أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الجمعة، أبريل 30، 2010

مسرحية ارواح عراقيه

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 30, 2010  | لا يوجد تعليقات


على مسرح مونتي في مدينة انتويربن البلجيكيه وعلى مدى ثلاثة ايام  متتاليه قدمت مسرحية  (ارواح عراقيه )وهي من تاليف واخراج الفنان المبدع مخلد راسم الجميلي . تتحدث المسرحيه عن ثلاثة ممثلين عراقيين يستعرضون تاثيرات الحروب التي مرت على العراق وتحديدا على حياتهم الشخصيه من خلال مشاركتهم لتقديم ثلاث افلام  ( ضمن مهرجان للسينما في احدى دول اللجوء الاوربيه  ) ساهموا في هذه الافلام كممثلين ومصورين ...  فمنهم من ولد بين حربين وعاش في شبابه على  مفردات  هذه الحروب...

    يسلط العرض المسرحي هذا  الضؤ بشكل خاص على ماضي وحاضر ومستقبل هؤلاء الفنانين مع كل التناقضات التي حصلت  لهم في تلك الظروف العصيبه .. يشارك ايضا في العرض ممثلتين من المانيا  ايضا  شاهدتا الحرب عبر  الانترنيت والتلفزيون والصحف ولهن وجهات نظر خاصه  لما تاثرن به  من مشاهدات القتل والانفجارات والدمار الى اخره ...

 سنحاول ان نقدم قراة عامة  لمسرحية  (ارواح عراقية ) في معرض تطرقنا الى محتويات هذا العرض الرائع  الذي يقدم للعالم  صورة سرياليه عن الحياة اليوميه في العراق عبر اربعة لغات مختلفه هي : العربيه والالمانيه والانجليزيه والهولنديه بالاضافة الى لغة نص العرض المسرحي التي عبرت عن مضمون خطابها عبر السينوغرافيا والفضاء المسرحي والانارة والازياء والديكورات المختلفة بشكل اضاف الى العمل حلة جميلة وبهاء ..

المسرحية تحمل مضمونا انسانيا يصور واقع الحياة العراقية  بشكل سريالي  فني  مليء بالتناقضات ...علما ان نوع الصراعات الحقيقية هي عنيفة ومتعدده بين الضمير والاخلاق غياب الدولة وغياب القانون بين  الاحتلال  والتحرير  بين الجريمة والجهل  والتخلف وتهميش دور المرأة الذي غيبته المراحل المتعددة الماضية والحاضرة وربما المستقبليه اذا بقي الحال هكذا وبين الثقافة والعلم والتطور. 

في هذه التجربة المسرحيه   هناك محاولة لكشف الذكريات القريبه للذين عاشوا فترة الحرب وهي ايضا محاولة لكشف عن ذهنية المواطن العراقي وعن تاثيرات تلك الفترة من الحرب المستمرة حين يقول الممثل المبدع دريد عباس : اني ولدت بين حربين .. ولكم ان تتصورو ما الذي جنيته وحصلت عليه .. يقول شكرا للحرب لانها وصلتني الى اوربا !!!.شكرا للحرب التي جعلتني ان اقدم عروضي المسرحيه هنا في اوربا !!..الى اخره من تفاصيل .

موضوعة الحرب التي شغلت الحياة وحطمت احلام شخصيه كثيره .. التجربة كانت تتحرك بين الواقع والخيال بين التغيير المستمر و القلق المستمر.. حتى تجارب الفنانين اصبحت وكانها الحلم  او بتعبير ادق الكوابيس المليئه بالمشاهد المرعبه اليوميه فالقتل والانفجارات والاختطاف والذبح والموت المجاني الى اخره من مستويات هذه الحاله المتدنيه تعبر  عن حالات لم يتعود عليها الانسان العراقي العادي فكيف في الفنان ؟؟؟

 الارواح العراقيه هذه هي ليست جزءا من التغييرات السياسية الكبيرة ولاهي حكاية من الحرب هكذا يقول  المخرج مخلد راسم انما جيلي انا فقط هو الذي يعرف الحرب جيدا... انها حربا معروفة بالنسبة لنا فهي متعددة فالحرب مع ايران وحرب الخليج والحرب الاخيرة والاحتلال ... اننا نناضل من اجل السلام ونقول لا لمشعلي الحروب ....لذلك فان هذه الحروب فتحت  وجهات نظركثيرة للاجيال وطرحت على شكل اسئله في هذا العرض .

