أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الخميس، أبريل 28، 2016

هواجس التغيير: بالصوت والصورة والحركة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


فرقة بكين للرقص


الليلة ينطلق «مهرجان الربيع» بين عاصمتين عربيتين. بيروت ستشرع مسارحها وفضاءاتها على كافة أنواع الفنون، كذلك تونس التي تشهد هذه السنة مشاركتها الأولى. لا يبتعد المهرجان الفني الثقافي الذي ينظمه «المورد الثقافي» بالتعاون مع «جمعية شمس» عن الحالة السياسية الراهنة في العالم العربي.

ترى مديرة المهرجان المسرحية اللبنانية حنان الحاج علي أن الثقافة والفنون هي الفسحة الوحيدة الباقية لتفعيل الوعي السياسي في لبنان والعالم العربي. وفيما تغيب مصر للمرة الأولى هذه السنة (راجع الكادر)، ينقل المهرجان الذي يقام كل عامين منصته إلى تونس بالتزامن مع النسخة البيروتية الخامسة (منذ 2008). في «مسرح الحمرا» و»سينما الريو»، توجّه النسخة التونسية تحية إلى المسرحي التونسي وأحد مؤسسي «المورد الثقافي» عزالدين قنون في ذكرى رحيله الأولى. تحية تجري على هامش أحداث الشارع التونسي المتوتر، الذي يحتاج إلى أصوات الأمل أكثر من أي وقت مضى، وفق تعبير الحاج علي. إذاً، يضم البرنامج المشترك بين البلدين (مع ترك مساحة لخصوصية كل بلد) عروضاً معاصرة راقصة ومسرحية وموسيقية (راجع مقال الزميل بشير صفير) ولقاءات وعروضا أدائية. وقد جرت البرمجة وفق ثلاثة خطوط رئيسية هي «برنامج رئيسي» يتضمن عروضاً عالمية، و«تزامن» الذي يقدم فنانين عربا مستقلين تلقوا دعماً من «المورد الثقافي» في السابق، و«ريد زون» الذي يقيمه المهرجان للمرة الثالثة بالتعاون مع مهرجان «ريد زون» النرويجي (تنظيم KKV of Norway). هكذا، تعود المنصة العربية بنسخة جديدة تجمع تجارب فنية عالمية وعربية لأجيال مختلفة، إلى جانب فسحة تؤمنها للشراكات بين فنانين آتين من خلفيات متنوعة وغنية. مرة جديدة، تخرج الفعاليات عن نطاق العاصمة اللبنانية متوجهة إلى الجنوب، وتحديداً إلى «مسرح اسطنبولي» في صور و»سينما أمبير» في النبطية. وحين يتضمن بيان المهرجان عبارات مثل «التوجه إلى أوسع جمهور» و»السعي إلى إحداث تغيير إجتماعي»، فإنه يترجم ذلك هذا العام بدعوته للاجئين سوريين وفلسطينيين مقيمين في البقاع، وعمال وعاملات أجنبيات لحضور بعض العروض. من فلسطين وسوريا وتونس والجزائر ومالي والكويت والهند والصين والبرتغال ولبنان، سيحط نحو 25 عرضاً فنياً في «مسرح دوار الشمس»، و«مترو المدينة»، و«المحطة»، و«متروبوليس امبير صوفيل»، و«راديو بيروت» و «يكونكون»، في برنامج يستمر حتى 26 أيار (مايو) المقبل.
الإفتتاح الليلة في «مسرح دوار الشمس» (الطيونة ــ بيروت)، مع «فرقة بكين» للرقص المعاصر والحديث الآتية من الصين. ستقدم الفرقة التي تأسست عام 2005، ثلاثة عروض هي «دائرة» و«أكتوبر» و«الطقس الأوّل». في «دائرة» المستوحاة من عمق الحضارة المنغولية، يتوزّع الراقصون على نحو دائري، لتصنع أجسادهم أشكالاً أخرى في محاكاة لمشهد الحياة المجزأ واللامتوازن. العرض الثاني يحمل عنوان «أكتوبر» ويؤديه راقص وراقصة على مقطوعة «أكتوبر» لتشايكوفسكي، مستلهمين حركاتهما من فنون الإيماء، ومن بعض المهمات المنزلية كالزراعة والطبخ والتنظيف. الفرقة التي تستوحي أعمالها من الحضارة الصينية القديمة، تذهب في عرضها «الطقس الأوّل» إلى الحضارة الإنسانية الأولى وعلاقة الإنسان بالطقوس الموسيقية الصينية التقليدية التي تنتج منها أسئلة كثيرة عن الجسد والروح والعالم الخارجي والداخلي. من الرقص إلى المسرح الراقص، ينقلنا المهرجان إلى عرض «من ملحمة المهابهاراتا» (8/5 ــ س: 20:30) لـ «مركز كيرالا للكاثاكالي» (تأسس عام 1990). دعوة الفرقة الهندية واحد من خيارات الحدث الأساسية ورؤيته الساعية إلى الإضاءة على فرق وعروض تحتفظ بخصوصية ثقافاتها وشعوبها. هكذا هي فرقة «كيرالا للكاثاكالي» التي تقدم رقصات وطقوس الكاثاكالي من منطقة كيرالا الهندية التي تعود إلى نحو ثلاثة قرون. يستند العرض إلى الميثولوجيا الهندوسية، وتحديداً إلى مشاهد من ملحمة المهابهاراتا، حيث نرافق الراقصين على المسرح في رسم الأقنعة وتعابير الوجه التي تعد ركيزة أساسية في الكاثاكالي بالإضافة الباليه والأوبرا والإيماء.

إلى جانب العروض العالمية، يدعم المهرجان عروضاً عربية ومحلية تعكس واقعها المفتت. هذه السنة، يحتفي الموعد بفرقة «كهربا» اللبنانية من خلال العرض العربي الأول لمسرحيتها «مساحات دموعنا» (5/5 ــ س: 8:30) التي افتتحتها في فرنسا أخيراً، وعرض آخر لـ «أصل الحكاية» في النبطية (23/5) وفي صور (24/5). لدى «مجموعة كهربا» التي تأسست عام 2007 تجربة متفردة في المسرح اللبناني المعاصر بجمعها لمختلف أنواع الفنون الأدائية والبصرية ضمن قالب تجريبي مثل الرقص المعاصر وفنون خيال الظل والدمى والمسرح والسينوغرافيا. يقارب عرض «مشاهد من دموعنا» (إخراج: اريك دينيو) وضع الإنسان العربي من خلال قصة أيوب في الكتب المقدسة، في نص للكاتب المسرحي الروماني ماتي فيشنيك. السينوغرافيا المدهشة المصنوعة من ورق الحرير تظهر الدمار في قلب أيوب المهشّم، وخساراته المتكررة في عرض يؤديه أربعة ممثلين هم أورليان زوقي، ودومينيك بيفاريلي، وماريليز عاد وضنا مخايل، يرافقهم تسجيل صوتي للمسرحي اللبناني روجيه عساف. هناك محطة مسرحية مميزة مع الكويتي سليمان البسام (1972) ومسرحيته «في مقام الغليان: أصوات من ربيع مُخْتَطَفْ» (7/5 ــ س:20:30)، التي افتتحت عروضها في «مهرجان سيدني» عام 2013. العرض الذي نشاهده هو النسخة النهائية من «في مقام الغليان» (70 دقيقة).
هناك ستة مونولوجات شعرية ساخرة تظهر حالات فردية تعاني تشنجات التغيير في العالم العربي: فتاة أزيدية وفتاة هوى وممثلة سابقة وشخصيات مهمشة أخرى تتناوب على تأديتها الممثلة حلا عمران باللغة العربية، وريبيكا هارت باللغة الإنكليزية على إيقاعات الموسيقية الأميركية بريتاني آنجو. إلى دمشق تنقلنا مسرحية «زجاج» (12 و13/5 ــ س:20:30) لأسامة غنم. اقتبس المخرج السوري عمله (2015) عن نص «مجموعة الحيوانات الزجاجية» للأميركي تينيسي وليامز، وأسقطه على يوميات الحرب التي تعيشها عائلة سورية تواجه التغيرات الإجتماعية. الحرب السورية حاضرة أيضاً في التجهيز الصوتي لتانيا خوري «حدائق تحكي» (فضاء ستايشن). تستحضر الفنانة اللبنانية فترة مأسوية من الحرب السورية، حين تحوّلت حدائق المنازل إلى مقابر لجثث الناشطين والمتظاهرين في المرحلة الأولى منها. في العرض التفاعلي سيبحث الناس عن رسائل الموتى المدفونين في التلال الترابية، بينما يستمعون إلى أصوات وقصص جمعتها الفنانة بالإستناد إلى الروايات الشفوية لعائلاتهم ولأصدقائهم. هذا العرض سيكون أيضاً محور لقاء «صوت سوريا» (3/5 ــ س:16:30) ضمن اللقاءات المفتوحة التي ينظمها المهرجان. تشارك في «صوت سوريا» تانيا خوري، والباحثة اللبنانية لما قبانجي، ومؤسِّسة «الذاكرة الإبداعية للثورة السورية» سنا يازجي، للحديث عن رواية القصص والسرد التي تصبح عملاً سياسياً، لمواجهة الروايات الكبرى التي لا تتوانى الأنظمة ووسائل إعلامها عن ترسيخها.
هناك أيضاً لقاء بعنوان «فنانون رغم كل الشيء» الذي يقسم إلى جلسات مفتوحة وأخرى مغلقة تجمع فاعلين ثقافيين ومديري مهرجانات ونحو 45 مؤسسة عالمية وعربية مع فنانين، لإيجاد حلول للمخاطر التي يتعرض لها الفنانون العرب في ظل الظروف المتقلبة، كما يبحث اللقاء في السبل الفنية والعملية لإيجاد فرص عمل لهم. يواصل الموعد تسليط الضوء على الأوضاع العربية والتحوّلات الساخنة التي تشهدها المنطقة من خلال تظاهرة سينمائية يحتضنها للمرة الأولى، بالتعاون مع سينما «متروبوليس أمبير صوفيل». أحد أهم الأفلام المختارة هو وثائقي طويل بعنوان «العراق سنة صفر» (334 د ــ 2015) للسينمائي العراقي عباس فاضل (23/5 ــ س: 18:30). تجري أحداث الشريط في الحياة اليومية العراقية، بين فترتين: ما قبل سقوط الرئيس صدّام حسين، وما بعد الإحتلال الأميركي. الفيلم الثاني من العراق أيضاً، وهو «تحت رمال بابل» (92 د) لمحمد الدراجي (24/5 ــ س:20:00)، الذي يعد الجزء الثاني من فيلمه «ابن بابل» (2009). الشريط الروائي الوثائقي الذي نال «جائزة أفضل فيلم عربي» في «مهرجان أبوظبي السينمائي» (2013)، يحكي قصة معاناة الجندي العراقي ابراهيم بعد هروبه من الكويت خلال حرب الخليج عام 1991. «رسالة إلى الملك» (75 د ــ 2014) للكردي هشام زمان (25/5 ــ س: 20:00) هو الفيلم التالي، الذي يعكس الشتات عبر قصة خمسة لاجئين في رحلتهم إلى أسلو. أما الختام، فسيكون مع «شبابك الجنة» (83 د ــ 2015) للتونسي فارس نعناع عند الثامنة من مساء 26 أيار (مايو). ينطلق الشريط من التغيرات التي تشهدها علاقة زوجين شابين بعد وفاة طفلتهما الوحيدة.
«مهرجان الربيع»: ابتداء من الليلة حتى 26 أيار (مايو) المقبل ــ فضاءات عدة في تونس وبيروت وصور والنبطية. للاستعلام: 03/673475

غياب مصر!

