أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

السبت، سبتمبر 28، 2013

الانتقال التاريخي للا خراج من الطبيعي الى الواقعي / د.مهند طابور

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, سبتمبر 28, 2013  | لا يوجد تعليقات


ان المذهب الطبيعي الذي تبنى نهجه وأكد عليه "اميل زولا " في رواياته ومسرحياته، كان يهدف من خلاله الى خلق وجهة نظر علمية تحدد مسار المسرح وتدفعه باتجاه الحقيقة .... وهذا النهج عند زولا  تأكد في اعترافه: “بأن روح القرن التاسع عشر لم تعط التركيز العام الذي جعل من مسرح مولير نسخة طبق الأصل من المجتمع المعاصر ... مع هذا فانه أصر على ان روح القرن العلمية والتجريبية ستدخل ميدان  الدراما وفيها تكمن وسيلة النجاة الوحيدة وانه وضع الخطوط في الإنتاج وهي الخطوط التي كانت تمهد المسرح لـ " العلم " و "الحقيقة " ، والخطوة التالية كما رآها زولا هي لظهور المسرحيات التي يمكنها من السيطرة على ديكورات المشاهد وذلك بواسطة جعلها البيئة التي تمثل  “الحياة نفسها” وأعلن زولا بأن “المسرح أما ان يكون طبيعيا أو لا يكون”.
وعندما بدأت مسرحيات هذا الاتجاه بالظهور ثم دخلت الى واقع حياة الجمهور فإنها لم تأت على تأكيد حقيقة علمية وإنما على تأكيد شيء موضوعي لا يدهش الناس، لأنه جزء من حياتهم ويشكل معهم صورة مطابقة في صورة من صور خصوصياتهم الأصلية، لذلك فان هذه المسرحيات لم تخلق حالة تعاطف مع موضوعيتها وإنما كانت تخلق الرفض والصدفة اللامعقولة ، لان فيها شيئا كان من الاشياء غير المحدودة .(( والشيء الوحيد الذي كان ممكنا هو ان الربح يجمع جمهورا خاصا لهذه المسرحيات )) وان ما تمثله من جديد في المسرح هو إظهار ((الصورة طبق الأصل كالمسرح التصويري )) الذي لا تنفك حاجته عن المخرج ، رغم وجود إمكانية الاستغناء عنه ، لكون عروض المسرح الطبيعي عروضا تقدمها الحياة بشكل ناجز .((وأول أسلوب منظم لهذا المسرح كان في 30 آذار 1887 الذي حدد تاريخ _نشأة الإخراج للمسرح الفرنسي ، كان ذلك عبر أول عرض مسرحي ل ((المسرح الحر ، قام بإخراجه اندريه انطوان )) ولقد ((قدم هذا العرض ...لجمهور مختار ، كان من بينه دعاة المذهب الطبيعي في الأدب والفن وفي مقدمتهم اميل زولا )).
لقد (( ترجم اندريه انطوان نظرية زولا عن البيئة في المسرح الحر،  وفي رسالة معروفة ألان  للناقد المؤثر سارسي ، فأن انطوان نقل السؤال المركزي للمسرح الجديد : في الأعمال الحديثة التي كتبت في واقعية وطبيعية ، حيث أصبحت نظرية البيئة وتأثير الاشياء الداخلية مهمة جدا ، ألم يكن المكان والزمان شيئين لا يمكن الاستغناء عنهما في العمل المسرحي ؟ ، وانه كمخرج طبق ايضا مبدأ الطبيعية على مسرح الصورة طبق الأصل!.
