أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الثلاثاء، يونيو 28، 2016

ستانسلافسكي وبرشت / د. قيس الزبيدي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يونيو 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


  كما هو  متداول ومعروف، فإن نظريتي ستانسلافسكي وبرشت تتعارضان وتتقابلان، فمنهج  الأول «أرسطي» في طبيعة العلاقة بين الممثل والحكاية، بينما يتأسس منهج  الثاني في لا ارسطويته.. وحسب برشت فإن ستانسلافسكي تعامل مع فن المسرح من  موقع الممثل ودوره التاريخي، بينما تعامل المخرج برشت مع فن المسرح من موقع  الكاتب ودوره التاريخي.

 ستانسلافسكي ينشئ سيكولوجية الممثل وبرشت ينشئ سيطرة الممثل على الحكاية ومغزاها.

أين يكمن إذن التقابل في المنهجين الفاعلين في الحركة المسرحية في العالم؟
وجّه برشت، في البداية، نقده لستانسلافسكي من وجه نظر ماركسية، وأثار تلك الأسئلة المتعلقة بعلاقة الفنان بمادته الإبداعية، لكنه بدأ في الخمسينات يقوّم بشكل ايجابي بعض عناصر منهج ستانسلافسكي، ومبادئه في المسرح ووجد أنه بتبنيه «التماهي» الأرسطي سعى ليتعايش الممثل مع الشخصية من اجل واقعية العرض المسرحي، كما وجد، أيضاً، أن الهدف الأسمى الذي وضعه للمسرحية، أخضع كل شيء فيه للفكرة، على هذا تمنى لو أن ستانسلافسكي أعطى أهمية اقل للتماهي في منهجه المسرحي. هل على المتفرج نسيان نفسه في المسرح؟ كأن ستانسلافسكي يجاوب: نعم. هل على المتفرج، حينما يجلس في المسرح، أن لا ينسى طوال العرض انه في مسرح؟ يجاوب فاختانغوف: نعم. السؤال الآخر المهم أيضاً: هل على الممثل أن ينسى انه يمثل على خشبة مسرح؟ أو: هل يؤدي الممثل دوره كما لو أنه هو الشخصية نفسها؟
وجد فاختانغوف تلميذ المعلم ستانسلافسكي جدلية أخرى للممثل: أنا ولست أنا! أما برشت فجعل ممثله، لا يختفي في الشخصية المسرحية، بل يعرضها علينا ويرينا كيف يتخيلها خصوصاً أنه، عبر الحكاية، يعرف أكثر منها. 
هدف التمثيل في المسرح الملحمي سرد حكاية، وكل عناصر العمل، تتبع هذه الغاية. لا بد لنا أن نتذكر بوضوح أن ستانسلافسكي مخرج أصلاً، انصب اهتمامه على تمارين التفاصيل التمثيلية، أكثر مما كان يفعل الكاتب برشت. كما أن ستانسلافسكي بدأ في تطوير طريقته بالتعاون مع تشيخوف، بينما أسس برشت طريقته، عندما أدرك أن على المسرح عرض العالم كشيء قابل للتغيير. يقول ستانسلافسكي، ماذا عليّ كشخصية درامية أو كممثل أن أفعل في مسرح معاصر؟ إن هدف هذه الـ«ماذا» يتم تحديدها دائماً، انطلاقا من مثاليات الكاتب والممثل وبدرجة مماثلة من مثاليات العصر، الذي يعيش وينتج فيه كل من الكاتب والممثل. يعترف برشت في كتاب «ستانسلافسكي وبرشت» للباحثة الروسية تمارا سورينا ومن ترجمة ضيف الله مراد، الصادر عن المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق،1994 أن تعاليم ستانسلافسكي حول اعداد الممثل وبناء شخصيته واعداد دوره، تشكل ظاهرة تقدمية لأنها تشكل منهجا متكاملاً. 
أخيراً: بوسعنا أن نعود ونقول مع برشت: إننا بسبب جهلنا بطبيعة المجتمع الانساني، فإننا مازلنا نواجه الآن بالتدمير الكامل لكوكبنا الذي جعلناه بشق الأنفس صالحاً للعيش فيه.

-------------------------------
المصدر : المدى - ملحق منارات 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

رحلتي مع مسرح برشت / يوسف العاني

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يونيو 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

في اوائل عام  1958 كنت اخطو خطواتي الاولى الى مسرح برشت (البرلينر انسامبل).. اقف امامه  متهيبا حذرا، فلم اكن اعرف عنه شيئا ما خلا كلمات وآراء عابرة تكتب ضمن  بحوث طويلة ومسهبة، بحيث يصبح الحديث عن (برشت) او مسرحه امرا ثانويا لا  يهتم به ولا يلفت النظر اليه.. وكنت ارقب حماس المشاهدين في برلين وفي خارج  برلين وهم يتحدثون عن برشت ومسرحه،

 والمس حماسهم الحار لمشاهدة مسرحياته، حتى انك تضيق احيانا لكثرة ما تحاول وتحاول حضور العرض المسرحي فلا يكون امامك مجالٌ.

كنت –  رغم هذا التهيب- اندفع بحماس غريب من اجل ان اخترق هذا السور الفني الضخم، وان ادخل رحاب هذا المعبد الواسع الارجاء وان اضع خطوات جديدة تقودني الى التعرف على ملامح وابعاد مدرسة مسرحية معاصرة غيرت مفاهيم المسرح التقليدي وهزت المجتمع بعنف واتت من خلال رؤى برشت الجديدة، بمفاهيم اثارت اهتمام المسرحيين من جهة ومشاهدي المسرح من جهة اخرى. وبحثت عن السبيل. فلم يكن امامي الا شخصية واحدة.. هي الوحيدة التي تستطيع ان تزيل عني مخاوف الحذر والتهيب، ان ارادت ذلك وان اقتنعت بجدوى فضولي واهتمامي الحار هذا.. كانت (هيلينا فايكل) هي الوحيدة القادرة على ذلك، فقد كانت هي مسرح برشت بتاريخه وابعاده وقيمه المسرحية.. ولكن.. كيف السبيل الى (هيلينا فايكل) قد يستيطع المرء لقاء اي شخصية سياسية او اجتماعية في المانيا الديمقراطية بسهولة ويسر.. لكن (هيلينا فايكل) تعني شيئا آخر في المانيا الديمقراطية وتعني قيمة اخرى في المسرح الالماني..
ووقت هذه الفنانة ليس من الاتساع بحيث تستمع الى فضول من جاء يبحث عن مسرح لا يعرف عنه شيئا.. ومدرسة مسرحية لم يسبق له التعرف على اولياتها.. ولم يلفني اليأس.. حاولت وحاول معي المسؤولون الذين كانوا يعينونني على الاقتراب الطبيعي من مسرح (البرلينر انسامبل) وشاهدت اول مسرحية في هذا المسرح العتيد (خوف وبؤس الرايخ الثالث) وكان لـ (هيلينا فايكل) نصيب في هذه المسرحية حيث مثلت في لوحة واحدة من لوحات هذه المسرحية ولم يكن امام (هيلينا فايكل) الممثلة الا ان تجلس على كرسي، وتتحدث بالتلفون، ولم يكن بمقدوري الا ان اسحر كالمأخوذ امام الاداء الفذ الذي قدمته فايكل وكان علي ايضا ان امسح من ذهني كل ما تعلمته من اوليات التمثيل ومبادئ الاخراج الساذجة.. وان ازداد عزما واصرارا على لقاء هذه الفنانة الكبيرة..
اللقاء الاول
سألتني:
لماذا تريد التعرف على مسرح برشت؟
قلت:
– لانه مسرح تقدمي وجديد..
قالت:
وسياسي:
قلت:
– بالضبط.
قالت:
هل تمارس السياسة؟
قلت:
– السياسة جزء من حياتنا، والفن لابد وان يشمل كل مجالات الحياة.
قالت:
هيا لنتغدى. سأدعوك على غداء في مطعم المسرح.
لم أُصدق هذا اللقاء. كنت اخافه وكنت أُحاذر ان ينزلق لساني امام هذه السيدة الفنانة..
وكانت معاونتي في الترجمة اكثر تهيبا مني.. وعلى مائدة الغداء.. تحولت (هيلينا فايكل) الى (ام) مجرد ام.. عرفتني بأبنتها (بربارا) وقالت لي:
ماذا يعمل ابوك؟
قلت: متوفى.
قالت: وامك؟
قلت: متوفاة ايضا.
قالت: لا تهتم سأكون انا امك. الم تسمع بالام كوراج وابنائها السبعة.. ستكون الثامن.. وكن بعيدا عن احداث المسرحية، يجب ان تظل حيا لتنشط في مسرح بلادك..
ومنذ تلك الساعات.. اصبحت وكأنني من اسرة هذا المسرح، لقد منحت حق حضور (البروفات) ومنحت حق مقابلة المخرجين والشخصيات الفنية الاخرى والتحدث معهم. وعشت اياما سعيدة لا تعادلها ايام اخرى.. وكنت اركض لاهثا وراء الكثير الجديد الذي اراه، وابالغ في طرح الاسئلة الامر الذي كان يبدو احيانا ساذجا! امام الشخصيات الفنية التي التقي بها، وكانت (هيلينا فايكل) تدعوني الى الحماس اكثر واكثر، فأزداد اعجابا بها، وارى من خلالها كل تاريخ ونضال زوجها (برتولد برشت) ومسرحه الرائد، ذلك المسرح الذي تمخض عبر الصراع الطبقي في النضال الاول من القرن العشرين، والذي بلور فيه برشت طريقة في المسرح تثير عند المتفرج دوافع وقدرات على تغيير الواقع ولهذا السبب كان لابد من تغيير المسرح –  كما تقول فايكل –  فعندما بدأ البناء المادي والفكري للمسارح بعد اندحار الفاشية صاغ برشت مشاريعه الخاصة وطرح مسرحياته الكبيرة، والتي لم يكن بعضها قد تم عرضه.
لقد طرح برشت مبادئه الاساسية في المسرح على الصعيدين النظري والعملي، وبهذا انتقل –  وفق تخطيط منظم ومدروس –  الى المرحلة المهمة، مرحلة التطبيق، متخذا من فرقته ومسرحها، وبمعاونة شريكة حياته (هيلينا فايكل) مصنعا فنيا لممارسة تجاربه وتطبيق نظرياته وبلورة خبراته في ظروف اجتماعية ناضل هو وزوجته وفرقته المسرحية من اجل ارسائها. لقد دعا برشت الى تطوير فنين: (فن التمثيل) و(فن المشاهدة) ففي مسرحه الملحمي الذي بلوره في نهاية العشرينات، عمد برشت الى (التغريب) تغريب العمل المسرحي، ليتخذ موقفا نقديا وايجابيا من قبل الممثلين والمشاهدين. فهدف (التغريب) هو تمكين المشاهد من ممارسة النقد المثمر وفق موقف اجتماعي.. ولكي يتوفر التغريب كما يقول برشت: (يجب على الممثل ان يرفض الوسائل التي يمثلها الممثل.. وعلى الممثل في هذه الحالة الا يقع هو كذلك في غيبوبة الشخصية التي يقوم بتمثيلها(.
والتغريب لا يثير النقد الايجابي في ذهن ونفس المشاهد الا عن طريق دقة الملاحظة والاتقان العالي، عند ذاك فقط يتحول التغريب الى عملية فنية والى ينبوع للسرور. فالتعليم في المسرح ممكن حيث تكون التسلية ممكنة.
يجب ان يثير المسرح الرغبة في نفوس المشاهدين ليتعرفوا على الواقع من دون حاجة الى تقديم صور كثيرة عنه. على المسرح توفير متعة الاحساس بتغيير هذا الواقع. ويجب الا يكتفي المشاهدون بمجرد التفرج على مشهد (تحرير بروميثوس) من اغلاله، بل ان يحسوا بالرغبة في تحريره! 

