أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الجمعة، أغسطس 03، 2012

الكوميديا وشروطها التاريخية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أغسطس 03, 2012  | لا يوجد تعليقات


الكوميديا وشروطها التاريخية

التبس وللأسف معنى الكوميديا بمعنى التسلية، واختلطت المفاهيم اختلاطاً شوّه ما ترنو إليه الكوميديا كعنصر من عناصر الدراما الجادة. فكثير ممن يشتغلون في المسرح التجاري لا يعرفون بأن الكوميديا هي نوع من أنواع المسرح الجاد الذي لا يقل اهمية عن التراجيديا.
جاء مصطلح الكوميديا من الكلمة الاغريقية (Komoidia) التي تشير الى الشكل الدرامي الجذل، أو الخالي من الهموم، الذي تطور تاريخياً على نحو مواز للتراجيديا، وكان هذا الشكل بالعادة، يأتي عفوياً وفي أحيان كثيرة يسخر من زميله التراجيديا. تركز الكوميديا على اللهو والمرح والارتباك أو التشوش، وتعالج الكوميديا احداث الحياة السعيدة: كالحب الرومانسي والزواج والتفوق بالحيلة على الآخرين أو الاذلال الذي يلحق بالاشرار الاغبياء أو ضيقي الافق. بينما تعالج التراجيديا الاحداث الكئيبة والمأسوية، كالموت والقسوة (...)
كما ان ارسطو ارجع معنى الكوميديا الى (كوموس) ومعناها المأدبة الماجنة والتي تقام في نهاية احتفالات الإله (ديونيزوس) كمحاكاة تهكمية. وعبر مسيرة تاريخ المسرح استخدمت كلمة كوميديا بمعان ثلاثة:
1 ـ اسم لنوع مسرحي يناقض التراجيديا.
2 ـ اطلق اسم الكوميديا في القرن السادس عشر على المسرحية بالعموم.
3 ـ اطلق اسم الكوميديا على كل مسرحية تحمل طابع الضحك.
لكن الكوميديا كنوع لا بد إلا ان تعرّف من خلال معاييرها الجمالية، والتي تميزها عن الاشكالية المسرحية ما يسمى بالشعبية المضحكة، حيث من الضروري ان يحيط هذا النوع المسرحي جماليات تناقض المفهوم المأسوي، وبعيداً عن الهزل والابتذال (...)
[ الكوميديا والبحث عن المطلق
ان بحث الانسان عن المطلق أو اللامتناهي كما يقول (بلزاك)، ربما يوقعه في متناقضات مضحكة؛ قد يدرك هذه المتناقضات بعض الأدباء فتوحي لهم بتجسيدها في اعمال مسرحية أو أدبية. لقد استطاع (سارفانتس) ان يصيغ واقعاً كوميدياً غريباً ومشوقاً في مسيرة بطله الواهم في روايته الخالدة (دون كيشوت). لقد ذهب ليحقق المطلق في البطولة؛ مطلق لم يصل اليه أي من الفرسان الذين عرفهم أو تعرف على سيرتهم في الروايات التي قرأها. ولقد شهدنا في العقود الأخيرة تحويل بعض الاعمال الادبية العظيمة والخالدة الى مسرحيات كوميدية، مثل تحويل رواية (بجماليون) لبرنارد شو الى مسرحية (سيدتي الجميلة) وحولت الى فيلم سينمائي فيما بعد. وكذلك شهدنا تحويل رواية (أوليفر تويست) للكاتب الانكليزي شارلز ديكينز الى مسرحية بعنوان (اوليفر). وقس على ذلك الاقتباسات العديدة من الأدب وتحويله الى اعمال مسرحية استطاع بعض منها ان يحتل مكانته في الوجود والبقاء والخلود.