وكان يرى ان المسرح يجب ان يكون صورة تمثل حياة وسلوك الشخصيات وقال :""وجدته من المفيد بل لا يمكن الاستغناء عنه ان نخلق الزمان والمكان والبيئة بدون ان نعير اهتماما كبيرا للأحداث على المسرح .وذلك لان البيئة هي التي تحدد حركة الشخصيات وليس العكس . وكذلك فانه قرر ان يزيل “الجدار الرابع”, الذي يعرض للجمهور جانبا من الحياة. ان رسالة  انطوان هذه تضمنت شيئا اكبر من الإنتاج بل تضمنت اكتشافا  أدبيا ودفاعا عن كُتّاب جدد. فأن انطوان قدم عاملا غير معروف لحد الآن في المسرح وهو المخرج المدافع عن الكاتب والمسرحية والتفسير،  فقد كان انطوان معلما لمبادئ جديدة ومرشدا لطريقة تطبيقها، كان محصورا ايضا في نوع واحد من الجمهور ولم يفهم لماذا أدهشت الجمهور محلاته الحقيقية للحم وحنفيات الماء الحقيقية، وكان انطوان يرى بأن هذه الاشياء تمثل جزءاً من فلسفته فأن الجمهور  تمتع بحيلة المسرحية وادرك انطوان بأن مسرحه كان ان يوجه لجمهور معين).
وظائف الإخراج عند أندريه انطوان
ان الوظيفة الأساسية للعرض المسرحي لدى انطوان هي تجسيد (شريحة من الحياة) على الخشبة، ولذلك فقد (أضفى اندريه انطوان على المسرح طبيعة جديدة، وبساطة وعقيدة بمسرحه الحر. وكان المخرج المسرحي في عرفه، بمثابة الوصف التحليلي في الرواية القصصية، مصدرا للتعليق على الحوار وإنارة جوانبه وكان يخطط الحركة بدقة متناهية وكانت مناظر طبيعية تصل في تطرفها أحيانا الى حد إقامة الجدار الرابع). وذلك لإيهام المشاهد بأن ما يدور أمامه ما هو ألا الواقع الحقيقي ليحمل الجمهور اندماجا بأن حركة المشهد المعروض بأحداث يجسدها الممثل بطبيعة صادقة، لا زيف فيها او صنعة، فيدع ممثليه ان يؤدوا أدوارهم كما هي في الحياة... فكيف يأتي على تلك الأدوار من التجسيد الحي؟ وكيف يتعامل مع العناصر المكونة للعرض؟.
إذ لابد لأنطوان من اعتبارات خاصة لعملية العرض المسرحي، متأتية من تأثير خارجي يقف في مقدمتها عند (انطوان) المؤلف الذي أعطاه اهتماما خاصا في عمله المسرحي.... فأنطوان كان المدافع الأمين عن الكاتب المسرحي وترك له في قلبه منزلة خاصة ..فرضها الكاتب نفسه على " انطوان " واعتبار آخر ان  النص المختار يجب ان يتطابق ونظرته الفلسفية وهذه النظرة هي المستقاة عن " زولا" في الموضوعية العلمية التي تبرز شرائح الحياة وبدقة.
وكان انطوان يرى ان المشهد يجب ان يصمم في الذهن بحوائطه الأربعة ، "  دون اهتمام بهذا الحائط الرابع الذى سينزاح فيما بعد كي يتيح للمشاهد النظر الى ما يحدث ....)) اما تصور""فرانك م هواينتيج "ببلوغ " اندريه انطوان " حدا من التطرف باقامة الجدار الرابع عن طريق المنظر الطبيعي ، الغرض من هذا في نظر " اندريه انطوان "  هو الفصل الذهني للممثل عن المشاهد ليخلق تصورا عند الممثل بان هناك جدارا قائما يفصله عن الجمهور.  الجدار الرابع يؤهل الممثل للتعبير بقدر ما يشعر وان يشعر بقدر ما تطلب منه الدراما وان يتحرك ويلتفت ويدور كما توحي له الضرورة الداخلية وعلاقته المتبادلة مع الممثل الآخر، فقط في هذه الحالة يمكن للممثل ان يعيش حياة طبيعية في الظروف المفترضة. 
