أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الأحد، أبريل 10، 2016

مسرحية "وطن للبيـــع" في مهرجان حقي الشبلي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

ستشارك مسرحية "وطن للبيـــع" في مهرجان حقي الشبلي   بدورته (28) "دورة باسم العزاوي" الذي يقيمه معهد الفنون الجميلة - الكرخ الدراسة الصباحية للمدة من 12- 15 نيسان الحالي والمسرحية من  تأليف واخراج عكاب حمدي  وتمثيل عبد الحكيم عبود ومعاذ عكاب , والموسيقى للفنان وسام صالح .
والمخرج عكاب حمدي قدم في العام الماضي مسرحية ( الوحش ) تأليف الفنان طلال هادي على مسرح الرافدين وادى ادوارها نورة طلال هادي ومعاذ عكاب وحسن عيسى واحمد محمد ضمن المهرجان الاول ضد الارهاب الذي اقامته دائرة السينما والمسرح. وللمخرج مشاركة وحضور فاعل ,في عديد المهرجانات التي أقيمت في بغداد والمحافظات ,خلال السنوات الاخيرة , كمهرجان أيام مسرحية ,الذي أقامه المركز العراقي للمسرح , بالتعاون مع وزارة الثقافة في أيلول 2013 ,ضمن فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية  .
وفي هذا المهرجان قدم  مسرحية (تداعيات) التي جسد أدوارها الفنانون الشباب :سيف عد الرحمن ومحمد الوادي وحسن عيسى ,جنبا الى جنب مع مسرحيات أخرى من محافظات العراق  ,التي كرس المركز مهرجانه لمسرحها ,للمرة الاولى على مدى عقود طويلة, و كان  العرض اضافة متميزة ورائعة , واثار جدلا كبيرا في المهرجان ,وفي الجلسة النقدية التي أدارها الدكتور ميمون الخالدي, وقد عقب على العرض الناقد عباس لطيف , الذي اثنى على العرض المسرحي , وعلى معده ومخرجه.
وفي مهرجان ربيع المسرح العراقي الذي أقامته نقابة الفنانين في الديوانية ,بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح ,قدم  مسرحية (ذلك المدعو جحا)إخراج عكاب حمدي ومن تأليف  طلال هادي والمشارك في تمثيلها , ليحصد جائزة أفضل ممثل في المهرجان ,وكانت أيضا من  وتمثيل الفنانين:عبد الحكيم عبود، محمد وادي، سيف عبد الرحمن ، علي حمدي، بلال محمد، علي الصغير، حسن عيسى.
 وقدم كذلك مسرحية (العرش) ,التي أعدها وأخرجها عن مسرحية بالاسم ذاته, للكاتب الراحل محيي الدين زنكنة ,وتمثيل الفنانين : طلال هادي وحكيم عبود وخلف هويدي ,وتمثل حكاية لها بعد تاريخي ومعاصر, متخذة الطابع الكوميدي وسيلة للتقديم ,ومن اسلوب المسرح السياسي وسيلة , لتقترب أكثر من هموم الناس عامة , وجمهور بغداد خاصة , بكل ما ينطوي عليه هذا الجمهور , من معرفة ودراية باللعبة المسرحية . وعرضت المسرحية على قاعة المسرح الوطني .

--------------------
متابعة :  محسن النصار 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

مفهوم الجمالية المسرحية - كاثرين نوكريت - ترجمة: م. أحمد حُسَيني

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

1- مفهوم الجمالية المسرحية(*)
كاثرين نوكريت(**)
ترجمة: م. أحمد حُسَيني   
    
1-إعادة تعريف المسرح
إن المهمة الأولى للجمالية المسرحية الجديدة التي تأسست في منعطف القرنين التاسع عشر والعشرين هي إعادة تعريف المسرح باعتباره فنا. فبعد أن اقتصر البعد الفني للمسرح على الأدب الدرامي، أصبح الأمر يتعلق بإعادة تأسيس المعايير الجمالية للفن المسرحي. إذ بعد المصلحين الأوائل للمسرح، زولاZola أنطوان Antoine، ستراندبوغ Strindberg و جاري Jarry، فإن المنظرين أدولف أبيا Adolphe Appia (1862-1928) وادوارد كردون كريغ Edward Gordon Craig (1872-1966) هما اللذان وضعا الأسس التصورية للفن المسرحي الحديث. في "الحوار الأول حول فن المسرحle Premier Dialogue de L’art du théâtre )1905( أعلن كريغ بهذه الطريقة "نهضة" مسرحنا في الغرب التي سينجزها "المخرج، فنان مسرح المستقبل". "فعندما يتم ظهور إنسان يتحلى بكل الخصال التي تجعل منه نابغة في فن المسرح وكذلك تجديد المسرح كوسيلة وأداة، أي عندما يصبح المسرح رائعة من روائع الآلية ويخترع تقنيته الخاصة به، سيولَد دون عناء فنه الخاص وهو فن خلاق ومبدع" ثم إنه يعطي بواسطة صوت "القيم" الذي ينشط هذا الحوار على المسرح، وهو يجيب على أسئلة "هاوي المسرح"، التعريف المشهور اليوم لهذا الفن المسرحي الجديد الذي أصبح "مبدِعا": "تابعوا إذن، باهتمام ما سأقوله لكم وقلدوه كلما دخلتم إلى منازلكم. بما أنكم منحتموني كل ما طلبت، ها كم العناصر التي سيكون منها فنان مسرح المستقبل روائعه : الحركة، الديكور، الصوت. أليس ذلك بالهين؟
أقصد بالحركة الإشارة والرقص اللذين يمثلان نثر الحركة وشعرها.
أقصد بالديكور كل ما نراه كالملابس، الإنارة، والديكور بحصر المعنى.
أقصد بالصوت الأقوال المنطوقة أو المغناة في مقابل الأقوال المكتوبة، لأن للأقوال المكتوبة لتقرأ وتلك المكتوبة لتنطق نظامين مختلفين تماما".
لقد ولد مع كريغ المفهوم الجمالي لفن مسرحي مستقل، لم يعد قائما على النص، بل على العرض. إن الثورة الثقافية للممارسة المسرحية خلال ثمانينات القرن التاسع عشر ولدت منذ مطلع القرن العشرين أفكارا جديدة عن المسرح؛ أي أفكارا مؤسسة ستحدد بدورها كل التاريخ المسرحي المعاصر وتوجهه.
2- صنع جمالية من الكل: 
منذ أن اعترف للمسرح بهذا الموضوع المعقد الذي لا يختزل في النص بل يتضمن أيضا مختلف عناصر تحقيقه المشهدي، فإن الخطاب الذي يضبطه لا يمكن إلا أن يعكس هو نفسه  هذا التعقيد، أي أن يكون هو نفسه معقدا ومتعددا. وفي نطاق كون الكل مسرحا: النص، الديكور، الإضاءة، لعب الممثل، جسده وصوته، يجب الكلام عن الكل في نفس الوقت أو بانفصال. في نفس اليوم الذي يمكن فيه "صنع مسرحة من الكل"(1) حتى نستعمل عبارة انطوان فيتز Antoine Vitez يمكن أن نصنع جمالية مسرحية انطلاقا من كل مظاهر المسرح؛ أي أننا نصنع جمالية من الكل. بالموازاة مع ذلك، أصبح الكلام الجمالي المعاد إظهاره ليس فقط شأن المنظرين والكتاب أو الفلاسفة بل كذلك الممارسين Les praticiens وخاصة المخرجين المسرحيين. فحسب جون جاك روبين Jean-Jacques Roubine فإن التفكير النظري حول المسرح هو نفسه واحد من المعايير التي تمكن من تعريف المخرج المسرحي الحديث: "لقد جعلنا من انطوان Antoine أول مخرج مسرحي، بالمعنى الحديث الذي أخذه المصطلح. وهوتأكيد يبرر بكون اسم انطوان Antoine هو أول توقيع احتفظ به تاريخ العرض المسرحي (كما نقول إن مانيت Manet أو سيزان Cézanne هما موقعا لوحاتهما)، ويبرر كذلك بكونه أول من منهج تصوراته ونظر لفن الإخراج. والحال هذه، فإن هذا التفكير، في يومنا هذا، هو المحك الذي يمكن من تمييز المخرج عن القيم"(2).
يمكن أن نضيف أنه أصبح، اليوم، كذلك العديد من المخرجين بيداغوجيي مسرح. ومادام الأمر كذلك، فقد أحسوا بالحاجة إلى التفكير في ممارستهم، في نفس الوقت بالنسبة إليهم أنفسهم وإلى عملهم المسرحي الخاص كما بالنسبة إلى رجال المسرح الآخرين بل خصوصا بالنسبة إلى كل أولئك الذين سبقوهم إلى فن التفكير في المسرح. فهم يملكون هذه الرغبة المشروعة في تأسيس حوار وصدى مع الفضاء المتناصintertextuel  الواسع للنظرية المسرحية حتى يموضعوا كلامهم الخاص ويتمكنوا من نقله. هذا ما أكده لويس جوفي Louis Jouvet (1887-1951) عندما صرح في الممثل المفصول عن الجسد Le Comédien désincarné قائلا: "إذا كنت اليوم أحاول التعبير عن ذلك وإتقان الأشياء فليس من أجل إشباع غرور في التفكير كان مقموعا زمنا طويلا. إنها الرغبة الشديدة في التعليم وفي إيجاد مجال للاتفاق مع المفكرين"(3).
انطلاقا من انطوان، تطول اللائحة بأسماء المخرجين المسرحيين الذين يفكرون في ممارستهم الفنية، من ستانيسلافسكي Stanislavski إلى بريشت Brecht، من ارتوArtaud إلى كانطورKantor، من كوبوCopeau إلى فيلارVilar، من ميرهولد Meyerhold إلى فيتزVitez، من سترهليStrehler إلى شيرو Chéreau، ومن بروك Brook إلى ريجي Régy...إن فناني المسرح هم أول المنظرين لأعمالهم في القرن العشرين. إنهم يتساءلون عن فنهم، وعن الأشكال الجديدة المستخدمة، والإنتاج الدرامي، ومعناه، وقيمه، وسياسته. ويحق لهم، أكثر من أي وقت مضى، أن يفكروا في حاضر المسرح ومستقبله انطلاقا من ماضيه وأن يحاولوا جمع هذين المظهرين: النص والمشهد، اللذين غالبا ما فصلا في القرن العشرين، كما لاحظ ذلك انطوان فيتز Antoine Vitez "ليس هناك تفكير حول المسرح، منذ قرن، ولا تعليم للمسرح، لا يتأرجح بين هذين العنصرين اللذين يشكلان كل فننا ويؤسسان تاريخه: النص والفرجة Le spectacle. فإما أن تتم معالجة المسرح باعتباره فعلا أدبيا؛ فتصنيف الأعمال إلى تراجيديات، وكوميديات، ودرامات أو هزليات يحدد أسلوب العرض، ويجيز أو يمنع اختلاط الأشكال ويحكم الذوق، وإما ألا ننظر إلا إلى الأداء والعرض مما يجعل الإضاءة والموسيقى وجسد الممثلين وصوتهم جوهر الكل وأصله. وإذا كانت المدارس القديمة تجنح إلى الأول من هذين الجانبين فإن المدارس الحديثة تميل إلى الثاني. وباستثناء جاك كوبو Jacques Copeau نادرون هم الأساتذة الذين أعطوا حصة متساوية لمعنى الأعمال المكتوبة وللمسرح كما هو"(4). إن صورة انطوان فيتز Antoine Vitez (1930-1990) هي أيضا نموذج لجماليي المسرح الجدد: ممثل، ومخرج، ومترجم وبيداغوجي المسرح ككاتب عدة مؤلفات مجزأة، وملاحظات، ودفاتر، ونصوص برامج، وحوارات، ومقالات أو دراسات يشكل مجملها واحدا من التصورات الكبرى عن المسرح خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
 تتجسد الجمالية المسرحية الآن في نصوص متنوعة جدا. ذلك أن التعدد هو القاعدة بالنسبة إلى هذه النقطة كذلك. يكتب المنظرون المحدثون للمسرح مناهج، وبيانات، ومذكرات، وخواطر، وكتابات، وأفكارا، على شكل كل (في بداية القرن) أو مقاطع (فيما بعد). هناك دائما شعريات poétiques هي إما نظريات للنصوص أو تحليلات لإنتاج الأعمال الدرامية. وهناك أيضا جماليات، بعضها معياري والآخر وصفي، لكن أغلبها بلا قيد. وقد ظهرت كذلك، كما هي الحال في المجال الحديث للجمالية العامة، أنماط أخرى للمقاربة: اجتماعية، ونفسية، ولسانية مبنية على تنوع العلوم الإنسانية. فضلا عن ذلك يجب عرض كل الأفكار التجريبية، سواء كانت مجزأة أو غير مجزأة، وكل الدراسات، والملاحظات، وسجلات السفن، والبرامج والحوارات التي تنطلق من رؤية نظرية لمختلف عناصر العرض، دون أن ننسى كل ما يشكل، عبر القرون، خطاب المسرح حول ذاته أي المقاطع، الأكثر أو الأقل طولا، والأكثر أو الأقل تقعيرا  mise en abyme التي، داخل مسرحية، يتدخل فيها إعلان ذو نظام نظري حول الفن الدرامي عند شكسبيرShakespeare، أو ماريفو Marivaux أو بيكيت Beckett، على سبيل القصر. كما يمكن كذلك أن تكون دعامة الجمالية المسرحية هي نص المسرح نفسه.
3-حول بعض التعاريف:

3-1 تعريف لويس بيك دوفوكييرLouis Becq de Fouquières
في الدراسة الأولى من نوعها للجمالية المسرحية حول فن الإخراج، يعرف لويس بيك دوفوكييغ أيضا الجمالية المسرحية قائلا: "تعني الجمالية المسرحية دراسة المبادئ والقوانين العامة أو الخاصة التي تحكم عرض الأعمال الدرامية وترمي إلى إنتاج المثير للعواطف والجميل"(5).
 يتعلق الأمر هنا بتعريف متناقض ظاهريا، حديث وتقليدي في نفس الوقت. حديث بما أن بيك دوفوكييغ يعرف الجمالية المسرحية من خارج الجمالية ويجعل موضوعها ليس نص المسرح بل "عرض الأعمال الدرامية". إن ظهور الجمالية المسرحية باعتبارها خطابا مستقلا مرتبط إذن، بولادة الإخراج وبالاعتراف بالبعد المشهدي scénique كعنصر أساس في الفن المسرحي. لكن هذا التعريف في نفس الوقت تقليدي بما أنه معياري ("دراسة المبادئ والقوانين") ويرتكز على معيار الجميل. يمكننا القول إنه يقع أيضا ضمن استمرارية أرسطو والكلاسيكيين من خلال المعيار المزدوج لـ"المثير للعواطف" ولـ"الجميل" وأن الأمر يتعلق بشعرية أرسطية للإخراج.
وقد حصر بيك دو فوكييغ، في "فن الإخراج المسرحي"، رهانات التطور والصعود في تأثير ما يسميه "الفن المسرحي l’art théâtral" (فن الإخراج المسرحي) في مقابل "الفن الدرامي l’art dramatique" (فن الشاعر)، لكنه حاول، عبر سلسلة من القوانين، أن يلجم الإخراج، وأن يضمه في  معايير الشرعية التي تصون وحدة intégrité  النص وتفوقه، وقيم الدراما القديمة. فـ"ليست غاية الإخراج في ذاته، إذ القضية النهائية بالنسبة إلى الدراما هي قضية شكلية بالنسبة إلى الإخراج"(6). إن تعريف بيك دو فوكييغ، إذا كان يثبت الولادة المزدوجة للإخراج والجمالية المسرحية، فإنه يقدم ذلك بطريقة غريبة ومحدودة: حديثة وفي الوقت نفسه ماضوية.
3-2 تعريف هنري كوهيي Henri Gouhier:
في الثلاثية التي كرسها هنري كوهيي للمسرح: جوهر المسرحL’Essence du théâtre  (1943)، والمسرح والوجود Le théâtre et l’existence(1952)، والعمل المسرحيL’Œuvre théâtrale (1958)، يعلن أنه لخص "فلسفة للمسرح". وهذا هو التعريف الذي يعطيه لفلسفة المسرح: "ما المسرح؟
 تستخرج المسألة من الفلسفة إذا كانت الفلسفة تفكيرا في المبادئ الأولى وطبيعة الأشياء"(7).
في كتبه الثلاثة سيحاول إذن، بمساعدة الأدوات التصورية للتفكير الفلسفي، أن يجيب عن هذه المسألة وأن يحدد "المبادئ الأولى" للمسرح وكذا "طبيعته". "فالكتاب الأول، بطبيعة الحال، كان تفكيرا في "جوهر المسرح"، والثاني دراسة للتراجيدي، والدرامي، والعجائبي والكوميدي، التي تعتبر بمثابة دلالات معبرة عن العلاقة الحيوية بين "المسرح والوجود". بقي النظر إلى العمل الذي يخلقه الدراماتورجle dramaturge  والذي يعيد خلقه المخرج والممثل بمشاركة المتفرج"(8).
من جهة أخرى يعرف هنري كوهيي فلسفة المسرح بتمييزها عن عدة مفاهيم خصوصا عن الشعرية وعن الجمالية الدرامية: "هذه، مع ذلك، شيء آخر غير علم نفس الدراماتورج أو الممثل. إنها لا تختلط لا مع فن شعري ولا حتى مع جمالية. فهي تطرح مشاكلها مرة رافضة كل الأبحاث حول تكون الأعمال، وكل النقاشات حول القواعد، وكل جدل حول الجميل: إنها تمسك بالمسرح وتصفه باعتباره جوهرا.غايتها هي طبعا تحديد ما هو جوهري بالنسبة إليه.إن موضوع فلسفة المسرح هو روح هذا الفن مع ما لهذه الكلمة من معنى مزدوج يشمل المبدأ الروحي والنفس الحيوية. إن تعريف ما هو المسرح مع تحديد ما ليس هو، وتحليل بنيته، وقول في أي ظروف يوجد وفي أي ظروف يتخلى عن الوجود، ونقل دلالته للإنسان الذي يريده والذي يبدعه، هو البرنامج"(9).
تتحدد فلسفة المسرح عند هنري كوهيي، وهي تستلهم بيركسون Bergson وجابرييل مارسيل Gabriel Marcel وخصوصا التصور البيركسوني للحدس الجمالي، في منتصف طريق الأصالة والمعاصرة، الجمالية الدرامية والميتافيزيقا، الحتمية والوجودية، الوضعية والتصوف. ورغم أن هنري كوهيي يدافع عن نفسه بكونه يتبنى وجهة نظر أرسطية ("أرسطو المتجاوز")، فإن مقولات التحليل: الفعل، والحبكةّّّّّّ، والوحدة، والتراجيدي، والكوميدي، والشخصيات والأجناس، مقولات كلاسيكية. وعلى العكس فإن المصادرة postulat في الواقع معاصرة وترتكز على معرفة البعد المشهدي للمسرح: "خلق العمل المسرحي ليؤدى. الغاية المقصودة بهذه الكلمة هي انتظار الجمهور، لأن العمل المسرحي لن يكون تماما هو نفسه إلا بحضور هذا الجمهور: "تتأسس فلسفة المسرح على أعمال، ممارسات، جماهير. ويبدأ جوهر المسرح L’Essence du théâtre بأربع شهادات، شهادات أربعة مخرجين من كارطيل Cartel: بيطويف Pitoeff، دولان Dullin، جوفيط Jouvet وباتي Baty. وقد أعطيت الكلمة كذلك في الحال للمنجزين الذين يخطط كل واحد منهم فلسفته الشخصية للمسرح. فلويس جوفيط Louis Jouvet مثلا الذي يحلم بجمالية تختلط فيها الوضعية والتصوف يرى أنه: "عند "إحياء" جمالية درامية قد تُضلنا الكلمة ولا تضلنا البنية. إنها تقول حصرا وتماما ما لديها لتقول. لهذا أحلم أحيانا، على غرار كيفييCuvier، أن أستطيع دراسة الفن المسرحي، في بضعة أيام، انطلاقا من معماريته، وإيجاد الوظيفة الأسخيلوسية eschylienne بناء على هيكل ديونيزوس Dionysos أو ابيدور Epidaure، تلك الوظيفة التي نجدها لدى شكسبير في آثار هذا الحيوان المنقرض الذي اسمه مسرح "الكلوب"، أو لدى موليير من خلال فضاء فرساي حيث قدم عروضه المسرحية. وبإيجاز يمكنني من خلال حجرة، تماما مثل فقرة من هيكل، إقامة الجسد الكبير الحي من ماض غريب"(10).
3-3 تعريف اندري فنسطان André Veinstein:
يميز اندري فنسطان، في الإخراج المسرحي وشرطه الجماليLa Mise en scène et sa condition esthétique، بين نوعين من الجمالية المسرحية: الجمالية المسرحية عموما التي يسميها بالأحرى "جمالية درامية"، و"جمالية الإخراج" بالمعنى الدقيق للكلمة. ويتطلب وجودهما في الحالتين الربط بين ظهور الإخراج الفني وممارسته. علاوة على ذلك فإن اشتغالهما يجب أن يتولد من فكر المنجزين أنفسهم: "إن إصلاح المسرح، وهو الهم المشترك لدى المخرجين المعاصرين، من آثاره، إذا لم يكن إعادة النظر فيه، على الأقل إعادة التفكير فيه. وهذا المقال، من خلال الآثار العريضة التي تتركها فيه كل التأملات النظرية، يساهم في إبراز أنه بالرجوع إلى العمق يمكن للجمالية أن تقدم للمسرح مساهمة ملائمة"(11).
   تشكل كذلك "خلفية التصورات والوثائق" هذه إطارا ضروريا لكل بحث جمالي له صلة "بأصل المسرح، وتكونه، وتطوره، وطبيعته وخصوصيته، أو، مع مواضع محدودة، بعناصره: الريبرتوار، وفن الكوميدي، والموسيقى، والديكور، والإنارة، الخ"(12).
أخيرا يمكن لجمالية الإخراج الوحيدة أن تساهم في إغناء الجمالية نفسها بمواضيع الدراسة وعناصر التوثيق التي تتضمنها سواء تعلق الأمر بالجمالية النفسية، أو الجمالية البنيوية، أو الجمالية المقارنة، أو الجمالية الاجتماعية، بل حتى الجمالية العامة: "يمكن أن تبدو جمالية للإخراج كذلك كـ:
أ‌-                اختبار للأنظمة الجمالية العامة: حدسية، نظريات اللعب، نظريات سوسيولوجية، الخ.
ب‌-             مناسبة لاختبارات ذات طابع منهجي لها صلة باستعمال تحليلات وملاحظات ذاتية وتحقيقات.
ت‌-             أخيرا، مثال ذي امتياز بالنسبة للفن وبالنسبة إلى العلم، للتعاون (...) بين الفنانين ورجال العلم، على المصلحة المشتركة للعلم وللفن"(13).
من الجلي أن جمالية الإخراج يمكن أن تحدث جدلا  va-et-vientخصبا بين النظرية والممارسة، الفن والعلم، مع واقعية الممارسة الفنية أي المسرح كأساس ضروري. إن الجمالية الدرامية كما طبقها اندري فينسطان وعرفها هي جمالية من نوع امبريقي، مؤسسة على التجربة وملاحظة الأحداث والوثائق في مقابل كل فكرة جاهزة  dogmeوكل مثالية.
3-4          تعريف باتريس بافيس Patrice Pavis :
بعد تعريف الجمالية بطريقة عامة يبدأ باتريس بافيس في معجمه المسرحي Dictionnaire du théâtre في إعطاء تعريف تركيببي للجمالية المسرحية يستعيد المعطيات المنبثقة من تاريخها مع إدماج خصوصيتها الحالية: "تصوغ الجمالية (أو الشعرية) المسرحية تركيب النص والعرض واشتغالهما. إنها تدمج النسق المسرحي في مجموع أكثر اتساعا: الجنس، ونظرية الأدب، ونظام الفنون الجميلة، والنوع المسرحي أو الدرامي، ونظرية الجميل وفلسفة المعرفة"(14).