وبراي فقد تميز عمل المخرج مخلد راسم  باختياره لهذه الموضوعة المهمة و الملحة والتي خضعت لتطورات عديدة في عملية بناء المشاهد في تهديمها واعادة بنائها من جديد وترك الصراع و الحلول والاستنتاجات للمتفرج اثناء متابعته للاحداث التي يترتب عليها حقيقة مهمه وهي  الفعل ورد الفعل .

  

  

لغة العرض المسرحي :

تحمل لغة العرض المسرحي في مكوناتها صور ولوحات  جميلة كثيرة  تمتد الى ثمانية مشاهد مهمة جدا  مرتبطة ببعضها من ناحية ومن ناحية اخرى  كل مشهد يشكل ظاهرة خاصه به .... والاجمل ما فيها انها عملت بشكل سريالي وقامت على ازاحة كل ماهو غامض وغير واضح وكشفت لنا ايضا عيوبا كثيرة وكبيرة لايمكن ان تغطى وبالتالي فان هذه اللغة اكدت على تحويل  وتطويع كل اللغات الاخرى  التي ساهمت في تقديم العرض في نصوص على شكل صور بصريه ومشهديه اطربت واسعدت المتفرج والعين ولامست المشاعر واثرت تاثيرا واضحا لما يحدث في واقع الحياة العراقية على مستوى الكوميديا الساخره والسرياليه والخيال والترجيديا والماساة والتغريب والمسرحية  تقوم على تطبيق مفاهيم لمدارس فنية مختلفة  متعددة فمن بريشت وتغريبه الى سلفادور دالي وسرياليته بممثلين يحملون الماساة بعينها واحداث  لاتخلو من الحوارات  التي تعبر عن ابعاد مختلفة جسميه ونفسيه وسلوكية لمجتمع في دوره للتحطيم ....

صور لحرب مازالت قائمة   فيها قراة متوازنه افادة العرض المسرحي وجعلته يتميز عن اعمال كثيرة قدمت في هذا الموضوع . كانت مسؤولية المخرج في رسم الطريقة الاخراجية واضحة جدا خاصة في اعتماده على القراة العميقة للواقع العراقي لانه قدم مشاهد خاصة عبر هذه القراة اي بمعنى ان المشهد يبنى امام اعين المتفرجين  منذ الوهلة الاولى بكل مكونات العرض المسرحي ثم يقوم تدريجيا بتفكيك هذا المشهد محاولا ان يزج المتفرج وسط هذا البناء والتهديم من اجل انتزاع صرخة او ضحكة او تعليق  او همسه من المتفرجين على هذا المشهد...

 اشباح عراقية تكشف لنا الحال العراقيه وهي بحالة ( سريالية الواقع ) حتى  يصل الحال بان يتكيف المواطن العراقي على وضع سخيف ماساوي لم يألف عليه سابقا .. عناوين عريضة وكبيرة قدمها العرض المسرحي هذا عبر اشتباك مع المنظور والواضح من وجهات نظر ترى ما يحدث في الواقع من ماهو غير مالوفا اصبح مألوفا  من جهل وأميه وقتل وسلب  وتطهير ثقافي وعرقي الى اخره من سلبيات في المجتمع العراقي .

