أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

السبت، يناير 14، 2012

مسرحية زهايمر التونسية عرض يأخذك من البداية حتى النهاية / منصور عمايرة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يناير 14, 2012  | لا يوجد تعليقات

 مسرحية زهايمر التونسية عرض يأخذك من البداية حتى النهاية / منصور عمايرة 

الكاتب الأردني منصور عمايرة

من العروض المسرحية التي تشارك منافسة على جائزة مهرجان المسرح العربي، والمنعقد في عمان " مسرحية الزهايمر التونسية " حيث عرضت على المسرح الرئيسي المركز الثقافي عمان مساء الأربعاء 11-1-2012 ، المسرحية من إخراج مريم بوسالمي ، تمثيل صلاح مصدق وقابيل السياري.
إن موضوع المسرحية ، يدور حول مرض الأب المريض بالزهايمر ، ومعاناة الابن الذي يعتني بهذا الأب لمدة طويلة ، وهي تبين عن العلاقة بين الأب والابن سواء أكانت في حالة تواصلية تندرج في إطار التراحم والتعاطف والشفقة، أو حالة انفصامية تبين عن التذمر والبحث عن الخلاص.

عبرت المسرحية عبر مراحلها الزمنية عن سينوغرافيا بسيطة وفقيرة ، تتواءم مع الحالة العامة للمسرحية " الموضوع " فمرة تبدو السينوغرافيا منضدة في مكتب المحامي يحكم بالعدل كما يشي بذلك ميزان العدالة المائل، وفي مرحلة أخرى يبدو الملف الذي يحوي كل الذكريات كجزء مهم في حياة الأب فيضن به على ابنه ليفتحه ويقرأ ما فيه ، وفي لحظة المرض الشديد يقوم الأب بفتح الملف الضخم، ويقوم بتقطيع كل الذكريات، وهو يشي بأنه لا فائدة من الزمن الماضي ، ولم يعد يعنيه بشيء في الحالة الهذيانية المريضة.
إن الجمجة في العرض المسرحي تقرأ على مستويات عدة ، وهي تمثل المراحل الزمنية للإنسان والدولة ، وهي مثلت حالة من مخزون ذكرياتي كبير ، وجمود الجمجمة في مكانها كشيء متحجر ، يشي بأبعاد كثيرة منها السلطة وحب الذات والتفرد ؛ ولهذا تبدوا الجمجمة شيئا جامدا.
إن الساعة الذاكرة الزمنية تشي بأن الزمن يسير باتجاه واحد تصاعدي إلى ما لانهاية ، وهنا إشارة إلى التغيير والتحول ودعوة تمثل حالة أمل بأن الزمن يسير مهما بدت الحركة راكدة وهنا قد نقول " لا بد أن يستجيب القدر ".   
إن السرير أوضح الحالة المرضية المستعصية والتي لا بد أنها ستعني الاستسلام ، لكن الأب الذي يفقد الذاكرة شيئا فشيئا يبقى يحافظ على وجوديته في المكان ، وكأنه يرفض الرحيل ، وهذه الحالة التي أخذت سواد الممجتمعات العربية إلى حالة من القهر ، ليبحث عن كيفية العلاج ، ولهذا يحاول الابن أن يصطنع علاقة لمداراة هذا المرض ، فذاك المشجب هو الذي سيغذي المريض بالغذاء والدواء ، وهنا إشارة مرة أخرى إلى رفض الإزاحة والتشبث بكل بقايا الحياة من أجل الاستمرار ، وهذا ما تمثله الحالة المرضية للأب ، وينجر وراءها الابن بغير حول ولا قوة.
إن ثياب الأب تتماهى مع طبيعة الحالة المرضية الزمنية، حتى يصل إلى الحالة الرثة التي تستدعي الشفقة ، وتلجأ إلى الله في حالة الابن أكثر من مرة ، ليخلص الأب من هذه الحياة ، ولكنها بالواقع ، ليتخلص الابن من أب مريض أثقل عليه في كل شيء حتى بدا كالمقيد ، وكذلك فعل من حكم الشعوب العربية فصار الشعب يسير كالمقيد ، لأن رأسه محشوه بالتعليمات الفوقية والضريبية والمعيشة البغيضة التي تغلق نوافذ الضوء " الأمل ".   
