أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

السبت، يناير 28، 2012

مسرحية "البوقالة " مونودراما / منصور عمايرة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يناير 28, 2012  | لا يوجد تعليقات


مسرحية "البوقالة" 
تأليف 
منصور عمايرة

مونودراما
إهداء إلى الجزائر التي أحبها
تنوية مختصر :
البوقالة: تراث جزائري لمعرفة الفأل ، والبوقال إناء فخاري.
الحراقة: المغامرة إلى المجهول عن طريق البحر، حيث يهرب الشباب والرجال إلى شمال البحر المتوسط إلى أوروبا من بلاد المغرب العربي ومنها الجزائر.
الفلاقة: هم المقاتلون الأحرار الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي في بلاد المغرب العربي ومنها الجزائر.
القلال: آلة موسيقية وهي تشبه الطبلة " الدربكة " تستعمل في بلاد المغرب العربي ومنها الجزائر.
الشخصيّات :
امرأة .
مونودراما البوقالة
" المسرح .. هناك منضدة في الطرف الأيمن من المسرح، صورة شخصية تعلق على الحائط لرجل في الثلاثينيات من العمر باللون الأسود والأبيض، فوق المنضدة أدوات زينة للمرأة، مرآة ، مشط ، كبة غزل من الصوف وإبرة غزل...
هناك خزانة ملابس قرب المنضدة ...
هناك مقعد في الطرف الأيسر من المسرح ، فوق المقعد دمية عارية...
مدت على الأرض زربية، وضعت فوق الزربية بوقالة وبقربها قلال، وهناك طست مملوء بالماء ..."
" يسلط الضوء دائما أينما تتواجد المرأة ... وباقي خشبة المسرح يكون معتما أو شبه معتم "
امرأة : " تدخل امرأة في العشرينيات من العمر مندفعة بسرعة وهي تبدو غاضبة، تتوقف أمام الصورة  ... تصمت قليلا "
" تسلط على المرأة إضاءة ساطعة تظهر حالة غضبها وقلقها الذي يبدو على وجهها "
" بصوت عال وبحركة عصبية من يديها "
اللعنة عليك.
" فترة صمت وهي ما تزال متشنجة اليدين .. تتراخى يداها شيئا
فشيئا ، تسبل يديها على جنبيها.. بنبرة حزينة وصوت متهدج ، وهي ما تزال واقفة أمام الصورة "
ماذا ستكفيني اللعنات التي أنزلها عليك صباح مساء؟ ماذا ستجدي تلك اللعنات التي أسقطها عليك مثل حبات مطر ، عاشقة لأرض هجرتها منذ زمن بعيد؟ ماذا ستجدي كل اللعنات أصبها عليك مثل أمواج البحر الغاضبة في يوم عاصف؟
" تسترق السمع فترة زمنية قصيرة جدا "
ماذا تقول؟ الذي يحب لا يلعن ! لا ... . لا .
" تضحك أكثر من مرة ، وهي ماتزال واقفة أمام الصورة ، ينقلب ضحكها إلى قهقهة ... بصوت عال وهي تحرك يديها "
خانتك ذاكرتك، أو خانك لسانك الذي بات سليطا وأنت في بلاد الغربة، تحدثني بأنانية.
" مستهزئة تدير ظهرها للصورة ، تبتعد عن الصورة وهي تقول بصوت حزين "
 الذي يحب لا يلعن!
" بصوت عال "
 لا يا عزيزي...
" بصوت منخفض وحزين "
ستكون اللعنات بقدر الحب الذي كان يجمعنا، وأنت تعتقد بأن حبي
كان كبيرا ، وأنا أدرك هذا؛ ولهذا السبب ستكون لعناتي عليك بكل الأحجام والمقادير التي يعجز العقل عن تبيانها.
 " تقول هذا وهي تمثل الأحجام والمقادير "
" تخطو ثلاث خطوات تجاه الزربية ، تجلس متربعة على الزربية "
كأنك تحملِّني مسؤولية الرحيل والفراق؟ لم أكن مذنبة بهذا، وخير دليل على ذلك أنك تركتني وحيدة.
" تصمت قليلا "
تركتني وحيدة وسخرة للآخرين وسخرية ، وسخرية قاسية، ماذا تقول في سخرية الأم من ابنتها؟ أقل وصف توصف به ستقول بأنها سخرية قاسية، إنها قاسية، إلى حد التوجع الذي يفج كل الأبواب ؛ لأحدث نفسي فقط ، ويدور بي رأسي...