اننا عندما نفكر بالذهاب الى المسرح ومشاهدة مسرحية كوميدية سرعان ما يتبادر الى اذهاننا شكل العرض الذي سنشاهده. سنتوقع الكثير من الاضحاك بأي وسيلة ممكنة عن طريق (الاسكتشات) الموسيقية أو الغنائية الراقصة التي تدخل جميعها في اطار المنوعات ولا تتصل إلا بالهزلية الغنائية، وهي لون واحد فقط من ألوان هذا الفن وهي ليست قطعاً أرقاها، بل لقد بلغ هذا المفهوم حداً من الانتشار والتغلغل داخل أبناء الحركة المسرحية نفسها، حيث يعتبرون النجاح مقروناً بمقدار كمية الضحكات التي تثيرها كلمات أو حركات مسرحية معينة لدى الجمهور!!
وبنماء على ما سلف فقد ابتُدعت مصطلحات مسرحية غريبة عن المصطلحات النقدية والمهنية مثل (سوكسيه و إيفيه) وهاتان كلمتان انجليزيتان دخيلتان على مفهوم مدارس النقد للدراما، وتعودان لغوياً الى كلمتي: الأولى (Success) وتعني النجاح والثانية (Effect) وتعني التأثير.
[ أنماط الكوميديا
هناك أنماط عدة من الكوميديا مثل: الهجاء أو الدراما الهجائية (Satire)، التي تهاجم الأفكار والعادات والأخلاقيات والمؤسسات الاجتماعية بشكل يتسم بخفة الدم (الظرف) والسخرية أو التهكم (Sarcasm). وهناك أيضاً الهزل (Farce) الذي يتم فيه الاستهزاء بالحياة من خلال ابتكار مواقف عبثية وشخصيات مبالغ فيها.
وهناك كذلك المحاكاة الساخرة (Burlesque) التي تتضمن السخرية من الاعمال الفنية الاخرى من خلال الكاريكاتير والمحاكاة التهكمية (Parody). وهناك أيضاً الكوميديات السوداء أو القاتمة، وهي الاعمال الكوميدية ذات المذاق السيّئ التي يجد الجمهور صعوبة في تقرير ما إذا كان عليهم أن يهاجموها، أو الانصراف عنها أو الضحك عليها بشكل صاخب.
[ تاريخ أنواع الكوميديا
1 ـ الكوميديا الكلاسيكية القديمة:
وهذه الكوميديا كانت نتيجة الاحتفالات الطقوسية والتي أفرزت نصوصاً مكتوبة أهمها نصوص اليوناني أرسطو، حيث أفرزت أشكالاً شعبية. وهذه النصوص لم تقدم حدثاً متماسكاً بل كانت مقاطع أو مشاهد، وخلال تطورها صارت تأخذ ببنية ثابتة فأصبحت تتألف من مقدمة او استهلال، تؤديه شخصية واحدة على شكل مونولوج، أو شخصيتان ثانويتان على شكل حوار، ويلي ذلك الدخول وهو نشيد الجوقة ومن ثم المساجلة أو الآغون (الحوار والصراع القائم بين الأعداء والذي يمثل جوهر المسرحية).
2 ـ الكوميديا المتوسطة:
وقد ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد، وكانت مواضيعها مستمدة من الأساطير والتي تفرز بالنتيجة درساً أخلاقياً أو دينياً.
3 ـ الكوميديا الجديدة:
وهذه الكوميديا رسخت في 330 290ق.م. وارتبطت بالكاتب (ميناندر) حيث أعطاها شأناً مهماً فأدخل على رواياته الكوميدية حكايا العشق والتي تتشابك في حبكة معقدة مما أعطى للمسرحية آنذاك وحدتها العضوية.
4 ـ الكوميديا الرومانية:
وقد وصلت هذه الكوميديا مع (بلاوت) 254-184ق.م. و(تيرانس) 190-159ق.م. حيث قرّبا هذا النوع من المسرح الى الواقع الروماني وأدخلا عليه عناصر جديدة مثل التنكر والحيل والغناء والرقص مما أعطى للكوميديا طابع الفرجة.