1-اندريه انطوان والنص المسرحي:
 بما ان " اندريه " ممثل الاتجاه الطبيعي في المسرح ، فهناك من يعارض هذا " الاتجاه الجديد " وهم أنصار نظرية " المسرح مسرحا " دونما أدنى علاقة بالواقع  ، وهم أنصار " الفن " كقيمة في ذاته وهم أنصار " الشكل " كضرورة أساسية في الفن ، والطبيعة تبدا من رفض كل هذه القيم، ولقد احتدمت المعركة بين الاتجاهين، وهيأت لمناخ فكري وثقافي خصيب بدأ في فرنسا ... وكان لا بد ان يتآزر الأدب والمسرح في المعركة الواحدة ، وإذا كان اميل زولا هو رائد الحركة الأدبية للاتجاه الطبيعي ، فاندريه انطوان هو رائد هذا الاتجاه في المسرح).
إذ يعني ذلك ان اندريه كان بالضد من الفن ، الذي يجسد لحظة الإبداع الذاتي بأشكال جمالية لا تطوع حس المتلقي بالاستمتاع إلا في الوان غائرة في الانعزال عن العالم المدرك ولا تمد الوعي غير التشرد عن حقيقة الشعور الإنساني ، لذا كان الاتجاه الذي تبناه "اندريه" هو ملائمة النص شكلا ومضمونا لتفسير الأعماق الدفينة للحياة التي تقف وراء كلمات النص وعلاقته الأساسية بالنص تكمن في احترام مؤلفه والتمسك بملاحظاته وعدم رغبته في الإضافة أو التقليل مما هو موجود في النص فهو الذي عزز " مسرح المخرج " وعمق من فكرة " المخرج المفسر " ليأتي العرض كاشفا أعماق ما يحمله النص من ملاحظات” .
2-علاقته بالممثل:  ان الانقلاب الذي أحدثه دوق " ساكس ميننج " عندما صمم وأخرج عروضه المسرحية ، التي تأثر فيها " انطوان " و " ستانسلا فسكي "خرج علينا لاول مرة بطريقة جديدة وضع فيها الممثل (( في بيئة الديكور ومن ثم حطم تلك__الشكلية في التجميع التي كانت مميزة لهذه الفترة ، خاصة على المسرح الفرنسي ، كذلك استخدم المدرجات والمصاطب كي يجعل الحدث يتحرك على اكثر من مستوى واحد ، واكد ضرورة ان تكون  جميع الحركات والإيحاءات  داخل الفكرة التي يحددها إطار المسرحية )).
هذه الخطوط الأساسية في نظرة دوق "ميننج " في عمله مع الممثل ، كانت تبدو ذات نقاط تحمل أهمية كبيرة لاندريه انطوان  عندما صاغ فيها فكرته في تطوير مسرحه وخلق ممثله المميز ... فاندفع بعد إنشاء مسرحه الحر في باريس 1887 الى تطوير أفكار دوق "ميننج "، ((كتب انطوان : " يجب ان لا تخشى وفرة هذه الاشياء الصغيرة وتنوع العناصر المسرحية ، فتلك الاشياء الصغيرة التي لا يمكن تقديرها هي التي تخلق الإحساس بالألفة وتضفي طابع الأصالة على البيئة التي يعمل المخرج لاعادة خلقها ... بين هذه الموضوعات الكثيرة .....فان أداء الممثل يصبح اكثر إنسانية وقوة وامتلاء بالحياة في الحركة والاتجاه )). كان يعتمد انطوان   في عمله المسرحي على  الممثلين الهواة لا غيا بذلك  فكرة الممثل النجم التي كان  يعتمدها الدوق (ميننج) فالممثل عند انطوان عنصر أساس في الإنتاج المسرحي ويخضع في أدائه الحركي لتفسيرات المخرج للنص ويلائم بجسمه الممثل كل ما يبغيه النص في التجسيد الحركي.
إذ يقول: (( ان المثل الأعلى  للممثل هو  ان يصبح أداة معدة إعدادا  فائقا  لخدمة المؤلف    “يقصد النص "  وهو يحتاج من اجل ذلك الى تربية تقنية  ، وفيزيقية، تكسب جسمه ووجهه وصوته الليونة المطاوعة للتعبير))  وهكذا يحتم على الممثلين المطاوعة الحركية للظروف التي تحملها المسرحية (( فالحركة هي أقوى وسائل التعبير السليم لغرض إيصال المعنى الفلسفي للفكرة المجسدة لذلك يترتب عليه ان يتدرب تدريبا تقنيا وفيزيقيا  عاليا ويعني بتربية صوته ليكسبه ليونة للتعبير عن متطلبات الشخصية وموقفها من الأحداث الجارية)).
