أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

السبت، يوليو 13، 2013

ألف «أنتيغون» والصرخة واحدة: لا.. للظلم والطغيان

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يوليو 13, 2013  | لا يوجد تعليقات



في إطار شهر موليير، عرضت فرقة «كرتوغان» بساحة الإسطبل الكبير قبالة قصر فرساي بباريس، مسرحية «أنتيغون» لسوفوكليس (496 – 406 ق.م) الذي يعدّ -مع يوريبيديس وإسخيلوس- من أهم  شعراء التراجيديا في اليونان القديمة، وإن كان يتميز عنهما بتجنب التعرض للآلهة بشكل مباشر،  وإيثار  إنطاقهم عبر العرافين. وقد ألف مائة وثلاثا وعشرين مسرحية تراجيدية لم يصلنا منها إلاّ سبع، هي على التوالي: أياكس، أوديب، إليكترا، فيلوكتيتس، أوديب في كولونس، التراخينيات، و»أنتيغون» التي لم تفقد بريقها منذ 2500 عام.

باريس- اهتم عشاق المسرح ورجاله بهذا العمل الخالد، فأعادوا إخراجه مرارا وتكرارا، وألف بعضهم نصوصا تحوي قراءة جديدة للنص الأصلي، فظهرت «أنتيغونات» متنوعة منذ القرن السادس عشر  لروبير غرانييه وجان دو روترو وفيتوريو ألفييري وهولدرلين وبرتولد بريخشت وجان كوكتو وجان أنُويْ، مما جعل من هذه الحسناء الصامدة في وجه قرار سلطوي جائر رمزا لتحدي الاستبداد والانفراد بالرأي، وأسطورة يستهدي بسيرتها الشعراء والكتاب على مرّ  الأزمان. ولا تزال حاضرة في الأذهان بوصفها المرأة التي قالت: «لا». لا لقرار الملك كريون، فإذا تلك الـ»لا» تتجاوز صراعها الأول لتمتد إلى ما وراءه، وتصير «لا لمنطق السلطة وبطش الأقوياء، «لا» للظلم والطغيان…   

إعلان عصيان

في كتابه «أنتيغونات»، يبين جورج شتاينر إلى أي درجة مثلت أنتيغون أسطورة كان لها أثر قوي في الفكر الغربي، من هيغل إلى بريخت مرورا بجان أنوي وجاك دريدا، ويرى في مسرحية سوفوكليس تعبيرا تراجيديا عن كل الصراعات التي تضع البشر وجها لوجه:  الرجال والنساء، الشيوخ والشباب، المجتمع والفرد، الأحياء والأموات، البشر  والآلهة. فأنتيغون، ابنة أوديب، باسمها وباسم الجنس البشري، كان من حقها أن تعلن العصيان. وكريون، الذي يتصوّر نفسه ضامن انسجام المدينة، كان على قناعة بحقه في إصدار العقوبة. تقول له وهي واثقة من حجتها التي لا تقبل الجدل: «ميزة البغي أنه يرى الحق في ما يقول ويفعل». وتقول أيضا: «ما كنت أحسب أن لمنعك من القوة ما يتيح لإنسان تجاوُز قوانين أخرى، قوانين غير مدوّنة، ولكنها لا تتزحزح، هي قوانين الآلهة». وتضيف ولمعة في العينين متقدة: «كلا. لا يمكن أن نقبل بذلك» .

