أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الثلاثاء، أبريل 12، 2016

قاسم محمد .. وعمق البساطة في مسرح الواقع : د. فاضل خليل

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أبريل 12, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية
الفنان المرحوم ىقاسم محمد 

حين يكون الفنان زاهدا متقشفا، قريب من التواضع والتصوف، ساعيا من غناه الدفين في الداخل وهو يحقق عرضا يظل محفورا في الذاكرة، بامكانات اكتمال الموهبة لأن وـ حسب كونفوسيوش" الرجل العظيم يحزنه عدم اكثراث الآخرين بموهبته ". فما بالك بواحد مثل قاسم محمد الذي حقق اكثر من تميز في المسرح وعلى المستويين المحلي وغير المحلي. له من الخصوصية والتفرد في التعامل ابتداءا من الممثلين وليس انتهاء بالمتفرج، وما يتركه ذلك ألأثر من الاختلاف والتوافق، وصولا الى التجسيد الذي تحققه بقية عناصر العرض فائقة الاهمية والتي لا تقل أهميتها مع تقشفها وفقرها عن العمل مع الممثل فلا يظهر غناها الا في تحقيق العرض الكبير القادم الينا من التفكير السليم في القاعدة الهامة القائلة في أن ( العمق في البساطة ). أن المغالاة في احترام العناصر بعيدا عن جهد التمثيل سيضعف الفعالية الديناميكية المحركة لكل مكونات العرض المسرحي. وفي مسرح قاسم محمد كل المكونات لها ذات الاهمية وذات الوزن والاهتمام التي يحملها الممثل. فالموسيقى لها أهمية الازياء، وأهمية اللون توازي اهمية الحركة، وهكذا في بقية المستلزمات التي تحقق الوحدة الفنية والاسلوبية المنسجمة في كل لا يتجزأ في حسابات العرض الواحد وصولا الى التكامل الفني في العرض المسرحي.
إن قاسم محمد يدعو إلى الاهتمام بالنص المحلي ولا يرى في تقديم النصوص الأجنبية الا تطويراً لذائقة المتفرج، علماً بأننا حين نبحث عن العمل الأجنبي في مسرح قاسم محمد – التي تربو على الستين عملاً – سوف لن نجد فيه سوى بضعة مسرحيات – وغالباً ما يكون قد ادخل عليها مشرطه، وعالجها اعدادا أو اقتباسا أو تناصا. كان يحترم الجهود التي يبذلها بها ويعتبرها مسؤولية كبيرة فيها احترام وامانة لجهد كاتبها. الا أنها ليست كالنصوص التي يكتبها هو والتي يقول عنها "إنني اسمعها وأراها جيداً، وأستخدم لتنفيذها كُل ما هو منجز، ما عدى الناحية التكنولوجية لأن مسرحنا في العراق يفتقر إلى هذا"(1). لأنها تتميز بالمكونات الفكرية المدعومة بالتقنيات التنفيذية غير الباذخة، ولكنها تتسم بالحيوي المؤثر و" المحرك لأكبر قدر ممكن من خلايا الدماغ، وتحويلها إلى خلايا نشطة مفكرة "(3) من خلال الاهتمام الكامل للديناميكي الدائر في الحياة، وفق واحدة من اهم الوصاياـ حسب أستاذه زافادسكي(*) ـ في: [ أن لا يمر من جانب الحياة بلا مبالاة، فلأصغر ما فيها أهمية ولأكبر ما فيها أهمية "، ويستمر في وصاياه : " كن مباليا وتفاعل مع الإنساني، وتذوق وتعايش مع المحلي". وهذا الذي جعله لا يتعامل مع كل مؤلف، ولا يتعامل مع نص لا يضيف له. دعى الى الابتعاد عن المسرحيات المكتوبة، وعمل على خلق السيناريوهات الخاصة بكل نص. جعل الممثل يصل إلى كل ذلك بالاعتماد على البساطة التي اعتمدها في التعامل مع المستلزمات المسرحية والاستخدامات البسيطة للأدوات المختزلة والضرورية جدا. التي تلغي كل ما ليس له ضرورة. انه يصل إلى الضروري من خلال تحفيز ذهن الممثل، وتفجير طاقاته، سعيا منه للوصول الى [فكر الشخصية] وسلوكها، واندماجها مع الجو العام. يستفزه دائما الناس الشعبيين، يحاول ويجتهد أن يأخذ منهم ويكتب لهم وعنهم، عن أثرهم الروحي، والعقلي، من مخزون