أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الثلاثاء، يونيو 21، 2016

المسرح في الصين / سرمد السرمدي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يونيو 21, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


التغير الاجتماعي:
أعدت الصين برنامجا اجتماعيا بهدف التغيير في بدايات القرن الماضي، يرنو الى الاعتراض على كل تدخل خارجي في نمط الحياة الصينية. امتد هذا البرنامج حتى منتصف القرن لخمسين عاما ليتغذى على عاملين رئيسين في التغيير. الأول هو تعديل حق المواطنة، والثاني إرساء الاستقلال القومي في الحفاظ على مسيرة تاريخ الصين، ومع هذا البرنامج تسقط حركة الإصلاح عام 1898م، وتنبثق عام 1912م بإصلاحاتها الجديدة التي وضعت في سُلَّم اولوياتها اصلاح التعليم وتطوير الإدارات. ويعتبر عام 1919م هو عام التحرك الفعلي نحو التغييرات الاجتماعية المنشودة. وفي الرابع من شهر مايو من نفس العام تحديدا تنطلق شرارة الدفع القوية نحو إرساء قواعد الحياة الثقافية، بدءاً من اللغة المعبرة عن روح الاستقلال القومي وانتهاءً ببرنامج ديمقراطي يمس كل المواطنين، وفي غلبةٍ على لغة الحديث قبل اللغة المكتوبة.
وبرز «المسرح» كواحد من اعمدة الثقافة الحديثة، فقدمت مسارح الصين الاوبرات التراثية التي تعبِّر في كل اقليم عن حياته المحلية، واكتظت المسارح في احتفالات اعياد السنة الجديدة بكل الفلاحين والبسطاء. كما قدمت مسارح المدن الكبرى عروضاً اكثر رُقيا لجماهيرها.
وتضمنت نظريات الايديولوجي ليانج تشي تشاو مجموعة نظامية من المفاهيم في موضوعات الحياة والثقافة البشرية لمحتوى تفكير مميز ينم عن اهداف متكاملة تشكل قوام البرنامج السياسي والثقافي والاجتماعي الجديد نظريا. أما تطبيقاً في المسرح فقد حوّل الاغاني والاشكال التراثية الى موضوعات عصرية تقترب من الموضوعات الأوروبية. وبذلك سبق المسرح ثورة اللغة وثورة الأدب معاً.
كان الرابع من مايو 1919م نقطة انطلاق كُتاب الآداب نحو شعار جديد اسموه «شباب يافع» هِسِنْ تشنج نيان Hsin csing nien شبابية في المجلات، وانذار للغة القديمة العالمية. وكان لا بد ان تنبثق حركة الترجمة من آداب اوروبا الغربية، واحيانا باللغة العالمية القديمة. وسادت حركة الترجمة هذه وباللغة الجديدة البسيطة كل اقاليم الصين ومسارحها، وسرعان ما قدّم مؤلفون صينيون درامات محلية باللغة السهلة السائدة.(2)