يحتجب «مهرجان الربيع» هذه السنة عن القاهرة التي شهدت انطلاقته لأول مرة عام 2004. هكذا لن تتمكن مصر من الاحتفال بالدورة الإقليمية السابعة للحدث الفني نتيجة التغييرات السياسية والقانونية في البلاد، أبرزها "قانون الأشياء الأخرى" الذي كان السبب وراء نقل مكاتب «المورد الثقافي» إلى العاصمة اللبنانية. وقد أعلنت مؤسسة «المورد» انفصالها عن «مسرح الجنينة»، الذي يواصل نشاطاته حالياً تحت إدارة مستقلة باسم «شركة الجنينة».

-----------------------------------------------
المصدر : روان عز الدين - الأخبار

تابع القراءة→

0 التعليقات:

الأزياء المسرحية وتفاعلها مع حركة جسد الممثل / محسن النصار

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

تعتبر الأزياء المسرحية من العناصر الفنية الأساسية المكلمة للعرض المسرحي حيث تعيش كل عناصر العرض البصرية في ارتباط فني وداخلي متشابك حيث تتجمع وتتضامن لكي تخلق سينوغرافيا عرض رائعة وجميلة فالممثل عندما يتفاعل مع الزي الذي يظهر حركة الجسد وأبعاده 
الحقيقية لأنه يمتلك دلالات ترافق وضعيات الجسد والزي يؤثر في حركة الجسد مشيا ووقوفا وجلوسا فمثلا لايمكن ان تنجح ممثلات في اداء دور الساحرات في مسرحية مكبث لوليم شكسبير دون تصميم الملابس الخاصة للساحرات والتي تسمح 
للممثلات بالقدر الكافي من الحركة والمرونة الجسدية ,وعندما يطلب من من الممثلات ان يتحركن حركة عنيفة او قوية فمن الضروي عدم اتعابهن بخامات ثقيلة او معرقلة للسير ,اي ان تكون الأزياء مناسبة من كافة النواحي 
المتعلقة بأبعاد الشخصية المراد تمثيلها , فالزي يقوم بتعريف الجمهور بأداء الدور الذي يؤديه الممثل من خلال الزي الذي يرتديه حيث يعمل على خلق ايهام العمر والمهنة والجنس رجل او أمرأة وزي الممثل يساهم في أعطاء مغزى للمسرحية فيتمكن المصصم من خلال المسرحية على أيضاح الأختلاف في بناء 
الشخصيات وطبقاتها الأجتماعية وفارق العمر فيما بينها وأمزجتها فعندما تتحرك الشخصية أو تلفظ جملة واحدة يعرفها الجمهور ,أذا كانت شابة أو امرأة كبيرة او شابا او رجلا كبيرا غنيا كان او فقيرا ,واما مزاج الشخصية له 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

المبررات التاريخية لغياب الفعل المسرحي من الأدب العربي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


