تتكشف حيثيات الموضوع شيئا فشيئا ، ومن دون هذه المبارزة القائمة على التخويف للناس من كلا الجانبين ، من جانب الأعمى وجماعته ، ومن جانب الحوت وأنصاره ، ليصار إلى تأكيد حالة التنبؤ وبالفعل يقع ما تم الحديث عنه أو يقع المحظور.
المسرحية تحدثت كثيرا عن جبروت الحاكم الغاشم ، وأدى ذلك لبروز من يعانده ، ولكنهم الضعاف ، فيسيطر على الآخرين كلما يقرر التابع أن يزيدهم بالمال والطعام ، حتى اليوم الذي طالبهم فيه أن يقوموا بصيد السمك الموجود في البحر ليقدم للقطط ، فيقولون بأن علائلاتهم ستموت من الجوع ، ولا يستطيعون حمايتها من القطط ، مهما استدرج العرض المسرحي ليقحم فيه الربيع العربي سيبقى بعيد المنال إلا بجانب ضئيل يتمثل بالطغمة الحاكمة ، ولكن الطغمة الحكامة يحاكمها الشعب وليس الغرباء ، الشعب هو الذي أسقط الأنظمة في الربيع العربي ، وربما يصلح العرض للتخوف من الاستعمار ، لكن الحوت وهو الحاكم يعاني ما يعانية سكان القرية كلها ، إذن فالغرباء سيطروا على كل شيء بما فيهم الحاكم والمحكوم ، إذن هي تتحدث عن هذا الاحتلال للسيطرة على كل شيء وبهذه البساطة.
حرب النعل تمثل لحاكم غير مدرك للأمور ، والذي يقرر أن يحارب القطط - وهي من فصيلة الحيوانات التي تفترس وآكلة للحوم - بالنعال ، فيعلن الحوت أن النعال لمن عصا ، ولم تعد العصا لمن عصا ، فكيف تحارب النعال حيوانات مفترسة وآكلة للحوم ؟
إن السيونغرافيا التي استخدمها المخرج من الأخشاب ، ومن البيئة المحلية لتعطي دلالات متعددة مثل السياج الذي يختبئ تحته الرجال والنساء عندما تهاجمهم القطط ، وكذلك هذه الأخشاب تشي باستخدامها كقوارب في البحر لصيد السمك ، وكذلك استخدام الشبك لصيد السمك على خشبة المسرح لتطعم الآخرين ، ولكنها في لحظة ما تهشمت عندما هاجمت القطط الأسماك وافترستها، وحاول المخرج أن يعطي إحاءا أكثر للعمل ، عندما نشر السمك على خشبة المسرح فانبعثت رائحة الأسماك في المسرح ، وكذلك حاول أن يشير إلى قوة القطط التي تحتل القرية فجاءت القطط من كل مكان وتلاشى ما كان.
لم تكن المعالجة المسرحية تنم عن موضوع يجذب الانتباه ، بل اقترب من السطحية في المعالجة عندما يقرر أن نهاية القرية ستكون بسيطرة القطط على القرية ، وهذا ما حصل ، إن هذا التوقع الكبير الذي يصل إلى حد التيقن وتحقق يسحب المسرحية لتكون قريبة من الوعظية والسطحية ، ولم يستطع المخرج استغلال قدرات الممثلين ، ليشتغل على العمل بشكل أفضل وبصياغة تخرجة من من دائرة صدقية التنبؤ.
وما يحسب على المخرج أن الشخصيات بقيت ذات توجه نمطي غير قادرة على التأثر أو الاقتناع بما يجري ، فبقي الأعمى يقاوم المتجبر ، وكذلك فعلت حور ، وبقي الحوت يقام أهل القرية وكذلك فعل التابع الوكيل ، ولم يحدث تغير إلا في جانب السكير الذي أقنعه الأعمى وحور بأن يصحو فيصطف إلى جوارهم ، وكذلك بعض أهل القرية الذين رفضوا الذهاب لصيد كل سمك البحر خوفا على عائلاتهم... إن الشخصية التي تمتاز بالبطولة الوهمية في الواقع تنسحب على الخشبة.
بدت الموسيقى صاخبة تعبر عن طبيعة الحدث الذي يعبر عن الخوف في كل العرض المسرحي منذ البداية حتى النهاية ، إلا أن الموسيقى لم تستخدم كثيرا ، وأحيانا رافقها الشجن الحزين .  
وبقيت الإضاءة ثابتة تقريبا ، وخاصة أنها تدور في أوقات النهار فبدت واضحة من خلال تسليطها على الشخصيات كل الشخصيات في المسرحية.
الحوت الشخصية التي ملكت الرؤية الأحادية في القرية ، وهي التي ستكون سببا رئيسيا بضياع القرية من خلال أهوائه الاستحواذية ، والتي قادت الجميع إلى التهلكة وضياع القرية ، نستشف من المسرحية تمثيلها لحالة استعمارية كاملة شاملة وضاع كل شيء ، ولكن بالواقع والتجارب الإنسانية الكثيرة وخاصة مع الاحتلال والاستعمار ، يبقى هناك من ينتحي جانبا ليقاوم ويرفض هذه الهيمنة مهما كانت قوية، ومهما وطدت أعمدة القهر والسطوة في المجتمع، وهذا ما نستطيع أن نتبينه من خلال مقاومة العرب للاستعمار ، ومثال آخر مثلا حرب أميركا ضد فيتنام ومقاومة فيتنام ، ولا ننسى الثورة الجزائرية التي قلعت جذور الاستعمار الفرنسي من الجزائر.