" تضغط بكلتا يديها على رأسها "
رأسي تؤلمني.
" تنهض مضطربة ، تدور في المكان ، تقف أمام الصورة وهي تسترق السمع ، تلتقط المشط ، وبصوت حزين رقيق وهي تسرّح شعرها "
ماذا تقول؟ ذهبت من أجلي؟ قلت لك لا تذهب، ابق هنا نعيش كما يعيش كل الجزائرين القابضين على جمر القسوة والحرمان، يكفينا الحب كي نبقى ونستمر بالحياة، هل هناك قوة رابطة أقوى من الحب بين شخصين، لتكون الحياة فرحة، أو تبدو كذلك، أما أن الأرض ضاقت بك، وأنت ضقت بها، لأنك لم تستطع أن تغمض عينيك عن شيء واحد لا يفارقك " الحراقة ".. وحدثتني عن الحراقة التي ستفتح لك كنز النعيم في الدنيا.
" تتخلى عن المشط وهي تشير إلى الصورة وتبدو غاضبة "
أرجوك أرجوك، لا تنكر بأنك حدثتني إلى حد الملل عن الحراقة، وقلت لي الحراقة هي التي تصنع لنا وطنا لا يرفضنا، وطنا يحن علينا ويطعمنا الخبز، لا توجد هناك مسميات البطالة و " الحيطيست " ولا توجد مسميات الكآبة والاكتئاب.
" تضحك تضحك .. تدير ظهرها للصورة "
أنت كذاب، كنت تريد أن ترحل من الجزائر وهذه غايتك، لا تنسَ أنك حدثتني عن تجربة حياة جديدة هناك " تشير بيدها إلى البعيد " هناك وراء البحر، وراء تلك الجبال، وراء ذاك الأفق الذي يرتطم بزرقة البحر؟ لا تكذب علي أرجوك، لم تكن المسميات الملعونة تلك التي أسقطت عليها جام غضبك هي السبب؟ الوطن يتسع للجميع .
" وهي تتحرك من كان إلى آخر "
الوطن يتسع للجميع.
" تتوقف عن الكلام فجأة ! تردد "
 الوطن ؟ الجميع ؟
" بخطوات وئيدة تعود لتجلس على الزربية متربعة "
أنت تثقلين عليه بالعتاب واللوم.
" لا تعذليه  فإن  العذل  يولعه
قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه "
هذا ما تركته لي في ورقة صغيرة أيها الشاعر، قصاصة ورق، وبيت شعر تمثلته ، وهذا يؤكد أنك لم تكن تؤمن بكل تلك المسميات، وهذا يدل على إصرارك بالرحيل وليكن مايكون... وها أنا وحدي، وكان كل شيء أردته أن يكون، كانت أنانيتك طاغية إلى الحد الذي قررت الرحيل ، بنقود استدنتها من معارفك، وتلك قطعة الذهب التي أعطيتكها كانت لك عونا في الرحيل، ها أنا أشارك بهذا الجرم، الموت هو اللعنة الوحيدة التي لا يستطع أحدنا دفعها... مات.
" تتوقف عن الكلام فجأة "
مات !
" تبكي "
كنت أعتقد أن قطعة الذهب تلك ستكون لك تعويذة تحميك من حراس البحر، وتحميك من ماء البحر الكثير ، تحميك من البحر المسجور، وتحميك من الحوت الصغير والكبير.
" وهي تنظر إلى الصورة مسترقة السمع "
 أسمعك نعم أسمعك، قلت لي هذا مرات كثيرة بأن قطعة الذهب تلك
ستكون لك حارسا توقظك وأنت في الغفلة، تحرسك وتحميك من كل الخطوب، وستذكرني كلما رأيتها تتدلى من عنقك، وقلت بأنها ستكون هدية حب لا ينتهي ... مات.
" تبكي ... تنهض ، تقف أمام الصورة  مسترقة السمع "
اسمعك نعم أسمعك، هم شركاء بهذه الجريمة؟ هؤلاء الذين قرروا مصير الصغار، ليكونوا في الشوارع يركنون أجسادهم المتعبة من الحزن والملل والضيق إلى " الحيطيست " لم تكن لديهم رحمة، اللعنة عليهم.
