أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الثلاثاء، مايو 24، 2016

الايقاع في الكوريغرافيا / د.ليلى محمد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

مقدمة:

فن الرقص الكوريغرافيا،هو ذلك الاداء الحركي الراقص الذي يمتلك القدرة على التعبير الدلالي في توصيل الافكار والاحاسيس والحالات،والذي ينشأ في الفضاء المسرحي ويتحدد بواسطة الجسد المؤدي،سواء اكان راقصاً ام ممثلاً او مؤدياً،فهو نوع مسرحي يمتلك كافة شروطه الدرامية باعتبار ان الرقص/الحركة يمتلك بعداً تأسيسياً مقترناً بظهور المسرح،وسبباً اساسياً في قيامه.

ان الجسد الراقص المؤدي يؤسس علاقاته الحركية في الفضاء المسرحي،من خلال الحركة ومحاورها(التكوين والتشكيل)،والتي تستثمر الخطوط الهندسية بكافة انواعه ا(المستقيم،المنحني، المنكسر،الدائري)،وذلك عن طريق تنظيم علاقات حركية ما بين الاجساد المشاركة،و ما بين اعضاء الجسد الواحد واشتغاله مع العناصر السينوغرافية، على اعتبار ان جسد الممثل/الراقص وحضوره اقوى اداة سينوغرافية ترتسم من خلالها وبواسطتها كافة العناصر المشيدة للعرض، كما ان فن الرقص/الكوريغرافيا يعتمد الى حد كبير على حضور الممثل/المؤدي وطاقاته في انتاج لغة يكتسبها الجسد لوحده او بمساعدة المنطوق/الحوار.


ان الحركة الراقصة،تخاطب الحسي والعقلي،وذلك من خلال خاصيتها الحركية في انشاء علاقة بصرية مع المتلقي،وعن طريق اعتمادها على ذاكرته البصرية(الحركية)،التي تمنحها الايجاز والتكثيف لتوجز ماتقوله الكلمات،او ما لاتقدر ان تقوله،كما ان فن الرقص/ الكوريغرافيا يعتمد على الارتجال الحركي للمؤدي المشارك،بهدف التعبير عن الذات المفكرة بوصفها جسداً متحركاً/راقصاً.

لذا فأن البحث يسعى الى التعريف عن هذا الفن الوليد في مسرحنا العراقي، ،وكيفية تعامل الممثل/الراقص،والمصمم /المخرج معه،ومدى وكيفية افادة الممثل منه عن طريق تطوير قابليات جسده الحركية والفنية الاخرى،بغية استثمارها في العرض الراقص،وكذلك في العرض المسرحي الغير راقص.

يمثل الايقاع عصب الحركة بكل اشكالها فهو (( نبض الحياة وعلامة من علاماته، وقد يكون الايقاع مسموعاً او مرئياً او ملموساً او مشموماً او مذاقاً)) (1)، ويقسم الايقاع الى ظاهري وباطني،بالايقاع الظاهري هو ذلك الذي يمكننا رؤيته في الطبيعة من حولنا مثل حركة الافلاك والليل والنهار،(( ان تكرار الحوادث والظواهر الذي يعطي للانسان انطباعاً عن الزمن فهذا التكرار هوايقاع الحياة)) (2) وقد يكون الايقاع محسوساً كما في الشمس والقمر،فإيقاع الشمس ايقاع افقي الحس،اما ايقاع القمر فهو ايقاع عامودي حسياً.فالايقاع يعتمد على الزمن وتكراره،فإذا لم يتكرر بأزمان قياسية ثابتة فلا يكون ايقاعاً،وان الايقاع قبل ان نراه في الطبيعة والكون من حولنا نتحسسه داخل اجسامنا بدءاً من نبضات القلب ،الى كافة العمليات البيولوجية اليومية والشهرية مثل “التنفس،الجوع،النوم…” وصولاً الى اصغر خلية في أجسامنا وكيفية عملها،فكل تلك العلميات البيولوجية تقوم على الزمن والتكرار وكذلك جميع الكائنات الحية. (( إن ظاهرة ايقاعية الزمن وانتشارها في كل ما هو حولنا يجب اعتبارها من الامور الاساسية التي تتصف بها الكائنات الحية)) (3)فالايقاع سواء في اجسامنا او في غيرها من كائنات ، هو المؤشر الاول على الحياة واستمراريتها .لقد تنبه الانسان منذ القدم الى اهمية الايقاع لتنظيم الأعمال الجماعية مثل “الحصاد،التجذيف،الصيد…” والذي يهدف الى توحيد حركة المجاميع وتوفير الجهد الحركي للمجموعة،حيث يستخدم التشديد او النبر اثناء الغناء على حرف أو اكثر من حروف الكلمة لتحديد الايقاع الحركي وضبطه(4)، وربما يتولى شخص واحد مهمة الغناء الايقاعي في العمل الجماعي، اوتضطلع المجموعة ذاتها بمهمة الغناء والترديد لتوحيد وتنظيم ايقاع العمل،فالغناء المنفرد/الجماعي والحالة هذه يأخذ مهمة العد،إضافة الى تنشيط الاحاسيس العاطفية،والمشاعر الانسانية الجماعية عن طريق كلمات الاغنية.(( ان الغناء والموسيقى قد نتجا عن الاندفاعات الانفعالية للصوت البشري والالات الموسيقية التي استخدمتها الشعوب الاولى لتسير العمل الذي كان يتطلب جهداً شاقاً)) (5) وتتعدد الاراء حول نشأة الموسيقى والغناء(*)،ولكنها تتفق على انها ترتبط بالايقاع والذي يعتبر ركيزة يقوم عليه الغناء والموسيقى وكذلك يشكل الايقاع الاساس للفنون الثلاثة التي اسست للمسرح ،الرقص والموسيقى والشعر((والتي لا تشكل سوى فن واحد في الاصل وقد كان منبعها الحركة الايقاعية الصادرة عن الاجسام البشرية المندرجة في العمل الجماعي )) (6) ،فهذه الفنون الثلاثة والتي قام عليها المسرح الاغريقي هي فنون تتأسس بنيتها الفنية من الايقاع،سواء اكان مسموعاً كما في الشعر والموسيقى،أم كان محسوساً كما في الحركة الراقصة.ويعرف الايقاع المسرحي ،بأنه ((تكرار وحدات حسية متفاوتة بالقوة والضعف وبالبروز والاختفاء وبين كل وحدة واخرى مسافة او زمن معين وبين كل عنصر من عناصرها ايضاً مسافة وزمن)) (6)، بمعنى ان الايقاع المسرحي سواءاً كام ملموساً او محسوساً هو تتابع وتكرار لأزمان متساوية تختلف من عنصر الى أخر ومن حالة الى اخرى، فإيقاع الحزن يتميز بالبطىء والثبات،وبعكسه ايقاع الفرح يتميز بالسرعة والتنويع،بمعنى ان الاختلافات الايقاعية للحالات او الالوان والعناصر المشيدة للعرض تحدث نتيجة الطول او القصر ما بين الوحدات الزمنية المكونة للايقاع ذاته،ففي الايقاعات الحزينة تطول مدة الوحدة الايقاعية،كما تطول الوحدات السكونية مابين تلك الوحدات،كما في موسيقى وايقاع المشي في الجنائز او المارشات العسكرية،اما في الايقاعات الفرحة فيحدث العكس تماماً حيث تقتصر طول الوحدة الايقاعية الواحدة كذلك تقصر فترات السكون ما بين الوحدات الايقاعية كما في ايقاع الافراح والاعياد سواءاً في الموسيقى والرقص او حتى الالوان المميزة والمتعددة لملابس المناسبات السعيدة،إضافة الى التنوع والتعدد للايقاعات المفرحة المسموعة /والمرئية. ويقوم الايقاع الحركي بصفة عامة- والمسرحي منه-على الحركة والسكون،او من خطوة وأخرى وسكون،حيث بين الخطوة الاولى والثانية زمن محدد،وبين الخطوتين والسكون او التوقف زمن آخر،وكلما قصرت المسافة بين خطوة وأخرى او سكون وخطوة او خطوتين يتحول الايقاع الى السرعة فهي عنصر من عناصر الايقاع بشكل عام(7)، وان الايقاع الحركي ((ايقاع الحركات “الزمن” هو المقياس للتناسب “او النسبة” بين أجزاء الحركة. وتتعين من خلال ايجاد النسبة بين الاطوال الزمنية لأجزاء الحركة لذا فالايقاع هو كمية لاقياسية “او لا رتيبة)) (8)،حيث يتميز الايقاع بالحيوية والتغيير اضافة الى التنظيم فهو ((أول ما يسهل على الانسان الاحساس به في الموسيقى وقد يرجع ذلك الى انه من العناصر الاساسية في الطبيعية،فهو يتمثل في صورة دقات او نبضات متتابعة مرتبة من مجموعات واضحة تحددها نقط ارتكاز متتابعة،ويعطي للموسيقى معنى خاص بتكوينها وحيويتها،فالايقاع روح الرقص،وروح الموسيقى،وروح الشعر)). (9)ان التنويع الايقاعي ضرورة من ضرورات الرقص الكوريغرافي     -والرقص عموماً- اضافة الى كونه هدفاً من الاهداف الفنية في المسرح،والتي تفرضها المواقف والافكار والمشاعر سواءاً للتعبير عن الفكرة الفلسفية للعرض، او بهدف التسويق وابعاد الروتينية والرتابة والملل لدى المشاهد(10).ان معرفة واهتمام الراقص/المؤدي/الممثل بالايقاع الحركي،تساهم في توفير الطاقة المبذولة للأداء الحركي ،وذلك عن طريق تقسيم كميات القوة /الطاقة “Effort” الجهد على مراحل زمنية منتظمة ومتناسقة،((اي اخراج القوة بالقدر الامثل في الزمن المناسب مثل ايقاع راكض الحواجز او ايقاع راكض المسافات الطويلة وايقاع الحركات المتكررة في التجذيف او الجمباز))(11)، وكافة انواع الاداءات الرياضية ،فالراقص/الممثل –كما الرياضي- ومن خلال معرفته واستخدامه للأيقاع الحركي،يسعى الى توفير جهده وطاقته المبذولة في اداء الحركات الراقصة او الحركات المسرحية الاخرى ،وعدم الاحساس بالتعب ومحاولة احتفاظه بحيويته الحركية و الادائية ونشاطه طوال فترة العرض. ويرتبط مفهوم “الايقاعRhythm”بعنصر الزمن (12)، سواء في انجاز الحركة او في توفير الجهد المبذول للانجاز،حيث يميل الجزء الاسفل من الجسم الى استخدام الايقاع المنتظم في الاداء-كما في حالة الرقص- في حين يتعامل الجزء العلوي من الجسم والاطراف مع الايقاع الحر و الغير منتظم والذي يعكس دينامية الحركة وتعبيرتها (13)،فحركات الرأس او اليدين في حالة الرقص لايعني بأنها حركات تفتقر الى النظام والترتيب،بل انها حركات انسيابية/مرنه/لينة/،كما في الرقص الشرقي او الباليه،فإنسايبية الحركة تعني استخدام قوة قليلة/جهد في زمن طويل نسبياً (14)،فحركة العسكري -في حالة الاستعراض – بالنسبة للقدمين واليدين والجسم بأكمله تتميز بإلتزامها بالايقاع المنتظم،اما حركة الراقص-في الغالب- فهي حركات مبنية على الايقاع المنتظم والايقاع الحر اللامنتظم ” الحركي ” ، ويتجلى ذلك في رقص “الفلامنكو” للراقص او الراقصة، حيث تشيد ثنائية التوافق الايقاعي لحركات الجسد في الجزء الاسفل مع الايقاع الموسيقي وضرباته وانسيابية حركة اليدين والخصر-الجزء العلوي- روح الاداء وشكله المبني على التباين ما بين أعضاء الجسد للرقص الاسباني”الفلامنكو”.ويرتبط الايقاع بشكل مباشر بالتنفس كونه عملية “ارادية ولاارادية”، ففي حالة النوم يكون عملية لا ارادية ،ويصبح التنفس عملية واعية/إرادية في حالة التنظيم لحركات الشهيق والزفير مع الايقاع الحركي(15)،كما في حالة الرياضي او الراقص والممثل ايضاً – وذلك من خلال اتباع نظام للشهيق والزفير وعدد محدد من الخطوات والحركات .