كانت (هيلينا فايكل) متحمسة لأفكار برشت، هي صدى هذه الافكار وامتداد لها.. بل كانت تحرص عليها الى حد التفاني من اجلها. فقد تعرفت على برشت منذ عام (1924 –  1925) حين عملت في المسرح الالماني ببرلين وقامت بتمثيل دور (ليوكوديا بيكبيك) في مسرحية (الرجل رجل) لبرشت عام 1927 وهو اول دور لها في مسرحية من مسرحيات برشت.. ثم تزوجت منه عام 1929.
ولدت (هيلينا فايكل) في 12/5/1900 في مدينة فيينا. وقد درست في المدرسة الابتدائية منذ عام 1907.. انهت الدراسة الثانوية عام 1918 حيث التحقت بمعهد التمثيل في العام نفسه بالرغم من معارضة والديها الشديدة لرغبتها هذه، وتتلمذت على يد الاستاذ (آرثو هولتس) انتقلت بعد ذلك الى فرانكفورت حيث التحقت بالمسرح الحديث الذي كان يديره (آرثر هيلمر)..
وقامت هناك بتمثيل العديد من الادوار كان اهمها دور (ماريا) في مسرحية (فويزيك) تأليف (جورج بوشنر) واخراج (آرثر هيلمر). وفي عام 1922 انتقلت الى برلين.. ومسارح اخرى حتى استقرت في عام 1925 في المسرح الألماني.
كانت رفقة (هيلينا فايكل) لزوجها (برتولد برشت) رفقة نضال مرير وطويل، ففي شباط عام 1933 هاجرت معه الى براغ ومنها الى فيينا، ثم باريس فسويسرا، وبعدها الى الدنمارك. وفي خريف عام 1933 سافرا الى موسكو. وفي عام 1939 انتقلا الى ستوكهولم ثم فنلندا. وفي عام 1941 قاما برحلة خلال الاتحاد السوفياتي.. ثم قاما برحلة الى امريكا.. كانت (هيلينا فايكل) تقوم باعطاء دروس خاصة في التمثيل هناك.. وفي عام 1947 انتقلا الى باريس ثم سويسرا ثم عادا عام 1948 الى برلين.. وفي شهر ايلول عام 1949 تم افتتاح مسرح (برلينر انسامبل) بأدارة (هيلينا فايكل) وكان (برتولد برشت) المدير الفني للمسرح.
اللقاء الثاني
قالت:
قبل عشر سنوات كنت هنا إذاً!
قلت:
– نعم:
قالت:
انا اتذكر هذا اللقاء ولكنني كما ترى قد كبرت. وانت؟ ماذا تقدم لأبناء بلدك؟
قلت:
– كل عطاء اعتقده خيرا وجيدا.
قالت:
وما رأيك بهذا الاحتفال؟
قلت:
– انه رائع. وقد اعاد الي حديثا قصيرا جرى بيني وبينك عن مسرح برشت السياسي.
قالت:
طبعا انه مسرح سياسي، واحتفالنا تحت شعار السياسة في مسرح برشت. كان هذا اللقاء في العاشر من شباط عام 1968.. في الاحتفال الذي جرى ببرلين بمناسبة مرور سبعين عاما على ولادة الكاتب المسرحي (برتولد برشت(.
في ذلك اليوم قدم مسرح (البرلينر انسامبل) مسرحية (الأم) المقتبسة عن قصة مكسيم غوركي المعروفة، وقد اعاد برشت كتابتها عام 1932.. وقدمها لأول مرة عام 1933.. ثم منعت وظلت تقدم قراءة في حلقات شبه سرية.
تدور احداث (الأم) عند غوركي بين عام 1901 وعام 1905 بينما تدور احداث مسرحية برشت بين عام 1901 و1917..
كتب غوركي قصته قبل ثورة اكتوبر وكتب برشت مسرحيته بعد الثورة بخمسة عشر عاما. فالنظرة تختلف والوضع الاجتماعي كان قد تغير في الاتحاد السوفييتي.
اعتمد برشت في المسرحية على التطور الفكري عند (الأم) مختصرا مدة التحول هذه ومجتازا احداثا كثيرة من خلال اغاني المجموعة التي تقدم بين المشاهدين.
عرض مسرحية (الأم) كان تكريما فنيا لأسرة برشت نفسها فقد مثلت دور البطولة فيها (هيلينا فايكل) وشاركتها (بربارا) بنت برشت وبنتها.
قلت لـ (هيلينا فايكل):
– لقد صفق الجمهور لك طيلة عشر دقائق ولا اعتقد ان مسرحية اخرى او موقفا كهذا الموقف او ممثلة مثلك قوبلت بهذه الحفاوة في ليلة ميلاد زوجك الفنان العظيم (برتولد برشت).
قالت:
– لقد بكيت وانا اخرج للجمهور اكثر من عشر مرات. لم اتعود البكاء حين يصفق لي الجمهور. هذه المرة بكيت، تمنيت ان يكون برشت معي!
لقد شاركت (هيلينا فايكل) برشت كفاحه ونضاله الطويلين وشاركته عطاءه المسرحي الثر.. لقد مثلت له اكثر من مسرحية ومسرحية، فمن ادوارها:
– احد المحرضين في مسرحية (الاقدام على عمل)، اخراج (سلاتان دودوف)، عام 1930.
(بيلاجيه فلاسوفا) في مسرحية (الأم)، اخراج (ايميل يوري)، عام 1932.
)السيدة لوكريندل) في مسرحية (القديسة يوحنا)، اخراج الفريد براون، عام 1932
(تيريزا جرار) في مسرحية (بنادق الام جرار)، اخراج (سلاتان دودوف) حيث قدمت الى مجموعة من المهاجرين الالمان في باريس عام 1937.
(يوديت كــــــايت) في مسرحية (بؤس وشقاء الرايخ الثالث)، اخراج (سلاتان دودوف) ايضا، عام 1938.
(انتيجونا) في مسرحية (انتيجونا)، اخراج (برتولد برشت وكاسبار ينهير)، عام 1949 في سويسرا.
(آنا فيرلنج) في مسرحية (الام الشجاعة واطفالها)، اخراج (برتولد برشت وايريش اينجل)، عام 1949.
)بيلاجيه فلاسوفا) في مسرحة (دائرة الطباشير القوقازية) اخراج (برتولد برشت).
(مدام سوبيه) في مسرحية (قصة سيمون مارشارد)، اخراج (مانغريد كارغه)، عام 1968. 
(فولومينا) في مسرحية (كوريولان) المقتبسة عن شكسبير، اخراج (مانغريد فيكفرت).
وقد مثلت (هيلينا فايكل) مسرحيات كثيرة لكتاب مسرحيين آخرين، لكنها ظلت في كل اعمالها تؤمن ايمانا عميقا بروح برشت الفنية وبالاسس المتينة التي ثبتها برشت في مسرحه كمنطلق واضح لكل عمل يقدمه مسرح (البرلينر انسامبل). وكانت (هيلينا فايكل) تحرص على برشت ومدرسته الى درجة التزمت والكفاح المرير ضد من يحاول الخروج عليها. ومن هنا جاء موقف عدد من الشباب العاملين في مسرحها، موقف الراغب في تطوير بعض ما جاء به برشت.. وكانت (هيلينا فايكل) تعتبر ذلك انحرافا منهم، بينما كانوا يعتبرون موقفها منهم جمودا، ويرون في سياستها تقوقعا سيؤدي بالتالي الى تحويل تراث برشت ومسرحياته الى (متحف) مسرحي لا اقل ولا اكثر.. ودارت نقاشات طويلة، وطرحت آراء كثيرة ساهمت (هيلينا فايكل) فيها، لكن الامر ظل قيد المنــــــاقشات الايجابية البناءه. فكل ما يطور مسرح برشت ويغنيه هدف لا يمكن لـ (هيلينا فايكل) ان تقف في وجهه فهي ان حرصت على برشت ومدرسته، فأنها تحرص على جزء كبير من حياتها المسرحية معه.. عبر سنـــــــــوات طوال بدأت عام 1924 وانتهت عام 1956 حين فارق برشت الحياة.. ثم واصلت مع فرقته مســــــــيرة برشت حتى فارقتها الحياة في السادس من شهر ايار عام 1971.. حيث فقد المســــــــــرح العالمي اكبر ممثلة فيه، وفقد المســــــــــرح الالماني فنانة عبقرية واما طالمــــــــا ابكت واضحـكت اكثر من جيل وجيل.