" وهي تبكي "
كان يجب عليك ألا تقع في حبائلهم الخبيثة، وهم يسرقون لقمة الخبز من فيك؛ ليدفعوك إلى البحر، لتكون في عداد الموتى، وتسجل في دائرة الحوادث، وهم يتبجحون بأن البحر هو القاتل، ومن يحاكم البحر؟
" بصوت عال "
ومن يحاكم البحر ؟
" تصمت قليلا ... وتبدو مضطربة "
هاه ؟! البحر القاتل ! البحر القاتل ؟ ومن يحاكم البحر؟!
" تبدو مضطربة وهي تعبث بشعرها الذي تبعثر على وجهها في تلك اللحظة، وبصوت منخفض وحزين "
من يحاكمهم؟
" تسير بخطوات قليلة إلى الأمام وهي تردد "
من يحاكمهم؟ هل سمعت أن أحدا حوكم بجناية البحر؟ " بصوت عال " من يحاكمهم؟ أنت الآن في سجل ورقي ستمشي عليه الأيام، وربما يفتح ذات يوم لمعرفة حقيقة البحر، فترتفع أصواتهم منددة بالبحر، وماء البحر، وحوت البحر، ولعنات البحر، ويركنون إلى قول واحد قديم جديد: البحر غدار !
" بصوت أعلى وهي تسير إلى الأمام "
البحر غدار؟ وكأنهم وضعوا بلسما على عقول الناس وقلوبهم، وعلينا أن نصدق بأن القاتل الوحيد الذي لطخ اسمه بجثتك هو البحر وحده !  
" ترجع ، تقترب من الصورة "
ألم أقل لك بأن البحر غدار ...؟ وها هو أخذك مني، وأنت تتشبث بأطراف أرض حسبتها ستكون لك المنجي الوحيد لتكون.
" تصمت قليلا "
علمونا منذ زمن بعيد، ونحن في حضن الأم، ونحن ندرج لأول مرة في الشوارع، ونحن نقف على شاطيء البحر، نسرق لحظات الحياة التي نصنعها بأحلام تتطاير فوق رؤسنا مثل نوارس البحر : البحر غدّار .
" بصوت عال تردد "
البحر غدّار.
" بصوت حزين "
وصدقنا إلى حد البلاهة، أن البحر غدّار يمارس غواية الاستهواء، ليصنع الموت.. من يحاكمهم...؟
" تصمت قليلا ، تبتعد عن الصورة وتسير إلى الأمام حزينة "
ومرة ثانية وثالثة وعاشرة، والمرة المئة والألف، تقول لي بصوت صاخب كل الجزائريين يرحلون.
 " بصوت عال "
كل الجزائريين يرحلون، كل الشباب يرحلون، أرجوكِ اشحذيني بالقوة لألحق بهم.
" بصوت منخفض تجلس على الزربية ، وتنقف الطست المملوء ماء بحصاة صغيرة ، تشمر عن ساقيها تضع قدميها في الطست ، وهي ما تزال تنقفه بالحصاة "
" تسمع أصوات أمواج البحر هادئة "
شحذتك بالقوة، وألقيت في البحر حجارة صغيرة كثيرة كل يوم أقيك من الموت، حتى جاءني خبرك... لم تكن الحجارة تعويذة، كانت تسحبك إلى البحر، لتقدم هدية لحوت البحر، وذات يوم سأشتري الحوت الطازج من البحر، ولكني سأقف كثيرا هناك أسأله هل تلذذ بجسدك كما تلذذ المسؤولون الجناة برحيلك إلى غير رجعة، كما تلذذ الذين يبقون البلاد فاغرة فمها تقذف بالصغار إلى البحر بحجج أزمات اقتصادية، واجتماعية، وبنية تحتية، وعجز في الميزانية، وخطط حماية الاقتصاد الوطني، ولكنهم لا يذكرون خطط أولئك الذي يمارسون علينا غواية استهواء سرقتنا ليل نهار... لا يقولون بأن سبب رحيل أبناء الوطن هم أولئك الذين يريدون أن يأخذوا ويحرموا الآخرين.