مخيلتهم كان يستخرج الكثير ومن ذاكرتهم الوقادة يعدهم بالأكثر. كرس وقتا تستحقه الذخائر المخزونة في ذاكرة الناس الشعبين، جربها جميعا عن قرب ولم ينقلها له وسيط، عايشها بصدق فحملت له الفرح والمرارة، ولسان حاله يفصح عن دواخله التي تقول: " أنا مسكون بهؤلاء الناس، هم هاجسي الأول والأخير"(3). وفعلا تفنن في تنويعاته وتأرجح لاعبا ماهرا بين كل الأنواع والأصناف المسرحية. وسلسلة هامة من العروض التي قاربتها في الهم وحاكتها أو تراوحت في الإبداع، لكنها ابتعدت عنها شكلا ومضمونا فكانت إبداعا من نوع آخر، وهو امتياز في مسرح قاسم محمد حين يحاكي الواقع حد [الوجع]. لقد قارب بين الأمس واليوم في الأحداث وقارب بين القوانين الجمعية والشخصيات والأفكار والفلسفة، قدم الأمس بمحلية اليوم وخطابه، كما العيارين ببغداد حين ثاروا" عند اجتماع العساكر بها، وفتكوا في البلد، ونهبوا الأموال ظاهرا وكثر الشر[.....] فثار عليه أهل المحال الغربية، فقاتلهم، واحرق الشارع، فاحترق فيه خلق كثير"(4). وكأنه [ درد ] حاكاه قبل ما يزيد على الثلاثين عاما. حين تناول العيارين وثورتهم على السلاجقة التي قصها [ ابن الأثير ]، وكيف أن فقراء بغداد تعاطفوا مع العيارين فقاتلوا معهم.
إن أعمال قاسم محمد تنوعت بين الحكاية والحدوته والقصيدة، واستخدم الكولاج حين اختار اشعارا بتوليف ذكي " لقصائد متعددة ولشعراء فلسطينيين وغير فلسطينين خلق منها موقفا دراميا عالي النبرة استطاع المشاهد أن يخرج بين رواية الشاعر للموقف ورؤية المتفرج السياسية للقضية فكانت المسرحية تقدم هذين الموقفين عبرتنامي المواقف والشخوص والاحداث في الواقع والتصوير"(5). أو قضايا الناس ضحايا القمع الأمريكي كما في مسرحية [ إنها أمريكا ] وحين راهن على الكم الهائل من الموروثات القريبة من المسرح فقدم [ مقامات الحريري]. هذا التنوع بين التجميع والتوليف والتأليف ألغى ما ساد من اعتقاد بشحة النص المسرحي وغيابه. هو من أطلق على هذا النوع من الكتابة بـ [الحالة المسرحية] وأخضعها لقوانينه وقال عنها: " إن عدم خضوع هذه الحالة المسرحية – نصاً وعرضاً – للأساليب التقليدية لا يعني أنها لا تخضع كلها أو بعض منها لقانون ما، إن الشيء الأكيد هو إن هذه الحالة المسرحية تخضع لقوانينها الخاصة"(6). هو يلخص كل ما تقدم من حالات مسرحية ونسبها إلى مصادرها، ومصادرها حسب قاسم محمد:" الواقع، الحلم، طيف المنام، الناس، الكتاب، اللوحة، الشعر، التأريخ، الأسطورة، سماعي للغة أجنبية لا أعرفها ولا أفهمها ، ومحاولتي الخيالية في ترجمتها (...) أضف إلى ّذلك الأدب .. والرواية بشكل خاص"(7).
الهوامش:
1) قاسم محمد: لقاء، المختبرية والتجريب أقصر الطرق لمعالجة أزمات المسرح، مجلة الطليعة العربية، العدد179، 13/10/1986، ص46.
2) ياسين النصير: ثلاث نماذج من الإخراج المسرحي المحلي، مجلة السينما والمسرح،
*) يوري زافادسكي: واحد من أهم الفنانين المسرحين الروس ، مخرج ومربي وباحث مهم، وهو واحد من طلاب ستانسلافسكي.
3) ج. مايكل والتون: المفهوم الاغريقي للمسرح، اصدارات المجلس الاعلى للثقافة، القاهرة 1998، ص72.
4) قاسم محمد: لقاء، رحلة الكتابة والتمثيل والإخراج، مجلة حراس الوطن، بغداد – 1/11/1986، ص 46.
5) ابن الاثير: الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت – 1966.
6) عزيز عبد الصاحب: لاترسم عصفورا ناقصا، يوميات مسرحية، مجلة الأقلام، العدد9، السنة 15، بغداد – حزيران 1980، ص 46.
7) ياسين النصير: بقعة ضوء بقعة ظل، دار الشؤون الثقافية، بغداد – 1988، ص146.