5 ـ الكوميديا في القرون الوسطى:
في هذه المرحلة انحسرت الكوميديا تقريباً ولم يبق سوى اشكال بسيطة كان يقوم به الممثلون الجوالون، وبعض الكرنفالات وعروض الحماقات، وأعياد المجانين والأخلاقيات، وكل هذا هو أنواع من الفرجة تتم في الساحات العامة والشوارع. كما ان النصوص المسرحية انحسرت في هذه الفترة باستثناء بعض المتعلمين الذين ساهموا في توسيع شكل الكوميديا في القرن السادس عشر والذين تأثروا بالحركات الانسانية التي استمدت هذه النصوص من التاريخ، حينها صنفت الكوميديا بالفن الراقي معتمدة على متانة الحبكة واللعب بالألفاظ، كما صنفت باقي الكوميديات بالهابطة والتي تعتمد على الإضحاك البصري القائم على الحركة المبتذلة مستجدية الضحك من المتفرجين.
6 ـ الكوميديا في عصر النهضة:
ظهرت هذه الكوميديات في ايطاليا في القرن السادس عشر؛ واعتبرت الكوميديا في هذه المرحلة بأرقى أنواعها ومن كتّاب تلك المرحلة: (لودوفيكو اريستو) 1474- 1533، (انجيلو روزانيه) 1502- 1542، (نيقولو ماكيافيللي) 1480 1527.
وكتبت نصوص هؤلاء بلغة رفيعة لأنهم اعتمدوا على الكتّاب الذين بحثوا في فن الشعر، فقد اعتمدت نصوصهم على الوحدات الثلاث، ومن ثم ظهرت تأثيرات المسرح الايطالي والتي وصلت الى انجلترا في العصر اليعقوبي مع (جون فيلتشر) 1579 1635. أما في فرنسا فقد تأخر ظهور الكوميديا بسبب منع العروض المسرحية في فترة الحرب الدينية، ولم تظهر كنوع خاص إلا في القرن السابع عشر مع (موليير) 1622 1673. ومن الكتّاب الذين أطلقوا على مسرحياتهم تسمية كوميديت (بيار كورناي) 1606 1684 و(جون راسين) 1639- 1699، إلا أن الضحك كان غائباً عن كتاباتهم، وهذه الكتابات لم تأخذ من الكوميديا إلا نهايتها السعيدة، وهذا ما ميزتها عن التراجيديا.
7 ـ الكوميديا الكلاسيكية:
وهي ظاهرة فرنسية اتضحت سنة 1630 بالتحديد ويرجع ذلك لظهور الاكاديميات، وظهور طبقة النبلاء وكبار البرجوازيين، وتبلورت بشكلها النهائي زمن ظهور (موليير) الذي خلق نموذجاً خاصاً من الكوميديا إذ جمع بين تأثيرات الكلاسيكية الفرنسية والتقاليد الكوميدية الشعبية التي استمدها من المسرح الجوال وأدخلها ووظفها في نصوصه بشكل لم يتقنه من أتوا بعده فكان سبباً بانحدار الكوميديا. وبعد انقضاء مرحلة موليير تجددت الكوميديا الكلاسيكية بكونها ترتبط بالواقع، فالشخصيات في هذه الكوميديات تنتمي إلى كافة طبقات الناس، ففيها الشخصية الشعبية أو البرجوازية وأحياناً شخوصها تكون من النبلاء شرط ألا تطرح المسرحية شأنهم السياسي. وعرفت هذه الكوميديات بالكلاسيكية بكونها مسرحيات ذات مسار معين فيه توتر درامي لكن نهاياتها سعيدة، والحدث فيه ذو مظهر معقد لكن تخطيه ممكن، وهذا ما يوصل إلى النهايات السعيدة.