يبدو البعد التعاقبي diachronique لهذا التعريف واضحا وهو يعيد الاعتبار لمختلف سمات الجمالية التي اشتغلت داخلها الجمالية المسرحية إلى نهاية القرن التاسع عشر: المظهر المعياري ("صياغة القوانين")، واستيعاب الفن المسرحي في الأدب ("مجموع أكثر اتساعا"، "نظرية الأدب") وإدماجه في "نسق الفنون الجميلة"، والتفكير في الجميل ("نظرية الجميل")، وعلم الفن ("فلسفة المعرفة"). إنه يلمح فقط إلى البعد التزامني synchronique للمفهوم في عبارة "النص والعرض".
نسجل فضلا عن ذلك أن مصطلح "شعرية" استعمل مرادفا لكلمة "جمالية" بالعودة إلى المدخل "شعرية مسرحية Poétique théâtrale" المعرفة في هذا الكتاب. لقد حدد معجم المسرح Dictionnaire du théâtre في طبعته الأولى (1980) الشعرية بالنسبة إلى أرسطو وإلى النموذج الإغريقي كما بالنسبة إلى مختلف "الفنون الشعرية المتمركزة حول المسرح"(15) من الفترة القديمة إلى يومنا هذا. لقد عرفها إما باعتبارها "بحثا معياريا يرسم القواعد من أجل بناء مسرحية ومن أجل عرضها حسب ذوق جمهور معين أو باعتبارها محاولة لتأويل نص أو عرض يحيل على نظرية شعرية معطاة. وفي الطبعة الجديدة لـ 1996، يسترجع باتريس بافيس هذه المميزات المختلفة مؤكدا أن "الشعرية تتجاوز بكثرة المجال المسرحي      وتهتم  بأجناس أخرى غير المسرح (بالشعر عموما)" وأنه "رغم أن الفن الشعري المطبق في المسرح يتواجه مع أحسن العقول يجب الاعتراف أن افتراضاته المنهجية تبدو لنا اليوم قديمة وبالية أكثر". وفي هذا الإطار يكتب باتريس بافيس أن "الشعرية لم تصبح أقل معيارية ثم وصفية بل بنيوية ولم تستقرئ المسرحيات والعرض كأنساق فنية مستقلة إلا في حوالي نهاية القرن التاسع عشر وخاصة في القرن العشرين..."(16).
وقد طور تعريف الانطلاق الذي يعطيه باتريس بافيس للجمالية المسرحية عبر ثلاث مقولات كبرى:
-الـ"جمالية المعيارية l’esthétique normative" التي تسمع العرض (أو فقط النص الدرامي) في وظيفة معايير الذوق الخاصة بعصر (حتى و إن كانت معممة في نظرية عامة للفنون من قبل الجمالي).
-الـ"جمالية الوصفية (أو البنيوية) l’esthétique descriptive(ou structurale)" التي "تقتصر على وصف الأشكال المسرحية حسب معايير مختلفة".
-"جمالية الإنتاج والتلقي l’esthétique de la production et de la réception" التي "تمكن من إعادة صياغة التفرع الثنائي: معيارية/وصف. حيث تحصي جمالية الإنتاج العوامل التي تحدد اشتغال النص (تحديدات تاريخية، وإيديولوجية وعامة) واشتغال العرض (الظروف المادية للعمل وللعرض ولتقنيات الممثلين)"، في حين أن "جمالية التلقي تتحدد على العكس في الاتجاه الآخر من السلسلة وتستقرئ وجهة نظر المتفرج"(17).
مع هذه الأنواع الثلاثة من الجمالية المسرحية تم إذن، اجتلاء:
-المعاني التقليدية للمفهوم (المظهر المعياري، والتصنيف، ومعيار الذوق).
-العلاقة مع النظريات الأدبية واللسانية (شعرية، وبنيوية، وسيميوطيقة). وفي هذا الإطار يجب أن نتذكر خصوصا أن جمالية التلقي تأسست من أجل الأدب من قبل هانس روبير ياوس سنة 1978 لتحليل التجربة الجمالية للمرسل إليه destinataire والمستجيب  répondantو"المحينactualisateur " للعمل الأدبي.
-العلاقة مع باقي الفنون (اشتغال إنتاج العمل الفني).
أخيرا يؤسس باتريس بافيس بعض العلاقات بين الجمالية ومفاهيم قريبة من مثل الدراماتورجية dramaturgie ونظرية المسرح théorie du théâtre. فمن جهة تتقاطع الجمالية والدراماتورجية باعتبارهما "متيقظتين لتمفصل المبادئ الإيديولوجية (رؤية للعالم une vision du monde) وللتقنيات الأدبية والمشهدية"، ومن جهة أخرى تتشابه الجمالية ونظرية المسرح ما دامت نظرية المسرح "مبحثا يهتم بالظواهر المسرحية (النص والعرض)".
3-5 تعاريف جاك شيررJacques Scherer، مونيك بوري Moniques Borie ومارتين دو روجمون Martine de Rougemont
3-5-1 تعريف جاك شيررJacques Scherer:
إجمالا، كما كتب جاك شيرر في المعجم الموسوعي للمسرح لميشيل كورفانMichel Corvin  "ليس هناك جمالية مسرحية، بل هناك بالضرورة جماليات"(18). وبعد تعريف كلمة "جمالية" كما ظهرت في ألمانيا سنة 1750، باعتبارها "تفكيرا حول الجميل" يتأرجح بين اتجاهين: معياري أو وصفي، يستدعي عدة مفاهيم للجمالية المسرحية": "هناك مثلا، واللائحة ليست شاملة، جمالية شكسبيرية يمكن أن نسميها أيضا باروكية، وجمالية كلاسيكية أو عظيمة، منكرة ومتمددة في نفس الوقت بجمالية رومانسية، وواقعية رمزية، وبريشتية، وجمالية للعبث، وجمالية لليومي".وأكثر من ذلك ليس هناك في نظره توافق ممكن بين هذه الجماليات المختلفة:"لا يبدو ظاهرا أي مبدأ مشترك للتنظيم بين مختلف الأنظمة الثانوية هذه. إن مجموع الجماليات المسرحية ليس مقارنا بمجموع الأجسام الكيماوية الذي يكون منسجما رغم أنه غير تام".
لقد تولد هذا التباين الأساس بواسطة الرابط العضوي الذي يربط الجمالية المسرحية بواقعية موضوعها وبالخاصية المتباينة لهذا الموضوع. إنه في الأخير مرتبط بتاريخ المسرح الذي يتأصل فيه: "تبدو أصالة كل جمالية غيرَ قابلة للاختزال. إن الجمالية المسرحية، إذ ارتبطت بالواقع، تخلت في الحقيقة عن تجاوز حدود التاريخ وأمسكت أكبر قدر من التقنيات أو الإيديولوجيات التي تُرغَم على العمل معها وهي تبحث عن تعريفها الخاص."
إن دورها هو فقط منح "لون"، حتى نستعمل تعبير جاك شيرر، لمختلف مكونات المسرح. وإذا كانت تذهب إلى حد إعطاء معنى أي تأويلات تاريخية، أو أخلاقية أو فلسفية، فإن ذلك "يكون في الإطار الذي ينتظرها فيه الجمهور. وكما أن هناك جمهورا للمسرح يتفاعل جزئيا حسب ما ينتظر من الفرجات والذي تحدد أذواقه (تقريبا) الممارسة الفنية، هناك أيضا جمهور من أجل الفرجة يوجه طلبُه التفكيرَ حول المسرح أو بالأحرى يولده: "إنه ينقل، بوضوح أكثر أو أقل حسب الحالات، لونه الخاص بهندسة المعمار المسرحي، بالدرماتورحية، بالإخراج، بممارسة الكوميدي، بالديكور، بالملابس، بالإنارة وبالمؤثرات السمعية، الخ. في إطار ما ينتظره الجمهور، لا يستطيع إلا أن يدمج مناظر تاريخية، وخلقا، على الأقل ضمنيا بل وميتافيزيقا. إن تأليف كل هذه العناصر اكتسب بالضرورة معنى".
عبر هذا التعريف يترافع إذن، جاك شيرر من أجل اعتدال الجمالية المسرحية. فالجمالية في مادة المسرح دائما جزئية نسبية، وتاريخية ونوعية. إنها لا تستطيع أن تتأسس على أي قاسم مشترك، ولا يجب عليها أن تدعي أي واحد حتى لا تظهر "استلهاما للإمبريالية الثقافية". فشرعيتها لا توجد إلا مجسدة في كل واحد من أنظمتها الثانوية. في هذا الاتجاه يتعلق الأمر بتعريف جدالي وطوعا حصري للجمالية المسرحية ضد كل محاولة شمولية تسعى إلى مماثلة الخطابات.
3-5-2 تعريف جاك شيرر، مونيك بوري ومارتين دو غوجمون
في مدخل الأنطولوجيا التي نشرها جاك شيرر، مونيك بوري ومارتين دوغوجمون سنة 1982، والموسومة بالجمالية المسرحية: نصوص من أفلاطون إلى بريخت، يتصورون الجمالية المسرحية باعتبارها "تفكيرا حول المشاكل الكبرى للمسرح كما عيشت وعرضت من لدن مبدعين، أو فلاسفة أو كتاب"(19). وهو تفكير يتعلق، من خلال استقبال نصوص أساسية، بالتمهيد لطلبة الدراسات المسرحية لإتمام "تكوينهم التاريخي، والتقني والتطبيقي" .
هذا وبعد ذكر صعوبة "التعريف الدقيق للمجال التي تلمح له دائما النصوص" وكذا الريبة التي يمكن أن يحدثها، بسبب "ادعاءاته المعيارية قديما"، وجود جمالية مسرحية في العصر الحديث، يطالب الكتاب رغم ذلك بضرورتها: "إن عصرنا لم يعد يؤمن بشكل وحيد للجمال كما أعلنت، بمضامين مختلفة، إمبرياليات ثقافية بسيطة بنوع مقبول. لكنه لم يعد يؤمن بإمكانية رفض معنى لمجموعة من العناصر يبدو كل واحد منها اعتباطيا ويكتسب تكوينها مع ذلك بالضرورة بنية جمالية".
يؤسس إذن، جاك شيرر، ومونيك بوري ومارتين دو روجمون تعريفا عمليا للجمالية المسرحية يستطيع رد الاعتبار لاختلاف النصوص:"تستطيع الجمالية أن تظهر باعتبارها الملتقى الذي ستتموضع فيه الإعلانات الصالحة حول أساس الظاهرة المسرحية، بشرط عدم عزلها لا عن التقنيات المتعددة، ولا عن التاريخ، ولا عن الأخلاق، ولا حتى عن الميتافيزيقا".
لقد عرفت كذلك الجمالية المسرحية انطلاقا من مجموع الخطابات التي تشكلها مثل الفضاء التناصي الذي توجد وتشتغل فيه، وهو فضاء مفتوح، تعاقبيا وتزامنيا، على عوالم المسرح والجمالية.