تابع القراءة→

0 التعليقات:

نورية.. بين ال ظلمة والضوء / عقيل مهدي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أبريل 12, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

تأليف وإخراج: ليلى محمد
تمثيل: هناء محمد

تجبهنا نافذة في الاعالي ، للمرأة الام ، التي تلهج بحوار من نحيب ، وحشرجات ، وبؤس ، وثمة في الأسفل خمسة انصاب لقبور ، تتلون بين زرقة الحياة ، وحمرة الموت ، وفي الأسفل مستطيل مغطى بالبياض تنزرع فيه وعلى جنباته ما يوحي بانه دكة للموتى ، يغتسلون فيها للمرة الأخيرة وهم يودعون الحياة ، على خلفية موسيقى مضطربة ، مقلقة ، يسدل كفن ابيض ، معادل موضوعي لثنائية الموت مع العباءة السوداء ، التي ترهن الحياة بالعتمة بشكل متعامد من فوق حيث يسكن القدر ممن يرشحهم الملاك القابض على مصائر البشر هؤلاء في قوائم متسلسلة ، بيد القتلة .
المرأة التي يغادرها زوجها الى الغربة تخاف على وليدها من الاعيب الزمان الغادر فلاتدري كيف تتصرف وهي ترى الموت مجسما بابعاد ثلاثة ! تراه شاخصا ، تحاوره وتتخاصم معه ، تارة تخرجه من الباب اليمين ليدخل اليها من الباب الشمال ، تطرده حينا ، ويمحقها ، ويذلها ، ويستعبدها في احايين أخرى كثيرة ، تلاحقه ويلاحقها من أعلى الدكة المريعة التي تتوسط خشبة المسرح ، الى المستوى الأسفل ، تتكوم لائذه في حماه ، او تنسحب متقهقرة ، تجرجر اقدام خيبتها ، واذيال المهانة بعمر بات يتدحرج باتجاه هوة القبر الفاغر اشداقه بصلافة باردة ، محايدة ، تجاه عذابات امثالها من البشر الفانين وما كابدوه من مشقة .مونودراما هذه المرأة المسماة (نورية) تمثيل (هناء محمد) ، التي افتقفت في أدائها ، تداعيات المؤلفة ، والمخرجة (ليلى محمد) لترسم لنا صورة الغربة والتوحد لمرأة مهمشة ، تدخل عالم المقابر ، لعل الموت يمهلها رخصة الضيافة في بيته ، ويترك لها فرصة حياتية من بضعة امتار زمنية ، ثم يطولها كديدنة ليقذفها في عالم الموت السرمدي ، ويقطعها من سرة الحياة حركت المخرجة ، عوالم العرض ، بتناقضات حدية مستقطبة ، اذا تظهر مجموعة تعبيرية ، ترقص مبتهجة بزواج هذه السيدة ، حين شبابها وبعد مرور برهة زمنية ، يدب الموت في مفاصل هذه الطريقة السالكة بين برزخ الفرح ، وبرزخ الحزن ، بين خفة الحياة وثقل موازين الموت .. ولات حين مفر ! من هذا الكابوس ، الذي تشتق منه المرأة كل مفرداتها حزنا واستلابها ومسيرتها الجنائزية .في أطراف وسط المسرح ، تظهر شاشة قماش ابيض ثلاثية في كل جهة ، تقوم بها ظلال ثلاث شخصيات رجالية من هذا الجانب ونسائية من الجانب الاخر وهم يتراقصون بهلع ، وانطفاء واشتعال تبعا لتخاطف الأضواء عليهم ، ليدعموا من (تداعيات ) الممثلة ، وهي تستذكر محطات حياتها ، وتقوم بسردها ، في محاولة لمعادلة غياب الآخر المادي فوق الخشبة باقتناص خياله ، او شبحه او ظله لتشعرنا بالصراع الدرامي (المفترض  (ذلك لان بنية (المونودراما) لا تقوى على تأسيس موضوعي للشخصيات والاحداث ، وتنامي الصراع المحتدم بين هذه الأطراف والعناصر في اطر زمانية ومكانية ملموسة ، ومتضافرة بوحدتها أليس من المفارقة بمكان ، ان تتحدى امرأة بروحها الغنائية الساحرة ، شرور سدنة الموت بأحابيلهم النثرية الخشنة ، وغلظة عقولهم الاجرامية ، وتبجحهم باغتصاب البراءة ، وخنق الطفولة ، وحرق اجنحة الفراشات واحالة ألوان الحياة ، الزاهية الى رماد وعتمة .