مهما يكن فإن المسرحية تندرج في إطار هذا الضياع ، والذي يأخذ العرب إلى حالة من الحرب المتكررة ، نتيجة ضعف الرؤية القيادية " الكارزما " على مستويين ، مستوى الحاكم وهو لم يعد يمثل الكارزما لأنه فتك بالعقد الاجتماعي مع الشعب بصفة عامة وطغى عليهم ، وقد تمثل ذلك بالحوت، وفقدان " الكارزما " المقاومة لهذا الحوت المتجبر الذي يرفض حتى الحوار إلا ما يكون في مصلحته الخاصة ، ونجد أن العرض أسقط على الواقع العربي كربيع عربي ونحن نرى بعض القادة يهربون من بلادهم ، ولكن باختلاف واحد وهو أن ما حدث في حرب النعل هجمة احتلالية من الغرباء ، وما حدث في الربيع العربي هجمة شعبية ضد الظلم والاستبداد وضياع مقدرات الأوطان.
إن الملحة " التبكيت المجسد " في العرض المسرحي أعطى بعدا فكاهيا ممزوجا بالجدية ، واستملحه المتلقي ، وخاصة في حالة سخرية الحوت من الآخرين ، وأنه صاحب نظرة أحادية لا تسقط ، وقد برزت تلك الملحة من خلال الإشارة بإصبعه الوسطى ، لتنتهي بأن توضع في العين وليس في مكان آخر.
واستطاع المخرج أن يجسد البعد التشخيصي لدور الشخصيات في المسرحية ، من خلال تلك الأقنعة التي ألبسها للقطط ، وذاك الثوب الجهوي السلطوي الذي ارتداه الحوت كسيد على القرية.
إن فج الحقيقة في العرض المسرحي ، قد لا تحسب أحيانا كثيرة للمخرج وخاصة أنه يعتمد على السكير بنقل خبر القطط التي هجمت على السمك، وكأن البعض ينادي بالقول " خذ الحكمة من أفواه المجانين " وكان يفترض أن ينقل هذا الخبر الطرف الآخر الذي يرفض تصرفات الحوت.
اذن تندرج المسرحية ، لتعبر عن الوجود العرقي الغريب الذي يسيطر على الإمارات والخليج ، وربما هنا إشارة لدق ناقوس " الحوار " الداخلي لمعرفة أين تسير الأمور في ظل صعوبات لا يستهان بها، وهناك جزئية غائبة وهي تلاشي المقاومة نهائيا ، فكان يفترض تشكل جيب مقاومة بطريقة ما ، وهذه المسرحية تتحدث عن السيطرة المكانية، الاستعمار والحلول في البلد، حيث يصبح كل أهل البلد من الغرباء ، وخاصة بالإشارة الى المولود الغريب ، وضاعت البلد لتتم السيطرة عليه نهائيا كاحتلال.
***
الهواوي قايد النسا المغربية فرجة مسرحية تراثية وإسقاطات على الواقع !
عرضت المسرحية على المسرح الرئيس المركز الثقافي عمان يوم السبت 14-1-2012 ، المسرحية من تأليف أحمد الطيب العلج ، إخراج مسعود بوحسين ، تمثيل عزيز العلوي، بنعيسى الجيراري، حسنه، طمطوي، سكينة الفضايلي، سعيد آيت باجا، عبد القادر بوزيد ، عبد النبي البنيوي، محمد الحوضي.
العرض يدور حول الشخصية الحاكمة التي تحكم البلد ، وهذه الشخصية تحب النساء كثيرا إنطلاقا من النزوات الذاتية ، وهو لا يقيم حرمة أو احترام للآخرين ، لهذا فهو يفكر بالسيطرة على زوج عبلة بشتى الوسائل ، لينال من عبلة زوجة الأحدب لتكون له خالصة ، وتفشل محاولاته كلها ويقف ضده الفقية الذي يرفض أن يفتي له بطلاق عبلة من زوجها، فتتشابك المسرحية لتسقط على الواقع المعيش الذي يسود في البلاد العربية ، وربما يكون بشكل مقحم ، وخاصة أن الربيع العربي أمسى في المسرح موضة ، فتنتهي المسرحية بتشكيل أحزاب ومسيرات ومظاهرات ضد الحاكم.
الموضوع قدم بأسلوب كوميدي ، وهذا قد يحسب للمخرج قليلا ، وخاصة أنه خفف من وطأة النمطية في العرض، والمسرحية قدمت باللهجة المغربية ، ولكنها المبسطة حيث تصبح مفهومة بنسبة جيدة للمتلقي العربي ، والذي يبدو أنه عانى من استخدام اللهجات المحلية في هذا المهرجان، وقد غلبت اللهجات على الطابع العام للمهرجان ، فقدم العرض التونسي بالعامية المبسطة ، وقدمت العروض الخليجية المنافسة باللهجة المحلية أيضا ، إلا أن اللهجات لم تكن عائقا كبيرا في متابعة العروض المسرحية .
إن العرض أسقط على الواقع العربي الحالي ، وكما قلت آنفا ، وربما يكون هذا الإسقاط مقحما وخاصة أن النص مؤلف منذ مدة ، ثم أسقط البعد الديني مثل التفكير بتفجير بعض الأماكن السياحية، أو تفجير مصانع المشروبات الغازية ، وهنا قد تكون الإشارة إلى ما حدث في المغرب منذ عام تقريبا، عندما فجر مقهى يغص بالناس الأجانب والمغاربة ، لنكتشف أن هذا الشخص الذي يفكر بتفجير مثل هذه الأماكن ، لا يعرف مثلا ابن خلدون إلا كشارع موجود في المغرب ، ويعرف ابن رشد كمبنى للمستشفى موجود في المغرب أيضا ، وهنا إشارة جيدة للفكر الديني الفقير كما يتبناه البعض من غير وعي كاف ورؤية صحيحة ، ولكن الدين كبير.