تنبني المسرحية على خلاف في تصوّر مفهوم العدالة، يقف منه كريون وأنتيغون على طرفي نقيض. فكريون اعتلى المُلك بعد تناحر  إتيوكليس وبولينيسيس، وكانا قد اتفقا على التناوب على عرش طيبة، فلما نكث الأول العهد استنجد الثاني بملك أرغوس، ولما قتلا، وقف كريون أمام شعبه، وأطلعهم على ما ينوي فعله بجثتي ولدي أوديب. فأما إتيوكليس، فهو في رأيه يستحق موكب دفن لائق، لأنه مات دفاعا عن المدينة، وأما بولينيسيس، فهو  لا يستحق الدفن، لأنه استقوى بالغرباء، بل يجب أن تلقى جثته في العراء، لتكون نهبا للكلاب والطيور فلا تدخل روحه مملكة هادس Hadès. وهدّد بالموت كل مخالف لقراره.  وهو قرار سياسي، يعتبره كريون عادلا، وفي خدمة النظام العام، إذ لا يعقل -في رأيه- أن يسوّي قائد بين العادل والخائن.

أما أنتيغون فقد كان لها موقف مغاير، بعكس أختها إيسمان، إذ رأت أن من الواجب احترام العدالة الإلهية، التي تعلو على قوانين البشر، وبالتالي لا بد من إتمام مراسم الدفن حسب ما تقره شرائع الآلهة.  ولما همّت بمواراة جثة أخيها، أوقفها أحد الحراس وقادها إلى الملك، فواجهته بتحدّ في موقف دافع فيه كل طرف عن تصرفه، بوصفه الأقرب إلى العدل. 

موت العظماء

برغم تحذير إيسمان وابنه هيمون خطيب أنتيغون، وكذلك جوقة الشيوخ، وكلهم يرون أن ما أقدمت عليه الفتاة فيه نصيب من الشرعية المشوبة بورع ديني، وأن الملك لا يكسب شيئا من إهانة ميت، فإن كريون قضى بوأدها في جوف صخرة.

 ولم يعدل عن قراره إلاّ بعد أن حذره العرّاف تيريسياس من فواجع رهيبة إن لم يطلق سراحها، ولكن بعد فوات الأوان، فقد اكتشف هيمون الذي هبّ لنجدتها أنّها انتحرت فانتحر بدوره، وما كاد نعيه يبلغ أمه حتى انتحرت هي أيضا. عندئذ جنّ جنون كريون حتى تمنى لنفسه الموت.

تعرض المسرحية شخصيات تتباين بتباين علاقتها بالأحياء والأموات، وتبرز من بينها شخصيتا أنتيغون وكريون تتصارعان من أجل إحلال فهم مخصوص للعدالة، أيهما أصلح للمجتمع؟ عدالة البشر أم عدالة السماء؟ كريون الذي جرّه عنته وإصراره على قلب نظام الأشياء إلى تلك المأساة، وأنتيغون التي تهب حياتها فداء للتعاليم السماوية هي أيضا سبب في المأساة في وجه من الوجوه.  إنه صراع المثالية في مواجهة الواقعية السياسية، والدولة ضد العائلة، والحياة ضد الموت.

 الشخصيات الأخرى ليست ثانوية بقدر ما هي طرف في الصراع، حتى وإن لم تخضه، كإيسمان الممتثلة للقانون برغم محبتها لأخيها القتيل، وهيمون المطيع لأبيه رغم حبه لأنتيغون، وتيريسياس الذي يقف وسيطا بين السماء والأرض، والحارس الذي يفضل حياته على أي قيمة أخرى. مسرحية عالج من خلالها سوفوكليس مسألة السلطة السياسية، وأولوية القيم التي تقوم عليها، وواجبات الفرد والرعية نحوها، من حيث الطاعة والاحتكام إلى القوانين.

وقد نجح غوانائيل دو كوفيلّو، مدير الفرقة ومخرج المسرحية، لا في الوفاء لنص سوفوكليس فحسب، وإنما أيضا في التركيز  على ما يجعل منه نصا متجدّدا على الدوام، يجد فيه مشاهد هذا القرن صدى لقضايا عصره ومشاغله. ألم تقل مرغريت يورسنار : «أنتيغون هي في الوقت ذاته بطلة تراجيدية تحمل أسطورة أساسية، وفتاة معاصرة متمردة  لا تهاب الموت» ؟.

-------------------------------------------------------
المصدر : أبو بكر العيادي - العرب 

تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9