4- الجمالية اليوم:
أن نعرف الجمالية المسرحية اليوم هو أن نأخذ بعين الاعتبار، في نفس الوقت، التطور التاريخي للخطاب النظري حول المسرح ولموضوعه منذ الشعريات الأولى للنص الدرامي إلى نظريات العرض في القرن العشرين، وتنوع الخطابات الجمالية المعاصرة. من وجهة نظر تعاقبية، توجد في الواقع عدة تعاريف ممكنة، كل واحد منها صالح بالنظر إلى عصر أو نظام معينين. أما من وجهة نظر تزامنية، فتوجد، على منوال مجموع الجمالية المعاصرة، "جماليات في طور التأسيسesthétiques en chantier " انطلاقا منها يمكن، بدون شك، معلمة معيار مشترك، أي مهيمنةdominante  عملية بعيدا عن كل محاولة شمولية. وفي كل مرة تكون التقاربات المؤسسة مع مفاهيم أخرى قريبة أو مرادفة وتمكن من إجلاء التقارب.
أخيرا، إن مختلف تعاريف الجمالية المسرحية منذ قرن تضع في المقدمة مظهرا آخر من مظاهرها أي بعدها السجالي polémique. وكما هو الشأن في مجال الفن والجمالية بصفة عامة، يتم الحديث عن أزمة المسرح الحديث التي تنعكس في جمالية مأزومة لا تتوانى عن الحديث عن الأزمة. فمنذ حوالي قرن، أي منذ ولادة الإخراج وظهور المسرح الحديث، تواتر مفهوم الأزمة داخل الخطاب حول الفن الدرامي. لقد ظهرت فكرة أزمة المسرح تدريجيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتبلورت مع البحث المجدد للدراما من لدن زولا في ثمانينات القرن التاسع عشر، والمستخدمة من لدن كل مريد لمسرح جديد، الذي بالنسبة إليه كان المسرح القديم في أزمة. إن هذه الظاهرة التي  يسميها جون بييغ سارازاك Jean-Pierre Sarrazac "تأزيم الشكل الدرامي" هي التي تحدث، بتنوع أشكالها وبأسبابها، في منعطف القرن ثورة جذرية "لأن هذا التأزيم للشكل الدرامي، الذي حدث في سنوات 1880-1910 بقدر ما انبثق من عوامل خارجية المنشأ (تطور الإخراج، والديكور، واللعب، وكذلك فن الرواية والسينماطوغرافيا) بقدر ما انبثق من عوامل داخلية المنشأ تنشد إلى البنية الداخلية للعمل الدرامي"(20). لقد ولدت هذه الأزمة، التي مازالت بعيدة عن الحل اليوم، الإصلاحات المسرحية للقرن العشرين، والانتقال إلى جمالية حديثة وظهور الدرماتورجيات الجديدة. وخلال القرن لن يتخلى رجال المسرح، سواء تعلق الأمر ببريخت، ارطو، أو فيلار مثلا، عن استخدام رفض مسرح هرم باسم الحداثة. نذكر أن ارطو مثلا يقول: "على كل حال أبادر إلى القول على الفور إن مسرحا يطوع الإخراج والتحقيق، أي كل ما يمثل نوعيته المسرحية، للنص هو مسرح للأبله، للأحمق، للوطي، للنحوي، للبقال، للمعاكس للشاعر وللوضعي، يعني للغرب"(21). لقد نتجت، بدون شك، أغلب متقدمات المسرح المعاصر باسم تجديد البحث الدائم.
يجب، في نفس الوقت، تمييز هذه الأزمة، التي تخص الفن المسرحي وطفراته الحديثة، عن أزمة أخرى للمسرح، أكثر حداثة، ترتبط بأزمة الفن عموما ونهاية أوهامه. في هذا الإطار يبدو كذلك التشخيص المؤسس من لدن يف ميشود Yves Michaud بخصوص أزمة الفن المعاصر قابلا للانطباق على المسرح. يعني أن "الأزمة بعيدة عن أن تكون أزمة ممارسات بل بالأحرى أزمة تمثلاتنا للفن ومكانته في الثقافة" وهذه الأزمة لا تحدد فقط نهاية الفن بل كذلك "نهاية وهم الفن"(22). إننا نعيش بدون شك كذلك نهاية وهم المسرح، نهاية حلم جميل، حلم المسرح الشعبي، المدني، أي المسرح للجميع. إن تمثلاتنا للمسرح ولوظيفته داخل الثقافة وكذا داخل مجتمعنا هي سبب ذلك. هنا أيضا يمكن  للجمالية المسرحية، رغم أنها تحت طائلة انحراف وأنها متهمة بعدم القدرة، أن تساعدنا على التفكير في الأزمة.
يظهر  إذن، أن تطبيق الجمالية المسرحية بادرة لم تجر بسهولة لا في ثمانينات القرن التاسع عشر حيث سجلت هزات نظرية لأزمة الدراما ولولادة الإخراج، ولا في ثمانينات القرن العشرين حيث هيمنت النظرية المعاكسة وكذلك أعراض المسرح المأزوم، ولا اليوم حيث يجب البرهنة على أنه، لبلوغ التنوع الجذري للمسرح، ليس هناك أحسن من المقاربة التصورية و"نتيجة لذلك يعود تقصي تاريخ الجمالية ليدل على حقل دائم في طفرة ديناميكية"(23).
5- تعريف مقترح:
1- نجمت الجمالية المسرحية الحديثة في نهاية القرن التاسع عشر عن ظهور الإخراج. وفي وهلة أولى مثلت جمالية للإخراج ثم حددت مجموع التصورات النظرية المتعلقة بالظاهرة المسرحية، سواء تعلق الأمر بالنص أو العرض. إن مجال ممارستها إذن، واسع جدا فهو يتضمن كل العناصر الجوهرية للمسرح حيث أعيد تعريفه باعتباره ممارسة فنية: المكان، والمعمار، والإخراج، والديكور، والممثل، والإضاءة والملابس...إنه يغطي أيضا سيرورة إبداع وتلقي العمل المسرحي وكذا المحافل les instances التي ينطوي عليها: الكاتب، والمخرج والمتفرج. إن أنماط مقارباته متعددة وتلجأ غالبا إلى مختلف خطابات العلوم الإنسانية أو النقد الأدبي. وأخيرا تهتم الجمالية المسرحية بالعلاقة بين المسرح ومختلف الفنون من موسيقى، وصباغة، وسينما.
2-سابقا كانت الجمالية المسرحية تختلط مع الجمالية الكلاسيكية ومختلف الخطابات الفلسفية حول الفن التي تقتسم معها التاريخ والطفرات والمفارقات والالتباسات. خلال مرحلة طويلة جدا، منذ أرسطو مرورا بالقرن السابع عشر الفرنسي وإلى ثمانينات القرن التاسع عشر، كانت تتكون أساسا من شعريات موضوعها هو النص الدرامي.
 ملاحظة :
إن الترادف بين الشعرية والجمالية المسرحية، المستعمل غالبا في الكتابات حول المسرح يوظف:
-عندما يسد النص مسد المسرح، كما هي الحال عند أرسطو مثلا أو في حالة الشعريات الكلاسيكية.
- عندما تستعير نظرية جمالية حول المسرح نفس مناهج النظرية الأدبية (السيميولوجيا، البنيوية)
- عندما تدل الشعرية على دراسة إنتاج الأعمال الدرامية سواء تعلق الأمر بالنص (منذ القدم) أو العرض ( مند نهاية القرن التاسع عشر).
3- من أجل بناء متن  للجمالية المسرحية عبر القرون لا يتعلق الأمر إذن، فقط بجمع كل الكتابات التي ترتبط بهذا المجال منذ حوالي قرن بل كذلك بانتقاء وتجميع، بطريقة استعادية، كل ما يتعلق منذ القدم بالمسرح داخل الجمالية أو الفلسفة وكذلك نصوص أخرى اعتبرت في زمانها تقنيات خالصة (حول فن الممثل مثلا)، دون أن ننسى كل ما هو، داخل المسرحيات نفسها، تعبير عن تفكير نظري حول المسرح.
4-إن المعيار العادي لكل هذه النصوص، أي القاسم المشترك الذي يؤسس مفهوم الجمالية المسرحية، هو استعمال أدوات تصورية من أجل تصور المسرح باعتباره ممارسة فنية: من أجل فهم ماله مكان، عبر أنماط وجود وقتية ومخالفة للمسرحي.
5-أخيرا، تقتسم الجمالية المسرحية مع الموضوع الذي تهتم به لا تجانسية مؤسسة تبرر تعددية أشكالها وتعاريفها.