وربما ما هو موجود في النص أصلا هو حجز الفقية في السجن ، لأنه لم يحقق مآرب الحاكم ، وهذه قصة موجودة في التراث العربي على مستوى الخلافة مثلا ، فالخليفة كان يتزوج كل جارية تحلو في عينيه ، ويذكرنا مرة أخرى بقصة شهرزاد وشهريار ، وهو يأخذ المرأة ، لتحقيق البغية الجنسية والنزوة الذاتية دون رادع.
وبرزت المسرحية من خلال إسقاطها على الواقع ، من مثل المظاهرات المتسببة عن سرقة حقوق الآخرين ، فالطاغية يصبح وحده في النهاية .
السينوغرافيا أبانت عن بعد سلطوي من خلال القصر أو بيت الحاكم ، والذي يصدر منه قراراته لأتباعه كي ينفذوا مآربه الخاصة ، وهذا القصر كان أداة السطوة واتخاذ القرارات المهمة ، ولا ينزل الحاكم منه إلا من أجل اصطياد فريسة جديدة ، أو محاولة إقناع الفقية ، ليفتي له بفتوى تجيز طلاق عبلة من زوجها رغما عنها.
ويوجد تحت هذا القصر سرداب ، وهو مكان مظلم يحشر به من يخرج على رغبة الحاكم كما فعل بمساعديه أو عرابيه ، لكنه يوضع فيه من قبل المرأة التي أصبحت تتحكم بالحاكم ، بعدما تفاقم الشارع ، ليستمر بلعبة جديدة وهي سجن زوج عبلة من أجل إرغامه.
إن حلم زوج عبلة وهو في السجن ، يعطية قوة دافعة للإصرار على ما هو عليه ، وهنا إشارة لإنقلاب كل الناس على ظلم الحاكم وجبروته.
إن المخرج قلل من نمطية الطرح من خلال الجانب الكوميدي الفرجوي ، وربما هذا سبب رئيسي كي يجنح بالعرض إلى درجة أقل من المنافسة ، ولو قدم العرض بطريقة جادة لكان أفضل ، لأن الربيع العربي أو الثورة الجديدة هي فعل جاد تخللها الكثير من الدم والقتل والدمار والخراب والسجن والمظاهرات والشعارات والصراخ ، ونمثل على هذه النمطية عندما دخل المجرم ليسجن إلى جوار الفقيه العالم ، ولكن هذا المجرم يصبح متدينا فجأة، وهذه نمطية لم تكن مقنعة حيث لم يدخل الفقية والمجرم بحوار حول هذا ، وتتأكد النمطية عندما يصبح المتدين الجديد ينادي بتدمير المشروبات الغازية.
اللغة " اللهجة المغربية " لم تكن عائقا كبيرا في العرض ، وكما يبدو فإن المخرج قد اشتغل كثيرا على تبسيط اللهجة لتكون مفهومة لدى المتلقي غير المغربي ، فبدا المتلقي يتابع الأحداث وخاصة من خلال الملحة التي طغت أحيانا على العرض، ومن خلال الإسقاط على الواقع العربي فيما يعرف بالربيع العربي والتحول الديموقراطي.
وظف المخرج البعد التراثي الحكواتي في بداية العرض المسرحي ، والذي قدم على شكل لوحات مسرحية، ووظف الغناء الشعبي المغربي المسجل ، ولا بد أن نشير إلى أن استخدام التهريج الكوميدي – وربما الوصف أنه جنح للكباريه السياسي قد يزعج البعض - قد سبب في تراجع العرض المسرحي والذي كان يمكن أن يبقيه المخرج على النص التراثي الأصلي للمؤلف ، وبعيدا عن هذا الضحك ، وربما من خلال الجدية يكون قادرا على إسقاطه على الواقع فيما يخص البعد الثوري العربي الراهن ، ولهذا ستكون له فرصة المنافسة على الجائزة أفضل مما كان عليه ، وعموما فالعرض جيد بالرغم من وجود بعض الهنات التي أشرت إليهاولاقى استحسان المتلقي. 
***
مسرحية الشهداء يعودون الجزائرية تطرح السؤال الكبير لمَ يعودون ؟
عرضت مسرحية الشهداء يعودون على المسرح الرئيسي المركز الثقافي عمان يوم الخميس 12-1-2012 ، في إطار المنافسة على جائزة المهرجان ، وقد مثل العرض كشخصيات رئيسية تخريست رضا بدور " عمي العابد " ، وأمل فائزة بدور " خديجة " بالإضافة إلى مجموعة من الممثلين وهم كثر ، أخرج العرض المقتبس من رواية الطاهر وطار صونيا، والتي لم تتواجد في عمان أثناء انعقاد المهرجان ، فادارت العرض المخرجة لينة سلام.
إن موضوع العرض يدور في الجزائر ، ولكنه يسقط على البلاد الأخرى ، وخاصة أنه يتحدث عن الشهداء وهم موجودن في كل مكان وفي البلاد العربية ، وفي الجزائر بشكل خاص ، فهناك مليون ونصف المليون من الشهداء الجزائريين.