ثياب الابن أبانت عن حالة التماهي التي تماشت مع حالة الأب في المسرحية ، فكل تلك الأوامر الخدمية التي يقوم بها الابن تجاه والده ، أمست كأنها أسلاك كهربائية تحوي شحنات تلقائية ، ليتحرك الابن كرد فعل على طلبات الأب المتوقعة وغير المتوقعة ، في ظل هذا التوقع واللاتوقع صار الابن مقيدا غير قادر على التحرر من خلال تلك المشية ، والتي تعبر عن حالة قهرية غير إرادية ، وهذه الحالة مرة أخرى تماهت فيها الشعوب العربية كثيرا ، وهي تستقريء ما ماهو متوقع وما هو غير متوقع في الأنظمة التي تحكمه ، فاختلط الحابل بالنابل.
إن التابوت أبان عن حالة جمود أخرى ، ولكنها حالة يركن إليها الإنسان ، حالة لا بد أن تأتي ، ولكنها للأسف تأتي بعد الكثير من العذاب والمعاناة ، الموت هو مصير كل حي ، والدول تموت والحاكم يموت والنظام يموت ، والأب في نهاية المسرحية يموت ، وهي حالة متوقعة من قبل المتلقي ، ولكنها ليست متوقعه بكل حيثياتها المأساوية ، والتي غلفت البعد البيئي الميحط بالأب ، ليعاني من حالة المرض الابن بشكل غير متوقع من خلال ردة الفعل، حتى أنه يندب حظه في النهاية ، وهو يخاطب التابوت والميت في داخل التابوت بأنه عكر عليه صفو الاحتفال بيوم ميلاده ، وهذا يبين عن حزن شديد ، وكأن العرض يقول بأننا لم نكن ذات يوم قادرين على تذوق الفرح ، أليس للفرح طعم ومذاق لا يعرفه إلا من حرم منه ؟ فيبدأ بالتفكير بطرق كثيرة للوصول إلى هذا المذاق ، وكأنه حلم في متناول اليد ولكنه ممنوع.
فصلى الابن مرتين لينتهي الأب من عذابه ، وينتهي الابن من عذابه ، ليتخلص من معاناة رجل مريض بالزهايمر ، والذي سيقض مضجع من يهتم به صباح مساء، وبدا في المرة الثالثة غير قانع بهذا الدعاء ، وكأن الدعاء الذي يرفعه الناس ليتخلصوا من حاكم مجرم غرض وغاية المفلس ، وبالتالي يستمر الغاشم والطاغي بالجلوس فوق صدورهم ، وهم يتلذذون بالدعاء من دون تغيير حقيقي أو النهوض بالتغيير.
إن الممثلين من خلال العرض ، ظهرا وكأنهما في حرية تامة ومطلقة بعيدين عن تعليمات المخرجة ، وهذا ما جعلهما يبدعان بدور كل واحد منهما، أليس الممثل هو عصب العرض المسرحي ؟ الأب لعب بإجادة كبيرة لهذا الدور الكبير ، والذي يبدو معقدا من خلال الحركات الجسدية المتغيرة ما بين مرحلة وأخرى ، منذ بدايات المرض وحتى وصوله إلى الموت ، إن التعبير الجسدي في المسرحية نقطة رئيسة لا بد أن يقوم على هذا التبدل الجسدي المصاحب للحالة المرضية، وهو ينتقل من حالة القوة إلى حالة الضعف النهائية.
وبالقابل إن الممثل الشاب " الابن " استطاع أن يتقمص دوره بقوة وبراعة ، حيث بدا كأنه مقيد ، فيمشي كما " الريبوت " الإنسان الآلي، وهذه الحالة كانت نتيجة لسبب الاستمرارية في الحالة المرضية للأب ، مما جعله يستحوذ حتى على تصرفات الآخر الأبن ، ما بين صحوة الضمير وهو يحاول جاهدا مساعدة والدة بالخروج من أزمته المرضية النفسية - وهي حقيقة أزمة نفيسية تقود بالتالي إلى مرض عضال لا يرجى شفاءه أبدا - وهذه الحالة النفسية انعكست على الابن وهو ينتقل من حالة إلى أخرى ، والشفقة أيضا حالة نفسية يمر بها الابن ، وهو يرفق بأبيه الذي يعد له الطعام ويخدمه ، ويقدم له الدواء وقت الحاجة ، ويرفق به حيث يقوم بربطه ، كي لا يذهب بعيدا ويؤذي نفسه ، ومرة ثالثة الوصول إلى حالة الانفجار ، وهو يحاول أن يضع الحبل حول رقبة الأب المريض ، والذي لم يكن بالنسبة للزوجة الزوج المحب والبار والمرفق بها، وهي أم ابنه الذي يقوم على خدمته ، فتلك العلاقة ما بين الأب والأم ، لم تكن كما يجب أن تكون العلاقة الزوجية القائمة على الاحترام المتبادل.