عبر هذه المشاهد  والصور قدمت لنا  دراما ملحميه فنية بين المألوف واللامألوف ( بريشتيه ) فيها نسيج متنوع من الوان سريالية وخيال (لدالي ) صراعات متعددة مختلفه حصلت في الواقع العراقي بافرازاته المختلفه ,مشاهد تعبر عن نفسها تشتبك فيما بينها تاخذ بنا الى احداث سريعة تتطور ثم تتأزم من دون ان يكون هناك حلا  لهذه الصراعات ..تبنى  المشاهد بطريقة واضحة امام عين المتفرج مع الاحتفاظ  بعناصر التشويق القائمة على مدار العرض لمدة ساعة ونصف هناك ازمة احداث سريعة دراميه دامية .انها بحق دراما ثورية..ترسم خيوط عديدة في ذهن المتفرج عبر احداث تتعلق بمفردات : الدمار الاحتلال .. الانفجارات  اليوميه ..انهيار الانسان ..دخول الغرباء ..القتل ..الفقر .. هذه المفردات سعى الى تقديمها المخرج من اجل تحريك ذهنية المتفرج بطريقة ذكيه لكي يحصل على حالة من الاصطفاف الانساني ضد سياسة الدكتاتورية السابقة التي جلبت الاحتلال والغرباء الى العراق ..

جميع المشاهد واللوحات الفنيه خلت من حالة الفتور او الركود الفني في عملية بنائها وكانت تسير بشكل فني او درامي وكذلك بنيت بشكل سليم ومشوق متساوقة مع الاحداث الكثيرة وقد خلقت تصورات كثيرة للمشاهد وهنا تاتي المهارة الفنية والدرامية للمخرج مخلد راسم الجميلي الذي عمل بطريقة رسم فيها الازمات وأدخل عليها الاطراف المشتركة عبر كل عناصر العرض المسرحي ,معتمدا على ايقاع متماسك للعرض ومتوازن ليس متسارع وليس بطيء وبدى وكانه منسجما تماما مع الجو العام للاحداث .

ارواح عراقيه من الاعمال المهمه والجديرة بالمشاهدة لكونها تجسد حقيقة اخلاقية واجتماعية وهي ايضا تجسيد للفكر الانساني وادانة للحرب وللدكتاتورية  اراد بها المخرج ان يوصل رسالته عبر منظومة افكار مختلفه تعبر عن نسيج الواقع العراقي في طبيعته والحياة اليومية هذا من جهة ومن جهة اخرى ايضا حاول المخرج و في خط كوميدي ساخر ان يقول ان هناك حقيقة كبيرة مفادها ان هذه الكوميديا لاتثير فينا الضحك بقدر ما ما تثير فينا الالم والاسى والتامل لان حجم الماساة كبيرلذلك احيانا نتحرك بمشاعر عاطفيه ونتضرع الى الله لان تنتهي هذه الحالة الماساوية من خلال خطاب تقدمه المرأة بتوسلها وتضرعها ودعائها من اجل وقف الحرب والبحث عن الامان والاستقرار في لوحات امتزجت بالتراجيكوميديا مزيج من الفنين الجميلين.

لقد سعدت كثير وفرحت وانا اتابع مشاهدة بناء المشاهد الرائعة الواحد تلو الاخر  واشبه  هذه العمليه وكانها عبارة عن  ( خرز المسبحة )  ملتصقة ببعضها وتعتمد على ايقاعات خاصه اثناء تحريكها ..

لقد رايت مخرجا مثقفا واعيا يقدم لنا ارواحا عراقية حقيقية خرجت من توابيتها فمنذ انطلاقة اللحظات الاولى في المشهد الاول يعلن لنا بداية الثورة على الواقع السخيف  المتردي..وهي كما يقال ضربة معلم البداية كانت تشبه النهاية  في تصوير سقوط الصنم  العسكري الدكتاتوري ..

شاهدت  العرض المسرحي اشبه بنص شعري يقرء من البداية الى النهاية   ويقرء ايضا من النهاية الى اول النص صعودا من الاسفل الى الاعلى ..لانه يعتمد على حبكة قوية متماسكه تروي لنا  حكايات (مشاهد ) ترى فيها بداية ووسط ونهاية( ارسطويه ) ومشاهد فيها (الصراع مفتوح)يترك التحليل للمتفرج  في تلك المشاهد ...

 لوحات راقصه  ونص بصري ومشاهد  قدمتها مجموعة من الممثلين الكبار في ادائهم وفنهم النبيل  الذي لايخلو من الارتجال في بعض الاحيان ضمن نسق مموسق وجميل خاضع لقوانين العرض المسرحي.... و لان التمثيل و الاداء المسرحي مهم جدا للممثل هنا اقول ما قاله  العبقري ستانسلافسكي عن الممثل في فن التمثيل : على الممثل ان لايمثل ....