--------------------------------------
المصدر :المدى - ملحق منارات 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

الاثنين، يونيو 27، 2016

صمت النوافير مقطع من نصّ مسرحيّ / حسن المؤذّن

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, يونيو 27, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

الشيخ: وتدفعني قدمي فأشرّق
فإذا بمنارة الإسكندريّة مظلمة
والبحّارة لا يهتدون
مراكب الهند واليمن لا ترسي
حرائق في نخيل الكوفة
بسائط الحلّة قفر
والفرات دم وحبر
يا للظّلمة في قيظ الهاجرة!
"كأنّي بالمشرق قد نزل به مثلما نزل بالمغرب
وكأنّما نادى لسان الكون في العالم
بالخمول والانقباض
فبادر بالإجابة".
الجوق: الطّطر قادمون
دمشق ذات الأنهار السّبعة
تغلق أبوابها الثّمانية
الطّطر قادمون.
الشيخ: أدخلها كمن يستغرقه كتاب فريد
صفحاته باهرة الخطّ بديعة الزّخارف
من أيّ منعطف أنعطف أرى
قبّة النّسر ذاهبة بشموخ في الهواء
أمرّ من باب جيرون إلى باب البريد
أتمشى في دهليز الباب الغربيّ
فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الجوق: فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الشيخ: أدخل الجامع المكرّم
فينكسر ظلّي تحت ضوء شمسياته المتوهّجة
وتحتويني قبّة الرّصاص في فلكها المرصّع الجليل
فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الجوق: فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الشيخ: أرتقي جبل قاسيون مصعد الأنبياء
أوقد السّروج في مغارة الجوع
أقف على الرّبوة ذات القرار المعين
فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الجوق: فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الشيخ: أسير بين دكاكين الجوهريّين والكتبيّين
الشمّاعين وصانعي العطور، والنحّاس والقناديل
أمرّ بالمدارس والخوافق والرّباطات
وبالأرباض الفسيحة والسماطات
فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الجوق: فتثمل عيني
ويرتجف قلبي.
الشّيخ: أنشر بصري في الغوطة الخضراء
أشرب من مياه النّيرب
وأمهل خطوتي في رياض المزّة
فتثمل عيني...
وها من تربة منجك يرتجّ فضاء دمشق
قرع طبول، ونفخ قرون، وأبواق...
فأرفع وجهي إلى السّماء
أمّا من لطفك يا إلاهي!
بين جبل قاسيون وباب الفراديس مدفن
سبعمائة نبيّ
أمّا من لطفك يا إلاهي!
تسيل من عيني المرهقة دمعة خرساء
وأغمغم متفجّعا
كلّ مدينة تحرق كتاب يحرق
كتاب من النّفائس لا يستعاد...
آه! يا مراصد سمرقند ومراغة ونيسابور
ماذا تقول قرانات النّجوم؟
الجوق: من أين لي بعشبة مسكره
فلا أرى ما أرى
من أين لي بعشبة مسكره
فهذي المسالك جمر
والمدى مقبره.
-------------------------------------------
المصدر : الجديد العدد: 17، ص(38)
تابع القراءة→

0 التعليقات:

العنف في المسرح .. خيال قد يترك ظله على الواقع

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, يونيو 27, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

في أحد المشاهد السيئة الصيت في الدراما الحديثة، تقوم جماعة من الشبان في متنزه لندني برجم طفل حتى الموت في عربته. و ما يبدأ كلعبٍ خشن يتصاعد إلى سادية مطلقة حتى تُرمى صخرة، لتنتهي صرخات الطفل الواهنة.
لقد أثارت مسرحية إدوارد بوند " Saved " هذه غضباً عارماً حين قُدمت عامَ 1965 على مسرح رويال كورت كعرض لنادٍ خاص. و بالرغم من أن المسرحية لم يكرر إحياؤها كثيراً، فإنها تُعد عملاً كلاسيكياً حديثاً، و ليس فقط لأنها كانت مفيدة لقلب قوانين رقابة المسرح البريطانية، وفقاً لتشارلز مكنلتي McNulty في عرضه هذا.
و لا تزال مسرحية " Saved " صادمةً حتى وفقاً لمعايير اليوم. فبوند، الذي أقر مرةً بأنه يكتب " عن العنف بنفس الطريقة
تابع القراءة→

0 التعليقات:

علاقة الفن بالسلطة تتجلى صارخة في مسرحية 'عن حق وباطل'

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, يونيو 27, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

لا يزال الفنان ميشيل بوكيه يقف شامخا على خشبة المسرح، لم تُفقده أعوامُه التسعون رغبةَ التواصل مع محبّيه، ولا قوةَ ذاكرته وحضورَ بديهته، وقد أثبت مرة أخرى، من خلال أدائه الرائع لدور قائد أوركسترا في مسرحية “عن حقّ وباطل” التي تعرض حاليا بمسرح “بيرتيلو“ بباريس، أنه من طينة العمالقة، رغم أنه ينفي، بتواضعه المعهود، تميّزه عن سواه، ويعترف بأنه لا يزال يحس برهبة المبتدئين في كل عمل يُقبل عليه.

بعد خمس سنوات أدى فيها ميشيل بوكيه باقتدار دور الملك بيرانجيه الأول في مسرحية “الملك يموت” ليونسكو، انتقل إلى دور آخر لا يقلّ عنه تعقيدا في مسرحية “عن حقّ وباطل” للكاتب الإنكليزي رونالد هارْوُود، تلبية لرغبة فرنسيس لومبراي الذي يدير مسرح “بيرتيلو” منذ 2013، ويشاركه فيها دور البطولة.
تقوم المسرحية على مواجهة بين شخصين يحمل كل منهما فكرة معينة عن الفن وعلاقته بالسلطة السياسية، الأول هو الألماني فيلهيلم فورتفانغلر (1886/ 1954) أحد كبار قادة الأوركسترا في العالم بفضل أدائه الفريد على رأس فيلارموني برلين منذ عشرينات القرن الماضي حتى وصول هتلر، إلى جانب إبداعاته الموسيقية والسيمفونية، والذي يعتبره أهل الذكر أفضل مؤدٍّ للتراث الفني الألماني والنمساوي. والثاني هو الرائد الأميركي ستيف أرنولد الذي تولى استجوابه في نطاق حملة تطهير المجتمع الألماني من الفكر النازي ومعتنقيه، عقب انتصار الحلفاء ودخولهم برلين، والتهمة الموجهة لذلك الموسيقي الشهير هي: أولا مصافحته الفوهرر عقب عرض موسيقي لفرقة برلين، ثانيا، اختياره البقاء في ألمانيا تحت الحكم النازي، والحال أن أغلب زملائه هاجروا إلى المنافي الأوروبية والأميركية.

وبالرغم من أن الرجل كان بعيدا عن السياسة، إذ لم ينخرط في الحزب القومي الاشتراكي ولا في الدعوات النازية، بل إنه أنقذ حياة عدد من الموسيقيين اليهود وساعدهم على الهجرة، فإن مواصلته إدارة فيلارموني برلين وتقديم سهرات موسيقية تحت حكم الرايخ الثالث أثارا كراهية عدد من أهل الفن ممن يحسدونه على تألقه وبروزه، مثل أرتر روبنشتاين وفلاديمير هوروفيتش، ومن جانب من المثقفين الألمان الذين غادروا البلاد، كالكاتب توماس مان الذي وصفه بـ”خادم الرايخ”.

المواجهة التاريخية بين الرجلين، التي اعتمدها المؤلف الإنكليزي استنادا إلى مذكرات الضابط الأميركي، كانت ذات علاقة فوقية، بين منتصر ومتّهم بالانتماء إلى المهزومين يحاول الدفاع عن نفسه ما استطاع، وهو الذي عرف عنه ضعف إمكاناته التعبيرية، وغموض خطابه. أما المواجهة الركحية فكانت غير متكافئة، ففرنسيس لومبراي لم يوفق كثيرا في إضفاء العمق على شخصية المستنطِق، وظلت صورة اليانكي متصلبة، فاقدة لتلك التفاصيل الصغيرة التي تضفي على الشخصية نوعا من الغموض، فيما كان أداء بوكيه متميزا كالعادة، إذ استطاع أن يؤلف شخصية معقدة، مليئة بالمتناقضات، وينسي المتفرج فارق السنّ بينه وبين الشخصية الحقيقية (ففورتفانغلر كان عام 1946 في الستين).

وبين اتهامات الضابط الأميركي (الحفلات التي قدمت بحضور هتلر، بعض ما ينسب لقائد التخت الأوركسترالي من أقوال معادية للسامية، اتفاقه المزعوم مع الرايخ الثالث للبقاء على رأس البيرلينر..) ودفاع هذا الموسيقي الذي يفضل فاغنر على نيتشه وباخ على بيتهوفن (حاجته إلى البقاء مع شعبه، وأن يكون الضامن للثقافة الألمانية، وجهوده في مساعدة اليهود، ورفضه ترك فرقته للبرابرة..)، تبدو الحبكة ثقيلة أحيانا لولا توسّل المخرج جورج فيرلر بتقنية الأشرطة التلفزيونية المبنية على التصعيد والتشويق و”الفلاش باك”، وإن كان من المعروف تاريخيا أن فورتفانغلر تمت تبرئة ساحته عام 1947، وعاد إلى إدارة الأوركسترا البرلينية إلى أن فقد سمعه عام 1952 أي قبل عامين من وفاته في بادن بادن.