والايقاع صفة مميزة من صفات الاشخاص عموماً، سواء أكان ايقاعاً لفظياًاوحركياً،فكل شخص/انسان يتحرك او يتكلم بإيقاع يختلف عن ايقاع انسان أخر،ودائماً ((هناك نوع من الايقاع الداخلي يجري طوال الوقت من اي شخص)) (16)، ويؤثر الايقاع الشخصي في كل شيء بدأ من المكان الى الاشخاص،الممثلين، المتلقين وقد يتصادم ايقاع الافراد وربما يتألف ويتوافق(17) و يتأثر الايقاع ويتغير في حالة تعرض الانسان الى مثير عاطفي فيظهر ذلك من خلال التنفس،كما يختلف ايقاع الشخص المضطرب عقلياً عن ايقاع الانسان السوي. ان اي نشاط يقوم به الانسان-بحسب ستانسلافسكي- سواء أكان لفظياً ام حركياً او تأملياً ،فهو يتكون من لحظات انتباه وتركيز ثم استرخاء(18)،اما الشخص المضطرب عقلياً او المعصوب ،فيخرج عن الايقاع الطبيعي في حركته والفاظه وحتى افكاره ،وذلك من خلال تقليص فترات الاسترخاء بالقياس الى الشخص الطبيعي،ويتنفس الشخص المثار عاطفياً اسرع من الشخص العادي، ويكون تنفسه من الفم بدل الانف(19) وذلك لحاجته المتزايده الى كمية اكبر من الاوكسجين ، ومن هنا يكون الممثل بحاجة الى تمارين الاسترخاء التي قال بها” ستانسلافسكي وغيرها اكان في تدريباته او في العروض المسرحية بغية التوصل الى حالة الاسترخاء العضلي وشحذ الطاقة للممثل،فالطاقة على المسرح ليست هي ذاتها في الحياة اليومية فإذا كان الراقص/الممثل/المؤدي متوتراً ، فسيكون من الصعب عليه ان يظهر أحاسيسه ويتحرك او حتى يفكر(20)،فالتوتر هو انشداد عضلي- بما فيها الصوت –وهو يعيق الحصول على الطاقة المسرحية التي هي اعلى من الطاقة اليومية/الحيايتية، فحتى الهمس على المسرح بحاجة الى طاقة اعلى من طاقة الهمس اليومية، ان الاسترخاء يبعد التوتر من خلال التمرين والتدريب المتكرر ((بحيث يكون لديك اداة جسمانية تعمل باحساس من السلاسة، ولكنها قادرة على التوتر حينما تريدها ان تتوتر وقادرة على الا تتوتر عندما لاتريد لها ذلك)) (21)، بمعنى ان تمارين الاسترخاء تحول عملية التوتر اللاارادية الى عملية ارادية ويمكن الافادة منها في الاداء عموماً وخصوصاً الاداء الجسدي/الراقص .

ان الحركة – اية حركة- هي تغيير من وضع الى أخر،وتعرف الحركة ((بأنها انتقال جسم معين من حال الى حال زمنياً ومكانياً))(22).وتستلزم الحركة صفات محددة منها،الاتجاه “يمين،شمال،اعلى،اسفل” والسرعة ” بطيئة،سريعة،متوسطة” وكذلك الطاقة والتي هي صفة اساسية لأنجاز الحركة وهي الجهد المبذول او التحكم بذلك الجهد للوصول الى الانجاز الحركي،والتقدم الذي يعني عدد التغييرات المتحققة ضمن ذلك التقدم الحركي(23)،والحركة الراقصة قد تكون موضعية او انتقالية، وتحتاج الحركة الانتقالية الراقصة الى مجهود عضلي اكبر من الحركة الموضعية الراقصة في الاغلب، فالايقاع الحركي ((هو التغيير المنظم في المكان وايقاع الحركة هو العلاقة بين الطاقة المخزونة والطاقة المستهلكة. ويتأثر الايقاع بالتتابع الحركي…فالجسم المتحرك أكثر مؤكداً من الثابت)) (24).