وهنا اقصد ليس كل من صعد على خشبة المسرح يعتبر ممثل انما الموهبة والثقافة والتمارين وحركة الجسد ( اللينه وليست المتخشبه  ) مع كل ادوات التمثيل الاخرى التي يعمل عليها المممثل .( لست انا بصددها الان )  كانت اجساد الممثلين  غاية في الطراوة والليونة تتلوى امام عيون المتفرج ساعة ونصف من دون كلل او تعب . حوارتهم في اللغات الاربعة  واضحة وجميله وليس فيه تلكا  ومفهومه  جدا كان الاسترخاء واضحا والعفويه اكثر وضوحا ..

نكهة التمثيل :

الجميع قدم نكهة خاصة في فن التمثيل ...لانهم اضافوا على الادوار التي لعبوها شيئا يستحق التوقف عنده ..

كان هناك فريقا رائعا : فمثلا  الفنان  الرائع (دريد عباس ) له مكانة فنية متقدمة في العمل على خشبة المسرح في العراق وفي هولندا  وايضا امام عين  كاميرة السينما حيث عمل مع  العديد من المخرجين الاجانب في الاردن وفي هولندا...جاء اليوم بفلمه  الذي عمل فيه في الاردن  (معركة حديثة  ليساهم في المهرجان  الذي قدم فيلمه الاول فيه لكونه لاجئا في احدى دول الغرب  وهو اخر مشهد من العرض المسرحي )  وهو ممثل جيد يستخدم جسده بشكل رائع يجعل منه  دوما  يكتشف ما هو مجهول من خلال الطبيعة الانسانية التي يتمتع بها فهو ينمي حركته بشكل تدريجي من اجل خوف الجسد او ازالة اي خطر  في نفس الوقت من خلال الثقة التي يتمتع بها والتي تاتي من خلال الحضور في تجربة التمارين لانجاز الفعل الحقيقي في العمل وعلى خشبة المسرح ...  بالاضافة الى الفنان ( احمد خالد  الذي حضر للمهرجان  ايضا بصفة مصور  عن فيلم  - احلام -  الذي ساهم في تصويره مع المخرج العراقي  محمد الدراجي ) الذي عبر عن منظومة جسده وحواسه بتناسق وبناء فني حيث شكل الجسد ومرونته وبالتالي استطاع ان يقدم نتائج ايجابيه مع ماقدمه من عرض في المشاهد المتعدده وخاصة مشهد التطهير في الماء..او الحمام .   وكذلك الفنان  (مخلد راسم الذي جاء بفيلم خاص عن سقوط الصنم  ولتعليقات سلفادور دالي  عن الدكتاتوريات  ) وهو ايضا يتمتع بقدرات  فنيه كممثل و في الاداء المسرحي  يشكل في جسده ايضا عبارة عن تيارات من الاندفاعات المتدفقه بشكل جيد وكان متالق كممثل  حينما بلغ  حالات من الصدق ..

اما العنصر النسوي المتمثل  في كل من ساره عيسى وجولي سيلفر - من المانيا -  اللتان قدمتا  اداءا مقنعا  افاض علىينا جوا من السعادة والحزن في نفس الوقت .. فكان هناك التقمص والخيال  لشخصية المرأة العراقية بشكل  لائق  واظهار الجوانب النفسية والشخصية  للجانب الحياتي والاجتماعي والضغوطات النفسية التي تقع على عاتق المرأة العراقية في الظروف الصعبة من الحرب ... وقد لبسن الدور في اجمل حالته الانسانية وليس فقط تقليد التصرفات  الخارجية للمرأة العراقية .وقد قدمن ردود افعال متاثره بسلبيات  الحرب ونتائجها الكارثيه......