لقد عرف ميشيل بوكيه كيف يزاوج بين ما يعتري فورتفانغلر من تحفظ متعال وشغف يائس، فينفعل أحيانا أمام تهم اليانكي الذي لا يرى فيه إلاّ مرتشيا قايض بقاءه بعطايا سَنيّة، ثم يعود ليتخذ نبرة هادئة منكسرة، فيتبدى باردا أو ساخرا أو ناطقا بقيم إنسانية عميقة. وعندما يتحدث عن الفن والتسامي الذي تخلقه الموسيقى، وهو الذي شهد له معاصروه بالنبوغ والتفوق، حتى أن الفنانين الأميركان رفضوا تعيينه على فيلارموني نيويورك في أواسط عشرينات القرن الماضي، خلافا للجمهور الذي انبهر به وبفرقته، حينها يكتسي ملامحَه إشراقُ من حاز أسرارَ الإلهام.

وعندما يسكت عن الكلام، يائسا من إمكانية إقناع الضابط ببراءته، تنهض زوجته جولييت كارّيه في دور محامية متطوعة تنفي عنه التهمة وتبعد عنه الشبهة مستعينة بأسماء معروفة في دنيا الفن الموسيقي وقفت مع وكيلها، مبينة بالحجة وجود لوبي من الموسيقيين في العالم يريد إدانة فورتفانغلر للتخلص منه، إما عن سوء فهم لما جرى، وإما بدافع الغيرة والحسد. في خلفية هذه الحادثة التاريخية تبرز وجهتا نظر، يختلط فيهما الحق بالباطل، الأولى تدين كل من يقرب الطغاة، ولو بغير رغبته، وتدعو إلى حسابه حسابا عسيرا ليكون عبرة لمن يعتبر، والثانية تضع الفن في المقام الأول، ولا يهمها إلاّ خدمته، في شتى الظروف ومختلف الأجواء.

------------------------------------
المصدر : أبو بكر العيادي - العرب

تابع القراءة→

0 التعليقات:

قبل أن يأتي الربيع مسرحية من فصل واحد - تأليف أحمد اسماعيل اسماعيل

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, يونيو 27, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

(صالون في شقة سكنية متواضعة: يقع المدخل على اليمين، وعلى اليسار ثمة بابان: واحد يؤدي إلى المطبخ وآخر إلى جانبه يؤدي إلى غرفة النوم، أريكة وكراس، وطاولة تتوسط الصالون، تلفزيون موضوع في زاوية ما من الصالون وفوقه، وعلى رف خاص، هاتف منزلي، تتوزع على الجدران مجموعة معلقات: صورة غير حديثة لعروسين وأخرى لآية الكرسي وساعة حائط كبيرة، إضافة لمكتبة صغيرة جداً.. جرس الهاتف يَرّن ويلحُ في الرنين، تخرج سلمى وهي امرأة في العقد الثالث من العمر، تلتقط الهاتف، الوقت في الهزيع الأخير من الليل)


سلمى: ألو. نعم، إنه بيت الأستاذ مروان شكري، نعم إنه في البيت، من حضرتك يا أخي؟ من؟! عفواً، هل قلت..(ترتبك) نعم أنا زوجته، هل أوقظه؟ نعم.. تفضل.. حسناً. سأخبره. لا. لن أنسى. غداً. الساعة التاسعة صباحاً. نعم. أمرك. حاضر. وأنتم من أهل الخير. وأنتم من أهل الخير.

(تضع السماعة وقد زاغت نظراتها وازداد ارتباكها، تجلس على أقرب كرسي، يدخل زوجها مروان وهو رجل في العقد الرابع من العمر، يفرك عينيه ويتثاءب)


مروان: (بضيق) ألا تملّين من الحديث في الهاتف يا امرأة.. أقسم بالله أنني سأكسر هذا الهاتف اللعين يوماً، وليقلْ عني الجميع أنني جننت. من كانت المتحدثة هذه المرة. سميرة؟


سلمى: لا.


مروان: إذن لا بدّ أن تكون أم علي.


سلمى: لا.


مروان: لم يبق سوى شيرين، تلك المرأة الثرثارة، كان الله في عون زوجها، وما هو الموضوع الذي لا يمكن لشيرين هانم تأجيله حتى الصباح؟ أخبار الثورة التونسية؟ أم مفاوضات السلام.. (يقلدها) اليوم صنعت كاتوا يجنّن. طار عقل زوجي حين تذوقه، هؤلاء الرجال لا همَّ لهم سوى بطونهم، املئي بطن الرجل وسوقيه كما تشائين، الطريق إلى قلب الرجل معدته؟ (بضيق) أي طبعاً لأنه حمار. لو لم يكن حماراً.. أستغفر الله.. ليس عبثاً أن يقال عنكم ناقصات عقل ودين. لقد طار النوم من عيني، اذهبي واجلبي لي كأس ماء. وضعي أبريق الشاي على النار.


سلمى: لقد ظلمت المرأة يا رجل.


مروان: (بسخرية) هيا اجلبي لي الماء بسرعة فقد جفّ حلقي. واصنعي لي القهوة بدل الشاي.


سلمى: ألا تريد أن تعرف من كان المتحدث؟


مروان: لا بدّ أن تكون ميشيل أوباما أو المستشارة ميركل.


سلمى: (بتلعثم) لقد كان الفرع.. فرع..


مروان: (يقاطعها بسخرية) فرع النسوان لقراءة الفنجان؟ (يقلدها كمن يقرأ في فنجان) هناك طائر وفي فمه مكتوب، إن شاء الله خير، هذا يعني أن خبراً حلواً سيصلكم. وهذه سمكة، والسمكة تعني الرزق، ولكن أف.. عيون.. حولكم عيون كثيرة.


سلمى: يجب أن تراجع غداً فرع أمن الدولة.


مروان: (بذهول) ماذا؟ أمن الدولة؟!


سلمى: نعم. أمن الدولة، هذا ما قاله لي المتحدث في الهاتف.


مروان: (وقد جمد وجهه من شدة الخوف) حقاً؟ قولي أنك تمزحين؟


سلمى: إني جادة يا مروان.


مروان: وماذا كان يريد؟


سلمى: سألني عن اسمك، قال: هل هذا بيت مروان شكري، فقلت نعم.


مروان: وبعد ؟


سلمى: فردَّ: قولي له أن يحضر غداً الساعة التاسعة صباحاً إلى فرع أمن الدولة، فالمعلم يريد أن يتناول معه القهوة. (تنهض)


مروان: (يمسك بيدها بقوة) إلى أين؟


سلمى: سأصنع لك القهوة.


مروان: لا أريد أن أتناول سمَّ الموت؛ هل قال لك أن المعلم يريد أن يشرب معي القهوة؟


لوحة: صفوان داحول


سلمى: نعم.


مروان: (برعب يزداد) معنى ذلك أن الأمر جدّ خطير، لو لم يكن الأمر خطيراً لأرسلوا واحداً من عناصرهم، من أولئك الذين يحملون الدفاتر الصغيرة. ليكتب تقريراً يناسبنا بعد أن ندفع ألف ليرة ثمن فنجان القهوة، أو لقال لك: أخبريه بضرورة مراجعة الفرع، هكذا فقط، دون كلمة قهوة ومعلم. لو لم يكن كذلك لما وصل الأمر إلى المعلم.


سلمى: اهدأ يا رجل.


مروان: أهدأ، ما أسهل النطق بهذه الكلمة! هؤلاء أمن الدولة يا سلمى: أمن الدولة.


سلمى: أعرف، طبعاً أعرف، حتى التلميذ في المدرسة يعرف ماذا تعني هذه الكلمة، ولكن ما باليد حيلة؟ نمْ الآن، وغداً صباحاً ستفهم هناك كلَّ شيء.


مروان: (بانفعال) أقول لها أمن الدولة فتقول نمْ، أقول لها تيس فتقول احلبه.. يا امرأة، يا زوجتي الحمقاء، هؤلاء الذين تحدثوا معك وطلبوا مني الحضور إلى الفرع ليسوا شركة المياه، وليسوا مؤسسة البريد لدفع فواتير محادثاتك مع المستشارة ميركل أو سيدة البيت الأبيض، إنه المعلم، ألم يقولوا لك ذلك؟


سلمى: (تبكي) وما ذنبي؟ لماذا تتحدث معي هكذا؟


مروان: (بعصبية) آسف، آسف يا سيدتي، لو تكرمت وسمحت بأن تقفلي فمك، وأن تخرسي، هل هذا ممكن؟

(يروح ويجيء في الغرفة) ما عسى أن يكون سبب هذا الاستدعاء؟ وفي هذا الوقت المتأخر من الليل؟ كلام في السياسة؟ ولكني لا أذكر أني تحدثت في السياسة أمام أحد، طول عمري وأنا ابتعد عن السياسة (لزوجته) لا أذكر أني فعلت ذلك.. هل شاهدتني يوماً أفعل ذلك؟ (لا ترد) ما بك يا امرأة؟ قولي شيئاً؟!


سلمى: كيف أردُّ وأقول وفمي مقفل!


مروان: ومن أقفل فمك؟


سلمى: أنت.


مروان: أنا؟! (كمن تذكر) أوه.. لا تقفي على كل كلمة أقولها مثل شرطي المرور. ولا حاجة لهذه الحساسية المفاجئة. هيا قولي.


سلمى: وماذا أقول؟


مروان: (بعصبية) أوه.. لا تقولي شيئاً، يبدو أنك في عالم آخر. هيا اذهبي إلى النوم.


سلمى: وماذا أقول، أنت تعلم أن أولاد الحرام كثر.


مروان: ماذا تقصدين؟ هل يعني أن أحدهم قد وشى بي؟


سلمى: كل شيء جائز، لقد أفسد هؤلاء كلَّ شيء: علاقات القرابة والصداقة وحتى الحب.