ان التتابع الحركي يعني مجموعة حركات تكمل بعضها في تشبه الجملة الكلامية ،فالحركة الواحدة في الجملة الحركية بمقام الكلمة في جملة طويلة،فإذا كانت الكلمة لوحدها لا تكشف عن معنى الجملة، فكذلك الحركة الواحدة لا يكتمل بها المعنى ،فالتتابع الحركي يعني اختيار حركي معين وترتيبه في انساق معينة تنظيمية تهدف الى ايصال معنى ما من خلال سياق معين لمجموعة حركية مشكلة لجمل جسدية تدل عن مفاهيم وافكار قد لا تقدر الجمل الكلامية ان تقولها. وحركة الرقص         وإيماءته((ليست إيماءة حقيقية،بل مفتعلة ..انها حركة حقيقية فعلية،ولكنها تعبير ذاتي مفتعل))(25)،فالطاقة اوالقوة تسفر عنها”حركة، قفزة،إنحناءة،…” للتعبير عن المعنى بوسيلة حركية بدل الوسيلة اللفظية، فالحركة((هي جوهر الرقص ومادته كما انها-حرفياً- الموقع الذي يكمن فيه معناه)) (26)،لكن ذلك لا يعني استغناء الراقص الكوريغرافي عن العناصر المسرحية الاخرى،بل تتمايز ادوارها مثل ” الديكور، الزي،المكياج”فلاضاءة المسرحية في العرض الراقص قد تحظى بدور متقدم عن المسرحية غير الراقصة وذلك لما يمكن ان يحققه الضوء من وظيفة حسية مساعدة للحركة ،((يجب ان يكون التنويع والتغيير في تركيز الاضاءة سريعاً مع ملاحظة تناسبها وانسجامها مع ايقاع وجو الحركة)) (27)،فاللون يتشكل ايقاعياً مع الحركة من خلال التأكيد او عدمه،إضافة الى التوضيح والفرز والعزل والتصغير،اضافة الى دلالة اللون و الضوء الفلسفية/والجمالية في تحقيق الالهام الطقسي للعرض الراقص. اما الموسيقى فتمارس دوراً كعنصر مؤسس ومساعد في الرقص و الرقص الكوريغرافي،سواء اكانت ملحنة خصيصاً للعرض او تم اختيارها ،فهي تؤكد التزامها بالايقاع والمقامية(**)، وان الراقص-والممثل ايضاً- بحاجة الى معرفة اولية/اساسية/للاوزان الموسيقية والمفاتيح اللحنية من خلال التثقيف الموسيقي العام/العالمي،والخاص/المحلي،فهناك ايقاعات عديدة للموسيقى الغربية منها “4/4،2/4،3/4” وغيرها، كما ان هناك ايقاعات عربية ومحلية منها ايقاع “الجورجينا”و”ايقاع المصمودي الكبير” و”ايقاع الهيوه” وغيرها من الايقاعات المحلية/العراقية.وتتأسس بنية الايقاع الموسيقي عموماً على “دم” ضربة قوية، و”تك” ضربة خفيفة و”سكوت”، ويختلف عدد الدم ،التك او السكون” من ايقاع الى أخر(28).وتتكون الحركة الراقصة من مجموعة حركات صغيرة وتسمى((الوحدات الحركية الصغيرة”احاريكKinemes”والتي ترتبط قواعدياً مع اشكال حركية أخرى ،بشكل بالغ التعقيد-مركب اشكال الحركة Complex Kinemorphs)) (29)وان لكل وحدة حركية صغيرة ايقاعها الحسي الخاص-و ليس الزمني-والذي يساهم في اطلاق وتحديد ايقاع الجملة الحركية حسياً واضافة الى الايقاع الزمني المحدد،بإعتبار ان عدة اعضاء جسدية تسهم في انجاز الجملة الحركية،فحركة الكف- مثلاً – لها ايقاع يختلف عن حركة الذراع بأكمله،وحركة القدم تمتاز بإيقاع اقوى من حركة اليد المنسابة ،واذا ما ساهم الجذع فسوف يضاف ايقاع حركي/حسي اخر-إضافة الى الايقاع الزمني-وبالتالي تخرج عدة ايقاعات نتيجة مساهمة اطراف عدة من الجسد في الجملة الحركية،اما التشكيلات والتكوينات والتي تتميز بالصلابة والثبات وربما حتى الجمود في الحركة(30)، كما في وضعية راقص/راقصة “الفلامنكو” او وضعيات مصارع الثيران “الاسباني” الجسدية،فالرأس يميل لأحد الجانبين والنظر الى الارض ،والجسم متصلب/مشدود واليدان تأخذ وضعاً مغايراً للرأس والجسم،والخصر يتجه الى أحد الجانبين وغيرها من تفصيلات جسدية .

ان التشكيل/الوضعيات في المسرح الراقص/الكوريغرافي يعول عليها كثيراً في التصميم الحركي،بهدف استثمار وتوظيف اجساد المجموعة المشاركة في الرقص،حيث تتشكل وتتكون تلك الاجساد مزهرة عن ايقاع متنوع،فكل راقص/مؤدي له ايقاعه الجسدي الخاص والمختلف عن ايقاع زميله،سواء أكان ذلك الايقاع نابعاً من الحس الشخصي للراقص او بسبب بنية وهيئة جسد الراقص نفسه”الطول،المقاييس الجسدية”واختلافها عن راقص اخر،إضافة الى الايقاع الموسيقي،فـ((الموسيقى الحديثة تبرز ايقاعات الرقص…أكثر من ابرازها للهارموني او التوافق النغمي كما انها توجه اهتماماً أكبر نحو الصورة أكثر من اهتمامها بالحرفية الموسيقية عالية المستوى)) (31).

اننا نرى بأن هناك وفرة ايقاعية في العرض الراقص وذلك ما يميزه عن عرض أخر،فإذا كان الايقاع = زمن

ففي العرض الراقص يكون الايقاع= زمن+حس+شكل فالحركة الراقصة هي الشكل والمعنى في آن واحد.((ان الايقاع الحركي على المسرح يرتبط بالتقسيم الديناميكي الزمني للحركة ،اذ يمكن للمتلقي ان يحس بحالة التوتر القائمة بين الشخوص والاحداث في العرض المسرحي وتملثلها في نفسه)) (32).ان الحركات الراقصة- على اختلاف انواعها- تحتوي على مجموعة شحنات تنتقل عن طريق الدم،ونشاهد انعكاسها على وجه الراقص،احمرارً،فرحاً،ألقاً، فطاقة الحركة متغييرة تبعاً لنوع الحركة ما بين السريعة /القوية /المتوترة،او الانسيابية/المرنة/اللزجة،او المتعرجة/المتكسرة/الحلزونية…وغيرها،فكل حركة من هذه الحركات لها طاقة معينة وشحنات محددة،قد لا نتمكن من قياسها الا بواسطة اجهزة معينة،لكن تلك الطاقة التي يؤكدها “باربا” موجودة حتماً لأن المتلقي يحسها وان لم يكن مشاركاً في الرقص،فالشحنات طاقة تنتقل في المكان وليس في الجسد الواحد فقط(33). ويرى “باربا”،بأن الحركة تتضمن طاقة “ذكرية Animus” وطاقة “انثويةAnima” وان هذين النوعين من الطاقة ليست لها علاقة بجنس الممثل /او الممثلة وحتى جنس الشخصية المؤداة،وهي عنصر متواري لدى الرجل والمرأة.اننا نشابه هاتين الطاقتين،كما الهرمونات الذكرية والانثوية لدى الرجل او المرأة فهي     -الهرمونات- تتكشف اوتتوارى بحسب نوع الجنس ولكنها موجودة لدى الجنسين،وان طاقة (Animuse &Anima) – بحسب “باربا” لا تنتمي الى السلوك اليومي/الحياتي للرجل والمرأة،بل انها تنتمي الى طاقة الممثل في المستوى غير التعبيري”un-Expressif” لدى الرجال والنساء،ونراها متجسدة في المسرح الشرقي/الاسيوي لفن “الاوناجاتا”(34).


وكما يرى”يونع” واتباع مدرسته ،بأن النفس الانسانية تحتوي على مستويين هما “مذكرAnimus” و “مؤنث Anima” يوجدا لدى كل انسان رجلاً كان ام أمرأة ،واحياناً يتخاصمان او يتعاونان(35).لكن “باربا” لا يرى علاقة ما بينه وبين “يونغ” في “الانيما والانيموس”(36).