[سيكولوجية الكوميديا بين فرويد وهنري برغسون
قام علماء النفس عبر العقود القليلة الماضية بالكثير من البحوث حول المبررات التي تجعل الناس يبتسمون ويضحكون. وعلى الرغم من وجود الكثير من المساحات الغامضة في هذه الظواهر فإنّ بعض الاجابات قد بدأت في الظهور فعلاً. ونكشف المقارنات مع الأنواع الحية الاخرى، خصوصاً القرود، أن الابتسام ليسا درجتين مختلفتين من الشيء نفسه، لكنهما ظاهرتان مشتقتان من مسارات تطورية مختلفة وربما متعارضة. فالابتسام يبدو انه قد ارتقى من ظاهرة المط العصبي الخانع للشفتين فوق الأسنان، وهو تعبير من تعبيرات الوجه يدل لدى قردة الشمبانزي على محاولة لاسترضاء قرد آخر مسيطر اجتماعياً، هنا تطبق الأسنان على بعضها البعض ومن ثم لا تكون جاهزة للعض. ولدى بني الانسان أيضاً، يعتبر الابتسام طريقة كبرى توصل من خلالها مشاعر الإذعان والافتقار للقدرة على إلحاق الأذى، وهي طريقة قد يُلجأ إليها بشكل معين لتفسير السبب الذي من أجله يكن النساء أكثر ابتساماً من الرجال. فمتابعة الصور الفوتوغرافية في الصحف اليومية يُظهر ان الرجال الذين يكون معظمهم من السياسيين ومن صفوة رجال الأعمال، غالباً ما يكونون من أصحاب الوجوه الجادة والصارمة التعبير، بينما تصور النساء في أغلب الأحوال وهن مبتسمات.
ان الضحك مختلف تماماً عن هذا، لانّ معظم المواقف المثيرة للضحك هي مواقف اجتماعية، فهي تشمل علاقات مع الآخرين، أو تتطلب على الأقل حضورهم، حتى الدغدغة هي شكل ينبغي أن يقوم به شخص آخر كي نقوم بالضحك. وهكذا، فإنه بينما قد يشتمل الضحك على عناصر من العدوان والسيطرة والخوف أو القلق، فإنّه يكون محاطاً أيضاً بشكل وثيق بأشكال التخاطب الاجتماعية المختلفة.
لقد بُحث عن مصادر الكوميديا وأحياناً تم البحث عن مصادر الضحك في الحالات السيكولوجية وفي الأساطير وفي الطقوس وفي الدراسات (الاجتماعية) التي تعتبر أن في الأدب المضحك منفعة علاجية في بعض الأحيان. إن الذي شاع منذ منتصف القرن الماضي هو أن تكون البداية من الأساس السايكولوجي للكوميديا كما بحث (سيغموند فرويد) وكما حللها نفسيا. وربما بحث (هنري برغسون) وما كتبه حول دخائل الناس، وما حذر منه (آي.سي. نايتس) في ملاحظاته حول الكوميديا، يركز على مغالطة البحث السايكولوجي في لون من ألوان الأدب، وعلى التزامه التجريد والتعميم، بخلاف عملية النقد المناسبة في متابعاتها المُرهقة للخصوصيات فيقول: إننا ما إن نربط بين الكوميديا والضحك ربطاً ثابتاً حتى نكون قد ابتعدنا عن امكانية وضع أية ملاحظة تنفع بالنقد.
أما (فرويد) فإنه يرى ان الدعابة نوعان، دعابة بريئة لا ضرر فيها. وأخرى ذات قصد أو اتجاه أو لها غاية نقصدها؛ ثم يردف مفسراً ويقول بأنّ الغاية هذه نوعان أيضاً: الهدم والكشف/ التحطيم والتعرية. والدعابة الهدامة تنطوي تحت عناوين مثل: السخرية والفضيحة والذم أو الهجاء. وتقع الدعابات التي ترمي الى التعرية تحت عناوين مثل: البذاءة والفسوق والفحشاء.