إن هذه المسرحية ، والتي ستقرأ على أنها حالة بائسة ، مرت بها وتمر بها الشعوب العربية المختلفة ، ما بين حالة حب الذات والتفرد بالقرار والتمتع، وخاصة عندما كان يذهب الأب مع صديقته في عرض البحر تاركا الزوجة حبيسة البيت ، وكان يعود للبيت حبا بابنته وليس زوجته ... وتشيخ الدول وتمرض كما يمرض جسد الإنسان فالدولة العثمانية كانت الرجل المريض ومات ، وكذلك الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية تمر بمرحلة الشيخوخة ، فكل منها يمثل الرجل المريض الذي سيموت ، ولكن هذه المراحل من القوة إلى الضعف أرهقت الآخرين ، والابن يرهق جدا وهو يقوم برعاية والد عاق لأمه إذا ما صح هذا التعبير ، وهذا الأب في لحظة أنانية يقول لابنه أنه يسكن في بيته ، وكأنه يحاول طرده ، وهذه الحالة مرت بها البلاد العربية ما بين حاكم أناني وشعب مغلوب ، لتقرأ هنا المسرحية في إطار الربيع العربي، العمل يشتغل على قراءة الواقع العربي ما قبل الثورة وما بعدها أيضا في بعض البلاد العربية ، ما بعد الثورة من خلال طرح الأب لسؤال على ابنه لماذا لا يذهب إلى العمل ؟ فيجيبه الابن بالبطالة والادمان ، هناك حالة قاتمة ما زالت تعرض في المجتمعات العربية ومنها تونس البطالة المميتة ، والإدمان الأكثر موتا ، وكأن الأمل لا يبدو قريبا.
إن اللغة الحوارية بين الأب والابن في مثل هذا الموضوع ، والذي سيبدو ليس من السهل طرحه بكل حيثياته على خشبة المسرح " وهنا أعني الحالة المرضية الزهايمر " فحفلت المسرحية بالكثير من اللغة الحوارية التي لم تبدو منفرة ، وبقيت قادرة على الإمساك بالمتلقي ، إلا أن اللغة الخطابية في نهاية المسرحية مثلت مثلبة في العرض المسرحي ، ما كان للمخرجة أن تسعى إلى هذا التمطيط في نهاية العرض المسرحي ، كان بإمكانها أن تكتفي بجملتين " هبي بيرث تو يو happy birth day to you " ومثل : أ تموت في يوم ميلادي ؟ وكان بمقدورها أن تمزج هذه الحالة بالذات بحالة مزدوجة ما بين الحزن والفرح ، يمكن أن يظهر الابن في يوم ميلادة وفرحه بأن منَّ الله عليه بقبض روح والده ، وهنا يفرح لأن والده ارتاح من العذاب ، وحالة الحزن تثير الذكريات الماضية التي تمثل العاطفة والشفقة والواجب.
من خلال الستارة السوداء ، والتي اخترقت كباب أو شق ، يظهر من خلاله التابوت في مكان قصي وبعيد عن خشبة المسرح ، وهنا إشارة إلى إقصاء ما كان يمثل ألما للآخرين ، وهذا اللون الأسود يندمغ في حالة الرؤية للعرض المسرحي.
وبدت الموسيقى غائبة ، فكأننا أمام عرض مسرحي ملأ الفجوات كلها من خلال انشغال الممثلين بكل شيء حواريا ، فلا مكان لسماع الموسيقى أو الغناء ، وهذا الانشغال ، هو ما شغل الممثلين عن الاستماع إلى الموسيقى أو الغناء في جو تملأه السوداوية والمرض ، بحيث طغى البعد الحواري على العرض منذ لحظة البداية وحتى النهاية.
بدت الإضاءة قاتمة لتشيع جو الاكتئاب من الحالة المرضية التي يعيشها الأب، ومن الحالة النفسية التي يعيشها الأبن ، الإضاءة كانت محدودة ومحصورة في المكان الذي يتواجد فيه الممثلين دائما كبقعة ضوئية ، تعطي تركيزا شديدا جدا على الممثلين وهذا المراد من هذه المسرحية.
والإضاءة تبدو مرة أخرى باللون الزرق ، والذي يذكرنا بحالة الإسعاف ، فهذا اللون يعني الهدوء وهو حالة ما بين الصحة والمرض ، وحالة إنعاش في غرفة العمليات وحالة سكون في حالة الموت.
مسرحية الزهايمر تأخذك من بداية العرض ، ولا تستطيع الخلاص منه حتى اللحظة الأخيرة ، والتي يعلن فيها نهاية العرض ، والتي أبانت عن تكامل في العرض المسرحي باستثناء القليل ، وهو ما حدث في حالة الخطاب من الابن الحي إلى الأب الميت.