الهوامش والإحالات:
 (*) - هذا المقال هو الفصل الثالث من القسم الأول من كتاب: «الجمالية المسرحية  L’esthétique théâtrale» لـكاترين نوكريت  Catherine Naugrette الصادر عن Nathan/HER سنة 2000.
(**) - كاترين نوكريت أستاذة محاضرة بمعهد الدراسات المسرحية بجامعة باريس 3 – السوربون الجديدة.
(1)-. « Faire théâtre de tout », entretien entre Antoine Vitez et Danièle Sallenave, Digraphe, n 8, avril 1976.
(2) -J.J. Roubine, Théâtre et mise en scène 1880-1980, PUF, p. 20.
(3) -Cité dans Veinstein (1992), p. 7.
(4) -A. Vitez, Ecrits sur le théâtre, l. L’Ecole, P.O.L, 1994, pp. 218-219.
(5) -Becq de Fouquières (1998), pp. 9-10.
(6) -نفسه، ص 95.
(7)- H. Gouhier, L’Essence du théâtre, Plon, 1943, p.
8- H. Gouhier, L’œuvre théâtrale, Flammarion, 1958, p.7.
(9)- H.Gouhier, L’Essence du théâtre, op. cit., pp
(10)-L. Jouvet, « Le théâtre et la scène, l’espace scénique », dans H.Gouhier, L’Essence du théâtre, op.cit., p.
(11)-Veinstein (1993), p. 346
12) -نفسه، ص 348.
(13) -نفسه، ص 350.
(14)-Pavis (1996), p.124
(15)- Première édition, Editions sociales, 1980, voir pp. 299-300.
(16)-  Pavis (1996), p.261.
(17) -نفسه، ص 124.
(18) - J. Scherer, « Esthétique théâtrale », Dictionnaire encyclopédique du théâtre, dir. M. Corvin, Larousse-Bordas, 1998, vol. 2 (3 éd.), pp. 598-599.
(19) -Borie, De Rougemont, Scherer (1982), p.7.
(20) -Mise en crise de la forme dramatique 1880-1910. Etudes réunies et présentées par J.-P.Sarrazac, Etudes théâtrales, n 15-16, 1999, p.9.
(21) -A. Artaud, Le Théâtre et son double, Gallimard, « Folio Essais », p.61
(22) -Michaud,
(23) - D.Charles, « Sur quelques nouvelles recherches en esthétique », Esthétiques en chantier, revue d’esthétique, n 24/93, éd. Jean-Michel Place, p.7.