 كلهم كانوا يتنافسون على تقديم الافضل في ادوارهم عبر التعايش اليومي مع النص المسرحي بكامل  مشاهده وشخصياته والذي جعلهم يتزودون بثقافة كبيرة ومتطوره في فن التمثيل والحركة والاداء والى اخره من اجزاء فن اللعب وكل مايتعلق في الحركة والصوت والحوار الذي جاء متناسقا مع الجوانب النفسيه والاجتماعية لمختلف الحالات التي قدمت في العرض المسرحي وكما هو معلوم في الاداء المسرحي لابد من وجود امكانات للممثل  في التخيل والتقليد والاستماع والتحكم في الفهم الداخلي والخارجي لكل حركة  تقدم امام المتفرج وتعبير يقوم فيها الممثل وبالتالي استطاع جميع الممثلين ان يرسلوا شفراتهم ورسائلهم المؤثرة الى  الجمهور بشكل واضح وفني وممتع . كما حدث  في احدى  المشاهد الصعبة جدا والتي  ارتدى فيها الجميع اقنعة حيوانات  متعددة مختلفه تمارس دورا بشريا .. وجدت هناك رمزية معينه وقصدية بالغة في فلسفة المخرج الدرامية للعمل  ... كانت مسؤولية كبيرة امام المخرج في اختيار هذه المجموعة الفنية من الممثلين  لتقديم الاداء الدقيق والافضل ...

البناء الفني :

ارواح عراقية.... تحمل مشاعر داكنة وغير واضحة الالوان .... وهي ايضا تحاول في نفس الوقت  ان تساهم  في التحليل النفسي والاجتماعي لبنية المجتمع العراقي : للرجل -- المراة-- المتعلم -- الجاهل الأمي -- المثقف-- الى اخره ..وكذلك  تقوم على تحليل للبناء  الدرامي القائم على الاحداث وعلى نهايات كل المشاهد التي تترك فيها التفسيرات والاجابات على جميع التساؤلات التي طرحت اثناء زمن العرض المسرحي ..لقد التمع العرض وتألق في شد المتفرج اليه وهو يتابع  بجدية ملحوظة حتى بات يتوقع في اي لحظة  انه سيحدث شئ جديد فكان عنصر المفاجاة  واضحا في العمل والممثلون كانوا يحملون رسائلهم ويقولون  --- نحن -هنا -الان --- فكانت تلك الارواح تلتصق مع المتفرجين وترضيهم فيما يقدمون وهم في حالة من الالتفاف والتضامن .

المسرحية في شكلها الفني وبنائها الدرامي كانت في غاية التشويق والابهار ...

 الموسيقى شكلت ديكورا سمعيا  ذا طابع مؤثر وعميق وهي تبحر وتغوص بانغامها وايقاعاتها ضمن ضمير المخرج وضمن ايقاعات الحركة المتباينة في الصعود والهبوط للاعلى والى الاسفل  للممثلين جميعا ..الموسيقى والايقاعات كانت تشكل مواقف حقيقية  وتعبر عن الصراعات القائمة على خشبة المسرح فهي تتحرك مع بداية المشهد وتنتهي معه ..واعطت ايضا للعرض طابع درامي استعراضي  وعبرت عن قيمة الحوار المحكي مع كل التقنيات الاخرى للعرض لكونها اعتمدت على المشاهد ومحتوياتها وشكلت  حبكة مشوقه..و بينما كانت الاحداث تجري, تنقطع الموسيقى قليلا ليتغير الطابع الزماني والمكاني للكوميديا لانها تجعل من المتفرج ان يهرب من هذا الواقع الماساوي الى عالم رحيب اخر هادئ عالم الحلم الذي عمل عليه المخرج في العرض المسرحي .

 كان الجانب المشهدي  والجانب الدرامي تؤامان للموسيقى والايقاعات التي جاءت متناسقة مع الحركات والرقصات التي قدمت في بعض المشاهد . لذلك كان هناك ربط عضوي بين كل مكونات العمل (الموسيقى وحركات او رقصات الكوريغرافيا ) واللتين اخذتا طابعا  وبعدا دراميا له علاقة مترابطة بالاحداث التي قدمت  على طول فترة العرض ..شكلت الموسيقى عنصرا مهما اعطت للعرض ايقاعا خاصا واضافت اليه وظيفة جمالية وايضا لعبت دورا  مهما في تشكيل المعنى للعرض المسرحي .