تدرك المرأة العراقية ربما اكثر من قرينها الرجل ، وذلك السلك الدموي الذي يختص بأكثر من قناع لتمويه تسلله للغدر والبطش.قد تكون لغريزة الامومة ، وحفظ الحياة ، وروح الانثى المصطبغة بالعطر والالق ، قد يكون لها اثراً واضحاً في ترسيم خارطة الحياة ، بوجه خاطفيها من سدنة الموت ، الذين لاهم لديهم سوى تغييب حضور المرأة ، والافتئات على كرامتها وتشويه مشروعها وتسفيهه ، والتعامل معها وكأنها كائن مختلف ، قد وفر - على حين غرة – الى الأرض من مجرات مجهولة برزت في العرض قدرة المخرجة في تسيير حركة الممثلة ورسم (ميزانسينات) لها . تعبر عن فحوى المنظور البصري ، الذي أجاد تشكيله السينوغرافي (عصام جواد) باطار متوازن تحركت على رقصته العمودية ، والافقية ، البطلة ، وهي تسرد علينا عذاباتها مع الرجل الاب ، وحرصها على الرجل الابن ، وصراعها مع ملاك الموت بصيغة المخاطب الذكوري ، البادي القسوة والعنت ، والموغل بإرهاب حاضر المرآة ومستقبلها ، بمثل ما تركته الذاكرة في روحها من مكابدات وحسرات وكدمات .
حملت (هناء محمد) ما عبأ مواقف ، وحوارات ، لوحدها اذ لم يشاطرها ممثل (شريك) على تقسيم الكلام ، وبادرت هي (لافتراض) هذا الشريك الاخر ، بتصوير سحنته ، وهيأته ، وصوته وايقاع  سلوكه وتلفظه ، وفترات صمته وصراخه ، وتقمص شخصيته .
ولولا حركة المجموعة بحركتها التعبيرية الشابة الديناميكية التي خففت قليلا من ثقل الدور التي أدته (هناء محمد) مكان الحال ثقلا عليها ، وربما شعرت المخرجة (ليلى محمد) ان الخروج على بنية العرض المونودرامي ، من خلال هذه المشاهد التعبيرية ، المضافة ، على المتن والشكل ، الأوحد للممثلة ، ولا من ينتقص (وحدة أداء) الممثلة ، التي استعانت بـ( ريبتوار) – ان صحت التسمية – لأدوارها النسوية التي قامت بأدائها الممثلة (هناء محمد) في رحلتها الفنية السابقة في المسرح او التلفزيون او السينما ..
ومن النادر ان تقنع ممثلة هذا الجمهور المسرحي المتنوع ، والمختلف ، بأذواقه وخبراته وتفضيلاته ، لكن الدعم والاسناد من كادر التأليف الموسيقي للفنان المبدع (سليم سالم)واضاءة (عباس قاسم) وزملاءه ، وتقنيات (عماد صفوك) وماكياج (ستار جبار) كذلك ولايمكن تجاوز الخطة الناعمة للدراماتورج (رشيد) التي ضبطت اتجاهات العرض وتماسكه هذه كلها مجتمعة حققت رضا مقبولا في هذا النمط من العروض الذي تحفه المخاطر لانه مركب صعب ، جازفت المخرجة (ليلى محمد) والممثلة (هناء محمد) في ركوبه ، بقدرات فنية محسوسة ، وفي الغالب مؤثرة عند المتلقي .
يعتبر العرض في جوهره عرضا نسويا بامتياز ، فالدور يخص امرأة اسمها (نورية) وقامت بادائه الممثلة (هناء محمد) اما تأليف النص ، وإخراج العرض فهي (ليلى محمد).. وهما يستحقان الإشادة ، بهذا التوق المسرحي والاصدار على تقديم (موضوعة) مازالت تحرضنا جميعا للتأكيد عليها ، وهي قضية المرأة .. الام حين توجه العنت والجبروت والموت من قبل (الاخر) من خلال (لغة المسرح) الواحدة من بين (لغاته) المتعددة .. حتى ان نفذ ملك الموت الى ازهاق حياتها ، لتقف متلفعة بالكفن ، وهي تقاومه لاخر دمعة تذرفها وجلة على كينونة وليدها الوحيد .. ليحظى بحياة كريمة تليق بالإنسان.