كان انطوان يهدف في بناء الممثل الى عدم  إظهار الحركات الخارجية الزائفة البعيدة عن أفكار النص ، والتي لا تعبر عن تلك الشخصية في مواقفها وأحداثها . أما الفضاء المسرحي المستخدم عند " انطوان " فهو تلك الصالات والدور الفقيرة لإمكانات العرض المسرحي ، وخشبة العرض الممثلية التي يؤدون التدريبات عليها هي (( بيئة منزلية صرفة وفي غرف مؤثثة بما يوجد بالمنازل ، وكان هؤلاء الممثلون  في أثناء التدريب لا  يعرفون في الواقع  أي حائط من حوائط هذه الغرفة أو تلك، سيرفع الستار ليسمح للمشاهدين برؤية  ما يقومون به داخل الغرفة)).
وفي مكونات العرض ، الديكور يجسد أبعاد تلك البيئة فهو لا يؤمن بالمنظر الشكلي لصورة الحياة الواقعية وانما تخطى هذا المنظر الى ((خلق صورة طبيعية شبيهة بالحياة)).
والديكور على هذا الأساس هو  شيء آخر لا يحفل بالمنظر الذي يشكل خلفية الممثل وأنما يحفل بالبيئة ذاتها التي تشكل فيها أحداثها خلفية للممثل  “وكأن الديكور الذي يستخدمه هو البيئة والأثاث، أثاث منزلية  تتلائم وطبيعة الـحدث، إذن فالديكور يجب ان يكون "شيئا اكثر من إطار ها رموني موظف لحركة- الممثل،، ،لكنه يجب ان يكون ((البيئة التي شكلت الحياة والأحداث عند الشخصيات)).
فلابد للشخصية ان يكون انسجامها اللوني "النمطي" مع الزي وتجد تعبيرها الطبيعي في الضوء ليأخذ بذلك حدث الشخصية مكانته الطبيعية من الدراما في عرضها المسرحي ويكسو نفسه بالأجواء المعبرة عن حالات الحدث...
لقد وصف "سارسي"  عرضا من عروض "المسرح الحر" وأبدى امتعاضه من عتمة الضوء المكلل على المشهد الأول من ذلك العرض الذي يقول عنه: ((أضجرني، لجريان فعله في عمق ضوئي نافذ عن شمعتين "وحين استضاء فيها المكان كشف عن حياة وضيعة لمتسولين كسو أنفسهم بأزياء مهلهلة تعكس وضعا اجتماعيا لمأوى من "العواهر واللصوص والشحاذين، فقد كانت الإضاءة ترسل ضوءها لبقع المكان من فتحة صغيرة تقع في العمق من بيئة المشهد، لا يمكن ان تحسبها إضاءة في المعنى الصحيح بقدر ما كانت تعكس جوا لأشعة نور قمر خافت تسللت ضياءه لداخل قبو وكشفت عن نزلائه)) كان نتيجة للنشاط الدرامي لـ"زولا" في الأدب، وأندريه في المسرح المتماشي لدرجة كبيرة مع الواقع والذي أحدث آلية (تكنيك) متطورة للمسرح التصويري لدوق "ساكس مينتج" حيث جعلنا "اندريه" ان نقف على عتبة هذا التكنيك ونقرأ خلاله تقليدا فنيا واضح الصياغة... الذي أثر في معاصريه، وحققوا في فكرة هذا التقليد تطويرا جديدا قاده "اوتو براهم" المتأثر جدا بمسرح "اندريه"، "انطوان".... حيث ((أراد براهم ان ينتج الأعمال القديمة ليس بالطريقة التقليدية "لاندريه انطوان" اذ كان هدفه ان يجعل هذه الأعمال قريبة للحياة بواسطة استغلال الوسائل الحديثة والإخراج الحديث)). وانصرف بذلك الى وظيفة جديدة تبحث عن المناخ الإنساني للنص، لان ((المخرج بالنسبة لبرهام هو الرجل الذي يجب ان يخلق نغمة عمل آخر وأن الذي يبغي ان ينقل خلقا دراميا الى المسرح فأنه يجب ان يكون قادرا على استيعاب تلك النغمات الأساسية ويجعلها تدوي في الجماهير من خلال ممثليه)).