" تنهض .. تقف أمام الصورة، وهي تتمايل "
كم مرة وعدتني بيوم زفاف بهيج، ويهيج النفوس، و نفسي تهيج لزغرودة العرس في قلبي، وفي رأسي، وفي هذا الجسد المكتنز " تتحسس جسدها " هذا الجسد المكتنز الذي ينتظرك ؛ لتفتشه بأنفاس لاهثة؟
" تبدو حزينة ، تجلس على الزربية، تمد يدها في البوقالة "
وأعود إلى البيت، ونفسي تزغرد ليوم حب، وليلة حمراء ستكون لي وحدي، أجمع كل نساء البيت وأمي ونلعب البوقالة، وأنا أضمر على حب خالص لك، وعلى يوم زفاف وحب، وعلى ليلة حمراء لي وحدي، وعلى فأل الرجل الذي سيحضنني وحدي، ولا تتلاعب في رأسه نبوءات الرحيل والهجرة وبلاد الأمل والمجد، أسمعت؟ أنا قلت الأمل! الأمل والمجد نزعوه من صدرك، لترى المجد هناك بعيدا عن الوطن، هناك وراء البحر، هناك وراء الجبل، هناك وراء الأفق الذي يغوي زرقة البحر، وقالوا البحر غدار، وهو الذي اغتال الأمل.. أسمعت قالوا البحر غدّار وهو الذي اغتال الأمل.
" تخرج يدها من البوقالة، وهي تنظر في يدها "
فارغة. لا شيء.
" وهي تخاطب الصورة "
انظر يدي فارغة ، بقايا ماء ، بقايا ماء فقط .
" تنثر الماء بعيدا، وبصوت عال "
كانت الأيام السالفة تغني لحب يجمعني بك وحدك، ولك وحدك، ويضمني فراش لك وحدك، وغطاء لك وحدك، وها هي البوقالة تحرمني من الأحلام.
 " تصمت قليلا "
 مات، لم تعد هناك أحلام، لم تعد هناك أحلام، منذ اليوم الذي جاءني موتك أدمنت البوقالة، ولكن لمن ستقرأ الحظ ؟ البوقالة ملّت من قراءة حظ ملعون رهنوه بالبحر الغدار؟
" تسمع موسيقى فرح... تنهض، تقترب من الصورة، تقف أمامها صامتة ، وهي تتحسس أطرافها وصدرها تنظر في المرآة مبتهجة ، وهي تخاطب الصورة "
ها أنا سأعد العدة ليوم الزفاف.
" تأخذ كبة الغزل، تسرع إلى المقعد، تضع دمية الرجل في حضنها وهي تجلس على المقعد ، وتبدأ تشبك خيوط الصوف "
سأصنع لك ثوبا يليق بك ، تجلس إلى قربي بهذا الثوب الجميل .
" تسمع موسيقى عرس "
" تبدو مضطربة، الإضاءة خافته ، تنهض وتسرع إلى خزانة الملابس، ترتدي ثوبا أبيض ، تضع أكليلا على رأسها، تسمع موسيقى فرح ، تتمتم وتتمايل "
تمختري يا حلوة يا زينة
يا وردة جوا الجنينة ...
" تلبس الدمية ثوبا أبيض، تسمع موسيقى عرس، تزغرد، تمد يدها إيماء وكأن شخصا آخر يأخذ بيدها تمشي متئدة بضع خطوات، تجلس على المقعد وبقربها الدمية، تنهض وتهرول بسرعة إلى القلال الصغيرة ، تعود وتجلس على المقعد ، تضرب بأصابعها القلال يصدر من ضربها للقلال إيقاع رتيب حزين "
ماذا ... ماذا... ماذا ؟
" تردد ماذا بإيقاع من الأعلى للأدنى حتى يتلاشى صوتها تماما، وتبدو شفتاها مضطربة "
لا، لا لم يمت، هاهو بقربي، وفي هذا اليوم نفرح بزفافنا، لن يستطيع
أحد أن يأخذه مني الآن، سيبقى لي وحدي، ولم يكن هناك بحر غدار،
لم يكن هناك بحر أصلا.
" وهي تخاطب الدمية "
أليس هذا صحيحا؟ ما بالك يا صغيري لا تجيب ؟ في يوم العرس
يتلاشى الخجل ، ويفضح المستور ولن تبقى هناك عفة ... لم الخجل؟
" تهز الدمية ، تهزها مرة ثانية بعنف "
لا بأس عليك، أنا سأفرح لك على طريقتي الخاصة.