والموضوع يتحدث عن عودة الشهداء ، للوقوف على ما آلت إليه الأمور كلها ، سواء أكانت على المستوى السياسي أو الثقافي الفكري أو الاجتماعي.
بدت السينوغرافيا جامدة ، ثابة وغير متحركة ، وهي قبور ومقامات القبور ، وقد تقرأ على أن الميت لا يعود بغض النظر عن صفته ، وهنا نستشف غياب البعد المستقبلي للتغيير في ظل تزايد المآرب والتطلعات الخاصة، إن وجود القبور على خشبة المسرح يثر الشجون والأحزان على الميت وكل ميت ، وهو يثير مرة ثانية أهمية هذا الشخص الميت الذي نقف عنده للبكاء والنواح ، وهذا ما فعلته خديجة فعليا بصوت حزين شجي بكائي ونادب للغائب ، وما سمعناه كصوت عال عند عمي العابد ، وكأمل كبير غير مرئي من قبل الآخرين.
ومن السينوغرافيا أيضا ذاك المجلس المدني الذي يضم كل المسؤولين الحاليين ، والذين يديرون البلاد والعباد... فالسينوغرافيا ضمت المقبرة وضمت مكان الاجتماع. إن الديكور الثابت في المسرحية ازداد بقتمامة النظرة إلى المستقبل ، فالقبور بقيت على خشبة المسرح من بداية العرض حتى نهايته.
اللباس الجزائري لم يكن متنوعا ، وهذا مأخذ على العرض المسرحي ، وسيخل بالبعد التاريخي التراثي الجزائري ، والذي شارك وصنع الثورة وبالتالي أنتج شهداء ، أنا أتحدث عن الثوب التراثي، فكان على المخرجة أن تجعل النادبات في المقبرة بأثواب جزائرية مختلفة، لأتمثل البعد المشهدي الحقيقي لكل الجزائرين الذين صنعوا الثورة ، ولم يقتصر الأمر إلا على زي المرأة النائحة " خديجة " وهو ثوب واحد ، وزي عمي العابد، أما الآخرون فكانوا جميعا بزي مدني عصري قد يكون أوروبيا أو فرنسيا.
بدا الحوار بطابع واحد على شكل سؤال لمَ يعودون ؟ رفض العودة من قبل الجميع " المجتمع المدني " ، وعند الإجابة الشخصية يتملص كل واحد من المسؤولين بما يتعلق بعودة الشهداء ؛ لأن ذلك سيرتب تغييرا جذريا كبيرا في الديموغرافيا على كل المسوتيات المعيشية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية ، ولأن الشهداء انطلقوا أولا لتحرير الجزائر من المستعمر، وثانيا لخلق جزائر كبيرة بحجم حلم كل شهيد، وهو يراها كبيره بكل الامكانيات.
تمثلت الإضاءة بضوء أبيض على شكل دائرة ، وهي ربما تقرأ على شفافية التطلع لعودة الشهداء وهناك أمل للتغيير ، ولكن هذه الدائرة تكون مرة ثانية لاجتماع المسؤولين ليقرروا أن كل ما يدور حول هذه الحكاية هو هذيان ، ولا يعنيهم موت عمي العابد ، ويواصلون الحديث عن الزيارة.
إن الصوت الحزين " النواح " وهو يمثل ردة فعل ، بعد كل جواب يسمع من المسؤول ، وكأن الشهداء ليس لهم إلا النواح والعويل.
إن شخصية عمي العابد تمثل الحلم بعودة الشهداء ، وهو إشارة للرجوع إلى ماهية الثورة الجزائرية الممتدة عبر سنوات طويلة ، تخللها الدم والموت ونهب البلد وتدميرها ، وهذا الحلم بالعودة من أجل تصحيح المسيرة ، تطغى على عمي العابد كحلم فيموت وهو لا يدري بحالة ، وهو يؤثر الرحيل على البقاء في مجتمع يبدو منكمشا على مآربه رافضا لعودة الشهداء ، هنا إشارة إلى موت الثورة ، وقد أشير إلى الثورة بأنها لا تنتهي بموت الشهداء وإنما هي باقية ، وهذه الثورة تعرفها الجبال والأرض الجزائرية كلها.
امتازت المسرحية بالنمطية من خلال عدة صور تمثلت في العرض ، أولى الصور صيغة السؤال الذي يوجهه عمي العابد لكل مسؤول يراه ، وهو يعد القرية لاستقبال ضيوف ، ولكن عمي العابد يحدثهم عن الشهداء وهو أب لشهيد ، والصورةالثانية تمثلت بالإجابة التي تكاد تكون متشابهة وهي تجيب لمَ يعودون ؟ والصورة الثالثة هي الاندهاش فقط من هذا الهذيان الذي يهدر به عمي العابد؟ والصورة الرابعة تمثلت بالنواح والعويل على الشهداء بين القبور الدوامس.
تنبئ المسرحية عن غيابية في حضور الأمل القريب للتغيير ، وفتح نوافذ جديدة في المجتمع ، هذه النوافذ ، تمثل الكوة التي تعج بالضوء فتفضح الصورة الحقيقية التي يجب أن يكون عليها المجتمع.
الموسيقى الجنائزية في بداية العرض تشي بالموت والحزن والقبور ، وتنتهي المسرحية بهذه الموسيقى الحزينة ، ولا يرجع أحد، ولم يتغير شيء فهذه الموسيقى انمدمغت مع الموضوع العام للمسرحية.