المصدر : منصور عمايرة كاتب مسرحي وروائي اردني عمّان   11-1-2012
Buqasem_21@yahoo.com
تابع القراءة→

0 التعليقات:

مسرحية "مجاريح" فلكلور شعبي في مهرجان المسرح العربي / منصور عمايرة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يناير 14, 2012  | لا يوجد تعليقات

مسرحية "مجاريح" فلكلور شعبي في مهرجان المسرح العربي  / منصور عمايرة
مسرحية مجاريح القطرية
 عرضت  مسرحية "مجاريح"  في مهرجان المسرح العربي، المنعقد في عمان يوم الأربعاء 11-1-2012 على مسرح الحسين وسط العاصمة عمان، وقدم العرض من قبل فرقة قطر المسرحية، إخراج ناصر عبد الرضا، تأليف إسماعيل عبدالله، سينوغرافيا ناصر عبد الرضا، وقام بالعمل مجموعة من الممثلين سيار الكواري، عبدالله أحمد، محمد الصايغ، عبد الله سويد، نهاد عبد الله، فوز الشرقاوي، عبد الله الباهيتي... الكواري مثل دور غانم والسويد مثل دور العبد.
موضوع المسرحية موضوع مكرور بمستويات متعددة عبر الزمان والمكان، وهو ما يتعلق بالمرأة التي لا يسمع رأيها، وخاصة فيما يتعلق بالشخص الذي تريد الاقتران به ، وهذا ما دارت حوله المسرحية، فالموضوع يدور حول تعلق العبد المحرر حديثا بابنة سيدة، وفي التراث العربي صورة كبيرة لعنترة وعبلة، فيروز هو العبد الذي يريد الزواج من ماسه ابنة غانم، وهو الذي قام بتحرير ابنة غانم التي اختطفت ذات يوم، لتقع الابنة في حبه، هي صورة قريبة جدا من عنترة وعبلة، وغانم هذا هو سيد العبد والعبودية متوارثة في بيته، والسيادة متوارثة في بيت غانم، لكن الأب الذي يبدو صاحب القرار سيعلن " لا تشتري العبد إلا والعصا معه " وشطر بيت المتنبي هو سمة رئيسة للعرض الذي لا يبين عن العبودية ، بل عن الرفض كمقولة متداولة بين الرجال ليقرروا مصير المرأة " البنت " فالعبد فيروز يتفق مع ابنة سيدة غانم فتهرب ، ويتزوجها يوم فرحها من سيد آخر، وهذه الصورة تتكرر مرة ثانية في بيت العبد فيروز، بعد عشرين سنة ترفض ابنته من زوجته ماسه أن تتزوج ابن عبد آخر من العائلة ذاتها، لأنها غير راغبة بهذا الزواج ، فيحاول إجبارها كما فعل غانم مع أمها ماسه قبل عشرين عاما، لكنها تقرر الهرب، هذا هو موضوع المسرحية والنص الذي بني عليه العرض.
الزمنية في العرض المسرحي بنيت على تكسير الزمن، فلم يبدُ رتيبا، حيث بدأ من النهاية وهو يتحدث عن عائلة فيروز لإجبار ابنته على الزواج، وانتهى العرض من حيث البداية، وقد تخلل العرض قصة فيروز وماسه ما بين البداية والنهاية، وهي قصة مكرورة، في المرة الأولى كانت في بيت غانم ثم أصبحت بعد عشرين سنة في بيت فيروز، وكأن المخرج والمؤلف سيصم آذاننا بمقولة مهلهلة والتي تقول " كما تدين تدان".
بدت السينوغارافيا بسيطة وغير معقدة وهي تتمثل بعدة أشياء، هناك شجرة يابسة وهي ذات دلالة لتعطي معنى يباس العقل، وهناك ضوء أحمر مستدير ربما يشير إلى الشمس، ولكن هذا الضوء موشى بالتشظي، وهنا قد يشير إلى الجدار المتشظي بما يتواءم مع الحكاية، وهناك سينوغرافيا البيت، وهذا البيت يبدو مقفلا دائما ، ويخفي أشياء وراءه وقد فتح مرات قليلة من الداخل، وفتح في نهاية المسرحية بعد تحطيم الباب بحثا عن البنت الرافضة للزواج على غير رغبتها فكان خاويا.