تابع القراءة→

0 التعليقات:

إنها تمطر مسرحيات.. في المهرجان المسرحي لنهاية العام في الهند

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

شهدت نهاية العام الماضي باقة من المسرحيات ذات علاقة بالتاريخ، والميلودراما، والمؤثرات العاطفية، والمحاكمات، والمصائب، تم تقديمها في النسخة الثالثة من مهرجان مسرح بانا بهارات رام الهندي. وهي أعمال فنية لمهنيين مسرحيين بارزين مثل جيريش كارناد ومهاسويتا ديفي، وتشكيلة مسرحيات جاءت مقترنة بقدوم العام الجديد وانتهت في الأول من أيامه.
يقول الكاتب والمخرج المسرحي ك. مادافين، الذي ساهم بأربع مسرحيات للعرض، " لقد كنا نخطط لهذا المهرجان طوال العام. وسيكون كل عرض متبوعاً بتفاعل مع الجمهور، الذي سيساعدنا على نيل رده المباشر. وفي نهاية العام يعود الناس ليشاهدوا نفس المسرحيات القديمة كل عام في هذا المهرجان. وكان لا بد من ذلك لإنهاء السنة بنغمة سعيدة ".
وكانت مسرحية " تغلاك Tuglaq " الشهيرة إشارة بدء المهرجان يوم 26 كانون الأول. وتستند المسرحية على الأحداث التي وقعت بعد أن قرر محمد بن تغلاق تحويل عاصمته من دلهي إلى دولت آباد، فقط ليواجه المزيد من التدمير ويرجع مرة أخرى إلى دلهي. وتقوم المسرحية، التي أخرجها مادافين، بتقديم شخصية الحاكم الآنفة الذكر إلى الواجهة حين كان بعيداً عن الأضواء.
وفي يوم 27 كانون الأول، وجد جمهور المشاهدين أنفسهم في عالم زوجين من الطبقة الوسطى، ديبايناث و سوجاثا، في " 1084 ki Maa ". ويمر الاثنان بتغير هائل في حياتهما بعد مقتل ابنهما الأكبر براتي. وتتتبّع المسرحية، وهي من تأليف ماهاسويتا ديفي، الأم سوجاثا وهي تحاول أن تتصور ما الذي حدث حقاً لابنها. وتكتشف، مفزوعةً، أن ابنها كان جزءاً من جماعة مسلحة.
وقدمت في اليوم التالي مسرحية بعنوان " آغني أور بارخا "، التي كتبها جيريش كارناد وأخرجها ك. س. راجيندران، وتدور قصتها أساساً حول عائلة من طائفة البراهما. وتتناول تأثير القوة، والحب، والشهوة، والتضحية على شخصيات متعددة الأوجه.
وعرضت المسرحية الوحيدة باللغة الانكليزية في المهرجان، وهي " كاما سوترا معدّلة "، يوم 29 كانون الأول، وهي مشهد من حياة فتى يكبر في الستينات والسبعينات في الهند. وتتعقب المسرحية التي كتبها ريشارد كراستا وأخرجتها أناسويا فيديا، شاباً صغيراً من بانغالور إلى مدينة واشنطن في بحثه عن الحب، والجنس، والخلاص. وقد أُنجزت المسرحية بطريقة تأخذ المشاهدين في سفرة مليئة بالمغامرة، والنزاعات، والضحك على طول الطريق، وتوفر جو ذلك الزمن من خلال تقديم كلاسيكيات فرق موسيقية وفنانين مثل البيتلز، و الرولينغ ستونز، و نيل دايموند. كما شاهد الجمهور في اليوم التالي مسرحية مكيفة عن رواية كلاسيكية كثر الكلام عليها لمونشي بريم تشاند، عنوانها " غودان. 
وكانت هناك يوم 30 كانون الأول مسرحيتان للكاتب مادافين، منهما " أن تكون أو لا تكون ماكبث "، التي تجعل الواحد يفكر بطموحاته، و تحاول كذلك تبيان إلى أي مدى يمكن أن تمضي بك طموحاتك هذه. وتتتبّع المسرحية حياة المخرج الشهير كومار.
ومسرحية " مهابهاراتا النساء "، التي يقول مادافين، وهو يتحدث عن نجاحها، " إن المسرحية قد عُرضت لدار مليئة في كل وقت ". وهي مأخوذة من أسطورة تاميلية تلعن وفقها امرأةٌ أبناء الطائفة حين تُحرق بالنار حيةً على أيدي أخوانها لصيانة شرف العائلة. وتُظهر المسرحية ثلاث شخصيات معاصرة تتفاعل مع شخصيات المهابهاراتا النسائية لإدراك الألم والصعوبات التي تواجهنها.
وقد انتهى المهرجان بمسرحية " طرطوف Tartuffe " للكاتب المسرحي الفرنسي موليير عام 1664. وأخرج المسرحية، التي تُرجمت بتصرف إلى " المحتال "، المخرج مادافين، وهي تتتبع حياة أورغان، الرجل الغني الذي لا يرى ما يراه أهله في طرطوف المحتال من احتيال.

-----------------------------------------------
 المصدر : ترجمة المدى - عن/ The Hindu




تابع القراءة→

0 التعليقات:

تحولات الممثل واستعاراته / محمد سيف - باريس

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

يشير «غروتوفسكي» ، في كتابه « المسرح الفقير »1 إلى أن كل ما تعودنا على مشاهدته وسماع من فوق خشبة المسرح يكاد أن يكون مصطنعا أو بالأحرى اصطناعيا إلا ما يخص المواجهة التي تتم بين الممثل والمتفرج. في معنى آخر، أي أن بإمكاننا الاستغناء عن الديكور والأزياء، الإضاءة والموسيقى، بل وحذف حتى النص والجمهور، الإكسسوارات والكومبارس … والاحتفاظ فقط بالمواجهة التي تقع ما بين ممثل واحد ومتفرج واحد لكي تستطيع الظاهرة المسرحية أن تتحقق.         
     ولقد كتب « بيتر بروك » في بداية كتابه « الفضاء الخالي »: (إن كل ما يقتضيه الفعل المسرحي هو أن يمشي شخص عبر تلك الفسحة في حين يراقبه شخص آخر وهذا كاف لأن يفجر الفعل المسرحي)2. وأضاف في كتابه « الضجر هو الشيطان »: (لا بد من وجود شخص ثالث. إذا وجد شخص واقف، وأخر ينظر، فهذا يعني أن هناك فعلا مسبقا، موجود فيه كل شيء، شرط أن يذهب هذا الفعل أبعد كثيرا)3. نلاحظ مما تقدم، أن الإشارتان اللتان جاءتا على سان غروتوفسكي وبروك، تشيران وبشكل ضمني إلى ضرورة الحياة وجريانها على المسرح، وهذا لا يتم إلا من خلال فعل « المواجهة » كما أراد أن يسميه غروتوفسكي، وعقد العلاقة التي تفجر الحدث المسرحي، مثلما وصفها بروك.    