" تنهض ، ترقص ، تسمع موسيقى خافته وحزينة ... يسمع صوت ضرب القلال ، يتصاعد صوت القلال ، ترقص على ضربات القلال المتصاعدة باضطراب " 
" بصوت عال "
أنا أعرف السبب الذي يجعلك صامتا، وربما غاضبا، فالصمت ليس دائما علامة الرضا، ولكنه علامة الغضب أيضا... أنا أعرف، لا بأس عليك، أنا المذنبة، أرجوك حملني وحدي هذا القصور، المهم أن تبقى راضيا لا أريدك أن تغضب مني، أنا لا أستطيع أن أراك غاضبا، صدقني سأصاب بالجنون لو بقيت غاضبا مني، أنا أعرف السبب، لا بأس عليك ها أنا أستدرك الأمر... أنا أعرف، لا بأس عليك، أنا المذنبة، أرجوك حملني وحدي هذا القصور، المهم أن تبقى راضيا لا أريدك أن تغضب مني، أنا لا أستطيع أن أراك غاضبا، صدقني سأصاب بالجنون لو بقيت غاضبا مني، أنا أعرف السبب، لا بأس عليك ها أنا أستدرك الأمر... أنا أعرف، لا بأس عليك، أنا المذنبة، أرجوك حملني وحدي هذا القصور، المهم أن تبقى راضيا لا أريدك أن تغضب مني، أنا لا أستطيع أن أراك غاضبا، صدقني سأصاب بالجنون لو بقيت غاضبا مني، أنا أعرف السبب، لا بأس عليك ها أنا أستدرك الأمر.
" تتوقف عن ضرب القلال، تضع القلال على الزربية، تسرع إلى المنضدة، تنظر وجهها في المرآة، تلتقط علبة الزينة " المكياج " بقوة، تبدأ بوضع المساحيق المختلفة ألوانها على وجهها، تمشط شعرها .. تنثره ، وهي تعود لتجلس  قرب الدمية ، يبدو وجهها ملطخا بألوان غير متناسقة وعبثية "
ها أنا قد تغيرت الآن، وضعت الكثير من الألوان البراقة التي ستظهر عنفوان فحولتك ، والتي ستكون مصدر فخر لي وأنا أحدث بعضهن ذات يوم، وأنا أحدث نفسي عنها كل يوم لنفسي، فرحة بكل هذه الرجولة التي تجعل لعابي دائم السيلان، وستكون فخرا لك أيضا، وأنت تفضح كل نواقص الرجولة بكبرياء، وستفتخر أمامي بهذا دائما، أنا أعرف أن هذا الشيء هو ما كان ينقصني، وهو ما كان ينقص ليلة حمراء، وخاصة أنها أول ليلة حمراء، فالألوان الحمراء هي التي تفتح شهامة الفحولة وتفضح الكبرياء كل الكبرياء، أعرف هذا، كان معك الحق كله، كل الحق كان معك، أنت من حقك أن تغضب لنواقص لا تتم بها ليلة فرح وحمراء من دون ألوان تزيد بهجة الحب.
" وهي تنظر إلى الدمية "
قل ما رأيك بكل هذه الألوان البراقة ؟
" تهز الدمية ، تهزها مرة ثانية ، موسيقى حزينة "
آه ... عرفت الآن ما الذي يغضبك، ولم لا، من حقك أن تغضب ، ومن حقك أن تلومني ولو بالصمت ، ومن حقك أن تبقى صامتا لتعبر عن غضبك ورفضك، لا بأس عليك، ها أنا أتدارك الأمر، لا بأس عليك، لن أكون مجنونة؛ لأضيع أول ليلة حمراء في حياتي.
" تذهب إلى الزربية، تلتقط القلال، تعود إلى المقعد تجلس قرب الدمية، تبدأ بالضرب على القلال وهي تغني "
" ديروا للعريس الحنا ريما الريمات      
ديروا للعريس الحنا ريم الريمات "
" تدور حول نفسها، يتسارع الدوران بتسارع ضربات القلال، يبدأ الدوران بالتباطؤ مع تباطؤ ضرب القلال، تسقط على الزربية لاهثة وهي تنظر إلى الصورة "
نعم، لعبنا البوقالة قبل رحيلك بأيام، تستحثني على الرضوخ لما عزمت عليه، كان فأل البوقالة يستحثه على الرحيل دائما حتى في الحالات التي كنت تقرأ فيها الورقة، وما كتب عليها، تنكر ما جاء فيها إذا لم يعجبك، وتحبب الأمر لنفسك، وتردد أنا محسود، لن أسمع لما يقوله الحسد والحاسدون، وتمد يدك مرة ثانية للبوقالة، عندئذ تفرح وأنت تقرأ ما فيها حينما يزغرد لها قلبك.