قفزات تجاه الثقافة المسرحية
حاولت الصين تحقيق ثقافة مسرحية عبر برنامج لتطوير الفرق المسرحية جاء على النحو التالي:
1 ارسال مبعوثين الى الخارج لدراسة فنون الدراما والمسرح. توجهت هذه البعثات الى اليابان واوروبا وامريكا. روّج طلاب المسرح المبتعثون في اليابان لشعار شباب يافع عارضين وبإخراجهم درامات تحمل اللغة الصينية السهلة التي نقلت صورة لتطور الثقافة الصينية «الإعداد لدرامة كوخ العم توم» على مسارح اليابان، والتي تنتهي بانتصار الزنوج.
وبعد انتهاء دراسات المبعوثين نشطت حركة المسرح في شنجهاي وعدة مدن صينية اخرى، وتألفت عدة فرق مسرحية من الهواة تحاول بالتجريب في مسارح عصرية، وقُدمت عروض ارتجالية كشكل من اشكال التجريبي الحديث. وكلها جهود مخلصة ناحية انعاش حركة المسرح الصيني الحديث.
2 النشر الصحفي
انتشر محبو جماعة شباب يافع في معظم وسائل الإعلام المقروءة. لنشر الدراسات المسرحية، ومقالات قيِّمة تهدف الى نشر رسالة المسرح الحديث، واقتراحات الاصلاح العاجلة، وقدّم هوشي Hu sa احد دارسي المسرح في امريكا منهجا لغويا للغة المسرحية، وآخر للغة الكلام والحديث المنتشر بين العامة، ومسرحية نموذجية للغة العامة تحتضن الدرامية الصينية المأمولة والمرتقبة في عالم المسرح الجديد.
كما قدّم كيو موجيو Kuo Mo zso الدرامة الشعرية الأولى التي تجمع بين اللغتين الأدبية والعامة.
3 الهواة والأدب الدرامي الكلاسيكي
اشتغلت فرق الهواة وأغلب أفرادها من المثقفين على إحياء الآداب الدرامية الغربية، وهو ما اتاح المجال لزيادة حجم الدرامات العالمية على خشبة المسارح الصينية «تقديم أعمال هزيك إبسن، جورج برناردشو، موريس ما ترلنك، وهي درامات نرويجية وانجليزية وبلجيكية» قام بها طلاب الجامعات في شنجهاي وبكين.
4 في عام 1925م يتكون اول مسرح يعمل في استمرارية في مدينة شنجهاي، اول مسارح الجنوب الذي اخذ على عاتقه ايضا تخريج دفعات تحفظ علمية المسرح من ممثلين ومخرجين ودراماتورج.
كما تعهد كاتب القصة ماأو تون MAO TUN جماعة باسم دراما الجماهير اصدرت مجلة باسم «الدراما» هي تشي HSI CSU عملت على نشر النص الدرامي الاصلي بلغته الاجنبية اضافة الى نفس النص مترجماً الى الصينية.
5 تتعمق جهود المبعوثين الى الخارج عندما يتولى هانج سن HUNG SEN «1894 1958م» المخرج العائد من جامعة هارفارد الامريكية وأحد خريجي استوديو الامريكي جورج بيكر تنفيذ فكرة استوديو المسرح الامريكي «المعمل 47»)1( في الصين للتخصص في انتاج التجارب المسرحية. اشتغل المعمل على دائرة ضيقة من جماهير الصفوة وطلاب الجامعات.
وأمام هذه الاتجاهات العديدة في الثقافة المسرحية العصرية وتأثيرات الاوبرا الصينية ظل المسرح مخلصا للاوبرا التقليدية التراثية التي كانت في اوج ازدهارها تقوم برحلات فنية ناجحة في اوروبا وامريكا، وداخل المدن الصينية.
وعندما حدث العدوان الياباني على الصين والذي استمر بين اعوام 1937 1945م كان المسرح وباللغة الصينية العامة لغة حديث الجماهير هو الدعاية الوطنية لنشر الفكرات والمعلومات وفن الترويج لقضاياه واعلان دعاياته واستخدامها اعلاميا وفنيا، الأمر الذي ابلت فيه العروض المسرحية بلاءً حسنا لا يزال محفورا في التاريخ الوطني الكفاحي الصيني حتى اليوم. ونظرا للتوسع الكبير في الدرامات التجريبية والعصرية فقد افتتحت معاهد للفنون المسرحية العصرية تدرس أسس فنون التمثيل الحديثة.
طبيعي ان يؤثر اجتياح اليابان للصين، ووضع يدها على أغنى الأراضي الصينية في الثقافة الواعدة آنذاك. ظلت تشانج كنج العاصمة الصينية اثناء الاحتلال، كما هي نفس العاصمة في الجنوب. وكان من جراء ذلك هرب المثقفين وفرق مسرحية بأكملها الى هونج كونج. وكان ذلك ايذانا بتراجع الثقافة الصينية لبعض الوقت. لكن الاصرار الصيني لم يتأثر كثيرا. اذ يتضح تقدم تقني هائل في المسارح العصرية.. في الأزياء والمناظر وفنون التمثيل رغم كل الأحداث العصيبة، التي مسّت مشاعر الفلاحين فحركتهم الى فدائيين واعلت من الدعاية داخل القرى والنجوع، وخرجت الأوبرات المعروفة باسم يانجكو JANGKO اغانيها ورقصاتها لتكون اكبر دعاية فاضحة للاستعمار الياباني.
المسرح الصيني المعاصر
مسرح واسع عريض يمتد افقيا ورأسيا في كل جنبات البلاد واسعة الارجاء «961،596.9 كيلومتر مربع بتعداد سكان يبلغ «000.220.072.1 نسمة، يتحدثون لغات الماندارين اللغة الصينية الشمالية لغة البلاط والطبقات الرسمية في عهد الامبراطورية، لغة كانتون، لغة شنجهاي، لغة فُوكْيِنْ، لهجة هاكّا HAKKA، لغة التبت، فيجس».
يعمل في العاصمة اليوم بكين 14 مسرحا كلاسيكيا، الى جانب مسارح عصرية تداني المسارح الاوروبية «بعض المسارح العصرية لا يعمل بنظام الاستمرارية». اهم مسارح الصين مسرح الفن الحكومي في بكين. مبنى خاص به، وتفرع عنه عدة فرق مسرحية، تتبعه المدرسة العليا لفنون التمثيل بالعاصمة بكين. يقدم المسرح المؤلفين الدراميين الجدد، وبهذا البرنامج المتنوع يتيح لكل طبقات المجتمع الصيني مشاهدة ما يستهويهم ويتناسب مع ثقافتهم وهواياتهم.
جاءت الخطة الثقافية بعد التحرير «1945م» لتفصح عن اقتناع الحكومة لتطوير المسرح، والحركة الثقافية ككل. وفي تركيز على انتاج المسارح الشعبية. فانتعش مسرح خيال الظل احد المسارح الهامة التي تستهوي جماهير الصين «هناك 30 مسرحا من هذا النوع في بكين وحدها». وهناك اكثر من فرقة مسرحية عاملة في المدرسة العليا للفنون التطبيقية اضف الى ذلك مسارح للعرائس تجوب اقاليم الصين وتعرض عروضها سنويا في اليابان وكويا.
ويربو عدد هذه المسارح على 70 مسرحا في بكين. عام 1953م يُنشأ مسرح العرائيس الحكومي في العاصمة ليجمع كبار لاعبي العرائس ويُعلم الفن العرائسي للشباب والهواة.
كما ازدهر فن الرقص الشعبي وخُصصت اموال كثيرة لتصميم الازياء وتنفيذها، سواء في الرقص التعبيري او الرقص الشعبي الذي يرضي جنسيات آسيوية تعيش على ارض الصين «من كوريين ومنغوليين ومن التبت».
ويبقى المسرح الصيني المعاصر يحمل في العصر الحديث مختلف الانواع الثقافية والوطنية والترفيهية والعصرية في القارة الآسيوية، تستهلكه الملايين لتجد فيه متعة ذات مذاق آسيوي خاص، قلّ ان نعثر عليه في بقية قارات العالم.(4)


الهوامش

1- الفكر الصيني , تأليف ج.ه. كريل, ترجمة عبد الحميد سليم,الهيئة المصرية,1998 ,ص 24 -26
2- جذور الأدب العالمي,المسرح الصيني المعاصر,أ . د . كمال الدين عيد, صحيفة يوميةتصدرهامؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر, الخميس 19 ,جمادى الاولى 1422 , العدد:10542
3- الأرديس نيكول , المسرحية العالمية ,هلا للنشر,2004الجزء الرابع,ص 104-115
4- جذور الأدب العالمي,المسرح الصيني المعاصر,أ . د . كمال الدين عيد.مصدر سابق.