مروان: هذا صحيح.


سلمى: (بحنق) إنهم خنازير.


مروان: بالضبط، ولكن لماذا تتحدثين عنهم بهذا الحقد؟!


سلمى: هذا ليس كلامي بل كلامك، أنت من يكرر هذا الكلام عنهم دائماً، حتى حفظته عن ظهر قلب.


مروان: أنا؟!


سلمى: نعم، وكم من مرة تمنيت أن تنزل صاعقة عليهم وعلى رئيسهم.


مروان: هس.. لا ترفعي صوتك. للحيطان آذان.


سلمى: (بهمس) وكم من مرة أفقت على صوتك وأنت تشتمهم وتلعن اليوم الذي حكموا فيه البلاد.


مروان: (بريبة) وأنا نائم؟!


سلمى: نعم.


مروان: هل يعقل أنهم..


سلمى: ماذا؟


مروان: هل يعقل أنهم دخلوا أحلامي؟!


سلمى: مستحيل.


مروان: لا يوجد المستحيل إلا في قاموس المجانين، هذا ما قاله نابليون، ولو كان مواطناً في هذا البلد؛ لقال: وهنا. في هذا البلد أيضاً.


سلمى: وهل نحن بلد مجانين؟


مروان: نعم، ومنافقين ووشاة وعملاء.


سلمى: أصبت، قد يكون سبب هذه الدعوة وشاية من أحدهم.


مروان: ممكن، ولم لا؟ ولكنني لا أتحدث عادة في السياسة أمام أحد، وخاصة سياسة النظام.


سلمى: كيف لا تتحدث عنهم وأنت تشتمهم حتى وأنت نائم؟


مروان: (بريبة) ولكنني لا أنام في مكان آخر سوى في هذا البيت، ولا مع أحد آخر سواك؟


سلمى: ماذا تعني؟


مروان: لا، لا شيء.


سلمى: إنك تشك فيَّ يا مروان؟


مروان: لا، ربما حدث الأمر مصادفة، مثلاً..


سلمى: إني أحبك يا مروان، ولا يمكن أن أفعل ذلك.

(ينظر إليها بريبة، تنظر إليه بتوجس، تمر لحظات)


مروان، ما بك؟ لماذا تنظر إليّ هكذا؟!

(يرتمي عند قدميها بتوسل)


مروان: قولي لهم إنني بريء، وأنك كذبت عليهم، وأن ما قلته عنّي ليس سوى اتهامات لأنني ضربتك، لا، لا، بل لأنني شتمتك، بل لأنني لا أقدم لك ما يكفي من مصروف.. قولي أيّ شيء، أيّ شيء، قولي إنني لم أعد أصلح كرجل وتريدين التخلص مني كي تتزوجي برجل آخر، فحل.


سلمى: ماذا تقول يا مجنون؟! هل جننت؟


مروان: لاشك أنك تجهلين ماذا يعني الدخول إلى هناك يا سلمى، هل سمعت بسجن غوانتانامو؟ إن هذا السجن المشهور ليس سوى حديقة إذا ما قورن بالسجون التي عندنا.


سلمى: اهدأ يا حبيبي، قد يكون الأمر تافهاً، أو حتى سوء تفاهم.


مروان: سوء تفاهم؟! ولكني سأدخل إلى هناك، وسأقابل المعلم.. والداخل إلى هناك مفقود.


سلمى: والخارج منه مولود..وأنت ستولد غداً من جديد.


مروان: حقاً؟


سلمى: نعم، يحدث هذا كثيراً.

(تضمه إلى صدرها وتهدهده كطفل، تتلاشى الإضاءة وتسود العتمة)

اهدأ يا حبيبي.. اهدأ..

(2)

(الصالون نفسه، سلمى تروح وتجيء في المكان وتنظر إلى ساعة الحائط، يرن الهاتف، تهرع إليه .. تتحدث. الوقت: نهار)


سلمى: ألو، نعم، أهلاً أستاذ خالد، لا لم يعدْ، لقد ذهب منذ نصف ساعة، من أخبرك، هو، لقد سمعته صباحاً يفعل ذلك.. أخبر الكثيرين من رفاقه.. أشكرك، حسن، سأفعل حين يعود.. شكراً.

(تضع السماعة، تسير في أرض الصالون، يرن جرس الهاتف، ترفع السماعة)


لوحة: صفوان داحول

ألو، أهلاً أخي، نعم، لقد ذهب، والله لا أعرف السبب، حسن، هو من أخبرك، نعم، لقد أخبر الكثيرين، شكراً لك..

(تعود إلى السير، وبعد قليل يرن الهاتف، ترفعه وترد بنفس الكلمات، يتكرر ذلك كثيرا. يرن جرس الباب، تفتح الباب فيدخل مروان)

لماذا عدتَ؟ لماذا لم تذهب يا رجل، سيغضبهم ذلك كثيراً.

(يؤدي حركة من ذهب وعاد)

ماذا؟ لم أفهم.


مروان: (بسرور) لقد ذهبت.


سلمى: ذهبت؟ إلى هناك؟!


مروان: نعم.


سلمى: الفرع؟


مروان: نعم.


سلمى: فرع أمن الدولة؟!


مروان: نعم.


سلمى: أبهذه السرعة؟!


مروان: نعم.


سلمى: كيف ذلك ولم يمض على ذهابك سوى ساعة واحدة.


مروان: ولم يمض على مكوثي هناك ربع ساعة.


سلمى: هذه مدة لا تكفي لارتشاف القهوة؟


مروان: أما هذه فلم يقدموها لي.


سلمى: لماذا استدعوك إذاً؟


مروان: كان مجرد سؤال، سؤال بخصوص حلم الأستاذ سعيد.


سلمى: ماذا؟! سؤال بخصوص الأستاذ حلم سعيد؟ هل هذه أحجية؟!


مروان: لا، لا. بل حقيقة، ألم أخبرك بما حدث للأستاذ سعيد؟


سلمى: لا، منذ زمن لم تعد تخبرني بشيء.


مروان: شاهد هذا المسكين حلماً تدخل فيه القوات الأجنبية إلى البلد وتسقط تمثال الرئيس على غرار ما حدث في البلد المجاور.. وفي الصباح، وحين جاء إلى الدوام، همس بما شاهده في الحلم في أذن أحد زملائه المدرسين. و”هيلا هوبا”.. الخبر وصل طازجاً إلى الجماعة.


سلمى: هل تسخر مني يا رجل؟ لقد شاهدت هذا في مسلسل كوميدي.


مروان: وأنا أيضاً شاهدته. وضحكت كثيراً، ولكن ما حدث في المدرسة كان مثيراً للرعب والرثاء، فقد تم فصل الأستاذ سعيد من التدريس، وهو الآن رهن التحقيق، وأول الرقص حنجلة.


سلمى: وماذا قلت؟


مروان: (بحرج) ها؟ ماذا قلت؟ بصراحة..لم أقل شيئاً، وماذا سأقول؟ لم أكن حينها في الإدارة، هذا ما قلته.


سلمى: مسكين.


مروان: ومن هو المسكين؟ الأستاذ سعيد؟ هل تعلمين أنه أصبح مشهوراً، وأصبحت سيرته على كل لسان وشفة.


سلمى: حقاً؟


مروان: نعم.

(يرن جرس الهاتف. ينظران إليه)


سلمى: لم يكفّ الأصدقاء عن السؤال عنك.. ماذا سأقول لهم؟


مروان: لا شيء، مجرد سؤال ومع السلامة.


سلمى: وهل سنقول ذلك للناس؟

(يتبادلان النظرات بحيرة والجرس يرن)


سلمى: دع هذا الأمر لي. وسترى يا بطل.


مروان: بطل؟!


سلمى: (للهاتف) ألو، أهلاً أم خالد، نعم لقد عاد، ماذا؟ لا، لا، لم يمسوه بأذى، ولكن الله ستره، لا أعرف كيف عاد من هناك سالماً، لو تعلمين ماذا قال لهم لقلت إن الملائكة كانت معه.. ماذا قال؟ أوه.. بل قولي ما الذي لم يقله للمعلم، نعم للمعلم بالذات.. اسمعي يا سيدتي..

(يخفت صوتها، تتحدث بحماس والرجل ينظر إليها بدهشة مشوبة بالتوجس. تضع السماعة)


مروان: ما هذا الكلام يا امرأة؟! من أين جئت بكل هذا الكلام؟


سلمى: أنت من رواه لي.


مروان: أنا؟!


سلمى: لا تقل لا، وسترى كيف ستصبح سيرتك على كل شفة ولسان.


مروان: وماذا لو وصل الخبر إليهم؟


سلمى: لن يصل، سنقوله للمقربين فقط. خبر خاص بالأصدقاء.


مروان: إن كيدكن لعظيم.

(يرن جرس الهاتف. تهرع سلمى وترفع السماعة)


سلمى: ألو.. أهلاً سميرة..نعم عاد، نعم هو بخير، لقد كان الأمر خطيراً.. كيف؟ لو روى لك ما قاله للمعلم، نعم معلمهم، لفقدت عقلك، إنه رجل مغامر.. ماذا قال؟ بل قولي ما الذي لم يقله.. قال ما في داخل كل واحد منا، “بق البحصة”. هكذا. اسمعي بعض ما قاله.

(يخفت صوتها وهو ينظر إليها باندهاش وغرور يزداد. يغادر الصالون. تضع السماعة.. وتتجه نحو المطبخ. يرن الهاتف مرة أخرى)

ألو..أهلاً أستاذ يوسف..نعم عاد، شكراً، ماذا، الآن.. أهلاً وسهلاً.. سنكون بانتظاركم… مع السلامة.

(تضع السماعة، بصوت عال)


مروان. جهزْ نفسك، الضيوف القادمون.