ويرى “باشلار” متأثراً بطرح “يونغ” ،بأن(( حلم اليقظة في أبسط وانقى حالاته،ينتمي…..الى الانيماAnima)) (37)، بمعنى ان “باشلار” يربط مستوى “Anima” كونه سبباً للراحة والسكنية في الحلم .اما الكوابيس والقتل والخوف فهو بسبب المستوى الثاني “Animus”.

ويتميز الرقص الهندي بقطبيه او مبدأيه الرقيق ويسمى” لسايا Lasya”والنشيط ويسمى “تندافا Tandava” وهي طريقة لأداء الحركات لا علاقة لها بجنس المؤدي،ويمتد هذان العنصران في الرقص الهندي الى جميع العناصر المشاركة في العرض “كالحركة،الازياء،الموسيقى” وكذلك نجده في رقصات “بالي”(38). ان الطاقة المصاحبة لاية حركة “الانثوية والذكرية” يحصل عليها الممثل/الممثلة- بحسب “باربا”- من خلال التدريبات الحركية والنفسية ،بهدف الافادة منها في تجسيد الشخصيات حركياً،سواء أكانت حركات راقصة او حركات مسرحية ،فعلى سبيل المثال ان شخصية “عطيل”-قبل وقوعه في الشكل- تمتاز بحركات قوية/مباشرة/صلبة،ذات طاقة ذكرية “Anima”،اما شخصية “ياغو” فذات حركات ملتوية/لزجة/غير مباشرة/متموجة،ذات طاقة “انثويةAnima”.

ان الطاقة “الانثوية والذكرية”وسيلة لأدراك جسد الممثل/الممثلة،للوصول الى اقصى درجات التحكم به،وفرصة لأبراز براعته/براعتها(39)،وان بالامكان الافادة منها في شخصية المرأة المتسلطة او العاملة/او المُمتهِنة لمهنة عضلية،حيث تبرز الممثلة الطاقة “الذكوريةAnimus “كطابع حركي للحركات الجسدية الراقصة والحركات المسرحية عموماً.أننا نرى بأن الطاقة “الذكرية والانثوية” هي بمثابة نبض ايقاعي للحركة التي تؤديها الممثلة/او الممثل والتي بإمكانها ان تكشف عن حياة الشخصية-دون الحاجة الى القول- من خلال التركيز على تلك الطاقة النابضة والمعبرة عن الفكرة الفلسفية للشخصية او العرض المسرحي الراقص وغير الراقص للوصول الى الخصائص الشمولية للجسد حيث يلجأ الراقص/المؤدي/الممثل الى التأكيد على ايقاعية الحركة،وذلك من خلال التنقل ما بين التوتر والتقطيع والانسيابية و الشدة والمرونة وغيرها من عناصر الحركة والتي تعلن عن الطاقة المصاحبة للحركة المؤداة،وليس المقصود من الطاقة “الذكرية والانثوية” الجهد “Effort” العضلي المطلوب لأنجاز الحركة،فالحركة الانسيابية/المرنة/او السائلة،بحاجة الى جهد عضلي ايضاً، ويتحقق الجهد من خلال الانبساط والشد للعضلات اضافة الى العظام و المفاصل والاعصاب والشرايين و الاوردة،فجميعها تشارك في تحقيق الانجاز والاحساس الحركي لحركة(40) بعينها.ان الاداء في الرقص الكوريغرافي ينظر اليه ((على انه فعل جسدي يجسد خصائص عالمية معينة مثل الرشاقة،النسبة،التوقيت))(41)،حيث تتحول لغة الجسد الحركية الى مؤشر للتشابه الجسدي والشمولية.وان الممثل المسرحي-كذلك الراقص- بحاجة الى زمن تدريبي معين،بهدف الحفظ وتثبيت الحوار المسرحي/الملفوظ، وتساهم الحركة المسرحية “اليومية والجمالية” من تمكين الممثل من عملية الحفظ وذلك عن طريق ربط حركة معينة او ايماءة جسدية/حركية بجملة حوارية،فغالباً ما يجد الممثل صعوبة في حفظ الحوار/اللغة،وقد يلجأ الممثل الى استراتيجية معينة لتركيز وتثبيت الحوار عن طريق الحركة او الايماءة، فالتقدم -مثلاً- نحو طاولة او رفع الكأس او الامساك بالكرسي ،هذه الحركات والايماءات الجسدية او الاشارية تسهل عملية ربط الحوار المعين لجملة ما،بالحركة او الايماءة ،فالذاكرة بشكل عام لاتحفظ الارقام او الكلمات بل تحفظها على انها صورة، والمعلومة- اي كانت – تحفظ بداية في الذاكرة سريعة الحفظ، وبعد ان ترمز تنقل الى الذاكرة طويلة المدى(42) والحركة باعتبارها متشكلة صورياً/شكلاً،تمتاز بسهولة الحفظ وتسريعه وتثبيته في الذاكرة كما تساهم الموسيقى وايقاعاتها في المسرح الراقص/الكوريغرافي في تسهيل وتسريع الحفظ للحركة-اوالحوار- اضافة الى ايقاع الحركة ذاتها،فالايقاع يتشابه مع الكلام المقفى او السجع،والذي يقوي الذاكرة (43)، ويسهل عملية الحفظ طويلة المدى،مما يجعل الافادة منه ضرورية للممثل/المؤدي/الراقص،سواء في المسرح الراقص او الانواع المسرحية الاخرى.


المصادر والهوامش

(1) سامي،عبد الحميد:حركة الممثل في فضاء المسرح،بغداد:المركز العلمي ط1،س2011،ص12.



(2) خزعل،الماجدي:موسوعة الفلك،(عمان- الاردن)،دار اسامة للنشر،س2001،ص19.

(3) عبد المحسن،صالح:الزمن البيولوجي،عالم الفكر،المجلد الثامن،العدد الثاني،ص358.

(4) ينظر: داريوفو،دليل الممثل،تر،هند مجدي،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(16)،س2004،ص67.

(5) جيلين، ويلسون،سيكولوجية فنون الاداء،تر،شاكرعبد الحميد،الكويت:المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب،س2000،ص 281.

(*) بخصوص نشأة الغناء والموسيقى ،يرى (دارون) بأنهما قد ظهرا كشكل من اشكال ابداء الغزل، في حين يرى (سبنسر) بأننا حين نستثار ترتفع اصواتنا وتحدد الفواصل وتنتظم المسافات بين الكلام، في حين يؤكد(نادل) بأن الموسيقى والغناء هي لغة خاصة اخترعها الانسان البدائي بإعتبارها تشبه كلام الالهة والشياطين،بهدف استخدامها في الاحداث الغير عادية لمعرفة المزيد،ينظر: جيلين،ويلسون:المصدر السابق، من ص 277-284.

(6) سامي ،عبد الحميد: حركة الممثل في فضاء المسرح،مصدر سابق،ص12.

(7) ينظر:المصدر السابق،ص12.

(8) عبد الكريم،صريح الفضلي: تطبيقات البيوميكانيك في التدريب الرياضي والاداء الحركي،الاردن:دار دجلة،ط1،س2010،

،ص360.

(9) فاطمة،عبد الحميد السعيد:الاسس العلمية والتشريحية لفن الباليه ،الهيئة المصرية العامة للكتاب،س1973،ص78.

(10) ينظر: سامي ، عبد الحميد:حركة الممثل ،المصدر اعلاه،ص 13.

(11) عبد الكريم،صريح الفضلي: تطبيقات البيوميكانيك ،مصدر سابق،ص13.

(12)ينظر: جين،نيولاف:منهج لابان للممثلين والراقصين،تر،نيفين جلال الدين،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(10)،س1998،ص65.

(13) ينظر: المصدر السابق،ص66.

(14) ينظر : عبد الكريم،صريح الفضلي: المصدر أعلاه ،ص 362.

(15) المصدر السابق ذاته،ص 381.

(16) جوزيف،شايكين: حضور الممثل،تر،سامي صلاح،القاهرة:مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(17)،س2005،ص105.

(17) ينظر: المصدر السابق،ص106.

(18) ينظر :جين ،نيولاف: منهج لابان،مصدر سابق،ص154.

(19) المصدر السابق ذاته،ص154.

(20) ينظر: روبرت،لويس: نصيحة للممثلين،تر،سامي صلاح،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي،(12)،ص48-51.