لابد لنا من وقفة خاصة لبعض مشاهد العرض المثيره :

مشهد رقم واحد :

خمس صناديق واقفة في منتصف المسرح ... انفجارات .. قنابل  .. ليل داكن..اصوات ...ثم صمت مطبق .. تتساقط الصناديق ( التوابيت ) ثم تخرج رواح عراقيه منها .....اشباح عراقية ترتدي اقنعة حيوانات : ديك,, بوم ,, زرافه ,, دب ,,قرد ...... الديك يقلد جميع الاصوات الا صوته ...فقد صوته اولا حاول  لكنه نسى صوته  جرب الاصوات كلها .. عاد ليتذكر صوته.. انه في غاية من السعادة . وبعد ان تخلع الحيوانات اقنعتها تتنافس على خلق ضوضاء مختلفة عبر حالات من الرقص العبثي المختلف واللطم على كافة انحاء الجسد وفي كل الاتجاهات ....رقص غير متساوي.. حركات غريبه  بمعنى فوضى الرقص هي تعبير عن حالات الفوضى السائدة في العراق ..الديك رمز للمجتمع الذكوري الذي لايقبل  الاخر في بقعة واحده هي مشاعة للجميع شخصيات غير قادره على تطوير نفسها وتنتقل الى مواقع متقدمه في الحياة اليومية او للواقع  شخصيات طافية على مياه راكده يزينها الصراخ فقط .

لقد كان الفعل والحدث شاقوليا  يمتد على طول فترة العرض المسرحي  واضحا وكل الشخصيات تتمحور عليه وبشكل مكثف  مع طبيعة الاحداث .. في هذا المشهد يقدم لنا  المخرج مسرحا  متنوعا  يتنقل بين سريالية الصراع وتغريب الاحداث ..

مشهد رقم اثنين :

صمت .. فوضى ..اشتباكات .. اختلافات على نوع موت المواطن ..كيف يموت المواطن على الجنسية ام على شهادة الجنسية ... ام  من القهر لما يحدث ...  ام من الفقر و الجوع مع سبق الاصرار على سرقة البطاقة التموينية .. في اي نوع من السلاح يتم القتل   بالسكين ام المسدس ام بالانفجار  عبوة لاصقة ام ناسفه... في هذا المشهد يبرز التعبير عن الذات لكل شخصيه وكيف تتعامل مع الاخر ...حينما يحاول الدب العودة الى انسانيته  لايتذكر من هو  لانه لايجيد الكلام يحاول ان يتذكر في عقله يتلمس جسده  يرفع اصابعه  يمين يسار. يطقطق اصابعه. اسنانه .. رقبته ولكن لايستطيع العودة ابدا !!! كان الممثل دريد عباس واضحا ورائعا في تقديم المشهد .. ثم يبدء يرتجف  يحتضر ليموت , وهنا يجيد هذه اللعبة  (لعبة الموت ) لان الموت على العراقيين حالة عامة ومشاعة وبالوان مختلفة ....اذن الانسان في العراق ضمن هذه الظروف  هو عبارة عن احتضار وموت وبكاء هكذا هو تعريف الموت بالعراق .. ازمات عديد معقدة النموذج الانساني مسحوق معطل الحواس  والاصوات تنادي بالخلاص نموذج مستلب في واقع الحياة العراقية وهذا الاعلان او الخطاب هو حالة من التبليغ والاشارة من المخرج الى المتفرج لما يدور وما يحدث عبر مسار الخط الدرامي للمسرحية ..في هذا المشهد ادانة  لكل السلوكيات ولغاتها المختلفه المتخلفه عبر دلالات المكان والزمان  .