من الأكيد أن ما نصطلح عليـه في وقتنـا الراهن بـ « الفن المسرحي» لم يكـن قبل قرن من الزمـن، فنا من فنون الآداب التقليدية التي عرفها العرب في تاريخهم القديم والحديث، إذ بقي مجـال المسرح ـ معلقا ـ في الحياة الفكرية العربية لقرون طويلـة بدعوى أن هـذا الفـــــن «المركب »  لا يتفق وعبقريـة العرب الفنية (1).
فالفن المسرحي، بموصفاتـه، وشروطه المتعارف عليهـا لم يفتح في اللغة العربية وآدابها إلا في مصر الحاضر، حيث ولدت «التمثيلية» ووجـدت «التراجيديا» وأنشأت «المسرحية الشعرية» وأصبح في الحيـاة العربية حركـة أدبية مميزة، تسمى «المسرح»  تتسع رقعـة العمل فيهـا يوما بعد آخـر، حتى أمست هذه الرقعـة قاسما مشتركا بين المذاهب والتيارات والمـدارس، شأنها في ذلك شأن رقعـة الشعر، والقصة، والرواية، وفن التشكيل والموسيقى.
وعلى الرغم من أن دراسي الأدب العربي يعتبرون  سنة 1848 بداية لتاريخ المسرح العربي، وهي السنـة التي كون فيهـا مارون النقاش فرقتـه التمثيلية في بيروت، فإن الحديث عن نشأة المسرح العربي، والعوامل التي أثرت فـي  تطوره وأسباب غيابـه كل هذا ما زال من الأمور التي تثير النقاش بين الباحثين العرب والأوربيين والمستشرقين.
فما هـي إذن وجهات نظر الباحثيـن في غياب الفعـل المسرحي عن الآداب العربية؟ وكيف عالج الباحثون العرب هـذا الموضوع الهـام؟.
1 ـ تؤكـد الباحثة السوفياتية تـ أ. بوتينيوفـا في تساؤلاتهـا وآرائها حلو نشـأة المســــرح العربـــــي (2) ، أن الثقافـة العربية وعلومهـا إمتد إلى ما يزيـد على ألفي عام، وأن هـذه الثقافـة كانت قد غزت أوربا عن طريـق الشعر في أدوارهـا الأولى، إذا أعطى الشعر العربي أمثلـة حية لشعراء أوربا، وإستلهم الكثير من أدبائهـا شيئا لا يستهان به من تلك الملاحـم الشعـرية... والتي ظهـرت آثارهـا جلية في الثقـافة  الأوربية. 
كما أن الموسيقى العربيـة في تلك الفتـرة قد تحددت ملامحها وخطوطهـا وأصولها الثابتة، غير أن أحد مجالات الثقافة العربية قد ظل مجهولا، وبشكل ملفت الإنتباه، هذا المجال هو المسرح. فمن المعلوم ـ تقول الباحثة السوفياتية ـ أن العلوم العربية في عصرهـا الذهبي قد فاقت بأشواط عديدة العلـوم الأوربية، لقـد قـدم العربي في تلك الفترة على الخصوص  إنتاجاتهــم في الرياضيات والفلك والفيزياء والطب، والتي كانـت الغذاء، والمصـدر الرئيسي لعلمـاء أوربا حتى القرن السادس عشر.
وفي الوقت الذي لـم يقترب فيه عصـر إزدهـار الحضارة الأوربية كانت الثقافـة العربية الراقيـة قد أعطت نتاجـات كتابها ورياضييهـا، وفلكييهـا، وفلاسفتها ومؤرخيها وأطبائها، وجغرافييهـا وشعرائها.
وتعتبر مؤلفات الفلاسفـة والمؤرخين العرب ـ المغربي إبن خلدون، وإبن رشـد ـ قاعدة أساسية في دراسة تطور المجتمعات، إضافـة إلى علوم اللغة والتراث الشعري والمدونـات التاريخية التي ساهمت في بناء صـرح الحضارة الإنسانيـة.
والآن يطرح السؤال التالي: هل من الممكن في ظـل هذه القرون الثقافية، وتلك القاعـدة التاريخية أن يكون المسرح العربي غير موجـود أساسا ولو بأبسـط صوره وعناصره؟.
إن تاريخ الثقافـة العربية يضعنـا أمام لغز محير، ترى لمـاذا حاول الفلاسفـة والعلماء العرب الذيـن أبدعوا وأضافوا إلى صـرح البشرية الكثير، وأكملوا ما بدأه سابقوهـم من اليونـانيين القدماء في بعض الحقول أن يعزلوا أو يتناسوا بصورة غريبة  نتاجـات أسخيل، سوفوكل، إفريبيرا؟ ومـا السبب الذي دفـع بهم لنسيان وتناسي الأجزاء المتعلقـة بالفن المسرحي أثناء ترجمـة نتاجات أرسطو طاليـس والتي إستند عليهـا كل المسرح الأوربي؟.
2 ـ الباحث المسرحي التونسي محمد عزيـزة، يجيبنا على هذه التساؤلات جميعا من خلال جمعه المحكم لكل التغيرات العربيـة والأجنبية في هـذا الموضوع (3)ليقول أن غياب المسرح في الأدب العربي، ووجـوده في الآداب الأخرى التي عاصرته كالأدب اليوناني حيث ولد المسرح، يعـود بالأساس إلى أن إرادة المسلم هـي جزء من إرادة الله ، لذلك لا يمكـن أن  تواجههـا كما هي حال أبطال المسـرح اليونانـي في مواجهتهم للآلهة، ثم إن الإنتمـاء المطلق من الإنسان المسلم إلى مجموعته? ومفهوم التاريخ الدرامـي عنده لا يمنعان وجـود هـذا الصراع على مستوييه الثنائيين، أي أن الفردية مصدر كل صراع داخلي تبدو مستحيلـة لديه، وبالتالي فإن الصراعات النفسيـة والفرديـة تتجـه نحو الذوبان في بوثقـة التصرفات الجماعية.
ويؤكـد محمد عزيزة أن هـذا الصراع يمكن أن يظهـر في أشكال أربعة:
 ـ الأول:  الصراع الذي يمكن أن نسميـه عموديا، أي الصراع بين الإنسان والحكم الإلهي، ويأتي بمسرحية «برميتوس المقيـد» مثلا لذلك.
ـ الثاني: الصراع الذي يمكـن أن نسميه أفقيـا وهو الذي يجعل الإنسان يصطدم بنظـام المجتمع الذي يعيش فيه ويكون في هـذه الحالة في نزاع المجموعة البشرية التي يعيش وسطهـا، ويأتي الدكتور عزيزة مثالا لهـذا النوع من الصراع بمسرحيـة «أنتيجون».
ـ الثالث: الصراع الذي يمكـن أن نسميه متحركـا، حيث يتصادم الإنسان مـع التاريخ وضد القضاء والقدر، وخير مثال لهذه الحالـة مسرحية « الفرس».
ـ الرابـع: الصراع الذي يجعل الإنسان في صراع مع نفسه، وهـو الصراع الذي يفجـر الخلف المسرحي ومثاله «أوديب».
ويخلص الدكتور محمد عزيزة إلى أن ولادة ونشـوء فن الدرامـا لا يمكن أن يتواجـد لدى أمـة ما إلا في حالة وجود مجموعة من المتناقضات في داخل المجتمع والتي تدفـع بالتالي إلى ظهور فن مسرحي متطور.                                                                  
أمـا هـذه التناقضات والتي يتطلبها ظهـور فن المسرح فترتبط بالصراعات الأربعة الآنفـة الذكر ـ ويعتقد جازمـا ـ أن ظهور مثل هـذه التناقضات والصراعات دفعـة واحدة غير وارد في المجتمعات الإسلامية وبضمنها المجتمع العربي.
ويؤكد محمد عزيزة، أن مثل هـذا التعارض بين المسرح والديـن، لم يكن ظاهرة تميز بها الإسلام فحسب، إنما الديانات التي تقول بإلاه واحـد والتي أقامت حـدا بينها وبين الفعـل المسرحي، إلا أن طبيعـة الديانـة المسيحية التي فصلت بين الأمورالدينية والدنيويـة في المدينـة المسيحية قد خففت من سيطـرة الدين كظاهـرة إجتماعيـة على المسرح.
3 ـ في هـذا الموضوع بالذات، وضع الباحث الدكتور الحجاجي كتابه الهام «العرب وفن المسرح» (4) إذ يؤكـد في فصوله أنه إذا كان المسرح في العهد الجاهلي ـ العربي ـ لم يجـد الأرضية الملائمـة لنموه، فلأن المجتمع العربي في ذلك الوقت لم يكـن في حاجة إليه، لقد تكامـل الشعر العربي الغنائي في العصر الجاهلي، وظهرت القصـة في أخرياته، ولم تنبعـث الملحمة أو المسرح  في ذلك العصر لأن الحاجـة إليهما لم تكن قـد وجدت.
أما عندمـا ظهر الإسلام، فإن الديـن الجديد قـدم تصورا كامـلا للوجود والكون، وجـدد العـلاقات بين الناس بضعهم البعض، وبين علاقتهـم بإلـه واحد، وكان الإسلام عقلانيـا إنسانيا تخطـى بالعرب مرحلـة القوميـة إلى العالميـة وتخطى بدائيـة التفكير الديني إلى الإرتفاع به إلى مستوى العقـل البشري المتحضـر، ولم يكـن تأثير الإسلام مقتصرا على العرب، بل تعداه إلى العالـم أجمـع، وهو لم يحو فكـر العرب فقط، وإنمـا تعداه إلى إحتواء أقوم ما في الفكـر البشري في منطقـة الشرق الأوسط، وكـان واقعيـا في نظرته للإنسان والوجود والكـون، وكانت هـذه النظرة الواقعية ووضوحهـا من أهم العوامـل التي أوقفت النمو الشعائري، وكانت شعائـره في معظمهـا شعائر فردية بين الفـرد وربه، وكان الأداء الجماعي للشعيـرة لا يمثل سيطـرة كهان، وإنما يمثـل عمليـة تجميـع إجتماعي للبشر لترتفـع به العلاقـات بينهم إلى الأخوة المتعاونة.
وهكـذا نجـد أن التحديد الإسلامي لشعيـرة كان من العوامـل الهامـة في عـدم نمو شعيـرة أسطوريـة ينمو المسرح من خلالهـا، وكذلك كانت تصفية الإسلام للإنسان مـن العناصـر البطوليـة الخارقـة للعادة، مانعـا كبيرا واجـه خلق الأسطورة.
ولئـن كانت الأسطورة لم تظهـر في العصور الإسلاميـة فإن الملحمة لم تظهر كذلك، لأن الحاجـة إليهـا لم تكن قـد وجدت، فالبطولـة كانت حية معاشـة ولم تكـن حلمـا يحلم به العربي، وكـان الفارس سيد مجتمعه، وكـان العقـل العربي يقظـا يسجـل البطولـة ولا يبعدهـا عن الواقع، وعدم وجود الملحمة ـ في رأي الباحث ـ يحسب للإسلام، ولا يحسب ضده، وإذا كانت الملحمـة لم توجد، فأثرهـا في خلق المسرح لم يوجـد أيضا في هـذه الفترة.
4 ـ وهناك آراء أخرى شائعـة في تفسير تأخـر ظهور المسرح بالعالم العربي تعتمـد في تحليلها وتأكيدها على أسلوب الحياة لدى العـرب آنذاك، إذ يذكـر هؤلاء أن الفن المسرحـي يتطلب مشاهديـن حضوريين? يعيشون بصورة دائمـة في المدن ويتسمـون بدرجـة من الفهم والواعي للفن المسرحي، ويتمسـك بهذا الرأي الفنان المصري زكي طليعـات، وهو يؤكـد أن حياة العرب التي كانـوا يعيشونها في الماضي، والتي تتطلب الرحيل من مكان إلى آخر ، والــذي يحول دون  وجـود كثافـة سكانية تؤدي بالضـرورة إلى تأكيد وتطور المسرح.
                                                   * * *
وهكذا نـرى من خلال هـذه الآراء أن العديد مـن الباحثيـن يعزون تأخـر ظهور المسرح عند العرب إلى تأثيـر الإسلام وبعض المؤرخيـن الأوربيين والمستشرقيـن يذهبون إلى أبعد من ذلـك أن الإسلام قد منـع عمل ما يشابه الإشكال البشري وأن الممثل والرسـام أو كـل من يحاول عمل ما جـاز لله وحده، سوف يلقـى أشد العذاب يوم الحساب لتجـاوزه حدود الله،غير أن من الملاحـظ أن مثل هـذه الأحكام لم تؤخـذ من القرآن، وليس هناك أي نص محدد بذلك.
فالملاحـظ أن وجـود الأديان، وتأثيرهـا على المجتمعات يتفاعل ويتواجـد في كل زمان ومكان، ولدى جميع الأمم بدون إستثناء ومنذ القدم، ومن الصعوبـة القول أن تلك الأديان وقفت حائلا أمـام ظهور الفنون وتطور الآداب (5).من هنـا يتضح أن محمد عزيزة في نظريتـه السالفة الذكر، لم يضع المقومـات الصحيحة في تحليل لطليعـة المسرح العربي، وذلك بإعتماده على العوامـل الدينية علما أن تلك الأديان تمد جذورهـا وتترك بصماتها في ثقافـات لكل الشعـوب والأمم وهو يعـزل بالتالي رغبـة الشعب بتطويـر ثقافته في فـن الظهور والعرض ويرفـض تأثيرهـا بذلك على المسرح نفسه وتطوره (6).
إن حـل مجمل الألغاز حـول الفن المسرحي يجب أن ينطلق من النظرة الشمولية للثقافـة العربية، وأن لا يعـزل هـذا الفن المتطور عن المنظور العام عنـد تحليل تلك الثقافـة. 
                                                   * * *
إنطلاقـا من هذه الفكـرة تجدنـا مع الدكتور الحجاجـي مع رأيه الذي يقول: أن إنعدام فن ما في أمـة من الأمم لا يعني قصورا في هـذه الأمة? بقدر ما يعني أن هذه الأمة  ليست في حاجـة إلى هـذا الفن، فالفن حاجـة، ولم يوجـد فن من الفنون في مجتمع من المجتمعـات إلا كان ذلك نابعـا من حاجتها إليه، ولقد ولد العرب فنونهم تبعا لحاجتهـم، فوجـد لديهـم فن الشعر الغنائي نتيجـة لهذه الحاجـة وعندمـا وجدت ظروف أخرى أدت إلى إحتياجهـم إلى فن الحكايـة ولد هـذا الفـــــن(7) .
وهكذا نجـد أن المسرح لا ينشأ من فـراغ ولا ينمو من عدم، فهو يولد تلبيـة لإحتياج، فالمسـرح حاجة أولا وأخيرا وكل التجارب الثابتـة في تاريخ المسرح العالمـي، تؤكـد أن الظاهـرة المسرحيـة، لم تنشأ من عـدم وإنمـا نشأت تلبيـة لحاجة الجماهير.
فهناك طريقان ـ يقول الدكتور الحجاجي ـ يؤديان لظهور فن مـا في أمة ما، الطريق الأول هـو النمو الذاتي لهـذا الفن داخل الأمة نفسها، كمـا حدث لفن الشعر الغنائي العربي وكمـا حدث لفن المسرح اليونانـي، والطريق الثاني هو الإنتقـال، فإن الفنون كنتاج إنسانـي تنتقل من أمـة إلى امة، ومن مكان إلى مكان، ولكـن ليس عن طريق النقل الحرفي المباشر، وإنمـا عن طريق الإنتقال المستجـاب له داخـل الأمة الناقلة، فلكي ينتقـل فن من الفنون إلى أمـة من الأمم فإنمـا نرى أن جميع ظروفهـا تكون مهيأة لنقبـل هـذا الفن، مستجيبة له، متأثـرة به? تضع فيه سماتهـا ومكوناتها، فيكون هـذا الفن جزءا من تراثها (Cool.
حقيقة أن الفكر البشري سلسلـة متصلـة الحلقات? ووحـدة متكاملـة، إلا أن هناك حقيقـة لا يمكن التغاضي عنها، وهي أن دور الولادة للمسرح قد قام بها المسرح الإغريقي عن طريـق تطويـر الأسطورة، وتوظيفها، إلا أن عمليـة إنتقال المسرح مـن بلاد اليـونان إلى بـلاد العرب، كان أمرا مستحيلا في تاريـخ العرب القدماء، لأن عملية اللإنتقال نفسها، كانت تحتـاج على مستوى حضاري كبير، حتـى يتم هـذا الإنتقال على أسس قويـة متينة، وكـان لا بد أن تتم عمليـة إنتقال للمجتمع العربي قبل أن تتم عملية إنتقال المسرح.
ونعتقد أن ظهـور المسرح في الحيـاة العربية، في منتصـف القرن الماضي قد جـاء بعد أن تهيأت الأسباب للمجتمع العربي لهذا الظهور، وهي أسباب إقتصادية وإجتماعيـة، سياسية وثقافية، ساهمت فيهـا أحداث تاريخية متعددة تبتدئ بالحملـة الصليبية على العالـم العربي وتنتهي بالحملة الإستعمارية الأوربية في القرن الماضي.
                                                   * * *
بقي بعـد هذا أن نتساءل، هـل كانت للثقافـة العربية أشكال للفرجـة، يمكن إعتبارهـا أشكالا مسرحية؟.   
1 ـ إذا ما تجاوزنـا الإسلام قليلا إلى الديانـات التي سبقته في الجزيـرة العربية، فإن مصادر التاريخ العربي، المختلفـة تشهـد على غياب كل شواهـد النشاط التمثيلي، على الرغـم من أن الدكتور محمد يوسف نجم يفترض أن «وثنيـة العرب لم تكن بدائيـة ضعيفـة الصلة بنفوس أصحابها، بل كانت وثنيـة لعقدة ضربت جذورهـا في أعماق النفوس، وإتصلت غاياتهـا ومظاهرها بدورة الطبيعـة ومواسمها، وتمثلت في شعائرهـا إماتة الجسد وقهره، ثم شعائـر التطهير وشعائر البعث والإخصـاب، وأخيرا شعائر البهجـة، وما يتصل بها من مآدب وحفلات، وقد كانـت هذه الوثنيـة معقدة تقـوم على معبـد وصنم وسادن وقرابيـن وطقوس، وشعائـر تمثيلية... » (9) ، إلا أن ذلك لا يمكـن أن يذهب بنا إلى أن عرب الجاهليـة قد عرفوا فن التمثيل أو مارسوه في عبادتهـم، ولا نظن أنه سيختلف إثنان في أن ذلك النشاط الديني القائـم على الطقوس الوثنيـة لم يتطور ليكون لـدى عرب الجاهليـة مسرح أو طقوس تمثيليـة منفصلة عن غاياتها الدينية (10). 