يتخذ (هنري برغسون) من سايكولوجيا الهزل اساساً لاختبار المسرح الكوميدي. يبحث في طبيعة الموقف الكوميدي كمادة لموضوع درامي، يقول (برغستون): تخيل شخوصاً معينين في موقف معين، فإذا قلبت الموقف وغيرت الأدوار، فستحصل على موقف كوميدي.. ان عقدة النذل الذي يقع ضحية نذالته، أو سقوط الغشاشين والنصابين في شر اعمالهم، تعتبر قوالب جاهزة في الكثير من المسرحيات.. في كل حالة، تشمل الفكرة الاساس قلب الأدوار وموقفاً ينقلب على رأس صاحبه أو مدبره.
[ مكونات المسرحية الكوميدية كما هو في جلّ الواقع
أولاً: الأفعال
الافعال تبنى على تشويق وإثارة وإمتاع وغموض ومفارقة لتولّد الضحك وتعرف البطل وتكشف عن حاجته التي يريد ان يحصل عليها، والهدف الذي يريد تحقيقه، من خلال مشهد جدي يكشف فيه البطل ما يريده وما يتمناه وكأنه حلم جميل مستحيل، ولكنه يتعهد أن يبذل قصارى جهده حتى يحققه ويجعله حقيقياً، يكشف ذلك سواء بين عائلته أو أصدقائه، أو حتى اعدائه ومصارعيه ومجابهيه، وهذا أجمل مما يحمل قدراً من السخرية لأنه يفصح عن شيء في غير مكانه الصحيح الطبيعي، مما يسبب له أزمات جمة يكون في جل منها اذا ما أمعن التفكير او كان يتمتع بالذكاء والفطنة، مما يولد الضحك عندما نعرف ان المجابهين له لديهم نفس الحاجة التي هو يريد الحصول عليها، وعند حصوله هو لا يحصلون عليها هم مما تحملهم على الصراع معه ومحاولة منعه ومجابهته ومعارضته وخلق الأزمات له. وغير ذلك من الأفعال التي من شأنها تفجير الفعل المضحك.

[صفات الفعل المضحك:
الفعل المضحك ليس بالقتل ولا بالموت، ولكن ما دونهما بأن يكون:
1 ـ الإصابة المباشرة المؤذية النفسية الداخلية المفزعة من الاحراج للصفات الشكلية، والتجريح الشديد للصفات الخلقية والسخرية من الصفات الأخلاقية، والاستهزاء بالصفات القيمة، والتعالي بالصفات الاجتماعية التي هو نفسه ليس أهلاً لها، والمفاخرة بالصفات الجسدية والتي هو أبعد عما يكون منها. والمعايرة بالصفات السلوكية والحط منها الى ابعد حد وهو دونها.
2 ـ الاصابة المباشرة المؤذية الجسدية الخارجية التي تحدث الألم الشديد من الكدمات والإصابات.
[كيف يُبنى الفعل المضحك؟!
1 ـ ان يهم الفاعل بفعله وهو لا يعرف حقيقة مَن سيقع عليه الفعل ولا يعرف حقيقته ويوقع الفعل، ولكن يكتشف بعد فوات الأوان حقيقة الصلة به. فإن ذلك أكبر باعث على الضحك النابع من المفارقة القوية.
2 ـ ان يهم الفاعل بفعله وهو يعرف حقيقة مَن سيقع عليه الفعل، ويتغاضى عنه، فإنّ ذلك باعث على الضحك النابع من السخرية والتورية المبطنة.
3 ـ ان يهم الفاعل بفعله وهو لا يعرف حقيقة من سيقع عليه الفعل، ثم يكتشف في اللحظة المناسبة حقيقة الصلة به فيكفّ عن الفعل. وذلك باعث على الضحك النابع من المفاجأة السارة الجميلة.