3-واقعية ستانسلا فسكي
أما ستانسلا فسكي الذي وضع أسس جديدة للمسرح الروسي في بداية هذا القرن فقد اختلف نهجه عن نهج اندريه انطوان، وبراهم، في سعي جديد الى بناء الممثل، والدور، وتجسيده المسرحي في صورة الانفعال الداخلي في إطار الجدار الرابع الذي بقي محتفظا به مع أندريه انطوان، لكن الأخير يعتمد الصفات الخارجية للموضوع، اما ستانسلا فسكي فكان يسعى به لبناء الدور أثناء التمرين وفي العرض، تجسيدا للانفعال.....
يتحدث ستانسلا فسكي عن بدايته فيقول:
 بدأت بتقليد كرونيك المخرج الروسي واعجبني فيه موهبته  في الخيال الإخراجي الخلاق الذي حقق أعمالا مسرحية ممتازة- بممثلين لم تكن لديهم المهارة الكافية وقال:بأننا، نحن المنتجين الهواة، كنا في نفس موقع كرونيك ودوق ساكس مينيج... فنحن ايضا أردنا ان نمثل مسرحيات عظيمة ونطرح أفكارا وأحاسيس لكتاب مسرحيين عظماء ولكننا حيث لا نملك ممثلين متدربين فكان علينا ان ننفي كل طاقة المنتج الذي كان عليه وحده ان يخلق عملا مسرحيا بمساعدة المناظر والدعامات وخياله، فلهذا السبب بدا لي استبداء المخرج سينتج مقنعا)).
وعقب على أعمال الدوق، وكرونيك ووصفها بالواقعية الفنية وقد حدد مزاياها حيث يقول: ((ان هذه الواقعية الفنية كانت مجرد واقعية خارجية حيث كانت واقعية الأهداف والأثاث والأزياء وخواص خشبية للمسرح والإضاءة ولكن حقيقة نجاحنا هي في عرض الواقعية الداخلية على خشبة المسرح فجسدت بعض المفاهيم للمستقبل)).
في ذلك الوقت الذي كان يتمتع فيه بحيوية الأفكار وخصوبتها مهدت له تجربة لمنتجين في واقعية المظهر الخارجي، جوا مهيأ، أستفاد منه في تهيئة المناخ لانتاج مسرحية ((طائر النورس)) لتشيخوف في مسرح موسكو الفني عندما أدرك قوة الحياة وعظمتها في دراما تشيخوف التي تكشف عن الجذور النفسية للشخصية بدقة وعن واقعها الراكد. ((فقد كتب مفصلا، وقال أني اعتقدت بأنه من الممكن ان اخبر الممثلين ان يعيشوا ويحسوا كما أريدهم ان يعيشوا أو يحسوا وكتبت توجيهات لكل شخص، وكان لابد من تنفيذ هذه التوجيهات، وكتبت كل شيء من تلك الملاحظات، ووضعت في كل الأنواع، مخططات الدخول والخروج والعبور من مكان لآخر وهكذا وضعت المناظر والأزياء والمكياج والملامح وعادات وصفات الشخصية..... الخ)).
ان الجوهر الذي يكمن وراء اختيار ستانسلا فسكي لمسرحيات تشيخوف والتي-كانت أساساً بنائياً لمسرح موسكو الفني في اتخاذ الواقعية أسلوبا للمسرح... كان ذلك الجوهر ذا أثر كبير على حياة المسرح الفني وتعميد مقوماته، التي ارتكزت على الروح الداخلية لشخصيات تشيخوف، ((والذي يقول عنه ستانسلا فسكي: بأنه قد كشف عن حياة الاشياء وحياة الأصوات تلك الحياة التي بفضلها ارتد الى الواقعية الحية كل ما كان جامدا ولا حياة فيه ولا مبرر له من تفصيلات الإخراج ودقائقه ويصل الى المنعطف المعروف في منهجيته عند تعامله مع ((مسرحية النورس)).