وبدت السينوغرافيا من البيئة المحلية من الأشجار التي تنبت في البيئة المحلية، وخاصة ما رأيناه على أرضية المسرح التي تراقص عليها الممثلون والفرقة حفاة غير منتعلين، وهنا إشارة إلى الوضع المتدني للعبيد والملتصقين بجلدة الأرض كدلالة على الوضاعة والفقر والرفض.
الدور الرئيس لعبه أكثر من ممثل وخاصة بدور فيروز العبد والأب، وزوجته ماسه، وابنة غانم، وابنة فيروز مرة ثانية، بالإضافة إلى شخصية الممثل الذي يجيد اللعب على المزمار ورقص الليوه والضرب على الطنبورة محمد الصايغ، وهناك شخصيات أخرى قامت بأدوار قليلة.
ونجد في هذا العرض " الفلكلوري " بروز الخطابية من دون محاورة كبيرة تفج المسكوت عنه، حتى عندما تتحدث الابنة عن أن لها أحلاما وعيناها أصبحتا واسعتين، تبقى صورة الرفض المطلق لهذا الحوار، وكل واحد يركب رأسه، فبرزت اللغة الخطابية في العرض الذي بالتالي سيسمه بالسطحية ويحوله إلى ميلودراما فالنهاية معروفة وإن لم تكن سعيدة، فالمسرح يرفض لغة الخطابية والتي تمثلت بقول السيد غانم لفيروز : أنت عبد، والعبد يبقى عبدا، والسيد سيد. ومرة أخرى لغة الخطابية برزت في حالة إجبار البنت على قبول رأي والدها سواء أكانت ماسه أو ابنة فيروز الذي تكررت الحالة في بيته، والرجل يطلق وقتما يشاء عندما يقرر، والخطابية تمثلت بلغة الاستكانة عندما تطلب ماسه من زوجها فيروز " العبد المحرر " أن يضربها، وهنا تستحضر حالة الندم، وتشير إلى لعنة والدها غانم وموته قهرا لأنها لم تسمع كلامه.
وبدا الحوار مستغلقا، من حيث الرتابة إلى درجة السطحية، وإعطاء صورة نمطية تأبى الزحزحة، والتي تتمثل في علاقة الأب بابنته، إن هذا الاستغلاق سيقرر حتما أخذنا إلى نهاية من حيث بدأ العرض.
العرض امتلأ بالموسيقى الشعبية الحية والغناء التراثي الحي، وبوصلة متواصلة من البداية حتى النهاية، وهنا يبدو العرض بعيدا عن المسرح أو الرؤية المسرحية.
الغناء سيطر على العرض المسرحي، فأنت ستدرك بأنك أمام فرجة فلكلورية قطرية، وبمواصفات فرقة تراثية شعبية قادرة على تمثيل الفلكلور من خلال الغناء الحزين الذي أدته المغنية الرائعة بخامة صوتها في الفرقة، وكان هذا التراث شيئا جميلا، ولكنه بالتالي لا يعني العرض المسرحي.
كان يفترض بالمخرج أن يتجنب هذا الزخم الغنائي، وحشو الغناء التراثي والرقص الشعبي في العرض بوسائل شتى، كأن يجعل هذا التراث يأتي من بعيد يثير الأشجان مثلا، وربما يجعله يأتي بشكل طبيعي من خلال الإنفعال الذي يسيطر على الأب والابنة، فيثير هذا كله الأشجان، ليلجأ إلى الغناء كبعد مواس لما يحس به وهذه رؤية أخرى، وربما يستطيع المخرج ملء المساحات الفارغة في العرض ليس بالغناء المباشر، بل بحالة من التداعي والهذيان، يتخلل ذلك البعد الموسسيقى والغناء الشجي الذي يثير التعاطف، وهذه مسألة مهمة جدا لاستدرار التعاطف في مثل هذا الموضوع المطروح.