(تدخل المطبخ.. وتخفت الإضاءة شيئاً فشيئاً. تسمع خلالها لغطا وكلمات ترحيب وتوديع)


صوت: لقد أبليت هناك بلاء حسنا.


صوت: أحسنت، عظيم، موقف بطولي.


صوت سلمى: أهلاً وسهلاً.. أهلاً وسهلاً.. لا هذا واجب


صوت مروان: مع السلامة..أشكركم. مع السلامة..

(تخفت الأصوات المتداخلة شيئاً فشيئاً)

(3)

(المكان نفسه وقد توزّعت كؤوس الشاي الفارغة على الطاولة.. يجلسان بتهالك)


مروان: لقد كان يوماً متعباً.


سلمى: وممتعاً.


مروان: لأول مرة أحس بهذه النظرات، نظرات الإعجاب، يا الله ما أعذبها وألذها!


سلمى: ما رأيك في زوجتك؟


مروان: لقد حولتني اليوم إلى رجل عظيم.


سلمى: طبعاً، وراء كل رجل عظيم امرأة.


مروان: هل تظنين أنهم صدقوا كل ما قلناه؟


سلمى: لقد شاهدت ذلك في أعينهم.


مروان: أرجو ذلك، لقد تعبت من نظراتهم السابقة.


سلمى: نظراتهم السابقة؟! لم أفهم! فأنت مرب فاضل وأستاذ قدير.


مروان: (لنفسه. بسخرية وقهر) مُرَبٍّ فاضل وأستاذ قدير. مُرَبٍّ فاضل وأستاذ قدير..


سلمى: مروان.. مروان..


مروان: نعم.


سلمى: ما بك؟


مروان: (كمن تفاجأ) لا شي، لا شيء، كنت أفكّر، ألم نبالغ كثيراً يا سلمى؟ تخيّلي واحدا مثلي يقف أمام المعلم، بل أمام أيّ عنصر أمني عادي ويقول: إنكم يا سيدي طائفيون، وإنكم فرّقتم بين الناس على أسس طائفية وعرقية. وما كان عليكم كمُّ الأفواه بهذا الشكل ونهب البلاد والعباد..


سلمى: ألم تحلم أن تقولها يوماً؟


مروان: بلى.بلى والله، وكثيراً، كثيراً جداً.


سلمى: إنها حلم الجميع وليس حلمك وحدك.


مروان: (بسخرية مرّة) بل وصل بي الأمر إلى رفض تناول القهوة معه (يضحك. بسخرية) قهوتك لا تُشرب يا معلم.

(يغني منتشياً) يا شيخ في بعباءتك نار: نار. يا شيخ أنت جحش أم حمار: حمار.

(يضحكان. يرن جرس الهاتف) ومن سيكون هذا الفضولي في هذا الوقت المتأخر من الليل؟ جحش ولا حمار؟ (يضحك)


سلمى: (وهي تنهض وترفع السماعة) ألو.. أهلاً وسهلاً.. مساء النور.. من.. عفواً.. ولكنه اليوم كان حاضر.. أمرك.. غداً الساعة التاسعة صباحاً، حاضر يا سيدي. حاضر.

(تضع السماعة وهي في حالة ذهول، ينظر إليها مروان في حالة توجس وفضول)


مروان: من؟

(تجلس سلمى على الكرسي بتهالك وخوف) من كان المتحدث؟


سلمى: هم.


مروان: من؟ (بهلع) هم.


سلمى: نعم.


مروان: هل تقصدين؟


سلمى: نعم.


مروان: ماذا كانوا يريدون؟


سلمى: غداً صباحاً، الساعة التاسعة.

مروان: لماذا؟ ألم أكن اليوم هناك؟

سلمى: قلت له ذلك، فرد بعصبية ولم يسمح لي..

مروان: (بهلع) بعصبية؟! كيف؟

سلمى: بعصبية.. بعصبية يا مروان.

مروان: أعرف يا سلمى، ولكن ما نوع هذه العصبية؟ ما طبيعتها؟

سلمى: لست أدري، ولكن كان صوته غير طبيعي.

مروان: هل قالها بغضب.

سلمى: (بحيرة) لا، نعم.. لا أعرف. كنت مضطربة ولم أستطع التركيز.

مروان: (يقلدها بسخرية وحنق) كنتُ مضطربة ولم أستطع التركيز. لو كانت المتحدثة واحدة منهن، من تلك الثرثارات لاستطعت التركيز، أنت هكذا دائماً، لا فائدة ترجى منك.

(بتفجع) لقد خرب بيتك يا مروان (يغني بقهر وسخرية مرة) يا مروان في بداخلك نار.. نار. يا مروان أنت جحش وإلا حمار.. طبعاً حمار.

سلمى: اهدأ قليلاً.

مروان: أنت السبب.أنت من ورطني.

سلمى: أنا؟ ولماذا أنا؟

مروان: أنت بطل، زوجي بطل، والبطل قال للمعلم كذا وكذا، قال لهم: أنتم خربتم البلد، أنتم ورئيسكم حثالة.. أنتم .. وأنتم.. وكل ذلك كي يقال عنها: زوجة البطل؟

سلمى: ولكنك وافقت..

مروان: لأنني حمار.

سلمى: اهدأ يا مروان.

مروان: لا تقولي لي اهدأ، لا أريد سماع هذه الكلمة.

سلمى: ولكن..

مروان: بلا لكن.. مفهوم أم غير مفهوم؟

سلمى: مفهوم. حاضر. أمرك. سأصمت ولن أتكلم. (يروح ويجيء وهو يحدث نفسه)

مروان: أنا حمار، حمار حقيقي، لا أحتاج إلا إلى أن أنهق. ليتني نهقت أمام الضيوف ولم أتفوه بكلمة واحدة من تلك العنتريات، ولكنني حمار، حمار حقيقي. (يتلمس أسفل ظهره) ربما كنت كذلك وأنا لا أدري، انظري يا امرأة، هل تجدين ذنباً في أسفل ظهري؟

سلمى: اهدأ يا رجل..(تستدرك) أقصد: الوقت يمر بسرعة ويجب أن نجدَّ حلاً، هذه العصبية لا تنفع. دعنا نفكر قليلاً.

مروان: نفكر؟! هذه آخر طرفة. هؤلاء يا سيدتي لا ينفع معهم التفكير، وهذا الذي فوق الأكتاف يزعجهم إذن كثيراً، ويقيناً لو استطاعوا أن يستبدلوا رأس كل مواطن برأس حمار لفعلوا، برأس بغل لفعلوا.. بحذاء عتيق لفعلوا.

سلمى: جاءتني فكرة.


لوحة: صفوان داحول

مروان: عدنا إلى ما لا ينفع.

سلمى: ما رأيك أن نتحدث الآن مع أم علي وسميرة وشيرين والأستاذ خالد والأستاذ يوسف والمستخدم…

مروان: (بنفاد صبر) قصدك كل من زارنا اليوم ومن تحدث إلينا بالهاتف.

سلمى: تماماً.

مروان: لماذا؟ وماذا سنقول لهم؟ أيها السادة الكرام، لقد كان كل حديثنا كذباً؛ مزاحاً؟

سلمى: نعم، كان مزاحاً، مجرد مزاح. هذا ما سنقوله لهم.

مروان: مخابرات ومزاح؟! هل أنت مجنونة يا امرأة؟ أقول لها مخابرات، فتقول لي مزاح.

سلمى: هي محاولة يا رجل.

مروان: حتى لو صدَّقنا هؤلاء، رفيقاتك الثرثارات والأستاذ خالد وكذلك الأستاذ يوسف وكل من زارنا، فلن يصدقونا هناك. في الفرع، وهل تعرفين بماذا سيردّون؟ بالمزاح طبعاً، مزاح بمزاح، وهل تعرفين ما هو مزاحهم؟ لن يدغدغونني، لأن ابن الفلاح لا يُدغدغ، بل سيضعونني على بساط الريح، مثل علي بابا وسندباد. ومن ثمّة يقتلعون لساني كي لا أصرخ مثل ياسمينة من شدة الخوف وأصيح سلمى.. سلمى.

سلمى: أنت تخيفني يا مروان.

مروان: أنا من يجب أن يخاف يا زوجة البطل، البطل الحمار، أو الحمار البطل.

سلمى: (تبكي) أنا آسفة يا حبيبي، آسفة جداً..

(تمر لحظات وهو يفكر)

مروان: (فجأة) ما رأيك أن نقول لهم إن أمّ علي هي من تحدثت قالت عنكم كذا وكذا وكذا؟ فكرة معقولة أليس كذلك؟

سلمى: ولماذا أمّ علي بالذات؟!

مروان: أقول مثلاً: فلتكن سميرة أو شيرين.

سلمى: ولماذا يجب أن تكون واحدة من صديقاتي، لماذا لا يكون المستخدم مثلاً؟

مروان: (بسخرية) المستخدم؟! هل أنت مجنونة؟! إلا المستخدم، قولي لهم إن رئيس فرع الأمن الجوي هو من قال ذلك، أو رئيس فرع الأمن العسكري، أو رئيس فرع أمن الدولة.. أو رئيس فرع الأمن الجنائي.. من تريدين أن أذكر؟ قولي من شئت إلا المستخدم، لأن كل المستخدمين في المدارس عملاء لهم، ولذلك تجدين المدرسين والمعلمين والطلاب وحتى المدراء يهابون هذا الكائن المريب.

سلمى: طيب، والحل؟

مروان: يجب أن نحدد الشخص المتهم.

سلمى: (بشفقة) ولكن هذا ظلم.

مروان: وهل تريدين أن أركب أنا بساط الريح؟

سلمى: طبعاً لا، ولكن الذنب ذنبنا.

مروان: وهل تظنين أن كل من في السجن مذنب؟ كم من سجين مضى على اعتقاله سنوات وسنوات وهو بريء.

سلمى: وأولادهم، ونسائهم؟

مروان: ليس هذا هو المهم، المهم الذي يشغل بالي الآن هو: مَن مِن هؤلاء بلا ارتباط معهم.