(21) ينظر: روبرت،لويس:نصيحة للممثلين،تر،سامي صلاح،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي،(12)،ص52.

(22) ) سامي ،عبد الحميد:حركة الممثل في فضاء المسرح،مصدر سابق،ص45.

(23) ينظر: المصدر السابق والصفحة ذاتها.

(24) ينظر: المصدر السابق ،ص 6.

(25)نك،كاي: ما بعد الحداثية والفنون الادائية،تر،نهاد حليمة،القاهرة:الهيئة المصرية للكتاب،ط2،س1999،ص131.

(26) المصدر السابق،ص 133.

(27) فرانك،هوايتننج:المدخل الى الفنون المسرحية،تر،كامل يوسف(وأخرون)،(القاهرة)،دار المعرفة،س1970،ص379.

(**) “المقاميةTonality”وهي التسمية التي تطلق على لحن مقطوعة معينة لتمييزها عن المقام اللحني لأخرى،ويتكون المقام من نغمات محددة صعوداً او هبوطاً وغير مقيد التتابع ،ويسمى المقام باسم الدرجة الموسيقية” التون ” التي يبدأ منها، وهناك مقامات غربية واخرى شرقية”عربية وعراقية” وتمتاز بأنها تحتوي على نغمة ربع “التون” والذي لا يتوفر في الموسيقى الغربية اضافة الى نغمة نصف “التون” والذي يتواجد في الموسيقى الغربية والشرقية(الباحثة).

(28) ينظر: قاسم بياتلي: ذاكرة الجسد في التراث الشرقي الاسلامي،بيروت:دار الكنوز الادبية.ط1،س2007،

ص(109-111).

(29) اكرم،اليوسف:الفضاء المسرحي، دمشق:مطبعة الوفاء، س2009،ص127.

(30) ينظر: المصدر السابق،ص112.

(31) جيلين،ويلسون:سيكولوجية فنون الاداء،مصدر سابق،ص 276.

(32) يحيى،البشتاوي:الوظيفة وموتها في العرض المسرحي،الاردن:مطبعة الروزنا،س2007،ص140.

(33) ينظر: قاسم بياتلي:الوشاح الذهبي،الرقص في المجتمع الاسلامي، بيروت: دار الكنوز الادبية، ط1،س1997،ص78.

(34)ينظر:ايوجينو،باربا(واخرون):طاقة الممثل مقالات في انثربولوجيا المسرح،تر،سهير الجمل،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(11)،س1999،ص67.

(35) ينظر:غادة ،الامام: جماليات الصورة- جاستون باشلار،التنوير للطباعة والنشروالتوزيع،ط1،س2010،ص352.

(36) ينظر:ايوجينو،باربا،زورق من ورق عرض المبادىء العامة للانثروبولوجيا المسرح،تر،قاسم بياتلي،القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب،س2006،ص114.

(37) ينظر:غادة ،الامام: جماليات الصورة- جاستون باشلار،التنوير للطباعة والنشروالتوزيع،ط1،س2010،ص352.

(38) ينظر: ايوجينو، باربا:زورق من ورق،مصدر سابق،ص117-118.

(39) ينظر: ايوجينو، باربا(واخرون):طاقة الممثل،مصدر سابق،ص70.

(40) سامي ، عبد الحميد: حركة الممثل في فضاء المسرح،مصدر سابق،ص6.

(41) فيليب،اوسلاندر:من التمثيل الى العرض مقالات حول الحداثة ومابعد الحداثة،تر،سحر فراج،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(14)،س2002،ص118.

(42) جمال،الملا:لقاء في برنامج(خطوة) على قناة ابو ظبي الاولى،بتاريخ 5/7/2011.

(43) ينظر:جيلين،ويلسون:سيكولوجية فنون الاداء،مصدر سابق،ص288.

-------------------------
المصدر : الخشبة 
تابع القراءة→

0 التعليقات:

فصل من كتاب "نظريات حديثة في الأداء المسرحي، من "ستنسلافسكي الى بوال" تأليف جان ميلنج وجرهام لي وترجمة إيمان حجازي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

"نظريات حديثة في الأداء المسرحي، من "ستنسلافسكي الى بوال" تأليف جان ميلنج وجرهام لي وترجمة إيمان حجازي كتاب  عن منشورات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، يتناول التجارب الأساس للاتجاهات والمدارس التي قامت في القرن العشرين حول الممثل، والأداء والنظريات والأعمال التي جسدتها.

ومن محتويات الكتاب "نظام ستنسلافسكي النظري" "اقتراحات من أجل الإصلاح: آبيا وكريج" و"الجبهة الشعبية، مايرهولد وكوبو"، و"ارتو والبيان الرسمي"، و"غروتوفسكي والتدريب النظري"، و"تاريخ بوال التنظيري".

وفي  الكتاب فصلاً حول "نحو مسرح فقير" لغروتوفسكي، وهو الكتاب الذي أحدث ثورة في علاقة الممثل بالنص، وعلاقة الممثل بالخشبة وبالمخرج...

نحو مسرح فقير

كتاب "نحو مسرح فقير" عبارة عن مجموعة من المقالات، ومقابلات وأحاديث أخذت بعد الدورات التدريبية التي أقامها غروتوفسكي في الخارج، ومن إجابات عن أسئلة طرحت في ندوات ومحادثات مع الأصدقاء المقربين أمثال باربا، ومن ملاحظات عن العرض والبرنامج المسرحي ووصف لجلسات التدريب وتوجيهات للطلبة في المعمل. ليس كل العمل خاصاً بغروتوفسكي: كان باربا المسهم الرئيس الآخر وكان لودفيك فلازين، الناقد ودراماتورجي الفرقة، كان قد كتب عن معالجة النصوص، أنتجت وجبة النصوص الخفيفة هذه مجموعة من الأصوات والمسرحيات ذات ديناميكيات مختلفة تماماً. ومع ذلك، وحيث أن الهدف العام بدا وكأنه يسعى الى إدخال الناس في معتقد جديد نيابة عن عمل غروتوفسكي، لذا كان هناك تكرار كثير وتجاوز في المجلد. فلم تكن قراءة غروتوفسكي تتم قط بشكل مباشر؛ لأنه كان قد طور مكانة متناقضة على مدار فترة عمله في المسرح وخارجه، وغالباً ما كان يتم تهذيب واستكمال مقولات من خلال أصوات معاونيه. اشتمل كل من هذا الكتاب وكتاب "العمل مع غروتوفسكي" على قدر كبير من الكتابة من قِبَل الذين يتعاونون معه في العمل وتتحكم علاقة هؤلاء الكتاب بالعمل وبغروتوفسكي نفسه بما يركزون عليه في كتاباتهم. فالوصفان الخاصان بأنشطة تدريب الممثل يمثلان وجهتي نظر مختلفتين تماماً، ترى الأولى أن "تدريب الممثل (1959 ـ 1962) هو تسجيل قام به باربا، لتدريب يومي لأعضاء الفرقة. ويأتي الوصف الثاني لتدريب الممثل (1966) من ملاحظات دونها مخرج بلجيكي شاهد تدريباً قصيراً قام به غروتوفسكي وكيازلاك. وبدلاً من مجرد شرح الخطوط العريضة للتدريب، شرح التقرير تفاعل غروتوفسكي مع الطلبة تقريباً بالكامل، وكذلك تجربة التواجد في الأستوديو معه ومع كيازلاك كما وصف تدريب الممثل ذاته. وبالمثل، تكشف الأسئلة التي شكّلت المقابلات التي جاءت في "نحو مسرح فقير" كثيراً عما يشغل السائلين، وأحياناً ما كان للإجابات التي يحصلون عليها تأثير لا يشترك فيه العمل الذي قام غروتوفسكي وحده بتأليفه في مكان آخر. لذلك تبع لقاء باربا، الذي أعطاه عنوان "العهد الجديد للمسرح"، تبع اهتمامه بالممثل "المقدس" وبالعناصر الطقسية لعمل غروتوفسكي، في حين سيطر الاهتمام بالعمل في النصوص على مقابلة نيام كاتان الكندية. وقد عدل غروتوفسكي أيضاً من تسجيل لغته وفقاً للجمهور. بدأ كتاب "نحو مسرح فقير" كتقدمة هجومية عنيفة على بحث مسرح المعمل الذي كان معداً لصحيفة "روكلو"، فقد غطى معظم ما تناوله "عرض المبادئ"، إلا أن الأخير كان عرضاً ملخصاً ومختصراً للمتقدمين للدراسة في المعمل، حيث كان الإيقاع أكثر جموداً وتوجه الى القارئ مباشرة وخاطبه كمشارك مضيفاً العديد من التوجيهات الى أساليب العمل والتوجيهات المطلوبة في جلسات الأستوديو وفي المعمل بصفة عامة. وعندما خاطب غروتوفسكي الطلاب من مكان آخر، مثل الخطاب الذي وجهه الى مدرسة سار السويدية للدراما، كان أسلوبه تملقياً، وتغير هنا ما كان يؤكد سابقاً على أنه قانون الى عرضه كمجرد اقتراح. لقد قلل غروتوفسكي من طلباته، آخذاً في الحسبان الحقائق التجارية للبيئة المسرحية التي سوف يقبل عليها طلاب مدرسة سار. كانت كل هذه النصوص التي جمعت من أجل "نحو مسرح فقير" تقريباً بين يدي الجمهور بالفعل، نشرت في صحف أو سجلت في أحداث عامة، ظهرت بين عام 1964 ونهاية عام 1967. لم ترتب الكتابات ترتيباً زمنياً، وفي محاولة لتتبع منطق تأليفها، يبدو أنها تقع في ثلاث مراحل: مقدمة لمبادئ مسرح المعمل، واهتمامات نصية، وتدريب الممثل. تحدث غروتوفسكي نفسه عن الكتاب "كنوع من سجل الأداء" أو "كمذكرات سفر فقط" ـ تخبر عن تجارب السنين الماضية ـ تصف تجاربي، إلا أنها تجارب ماضية" (أوسينسكي، 1979، 87، كوميغا، 1987، 145). وبظهور هذه الكتب عام 1968، وصل غروتوفسكي الى نهاية اهتماماته الأولية بالعرض المسرحي. وكان بالفعل في حالة انتقال الى مرحلة أنشطة الـParatteatrical، على الرغم من استمرار Apocalypisis في التجوال في كل أنحاء العالم حتى عام 1980. تضمنت النصوص بوضوح أيضاً فكرة السفر، تلك النصوص التي كتبت جميعاً خلال الفترة التي كانت فيها فرقة المعمل تجول في كل أنحاء العالم، وكان ثلاثة أرباعها تتوجه بصفة أساسية الى الجمهور العالمي. العروض التي نوقشت هي فقط تلك العروض التي قدمت في جولات في مهرجانات وجامعات، حيث جمعت معظم مادة اللقاءات. يسجل المجلد ككل الانتشار الدولي لعمل غروتوفسكي. وهو كمجموعة لم يترجم قط الى اللغة البولندية.