------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

اتجاهات الـ "ما بعد" وعلاقتها بالتجريب في المسرح المعاصر / د. محمد حسين حبيب

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أبريل 12, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

" ستكون هناك مسارح بديلة بعدد الشعر الذي في رأسي " .. هكذا افترض الباحث التشيلي اندريث جونثاليت وهو يجتهد في بحثه عن مسرح بديل او مولد مسرح اخر جديد , فتوصل مباشرة الى نتيجة مفادها تكمن في ان مصير المسرح البديل هو استمرارية كونه بديلا , فالمسرح البديل بحسب جونثاليت يعني " الطاقة الكهربائية : متغير و مستمر , يشعل و يضاء و يطفأ " .
كما نجتهد كثيرا في بحثنا المسرحي عن الجديد والوافد والمعاصر شكلا ومضمونا لدرجة التغاضي والتجاهل احيانا كثيرة عن مرجعية اومفهوم هذا الجديد الذي تحول اليوم الى (موضة) نقدية مسرحية , فراح خطابنا المسرحي المعاصر لاهثا وراء الموضة متغافلا ومتجاهلا الاصل والمفهوم المصطلحي والمنهجي الذي ينبغي الاستناد اليه على وفق الدراية والخبرة المعرفية الموسوعية التي ينبغي ان يتحلى بها الناقد والباحث المسرحي . ان البديل الذي يعتمد الاستمرارية كما قدمنا , يرتبط مباشرة بمفهوم التجريب المسرحي والتجريبية ( Experimental ) التي انطلقت عام 1896م مع اول عرض لمسرحية الفريد جاري ( اوبو ملكا ) لانها عدت كسرا واضحا عن كل ما هو سائد ومألوف في المسرح حينها , وبحسب صبري حافظ فان التجريبية تتحدد في المسرح "بفكرة التمرد على المؤسسة المسرحية السائدة والسيطرة على واقع المسرح في واقع ثقافي ما , وبالنزوع الى الخروج على التقاليد الفنية المألوفة والرغبة في ارتياد افاق بكر واستكشاف عوالم مجهولة وبالتوق الى ضخ دماء جديدة , و رؤى جديدة في عروق الحركة المسرحية كلما عراها الشحوب او سيطرت عليها الروح التجارية." ويؤكد حافظ على عدم خضوع التجريب لمفهومات محددة لان التجريب المسرحي ينفي التحديد وينفتح على اللانهائي لانه في النهاية يبدأ من رؤى وتوجهات فردانية . اننا اذا اتفقنا اصطلاحيا واكاديميا على وضع تعريف جامع مانع للتجريب , ذلك يعني نهاية التجريب وموت المسرح وابتكاراته الخلاقة .. ويبدي عبد الفتاح قلعجي نصيحته بالقول : " اذا كنت مخلصا للتجريب في المسرح فعليك ان تؤمن انه ليس هنالك مسرح تجريبي لانه في الوقت الذي تنظم فيه هذا المسرح قواعد وشروط وانظمة فانه لا يعود تجريبيا ." في السنوات الاخيرة من عمر الثقافة المسرحية العربية على صعيدي خطاب النقد والعرض سادت ( موضة ) من المصطلحات التي ارتبطت بالمابعد او المابعديات المسرحية مثل ( ما بعد الدراما , ما بعد الحداثة , ما بعد الكولونيالية ) وغيرها من المابعديات التي جاورت الانساق البنيوية والنقدية المحايثة للثقافة المسرحية , مثلما هي شاعت قبلا في حقول الفلسفة والفن والادب بشكل ابرز وارصن معرفيا واكاديميا فضلا عن مصنفاتها وخواص كل مصنف مفرز بشكل خاص لا لبس فيه ولا ربكة .. الا انها مع الخطاب المسرحي نجد فيها ارتباكا مفاهيميا متأرجحا ميالا الى ركب الموضة