الإدانة في المسرحية بدت واضحة ، الإدانة للآخرين، فعمي العابد يدين كل من يسأله ؛ لأن الجواب لم يكن كما يرغب لتكون الجزائر أفضل دائما ، وخديجة تدين أيضا ، وكانت إدانتها نواحا وعويلا.
لا تخلو المسرحية من الخطابية وهي تتحدث عن الشهداء ، وهي تتحدث مرة ثانية عن الثورة، وهي تتحدث مرة ثالثة عن حكاية موت الشهيد " مصطفى " وهي حكاية كل شهيد ، فيقول عمي العابد كل الشهداء مصطفى ، وهو يتحدث عن مليون ونصف المليون من الشهداء الجزائريين بصوت واضح.
***
مسرحية احتراق السودانية صراخ وارتعاش!
مسرحية احتراق عن صوت امرأة " مسرحية سودانية " ومن المسرحيات المنافسة في مهرجان المسرح العربي الدورة الرابعة ، والذي تشكل في عمان ، عرضت المسرحية يوم 11-1-2012 على المسرح الدائري المركز الثقافي ، المسرحية من  تأليف فرحان خليل ، دراماتورج وسينوغرافيا وإخراج هدى مأمون، وتمثيل هدى مأمون الشخصية الرئيسة في العرض ، ويتشكل العرض المسرحي على أدائها بصفة عامة، شارك في التمثيل كامل الرحيمة ، وهشام صلاح.
مسرحية احتراق ، إنه الخوف ، إنه الرعب.
هذا الخوف وهذا الصندوق على خشبة المسرح ، هو السجن الحقيقي الذي عانت منه المرأة " هدى مأمون " ولكنها تحطم هذا الصندوق الذي بدا مثل الشرنقة ، لتعلن أنها تأبى الاستمرار في الاختباء .
وهذا الصراع النفسي وتلك المطاردة ، سوف تتغلب عليه مرة ثانية عندما تضع حدا لذاك الشبح " الإنسان الذكر " الذي يطاردها دائما ، وتحت ذريعة مآربه النرجسية، والتي تمثل ثبوت وجود الذكر وتلاشي وجود الأنثى ، والتي بدت مسلوبة الإرادة.
العرض مونودراما وإن بدا على الخشبة شخصيات أخرى شبحية باستمرار ، بطلة العرض المسرحي هي من حملت عبء نقل كل ذاك التصور عن حالة المرأة إلى المتلقي ، والذي بدا مشدودا لمتابعة عرض مسرحي سوداني يحضر إلى عمان ، وفي إطار منافسة على مستوى أفضل عرض مسرحي عربي.
المسرحية فيها الكثير من الصراخ ، وربما يكون الفائض عن حده الطبيعي مهما أشار إلى مدى الرعب والإحساس بالخوف المتلبس في الروح والجسد.
فالمرأة بدت مرتعشة مرتين ، مرة ارتعاش روحي ، ومرة ارتعاش جسدي ، فالارتعاش الروحي من خلال البحث عن الذات الضائعة ، والارتعاش الجسدي من خلال لملمة الجسد المبعثر بين الذكور.
إن طاقة الممثلة هدى مأمون التي أدت العرض السوداني " احتراق " والذي يبدو عرضا مونودراميا ، استطاعت أن تتقمص هذا الدور الكبير الذي أشرت إليه ارتعاش الروح وارتعاش الجسد .
ومن خلال هذه الارتعاشات ، تقرر رفضها لهذا الحبس في الصندوق الأبيض ، وهو يعني الموت، لما فيه من دلالة هذا اللون ، وتحررها منه تمثل تحررها ممن يطاردها ، فالمطاردة كانت تمثل الموت أيضا.
بدت السينوغرافيا متلائمة مع موضوع المسرحية ، وهو يمثل حالة صراع المرأة مع الآخر ، فالصندوق هو أكثر من إشارة ودلالة ، فهو الحبس وهو القبر مرة ثانية ، وهو الشرنقة مرة ثالثة، في حالة الحبس تبقى الحياة في الجسد تضطرب لتتحرر ، وفي حالة القبر يعني الموت بعدما قتلت الآخر ، وفي حالة الشرنقة الإصرار على الوجود من خلال الأمل مهما كان معتما.
والسلم في المسرحية وإن بدا بعض منه محطما ، إلا أنه مثل حالة الهروب والانقاذ، لكن هيهات هيهات ، سرعان ما تكتشف الضحية ، وهي كذلك إنها محاصرة ومطاردة ، فتتخلى عن الهروب مرغمة.
اللباس أبان عن مدى تقزز النفس الإنسانية من الصورة الشبحية " الشيطانية "، والتي تمثلت بصور لا متناهية تعيش مع المرأة كصورة باطنية ذهنية وجسدية ، لتكون المرأة ويكون جسدها دائما مسرح الرفض والخطيئة ، فما ذاك الخنجر الذي يحمله الشبح وهو الإنسان " الذكر " إلا ليضع حدا في لحظة ما لهذه المرأة " الخطيئة " ولكنها تستطيع أن تنتصر على خوفها في حالة هذيان كبرى ، لتغرز الخنجر في جسد الشبح وتدفنه في قبره.
إن العرض المسرحي ، يحتاج إلى ثبات أكثر من حيث معالجة الموضوع ، والذي قد يبدو مكررا في مشهدية الحياة المعيشة ، وإن ذاك الصراخ في العرض بدا منفرا، بالرغم من نجاح الممثلة بالتعبير الجسدي والرقص أحيانا ، للتعبير عن تلك الحالة القهرية التي تتعرض لها بمواجهة طغيان ذكوري.