وخلال ما هيئته هذه المسرحية من مظاهر للأعماق النفسية وتيارها الوجداني، انتقل فيها ستانسلا فسكي ((من الواقعية الخارجية البحتة لعمله المبكر الى الواقعية النفسية الداخلية. ان هذا الطريق طريق الواقعية المنقاة قاد ستانسلا فسكي "اعمق واعمق الى العمل مع الممثل حيث شعر، بعد رؤيته لبعض تجارب مير هولد بأن هيئة الممثل الإنسانية من غير الممكن ان تغير بطريقة ما لتوافق الأفكار التجريدية ان هذا التطور قاده الى تقييم جديد للكاتب المسرحي الذي لم ينزل من منزلته الى مجرد حافز الى خياله)).
ولقد عمق، في هذا التقييم، للكاتب المسرحي دوره الفعال بخلق الإحساس لدى المخرج. معنى هذا ان الإحساس الخارج عن تلقائية النص إذا لم يكن هناك تنظيم له يبقى إحساسا تابعا للخبرة، والخبرة ليست كل شيء لأن الزمن في جريان وبحاجة لاكتشاف خبرات جديدة وخيال المؤلف ليس حافزا وحسب مالم يتعمقه الممثل، والمخرج ((المشاعر يجب ان تستدرج، وشرك المشاعر هو الفكر، والمصيدة هي التمثيل... والعلاقة التي تقرر الإحساس هي وعي الممثل بالواقع... فالممثل يجب ان يفكر.... وما يفكر فيه هو بيئته... ومعرفته لحاجة تسبب فعل... وهذا الفعل هو عمل الإدارة)).
والمخرج الذي لا يستطيع ان يستوعب مفاهيم الكاتب وشخصيته في النص والحياة العامة.... سيبقى معزولا عن تلك الحوافز ولا يستطيع ان يخلق كيانا جديدا للنص.
* * *
كتب ستانسلا فسكي:
((لا يستطيع أي منتج ان ينتج مسرحية ما لم يجد فكرتها الأساسية أولا، وفي الوقت الحاضر فأن منتج المسرحية في مسارحنا وحتى في الفن المسرحي البريختي لايهتم بالفكرة الأساسية مطلقا ولكنه يبني إنتاجه كليا على كل أنواع الحيل الذكية. وهذا هو نفي الفن على المسرح، وصحيح ان حيلا ذكية كهذه عادة تكافئ برعد من التصفيق الذي يريده الممثلون ولكن شكسبير وبوشكين لم يكتبوا لهذا الغرض)).
فالكاتب المسرحي، في نظره عنصر أساس لا يمكن إغفال فكرته في ذلك، لأنه إغفال لحياة المسرحية بكاملها. وعلى ((المنتج ان يناقش المسرحية بفكر واضح كفكر الممثل. وقال بل أفضل تحليل للمسرحية هو تمثيلها في الظروف المعطاة وذلك لأنه خلال التمثيل فأن الممثل يحصل تدريجيا على القدرة في السيطرة على الحوافز الداخلية لأدوار الشخصية التي يمثلها محركا في داخله العواطف والأفكار المنتجة لتلك الأفكار)).
ان ستانسلا فسكي بقي في حرفيته، محافظا على المسرح الطبيعي الا انه أوجد له عمقا عندما بدأ عمله مع الممثل...
نظام ستانسلا فسكي
كان منهج مسرح موسكو الفني يعتمد خطا معينا من التحليل يرتبط بطريقة دانجينكو من حيث "النص" ونظام، ستانسلا فسكي من حيث الممثل. وكان الهدف العام لمنهجهما، تحليل أفكار النص وتنظيم خط الفعل والتركيز على الفكرة الأساسية وتحديد هدفها والهدف الأعلى للمؤلف ورسم محاور النص من صراع ومشاعر وتتبع لأحاسيس ومشاعر الكاتب الكامنة في خطوط النص المتشابكة الأغراض والأهداف.