ولا شك أن السر في ذلك يعـود إلى أن ـ الدرامـا ـ تعتمد في جوهرهـا على الصراع بين الآلهة أنفسهم، وبين الآلهة والأفراد، وبين الفـرد والآخر، وبما أن الحياة العربية في العصور السابقة للإسلام، قد أذابت الفرد في الجماعـة فخلقت تصورا جماعيـا للعالم، ورأيا عاما مشتركا في الكون، فقـد ترتب ذلك غياب الصراع داخـل المجتمع أو إختفاء حدثه على الأقل، فلم تكـن مثل تلك الحال تستدعـي الدرامـا قدر ما تستدعي التغني بالجماعـة (القببلة) والترنم بمآثرهـا (11) ، وذلك مـا قام به الشعر الجاهلي خير قيـام، إذ كان الصراع ممـا يدور بين القبائـل نفسها، أمـا الصراع الذي يدور داخـل القبيلة نسفها، فيحل ـ في أسوأ الأحوال ـ بإنقسام القبيلـة جماعيا، وليس فرديـا، فالفرد الخارج على القبيلة مخلوع منهـا، فهـو خليع لا يعتـد به، ولا يسـأل عنه، ومعنى هـذا أن الصراع الفردي لا قيمة له في حياة الجماعة (12).
إلا أن هذه الحقائق وغيرهـا لا يمكن أن تمنعنـا من البحث عن أشكال مسرحيـة في الحياة العربية ـ قبل وبعـد الإسلام ـ يقينا منـا بأن الشعب العربي، في المشرق والمغرب، وعبر فنونه، وتقاليده، وطقوسه، قد تأثـر بما حملت الحضارات الواردة عليه من آسيا، وإفريقيا، وأوربا فقدس الشعر والأهازيج  ومـزج الحكايـة والأمثولة بالرقص، وربط التقاليـد المتوارثـة بالغناء، وأصبح « الإحتفال عنده يرتبط بالكيان القومي، وبالمعتقـد الديني».
وفي هذا الإطـار يضعنـا الدكتور محمد حسين الأعرجي (13) أمـام عدة صور من التمثيـل عند العرب في صميم تقاليدهـم المتوارثـة، فيعتبر «الكـرج»  و «الحكايـة» ألعابا تمثيلية لها جـذور جاهلية عريقة.
«فالكرج» تماثيل خيل مسرحيـة من الخشب معلقة بأطراف يلبسهـا النسوان ويحاكين بها إمتطاء الخيل، فيـكرون ويفرون ويناقفون بها، وفي الأصـل كانت اللعبة مقصورة على النسوة، إذ تعلق بها «الجلاجـل» والكرج في أصله رقص ولعب يعده العرب للولائـم والأعراس، ومجالس الفراغ واللهو والحكاية فنـا مسرحيا عريق الجذور في الحيـاة العربية القديمة.
قال إبن منظور: «الحكايـة كقولك حكيت فلانـا وحاكيته، فعلت مثل فعله... وقلت مثل قوله سواء لم أجاوره...» (14) ومثـل هذا القول المعجمي يدل دلالـة واضحة على التمثيل، ولعله هو المعنى الأصلي في الكلمة العربية.     
وإذن، فالأصل في الحكايـة عند الأعرجي أن تكون تقليـد الآخرين وإعادتهـا مما يقرب أن تكون تقمصا لشخصياتهم، إذا شئنـا أن نستعمل المصطلح الشائع لدى أهل المسرح اليوم، وقـد أورد الباحث العراقي صورا لهذه الحكاية في العصـر العباسي، مؤكـدا أن هدفنـا كان  هو المحاكـاة والإضحاك، ثم تطـور هذا الهدف فإكتسب صيغـة إجتماعية وجهته إنتقاص الخصوم من خـلال الضحك بهم.
وقد أورد الباحـث عدة نصوص تؤكد على أن «الحاكي» كـان ممثلا? يستعمل اللباس المناسب للحكاية، ويستعين بالماكياج، والأكسوار المسرحي، ومن الأماكن المعهودة التي كـان يؤدي فيها أدواره الهزليـة الأسواق العربية الكبرى، ومنهـا «الميدان الأخضر» بدمشق، ومجالس الخلفاء والأكابر.
وأكيـد أن الأستاذ الأعرجي في هـذا الموضوع، قد فتح الباب على مصراعيـه للذيـن يؤدون إستنباط الأشكال المسرحيـة العربية العريقـة في بطون الكتب والمراجع التراثيـة، كمـا أن مثل هذا البحث نبه إلى مختلف أشكال «الإحتفال» العربي، التي لا تختلف في رسمهـا الفني عن الأشكال المسرحيـة المعاصرة.
2 ـ ويخلص الباحث محمد عزيـزة في أطروحته «الإسلام والمسرح» إلى أن الإستثنـاء الوحيد لقاعدة الغياب المسرحي في الإسلام، بدأت مع مقتل الحسين، فكانت التعازي الشيعية في بلادنـا فارس هي الشكل الدرامي الوحيد الذي إنتقل بعد ذلك إلى البـلاد العربية بإسم «عاشوراء».
إن الشيعـة إكتشفت المسرح ـ في نظره ـ لأنها مرت بتجربة الإنفصال عن الدين فقد نسبت إليهـا جريمة مقتل عثمان، وكانت تعانـي من الندم العميق لأنها مسؤولـة في شكل ما عن مصرع علي، ثم الحسين لذلك إكتشفت الشيعـة الشعور بالذنب ووخزات الضمير..
ولأنها وضعت خارج المدينة السنيـة، فإنها إكتشفت بذلك قوانين الإنتماء القاسية  في الوقت الذي أحست بالقوة المحررة في الخروج عن القواعـد، وإغراء اللعنات الكبرى أمام جدران المدينة... وفقد التاريخ ـ من وجهة نظر الشيعـة ـ براءة الأصلية، وتلوث الميثاق الذي يربـط بين الله وعباده بدم علي وحسين.
ويمكن إعتبار مقاطـع ـ التعازي الشيعية ـ إنطلاقة للعمل المسرحي في الإسلام، إذ عن طريقهـا عرفت العربية أولى الأشكال المسرحية، ولكنها لم تتطـور، ولم تعرف أي تقدم على المستوى الشعري أو الإبداعـي إذ بقيت الثقافـة العربية، ولمدة طويلـة خالية من أي إبداع مسرحي يمكن إعتمـاده كمؤثر لحركة أو نهضـة، ومن ثمة كانت هـذه الثقافة سكوتية حسية لا أثر فيهـا للصراع الدرامي..
3 ـ ويتناول الدكتور الحجاجي في كتابه الهـام «العرب والمسرح» هـذا الموضوع فيؤكـد أن مرحلـة صدر الإسلام وعصر بني أمية، والعصر العباسي، تمثـل كتلة فكرية موحدة الجوانب من حيث التطـور الفني إرتفاعا وهبوطـا حتى عصر الحروب الصليبية، إذ واجـه العرب الغزو الخارجي، وكـان أول إختبار واجهه العرب، ثم تلاه الغـزو التتري، وعلى الرغـم من أن العرب صمدوا أمام الغزوين إلا أن ذلك إستنفذ، منهم أكبـر الجهد، وكشف عن الخلل الـذي أصاب مجتمعهم.
ولقد ظهـر واضحا منذ أن غزا الصليبيـون الأرض العربية، أن القوة السياسية والإجتماعيـة والإقتصادية للعرب أخذت في الإضمحلال والتدهـور يوما بعد يوم، حتى وصلت الحضيض من النواحي الثقافيـة، فأخـذ فن الشعر الغنائي في الإنحطاط وفقد فن الكتابـة القصصية ـ المقامات ـ  مقدماته الفنية وركدت الحركـة الفكرية ودهم الجهل أبناء الشعب العربي. 
ولم يكـن في واقـع  العرب ما يدعو إلى التفاؤل، فلجأوا إلى الحلم ـ كما يقول الباحث ـ وكانت أحلامهـم منصبة حول البطـل المخلص، وإتخذ ذلك عـدة مظاهـر فنية منها الغنائية، ومنها الدارميـة، وهي التي إتجهت نحو البطل الفرد للخـلاص على يديه، وكـان شكلها الفني الذي عبرت بـه عن  وجدانها هو فن السيرة.
وفي فن السيرة لم يتجـه العرب نحو أبطال تاريخهم كخالد إبن الوليد وعقبـة بن نافع، وموسى إبن نصير، وغيرهم من الأبطـال الفاتحين، وإنمـا إتجهوا في معظم سيرهم إلى أبطال ذكروا في التاريخ، ولكـن دون تعزيز دقيق لأحـداث حياتهم مثل سيف بن ذي يزن، وأبي زيـد الهلالـي وأبي حمزة البهلوان وسواهم.
 ولقد أفادت السيرة ـ حسب قول الباحث ـ في أنهـا قدمت صورة حضاريـة مجموعات من المتلقين، كانت السيرة بالنسبة لهم معلمهم الوحيد، وكانت السيرة تبتلع بذلك جميع المفاهيم الحضارية المتبقيـة لهم من عصور إزدهارهم السابقة. 
وإلى جانب هذا، ساهمـت السيرة بدور المتعة لجماهيرها، وخلقت ما يسمى بفن الممثل، وبذلك مهـدت لفن المسرح، فالقاص الشعبي، وهو يقص السيرة يقـوم بدور أشبه بدور الممثل، حيث يؤدي حركـات الأبطال، ويلون صوته حسب المواقف والإنفعالات، فلحظات الحرب يختلف فيها الصوت عن لحظات الحب وصوت أحد أفراد العدو يختلف عن صوت البطل العربي وكلما إزدادت قدرة الممثل على التمثيل إزداد معجبـوه أو العكس، وكثيرا مـا كان أسلوب السيرة معتمـدا على الحوار.
لهذا كـان هذا العصر هـو عصر السيرة، لأن العرب عاشوا على أمل الخلاص بالفرد البطل، فالسيرة إنعكاس لأحلامهم حول بطلهـم، وهي تمثل حاجتهم إلى هـذا الفن. 
وبذلك يكون المسرح قد سـار في غدره الطبيعي في المجتمع العربي، فظهرت السيـرة أولا كبديل للملحمة، ومن خـلال رواية السيرة وتقدمهـا في شكل تمثيلي برز فن التمثيل، وكان هناك تمهيد لميلاد مسرح عربي.
                                                   * * *
إن هذه الحقائق التي تؤكـد في عمقهـا على أن العالم العربي ـ وفي غياب الفصل المسرحي ـ عرف بعض الأشكـال المسرحية المرتبطة بالسيرة، والحكايـة والأسطـورة والألعاب الإحتفاليـة الأخرى، والتي أفرزت فنونـا هي أشبه ما تكون بفنون التمثيل? إن هـذه الحقائق لم  تمنـع الشعب العربي في المشرق والمغرب عبر فنونـه وتقاليده، وآدابه من إلتقائـه بما حملته الحضارات الواردة عليه من آسيا، وأوربا وإفريقيـة، فقدس الشعر والأهازيج، ومزج الحكايـة والأمثولة بالرقص، وربط التقاليد الإجتماعية المتوارثة بالغنـاء، وأصبح الإحتفال عنده يرتبط بالكيـان القومي وبالمعتقد الديني.
وعليه، فيمكن إعتبار كل حركـات الرقص والإيماء، وأنواع الإحتفالات الإجتماعيـة والدينية والألعاب الموسمية والرياضية والمهرجانـات التقليدية للقبائل العربيـة وغيرها من تعابيـر الحضارة الشفويـة، أشكالا بدائيـة لفنون المسرح في صورته المعاصرة.
إن الرقص الجماعي، والغنـاء المتعدد الأصوات الرجالية والنسائيـة، وحلقات المداحين في الأسواق العربية، ومواكب الصوفية، والمواكب الدينية، إضافة إلى الألعاب، خيال الظل والحكواتي، وسلطان الطلبة، كلها أشكال لإحتفالات مسرحيـة في صورتها الحديثة، لا يمكـن نكران أهميتها، لأنها ترتبط أساسا بعلم عادات الشعـوب العربية، ولأنها تقـدم بديلا مباشـرا للعمل المسرحي قبل ظهـور هذا العمل بالوطـن العربي نهاية القرن الماضي.
لقد  كانت الساحـات العمومية والأسواق الكبرى في المـدن العربية «مسارح» للرواة وللمداحين الذيـن يجمعون حولهم في حلقات دائريـة عشرات المستمعين المتلهفيـن لسماع نوادر جحا، وملاحـم سيف ذي يزن، وبطولات عنتر بن شداد، وغراميات قيـس وليلى، وقصص ألف ليلة وليلة وغيرهـا من المواضيع التي تخلق أمام المشاهدين شخصيات عديدة غنيـة بالإبداع والإيثار.
وقـد كان هؤلاء الرواة والمداحـون والحكواتيون، يستخدمـون جميع الحيل الفنية، من إشـارة وتشويق لشد المشاهدين إليهم، ولأحداث إنسجام تام بين الملقي والمتلقي، في ذلك المسرح الدائـري، حيث يصبح التواصـل بين الجمهور والممثلين أكثـر أهمية من التواصل في المسارح المصنوعـة على الطريقة الإيطالية الحديثة (15). 
إلا أنه يجب الإعتراف في هـذا الموضوع أنه رغم الأهمية القصوى التي تحتلها هذه الفنون ـ  إما قبل  المسرحيةـ في الحياة الشعبية العربية، سواء مـا يتصل منها «بالإحتفالية الشعبية» أو«الإحتفالية الشعبية العربية»، فإنهـا لم تستطع أن تخلق لنا أدبـا مسرحيـا يمكن الإعتماد عليه في أي دراسـة منهجيـة أو تاريخية، إذ كانت هـذه الفنون جميعا، فنونا إرتجالية لا اثر فيهـا للنص ولا تقوم على التدوين، مثلهـا مثل باقي الفنون الشعبية الأخرى، معتمـدة على الحركة والإيماء فقط، ومن ثمـة لا يمكن إعتبارهـا «مسرحـا» بالمعنى العلمي للكلمة،على الرغم من أنها تشكل قاعـدة هامة لأعمال مسرحيـة مستقلة في الوطـن العربي.
من هـذه الزاوية نجد أنفسنـا أمام حقيقـة ثابتة، وهي: أن ما يمكن أن نصطلح عليه بـ « الأدب المسرحي» لم يتوفـر للحياة الثقافيـة العربية، إلا بعـد ظهور«النص المسرحي» بالمفهوم اللغوي المتعارف عليه.
ومن الناحيـة التاريخية، فإن ظهور هـذا النوع من الأدب إقترن بظهـور الكوميدايا التي إقتبسهـا مارون الناقش من أكثـر المسرحيـات العالمية شعبية وهي بخيل موليير سنة 1948، حيث كانت الإنطلاقـة الإنجابية للمسرح العربي (16) في عصرنـا الحاضر.
ومن خـلال مسيرة هـذه الحركـة التي إنطبعت بصماتها قوية على الفكر العربي المعاصـر، إكتسب الأدب العربي أعلامـا وروادا مبدعيـن في الكتابة المسرحيـة النثريـة والشعرية إلى جانب إكتسابه لعدد من المخرجين والتقنيين والممثليـن، الشيء الذي أعطـى لحركة المسرح عموما، مركزا هامـا في الحياة الفكريـة العربية المعاصرة.
وإذا ما أردنا أن نتعرف على السمات الأساسية التي تطبـع هـذه الحركة حتى نضعها في إطارهـا التاريخي والفكـري، ونتعرف على واقعها الأدبي والفني فسنجـد أنفسنـا أمـام جملة من الحقائق الهامة (17).
1 ـ بإعتبار أن التأليف المسرحي عمل صعب، يفوق بصعوبته بقيـة أنواع التأليف الأدبي والعلمي، إذ يتطلب قدرة فائقـة ومواهب نادرة، وخصائص ذهنيـة معينة، فقد أثبتت التجـارب أن مؤلفي المسرحيـات العرب، ما زالت تنقصهم على أنساب متفاوتـة هذه المؤهلات، ممـا جعل المسرح العربي في حالـة طويلة من التلمس والمحاولات، والإنتظار والنزوع نحو التأمل (18).
2 ـ إن المسرح العربي بكل عطاءاتـه ومكتسباته الأدبية والفنية، هو مسرح أمـة تنتمي للعالم الثالث، يناضل بشتى الوسائل من أجل تحريره، وتجذيره في الطموحـات والتقاليـد الشعبية العربية، وتأصيلـه في الموروث الأدبي للأمـة العربية.  
3 ـ إن هـذا المسرح يتطلع بوجه عام، إلى تحديد موقع العالم العربي ينشـد العدل، والحرية، وكرامـة الإنسان، ويؤكد على ذلك من خلال صيغ فكرية، وفلسفية وسياسيـة مختلفة.
4 ـ ولأن هـذا المسرح ينبع من مجتمـع محكوم عليه بالتخلف، فإنه ينطلـق عنـد العديد من رواده من النقـد الذاتي، لينشد واقعا أفضل وأحسن. 
5 ـ إن هـذا المسرح وفي حدود إمكاناته الفكرية، يتميز برغبـة أكيدة وحارة في تحديد ماهيـة وجوده، بإستلهام التراث التاريخي، والحضـاري والشعبي للأمة العربية، ولإستنباط صورة مشرقة للشخصيـة الوطنية والعلاقات العربية الحضارية.
6 ـ ومن خلال الممارسـة الفعلية للعمل التراثي في المسرح العربي إزدادت عـلاقة هذا المسرح عمقـا بالفكر العربي، ذلك لأن علاقته بالتراث، كانت وما تزال علاقـة إستلهام وإيجـاد الخـط الرابط بين الماضي والحاضر والمستقبل. 
7 ـ وإن المسرح العربي، وهو يمثـل وحدة عضويـة، كانت وما زالت رؤاه موجـودة للإنسان العربي في المشرق والمغرب، بإعتبار أن هـذه الرقعـة من العالم يتواجـد عليها تاريخ وحضـارة، لا يمكن إنفصامهـا أو تجزي، رؤاهـا. 
8 ـ إن رجـال المسرح في الوطن الربي كانوا أو ما زالوا ينظرون إلى علاقـة المسرح بالسلطة بالكثير من الحذر، ذلك لأنهم كطليعـة واعية وملتزمة يقفون في مواجهـة الظلم، والإستبداد في شتى أنواعه وأشكاله، وفي مختلف النقط الجغرافية المتصلة بالعالم العربي. 
وأعتقد أن هـذه السمات وغيرها، جعلت حركة المسرح العربي، تفـوق خلال هـذا القرن من الزمن أي حركـة فنية أو أدبيـة أخرى، لا من حيث إستيعابهـا للجماهير الواسعة، بل من حيث طروحاتهـا الثقافية + الإجتماعية + السياسية كذلك، إلا أن هـذا الإستيعاب من جهـة ثانية لم يكن مرجعه أصالـة الشخصيـة المسرحية العربية، بقدر ما كـان مرجعه، إرتباط الإنسان العربي بالفرجـة والإحتفال.
 