أخذ عنوان المجلد من مقال كتبه غروتوفسكي محدداً فيه عمل فرقته عندما انتقل أفرادها الى روكلو Wroclow عام 1965. عندما أطلق غروتوفسكي معرضه "فقير" على معمل المسرح، كان يهدف الى تجديد تميّز عمله عن العروض المثيرة للمشاهدة، أو للمسرح المفعم بالصور الذهنية الذي كان غزير الانتاج في ذلك الوقت. ومع ذلك، بالانتقال الى روكلو، مركز كثير من المسارح التجريبية، احتاج أيضاً الى أن يقيم إسهاماً متفرداً خاصاً به في أعمال أكثر تجريبية. وكما يعترف، وكما سجل كوميغا، فإنه أقدم في عروضه المسرحية الأولى على استخدام جريء للملابس والأقنعة والمشاهد.

مسرح مصطنع

إلا أن غروتوفسكي استبعد ذلك العمل بعبارة مكتظة بأيديولوجية الستينات من القرن العشرين المعارضة للثقافة: "أعرف ذلك المشهد: إعتدت أن أكون جزءاً منه". استبعد المسرح الفني أيضاً، الذي فسّره في بادئ الأمر في إطار الإخراج، "كمسرح متكامل" مستخدماً كل الأنظمة الفنية "في مسرح مصطنع". كان الهدف من كلمة "مصطنع" أن تحمل كلاً من معنى "تركيب الأشكال" ومعنى المادة المصنعة. وعن طريق التناقض ـ إذن ـ نتج المسرح الفقير بعملية حذف وتعرية، إلا أن هذا المبدأ قد امتد أبعد كثيراً عن استبعاد ديكور المشاهد غير الضروري، أو رفض أشكال الفن الأخرى مثل الأدب أو العمارة. امتد حذف العناصر غير الضرورية أيضاً الى أبعد من تقنيات أداء الممثلين؛ الى سلوكهم وشخصياتهم. قُدِّم مفهوم الحياة المنفية هذا في المقالات الأخيرة من "نحو مسرح فقير"، حيث يعري الممثل أيضاً نياته في حركة. وبدلاً من الانفعال أو الإقدام على تحقيق حالة أو تدريب، "يستسلم الممثل لعدم القيام بها" وبذلك يقدم المسرح الفقير كشكل أكثر نقاء وغير ملوث بعناصر غير مسرحية وأيضاً كشكل أفضل من الناحية المعنوية حيث: "إن الفقر في المسرح، وقد تجرد من كل تلك الأشياء غير الأساسية له، يكشف لنا، ليس فقط الهيكل الأساسي لوسيلة العرض بل أيضاً العناصر الغنية العميقة الكامنة في طبيعة الشكل الفني ذاته".

الهيكل الأساسي

استخدم غروتوفسكي كلمة "الهيكل الأساسي" هنا ليشير الى التجانس المعنوي للشكل الفقير، ويشتمل أيضاً على أنه يكون كهيكل أساسي تحت الغطاء اللحمي للمسرح الغني الكلي. فالمسرح الفقير هو غني بالطبع لكنه غني بمعنى أعمق. ففي كثير من لقاءاته الأولى مع باربا، وفي مناقشات عديدة حول نوع الممثل الذي يبحث عنه، استخدم غروتوفسكي مجاز المسرح الغني بطريقة ثانية، كأحد المسارح التي اشتقتها الحقائق التجارية الملحة والتي لا سبيل الى تجاهلها، حيث يبيع الممثل نفسه في نوع من "الدعارة الفنية"، ونتيجة لذلك، تأتي كلمة "الفقير" لتحمل أيضاً معنى المذهب المتقشف الذي يرفض أيديولوجية السوق التي يكون فيها الممثل مادة تباع وتشترى. جعل هذا واضحاً أيضاً في "العهد الجديد للمسرح"، حيث أكد أن المسرح الفقير "يتحدى المفهوم البرجوازي لمستوى المعيشة. ويقدم بديلاً للثروة المادية. طبق مفهوم "الغنى" أيضاً على أشكال الثروة الأخلاقية والمعنوية الأخرى غير المسرح، وعلى الجماهير والأشكال الجماهيرية للسينما والتلفزيون، والتي تخلق مصادرها التقنية نوعاً من الإخراج لا يستطيع المسرح أن يضاهيه. قاوم المسرح الفقير إغراء السوق الجماهيرية، وحدد نفسه بجمهور من الصفوة لا يسعى الى التسلية أو السلعة الثقافية، "وهكذا نجد أنفسنا بصحبة ممثل وهب نفسه للمسرح الفقير" قبل صانعو المسرح الأميركيون والأوروبيون الغربيون، هذا الرفض لوسائل الاتصال الجماهيري، وهي جملة تتردد كثيراً في هذا المجلد. كانت هناك عناصر كثيرة في الثقافات، التي قضت عقداً من الزمن تجرب "التغيير" توحي برفض الأيديولوجية الاستهلاكية.

منتج

كيف حدد غروتوفسكي دوره في الفرقة؟ فلم يكن مديراً ولا دراماتورجياً، ولم يكن مهتماً بالسينوغرافيا بصفة خاصة. كان مصطلح "منتج" هو غالباً أكثر المصطلحات التي استخدمها للدلالة على دوره، ففي العمل المبكر، "العهد الجديد للمسرح" استخدم في مقابلة مع باربا، كلمة "منتج" بمعنى "مخرج". كان غروتوفسكي ينتقد منظمة المسرح التقليدي بقسوة، وكان يمثل ذلك الشخص الذي أصبح "منتجاً" حتى يضع الأشواك فوق كل الفنون، مع أنه في الحقيقة كان عازفاً عنها جميعاً دون أن يكون مقيداً بالعمل الابداعي الذي حمله اليه الآخرون.