مشهد رقم ثلاثة :

يضرب التاريخ ..تسقط الحضارة ..تسخف الانسانية ينتشر الجهل بعموم البلاد .. يختفي مصطلح الثقافة  وهنا اقصد ( الرقي بالانسان والتطور نحو عالم  سعيد وجميل وافضل ) حتى المزاح بين الشخصيات يتم عبر الصواريخ الورقيه !!!! الالتحام والتصادم بين الشخصيات  حوارات غير مكتمله .. غير واضحه  .. مبهمه ..  الافكار عقيمه غير قابلة للنقاش .. اغلبها ناقصه  لاتوجد مشاعر اتجاه الاخر وان وجدت فهي عدائيه .  العنف سيد المواقف .سيطرة فكرةالموت على الارواح العراقية ..في هذه الافكار يخضع العمل الى تجربة مره عاشها المجتمع العراقي حينما  تكون الاسلحة بيد الجهل والاميه فانها الكارثة بعينها .. في حين يقارن في هذا المشهد الموت مع كونه حاصل تحصيل في بلد اخرفي اوربا الشرقية في ( كروزني ) حين يصور طرق الموت هناك بعدما يحلق  الجميع على بساط الريح الا واحدا منهم يرفض ان يحلق معهم ليرى الموت فينادونه بالجبان !!! حينما يحلق بساط الريح يسجل لنا وهو في الفضاء كيف يموت القمر بالمدافع والرصاص وكيف تتحرك الدبابات الامريكية وطائرات الاباتشي عبر شاشة كبيرة يتم عرض فيلم كارتوني عليها يسجل هذه الاحداث وبحق يتميز هذا المشهد بكونه مشهد ديكور صوتي - سمعي  رائع جدا ..

مشهد رقم اربعة :

يحضر الجميع  لتناول وجبة العشاء  ويجلس الجميع على الارض   ليتناولوا طعامهم  ... لكن ما يعكر الجو هو حالة النساء المزريه  ضمن هذه الاجواء المرعبة والقتل والخوف  يتحدثن عن الحرب والدمار وانقطاع الكهرباء  يتحدثن عن ارهاصات الحرب التي افقدت العديد من الشبان والشابات والاطفال والرضع والشيوخ يتحدثن كثيرا وبشكل لا يطاق بالنسبة للرجل  الذي تعود يوميا على مشاهدة هذه الصور الماساوية وبالتالي تتحول هذه الحالة الى نواح يومي وبكاء وصراخ في كل ثواني الساعات اليوميةمما يتثير اشمزاز الرجال الذين تالفوا مع الموت وعرفه عن قرب . يتحدثن من دون توقف ...  كان صوت المراة كصوت القنابل والرصاص وايضا كصوت النحلة في راس الرجال  تارة.. وهن يستغفرن الله بوقف الحروب والموت تارة اخرى .. في هذا المشهد المتصاعد دراميا مع استخدام الموسيقى  بشكل رائع ينفد صبر الممثلين  الرجال  من هذا الطنين وبالتالي تنقلب وليمة العشاء على  الارض  وكان صاروخا قد نزل على  وليمة العشاء هذه ...ولابد من ملاحظه بسيطه  (كان بامكان المخرج وعلى هذه المستوى الرائع من الاداء للممثلين جميعا ان يتصرف بعقلية الرجل الشرقي الذي يتعامل مع المرأة بشكل اخر حينما يفقد اعصابه ولا يجامل المتفرج ..كأن يفاجئ المتفرج بحركة من قبل الممثل دريد عباس  لزوجته التي كانت تولول كثيرا وتصرخ في اذن زوجها بان يملئ فمها بقطعة من البطيخ ليسكتها وبطريقة همجية )  والحقيقة كان هذا يدخل في باب التوقع والترقب لما سيحدث ....اقول هذا لانه اي المخرج لم يترك شيئا  لم يتناوله من سلبيات في الواقع والحياة ...

مشهد رقم خمسة :