(1)  محمد مندور، فنون الأدب العربي صفحة 17.
(2)  فصل من كتاب «المسرح العربي في ألف عام »، ترجمـة طارق عبد المجيد عمر، مجلة آفاق عربيـة (بغداد) السنة الخامسة عدد 4 ديسمبر 1979.
(3)  الإسلام والمسرح، ترجمة الدكتور رفيق العيان، دار الهلال، القاهرة.
(4)  سلسلة المكتبة الثقافيـة المصرية العامـة للكتاب( القاهرة) عرض عبد الحرمان شلش، مجلة الأقلام، (بغداد) ، العدد الخامس ، ابريل 1970.
(5) تـ أ بوتينيو فا، تساؤلات حول نشـأة المسرح العربي ، مجلة آفاق عربية، (بغداد) السنة الخامسة، عدد 4 ديسمبر 1979.
(6)  المرجع السابق
(7) الدكتور الحجاجي:  العرب وفن المسرح الهيئة المصرية للكتاب، القاهـرة. 
(Cool المرجـع السابق.
(9) مجلة آفاق عربية (عراقية) صور من التمثيل في الحضارة العربية من الجرح حتى المقامات ع2، س3، نوفمبر 1977، ص 59.
(10) الدكتور محمد حسين الاعرجي في التمثيل عند العرب الموسوعة الصغيرة، (عراقية) العدد 28.
(11) المرجع السابق (عن مقدمـة في دراسة المسرح العربي للدكتور جميل نعيف)
(12) المرجع السابق
(13) المرجع السابق
(14) لسان العرب.
(15) عبد الله الستوكي، إلى أي يسير المسرح المغربي، مجلة اللواء (مغربية) العدد الأول 1679.
(16) راجع دراسة رشيد بنشنب  في أكسلوبيديا العروض المسرحية عن المسرح العربي ومعجم المسرحيات العربية والمصرية ليوسف اسعد (بغداد) 1978.
(17) فيمـا يخص تاريخ المسرح العربي ، يمكن مراجعة الكتاب القيم للدكتور محمد يوسف نجم (المسرحية في الأدب العربي الحديث)، دار الثقافـة بيوت، 1953.
(18) الدكتور إبراهيم كيلاني،  مجلة المعرفة، (سورية) عدد خاص بالمسرح.
------------------------------------
  المصدر : مجلة دعوة الحق - العدد227 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