4 ـ ان يهم الفاعل بفعله وهو يعرف حقيقة مَن سيقع عليه الفعل ويفعله. فهو باعث على الضحك النابع من الهزل الجدي المقصود بغرض استلهام حقيقة ما.
5 ـ ان يهم الفاعل بفعله وهو يعرف حقيقة مَن يقع عليه الفعل، وهو لا يستطيع مضاهاته جسدياً ولا موازاته في المكانة الاجتماعية، ويصر على الوقيعة به، فتولد الضحك النابع من التضاد الكبير والتفاوت الشديد.
6 ـ ان يهم الفاعل بفعله وهو لا يعرف المفعول به، ولا يعرف حقيقته ويصر على الفعل، فينال منه المفعول به نيلاً كبيراً موجعاً، فيتراجع عن الفعل مجبراً محرداً منكسراً.
ثانياً: الشخصيات
[مواصفات الشخصية الرئيسة:
1 ـ أن يكون من أصحاب النفس اللوامة ومصارعوه أو منافسوه من اصحاب النفس الامارة بالسوء.
2 ـ أن يكون في البداية من التعساء الفاشلين ثم يحدث التغير ويصبح من السعداء الناجحين.
3 ـ ليس بالشكل الوسيم ولا الجميل بل العادي لا القبيح.
4 ـ عدم التناسق الكامل لا في الشكل ولا في الحركة.
5 ـ ان تجمع الشخصية بين الشيء وضده مثل اللباقة وعدم الفطنة، ضعف الذاكرة وسرعة الحركة.
ثالثاً: الفكر
نخص منه فكر الشخصية الرئيسة (البطل)، لأن هذا جل اهتمامنا ومناط تفكيرنا ومقصدنا وهدفنا، فإذا كانت الشخصية تحمل فكراً ثورياً ضد الظلم والاستبداد يصبح البطل مضحكنا وملهمنا ومعبراً عنّا، ونقدم له كمشاهدين كل الأعذار عن اخطائه التي يقع فيها عن قصد أو عن غير قصد. المهم ان يحمل فكراً يصلح أن نقتدي به أو فكراً متمرداً وغريباً يصلح أن يفجر ضحكاتنا.
رابعاً: الفكرة
قضية بسيطة أو عظيمة من شأنها أن تناقش وتكشف فساداً أو تعري حقيقة في المجتمع، أو تلقي الضوء على فساد في السلوك أو تبين تغيراً في القيم دون الدخول الى فلسفات ومواضيع تخرجنا عن حدود الملهاة، فالمقصود تقديم فكر واضح دون تعقيد.
خامساً: المكان
ما من شيء حادث في الدنيا إلا وله دلالة مكانية يقع فيه حتى ولو كان خيالياً، حتى يكون قابلاً بعضه للتصديق. فما بالنا ونحن نصنع عملاً نبتغي به مخاطبة وإقناع الناس وتسليتهم وإقناعهم.
سادسا: الزمان
الزمان من أدوات الإقناع، خاصة إذا كان من الزمن القريب أو الحالي وهو المطلوب، فالجمهور ليس معنياً على الدوام أن نناقشه ونجلسه لنمتعه بقضية غير محددة الزمان. علينا تحديد الزمان الذي يقع فيه الحدث لنخلق لدى الجمهور حالة نقدية تزداد كلما ازداد الزمان قرباً من زمانه.