***
مسرحية عشيات حلم الأردنية حشو غنائي وخطاب شعري!
عرضت هذه المسرحية بمناسبة مهرجان المسرح العربي الرابع دورة عمان ، على المسرح الرئيسي يوم 10-1-2012.
وبما أن هذا العرض المسرحي الأردني ، والذي شارك في مسابقة مهرجان المسرح العربي ، لا بد من القول بأن العرض وهو يتحدث عن شاعر الأردن، والذي حمل البعد الأردني الثقافي والسياسي على ظهره ، لم يرق إلى المستوى الذي يليق بالبعد الأردني الوجود والثقافة والتاريخ والحضارة ، ولم يرق لمستوى البعد الثقافي العراري نسبة إلى الشاعر عرار ، وهذا يندرج في إطار الحديث عن الموضوع ، من خلال وجود عدد من الممثلين الذي لقنوا بشكل لا يليق بتقديم عرض مسرحي ، روج له بأنه يتحدث عن الوجود الأردني والإنسان الأردني ، فالموضوع لم يكن ناضجا كطرح مسرحي لمناقشة الرؤية العرارية، وإسقاطها على واقع الأردن،  وحتى تلك السينوغرافيا لم ترقى إلى مستوى البعد الحضاري الأردني الذي صور على أنه خربوش ، علما بأن هذه الجزئيية الخربوشية هي كرمز في ذاكرة الشاعر ، وفي ذاكرة الأردني صاحب الأنفة ، وحضرت السينوغرافيا ببعد أخر يقوم على بضعة جرار سواء أكانت لخزن المؤن أو باستخدام البيت فيما مضى أو كإشارة لجرار الخمر ، وهناك من يقول بأن عرار في آخر أيامه ، كان مداوما على الصلاة وقراءة القرآن وملتزما في بيته.
ومن حيث الشخصيات ، كان لا بد أن تكون بعض الشخصيات حاضرة في المسرحية ، لمناقشة حوارية نثرية وشعرية ، ولكن الشخصيات التي قدمت لم تحمل تلك الرؤية الحوارية ، وهذا كما يبدو عيب في النص الذي اتكأ على شعر عرار كما بدا حاضرا في العرض ، فأين هو النص إذن؟
وإن الانبعاج إلى الماضي السحيق للأردن مثل المؤابيين والأنباط وغيرهم ، لم يكن موفقا ، وهذا الموضوع بحاجة لمدى أطول ، وليس مجرد كلمات حيث يمر كل تاريخ الأردن على لسان إحدى الممثلات وكأنه عفو الخاطر، مجرد كلمات جوفاء ، وتلك الحضارات حملت أبعادا حضارية كبيرة جدا ، رسمت تاريخ الأردن القديم، ونحن نستذكر الأنباط الذين كان لهم دور حضاري كبير على مستوى الحرف العربي ، والصراع الحضاري بين الأنباط واليونان والرومان ، فاستطاع الأنباط الوصول إلى دمشق وكل بلاد الشام والبحر الأحمر ، كدولة لها وجود قبل غزوها لا بد من التفكير فيها طويلا.
وبالعودة إلى الشخصيات ، كان من المفروض أن يجسد العرض شخصيات أخرى، مادام المخرج استخدم شخصيات أخرى غير شخصية الشاعر في العرض، وتلك الشخصيات الأخرى هي التي أثرت سلبا على  تاريخ الأردن منذ زمن الامتيازات بعد الدولة العثمانية ، وحتى بعد الحرب العالمية الثانية ، إن ظهور تلك الشخصيات والتي تعرض لها عرار في شعره كثيرا كان ضروريا، ومن جانب آخر يمكن أن يقدم عرار من رؤية وزاوية نظر تختلف تماما عما قدم فيه العرض، فجاء العرض فيه فجوات على كل المستوى الفني والتقني ، وأقحم فيه البعد الغنائي ، وهو ليس تراثا غنائيا أردنيا بقدر ما هو تراث على الطريقة الأندلسية ، وللعلم فإن التراث الغنائي والفلكلور الأردني كبير ، وعلى مستوى الآلات الموسيقية مثل الربابة والناي ، وكانت الربابة في زمن عرار آله موسيقية لها مجدها.
إن الممثلين الذين قدموا عرض عرار تفاوتوا مابين انخاض وتيرة الصوت، وبرقصات غير تعبيرية بتاتا، وما بين ممثل شخصية عرار الذي حفظ القليل من شعر عرار وعرض على الخشبة، وقد سقط لغويا أكثر من مرة من حيث الاستخدام الصحيح للغة.
***
مسرحية مجاريح القطرية فلكلور شعبي !
قدمت مسرحية مجاريح المشاركة في مهرجان المسرح العربي، المنعقد في عمان يوم الأربعاء 11-1-2012 على مسرح الحسين وسط العاصمة عمان، وقدم العرض من قبل فرقة قطر المسرحية، إخراج ناصر عبد الرضا، تأليف إسماعيل عبدالله، سينوغرافيا ناصر عبد الرضا، وقام بالعمل مجموعة من الممثلين سيار الكواري، عبدالله أحمد، محمد الصايغ، عبد الله سويد، نهاد عبد الله، فوز الشرقاوي، عبد الله الباهيتي... الكواري مثل دور غانم والسويد مثل دور العبد.