الفنانة زهرة الربيعي ..“ابتعدت بقرار جريء “

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

لقبت بزهرة العراق لحضورها الدائم في ذاكرة المشهد الفني العراقي ، فمنذ طفولتها وهي تتهجى المسرح دروسا مع اعمدة المسرح والسينما العراقية ، بيد ان الفنان الرائد خليل شوقي اسند لها دور البطولة في السهرة التلفزيونية «صبرية»  وعمرها لايتجاوز الـ « 12» سنة ، وهكذا شقت طريقها نحو النجومية بكل جدارة ، وكانت حصيلتها الفنية تتجاوز الـ « 115» مسرحية ، ومئات المسلسلات والسهرات التلفزيونية ، ولكن تبقى الاعمال المسرحية «الوهم ، نديمكم هذا المساء   ، البيك والسائق ، الطوفان ، كلهم اولادي، الدونجوان،  باب الفتوح  والحصار»  من اهم الاعمال الخالدة في ذاكرة المسرح العراقي ..انها الفنانة القديرة  زهرة الربيعي . بشأن ابتعادها عن الساحة الفنية قالت الربيعي : «نعم ابتعدت بقرار جريء بعد ان وصل الفن الى حالة يرثى لها ، فالكثير من الفنانين او المحسوبين على الفن ركبوا موجة الفساد ، وتآمروا على المنجز الفني العراقي والتأريخ الطويل له والحضور الذي حققه الرواد بكل جدارة واخلاص ووفاء لفنهم وشعبهم ، نعم اقولها بمرارة تحول الفن الى مهنة رخيصة ، يتاجر بها كل من هب ودب ، وغابت قدسية الفن وغاب سلوكه الجميل» . وبشأن دور الرواد اضافت: «الرواد وقعوا بين المطرقة والسندان ، بين الاهمال الحكومي المقصود لعدم احترامهم للفن والفنانين وبين الموجة الرهيبة التي اكتسحت كل شيء جميل من بعض الادعياء والمحسوبين على الفن زورا ،  فضلا عن التعب والمرض والعوز المادي الذي أخذ مأخذا كبيرا من اغلبهم ، فبعضهم يتعذب من الفراق في المنافي ، والاخر يعاني الاهمال وعدم الاحترام في الداخل ، واخر آثر الاعتزال على ركب موجة القبح الفني» . واصلت الفنانة الربيعي حديثها عن معاناة نقابة الفنانين قائلة: «في كل دول العالم والمنطقة تجد مبنى نقابة الفنانين من اجمل واكبر الابنية في عواصمهم لانهم ببساطة يقدسون الفنان ، اما في العراق فلا تجد للفنان مقرا يستحق الذكر ، فمقرنا منذ فترة ليست بالقصيرة في شقة صغيرة جدا وحالتها رثة في السطوح في عمارة قديمة ،يخجل حتى الفنان ان يراجعها ، ولاتجد في النقابة دينارا واحدا لتمشية انشطة النقابة ، او لمساعدة الفنانين المتعبين والمرضى والمحتاجين ، حتى اننا لانستطيع ان نشتري باقة زهور لنقدمها للفنان يوم افتتاحه لنشاطه الفني ! مايحدث لنا لايصدق . فماذا تتوقعون ان يكون دور النقابة ؟ . واشارت الربيعي الى دور النقابة بتفقد الفنانين مضيفة: أقسم لم نبخل بجهد قط ، لاسيما نقيب الفنانين صباح المندلاوي ، الذي طرق جميع الابواب دون جدوى ، ليس من اجل نفسه وذاته بل انه يسعى لتحقيق شيء ولو بسيط للفنانين ، في بلد الفن والثقافة ، لكن السياسيين اغلقوا عيونهم واسماعهم لنداءاتنا المتكررة.

------------------------------------------------
المصدر :  شذى فرج - الصباح
تابع القراءة→

0 التعليقات:

الملاحم.. مصدر إلهام للأعمال الفنية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

الملحمة
قصيدة سردية موسعة ذات لغة عالية كثيرة الأحداث والشخصيات مليئة بالأساطير والخرافات والشخصيات البطولية، ينسب بعضها إلى مؤلف (مثل الإلياذة والأوديسا التي تنسب للشاعر هوميرويس) لكن بعض الباحثين ينفون ذلك، فالكاتب الحقيقي للملحمة هو الشعب، لذلك نجد أشكالاً ونصوصاً متعددة للملحمة الواحدة.
كانت الملاحم تروى وتنقل شفهياً من جيل إلى آخر، وقد حظي معظمها باهتمام كبير على مر العصور وصار جزءاً من التراث الإنساني، فتمت ترجمته إلى مختلف اللغات وأدرجته منظمة اليونسكو ضمن التراث العالمي، وقد تحول عدد منها إلى أعمال فنية مسرحية وسينمائية وتلفزيونية حققت نجاحاً كبيراً لما تحتويه هذه الملاحم من أفكار وقيم إنسانية خالدة على مر العصور، ولتعدد شخصياتها وخطوط البناء الدرامي فيها، إضافة لقيمتها التاريخية والجمالية وارتباط بعضها (الملاحم الهندية) بحياة شعوبها حتى يومنا هذا. وقد تناولت العديد من الافلام ملاحم معروفة فكانت سببا في شهرة هذه الافلام وديمومتها.

الإلياذة
الإلياذة ملحمة شعرية تحكي قصة حرب طروادة وتعد أهم ملحمة شعرية إغريقية، وتاريخها يعود إلى القرن التاسع أو الثامن ق. م، وهي عبارة عن نص شعري طويل، جمع عام 700 ق.م، وتدور الملحمة حول أخيل الذي أبحر لطروادة من بلاد الإغريق لينتقم من باريس الذي قام بغواية هيلين ومن ثم هرب معها إلى طروادة، فقام الإغريق بتجريد حملة ضخمة للثأر بقيادة (اجاممنون) واشتعلت الحرب بين اليونانيين والطرواديين وانقسمت الآلهة إلى فريقين مع طرفي النزاع، وفي نهاية الملحمة ينهزم الطرواديون لكن بعد مصرع أبطال اليونانيين واحداً تلو الآخر. وفي الملحمة وصف دقيق ليس للمعارك فحسب، بل لمشاعر الأبطال النبيلة تارة، والعنيفة الوحشية تارة أخرى، ووصف لمشاعر الحب والأمومة والواجب الوطني والعشرات من القيم الفكرية والعاطفية وكذلك الاجتماعية، التي تصور لنا عادات وتقاليد الناس ومعتقداتهم الدينية. أما أبرز الأعمال التي جسدت هذه الملحمة (فيلم(TROY وهو فيلم طروادة أنتج سنة 2004 من بطولة شون بين وبراد بيت، إخراج فولفغانغ بيترسون، وهو إنتاج مشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا ومالطا، حطم الفيلم شباك التذاكر وترشح للعديد من الجوائز وفاز بجائزة الأوسكار عن فئة أفضل تصميم أزياء.

المهابهاراتا
ملحمة الهند الكبرى.. يحدد الباحثون الفترة التي كتبت بها بين (القرن الرابع ق.م – القرن الرابع بعد الميلاد) لا يعرف لها مؤلف ولها عدة نصوص غير متكاملة بالسنسكريتية، ونصوص بلغات هندية مختلفة أشهرها النص المكتوب بالتاميلية، والذي ترجم إلى معظم اللغات العالمية والأمر الذي جعل المهابهاراتا الأكثر شهرة بين ملاحم الشرق هو ارتباطها بالمعتقدات الهندوسية وعادات وتقاليد المجتمع الهندي حتى يومنا هذا على خلاف الملاحم الأخرى التي صارت جزءاً من تراث الشعوب منفصلاً عن حاضرها.
وفكرة المهابهاراتا الرئيسة هي الصراع الدائر بين أبناء العمومة (أسرة الباندافا) و(أسرة الكورافا) والقسم الأهم منها هو الحرب الطاحنة التي دارت بين الأسرتين وحلفاء كل منهم وانتهت بانتصار الباندافا بعد أن قتل معظم أفراد الأسرتين.
ولكن المهابهاراتا تحتوي خطوطاً درامية متوازية أخرى مليئة بالعبر نتعلم منها قيماً عظيمة كالوفاء والتضحية والصبر، ونتعلم أيضاً دروساً مريرة في الحب المهووس للسلطة وانهيار المبادئ والقيم الإنسانية في أوقات الحرب والمحن. وقد تجسدت في فيلم المهابهاراتا: أنتج سنة 1965 أخرجه (بابوباي مستري) وقام ببطولته (براديب كومار) و(دارا سينغ)، حقق الفيلم نجاحاً جيداً في شباك التذاكر وحافظ على روح النص الملحمي وأفكاره الرئيسة مضيفاً لها مجموعة جميلة من الأغاني والرقصات الفنية. ثم اعيد انتاجه في العام حيث أخرجه المخرج العبقري (بيتر بروك) قام ببطولته مجموعة كبيرة من النجوم منهم روبرت لانجتون وبروس ماير، وهو إنتاج ضخم اشتركت فيه الولايات المتحدة مع عدة دول منها أستراليا وأيرلندا والسويد، وقد حقق الفيلم نجاحاً كبيراً وحصل على جائزة الـ(إيمي) كأفضل عمل إبداعي، وقد حافظ أيضاً على النص الأصلي للملحمة.

ملحمة الرامايانا
ثاني أكبر ملحمة هندية بعد الماهابهاراتا، ينسب جزء كبير منها إلى الشاعر (فالميكي) لها عدة نصوص باللغات التاميلية والنيبالية والبورمية، لكن أهم نصوصها وأكثرها دقة النص القديم المدون باللغة السنسكريتية المكون من ما يقارب ألف صفحة مقسمة إلى سبعة فصول يحدد المؤرخون تاريخ كتابته بنحو1500 ق.م.
والفكرة الأساسية للملحمة هي صراع الخير والشر.. وفي كل سنة تقام احتفالات في الهند تسمى (أعياد دوشيرا) تستمر عدة أيام وكلمة دوشيرا تعني (هزيمة الشيطان ذو الرؤوس العشرة) تقدم أجزاء من ملحمة الرامايانا في مشاهد مسرحية مليئة بالأغاني والرقصات تقدمها الفرق المسرحية العريقة في المدن الكبيرة والفرق الجوالة في القرى والمدن الصغيرة، وتقدم الرامايانا كذلك في عروض مسرحية في الدول المجاورة للهند مثل بنغلاديش وبورما وبوتان.

ملحمة جلجامش
الملحمة القادمة من عمق حضارة وادي الرافدين وتحديداً من العهد السومري، وأقدم الملاحم المعروفة في العالم؛ إذ تشير المصادر أنها كتبت في القرن السابع عشر ق.م، وعثر على الألواح التي تحتوي نصوصها سنة 1853 وهي محفوظة الآن في المتحف البريطاني تحكي سيرة الملك جلجامش الذي كان ثلثاه إله وثلثه الباقي من البشر، ولأن البشر محكوم بالفناء أصبح جلجامش يبحث عن الخلود الموجود في عشبة سحرية، ويبدأ رحلته للعثور عليها وبعد سلسلة من الأحداث يعثر عليها لكنه يفقدها في طريق عودته لكنه يكتشف أن الخلود الحقيقي للإنسان يكون في أعماله لا في بقائه على قيد الحياة.
وقد حازت الملحمة على شهرة عالمية وعرضت على مختلف مسارح العالم بشكل مسرحية أو أوبرا أو باليه وقدمت في العراق غير مرة: قدمها المخرج الراحل إبراهيم جلال سنة 1966 عن نص كتبه الأستاذ عادل كاظم بعنوان (الطوفان) مع الفرقة القومية برؤية جمعت بين الحداثة وروح النص التاشريخية. ثم قدمها المبدع الراحل عوني كرومي في مسرحية (رثاء أور ) برؤية متميزة ناقش فيها فكرة قيام المدن والحضارات ثم اندثارها فيما بعد. وايضا قدمها الأستاذ سامي عبد الحميد 6 مرات برؤى مختلفة بعد دراسة مستفيضة لنص الملحمة بل وحتى موقعها الجغرافي العراقي اعتماداً على النص الأصلي أو النص المعد عنه أو النص الذي كتبته الأستاذة لطفية الدليمي وبمشاركة نخبة كبيرة من نجوم المسرح العراقي.
الجدير بالذكر أن هناك ملاحم أخرى لم تحظ بنفس الاهتمام العالمي لسبب أو لآخر مثل ملحمة (الملك جيسار) التيبتية التي رفض شعب التيبت اعتبار اليونسكو لها جزءاً من التراث الصيني.
وملحمة (ماناس) القرغيزية التي تطالب الصين باعتبارها من التراث الصيني لوجود جالية قرغيزية في الصين تعود بنسبها إلى بطل الملحمة ماناس.