     ونستنتج من ذلك، أن الممثل في جميع الإخراجات المسرحية، إن صح التعبير، ليس مجرد حقيقة أولية فحسب وإنما هو العنصر الأساسي الذي من غيره لا يمكن أن تكتمل الرؤية الإخراجية لا على الصعيد النظري ولا التطبيقي. ولقد شعرنا بأهمية هذا الإحساس، من المكانة والوظيفة التي أعطيت للممثل في العرض المسرحي، ومن مختلف التدخلات التي اقترحها هو كمثل والتي اقترحت عليه. وكل هذا يعتبر جزء أو بالأحرى يجب أن يكون جزء لا يتجزأ من تاريخ المسرح، ومن التاريخ الخاص لأشكال العروض المسرحية التي قدمت على مر العصور.
     إن ما نسميه أو نطلق عليه سلطة المخرج قد تحققت في مناخ مثير ومشوق تقريبا، وذلك لأن من أجل أن يوجد هذا الأخير ويفرض نفسه، لا بد له أولا وقبل كل شيء، من مقاومة سلطة الممثل، التي اعتبرت عن طريق الخطأ أو الصواب ليس فقط كسلطة طاغية ومميزة، وإنما كجزء من الحرية الإبداعية الجاهلة بفنها. وعلى عكس ما كان سائدا في القرن التاسع عشر في أجواء الفرق المسرحية من ديمقراطية محببة ومعقولة، فرض المخرج عند مجيئه سلطة تشبه إلى حد كبير السلطة الدينية المغلقة والمتعصبة، خاصة عندما تطالب بالهيمنة المطلقة على جميع عناصر العرض المسرحي. إن هذا المناخ القائم على الصراع، يشير لنا بشكل أو بآخر، بعدم الثقة والاحتقار الذي طغى، في بعض الأحيان،على الخطاب المتعلق بالممثل من قبل بعض المنظرين المسرحيين. إن كوردن كريك، كان يحلم، على سبيل المثال، بمسرح خال من الممثل، بل كان ينادي بممثل جديد ليس له علاقة مشتركة بممثلي عصره. وآرتو يصرح بأعلى صوته ويقول بأن الممثل: ( عنصر له أهمية قصوى، مادام نجاح العرض متوقفا على فاعلية أدائه، وعنصر سلبي محايد، مادامت كل مبادرة شخصية مرفوضة له رفضا باتا)4.      
     علما أننا نلاحظ عندما نرجع بالزمن قليلا إلى الوراء، أن هذه « السلطة » التي استحوذ عليها المخرج عملت، في حقيقة الأمر، على ازدهار وتطور وتجدد فن الممثل، على الرغم من أنها قد وضعت الممثل في مساءلة دائمة وقضت على هيبته كنجم. لأن الممثل حتى نهاية القرن التاسع عشر كان يعتبر هو الشخصية الوحيدة والفريدة التي تعترض طريق التكنيك الضروري والمهم للمسرح لأنه، وبكل بساطة، كان يفرض نفوذه على شباك التذاكر ويقود المسرحية نحو النجاح أو الفشل، وهذه العادة أصبحت متوارثة من جيل لأخر. ولهذا السبب كان النقد آنذاك، يحمل دائما العديد من الممثلين والممثلات، مثل، ساره برنار، جوليان باريت، وغيرهن، مسؤولية تجاهل أو الإخلال بنظام « فن التمثيل ». ولهذا يعتبر القرن العشرين فاتحة جديدة في تاريخ فن الممثل، لأنه قد سمح لهذا الأخير بأن يكتشف ثراء وحقيقة المصادر والإمكانيات التي يمتلكها. 

إن أكبر نظريات العرض المسرحي قد تعاملت مع التمثيل التقليدي بنوع من التعارض وأبدت نحوه شيئا من الرفض، وذلك من خلال اقتراح نظريات وتجارب جديدة استطاعت في ذات الوقت، أن تحول وتغير وجهة فن الممثل على الصعيد التقني والجمالي. ولقد كانت جميع الجهود التي بذلها ستانسلافسكي في روسيا على سبيل المثال، تصب في هذا الاتجاه، أي في ضرورة أعداد تقنيات الممثل، وقد تمثلت في كتابين مهمين هما: « حياتي في الفن » و « أعداد الممثل »، حيث أسس منهجا يتشكل من القوانين العضوية للممثل والتي درسها باستفاضة خلال الممارسة. وميزة ستانسلافسكي الرئيسية في هذين المؤلفين، هو أنه لاشيء فيهما مبتكرا أو قادما من وحي الخيال وإنما كان نتيجة اختيار وممارسة، ونتيجة طبيعية لخبرته على الخشبة ولمدة سنوات طويلة. وقد سلك طريقه ومنهجه « لي استراسبوغ » في أمريكا، عندما أسس « أستوديو الممثل » عام 1947، مما أغنى بدوره وبشكل ملفت للنظر فن الممثل في بلاده.وكذلك نظرية المسرح الملحمي التي تطالب بظهور ووجود ممثل جديد، يتقاطع في تقنياته مع ممثل الطريقة. وقد امتحن وجرب هذا التكنيك الجديد ووضع موضع التطبيق من قبل فرقة « البرلين انسامبل ». ولقد استوحى واشتغل العديد من المخرجين على منوال ما نادى به بريشت من نظريات وتطبيقات مسرحية. بل صاروا ينطلقون منها لكي يؤسسوا بدورهم فهما ومعنا خاص بهم يخرج بنتائج لا تبتعد كثيرا عما جاء به ستانسلافسكي من نظرية وتطبيقات ولا تختلف عما نادى به بريشت من تجديدات، وهذا ما أغنى أشكال العرض وأثرى شروط اختلافاته. بهذه الطريقة اشتغل بلانشون في فرنسا، وشتيلر في إيطاليا .. وحتى أرتو الذي أعلن كراهيته الصريحة واحتقاره للممثل في عصره، لم يتراجع حلمه في ممثل جديد يكون في ذات الوقت كاهن كبير وضحية مقدسة لطقس أو عرض يصبح حدثا وتظاهرة قدرية.   
     بلا شك أن كل هذا قد ترك تأثيره على فن العرض وفن الممثل، ولكن من أجل التقدم إلى الأمام لا بد من النظر إلى الوراء أيضا، ولن يقوى على هذا التقدم إلا من استطاع النظر أولا إلى الخلف ومعرفة ما تم إنجازه في أوقات مختلفة وأماكن متباينة. وهذا ما نظر له أرتو في انشغاله بالممثل في الجزء الذي يتحدث فيه عن « ألعاب القوى العاطفية »5 ، هذا بالإضافة إلى أن غروتوفسكي وبريشت يعترفان بدينهما للماضي، فمثل هؤلاء الرجال يقيمون بناءهم الخاص على الأسس التي يجدونها قائمة، ولا يستطيعون أن ينكروا دينهم للماضي حتى حين يتحتم عليهم إعلان القطيعة معه وتجاوزه. لهذا نلاحظ أن « غروتوفسكي » و « روكلاف »، في الستينيات من القرن العشرين كانا يبحثان ويستهدفان ممثلا جديدا بشكل مزدوج، إن صح التعبير: جديدا بالنسبة للتحديد العادي المتفق عليه كونه مؤدي، وفي نفس الوقت، شخصية خيالية. فالممثل لدى غروتوفسكي راهب يخلق الفعل الدرامي، ويقود الجمهور إليه في نفس الوقت: (وهذا عنصر جديد في المسرح، هذا التوتر السيكولوجي بين الممثل والجمهور، فالأول يحاول أن يخضع الثاني ويبهره، وأن يزيح أي دفاع عقلي يتمسك به هذا، في حين أن المتفرج يناضل ضد « سحر » الحركة والكلمة، ويتعلق بالمنطق، باحثا عن خط دفاع أخير ضد انهيار درعه الاجتماعي)6.
إذا كان المسرح في القرن العشرين قد نجح في اكتشاف واستعمال الإمكانيات المشكوك فيها، فيما يخص صوت وجسد الممثل، فإنه في نفس الوقت، أهتم أو بالأحرى أخذ على عاتقه ماضيه وتقنياته التي كادت أن تضيع وتنسى لقدمها، وحاول إعادة تنشيطها قدر ما يستطيع.ولقد فعل ذلك كوردن كريج في مجلته « The mask », وكذلك آينا كولدوني الذي بحث في هذا المعنى والاتجاه. وفي روسيا، فاختنكوف، وفي إيطاليا شتيلر، وفي فرنسا آريان منوشكين. إن هؤلاء المخرجين والبحاثة إحياء وإعادة الروح إلى تقنيات تعود على عصور مختلفة يرجع تاريخها إلى أربعة قرون واكثر، مثل كوميديا دي لارتي.إن هذه الجهود والبحوث التي قدمت في مجال إعادة ترميم التكنيك القديم وتقديمه من جديد، قد سمح بتقديم عروض غاية في الروعة، كشفت عن براعات مسرحية عصرية، ابتعدت كل البعد عن أن تكون معلومات ووثائق آركيولوجية مسرحية.     
     إن هذا الانفتاح والثراء الذي طرأ على فن الممثل في القرن العشرين، جعل المخرجين والممثلين والفرق المسرحية في حركة تبادل ثقافي وفني مستمر في جميع أنحاء العالم. ولكن على الرغم من ذلك، فإن هذه الظاهرة التي كبر حجمها وتعددت مجالات اتساعها لا تعتبر جديدة: ففي عام 1912 وبعد أن قرأ ستانسلافسكي مقال كوردن كريج « فنان مسرح المستقبل » دعاه إلى مسرح موسكو الفني، كي يصمم ويخرج مسرحية « هاملت »، حيث قرر « كريج » أن يستخدم ستائر في العرض، وكان يريد أولا أن يجعلها من المعدن، لكن ستانسلافسكي أشار بجفاف إلى أن ثقل هذه الستائر يحتم ضرورة إعادة بناء المسرح، وإدخال الآلات الهيدروليكية إليه. وظل الفنيون العاملون في ورشة مسرح الفن عدة شهور يجربون مختلف المعادن، والأخشاب وحتى الفلين، ووجدوها جميعا ثقيلة. وفي عام 1923، قام « كريج » برحلة في الولايات المتحدة الأمريكية، وترك بصماته وأثره هناك على الكثير من الفرق والمخرجين المسرحيين. وفي عام 1931 شاهد أرتو – في معرض المستعمرات بباريس- راقصي جزيرة بالي، فتركوا أثرا عميقا على تصوره للمسرح. وقد تركت أوبرا بكين في عام 1955 أثناء دورتها الملكوكية، في المدن والعواصم الأوربية، أثرا بالغا في المسرح الغربي لا يمكن نسيانه أو نكرانه. وغروتوفسكي مثل بريشت يعترف بدينه لكل من ديلان وديلسارت وستانسلافسكي ومييرهولد وفاختنكوف وراقصي الكاتكالي، والمسرح الياباني، والمسرح الصيني الذي جعله يذهب إلى هناك عام 1962 لكي يدرس فن وتقنيات الممثل الصيني. ويقول في هذا الصدد: (إننا حين نواجه التراث العام للتجديد في المسرح من ستانسلافسكي إلى ديلان، ومن مييرهولد إلى أرتو، نوقن أننا لم نبدأ من فراغ)7.