حسب , لا الى منهجة هذه (الما بعديات) وفرزها اصطلاحيا ونقديا , اذ هيمن على هذه الاتجاهات (الما بعدية) تداخلا واشتباكا وتشابها مفاهيميا فيما بينها اولا ومع ( التجريب المسرحي ) ثانيا , برغم محاولات الفرز وتبيان الخصائص المرتبطة لكل (ما بعد ) , الا انها في النهاية وجدناها تصب في مفهوم (التجريب المسرحي) , و ما هذا الكم من المسميات المابعدية الا مسايرة للموضة الشائعة في الطروحات الاجنبية والمصطلحات الوافدة وعجالة التاثر بها استعراضيا حسب دون غور المعنى ومعنى المعنى فيها . ولقد بين سعد الله ونوس بقوله عن الجديد " في اوروبا محاولة لانقاذ المسرح الذي يموت او هو محاولة الخروج من الباب المسدود الذي يواجه الثقافة البرجوازية , اما بالنسبة لنا فان التجريب يعني البحث عن مسرح او خلق مسرح اصيل وفاعل في المناخ الاجتماعي والسياسي الراهن . " دراسات مسرحية عديدة حاولت الخوض في تحليل خطاب العرض المسرحي العربي واضفاء ملامح هذه (الما بعد يات ) : ما بعد الحداثة ومابعد الدرامي و مابعد الكولونيالية , دون المرور حتى بالتجريب ومفهومه الواضح , بمعنى ان هذا الكم من الدراسات البحثية والنقدية المسرحية التي سايرت موضة المصطلح الوافد تجاهلت واغفلت ان جميع الملامح التي اظهرتها والسمات التي من المفترض ترتبط حصرا بمسياتها الاصطلاحية , الا انها ظلت ملامح وسمات تجريبية قبل ان تكون ما بعد حداثية او ما بعد درامية او ما بعد كولونيالية .. لقد انفرزت ملامح وسمات هذه المابعديات وغيرها في مجال الفلسفة والنقدالادبي والشعر والرواية واللوحة التشكيلية والنصب النحتية والمعمارية والسينما والرقص بشكل واضح لا اختلاف عليه , الا انها مع خطاب المسرح - بزعمنا - اصبحت ظاهرة ملتبسة على الكثير من الباحثين والنقاد والاكاديميين المسرحيين . مع شيوع مصطلح ما بعد الحداثة اظهر تيري ايغلتون كتابه (اوهام مابعد الحداثة) الذي بين فيه "الروح اللعوب الشعبوية لما بعد الحداثة، وتقليدها الشكل السلعي للسوق، والمجتمع القائم على قصة الاعتماد المصرفي الملفقة وإطلاقها العنان لقوة المحلي ومجانسته كونياً في آن، كذلك إقلاقها ليقينات الأوتوقراطي، وارتيابها حيال القانون وإيمانها بالأسلوب واللذة، وعمرانها بالوصفات الأخلاقية الكونية، مقابل شجبها الكونية كأثر تنويري، ونكرانها إمكانية وصف العالم كما تفعل اللاواقعية الأبستمولوجية." .. وبحسب بوجينا سافيسكا البولندية ان (مسرح ما بعد الحداثة) يرتبط " في معظم الأحوال بظواهر تظهر بعد سنوات الستينيات من القرن العشرين، ظواهر مثل “العبث ـ absurd” و”الوجدية - egzystencgonalizm وغيرها”، فضلاً عن تلك التي ترتبط بالظواهر والصيغ “اللا/مسرحية ـ Parateatralne”، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر: “الهابيننج-ـ Happening”، والبيرفورمانس ـ ”Performance، و”المسرح الراقص”... وهذه الاتجاهات نؤكد انها منضوية ومشتبكة مع التجريب المسرحي ايضا . وكذا الحال مع (ما بعد الدراما او الدرامية) الذي حاول هانز تيز ليمان بيان خصائصه وسماته الاسلوبية منذ اواخر ستينات