--------------------------------------------
المصدر : جريدة الصباح الجديد 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

المبدع عوني كرومي / سلام الاعرجي *

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

( مسرح الديالكتيك وديالكتيك المسرح )
لم ولن تدرج يوما تحت ايما عنوان الا عنوانك المقدس, العراق, ولا شيء سوى العراق... لعلك تذكر يوم انتهينا من محاضرة مشتركة في قسم الفنون المسرحية كلية الاداب جامعة اليرموك - المخرج المسرحي العراقي والمنهج البرشتي - ونحن نلملم ما تبعثر من قصاصات ورق أثقلتها الهموم والأحلام والطموحات ازدحمت بالملاحضات والمشاكسات واشياء اخرى , قلت لك يا معلمي شتان بين فرق الوعي وفرق العملة , ابتسمت كعادتك , وقلت تمنى الساعة اني طوعك , فصرخت بأعلى صوتي : أتمنى ارضا تتلضى , جزرا تتشهى لكن لايذبح فيها الانسان فدى مولاي الفاتك باسم الله ومولاي المستحلم بسم الله .... نم سعيدا في ارض أختارتك ولا تقلق على عوالمك الجميلة السابحة في سماوات القاهرة وعمان والكويت وتونس والمنامة وبرلين وستوكهولم وترنيمة كرسيك الهزاز في بغداد الحبيبة تقاوم التفخيخ وطيف الموت يطوف البيت ويذبح احلى الازهارواحلى الاطفال . كنت تقول المنجز الابداعي وحدة ابداعية لايمكن تجزئتها , والآن سأقرئك على الوفق ألآتي :

عوني كرومي وكيفية الاشتغال على المستوى الاسلوبي في النص 
من تساؤل يقلقه دائما , يؤسس (كرومي) أسلوبه القرائي للنص , وأن كان تساؤلا ينال بنية النص بشكل عام , فالنص وحدة أبداعية تقنية تقاليدية أنتاجية طرازية ونوعية تجعله من حيث الدلالة وثيقة تاريخية أو ( بيان ) كما يعتقد ( برشت ) .

فهو ظاهرة على صعيد الادب المسرحي وعلى صعيد بنيته . والسؤال هو : هل يتوفر حاضرنا على قدرة قرائية لتلك البنية بمستوياتها في ضوء معطياته ليخرج بالمنجز الادبي من مفهوم العمل الى مفهوم النص فعلا ؟ - حيث تعتقد البنيوية ان العمل موضوع مغلق ومنجز - ليصبح مجالا منهجيا ينكشف في نشاط القراءة؟ أو أن منظرات الحاضر , لا تنظر للنص ألا في سياقه التاريخي وبذلك تصبح حتى الظواهر المعاصرة أنساقا متماسكة يخضع كل منها الى طابعه الثقافي الخاص ؟ يرى عوني كرومي أن أستراتيجيات المحتل تجيب على تلك التساؤلات , بل يرى ان من ضرورات الاخراج ألمعاصر أن يتعامل مع النص على وفق تلك الاستراتيجيات أي كما يقوول دائما : تعامل مع الخطاب الادبي تعامل الغزاة , أخضعه الى فعل أباحي , مشاعي , أممه لك حتما وباتجاه فكرة أهتدية اليها . ولكي يتجاوز الاخراج مرجعيات النص وعلاقاته الداخلية المنتجة للمعنى , والتي يمكن أن تعترض أمكانية الاشتغال على الفكرة المهتدى اليها داخل النص , على الاخراج أن يحدد منطقة أشتغاله وهي : الحقول الدلالية وعلاقتها بالمعنى الاساس . أي محاولة أختراق مجال ما تؤسسه الصياغات اللغوية من مفاهيم , فتلك الحقول الدلالية تحاول ،أن ترتقي مثلا بكريولان - مسرحية لبرشت أخرجها كرومي للمسرح العراقي - الى مستوى الفرد البطل المنقذ , غافلة لدافعه الشخصي الذي يمكن ان يحيله الى شخصية تراجيدية مؤكدة أغترابه , لذلك لابد ان تشتغل القراءة على التفريق بين مرجع الدلالة ومعناها أي البحث في المعني ذاته , أذا ستكون قرائته للنص ذاته وبذاته , مستقرءة موضوعته وقوانينه النابعة من داخله وليس من الخارج وبذلك سيكون القانون المحرك ل ( شان تي وفلازوفا وكوراج بل حتى أوديب ) - شخصيات مسرحية - تفرضه الموضوعة وعالمها داخل وحدة النص وهو يقيم وضع علاقاتها أيظا .وبما أن تلك العلاقات تنكشف داخل نظام آخر , ألنظام اللغوي , فان علاقات الشخصيات الذاتية والموضوعية مرتبطة ايضا باللغة ذاتها.ان (كرومي)يؤكد , ان عموم الاجزاء العضوية في البنية الكمية والكيفية لايمكن ان تملك هويتها وفاعليتها لاية سمة تعريفية خارج نظام اللغة , وبما أن اللغة نظام من العلاقات وعناصر البنية الاخرى تشكل نظام علاقات ألا أنه مرتبط بها ويتحدد داخلها , أذا داخل ذلك النظام اللغوي ستشكل عناصر البنية مستوياتها الدلالية لتحدد وظيفتها ألا أنها أنية داخل النسق الدلالي وبامكان الاخراج جعل الموجودات المادية أوحركية جسد الممثل بديل مكافئ لما ترمز له العلاقات اللغوية في وحدة النص , بعد أختراق تلك النظم العلائقية التي تفرزها اللغة في خطاب العرض - الاحلال - فالتعريب والتعريق تعني ممارسة عملية الاحلال لكي يتسنى للمخلرج تأسيس علاقاته : بين الفكرة المهتدى اليها وأسلوب المعالجة والشكل الذي يسعى ذلك المخرج لتقديمه - كما يعتقد كرومي - وهذا يعني أن التعريب أو التعريق للنص الاجنبي والتحولات التي تطرء عليه بمختلف هوياته اللغوية هي بمثابة خلخلة أو أزاحة للنظام اللغوي لصالح نظام لغوي آخر من خلال العمل داخل نظامه العلائقي وفرض هويته الجديدة على عناصر البنية من داخل ذلك النظام وليس من خارجه . لقد ظهر أستسلام غاليلو البرشتي حتميا بسبب ضعفه أمام ألات التعذيب ويكشف النص البرشتي عن ذالك وصفا أخباريا من خلال ( أندرية سارتي و الراهب الصغير - شخصيات في المسرحية - ) ألا أن كرومي تجاوز تلك النتيجة جاعلا آثارها مسلمة بديهية ألاأنه أكد على حتمية أستمرار البحث العلمي حيث علا من فعالية لغة الجست - الايماءة ذات الدلالة الاجتماعية , الايحائية وميمياء الوجه مقوضا نظام اللغة , وأسقط العديد من الحوارات لحساب تحقيق البديل المكافئ ونقيض الصورة اللفظية المعبرة عن الفكرة في ذات المشهد , لقد أشتغل مقابله المسرحي على المنطوق اللفظي وصورته ونظم الكلام وهيكلية البنية السطحية للغة بشكل عام , أنه لن يتدخل في حوارات (رئيس الجامعة ) ألا أنه أكد موقفه من غاليلو من خلال خلق التقاطعات الدلالية بين دالات الحوار ودالات الحركة ليؤكد أرتباط رئيس الجامعة بتلك المؤسسة الاحتكارية الارهابية , كذلك (كريولانز )- مسرحية لبرشت أخرجها كرومي للمسرح العراقي - حيث أستعاض عن بعض حواراته بالحركة الواسعة الانتشار في الفضاء والمعبرة عن واقعها الذاتي المناقض فكريا /غائيا للواقع الموضوعي , فبدت حركيا وعبر مشهد راقص رغبته في فرض مفهوم البطولة عبر حركات جسدية محبطة أكدة مفهومها النقيض والمؤكد لضرورة بل حتمية أختفاء عنصر البطولة , لأن اختفاء الابطال من حيث هي كائنات مغتربة من نتاج مجتمع مغترب معناه أيجاد مجتمع صحي . وأذا كان برشت يرى في الحركة من أهم مستلزمات المسرح الملحمي بل هي مادة المسرح , فان كرومي يجد في الحركة أكثر دلائل الحياة وضوحا وهي وسيلتة كذلك لسرد العرض المسرحي في أيصال الحدث الى المتلقي ليؤكد أن المستوى الاسلوبي للنص في جوهره منجز لا يتعلق بذاته حسب أنه مرتبط أرتباطا وثيقا بماهية المعرفة والفكر . ان المعرفة حقل أنفتاح واعي وحصن من السقوط في أحادية الثقافة , والثقافة المهيمنة , الا ان الفكر في النسيج اللغوي يعبر عن البناء الفكري الداخلي وهو مرتبط به ارتباطا عضويا , وهنا يكمن السؤال حول ماهية الفكرة ألا أن هذا السؤال يؤكد حضور المتلقي في عملية الاعداد والتركيب لخطاب العرض . أن كرومي يتسائل فيما أذا كان الفكر المقدم قادر على قراءة الواقع المعاش بحركيته الكلية والجزئية أي تجاوز شكلانية الواقع ليحقق فعلا قرائيا معاصرا في عملية الاختيار يرتقي بوعي المتلقي الى مستوى الجدل او الوعي الجدلي , أذ ذاك تتوحد جميع النصوص وان أنتمت لثقافات وحظارات متعددة ومختلفة وان شكلت أنعكاسا فكريا حتميا لتجارب شعوب أخرى فالقراءة المعاصرة لتلك النصوص تفرض توحدا من وجهة نظره بين موضوعة الاختيار والقراءة والقاسم المشترك بينهما الموقف الاجتماعي بمعنى آخرالاختيار, قراءة جمالية تكشف للاخراج ذاتيا مقومات وبنية العمل الفني الذي أختاره للتعبير عن حداثة العصر وجوهر الواقع , والبنية كل مكونات المسرحية وعناصرها التي يعاد ترتيبها باسلوب ألاخراج اولا وليس الاسلوب الذي يثبت على اساسه , هذا يعني أن المرحلة المقبلة في اطار المعالجة لابد أن تكون أكتشاف علاقة بين الفكرة المهتدى اليها ووأسلوب المعالجة وشكل العرض ولايشكل مفهوم قدسية النص عند كرومي أدنى اهمية , ألنص مؤمم , وهو حتما يخضع للحذف والاضافة واعادة الترتيب لمتتالية الاحداث مع مراعات الابقاء على سماة مهمة كالملحمية والكوميديا الجادة والمتعة والتعليمية بالمفهوم البرشتي والعقدة ذات الاثر الاجتماعي والانساني . أن المبدع الكبير عوني كرومي يلاقي برتولد برشت في سعيه الى تجريد الخطاب من أدبيته والتعامل معه على أنه مجموعة صور فكرية ملموسة ومشخصة فالتعامل مع المفردة يتم على أنها صورة أي أن ثمة الكثير من العناصر الفنية ستساهم في أيصال الفكرة , كالحركة والايماءة الصوتية والصورية الجسدية ذات الدال الاجتماعي , وهي لايمكن أن تخفى أو تزيف بل قادرة على الكشف عن الافكار وتأكيدها أو نفيها ولها قدرة متفردة على الكشف عن طبيعة العلائق الاجتماعية بصورة أبلغ وأوضح . 