إن ارتكاز المخرج على التراث الغنائي، قد سحب البساط من تحت العرض ليسقط في أهزوجة تراثية متواصلة، ملأت كل العرض المسرحي بشكل طاغ يسبب الملل بزخمه، لأنه يبدو محشوا بشكل قصدي، فأنت إذن أمام احتفال وطني قد يصلح العرض لاحتفالية تراثية وطنية محلية، وليس لعرض مسرحي يقوم على تقنيات مسرحية متكاملة.
وربما نشير إلى النص، لنلتمس العذر للمخرج وهو يتكئ على نص قد يبدو ضعيفا لم يعطه قدرة على اتخاذ رؤية للعرض بشكل أفضل، لم يستطع المخرج التعامل معه بأكثر من هذه الصيغة التي شاهدناها على خشبة المسرح، إلا أن هذا لا يعفي المخرج من كل ما آل إليه العرض.
قد نقول إن المسرح مهر أرعن، وهذا ما يجعله يتمايز بجمالياته التي تختفي في جماليات الإبداع الأخرى، ولكن المسرح لا يتعامل مع القبض عليه كأنه مطارد، بل على العكس تماما ، فهو طيع لكن من خلال الاقتراب منه، وليس من خلال الحديث عنه تحت عنوان لا يعنيه.
إن الإضاءة واللون الأحمر ، والذي يميل إلى القتامة ليتماثل مع الحكاية، وكما أشرت آنفا إلى ذاك القرص باللون الأحمر " الشفق " وهو يبين عن حالة الحزن التي غلبت على كل العرض، من خلال الغناء الحزين الذي فاض به العرض المسرحي.
إن عرض مجاريح فيه الكثير من الغناء الشعبي، تسبب بغياب العرض المسرحي، فكل شيء بالعرض بدا فائضا عن الحاجة، وهنا أشير إلى هذا الغناء الكثير، وقد أغرق المخرج نفسه كثيرا بالغناء التراثي حتى أن الممثل هو من يطلب هذا الغناء، وهذه دلالة على أن المتلقي يحضر تراثا شعبيا وليس عرضا مسرحيا ينافس على جائزة المسرح العربي، وبعيدا عن كل الشوائب التي تلف المهرجان.
وهناك ملاحظة أخرى أنوه لها، وكأن المخرج وإدارة الفرقة وكل القائمين على العرض " مجاريح " أرادوا أن يأخذوا المتلقي للعرض، وليس أن يأخذ العرض المتلقي، وقد برز هذا في توزيع مسرحية مجاريح على cd وكذلك توزيع نشرة من أربع صفحات تكيل المديح للعرض بصور متعددة، والمتلقي حتما سيقرأ كل ما نشر أو بعضه، وسيقرأه كله بعد العرض، وكأن لسان حالهم يقول على عكس ما أراد الشاعر بقوله : " ولكن تؤخذ الدنيا غلابا " بل يؤكد لسانهم بأنهم سيفوزون بالجائزة، وهذا يعتبر وسيلة لسلب المتلقي إرادته بتلق محايد للعرض المسرحي، وخاصة تلك التمتمات التي ستسمع بعد العرض، ولكن المتلقي وجد نفسه أمام فرجة فلكلورية لا تعني العرض المسرحي الذي ينافس في مهرجان مسرح عربي، وقيل عنه بأنه سيقدم أفضل العروض المسرحية العربية، باستثناء السينوغرافيا – والسينوغرافيا جزئية في العرض المسرحي - كل شيء بدا لا يعني العرض المسرحي، وحتى الممثل لم يستطع أن يندمج بما يقدم باستثناء مشاركته بالغناء والرقص مع فرقة تراثية مكانها خارج إطار العرض كعرض مسرحي.
إن عرض مجاريح عرض تراثي، تمثل في الغناء الشعبي وبآلات موسيقية شعبية متنوعة مثل المزمار والطنبورة، والرقص الشعبي بما يعرف برقصة الليوه المعروفة على مستوى دول الخليج العربي ... ليتحول هذا العرض إلى فرجة تراثية تصلح لتكون في احتفال وطني محلي وينقل إلى الخارج كفرقة تراثية وليست كعرض مسرحي " ما هكذا يا سعد تورد الإبل".