-------------------------------------
المصدر : الحوار المتمدن 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

مهرجان مونودراما الطفل خطوة لبناء جيل مسؤول

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يونيو 21, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية
صورة من مونودراما مسرحية الولادة عرضت في حلب تمثيل الطفل محمد درويش 

مذ شرعنا بتجسيد الفكرة الى افعال وخطط وبرامج ونحن نعي مانقصده من مهرجان مونودراما الطفل الذي سنفتتحه بعد شهر رمضان المبارك برعاية الاعلام المركزي للمقاومة الاسلامية حركة انصار الله الاوفياء في العراق.

فمونودراما الكبار هي بحد ذاتها تحدي كبير لاي ممثل مسرحي فكيف ان كانت مونودراما طفل بالتأكيد هي مجازفة وجرأة وخطوة غير مسبوقة ولهذا كان تصميمنا ان نمضي به لنكون اول من اسس لمثل هكذا مهرجان في العالم كهدف اول ومن ثم تأتي الاهداف الاخرى والتي لخصناها بالتالي:

اولا- اختيارنا للمونودراما يعني اننا نؤسس لمسرح طفل مسؤول لممثل طفل مسؤول يفهم عالمه وقضاياها مبكراً ليتعامل معها ويواجهها مستقبلاً لان انقطاع الطفل عن عالمه وواقعه ورسم واقع خيالي له من الترف والترفيه قد يوقعه فيمابعد بمرحلة المراهقة بالضياع وعدم الرؤية مما ينعكس على شخصيته ودوره في المجتمع لذا فهي محاولة مسرحية لخلق جيل بطريقة نفسية اكثر واقعية سعياص لبناء جيل جديد بالمسرح .

ثانيا- دخول الطفل المهتم بالمسرح  مبكراً للمونودراما بكل ماتحملة المونودراما من فهم واعي للنص واحساس وتقنية صوت وحركة سينتج عنه ولادة جيل مسرحي متطور منذ نعومة اظفاره مما سينعكس مستقبلاً على مسيرة المسرح العراقي لوجود مثل هكذا طاقات مســــــــرحية متطورة .

ثالثا -الابتعاد عن التعقيد والتهويل التقني والاداء المسرحي المصطنع وابقاء العمل المونودرامي للطفل ضمن عالمه ووفق السهل الممتنع بلا تعقيدات وعقد الا ان كانت وفق رؤى اخراجية تبرر ذلك وبالتالي سنحقق عمل مونودراميا للطفل مسؤول لكن ضمن عالمه البسيط.

رابعا- كان المهرجان للفرق المسرحية حصراً وتم تعديل هذه الفقرة ليشمل عدد من المحافظات التي وجدت ادارة المهرجان ان هذه المشاركات تستحق المشاركة.

خامسا- حرصنا ان يكون النص عراقياً لتشجيع الكتاب العراقيين وان يتحدث عن عالم الطفل وبيئته وكيف يرى العالم من حوله .

سادسا- ان لا يتجاوز عمر ممثل العمل المسرحي عن 16  سنة وهو العمل الادراكي لمرحلة الطفولة القريبة من المراهقة.

سابعا- ان يكون زمن العرض لا يتجاوز (  (25 دقيقة ولا يــقل عن (  (15 دقــــــــيقة لضبط ايقاع العـــــــــمل وتجاوز اي ترهل يؤدي فـــــيه زيـــادة الوقت.

ثامنا- حرصنا ان يكون العمل خالياً من الدموية والافكار السوداوية او الالفاظ النابية او الايحاءات الغير منضبطة او المساس بالوطن اوي اي جهة كانت .

تاسعا- جوائز المهرجان موزعة على , ثلاث افضل اعمال , جائزة افضل اخراج , جائزة افضل نص , جائزة افضل سينوغرافيا , جائزة افضل موسيقى , جائزة افضل ممثل, جائزة افضل ممثلة , جائزةجائزة لجنة التحكيم , وسيتم تكريم الجميع بدروع وجوائز تقديرية.

عاشرا – وتخليدا للراحلين حرصنا ان تكون النسخة الاولى من المهرجان تحمل شرف اسم الفنان المخرج الراحل قاسم مشكل وهو احد اهم رواد المسرح في ميسان وقد قدم الكثير في مجال مسرح الاطفال والنشاطات اللاصفية وجاء الوقت كي نكرمه بحمل ــــــشرف اسمه عنواناً للدورة الاولى من المهـــــرجان.

---------------------------------------------
المصدر : عدي المختار - الزمان 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

«التأذيع المسرحي».. مشاهدة المسرح بالأذن

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يونيو 21, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

قد يصاب القارئ بالدهشة عند مطالعته عنوان هذا المقال، إذ كيف نشاهد بآذاننا؟!