" وهي تخاطب الدمية "
الشيء الذي لم تكن تعرفه أنني كنت أعلم بإصرارك، وكنت أقول لك
قلب المرأة دليل على ما يدور في عقل الرجل، وكنت تضحك ساخرا من قول امرأة تدغدغ رأسها الأحلام لتبقى إلى جوارها، ومرة ثانية تتكئ على وعودك لها بأنك سترجع إلي كفارس فحل لم يغيره الزمن، وحركت رأسي مرات كثيرة لأؤكد لك على بلادتي، وتخفي روحك المتهالكة علي ساعة الرحيل، وغنيت في ذاك اليوم الذي افترشنا فيه رمال البحر الذي بدأ صاخبا، هناك أشعلنا الكانون نستدفئ بلون الجمر، وننثر البخور تعويذة تحميك، وتبين نصرك الأخير للرحيل، غنيت الحراقة بعدما مددت يدك في البوقالة وأخرجت فألا واحدا لا تريد أن تغيره ، وتردد على سمعي :
روح يا وليدي حراقة،
شايف حياتك براقة،
وانس ما عملوا الفلاقة،
وتولي إلنا روحك عبّاقة .
وبقيت تمد يدك في البوقالة فرحا غير آبه بما يقرأه لك الفأل، وكلما خرج الفأل عابسا في يدك ووجهك تقول وأنت تنظر في وجهي لا تأبه بفزعه الذي تقابله بضحكة وأنت تردد : " اقصد الدار الكبيرة لا ماتعشيتش تبات دافي"  
" تسرع إلى الزربية، تجلس وهي تحتضن الدمية، تضع الكانون مجمرا أمامها، تنثر البخور، تضع الدمية فوق المقعد، تأخذ القلال، تبدأ ضرب القلال، تتمايل، تغني وهي تنظر إلى الصورة مرة وإلى
الدمية مرة ثانية "
روح يا وليدي حراقة،
شايف حياتك براقة،
وانس ما عملوا الفلاقة،
وتولي إلنا روحك عبّاقة .
" تخاطب البوقالة وهي تنظر إلى الدمية "
هيا نلعب البوقالة، أتوافق ؟  
" تسترق السمع "
يسعدني هذا.
" تضحك "
هاتِ يدك.
" تمد يدها إلى الدمية "
جميل وشاطر، جميل وشاطر، ادرج يا حبيبي على رسلك... ادرج يا حبيبي على أقل من مهلك ، ادرج يا مدلل .
" تقود الدميه رويدا رويدا "
" بصوت عال وهي غاضبة "
أتحداك بأنك لن تتغلب علي.
" بصوت منخفض مسترقة السمع "
ماذا تقول؟ البوقالة بيننا، نعم البوقالة بيننا.
" تبدو مضطربة "
البوقالة بيننا، والشاطر يضحك بالتالي، مد يدك في البوقالة.
" تضع يد الدمية في البوقالة، تخرجها " 
ماذا أخرجت من فأل؟ اقرأ فألك، أو دعني أقول لك أنت قررت أن يكون فألك دائما ينضح بما تريد نفسك ، وبما عشش في رأسك.
الآن دوري، سأمد يدي في البوقالة ..
" تمد يدها في البوقالة بعد قليل تخرجها "
نعم هاهي يدي تخرج من البوقالة، ماء ، كل ما خرج ماء ، أليس هذا دليلا واضحا على الصفاء والنقاء والطهارة ، ماء خالٍ من كل شيء، لله درك أيها الماء تبخل علي بكلام البوقالة ، قل لي بأي شيء أريد أن أعلل نفسي ، لا بأس سأمد يدي مرة ثانية .