موضوع المسرحية موضوع مكرور بمستويات متعددة عبر الزمان والمكان، وهو ما يتعلق بالمرأة التي لا يسمع رأيها، وخاصة فيما يتعلق بالشخص الذي تريد الاقتران به ، وهذا ما دارت حوله المسرحية، فالموضوع يدور حول تعلق العبد المحرر حديثا بابنة سيدة، وفي التراث العربي صورة كبيرة لعنترة وعبلة، فيروز هو العبد الذي يريد الزواج من ماسه ابنة غانم، وهو الذي قام بتحرير ابنة غانم التي اختطفت ذات يوم، لتقع الابنة في حبه، هي صورة قريبة جدا من عنترة وعبلة، وغانم هذا هو سيد العبد والعبودية متوارثة في بيته، والسيادة متوارثة في بيت غانم، لكن الأب الذي يبدو صاحب القرار سيعلن " لا تشتري العبد إلا والعصا معه " وشطر بيت المتنبي هو سمة رئيسة للعرض الذي لا يبين عن العبودية ، بل عن الرفض كمقولة متداولة بين الرجال ليقرروا مصير المرأة " البنت " فالعبد فيروز يتفق مع ابنة سيدة غانم فتهرب ، ويتزوجها يوم فرحها من سيد آخر، وهذه الصورة تتكرر مرة ثانية في بيت العبد فيروز، بعد عشرين سنة ترفض ابنته من زوجته ماسه أن تتزوج ابن عبد آخر من العائلة ذاتها، لأنها غير راغبة بهذا الزواج ، فيحاول إجبارها كما فعل غانم مع أمها ماسه قبل عشرين عاما، لكنها تقرر الهرب، هذا هو موضوع المسرحية والنص الذي بني عليه العرض.
الزمنية في العرض المسرحي بنيت على تكسير الزمن، فلم يبدُ رتيبا، حيث بدأ من النهاية وهو يتحدث عن عائلة فيروز لإجبار ابنته على الزواج، وانتهى العرض من حيث البداية، وقد تخلل العرض قصة فيروز وماسه ما بين البداية والنهاية، وهي قصة مكرورة، في المرة الأولى كانت في بيت غانم ثم أصبحت بعد عشرين سنة في بيت فيروز، وكأن المخرج والمؤلف سيصم آذاننا بمقولة مهلهلة والتي تقول " كما تدين تدان".
بدت السينوغارافيا بسيطة وغير معقدة وهي تتمثل بعدة أشياء، هناك شجرة يابسة وهي ذات دلالة لتعطي معنى يباس العقل، وهناك ضوء أحمر مستدير ربما يشير إلى الشمس، ولكن هذا الضوء موشى بالتشظي، وهنا قد يشير إلى الجدار المتشظي بما يتواءم مع الحكاية، وهناك سينوغرافيا البيت، وهذا البيت يبدو مقفلا دائما ، ويخفي أشياء وراءه وقد فتح مرات قليلة من الداخل، وفتح في نهاية المسرحية بعد تحطيم الباب بحثا عن البنت الرافضة للزواج على غير رغبتها فكان خاويا.
وبدت السينوغرافيا من البيئة المحلية من الأشجار التي تنبت في البيئة المحلية، وخاصة ما رأيناه على أرضية المسرح التي تراقص عليها الممثلون والفرقة حفاة غير منتعلين، وهنا إشارة إلى الوضع المتدني للعبيد والملتصقين بجلدة الأرض كدلالة على الوضاعة والفقر والرفض.
الدور الرئيس لعبه أكثر من ممثل وخاصة بدور فيروز العبد والأب، وزوجته ماسه، وابنة غانم، وابنة فيروز مرة ثانية، بالإضافة إلى شخصية الممثل الذي يجيد اللعب على المزمار ورقص الليوه والضرب على الطنبورة محمد الصايغ، وهناك شخصيات أخرى قامت بأدوار قليلة.
ونجد في هذا العرض " الفلكلوري " بروز الخطابية من دون محاورة كبيرة تفج المسكوت عنه، حتى عندما تتحدث الابنة عن أن لها أحلاما وعيناها أصبحتا واسعتين، تبقى صورة الرفض المطلق لهذا الحوار، وكل واحد يركب رأسه، فبرزت اللغة الخطابية في العرض الذي بالتالي سيسمه بالسطحية ويحوله إلى ميلودراما فالنهاية معروفة وإن لم تكن سعيدة، فالمسرح يرفض لغة الخطابية والتي تمثلت بقول السيد غانم لفيروز : أنت عبد، والعبد يبقى عبدا، والسيد سيد. ومرة أخرى لغة الخطابية برزت في حالة إجبار البنت على قبول رأي والدها سواء أكانت ماسه أو ابنة فيروز الذي تكررت الحالة في بيته، والرجل يطلق وقتما يشاء عندما يقرر، والخطابية تمثلت بلغة الاستكانة عندما تطلب ماسه من زوجها فيروز " العبد المحرر " أن يضربها، وهنا تستحضر حالة الندم، وتشير إلى لعنة والدها غانم وموته قهرا لأنها لم تسمع كلامه.
وبدا الحوار مستغلقا، من حيث الرتابة إلى درجة السطحية، وإعطاء صورة نمطية تأبى الزحزحة، والتي تتمثل في علاقة الأب بابنته، إن هذا الاستغلاق سيقرر حتما أخذنا إلى نهاية من حيث بدأ العرض.
العرض امتلأ بالموسيقى الشعبية الحية والغناء التراثي الحي، وبوصلة متواصلة من البداية حتى النهاية، وهنا يبدو العرض بعيدا عن المسرح أو الرؤية المسرحية.