لكن الحقيقة أن المشاهدة بالأذن هي أرقى أشكال المشاهدة؛ لأنها تحفز الخيال وتستنهض كوامن التأمل داخل الانسان، وليس أقدر من المواد الدرامية الإذاعية على إشاعة هذه الحالة، ولأن الدراما الإذاعية هي ابنة أصيلة للمسرح، الذي هو أبو الفنون جميعًا، فلا بد من الحديث عن “التأذيع المسرحي” الذي يمثل واحدة من أهم حلقات علاقة المسرح بالإذاعة، فالتأذيع المسرحي هو الممهد لميلاد فن الدراما الإذاعية التي مرت بمراحل كثيرة متعاقبة حتي أصبح لها ملامحها الخاصة وأدواتها الإبداعية المميزة لها، كما أخرجت للحركة الفنية كوادر شديدة التأثير بإسهاماتها وتجاربها في كافة مناحي الفنون.

عندما ألقت الحرب العالمية بظلالها الكئيبة على العالم، وجد الإنسان نفسه محاصرًا بالتناحر ومحوطًا بالخوف والفقد والكآبة، ولأن الترفيه كان وسيظل مهمًا للترويح عن النفس البشرية المثقلة بالهموم، فلقد وجد الناس أنفسهم محرومين من كل وسائله وأغلقت أمامهم أبواب المسارح ودور السينما والملاهي وغيرها من وسائل الترفيه الأخرى، وحتى من لم يغلق بابه منها حيل بين الكثيرين وبين الذهاب إليها، وهي المرحلة التي أطلق عليها “مرحلة الإعتام”.

تم انتشار الإذاعة كواحدة من أخطر وأهم وسائل الاتصال – وقتئذ – وكانت البداية ببث تجريبي عام 1910 تم خلاله نقل حفل غنائي بمدينة نيويورك، ونظرا لقدرة الإذاعة الفائقة علي نقل المعلومة بسرعة كبيرة وسهولة انتشارها والتقاطها، وأيضا قدرتها على تخطي الحدود والعوائق بتكلفة يسيرة، فلقد تم استخدام هذا الوليد السحري كأحد الأسلحة الدعائية في الحرب وتبارى المتناحرون في تطويع الإذاعة لأغراضهم وفي غزو أرض أعدائهم وبث الرسائل التي تخدم خططهم العسكرية حتي شاع وقتها مصطلح “حرب الأثير”.

لقد تم الاهتداء للإذاعة كوسيلة فاعلة للتغلب على “الإعتام” الذي صاحب الحرب؛ وذلك باستخدامها في توصيل وسائل الترفيه إلى المستمعين، بعدما حيل بينهم وبين الذهاب لقاعات العرض المسرحي ولدور السينما ولغيرها من وسائل الترفيه الأخرى.

وإلى جانب ذلك، كان لزامًا أن تستفيد الاذاعة من فن المسرح، وبدأ ذلك بنقل العروض المسرحية عبر الأثير، وفيه كان يتم إذاعة العرض المسرحي كما هو – كما يقدم على الخشبة – من خلال الميكروفون كي تتلقاه أذن المستمع، لكن المشكلة التي واجهت المستمع وحالت دون تفاعله التام مع العرض هي عدم رؤيته للتفاصيل الكاملة للعمل الفني، من ديكور وإضاءة وحركة ممثلين وغير ذلك من بقية عناصر العرض المسرحي، ناهيك عن إصابة المستمع بالحيرة والارتباك مثلا حين يستمع إلى ضحكات جمهور الحاضرين بسبب حركة أو إيماءة قام بها أحد أبطال العرض، وبالطبع المستمع لم ير ذلك ولا يعرف سببا للضحك!! ومن هنا بدأ التفكير في وسيلة تمكن هؤلاء البعيدين عن قاعة العرض من المشاهدة بآذانهم والاندماج في إيقاع العرض المسرحي، ولقد حدث ذلك عبر مرحلتين مهمتين للغاية:

المرحلة الأولى: تم فيها الاستعانة بمذيع/ راوٍ، يقوم بالتعليق على ما يحدث فوق خشبة المسرح ويصف للمستمعين كل عناصر العرض المسرحي، ولقد أسهم هذا الأمر بدرجة كبيرة في تفاعل المستمع مع العرض المسرحي وشعوره بأنه يشاهد ما يحدث من خلال أذنه أو من خلال “الراوي”، لكن في نفس الوقت الذي كان فيه الراوي يقوم بهذا الدور المهم، كان يمثل عقبة كبيرة أمام أولئك الذين يمتلكون خيالا خصبًا يتوق للتحليق وللتأمل ويسعى للمشاركة في العملية الإبداعية التي يستمع إليها، وهذا ما أدى للتفكير في وسيلة أخرى للتغلب على هذه العقبة فكانت المرحلة الثانية..

تعد هذه المرحلة من أنضج مراحل عملية “التأذيع المسرحي” ففيها كان يتم عمل إعداد إذاعي للنص المسرحي بحيث يحتفظ بروحه وبعالمه مع إضافة عناصر الإذاعة المختلفة إليه، وذلك بالطبع لخلق حالة درامية مميزة، فكان الحوار المناسب المكثف، والإيقاع السريع، والموسيقى، والمؤثرات الصوتية التي تساعد في عملية الايهام لبلوغ أعلى مراحل المحاكاة، هذا بالإضافة لتخير ممثلين يمتلكون أصواتًا تلائم الإذاعة، ولقد وجد المستمع نفسه هنا مشاركًا في العملية الإبداعية، وأصبح يشاهد العرض المسرحي بأذنيه بعدما تم صبه في قالب يلائم الوسيط الإذاعي، وكانت هذه المرحلة هي اللبنة الأولى لمولد “فن الدراما الإذاعية” الذي يعد عالما فنيا قائما بذاته من حيث أدواته وعناصره ومقوماته الابداعية والتقنية.