والفائدة من هذا التحليل إيصال مشاعر النص المركبة والمعقدة الى شعور الممثل الذي أبتكر من خلاله "ستانسلا فسكي" "نظامه" في عشرينيات هذا القرن، لفت "نظام" ستانسلا فسكي اهتمام كثير من الكتاب فقد أساء بعضهم فهمه بما فيهم تلميذ "ستانسلا فسكي" ميخائيل تشيخوف، وبعضهم الآخر من تلامذته أقتنعوا بالنضوج الكامل والمتناهي لهذا "النظام" إلا ان "ستانسلا فسكي" كان يتابع ويطور فيه ويحاول التوصل الى صيغته النهائية.
لكن الذين لا ينتظرون النتائج بحرص او بغير حرص وضعوا نظام ستانسلا فسكي أمام ريح مشوشة كادت تثير شكا بصحة ما حققته من نتائج في العشرينات. وقد وقف بوجه تلك الريح تلميذه فختاتكوف الذي قدم إيضاحا لها عبر المحاضرات التي كان يلقيها على طلبته بعد ان تتلمذ على خطوطها وقوانينها الإبداعية وهضم شروطها الأساسية والتي قامت على أسلوب استخدمه ستانسلا فسكي لتدريب نفسه على حرفيات التمثيل، رسم فيه نظاما صارما يتألف من عدة قواعد وقوانين إبداعية أصيلة اعتمدها في تطوير إمكانياته التمثيلية، وفي إحدى محاضرات فختاتكوف لتلامذته عرفها: ((بالنظام المتكامل المعد أساسا لأغراض تدريب الممثل بمجموعة من القوانين الإبداعية والتي إذا أتبعها الممثل بتطبيق فعال يستطيع فيها الممثل الوصول الى موازنة جسدية بينه وبين فعل الشخصية التي يجسدها، وتلك القوانين هي: الاسترخاء، الانتباه، الخيال،.... الخ. التي يستمد فيها الممثل تكيفا جسديا مع مزاج الشخصية، أي مع سلطة الفن وخضوع الجسد لها..)).
ان أدراك الممثل لهذه العلاقة لا يمكن ان تكون كافية في تجسيد دوره ما لم يكن له أسلوب أو تخطيط مبرمج لتطويع نفسه على خلق المرونة الكافية للتكيف، والحياة معطاءة لا تبخل على الفنان بوسيلة، ومن عطاءاتها الشعور، الظاهرة التي لازمت الإنسان منذ حياته الأولى، لها ذلك الجانب من الارتباط بعمل الممثل مع الدور أو مع نفسه، تنميته يحتاج الى تدريب كي يكون مهيأ للظهور على الخشبة لأنه العنصر الذي يبحث عنه ستانسلا فسكي ليربط الشعور مع النص بتلقائية  حاذقة ومرنة  كي يتم نطق كلمات النص بتأثير متبادل بين مشاعر الشخصية ، والشخصية المؤدية الى رسم المواقف ، والأحداث وبيئتها  عبر تلك الكلمة التي تجد شعورا حقيقيا مبررا بحركة الجسد.
ويشير فختاتكوف الى هذا الجانب انه ((لا يمكن للممثل ان يلعب دوره على الخشبة من دون ان يرافق هذا اللعب الترابط الروحي بين المشهد والممثل وذلك تشذيب الشعور الذي قد يداخل الممثل اثناء تادية دوره في المشهد مما يؤدي الى ضياع الصورة المنطقية في التعبير عن حياة المشهد))، لان الدخول الى حياة المشهد يعني الدخول لحالة إنسان  حددها زمن معين ومكان معين _ فتجسيدها على الخشبة لا يتم إلا بإخضاع مشاعرك باستمرار الى تلك اللحظة التي انبثقت  عن حالة الإنسان.
ويشبه ستانسلا فسكي (( شان الممثل شان الفتاة الصغيرة التي تؤمن بان دميتها كائن حي قدر أيمانها بالحياة التي تحيط بها ، ففي لحظة ظهور ( لو ) تراه _ ينتقل من مستوى حياة واقعية الى ضرب آخر من الحياة، حياة خلقها بنفسه في مخيلته، انه، ما ان يؤمن بها، حتى يكون مستعدا للشروع في عمله الخلاق)).