الغناء سيطر على العرض المسرحي، فأنت ستدرك بأنك أمام فرجة فلكلورية قطرية، وبمواصفات فرقة تراثية شعبية قادرة على تمثيل الفلكلور من خلال الغناء الحزين الذي أدته المغنية الرائعة بخامة صوتها في الفرقة، وكان هذا التراث شيئا جميلا، ولكنه بالتالي لا يعني العرض المسرحي.
كان يفترض بالمخرج أن يتجنب هذا الزخم الغنائي، وحشو الغناء التراثي والرقص الشعبي في العرض بوسائل شتى، كأن يجعل هذا التراث يأتي من بعيد يثير الأشجان مثلا، وربما يجعله يأتي بشكل طبيعي من خلال الإنفعال الذي يسيطر على الأب والابنة، فيثير هذا كله الأشجان، ليلجأ إلى الغناء كبعد مواس لما يحس به وهذه رؤية أخرى، وربما يستطيع المخرج ملء المساحات الفارغة في العرض ليس بالغناء المباشر، بل بحالة من التداعي والهذيان، يتخلل ذلك البعد الموسسيقى والغناء الشجي الذي يثير التعاطف، وهذه مسألة مهمة جدا لاستدرار التعاطف في مثل هذا الموضوع المطروح.
إن ارتكاز المخرج على التراث الغنائي، قد سحب البساط من تحت العرض ليسقط في أهزوجة تراثية متواصلة، ملأت كل العرض المسرحي بشكل طاغ يسبب الملل بزخمه، لأنه يبدو محشوا بشكل قصدي، فأنت إذن أمام احتفال وطني قد يصلح العرض لاحتفالية تراثية وطنية محلية، وليس لعرض مسرحي يقوم على تقنيات مسرحية متكاملة.
وربما نشير إلى النص، لنلتمس العذر للمخرج وهو يتكئ على نص قد يبدو ضعيفا لم يعطه قدرة على اتخاذ رؤية للعرض بشكل أفضل، لم يستطع المخرج التعامل معه بأكثر من هذه الصيغة التي شاهدناها على خشبة المسرح، إلا أن هذا لا يعفي المخرج من كل ما آل إليه العرض.
قد نقول إن المسرح مهر أرعن، وهذا ما يجعله يتمايز بجمالياته التي تختفي في جماليات الإبداع الأخرى، ولكن المسرح لا يتعامل مع القبض عليه كأنه مطارد، بل على العكس تماما ، فهو طيع لكن من خلال الاقتراب منه، وليس من خلال الحديث عنه تحت عنوان لا يعنيه.
إن الإضاءة واللون الأحمر ، والذي يميل إلى القتامة ليتماثل مع الحكاية، وكما أشرت آنفا إلى ذاك القرص باللون الأحمر " الشفق " وهو يبين عن حالة الحزن التي غلبت على كل العرض، من خلال الغناء الحزين الذي فاض به العرض المسرحي.
إن عرض مجاريح فيه الكثير من الغناء الشعبي، تسبب بغياب العرض المسرحي، فكل شيء بالعرض بدا فائضا عن الحاجة، وهنا أشير إلى هذا الغناء الكثير، وقد أغرق المخرج نفسه كثيرا بالغناء التراثي حتى أن الممثل هو من يطلب هذا الغناء، وهذه دلالة على أن المتلقي يحضر تراثا شعبيا وليس عرضا مسرحيا ينافس على جائزة المسرح العربي، وبعيدا عن كل الشوائب التي تلف المهرجان.
وهناك ملاحظة أخرى أنوه لها، وكأن المخرج وإدارة الفرقة وكل القائمين على العرض " مجاريح " أرادوا أن يأخذوا المتلقي للعرض، وليس أن يأخذ العرض المتلقي، وقد برز هذا في توزيع مسرحية مجاريح على cd وكذلك توزيع نشرة من أربع صفحات تكيل المديح للعرض بصور متعددة، والمتلقي حتما سيقرأ كل ما نشر أو بعضه، وسيقرأه كله بعد العرض، وكأن لسان حالهم يقول على عكس ما أراد الشاعر بقوله : " ولكن تؤخذ الدنيا غلابا " بل يؤكد لسانهم بأنهم سيفوزون بالجائزة، وهذا يعتبر وسيلة لسلب المتلقي إرادته بتلق محايد للعرض المسرحي، وخاصة تلك التمتمات التي ستسمع بعد العرض، ولكن المتلقي وجد نفسه أمام فرجة فلكلورية لا تعني العرض المسرحي الذي ينافس في مهرجان مسرح عربي، وقيل عنه بأنه سيقدم أفضل العروض المسرحية العربية، باستثناء السينوغرافيا – والسينوغرافيا جزئية في العرض المسرحي - كل شيء بدا لا يعني العرض المسرحي، وحتى الممثل لم يستطع أن يندمج بما يقدم باستثناء مشاركته بالغناء والرقص مع فرقة تراثية مكانها خارج إطار العرض كعرض مسرحي.
إن عرض مجاريح عرض تراثي، تمثل في الغناء الشعبي وبآلات موسيقية شعبية متنوعة مثل المزمار والطنبورة، والرقص الشعبي بما يعرف برقصة الليوه المعروفة على مستوى دول الخليج العربي ... ليتحول هذا العرض إلى فرجة تراثية تصلح لتكون في احتفال وطني محلي وينقل إلى الخارج كفرقة تراثية وليست كعرض مسرحي " ما هكذا يا سعد تورد الإبل".


المصدر :منصور عمايرة كاتب مسرحي وروائي أردني   16-1-2012
Buqasem_21@yahoo.com



تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9