ولقد جذبت الإذاعة الكثيرين فكتبوا لها نصوصا معدة عن أصول مسرحية “تأذيع” وآخرون كتبوا للإذاعة نصوصًا مسرحية تلائمها وتتوافق مع طبيعتها وأدواتها الفنية، ومن أبرز أمثلة هؤلاء، الكاتب الأيرلندي صمويل بيكيت (1906 – 1986)،كاتب العبث الشهير وصاحب الإسهامات الفنية المهمة، والحاصل على جائزة نوبل في الآداب 1969.

لقد كتب بيكيت لإذاعة البرنامج الثالث بالإذاعة البريطانية الـــ B.B.C مجموعة من النصوص منها «الساقطون»، «الجمرات»، «الأغنية القديمة»، «كلمات وأغانٍ»، «مشروع المسرحية الإذاعية».. ومن لا يعرف فإن هذه الأعمال قد كتبت خصيصا للإذاعة، ولن يلحظ أي اختلافات في تكنيك كتابة “بيكيت”، وهذا بالطبع يرجع لطبيعة وروح إبداعه، فحواره مكثف إلى حد التقطير، ولغته محددة وواضحة، وجمله قصيرة، وهو معني بوصف الحالة النفسية لشخوص أعماله، وغيرها الكثير والكثير من الأدوات التي تعين المخرج الإذاعي في مهمة التصدي لإخراج عمل فني مسرحي عبر الإذاعة لبيكيت.

أيضًا، ممن كتبوا نصوصًا مسرحية خصيصًا للإذاعة، الكاتب السويسري فردريش دورينمات (1921- 1990) وأشهر هذه الأعمال «قضية ظل الحمار»، وكتب للإذاعة أيضًا الكاتب النرويجي هنريك إبسن (1828- 1906) والكاتب الأيرلندي برنارد شو (1856 – 1950).

في مصر، خرج من عالم الدراما الإذاعية أساطين العمل الدرامي؛ أمثال: المخرج أحمد كامل مرسي، والمخرج والمؤلف والممثل سيد بدير، والناقد علي الراعي الذي عمل لفترة في الإخراج الاذاعي. كما شهد البرنامج الثاني (إذاعة البرنامج الثقافي الآن) بالإذاعة المصرية مرحلة مهمة للغاية كان فيها قلعة من قلاع الدراما والانتاج المسرحي المؤذع، وعمل به نجوم أمثال: الفنان محمود مرسي الذي ترك ميراثا كبيرا من المسرحيات الإذاعية، والكاتب بهاء طاهر الذي عمل مخرجًا إذاعيا ومؤلفًا في العديد من المحطات الاذاعية في الستينيات من القرن العشرين، وأيضا المترجم والمخرج الشريف خاطر، وما زال “البرنامج الثقافي” محطة مهمة من محطات الإنتاج الدرامي المتخصص والمميز، ويأتي علي رأس ذلك الدراما الإذاعية المسرحية.

لقد ساعد التأذيع المسرحي على تنمية الخيال الذي هو أهم وأثمن من المعرفة، حيث يسهل تكوين قاعدة معرفية من خلال التزود بشتى مقومات التثقيف والنهل من منابع العلوم المختلفة، بينما الخيال هبة إلهية عظيمة علينا أن ننميها ونعظم من شأنها لأننا بالخيال وحده سنتمكن من العبور فوق قبح وحماقة الواقع الأليم الذي نعيشه، والذي يشهد على ضمور منابع الخيال لدى إنسان هذا العصر الذي أصبح مستعبدا من قبل “الصورة” التي أحالته إلى مجرد متلق سلبي لا دخل له بأي إبداع ولا أي خلق، مع أن الإنسان بطبعه قد جبل على المحاكاة والتخيل منذ بداية وجوده علي ظهر الأرض.

---------------------------------------------------
المصدر : عماد مطاوع - المؤسسة الثقافية السويسرية 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

مصطفى الرمضاني يفضح الشفوية في «نقد النقد المسرحي المغربي»