" تمد يدها في البوقالة، تخرجها "
ها هو ماء مرة ثانية ، ماء أكثر صفاء من ماء المطر ، لا بأس كلهم يمدون أيديهم إلى جيوب هذه البلاد فتخرج أيديهم ملأى بكل خيراتها، وتمتلئ جيوبهم فجأة وبقدرة قادر، ويدي تخرج من البوقالة صفرا وخائبة ، ويمارسون علينا غواية الحراقة ، يذهب الشباب ليضيع في البحر الكبير ، يسمنون الحوت ، ومن ينجو منهم يحرث أرض
الآخرين كعبد . 
" بصوت عال "
يحرث أرض الآخرين كعبد.
" تخاطب الدمية بصوت حزين "
وأنت احرث أرض غيرك كعبد.
" وهي تنظر إلى الدمية مسترقة السمع "
ماذا تقول؟ كنت في وطنك عبدا، ليس عيبا ونقيصة أن تكون عبدا يخدم أهله ووطنه.. أما هناك فأنت عبد للآخرين من دون وطن.
" وهي تشير إلى البعيد "
هناك أنت عبد للآخرين من دون وطن.
" تصمت قليلا "
لا بأس سأمد يدي مرة أخرى في البوقالة.
" تمد يدها، تخرجها ترشح ماء "
ماء زلال أنظف من ماء الأنابيب في البيوت، لا يحوي صورة لحبيب، ولا يصدع بأمر.
" تمد يدها في البوقالة، يخرج الماء فقط ، تتوهم أنها تسمع صوتا "
ماذا أسمع؟ الميت لا يؤوب، الميت لا يؤوب ... وأنت صرت وحيدة ... هل أنا من دون أمل ...؟
" تمد يدها في البوقالة يخرج ماء فقط من البوقالة "
ماء خال من كل شيء، البوقالة تقتل أحلامي ... روحي حرّى
وتائهة.
" تخاطب الصورة "
البوقالة روح التائه؟ لا، لا أنا الوحيدة الذي أسمع هذا الصوت.
" تخاطب الدمية "  
البوقالة روح التائه؟ وأنت تقول هذا؟ أنا لا أصدق، لا أصدق .
" تمد يدها مرة أخرى تخرجها تنثر الماء بعيدا "
أريد أملا.    
" تمد يدها مرة أخرى تخرجها تنثر الماء بعيدا "
أريد أملا.
" تمد يدها مرة أخرى تخرجها تنثر الماء بعيدا "
أريد أملا.
" تمد يدها مرة أخرى تخرجها تنثر الماء بعيدا "
أريد أملا... أريد أملا... أريد أملا.
" تقف أمام الصورة وهي تحمل الدمية "
أنا ضائعة، أنت تخبرني عن الحقرة، والشعب كله يريد عمل حراقة،
وأنا الضائعة.
" تلطم الدمية "
أنت هرّاب.
" وهي تسير إلى الأمام، تبدو مضطربة، تعبث بشعرها وهي ما تزال تحضن الدمية "
أنت انهزامي، هزموك، ليبقوا وحدهم، كرّهوك بالبلاد.
" تسرع بخطوات سريعة وتجلس على المقعد مضطربة، ولا تزال تعبث بشعرها "
وأنا الضائعة.
" تضرب القلال وهي تتحدث إلى المنضدة ، تتمثل طقسا عرسيا ، وهي تنظر في المرآة تسمع صوتا "
أنت جميلة !
" تبدو خجلى ، تبتعد عن المرآة قليلا ، ترجع لتنظر في المرآة ، تسمع صوتا "
أنت جميلة !
" تبتعد عن المرآة وهي تنظر إلى الجمهور ، تعود لتنظر في المرأة خلسة ، تسمع صوتا "
أنت جميلة !
"  تضحك ، تبدو معتدة بنفسها ... تمد يدها إيماء وكأنها تراقص شخصا  "
 جميلة ، أنا جميلة ؟ ألست جميلة؟
" تضحك "
لماذا رحلت ؟ ما دام أني جميلة ماذا ستجد في بلاد الغربة؟
" تصمت قليلا وهي تنظر إلى الجمهور "
وهذا الوطن أليس جميلا ؟
" تنظر في المرآة، وهي تسرح شعرها "
 كنت أريدك مثل طائر السنونو يلتصق بالبيوت لا يبرحها.