سلمى: ماذا تعني؟

مروان: مادام حديثنا قد وصل إليهم فهذا يعني أن واحداً منهم أو أكثر يعمل جاسوساً لصالحهم. ولا يصلح أن نتهم شخصاً قد يكون عميلاً لديهم أو جاسوساً.

سلمى: وبمن تشك؟

مروان: (يفكر) الأستاذ خالد.. منذ زمن وأنا أشك في هذا الرجل، فتصرفاته في المدرسة لا تعجبني.. إذ أن غيابه المتكرر وتأخيره عن الدوام كل يوم لا تجد أدنى اعتراض من قبل المدير.

سلمى: والطلاب؟!

مروان: الأستاذ يوسف. هذا الرجل أيضاً أمره مريب، إذ يكاد لا ينقطع عن زيارة غرفة المستخدمين في كل فرصة، بل حتى أثناء الحصة الدراسية، وكم من مرة دخلت إلى الغرفة فوجدتهما هو والمستخدم يتهامسان. وما أن يقع بصرهما عليّ حتى يصمتان أو يبدآن بحديث آخر.

سلمى: مساكين الطلاب.

مروان: بصراحة، ليس لدينا سوى رفيقاتك، هم نساء ولا علاقة لهن بالأمن وفروعه.

سلمى: إنك واهم.

مروان: حتى هنَّ؟!

سلمى: كل شيء جائز.

مروان: أصبت، ولم لا؟ أقسم أنني بتّ أشك حتى في الرضيع والشيخ الكبير، أولاد الحرام لم يتركوا أحداً إلا وجندوه في هذا الطابور، لم يبق لي سوى أن أشك في أمي. ولكن قلبي يقول لي: كل الأمهات جاسوسات إلا أمي.

سلمى: اهدأ يا رجل، فقد تكون الدعوة هذه المرة مثل سابقتها؛ يعني السؤال عن الأستاذ سعيد مرة أخرى.

مروان: لا، هذه المرة الدعوة خاصة بي أنا، حفلة على الخازوق، وبلا قهوة.

سلمى: أنت تبالغ كثيراً، في المرة السابقة أيضاً بالغت كثيراً وانتهت بسلامة.

مروان: في المرة السابقة كان الأمر مختلفاً، لم أكن في المرة السابقة بطلاً تحدث مع المعلم عن جرائم النظام وحكمه المستبد وتصرفات عناصر الأمن الذين لم يتركوا جعبة مواطن مملوءة إلا وأفرغوها ولا ابنة فقير بكراً إلا..

سلمى: (ترفع يدها للسماء بتضرع) يا رب، أنقذنا من هذه الورطة يا رب، يا رب ليس لنا أحد سواك يا رب.

مروان: ليس لدى السماء قوات للتدخل السريع، وخاصة للأبطال من أمثالي.

سلمى : الوقت يمر بسرعة، لقد بلغت الثانية.

مروان: حتى الساعة تسير بسرعة حين أتمنى أن يقف الزمن. كل شيء يسير ضدي.

سلمى: ما رأيك في الهرب؟

مروان: الهرب؟

سلمى: نعم. نحمل معنا بعض الحاجيات الضرورية جداً ونتسلل من البيت قبل أن يطلع الصبح

مروان: معقول. ولكن..

سلمى: بلا لكن..الوقت يمر بسرعة.

(يتأمل الساعة الجدارية وهي تتجاوز الثانية بعد منتصف الليل. يتبادل مع زوجه نظرات الحيرة)

مروان: وإلى أين سنذهب في هذا الوقت المتأخر من الليل؟

سلمى: إلى أيّ مكان، المهم أن نغادر البيت، سنذهب إلى بيت أمّ علي.

مروان: (بانفعال) لا، إلا بيت هذه المرأة.

سلمى: (بارتباك) لماذا؟ هل تشك فيها؟ أقصد..

مروان: نعم، لا، ابحثي عن بيت واحدة أخرى، وحتى بيت شيرين أو بيت سميرة.

سلمى: كما تشاء، ليكن بيت أهلي.

مروان: لا بأس.

سلمى: وسنتجه من هناك إلى أيّ قرية، أو نجتاز الحدود إلى البلد المجاور.

(يتجه مروان نحو النافذة، يرفع الستارة وينظر إلى الخارج، ثم يتراجع بخوف)

ما بك؟ ماذا هناك؟

(يشير لها أن تنظر خلسة من خلال النافذة، تتقدم بحذر وتنظر) لا أشاهد شيئا.

مروان: (بهمس) انظري جيداً، ثمة شخص غريب يقف في زاوية الشارع، هناك، قرب دكان العم خليل (تنظر مرة أخرى. تنسحب) هل شاهدته؟

سلمى: نعم، إنه يترنح، لا بدّ أنه سكير.

مروان: (بعصبية) لا أحد سكير سواك.. هؤلاء ممثلون بارعون. ولا بدّ أنه انتبه إلى حركاتنا فراح يمثل دور السكير.

سلمى: إنك تبالغ.

مروان: إني واثق.

(يعاود النظر خلسة من خلال النافذة)

سلمى: مروان.

مروان: نعم.

سلمى: أنا آسفة.

مروان: آسفة؟! (بريبة) لماذا؟

سلمى: أنا السبب.

مروان: أنت؟!

سلمى: لا، لا. لقد شطح خيالك كثيراً.

مروان: ولماذا الأسف إذن؟

سلمى: ما فعلته اليوم لم يكن سوى بدافع الحب.

مروان: (بسخرية وقهر) ومن الحب ما قتل.

سلمى: أقسم أنني سأقتل نفسي لو حدث لك شيئاً.

مروان: لا حاجة لذلك يا حبيبتي.

سلمى: كيف لا حاجة يا حبيبي؟ حين يحدث لك شيء، لا قدّر الله، فلن أسامح نفسي، وسأقتل نفسي مباشرة، لا يمكن لي أن أتخيل حياتي بمعزل عنك.

مروان: لو حدث وأثبتوا عليّ كلَّ تلك الخزعبلات التي تفوهنا بها، حينها لن يقتلوني أنا وحدي.

سلمى: (بخوف) ماذا تقصد؟

مروان: نحن زوجان، وذنبنا واحد.

سلمى: (بهلع) وهل أنا من وجه النقد القاسي للنظام وجرائمه. ورفض شرب القهوة مع المعلم؟

مروان: وهل تريدين أن أتحمل أنا وحدي المسؤولية كلّها؟ نحن شريكان في السراء والضراء.

سلمى: ولكن هذا لا يجوز. هذا ليس عدلاً.

مروان: ليس عدلاً (يضحك بسخرية)

سلمى: كفى.. كفَّ عن السخرية يا مروان.

مروان: حاضر.

سلمى: لن أتحمل التعذيب، أقسم أنني سأنهار من أول صفعة.

مروان: صفعة؟! (بسخرية) إنهم لا يصفعون النساء هناك يا حبيبتي.

سلمى: حقاً؟ وماذا يفعلون؟

مروان: ماذا يفعلون؟ لا شيء، لا شيء أبداً، إنهم يكتفون بجر شعور النسوة وشتمهن.

سلمى: كفّ عن سخريتك يا رجل.

(تنظر إلى الساعة التي تشير إلى الثالثة).

مروان: الوقت يمر، لم يبق لنا سوى المواجهة.

سلمى: المواجهة؟! مع من؟

مروان: مع إسرائيل، طبعاً معهم.

سلمى: لم أفهم شيئاً.

مروان: أنت والفهم خطان متوازيان لا يلتقيان.

سلمى: هكذا إذاً، حسن، أنا لم أفهم شيئاً ولا أريد أن أفهم شيئاً. ما أريده فقط هو أن أخلد للنوم

مروان: هل جننت؟!

سلمى: تعلم جيداً أنني ضعيفة وقليلة الحيلة أمام سلطان النوم.

مروان: وسلطان الأمن؟

سلمى: أكاد أسقط على الأرض من شدة النعاس.

مروان: هيا إلى اللعبة التي بدأنا بها.

سلمى: أيّ لعبة؟

مروان: اللعبة التي بدأنا بها سوية ويجب أن ننهيها سوية.

سلمى: أيّ لعبة؟

مروان: الأمر يحتاج إلى تدريب.

(تتثاءب، يطفئ مروان الإضاءة) كفّي عن التثاؤب. كفّي عن فتح فمك هكذا.

سلمى: حاضر. مرة أقفلي فمك اصمتي يا سلوى ومرة افتحي فمك وتكلمي..

مروان: (بعنف) كفى.

(5)

(تكشف الإضاءة الشاحبة عن سلمى وقد جلست خلف طاولة تتوسط الصالون بوجه حاد القسمات، بينما يقف مروان أمامها بذلّ وانكسار. تمر لحظات صمت قصيرة)

سلمى: (بصرامة المحقق) هيا اعترف.

مروان: بماذا اعترف يا سيدي؟

سلمى: بكل شيء، كل شيء قلته لضيوفك.

مروان: وماذا قلت يا سيدي؟

سلمى: (بعصبية) أنا من يسأل هنا يا مروان وأنت تجيب.

مروان: حاضر يا سيدي، ولكن أياً من الضيوف يا سيدي، لقد زارنا البارحة كثير من الضيوف؟

سلمى: الجميع: الأستاذ خالد والمستخدم والأستاذ يوسف.. الجميع.

مروان: لم نقل شيئاً، كنا نمزح يا سيدي.

سلمى: تمزح؟ تمزح بالحديث عن الدولة يا مروان؟ تشتم الدولة وتقول عنها إنها ظالمة وعناصر الأمن أولاد سفاح وتسمي هذا مزاح؟

مروان: أنا لم أقل ذلك يا سيدي. أقسم أنني لم أقل ذلك.

سلمى: كذاب. أنا سمعتك تقول ذلك.

مروان: أنت؟!