ان هذا التشبيه غني المعنى  ان " الدمية " التي تعيش مع الطفلة كحقيقة " لو " تعطي للممثل الانتقال الى الصفات الشكلية الى ملائمة توجه أحاسيس الممثل ورغباته الى تعبير صادق في الإحساس عن عمق الاشياء  لا مظاهرها الخارجية.
(ثم اكتشف ستانسلا فسكي عاجلا ان الإحساس بالصدق مثله مثل التركيز واسترخاء العضلات ،موضع تطويره وإنماء)، فالتطلع الى الإحساس بالصدق هو تنمية للعالم الداخلي لشخصية الممثل واستيعاب الرابطة النفسية الجسدية لعالم الشخصية الموكلة اليه في التجسيد فالتعبير عنها يأتي دون ضغط، أو انتظار لاستكمال عالمه الروحي ... فالتجارب التي يمكن فيها تنمية هذا الإحساس هو الاعتماد على تنمية الأفعال الداخلية التي (( تحول كل شيء جديد الى شيء عضوي، الى طبيعة ثاقبة للممثل ... يستطيع الممثل ان يستخدم شيئا جديدا على المسرح من غير التفكير في حركته الميكانيكية)) ان اتصال الممثل في عالمه الحسي يكون ذا فائدة في مسار توحيد المظاهر الخارجية للدور مع الإحساس الداخل في عملية جدلية تؤدي ((من الشعور الى ما تحت الشعور ، وهو ما اصبح بالتالي محور "منهجه" لقد حل " المنهج " مشكلة الواقعية على المسرح ، ووفر معيارا معتمدا التقاليد المسرحية .يشير ستنسلا فسكي الى ان الواقعية  لا تصبح طبيعية ،على المسرح ، إلا عندما  لا يستطيع الممثل تبريرها من الداخل)).
 وأخيرا سنحدد عناصر نظام ستنسلا فسكي  في تربية الممثل وما طرأ من تطوير عليها.
1-عمل الممثل مع نفسه ويتألف من عنصرين:
 أ. التقنية الداخلية : وهي عمل الممثل على إنماء الفعل الداخلي خلال تمارين الممثل على عناصر " التخيل ، الانتباه ، الذاكرة الانفعالية ، الصدق ، الأهداف ، الأفعال ، التكيف ، الإيمان ، ............ الخ.
 ب.التقنية الخارجية: وهي عمل الممثل على إنماء الفعل الخارجي عن طريق ممارسة مجموعة من التمارين الخاصة باسترخاء العضلات للجسم وتمارين خاصة بالصوت والإلقاء.
2-عمل الممثل مع الدور: وذلك بتنظيم علاقة الفعل الداخلي والخارجي للممثل مع الدور لأغراض تحديد موضوعه وهدفه الأعلى وفكرته وطبيعة صراعه وقصة حياته الشخصية ...................الخ . وما زالت عناصر التقنية النفسية وتجسيد الدور على الخشبة من الاتجاهات في تدريب الممثل، مع النفس والدور في عالم الإخراج الواقعي، لان هذه الاتجاهات تكمن أساسا في حمل الممثل ضمن الأحوال والمسببات التي تهيئ لخياله الأيمان بحقيقة المشاعر المتخيلة التي يجسد خلالها قيمة النص بما تنطبق والفكرة الأساسية المرسومة  في ذهن المؤلف، والفكرة هذه لم تأت في لمحة بصر وإنما كانت تعقبها تجربة أو أفكار قادت المؤلف لتبنيها في النص، اما الممثل الذي يبغي في هدفه تجسيدها، فان مشاعره وانفعالاته التي يحاول من خلالها الوقوف على فكرة النص ، بحاجة الى التقصي عن الأفكار التي أحاطتها ليمهد الطريق أمام وعيه نحو خلق استجابة عميقة للنص آنذاك تكون ولادة الفكرة تجسيدا لمشاعر حقيقية.
تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9