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يونيو 21, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 لعل النقد ضرورة، النقد بأشكاله المختلفة ولو أنه غير مرحب به، ومنه النقد الأدبي. ألم يشر ناقد عربي قديم إلى غضب الشعراء وقد غربل نصوصهم، فصدح أنه «كالمسن يشحذ ولا يقطع».
وضمن جنس النقد صدر للناقد والمسرحي مصطفى الرمضاني كتاب «نقد النقد المسرحي المغربي»، عن منشورات المركز الدولي لدراسة الفرجة، (140 صفحة)، ويشتمل على خمسة فصول. يعرض فصل لمستويات قراءة هذا النقد المسرحي الذي بدأ بمرحلة النقد الصحافي والانطباعي، فالنقد المعتمد على مناهج، خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، منها الاجتماعي الذي يركز على البعد الأيديولوجي، فالنقد العلمي الذي تسنده المعرفة الأكاديمية. وقد ظلت القراءات محايثة للإبداع المسرحي، ولكنها لم تتمكن من البرهنة على أن النقد المسرحي قادر على «ربط الجسور بين الإبداع والمتلقي، وبين الإبداع والمجتمع». ويعود السبب إلى حداثة الجنس المسرحي في المغرب، والسؤال الثقافي.. فالمسرح فن شامل منفتح على حقول معرفية وتعبيرية أدبية، وغير أدبية (بصرية، وسمعية، وحركية). أليس «المسرح فن الفرجة»، أشمل تعريف لأبي الفنون؟ والفرجة تنجم عن العرض المسرحي على الركح. ويرى الناقد أن بعض المسرحيين المغاربة، الذين يجمعون بين كتابة النص والإخراج والنقد، (ويضاف إليها إدارة الفرقة المسرحية بل والتشخيص) هم من استطاعوا مقاربة النص المسرحي مع مراعاة خصوصيته، بينما ركز غيرهم على المضمون فقط. ويضيف الناقد حدثا آخر طور القراءة النقدية للنص المسرحي المغربي، وهو قيام وزارة الشبيبة والرياضة (1957) بمناقشة العروض المسرحية التي تعرض خلال المهرجانات الوطنية لمسرح الهواة، والتي ظلت تتطور من مهرجان إلى آخر، ثم انتقل تقليد المناقشة إلى اللقاءات المسرحية.. فبدأ الانتباه إلى العرض المسرحي، والسينوغرافيا، ولغة الجسد وتأثيث الركح.. وخطت مناهج النقد المسرحي خطوة أخرى عبر انفتاح الجامعة على محيط الإبداع المسرحي، وأصبح المسرح درسا في الجامعة كفن للفرجة.. كما أسهمت بعض المجلات المغربية المتخصصة «المدينة، وخطوة…» في تطوير النقد المسرحي، وإسهامات الباحثين المتخصصين..
وركز فصل تحولات النقد المسرحي المغربي، من الشفوية إلى سلطة النظري، على تزايد الإصدارات والأبحاث والدراسات النقدية، كما تفيد بذلك الإحصائيات البيبلوغرافية. وقد استفاد المسرح المغربي من النقد الإجرائي خلال مسيرة مسرح الهواة أكثر مما استفاد من النقد النظري، ولو أنه في مجمله كان نقدا شفاهيا عفويا. فقد كانت فترة الإقصائيات المحلية والإقليمية والجهوية وإقامة المهرجان الوطني تثير الآراء والانطباعات ما يمثل وسيلة للتدريب على آليات الكتابة. وعلى الرغم من دينامية النقد المسرحي المغربي، فقد سجل الناقد نقصا ملموسا في ما يخص النقد المسرحي الإجرائي (التطبيقي) ورده الرمضاني إلى أسباب منها، اختفاء المهرجان الوطني لمسرح الهواة، اختفاء اللقاءات المسرحية، وغياب الخلف، والعامل السوسيو اقتصادي، (مساهمة التحولات الاجتماعية في تأزيم الوضع عامة وليس المسرح وحده)، والمركزية (حيث تقدم العروض المسرحية «الاحترافية» في الرباط والدار البيضاء فيحرم جمهور باقي البلد من متابعة تعكس تعدد الآراء ووجهات النظر..)، وضعف الثقافة المسرحية (كثير مما يكتب لا علاقة له بالنقد المسرحي)، وضحالة الإبداع…
يقوم الإبداع على التميز والفرادة، ولا يعني ذلك الانطلاق من نقطة الصفر. وهكذا انطلق فصل تداول التناص في النقد المسرحي المغربي من اعتبار التناص مصطلحا مغرقا في القدم، من خلال ما يفيد معناه. وقد لاحق الناقد معنى المصطلح منذ قول عنترة «هل غادر الشعراء…»، فإشارة ابن رشيق «هذا باب متسع لا يقدر أحد من الشعراء أن يدعي السلامة منه». فلا وجود لنص خالص. ومع تطور حركية التجريب الناتجة عن الثورة الصناعية، وظهور نظريات مقاربات النص الأدبي ومنها حوارية باختين، (تعدد الأصوات وتلاقح النصوص وتداخلها)، وكتابات كريستيفا وجينيت.. حتى حديث بارث عن النص الغائب، وموت المؤلف. فلا نص يتمتع بأب شرعي واحد. وهكذا، فبالنسبة للتناص لا وجود لنص مؤسس، وكل نص عرضة لثقوب، ومن ثم نشأة نظرية جمالية التلقي. ويستشهد الناقد بأهمية السياق، التي أثارها صبري حافظ، لتوضيح مفهوم النص الغائب. وهكذا يبقى النص المزاح هو الجذر، والنصوص المزيحة هي الفرع.. ثم يستعرض الباحث أنواع التناص، كما أشار إليها جينيت، المناص أو العتبات، الميتانص (العلاقة التي تربط نصا بآخر من دون ذكره)، النص اللاحق.. ورغم كثرة تداول التناص في النقد الحديث للرواية والشعر، فلم يظهر في المسرح العربي إلا في سبعينيات القرن العشرين. وقد كانت انطلاقة المسرح العربي تناصية (استلهام مارون النقاش «لبخيل» موليير).
ويلاحظ الرمضاني أن نقاد المسرح العرب لم يستعملوا مصطلح التناص صراحة وإن استعملوا ما يوازيه (التقليد، الاستنبات)، وفي النقد المغربي تداول النقاد المصطلح باحتشام في الشعر والسرد دون المسرح. وهكذا اعتمد المسرحي المغربي عبد الله شقرون مصطلح الاقتداء، والناقد المنيعي ظاهرة التناص، من خلال مصطلح التأثر، والحوار، والتفاعل، والاستحضار، والتهجين، والتحويل… واستعمل عبد الرحمان بنزيدان مصطلح الاقتباس، وعبد الكريم برشيد المراجع، أي المرجعيات النظرية والفنية التي اتكأ عليها المسرحيون المغاربة لِمَسْرَحَة التراث كغيره من كتاب المسرح المغربي (الطيب الصديقي، أحمد الطيب العلج)..
وفي ثنايا الكتاب يقدم الكاتب نقدا لظواهر سلبية تسكن جسد الممارسة النقدية في المسرح المغربي، ومنها أن جل الذين «يكتبون عن المسرح لم يمارسوا المسرح عمليا»، وعدم قيام الإعلام المرئي كوسيط بين الجمهور والإبداع بدوره، فهو يختار «الوقت الميت: يكون العرض آخر الليل، لتضيع على المشاهد فرصة المشاهدة»، وتهافت كثير من المسرحيين على الإنتاج المتسرع للربح السريع «فصار مسرحنا حين يعرض في بعض التظاهرات العربية عرضة للنقد والسخرية:[...] مغادرة الجمهور لقاعة العرض أثناء مشاهدة بعض العروض المغربية التي أوفدتها الوزارة الوصية لتمثيل المغرب، في بغداد وقرطاج وفي مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة. ومرد ذلك إلى المحسوبية في اختيار العروض… «كما انتقد الناقد الكتابات الصحافية «الشاذة» و»الأفاكة» التي تعكس جزءا من الوضعية التي ساهمت في ترسيخها «الصحف التي تقوم بالدعاية لبعض المبدعين المسرحيين الموالين لها، وجندت ثلة من مراسليها وصحافييها للدعاية والترويج لإبداعاتهم». ويقدم مثالا ينضح بؤسا لندوة من المهرجان الدولي الخامس للمسرح الجامعي في كلية الآداب في نمسيك في الدار البيضاء (1992). «فالندوة لم تقدم أصلا، وكتب بعض الصحافيين تغطيات حولها يتحدثون عما نوقش فيها وعُرض خلالها…».
لعل الفراغ يبرر التأليف، ولعل التأليف يخلق التراكم، ولعل التراكم يعرض نفسه للمساءلة أو التأريخ، وذلك جزء مما سعى إليه مؤلف الكتاب. لعل التراكم يبرر التأليف، ولعل التأليف يغربل التراكم، فهل كل غربلة تضمن التنخيل؟