عوني كرومي وكيفية أشتغاله على المستوى الدرامي في النص . 
التعارضات الكلية, ألتناقض والجدل المقابلات القائمة على اساس التنافي , كانت سمة مميزة من سمات أعداد حكاية الخطاب الدرامي لتفسير الواقع الاجتماعي وآليات أشتغاله على البنية الكيفية للنص . وان كان هيكل الاحتواء ومنظم عناصره وفعالياته العملياتية - الشكل- سرديا لايصل بحد الصراع الى المستوى الذي تنتظره المادية الديالكتيكية بل يذهب لاكثر من ذلك وهذا ما جعله يبدء مع برشت في ذروة أبداعه النظري والتطبيقي , فكلاهما لايقيمان اي نوع من المهادنة والمصالحة مع وبين الثنائيات ذات التعارض الكلي : العام /الخاص , الفردي الذاتي / الجمعي , التبؤر / الانتشار , بل يعمقان تلك التعارضات دون أدلجتها كشرط قبلي لتحديد طبيعة الاشكالية التي تنفتح على عموم العناصر المؤسسة لماهيتها وكياناتها داخل المجال الايديولوجي لمواجهة أزمات يفرضها التراكم الزمني - التاريخ - ليؤسس بنية متوفرة على جميع العناصر الفاعلة , وهنا يبدء التباعد بين كلمن برشت وعوني كرومي والادلجة المادية التي تدرك أنساقها الرؤيوية والفكرية المتشكلة داخل البنى الفوقية المجتمعية بقصد تاكيدها , ألا أنها تشكل أنعكاسا حتميا لعلاقات الانتاج والنهج الاقتصادي المجتمعي وتؤكد وسائله في ذات الوقت مما يجعلها تنتج وعيا زائفا : ان الجدل الذي يترتب على العلاقة التصادمية القائمة بين الوجود الفردي العضوي الفاعل من جهة والوجود المجتمعي من جهة أخرى ينتج وعيا زائفا , والجدل الذي يقع بين الافراد بوصفهم موجودات اجتماعية وبوصفهم حوامل لاواعية لأنظمة كلية لم تنكشف بعد , يفرز أيضا وعيا زائفا . لذلك يكرس كرومي الوجود الفردي داخل مجموعة شرطية خاصة : الشخصية توجد في ثقافتها ولغتها , وصراعها مع ظرفها المحيط وتكتشف وعيها بالذات والموجودات المحيطة بالممارسة ليصبح الوعي أدراك الواقع والوجود الانساني الواعي مقترنا بالحرية , أي الارادة الحرة والخيار الشخصي وهو بذلك يرتقي فوق مستوى الوعي الذي تحرره التجربة البرشتية . أنه يجسد الذات من خلال تاكيدها أرادتها الحرة وخيارها الشخصي متجاوز الوعي الذي تحرره ثلاثية الاستلاب (أستلاب , أستلاب الاستلاب , أستلاب أيجابي أي تحرير الوعي )أن الوعي الذي يحرره المفهوم الاخر, التغريب , النقيض - المثالي - يصور التاريخ وحركة الشخصيات داخل النص جزءا منه , على أنه حضورا آنيا ومن تفاعل لأبنية عقلية ولا يملك أسباب التكوين ولا التقدم وكاننا أزاء ذاكرة مبرمجة غير قابلة للتاويل ألا أنها التعديل على وفق قانونها الذاتي , فتصادر قدرة التلقي على القراءة الذاتية وتمارس أشبه ما يكون بالصنمية المعرفية المؤكدة لأغتراب الفرد , لقد كانت ترنيمة الكرسي الهزاز - مسرحية أخرجها كرومي للمسرح العراقي - أكثر خطاباته المسرحية بلورة لهذه المفاهيم حيث وضع المتلقي أمام عوالم ثلاث وكانها بوحدتها تكون ( مريم ) الشخصية الرئيسة في المسرحية , مريم المنشطرة الى تلك العوالم , عوالم تجسد مراحل النمو الوجودي القسري , أي أنه أرادي , عالم يعيد انتاج ذاته بعد تاسيسها وتشكيلها في تناقض مع كل التاريخ المستحضر التاريخ الذكرى تاريخ , مدونة حملتها الملامح والجدران وصوت ترهل وشاخ وافل بريقه . تاريخ محمول داخل الشخصية يكشف عن ذاته عبرممارساة عيانية حسية تفرض طقسية تهيمن على الاماكن اشبه بطقوس الاحتظار في رهبتها وخشوعها وبرودتها , فيما شكلة الصفحات المطعمة للنار/ المحراب / ذلك التاريخ التجربة السر / أنه يغير او يستحضر من اجل الاتي الذي احالة اليه كل الاغاني , الاتي عالم انشغل به المتلقي : من هو , ما هو , ماهيته , تفاصيله , سماته , الاانه - المتلقي - الان داخل اللعبة مشاركا غير متماه . لقد شكلت الأغاني احالة أخرى ,الموت الجسدي , أنها تمارس أعادة اكتشاف ذاتها في اطار المستجد من الظروف لتدرك وجودها وواقعها وتعيه بحرية وخيار ارادي , أنها تكتشف الواقع وماهية الزمن / العصر فهي تستعيد وعيها لأنها تدرك ليس أنعكاسا للواقع لذلك ترفض ان تعيش القانون المدجن للحياة , قانون يحيلها الى ذات العمليات المتكررة دائما بمناهج عملية أخرى لتصبح ذاتا سلبية , أنها تتعلم حريتها عن طريق علاقاتها بالاشياء أو كما يقول ( سارتر ) : أن الانسان أذا أكتشف حريته في عمله بوصفه علاقة أصيلة بينه والاشياء المادية فانه يفكر في نفسه كشيئ في علاقاته . بالقانون , السلطة , هنا يودع كرومي في البنية الدرامية مفهومين , حرية الاختيار , والارادة الواعية ليمتد جسرا الى متلقيه عبر ممارسات ( مريم ) المعرفية , فيتبناها التلقي على هيئة أسألة باحثة في الوجود , لماذا ؟ عامة هكذا دونما تحديد !لمن نحتاج ؟ - طروحات الاغاني - السلام ؟ الخلاص ؟ المعجزة ؟ القانون ؟ صراع الوعي والا وعي بقصد أكتشاف الذات في تنامي فعلي درامي خطي مغلق لا يمكن ان يؤشر اي تواتر به, أحال ذاكرة المتلقي الى مرجعياتها بفعل الدلالات المحمولة في أغاني ( مريم ) التي أصبحت أشبه بمفاتيح معرفية باحثة عن ماهية الاتي لدى التلقي , فهو حتما ليس ( مازن ) -شخصية في المسرحية , لكنه لايمكن ان ( كودو) .

أن تبني التلقي لموقف ( مريم /راجحة ) ليس من باب التماه بل ثمة أكتشاف مفاجئ لما يمكن أن يؤول اليه مصير الفرد أزاء تماثل الظروف . لقد ناقض برشت في علاقته بالمتلقي ألا أن ذلك التناقض جاء في الكيفية لتصبح المسافة بينه وبين برشت في قصدية خطاب العرض ذات المسافة بين حتمية ان تكون وكيف يمكن ان تكون .لقد دعم كرومي موقف (مريم) وخلع عليها سماتها الذاتية من خلال نقيضها الخارج عنها ( راجحة ) حيث التقتا في وحدة تناقضية في ذلك التساؤل المصيري .

وفي كريولانز يبدء كرومي بحثه الجمالي من فرضية الفكر ومبرهنته الازلية , كذلك للحرب أيديولوجيتها الخاصة كما السلام , لقد فرضت أيديولوجيا زمن الحرب نمطا وشكلا علاقاتيا انجز ذلك المجد الاثيلي لكريولانز ومن هنا تبدأ مأساته , لقد حقق ذاته في زمن الحرب في ظل أتحاد النقيضين , مؤسسة الدولة والشعب الروماني , الا انه لا يدرك ان ثمة حتمية ستفرص تغير شكل العلاقات وان كان ذلك اكثر ثباتا واقل حركية موازنة بالتغيرات التي تطرء على المحتوى , لقد جعله موضوع بحث داخل سياق التاريخ , فبدى وعيه وادراكه معطوبا تماما قاده الى تناقض ذي حدين الاول مع المؤسسة الرومانية - الدولة - والثاني مع الشعب , لقد اعلنت السلطة استراتيجها المنسجم واهدافها في زمن الحرب والسلام وادارة اتجاه المعركة من خارج الاسوار الى داخلها , لقد كثف كرومي ذلك بتاسيسه خطا توتريا للاحداث أدخله منعطفات كثيرة متجنبا التوالد والتخارج للفعل , وكشف عن خط بياني تاويلي بدى خلاله كريولان منسجما مع السلطة في الجوهر دون ادراك منه , أنه لم يخلق بينه وبين السلطة تعارضا كليا , فهي التي اعدته لهذا الدور واعدته للدور ايضا - وهذا ما لا تجده في نص برشت - .

لقد بدا كريولانز داخل تطورات الواقع دون ان يدركها لأنه لم يمارسه على اساس معطياته الحركية فهو لايريد التغيير لأنه لا يمكن ان يتغير أنه في تعارض كلي مع الشعب الذي اوجده ذات يوم وللشعب نهجه الحياتي وخبرته وتجربته التي بدت تتمخض عفويا أنطلاقا من التراكمات التي افرزتها تجربة الحرب والدم , هنا ينقل الاحداث الى المتلقي الذي سيقرأ خطاب العرض بمنهج موازي لمنهجية السرد والروي ألا أنه بعيدا عن التامل البرشتي او الانغماس والتورط الارسطي في استهلاك قدرة التلقي , أنه ينتج الحدث بمؤشرات واقعه التي اكتشف بها الواقع المعروض لينتج قانونه البعدي الذي جعله واثقا من أن أنتصار كريولان كان الثمن المدفوع سلفا لهزيمته.

ان القوة التي مكنته من الانتصار هي ذاتها سبب هزيمته .

* أستاذ مساعد دكتور .
أستاذ فلسفة الفن في كلية الاداب جامعة الكوفة 
أستاذ الاخراج المسرحي في الفنون الجميلة جامعة بابل 
سكرتير رابطة بابل للفنانين والكتاب /هولندا 

--------------------------------------------------------
المصدر : الناس

تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9