المصدر : منصور عمايرة كاتب مسرحي وروائي  أردني  11-1-2012 عمّان

تابع القراءة→

0 التعليقات:

أختتام "أيام قرطاج المسرحية"بعرض مسرحية "ترى مارأيت "

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يناير 14, 2012  | لا يوجد تعليقات

 أختتام "أيام قرطاج المسرحية"بعرض مسرحية "ترى مارأيت "




اختتم  في تونس فعاليات الدورة الخامسة عشرة من "أيام قرطاج المسرحية" بعرض "ترى ما رأيت" للمخرج التونسي أنور الشعافي.
والعمل هو عرض رقص مأخوذ عن نصوص للشاعر كمال بوعجيلة، بل ويسير على هدى إلقاء القصائد في مشاهد عدة منه. ويتناول العمل الرحلة المضنية التي يقوم بها مثقف في البحر، ثم انقلاب مركبه ورحلة آلامه في مشفى. كل ذلك يروى رقصاً هذه المرة، في عرض يركز على التعبير الجسدي.
واقيمت هذه الدورة من "أيام قرطاج المسرحية" تحت شعار "المسرح يحتفي بالثورة" وبدأت في السادس من الشهر الجاري لتختتم مع الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة التونسية.
وضم المهرجان عروضاً متنوعة عربية وإفريقية وأوروبية. وقال مدير المهرجان وحيد السعفي لوكالة فرانس برس رداً على سؤال حول إنجازات هذه الدورة "أولا الاستقلالية فلم يتدخل أي وزير لا بالتنظيم ولا في انتقاء العروض".
وأكد السعفي قائلا "حاولنا المحافظة على الأشياء الراسخة، فكل مهرجان عريق لا بد له من أساسيات لا تتبدل مع الزمن".
وأشار إلى أنه من بين هذه الثوابت "أن تقدم +أيام قرطاج+ على المسرح العربي والافريقي، مع الانفتاح على المسارح العالمية الأخرى". وأضاف "هناك أيضاً أهمية خاصة للقاءات العلمية". أما بخصوص العروض المسرحية فقال "كانت أكبر من حجم هذه الدورة، وكل مسارح العاصمة كانت مشغولة باستقبال هذه العروض".
ونفى مدير "أيام قرطاج" أن تكون اختيارات العروض قد تعرضت لأي نوع من الرقابة مؤكداً "ولا من أي جهة. وربما الفترة الانتقالية لا تسمح بأن يتجرأ السياسي على تدخلات من هذا النوع".
ومن أبرز عروض المهرجان "الكراسي" ل "مسرح وسينماتيك القصبة" الفلسطيني، و"ودار الفلك" للكويتي سليمان البسام، و"هاملت ماكينة 2" للبناني عمر ابي عازر.
وشاركت من افريقيا سبعة عروض هي "اليوم الثالث عشر" من بنين، و"ايقاع خطوات انسان" و"فاطمة" من السنغال، و"شيش افريقيا" من توغو، و"قناع التنين" ، و"مأساة كانكومبا" من غينيا، و"السيد ديو والأغبياء" و"نتصارع من أجل مقعد" من ساحل العاج.
ومن أوروبا شارك عرض "آلاف العصافير تمنعك من المشي" من اسبانيا، و"القوى المهيمنة- ما العمل إذا؟" من ألمانيا، و"أرلكينو وبربوليا" من إيطاليا، و"أهلا وسهلاً" من بلجيكا، و"أن نحيا" ، و"من الضروري أن نصرخ" من فرنسا، و"مومانتون" من هولندا.
ومن بين التظاهرات البارزة في المهرجان تظاهرة جديدة بعنوان "احك لي" تنهل من فن القول في تراث مختلف الشعوب. وحفلت التظاهرة بعروض من تونس "ألوان الجنوب"، وخرافات بلقاسم بالحاج علي"، و"الفداوي"، ومن العراق "حكايات سعدي بحري"، ومن الكاميرون "حكايات ميلاني كلاريس تشاواك"، ومن بوركينا فاسو "كلمات حداد".
وشهدت هذه الدورة من "أيام قرطاج المسرحية" حضورا كبيرا أولاً على مستوى الجمهور الحاشد والمتعطش لصالات العرض وثانيا على مستوى فنون الشارع إذ إن المهرجان بدأ باستعراضات لفرق الخيالة وموسيقى الجيش وفرق الكوميديا الارتجالية.

المصدر : (AFP) 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9