--------------------------------------------
المصدر : عبد العزيز جدير - القدس العربي 

تابع القراءة→

0 التعليقات:

مصطفى الرمضاني يفضح الشفوية في «نقد النقد المسرحي المغربي»

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يونيو 21, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 لعل النقد ضرورة، النقد بأشكاله المختلفة ولو أنه غير مرحب به، ومنه النقد الأدبي. ألم يشر ناقد عربي قديم إلى غضب الشعراء وقد غربل نصوصهم، فصدح أنه «كالمسن يشحذ ولا يقطع».
وضمن جنس النقد صدر للناقد والمسرحي مصطفى الرمضاني كتاب «نقد النقد المسرحي المغربي»، عن منشورات المركز الدولي لدراسة الفرجة، (140 صفحة)، ويشتمل على خمسة فصول. يعرض فصل لمستويات قراءة هذا النقد المسرحي الذي بدأ بمرحلة النقد الصحافي والانطباعي، فالنقد المعتمد على مناهج، خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، منها الاجتماعي الذي يركز على البعد الأيديولوجي، فالنقد العلمي الذي تسنده المعرفة الأكاديمية. وقد ظلت القراءات محايثة للإبداع المسرحي، ولكنها لم تتمكن من البرهنة على أن النقد المسرحي قادر على «ربط الجسور بين الإبداع والمتلقي، وبين الإبداع والمجتمع». ويعود السبب إلى حداثة الجنس المسرحي في المغرب، والسؤال الثقافي.. فالمسرح فن شامل منفتح على حقول معرفية وتعبيرية أدبية، وغير أدبية (بصرية، وسمعية، وحركية). أليس «المسرح فن الفرجة»، أشمل تعريف لأبي الفنون؟ والفرجة تنجم عن العرض المسرحي على الركح. ويرى الناقد أن بعض المسرحيين المغاربة، الذين يجمعون بين كتابة النص والإخراج والنقد، (ويضاف إليها إدارة الفرقة المسرحية بل والتشخيص) هم من استطاعوا مقاربة النص المسرحي مع مراعاة خصوصيته، بينما ركز غيرهم على المضمون فقط. ويضيف الناقد حدثا آخر طور القراءة النقدية للنص المسرحي المغربي، وهو قيام وزارة الشبيبة والرياضة (1957) بمناقشة العروض المسرحية التي تعرض خلال المهرجانات الوطنية لمسرح الهواة، والتي ظلت تتطور من مهرجان إلى آخر، ثم انتقل تقليد المناقشة إلى اللقاءات المسرحية.. فبدأ الانتباه إلى العرض المسرحي، والسينوغرافيا، ولغة الجسد وتأثيث الركح.. وخطت مناهج النقد المسرحي خطوة أخرى عبر انفتاح الجامعة على محيط الإبداع المسرحي، وأصبح المسرح درسا في الجامعة كفن للفرجة.. كما أسهمت بعض المجلات المغربية المتخصصة «المدينة، وخطوة…» في تطوير النقد المسرحي، وإسهامات الباحثين المتخصصين..
وركز فصل تحولات النقد المسرحي المغربي، من الشفوية إلى سلطة النظري، على تزايد الإصدارات والأبحاث والدراسات النقدية، كما تفيد بذلك الإحصائيات البيبلوغرافية. وقد استفاد المسرح المغربي من النقد الإجرائي خلال مسيرة مسرح الهواة أكثر مما استفاد من النقد النظري، ولو أنه في مجمله كان نقدا شفاهيا عفويا. فقد كانت فترة الإقصائيات المحلية والإقليمية والجهوية وإقامة المهرجان الوطني تثير الآراء والانطباعات ما يمثل وسيلة للتدريب على آليات الكتابة. وعلى الرغم من دينامية النقد المسرحي المغربي، فقد سجل الناقد نقصا ملموسا في ما يخص النقد المسرحي الإجرائي (التطبيقي) ورده الرمضاني إلى أسباب منها، اختفاء المهرجان الوطني لمسرح الهواة، اختفاء اللقاءات المسرحية، وغياب الخلف، والعامل السوسيو اقتصادي، (مساهمة التحولات الاجتماعية في تأزيم الوضع عامة وليس المسرح وحده)، والمركزية (حيث تقدم العروض المسرحية «الاحترافية» في الرباط والدار البيضاء فيحرم جمهور باقي البلد من متابعة تعكس تعدد الآراء ووجهات النظر..)، وضعف الثقافة المسرحية (كثير مما يكتب لا علاقة له بالنقد المسرحي)، وضحالة الإبداع…