" تمثل طيران طائر السنون وهي تدور من مكان إلى آخر "
وأنت لم تلتصق بالوطن... رحلت... فالتهمك البحر... الحراقة هي التي تشبع نهمك في هذه الدنيا؟ ستملأ جيوبك من هناك من بعيد من وراء البحر ؟
" وهي تشير بيدها إلى البعيد "
من هناك، من بعيد، من وراء الجبال، من هناك، من بعيد، من وراء الأفق البعيد الذي يرتطم بالبحر.
" تضحك مسترقة السمع "
تقول بأنك ستملأ قلبك بحب لا يعرف الخيانة ؟ ولا يعرف الهزيمة ؟
ولا يعرف كيف تغتال الأحلام ؟ رحلت بعيدا، وقتلت في صدري
أحلاما كنا نغنيها معا، نغنيها ليجمعنا بيت واحد ، وتحت سقف واحد يعشش فيه السنونو.
" وهي تنظر في المرآة تمثل طائر السنونو "
ولكنك رحلت.
" وهي تسير بحزن إلى الأمام "
أنا طائر السنونو، أنا الوطن.
أنا طائر السنونو، أنا الوطن.
أنا طائر السنونو، أنا الوطن.
" تصمت قليلا... تهرول مرتين إلى المنضدة تقف لحظات أمام الصورة ، ومن هناك إلى الزربية ، تصمت قليلا حزينة ، تنظر إلى البوقالة ، تهرول من هناك إلى المقعد تنظر إلى الدمية ، تتوقف برهة، يسمع صوت سفينة وأمواج بحر هائج ، تضطرب تهرول مرة الثانية، تتعثر بطست الماء ينقلب الطست، تقف مدة جامدة في مكانها، تقدم رجلا على أخرى ، وتبقي يديها معلقتين بالهواء مصعوقة"
مات .
" تنظر إلى الدمية ، تلتقطها بعنف وهي تنظر إليها تضحك "
لكنك فقأت عينيك، نعم أنت الآن فقأت عينيك.
" تفقأ عيني الدمية بالإبرة .. تضحك "
وغبت عني لأنك لم ترد أن ترى إلا نفسك راحلا إلى البعيد ، وسمحت لهم بأن يبعدوك عني ، لم تتحدَ ولم تقوَ على مواجهة حبي لك ، رحلت مهزوما.
" تبدو مضطربة حزينة تجلس على المقعد وتضع الدمية بقربها "
رحلت بعيدا.
" تقطع يدي الدمية وتلقي بها على الأرض "
رحلت فزعا مهزوما.
" تقطع رجلي الدمية وتلقي بها على الأرض "
تهت هناك في البحر.
" تقطع رأس الدمية وتلقي بها على الأرض "
الميت لا يؤوب.
" تنتف ما بقي من الدمية "
الميت لا يؤوب.
" تصمت قليلا، تنهض تجلس على الزربية، تمد يدها في البوقالة " 
أتصدقين يا بوقالة ؟  قالوا مات . أنا لا أصدقكم، من غير المعقول أن تخون البوقالة أحلامي ، ها أنا أرى أفكاري تطير فوق رأسي، وربما تحط فوق رؤوسكم.
" وهي تشير إلى البعيد "
لكنكم تخافون من تحسس رؤوسكم ، تحسسوا رؤوسكم ستجدون أفكاري هناك تقف شامخة فوق رؤوسكم مثل أشجار يابسة ماتت واقفة ، أنا أحس بها ، أنا أعيش بها... ماذا أسمع ؟
" تضع يديها على أذنيها "
لن أسمح لأحد أن يحطم البوقالة.
 " تحتضن البوقالة "
مهما كانت أصواتكم صاخبة في أذني تفج سمعي:
البوقاله روح التائه، البوقالة روح التائه.
" تصرخ وهي تضع يديها على أذنيها"
لا أريد أن أسمع صخبكم، لا أريد أن أسمع صخبكم، سألعب البوقالة حتى يؤوب...
" تنهض، تنظر في المرآة "
الميت لا يؤوب، الميت لا يؤوب.
" وهي تركض مضطربة إلى المقعد "
الميت لا يؤوب.
" تركض إلى الزربية، تجلس، تنثر البخور فوق الكانون، تمد يدها في البوقالة، تخرج الماء حسب "
سأبقى ألعب البوقالة.
" تضحك "
سأبقى ألعب البوقالة.
 إضاءة خافتة... يبدأ التعتيم ، تعتيم ، الستار "
انتهت
منصور عمايرة كاتب أردني / عمّان 2010
تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9