     إن هذا الكم الهائل من التجارب، واللقاءات الفكرية والتطبيقية المختلفة والمتعددة قد طورت مفهوم الممثل نفسه وخلقت العديد من المفاهيم والمعارف والتقنيات. أضف إلى ذلك، إن تأثير المخرج عليه في مراحل التدريب وخاصة حينما يكون عضوا في فرقة مسرحية ثابتة، كان إيجابيا. لأن أكثر المخرجين الذين طوروا فن الممثل والعرض كانت لديهم فرقا مسرحية قارة وإن لم يكن، فهم يشترطون ذلك في قبل المباشرة في أي عمل. وهذا في اعتقادنا شيئا طبيعيا، لأنه لا يمكن أن يحدث تطور في مجال هذا النوع من الفنون ما لم تتوفر الاستمرارية التي تتحقق بواسطتها المعرفة المتبادلة ما بين الطرفين، ونقصد المخرج والممثل, لهذا صار من المتعارف عليه اليوم، بأن أغلب المخرجين يمتلكون فرقا خاصة بهم. وإن هذه الفرق تكتسب نتيجة لاشتغالها مع مخرج واحد وفريق عمل ثابت تقريبا، نوعا من الهارمونية والاتفاقية والدقة التي تؤدي إلى نوع من الكمال والانضباط الذي لا يمكن أن يتوفر في فرق المناسبات المسرحية. وهذا ما كان «كريك » يحسد عليه « ستانسلافسكي » لامتلاكه فرقة يشتغل معها ويعلمها ويدربها بشكل دائم. وكذلك « لوي جوفه » الذي لم يشتغل إلا مع فرقته الخاصة، و »جان لوي بارو » الذي ترك « الكوميدي فرنسيز » سريعا حتى يُكونّ فرقته الخاصة عام 1946. وإن « فيلار » لم يقبل بإدارة المسرح الوطني الشعبي إلا عندما تأكد من حصوله على فرقة ثابتة. ومسرح « الشمس » الذي يمكن تعريفه بأنه جمعية مسرحية من بين منتسبيها « آريان منوشكين »، والشيء نفسه ينطبق على مسرح « البرلين أنسامبل » من حيث هو فرقة ثابتة ولها مخرج ومنظر ودراماتورج، ومسرح « البيكولو تياترو » في ميلانو وغيرها من المسارح والفرق.
إن أكثر الطروحات النقدية التي رصدت فن الممثل الذي بدأ يفقد نجمه والتماعه في نهاية القرن التاسع عشر، كانت تصدر دائما عن المخرجين الكبار. وقد تمثلت هذه الطروحات بجمل، مثل: أداء روتيني، تمثيل هواة خالي من الإحساس، عدم مسؤولية في الأداء، نقص مطلق في المعنى الفني للعمل ,, وإلى أخره من العبارات التي كانت تنتقد فن الممثل وتأسس له بشكل مباشر أو غير مباشر نقدا مسرحيا يعني به, وهذا ما نجده دائما في كتابات ستانسلافسكي حول الممثل أو كوردن كريك، وكذلك لدى أرتو وبريشت.       
     إن العصر الذي نتحدث عنه، هو أيضا عصر ما يسمى بـ « الوحش المقدس monstres sacrés » : سارة برنارد وجوليا بارتي، وموني سيلي، وهو عصر أب وأم كوردن كريك وإلين تيري وهنري إرفين وغيرهم من الممثلين الذين لا يمكن أن ينساهم التاريخ البشري لما بذلوه من جهود وتضحيات من أجل الفن.     
     وربما من المفاجئ أيضا، أن هناك نقادا نظروا وصنعوا، في نفس الوقت، ممثلين كبار: ستانسلافسكي لم يتوقف عن تمثيل أدوار لا تنسى على امتداد حياته الفنية؛ وكوردن كريك أكد في شبابه على إمكانيات خارقة للعادة وخاصة في تمثيله للأدوار الشكسبيرية، وأن المسرح فقد الكثير حينما قرر اعتزال التمثيل والتفرغ للتنظير، وكذلك أرتو كان بارعا وعبقريا في أداءه في المرات القليلة التي مثل بها، وإذا كان بريشت لم يزعم انه قد اعتلى خشبة المسرح، (فهناك العديد من الشواهد والثوابت التي تؤكد بأن الموهبة لم تكن تنقصه خاصة وأنه كان واحد من أهم المنظرين لفن التمثيل المعاصر) .          
      إن تعبير « الوحش المقدس monstres sacrés »، نفسه أوحى بوضوح للكثير من المسرحيين المجددين بالابتعاد قدر ما يمكن عن هذا النوع من الممثلين إلا في حالة رضوخ عبقريتهم التمثيلية لإرادة المخرج الإبداعية، مثلما فعل « ستانسلافسكي » و « اليونورا ديس » مع « كوردن كريك »* و « جيرار فيليب » مع « فيلار ».        
      في البداية، ظهر الوحش المقدس فوق خشبة المسرح مثل كائن خاص، فهو وحش، وفي ذات الوقت، بالمعنى المتداول- الممثل الذي يتحدى جميع الأنظمة، والذي يغير ويتجاوز جميع القوانين المسرحية إذا اقتضى الأمر- وهو في المعنى الأصلي لكلمة « ساحر » يعني وحش أيضا. وإن هذا التفرد، بحد ذاته، قد أعطى للممثل من هذا النوع إمكانية أن يوجه ويقود جميع العروض وفقا لتصوره وإحساسه الخاص

-------------------------------
المصدر : فضاءات مسرحية 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9