سلمى: أقصد الضيوف، كلّهم اعترفوا بأنك قلت ذلك.

مروان: كلهم؟!

سلمى: نعم.

مروان: كذب يا سيدي. كنّا، كنّا نمزح ونقول: إن دولتنا رغم ما يقال عنها بأنها ظالمة ورئيسها طاغية وأهله وحاشيته نهبوا البلد، فإنها تسامح الجميع، وسخرنا ممن يقول ذلك عن دولتنا ورئيسنا حفظه الله، لعنة الله عليهم جميعاً، ناكرو جميل، خونة. تفو عليهم.

سلمى: كفى.

مروان: حاضر، أمرك.

سلمى: ومن قال ذلك في الجلسة؟ أقصد ما قلته الآن من حديث سيئ عن الأمن والسيد الرئيس..

مروان: حفظه الله..

سلمى: اصمت.

مروان: أمرك يا سيدي.

سلمى: تكلم ، من تحدث بهذا السوء عنا، أقصد عن الأمن وسيادته وأهله.

مروان: حماهم الله.

(تنظر إليه سلمى بحنق، يستدرك، بتلعثم) الضيوف، نعم يا سيدي، الضيوف.

سلمى: مَن مِن الضيوف؟

مروان: كلّهم.

سلمى: كلَّهم؟!

مروان: لا، ليس كلّهم، بصراحة، كلّهنَّ، أعني: النساء منهم، أنت تعرف النساء يا سيدي، إنهن ثرثارات. ناقصات عقل ودين، يعني بنصف عقل. ولذلك..

سلمى: اصمت. أنت تريد أن تلقي التهمة على النساء يا مروان.

مروان: لا يا سيدي. ولكن ألم تطلب مني قول الحقيقة؟ والحقيقة أنهنَّ..

سلمى: إنهن ناقصات عقل، أليس كذلك؟ الرجل فهمان دائماً والمرأة غبية؟ أليس هذا ما تريد أن تقوله؟

مروان: إنها الحقيقة يا سيدي.

سلمى: الحقيقة؟ وهل ناقصات العقل هنّ من أشعل كل هذه الحروب؟

مروان: طبعاً هنَّ، لأنهنَّ السبب يا سيدي. ألم يقال: ابحث عن المرأة؟

سلمى: عذر أقبح من ذنب، مرة المرأة هي السبب فيما تقترفون من جرائم وويلات، ومرة الشيطان هو الذي أغواكم، ومرة.. وكل ذلك كي تقولوا نحن: ملائكة.

مروان: (بضيق) أوه، هذا ليس تحقيقاً، إنها ثرثرة نسوة في جلسة أمام باب الدار.

سلمى: ولماذا لا تكون ثرثرة رجال في المقهى.

(يشعل مروان النور، ينظر إلى الساعة، بهلع) يا إلهي، الساعة تقترب من الرابعة وأنت تثرثرين بكلام لا علاقة له موضوعنا.

سلمى: سأذهب إلى النوم وليحدث غداً ما يحدث.

(يقبض على يدها) دعني.

مروان: يجب أن نكمل ما بدأنا به.

سلمى: اتهام النساء؟

مروان: بل التحقيق، يجب وإلا.. لا تنسي ما سيفعله سلطان القوم.

سلمى: حسن، إذا كررت أقوالك فسأذهب إلى فراش النوم.

مروان: حاضر.

سلمى: ادعْ ربك ألا يغلبني النوم، حينها سأبدأ بالهلوسة، وسأصبح كمن تناول جرعة مخدرات.

مروان: تماسكي، من الضروري أن تكوني بكامل وعيك.

(يطفئ النور. تمر لحظات صمت وسط الظلمة) هل أنت جاهزة؟

سلمى: نعم.

(يضاء نور شحيح. مروان جالس بوجه صارم خلف الطاولة، وتقف سلمى خلفها بذل ومسكنة)

مروان: اعترفي.

سلمى: بماذا سأعترف يا سيدي؟ فأنا لم أفعل شيئاً.

مروان: (بعصبية) هل عدنا إلى الكذب؟

سلمى: وماذا أقول؟

مروان: الحقيقة.

سلمى : أيّ حقيقة يا سيدي؟

مروان: حقيقة ما وصلنا من أخبار.

سلمى: (تتثاءب) وماذا وصلكم؟

مروان: قولكم إننا مجرمون.. وإننا سرقنا البلد، وإن الرئيس طاغية ومستبد، وإن عناصر الأمن لم تترك لا مال غني ولا شرف فقير إلا واعتدوا عليه.

سلمى: (لا ترد)..

مروان: لماذا لا تردي؟

سلمى: (تتثاءب. بتكاسل) الله أعلم يا سيدي.

مروان: ما هذا الكلام أيها المتهم؟!

سلمى: وماذا أقول يا سيدي؟

مروان: هل هذا الكلام صحيح أم غير صحيح؟

سلمى: نعم.

مروان: نعم؟! ماذا تقصدين بردك:نعم؟ هل تقصدين بها: صحيح؟

سلمى: نعم.

(تمر لحظات من الصمت والترقب)

مروان: لماذا صمتِ؟

سلمى: (بتكاسل) امنحني فرصة لأغفو فيها دقائق ثم..

مروان: لا. ليس قبل أن تعترفي.

سلمى: اعترف؟ (تمر لحظة صمت)

مروان: هيا.

سلمى : حاضر. حين وافقت أن أكون واحدة ممن يعملن في خدمتكم.

مروان: (بذهول) ماذا؟!

سلمى: لم يكن راتب زوجي يكفي لسد نفقات أبسط الاحتياجات، أجار البيت وفواتير الكهرباء والماء والهاتف والهدايا.

مروان: سلمى!!

مروان: فلان تزوج فاشتري له هدية يا مروان. وفلانة أنجبت فاشتري هدية للمولود يا سلمى، وعلتان مريض في المستشفى فالواجب يقتضي زيارته وحمل هدية إليه .. هذا عدا اللباس والطعام والمرض وو..

مروان: كفى يا سلمى.

سلمى: ومروان المسكين عليه أن يؤمن كل ذلك، بل يدفع لوالده العجوز بعض المصاريف وإلا ستقوم قيامته ويعدونه ولداً عاقاً أو ذَنَب زوجته. حينها، وكأنكم في بيتنا، تعيشون معنا، لا أعرف كيف تسللتم عبر جارتنا القوادة أم علي، الست المطلقة صباح. التي كن نحن نساء الحي ننفر منها كحيوان أجرب.

(ينهض مروان ويتجول في المكان كالتائه)

البداية كانت بنقل قطعة مخدرات إلى بيت في الحي المجاور لحينا، ثم قطعتان.. وراحت جيوبي تمتلئ بالنقود.. وأخذت أرتدي أفخر الثياب، وأمنح أهلي الهدايا، وأقيم الولائم، وكل ذلك دون أن آخذ من زوجي ليرة واحدة..

مروان: (بقهر) كفى يا سلمى.. كفى.

سلمى: وزيارة بيت الست صباح لم يكن الخروج منه مثل الدخول إليه، لقد كنتم هناك، وراحت أياديكم تعبث بجسدي..

مروان: (يبكي) ..

سلمى: ومروان، مروان المسكين كان غافلاً عن كل ما يجري معي، وحين كان يسألني من أين لك هذا الفستان؟ هذا الحذاء؟ هذا العطر؟ كنت أقول له: أمي أعطتني.. أبي أرسل لي..أختي، صديقتي، أخي.. وكنت أكذب وهو يصدق. أكذب وهو يصدق، أكذب وهو يهز رأسه بحزن ويصدق.

مروان: (وهو شبه منهار) لا، لم أكن أصدق.. لم أكن أصدق يا سلمى، لست حماراً كي لا أنتبه إلى كل هذا التغيير الذي بدأ يطرأ على حياتنا وفي بيتي، إلى كل نظرات التحقير في عيون الناس: الجيران والأصدقاء والزملاء وحتى الطلاب..

سلمى: وبدأت كثير من نساء الحي يسقطن، سميرة ومن ثم بشرى.. وأخريات وأخريات.(تصمت)

مروان: وأخريات، وأخريات، الآنسة الفلانية أصبحت مديرة.. كيف؟ لماذا؟ (يهمس) لأنها، اللهم أستر على أعراضنا، وفلانة لا تحمل سوى شهادة فنون نسوية.. لقد أصبحت مديرة.. كيف؟ لماذا؟ وفلانة أصبحت، وفلانة وفلانة.. شبكات تعريص هنا، وشبكة قمار هناك، والإدارة واحدة: الأمن. الأمن. (بعصبية تزداد) الأمن العسكري. الأمن الجوي. الأمن الجنائي. أمن الدولة. الأمن. الأمن. الأمن. الأمن…

(يسمع شخير خفيف، ينهض. يطوق رقبتها بيديه، يضغط عليها بعنف وقوة، وهو يصيح بهستيرية)

نامي، نامي إلى الأبد..فنوم الفاسق فضيلة.. نامي إلى الأبد.. نامي.. نامي أيتها الفاسقة.

(يضغط على رقبتها، تقاوم قليلاً، ثم تهمد على الكرسي جثة. يجلس تحت أقدام الكرسي. يبكي)

وأنا، من سيجعلني أنام.. من.. من.. من..؟

(ينشج بحزن بينما عقارب الساعة تتحرك بسرعة لتشير إلى الساعة التاسعة، فيرن جرس الهاتف، ويلحُّ في الرنين، فيزداد بكاء مروان، ثم يتكرر الرنين كلما أشارت العقارب إلى ساعة أخرى: العاشرة.. الحادية عشرة.. الثانية عشرة.. الواحدة، الثانية.. ومروان ينشج بحرقة حتى تصل إلى الثالثة فيكفُّ الهاتف عن الرنين، ويكفُّ مروان عن البكاء).

النهاية

---------------------------------------
المصدر : الجديد - العدد: 17، ص(8)
تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9