مشكلة انقطاع التيار الكهربائي تشكل مشكلة كبيرة  فعدد الناس المرضى كثير جدا ويتاثرون في غياب الكهرباء سلبا .وارتفاع درجات الحراة  وسوء الاحوال المناخيه .احمد شخص مصاب بامراض متعددة ومنها مرض ( الربو ) ولعدم وجود الادويه الكافيه( بسبب الوضع الصحي المزري)  وانقطاع الكهرباء بشكل مستمر يصاب  (بالاختناق  ) ويقترب من الموت لانه مصاب في هذا المرض --- وهنا يجسد هذا الفنان المبدع  حالة حقيقية لشخص مصاب ( بالربو ) وفي اجواء عراقية -- متربه خالية من الامطار والحر الشديد انه الهلاك بعينه ---  المريض الرمز  يعيش حالة الهلاك الحقيقية  هذه,, وهو يقترب من الموت تتم له عملية غسل وتطهير بالماء قبل موته ..كان خائفا . مشوشا .يتحدث عن الاسرار.. بين الانسان ونفسه بين الحلم ونفسه  ,,بينه وبين امه, وبين الشارع والاخ والصديق ...هذيانات متعدده قبل الموت ...قرآن ..ايات ..متاريس ..اسرار بين الانسان والرب ..اسرار المقابر . القتله ..الضحايا ...السحر ..الشعوذة ... يتحدث بكل هذه المفردات الحاصلة  في فلسفة الحياة  اليوميه وهو جالس في حوض من الماء(الطشت) (يشطفونه بالماء ليغتسل  من الادران وليطهروليقابل ربه نظيفا ) وعلى طول هذا المشهد الماء يصب عليه بشكل حقيقي  كان باردا حتى طلب اخيرا من زملائه الممثلين ان يعطوه دواء الربو لياخذ ( بخة )  حقيقية لانه فعلا شعر بالضيق في التنفس .او ربما انه فعلا مصاب بحالة الربو ..كان تقديما رائعا لهذا الممثل و مشهدا مؤلما لكونه مشهد كوميديا  ساخرا .يتحدث عن اللحظات الاخيرة للموت  ويقدم لنا  صوره عن الموت باختلاف انواعه ..

  

مشهد سقوط الصنم وسلفادور دالي :

ينتهي العرض المسرحي من حيث بدء .... فالعرض المسرحي بدء بسقوط توابيت وخروج ارواح عراقية منها  .. مع وجود فوضى عارمة ..وكذلك ينتهي المشهد الاخير  بسقوط الصنم لتخرج الجموع وتحطم الصنم ضمن انتفاضة شعبيه كبيره  وهو الفيلم الثالث الذي اشترك فيه المخرج مخلد راسم في المهرجان  وبتعليقات عن الدكتاتوريات يعلق الفنان السريالي سلفادور دالي بادانة كل الدكتاتوريات بالعالم وفتح فضاء الحرية والديمقراطيةولابد من التحولات من اجل انسانيه حقيقيه لاتحكمها الدبابات ولا الدكتاتوريات .

  

وكما هو معلوم ان المخرج المسرحي مخلد راسم حاول ان يقدم خطابه عبروسائله او بوسطة الترجمة الفنية لعمله عبر ومن خلال حركة الممثل تنويعات الاصوات  والديكورات والاضاءة والانارة والسينوغرافيا الى اخره من تفاصيل مما جعلنا ان نلقي الضوء على كل عناصر الحركة  والعرض التي اقيمت  مع المتفرج وبشكل مفهوم وواعي وبالتالي كان هناك فهما واضحا على مستوى المتفرج وهي بحق عملية اتصال ناجحة بين الممثل والمتفرج ,على اعتبار ان المسرح يجسد نوع مهم من التواصل لكونه نصا موجود او حتى على مستوى الحواس على اساس ان المشهد ملموس ومن هنا تاتي قيمة المتعة الفنية ..

  

  مسرحية ارواح عراقية ...

تاليف واخراج  :  مخلد راسم الجميلي

تمثيل  :   دريد عباس .. احمدخالد   ..  مخلد راسم ..  جوليا سيلفر ..و  ساره عيسى   من المانيا .

مونتاج الافلام والموسيقى : حمدان ساري

السينوغرافيا وتصميم الرقصات والازياء :  مخلد راسم

تنفيذ العمل : باسم الطيب ... والبلجيكي فيك

  

اخيرا فان العرض يؤكد على قدرات فنيه جديدة متطوره تهتم في تقديم الواقع العراقي والحياة الانسانية ومواقف اخرى تنبذ الحروب وتنشد الى السلام ..

  
نعمه السوداني

ناقد فني

هولندا

25/04/2010

تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9