يرتبط هذا برفضه للمسرح برمته، ومن ثم لعمل المخرج على ربط ودمج العناصر المتباينة في الاخراج. أكثر ما يثير الازعاج، انه في مقال لاحق يقترح أن ما يطلق عليه ابداعاً في المنتج هو "مكون سادي". ويعترف بأن بعض عناصر الدور التقليدي للمخرج أساسية "لفن القيادة" هذا، بما في ذلك "تعلم كيفية التعامل مع الناس... وهي هبة الديبلوماسية، وهي موهبة باردة وغير انسانية للقيادة ذات الخدع والحيل". ويبدو انه بدلاً من تحقيق تماسك عناصر المشهد، يكون دور المنتج تحقيق التماسك بين أفراد الفرقة ويتضح خلال المجلد في كل النصوص ان اهتمامه الأساسي باعتباره منتجاً، يكمن في العلاقة مع الممثل. تتميز هذه العلاقة في أوجه كثيرة بوجود المنتج كشخص "مسيطر" و"كطاغية" في حين يستجيب الممثل له "كما يستجيب التلميذ لمعلمه، أو المريض للطبيب، او الجندي لرؤسائه، او كفرد أصغر سناً من أفراد الأسرة: "فعلى المرء أن يكون حازماً مثل الأب أو الأخ الأكبر".

ومع ذلك، فإن وظيفة هذا المنتج كمعلم يحدد كل عمله داخل المسرح وخارجه. وهذه الفرقة تحدد الطريقة التي يفكر بها في علاقته بالجمهور ـ "حتى لو انه ليس بإمكاننا تربية الجمهور ـ بطريقة غير نظامية، فإننا على الأقل نستطيع أن نربي الممثل". والطريقة التي يُفكر بها في النصوص التي تستخدم وفي الدور الأوسع للمسرح، تتكرر في المجتمع عبارة "تربية الممثل" دون توقف ولأنه في اطار هذا المضمون يصبح تدريب الممثل مهماً جداً. فهو ليس مجرد طريقة لاقامة احساس بالفرقة، او امتداداً للمجال التقني لتعبير الممثل الفرد، أو امداد الجمهور، بشكل غير عادي أكثر للمسرح (مع أن كل هذه العناصر هي نتاج حصيلة للعمل). بصفة أساسية، تكون تربية الممثل وتدريبه دفاً في ذاته. ويقوم المدرب بوظيفة الوسيط المعالج بالنسبة الى الممثل والمنتج، ويمتد تأثيره إلى الجمهور، فهو شكل ايجابي لتنمية الذات.

الدهشة

في النسخة الأولى لمجلد "العهد الجديد للمسرح" يطلق غروتوفسكي لخياله العنان حول إمكانات مدرسة المسرح، وتدريب الطلاب من الفئة العمرية الأقل من أربعة عشر عاماً، قبل أن تتشكل أجسامهم، من خلال سلسلة من التدريبات العملية والتربية الانسانية التي تُصصم خصيصاً كمثيرات توقظ وعيهم وأحاسيسهم. سوف تستخدم هذه المدرسة خدمات علماء التحليل النفسي وعلماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية" ومع ذلك. في نصوص ظهرت بعد هذا التوقيت، مثل "نحو مسرح فقير" رفض ديناميكية المدرس/ التلميذ، وأعاد تعريف عملية التعليم كما يراها:

أحتل مكاناً قيادياًخاصاً في معمل المسرح البولندي، فإنني 

لست ببساطة مخرجاً أو منتجاً أو مرشداً روحياً. 

ففي المقام الأول، علاقتي بالعمل ليست بالتأكيد ذات اتجاه واحد أو تعليمي...

فتطور الممثل تحيطه الملاحظة والدهشة، والرغبة في تقديم يد المساعدة فيظهر تطوري عليه، أو يوجد فيه ويصبح نمونا المشترك وحياً، 

ليس هذا اعطاء تعليمات لطالب؛ بل انه انفتاح على شخص آخر تصبح فيه ظاهرة "الميلاد المشترك أو البديل" ممكنة.

لم يرفض غروتوفسكي القاب المخرج والمنتج والمرشد الروحاني، إلا ان طريقته في اعطاء التوجيه كانت لمساعدة الطالب على اكتشاف الأشياء بنفسه.

فقد رأى دوره بوصفه معلماً دوراً سلبياً لا يقوم بالتدريس، بشكل ايجابي، لكنه دور يقوم بالملاحظة وتكون تصرفاته مجرد ردود أفعال، يتشابه هذا في طبيعته مع مفهوم "بالنفي" بالنسبة للممثل ، بدلاً عن عدم فعل أي شيء. الجانب الآخر من دور المنتج هو تقديم غروتوفسكي لنفسه كباحث نشيط. فقد انخفضت مكانة الممثل إلى مكانة المادة التجريبية، ويستطيع غروتوفسكي الباحث أن يزيح التراب ويكشف عما "يوجد" بداخل الممثل. من الواضح أن طبيعة مبدأ "الانفتاح التام" بين الممثل والمنتج لا تشتمل على تغيير في علاقة القوة، ويضم ايضاَ دوراً آخر كمحلل، عندما يصف نشاطه من خلال مجاز "العرض projection" بأنه ينطوي على نوع من التحول ـ المضاد، حيث يعيش المحلل دور الآخر خلال عملية التحليل.

على الرغم من تغيير فرقة غروتوفسكي اسمها من "مسرح الثلاثة عشر صفا" إلى "معمل المسرح" ومنحته السلطات البولندية مكانه في "معهد البحث في اساليب الأداء" (1965). فإن غروتوفسكي عانى في كتابته ليحاول السيطرة على معنى "أسلوب". تؤكد مقال "استكشاف أسلوبي" الطريق الذي يجب أن يسلكه الفنان في بحثه عن "قوانين موضوعية". لعملية الابداع، والتي تكون ملزمة للممثل الذي يتمنى ان يكون مبدعاً حتى يتمكن من الأسلوب. ومع ذلك، يرفض غروتوفسكي كتابة "وصفة" أو "كيفية" التوجيه. فقد تحمل معاناة تمييز "أسلوبه" عن نوع العمل الذي يروج له كأسلوب ستنسلافسكي. ما يصعب فهمه في هذا الكتاب والذي يفسر الافتقار المحيط إلى التفاصيل في اللغة التي تعمل على نطاق عريض عن طريق المجاز، هو أن تلك العملية ليست أسلوباً، وبعد ذلك أنكر الكلمة تماماً. يكمن جوهر كل أفكار غروتوفسكي المقدمة في هذه المقالات في أن "أسلوبه" هو توجه يجب على الممثلين استحضاره إلى عملهم. يجب أن يوضع هذا التوجه قبل أي نشاط جسدي، سواء أكان ذلك تدريباً أم عرضاً مسرحياً.

الثنائية

يضع غروتوفسكي هذا النظام الجسدي والتدريبات في مكانة ثانية تلي التوجيه الداخلي. يظهر هذا الفهم لمعنى "أسلوب" تناقضاً داخل كثير من كتاباته في "نحو مسرح فقير"، فلقد حاول غروتوفسكي أن يدحض الانقسام الديكارتي للعقل والجسد، وزعم تقديم أسلوب للعمل يزيل هذه الثنائية وهذا الانقسام. ومع ذلك، بنيت لغته تماماً على الربط بين ما هو داخلي وما هو خارجي وبين العقل والجسد وبين التوجه والتعبير. فعلى سبيل المثال، تحدث بأن "النبضة هي بالفعل رد فعل خارجي" إذا ما عرينا أنفسنا ولمسنا طبقة حميمة غير عادية. وأظهرناها للعيان" لندرس ما هو خفي وراء القناع الذي نرتديه كل يوم ـ الجوهر الداخلي لشخصيتنا ـ حتى نضحي به، فإننا نظهرها يزيل النحات ما يخفي الشكل الذي يوجد بالفعل داخل كتلة الصخر، وبذلك يكشف عنها". إن النص الذي يكتبه المؤلف هو نوع من المشرط الذي يساعدنا على أن نكشف ما بداخلنا ويجب توجيه بحث "الممثل" من الداخل الى الخارج تظهر هذه الصور المجازية الجسد كمقاومة وكعائق وكشيء خادع داخل أيديولوجية كاثوليكية في الأساس، إن إنزال الجسد عن مكانته يتم من خلال التدريب، ليس كصورة مجازية داخل العروض المسرحية فقط، تلخص هذه اللغة أيضاً التفسيرات المعقدة للجمهور، حيث ان الجسد يقوم بدور المخادع، وهو كتوم وفي الوقت نفسه معبر ومستجيب لاشارات العرض المسرحي.