يقوم الإبداع على التميز والفرادة، ولا يعني ذلك الانطلاق من نقطة الصفر. وهكذا انطلق فصل تداول التناص في النقد المسرحي المغربي من اعتبار التناص مصطلحا مغرقا في القدم، من خلال ما يفيد معناه. وقد لاحق الناقد معنى المصطلح منذ قول عنترة «هل غادر الشعراء…»، فإشارة ابن رشيق «هذا باب متسع لا يقدر أحد من الشعراء أن يدعي السلامة منه». فلا وجود لنص خالص. ومع تطور حركية التجريب الناتجة عن الثورة الصناعية، وظهور نظريات مقاربات النص الأدبي ومنها حوارية باختين، (تعدد الأصوات وتلاقح النصوص وتداخلها)، وكتابات كريستيفا وجينيت.. حتى حديث بارث عن النص الغائب، وموت المؤلف. فلا نص يتمتع بأب شرعي واحد. وهكذا، فبالنسبة للتناص لا وجود لنص مؤسس، وكل نص عرضة لثقوب، ومن ثم نشأة نظرية جمالية التلقي. ويستشهد الناقد بأهمية السياق، التي أثارها صبري حافظ، لتوضيح مفهوم النص الغائب. وهكذا يبقى النص المزاح هو الجذر، والنصوص المزيحة هي الفرع.. ثم يستعرض الباحث أنواع التناص، كما أشار إليها جينيت، المناص أو العتبات، الميتانص (العلاقة التي تربط نصا بآخر من دون ذكره)، النص اللاحق.. ورغم كثرة تداول التناص في النقد الحديث للرواية والشعر، فلم يظهر في المسرح العربي إلا في سبعينيات القرن العشرين. وقد كانت انطلاقة المسرح العربي تناصية (استلهام مارون النقاش «لبخيل» موليير).
ويلاحظ الرمضاني أن نقاد المسرح العرب لم يستعملوا مصطلح التناص صراحة وإن استعملوا ما يوازيه (التقليد، الاستنبات)، وفي النقد المغربي تداول النقاد المصطلح باحتشام في الشعر والسرد دون المسرح. وهكذا اعتمد المسرحي المغربي عبد الله شقرون مصطلح الاقتداء، والناقد المنيعي ظاهرة التناص، من خلال مصطلح التأثر، والحوار، والتفاعل، والاستحضار، والتهجين، والتحويل… واستعمل عبد الرحمان بنزيدان مصطلح الاقتباس، وعبد الكريم برشيد المراجع، أي المرجعيات النظرية والفنية التي اتكأ عليها المسرحيون المغاربة لِمَسْرَحَة التراث كغيره من كتاب المسرح المغربي (الطيب الصديقي، أحمد الطيب العلج)..
وفي ثنايا الكتاب يقدم الكاتب نقدا لظواهر سلبية تسكن جسد الممارسة النقدية في المسرح المغربي، ومنها أن جل الذين «يكتبون عن المسرح لم يمارسوا المسرح عمليا»، وعدم قيام الإعلام المرئي كوسيط بين الجمهور والإبداع بدوره، فهو يختار «الوقت الميت: يكون العرض آخر الليل، لتضيع على المشاهد فرصة المشاهدة»، وتهافت كثير من المسرحيين على الإنتاج المتسرع للربح السريع «فصار مسرحنا حين يعرض في بعض التظاهرات العربية عرضة للنقد والسخرية:[...] مغادرة الجمهور لقاعة العرض أثناء مشاهدة بعض العروض المغربية التي أوفدتها الوزارة الوصية لتمثيل المغرب، في بغداد وقرطاج وفي مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة. ومرد ذلك إلى المحسوبية في اختيار العروض… «كما انتقد الناقد الكتابات الصحافية «الشاذة» و»الأفاكة» التي تعكس جزءا من الوضعية التي ساهمت في ترسيخها «الصحف التي تقوم بالدعاية لبعض المبدعين المسرحيين الموالين لها، وجندت ثلة من مراسليها وصحافييها للدعاية والترويج لإبداعاتهم». ويقدم مثالا ينضح بؤسا لندوة من المهرجان الدولي الخامس للمسرح الجامعي في كلية الآداب في نمسيك في الدار البيضاء (1992). «فالندوة لم تقدم أصلا، وكتب بعض الصحافيين تغطيات حولها يتحدثون عما نوقش فيها وعُرض خلالها…».
لعل الفراغ يبرر التأليف، ولعل التأليف يخلق التراكم، ولعل التراكم يعرض نفسه للمساءلة أو التأريخ، وذلك جزء مما سعى إليه مؤلف الكتاب. لعل التراكم يبرر التأليف، ولعل التأليف يغربل التراكم، فهل كل غربلة تضمن التنخيل؟

--------------------------------------------
المصدر : عبد العزيز جدير - القدس العربي 

تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9