القرن الماضي بانه : " المسرح الذي لا يركز على الدراما نفسها لكنه يركز على تطور الجماليات الادائية التي تخلق علاقة خاصة بين النص الدرامي وموقف الاداء المادي وخشبة المسرح .. واختفاء الحبكة فيه .. واستجابته الى التقنيات الجديدة فضلا على تركيزه على التفاعل بين الممثلين والجمهور و الى التحول التاريخي من الثقافة التي تستند الى النص الى عصر الميديا الجديدة من الصوت والصورة وهذه الاخيرة من اهم سياقات ما بعد الدرامية . " فاذا ما تمعنا بكل سمة من هذه السمات نجدها منسجمة مع مفهوم التجريب المسرحي تماما . ولقد طرح مسرح ما بعد الكولونيالية قضايا سياسية عديدة ومهمة تتمثل بالسلطة والثقافة الشعبية وللهوية والتراث وتحديد العلاقات الاجتماعية بإسلوب مسرحي على مستوى النص والعرض .وينطبق مفهوم ما بعد الكولونيالية على الحالة التي نتجت مع الاستعمار وتراث أو آثار الاستعمار ذاته , سواء تلك النزعة نحو المزيد من التحرر المادي أو تلك الصورة القائمة للاضطهاد المتواصل في بعض الدول , وعلى غرار الحركات النسوية تستهدف المابعد كولونيالية إعطاء الصوت للجماعة المضطهدة فعلى اثر ذلك جاءت تجربة المخرج البرازيلي اوغستو بوالوه التنظيرية والتطبيقية لمسرح (المقهورين) كنتاج لوعي ما بعد الكولونيالية , عمد للافادة من المنتج الفكري حول رسم ملامح جديدة لمسرح ثوري مسرح تجريبي يخرج عن معادلة الممثل والمتفرج كما يقدمها النموذج الغربي الذي يعمل برأي (بوالوه) على الحد من حافز التغيير الاجتماعي عن الممثل والجمهور على السواء فهو يطهرهم من رغبة التغيير وليس من المشاعر السلبية على حد ما اروده (اثير السادة) في معرض حديثه عن مسرح (اوغستو بوالوه) , والاخير هو مخرج مسرحي تجريبي من الطراز الاول . والحال نفسه مع مخرجين اخرين صنفهم الكثيرون - واهمون- في خانة المابعديات الثلاثة الا انهم مخرجون تجريبيون من الطراز الاول ايضا امثال : ( ريشارد شيشنر , و ريتشارد فورمان , و جوزيف شاينا , و بيتر سالارز , و لي ستراسبرج , و بيتر بروك , و روبرت ولسون , و ييجي ججيجوفسكي , و انجي فايدا , و كاجيمييج دايميك , و ليشيك مونجيك ,و اناتولي ايفروس , وتشايكين , واريانا منوشكين , و هاينر موللر ) وغيرهم من مجايليهم اليوم ومستقبلا . 
ختاما , نصل الى ان المسارح البديلة التي ستظهر مستقبلا وهي بعدد شعرات رأس الباحث التشيلي اندريث جونثاليت كلها ستبقى مسارح تجريبية بلا منازع , ومهما حاولت الموجات والموضات المستقبلية ايجاد مسميات او ما بعديات جديدة ستظهر لنا .. فمان ان ظهرت (الافتراضية) حتى كتب فيليب ريجو كتابه ( ما بعد الافتراضية استكشاف اجتماعي للثقافة المعلوماتية ) , وبدلا من ان يعنون كتابه بـ ( ما بعد النقد ) عنون ( رونان ماكدونالد) كتابه الجديد ( موت الناقد ) معلنا عن حفلة العشاء الاخير للنقد والنقاد الذين يزدروهم الجميع .. والا لماذا لم نر يوما نصبا يقام لناقد على مر العصور ؟

---------------------------------------------
المصدر : ميدل ايست أونلاين 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9