[تعريف وشروط المسرحية الكوميدية
ربما من خلال هذه الركائز أسفل العنوان أكون اقتربت أكثر من موضوع البحث وهو الشروط التاريخية للكوميديا. إنها شروط من الاهمية بمكان اذا استغنينا عن بعضها فلا نستطيع ان نهمل جلها. وهي ركائز وشروط تنطبق على القصة والرواية الكوميدية أيضاً. وسأحاول أن أفرز كل عنوان على حدة وتعريفه على شكل مشهدي مرتبط بالعنوان الذي يليه:
[البداية:
هي فعل جاد ليس بالعظيم الرفيع الأمثل ولا هو الوضيع المستقبح، مباشر ومستبطن، ومؤثر مشوق مثير ممتع بديع وجذاب، به وضوح الفكر، وبساطة في الفكرة، وافتعال في الأداء وخلل في الحركة، لحدث مفزع مضحك، لكنه ليس مؤذياً لأعيننا، ولا صادماً لمشاعرنا، ولا جارحاً لكبريائنا، ولا ممتهناً لكرامتنا، ولا منتقصاً من ذكائنا، ولا ساخراً من فطنتنا وفطرتنا؛ ليمتعنا ويسلينا ويسرنا ويضحكنا، ويشعرنا بالغبطة والسعادة، دون تهكم ولا فجاجة. وتكون البداية فعلاً تاماً وكاملاً، يقوم به شخص عظيم، لا يتمتع بالذكاء الحاد ولا هو بالغباء التام، بمكانة سامقة عالية رفيعة لا هو بالوضيع التافه، لكنه بخلق رفيع سام غير متدن ومترد في البشاعة، بفكر أقل من المستوى العام لما نحن عليه معظم الناس. له حاجة صغيرة يريد الحصول عليها مع انها في الأصل كبيرة وعظيمة وهو لا يدري ولا يعي ذلك، يريد الحصول على الكبيرة وهو ليس أهلاً للصغيرة، والعكس صحيح سواء للشخص أو للحاجة، والحاجة الصغيرة لشخص عظيم تخلق مفارقات عدة، والكبيرة لشخص متواضع تخلق المفارقات نفسها، والتضاد ما بين ما يستطيع فعله وما لديه من أدوات يتهكم بها، وما بين نقص تفكيره الذي لا يسعفه؛ لتخلق سخرية بلغة فصيحة نثرية بسيطة جميلة سلسة، تعتمد على التورية والتطابق والسخرية والتهكم والعجرفة والتجميل والجناس التام، مولدة للضحك، وهدف بريء يريد تحقيقه، بفكرة بسيطة متواضعة لينبهنا ويحذرنا من قضية ما كبيرة جليلة، بها من الوجاهة والعظمة ما بها، ليؤدي غرضاً نبيلاً من غير قصد فكرة جميلة يستوحيها من فساد المجتمع، يعريها ويكشفها من دون ان يدري، وهو المسؤول الاول عنها فيعري نفسه ويكشفها، وتحلل له دون خجل وتقدم له الحلول من دونه، لكنه السلطة الذي بيده القرار ويكون الابتلاء (...)
[العقدة:
عقدة مستحكمة كبرى، وليس أمامه أي اختيار غير الصبر والتضرع واللجوء إلى المجهول حتى يفتح له طريقاً أو يسبب له سبباً ليعاود المجابهة للحصول على حاجته وهدفه الذي توقف تماماً. الذي يستطيع مساعدة سيده وهو يعرفه تمام المعرفة، فقد حدث له نفس مشكلة سيده وقد حلها له بسهولة ويسر، ولغبائه أو نسيانه لا يتذكره. فهل له ولعامله من مخرج وهو على هذه الحالة؟!! انه تعقيد تام كامل.
[الانفراجة:
حيث يقع حادث قريب منه جداً يكون سبباً في أول بارقة أمل تجول أمامه، فيستغله بجاهه وسلطانه ويفرض العون والمساعدة بتكبر وغطرسة وتحدث المفارقة من ان الحل ليس بيد تابعه المقرب له، بل بيد شخص آخر، يتملكه أكثر من المقرب له وللمفارقة العجيبة الجميلة التي تسعده وتحل له عقدته، من ان هذا الشخص المتواضع تحت امرته وتصرفه، ويحتاج إليه، وهو من الحتمي لن يمانع على الاطلاق أن يلبي طلبه بل يأتيه يجري، فيطلب منه صاغراً مجبراً مبتلعاً كبرياءه، لا ليأتيه بمن يعرف، على ان يأتيه بالحل يأتيه فقط بما يحتاجه، ويسرع تابعه وباستعطاف واحترام واعزاز واجلال يطلب مساعدته، من أجل تابعين مثله يعملون عند سيده، وهو يريد أن يخلصهم من العناء والألم والمعاناة التي لا يستحقونها، لأن سيدهم يعكس ما هو فيه عليهم، مع ان ما حدث ليس منهم ولا من ذنبهم، ولا بسببهم، فلا يبخل عليهم. وبها تنفرج عقدته وينصلح حاله ويحصل على حاجته ويهدأ باله، بأن يعود يتلمس طريقه نحو هدفه الذي لم يحققه بعد، وانه لا يستطيع تحقيقه بمفرده ولا يسعفه تفكيره. فيضطر اضطراراً ويقبل أن يتعرف على الشخص المتواضع العالم العليم الذي استطاع بعلمه أن يلبّي طلبه ويسهل له الحصول على حاجته من دون أن يطلب أجراً، ولم يطمع في ثواب، وهو المعوز المعدوم الذي في أوج الحاجة إلى أي معاون، فما بالك وهو الذي أسدى له معروفاً، فيحتاج ليتعرف عليه(...)
[ النهاية:
ويساعده الأضعف جل المساعدة، وبه يتغلب على كل الصعاب، ويحقق هدفه وتتحقق له ولمَن ساعده السعادة والهناء والتفوق والانتصار؛ فنشعر بالطمأنينة والسعادة والابتهاج والفرح من أن واحداً مثلنا أو أقل منّا احتاج إليه مَن هو أعلى منّا في المكانة الاجتماعية وأغنى منّا وأقوى بجاهه وسلطانه وهيلمانه، ولكن مَن ساعده وكان سبباً في سعادته وتحقيق هدفه واحد أقل منّا في المكانة وغيرها، وهذا يطهرنا من مخاوفنا وأحقادنا، ويكشف لنا عن مكنون قوتنا وعزنا وفخرنا نحن المعدمون المقهورون، بأن التكامل والعوز والحاجة مفروضة ومتبادلة، ما بين الأغنياء والفقراء، ما بين الأقوياء والضعفاء، ما بين الحاكم والمحكوم، ولذا تشعرنا بالسعادة والرضى والقناعة، وتشفي صدورنا من الأحزان، وتطهر قلوبنا من الأحقاد، وتنزع من أفئدتنا الغل والغيظ والحسد والكره والبغضاء، وهو علاج نفسي كبير.

[ قُدمت هذه الورقة في مهرجان المسرح الاردني السابع عشر
[ المراجع:
1 ـ الضحك لهنري برغسون، ترجمة د. علي مقلد المؤسسة الجامعية لدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الاولى 1987.
2 ـ الملهاة الإنسانية والبحث عن المطلق لبلزاك، ترجمة ميشيل خوري، منشورات وزارة الثقافة السورية، دمشق 1995.
3 ـ الكوميديا والتراجيديا لمولوين مرشت وكليفورد ليتش، ترجمة د. علي احمد محمود العدد 18 من سلسلة عالم المعرفة 1979 الكويت.
4 ـ فن الكوميديا، د. محمد عناني، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1988.
5 ـ سيكولوجية فنون الأداء، لجلين ويلسون، ترجمة د. شاكر عبدالحميد، العدد 258 من سلسل عالم المعرفة 2000 الكويت.
6 ـ اهمية التمحيص لـ(أي.سي. نايتس) سلسل منشورات (بنجوين) لندن 1964.
7 ـ عدد من المذكرات الاكاديمية والأبحاث المتنوعة والندوات، لأساتذة وطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية في دولة الكويت.

علي فريج - المستقبل - لبنان
تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9