يوجد في كل كتابات غروتوفسكي استخدام متكرر للصور الروحانية، وربما يرجع ذلك الى المضمون الذي كان يكتب فيه، كما هي الحال في قناعاته الشخصية، فقد عانى من أجل الاشارة الى أن هذا الاطار الروحاني الخاص بالمرجع ذو سمة مجازية:

لا تفهمني خطأ، فإني أتحدث عن "القدسية"، أعني "القدسية الدينيوية"... فعلى المرء أن يرجع الى لغة مجازية ليقول ان العامل الخادع في هذه العملية هو الذل، وهو نزعة روحانية.

يمنح غروتوفسكي ستنسلافسكي لقب "القديس العلماني" ويقبل إيحاء آرتو الأسطوري، وهذا يبرر استخدام الصور المجازية في إطار مادي مثل:

اقتراح يهدف الى تحقيق إدراك جمالي متميز Ideolasti فعلى المستوى الشخصي، يجب أن أعترف بأننا لا ننفر من استخدام تكوينات الدجل، هذه، فكل شيء ذي إطار غير عادي أو سحري يثير خيال كل من الممثل والمنتج.

وعندما اقترح أن بإمكان الممثلين أن "يتوهجوا" من خلال تقنيتهم الشخصية، ويصبحوا مصدراً "للضوء الروحاني" كان يهدف من استخدامه لعلامات الاقتباس الى تجديد الاشارة كمجاز، وبعد ذلك بصفحة، كيفية تحقيق ذلك على المستوى التقني باستخدام تعبير محد للوجه و"النبض الداخلي" للممثل ليقدم "تأثير التحول المسرحي المؤثر" امتد المجاز الى التجربة بالنسبة الى الجمهور الذي تلقى "تعويضاً" أو تكفيراً عن طريق قيام الممثل بأفعال غير عادية أمامه (TPT38) والذي من أجله ما زال المسرح يحتفظ ببعض من القوة الدينية القديمة التي "تحرر الطاقة الروحانية لجموع الجمهور المحتشد عن طريق دمج الأسطورة، والاستعمال غير المتقن للغة أو بالأحرى تجاوزها... كمحاكاة، ساخرة مقدسة. ومع ذلك فالقوة المتراكمة لهذه الصور والمجازات تشترك مع مضمون النصوص والصور في العرض المسرحي وتدعم إحساس القارئ بالأيديولوجية التي تتضمنها كتابات غروتوفسكي كلها. ومع أخذ العنصر الروحاني في الحسبان، فإن توجه غروتوفسكي نحو آرتو مثير للاهتمام.

يجادل غروتوفسكي في "لم يكن ذاته تماماً" بأن آرتو قد تعلم "الدرس الحقيقي للمسرح المقدس"، وهو أن التلقائية والنظام عنصران مدعمان بالتبادل، ومن وجه نظر تقليدية، فإن هذا منهج يشاركه فيه غروتوفسكي. ففي الحقيقة، كانت مقالة غروتوفسكي تقريباً كلها نقداً لكتابات آرتو وأفكاره عن المسرح، إلا أن ما أثار اهتامه هو آرتو الانسان. عند هذا الحد ينتمي كثير جداً من كتابات آرتو الى أواخر فترة الستينات عندما بدأ ظهور أسطورة آرتو، كما تناولنا ذلك في الفصل الرابع، يرى غروتوفسكي أن معاناة آرتو الشخصية ومرضه هما اللذان جعلا منه شخصية مهمة، وأصبح "دليلاً ساطعاً على قدرة المسرح على العلاج والشفاء".

النشوة

وبدلاً من أن يتبع نشوة آرتو المجازية، استمر غروتوفسكي في "نحو مسرح فقير"، في العودة الى التمثيل وفي ارتباطه بالممثلين، فقد وضع نفسه كجزء من سلسلة متصلة لعلاقة الممثل ـ المدرب، والتي امتدت بعد ذلك من ستنسلافسكي ودالين ومايرهولد لتشمل آخرين، فقد أشار كثيراً الى تدريب ستنسلافسكي على الأفعال الجسدية، وامتدح طريقته المنهجية في تحضير الممثل، ومع ذلك كانت مطالب آرتو للممثل ذات نظام مختلف تماماً، فحيث دعا ستنسلافسكي الممثلة لتكتشف ما يمكن أن تضيفه الى الدور، رأى غروتوفسكي أن الممثل مدعو الى استخدام الدور "كأداة يمكنه بها دراسة ما هو مخفى خلف القناع الذي نرتديه بصفة يومية ـ وهو الجوهر الداخلي لشخصيتنا. إن المنطق الذي يستند إليه جدل غروتوفسكي أنه أياً ما كانت الشخصية التي تسند الى الممثلة، فإن الدور الذي تلعبه هو "ذاتها" هي. فالهدف المادي، والذي يقدم بنية تنظيمية لدوافع الممثل المرتبطة بالموضوع، يستفيد بقدرة الممثل الجسدية التي يتمتع بها بفضل التدريبات الرياضية. وعلى الرغم من اعتراف غروتوفسكي باختلافه، فإن الصلة بين التمرينات الرياضية والاشارة المسرحية قريبة جداً، كما أوضحت هذا الفقرات عن جلسات الأداء المسرحي والتدريب. وبمعارضته لاشارة العرض المسرحي، يدعي غروتوفسكي بأنه يبحث عن أشكال متأصلة وفطرية موجودة بالفعل في الجسد ومع ذلك، كما أشار إينيس، فإنها غالباً ما كانت أشكالاً للأيقونة الكلاسيكية أو الدينية (إينيس، 1993). أكثر من ذلك، كانت النصوص الكلاسيكية التي استخدمها غروتوفسكي قد استخدمت بشكل متعارض، "لتتناسب مع طبيعته" وكانت تتحور ـ كما حدد فلازن ـ في الفصل الخاص بالمسرحيات نفسها، حتى تصبح التجربة وكأن المرء ينظر الى ذاته في مرآة، أو الى أفكارنا وتقاليدنا، وليس فقط وصف ما كان يشعر به ويفكر فيه الناس في العصور الماضية". ونتيجة لهذه العناصر الثلاثة كان لعمل غروتوفسكي المسرحي، دون شك، أسلوب مميز له، أسلوب كان هو وظيفة شخصيات أفراد الفرقة، وهو أسلوب خاص بغروتوفسكي أكثر من كونه "اكتشافاً واستخداماً لقوانين المسرح"، وعلى الرغم من تأكيد غروتوفسكي خلال "نحو مسرح فقير" ان الممارسة تكشف عن النظرية، وأن إلقاء الضوء على قوانين المسرح والأفكار والتقاليد يتم استيعابها مباشرة من خلال تعبير الجسد، فانه بذلك ينكر ويلغى ويرفض التفكير في المحتويات الايديولوجية للتقنيات العملية التي وظفها في عمله.

جمهور

يفترض كتاب "نحو مسرح فقير" وجود جمهور متجانس يشاهد عمل غروتوفسكي، جمهور من المشاركين الذين جاءوا الى المسرح وهم يحملون توجها صحيحاً نحوه. كما يتوقع من الممثل ان يكون لديه التوجه الصحيح. والذي سيكون قادرا على ادراك الأساطير الجمعية، وسوف يكون معدا لتقديم عمل يتسم بالتحليل النفسي، والذي يمكن اثارته في كل الممثلين عن طريق عروض مسرحية ذات أعداد محدودة من الممثلين، يشتمل الكتاب على رسوم مثالية لتكوين الممثل والجمهور تردد تطلعات نظرية غروتوفسكي وأصداءها. تستخدم بعض الرسوم اسهما بين جماعات الجمهور مشيرة بذلك الى علاقتهم" بعضهم ببعض، وتصف عدم اختلاط الممثل والمشاهد، تظهر كلتا الفكرتين كيف صممت التجربة المسرحية لتكون تجربة ذات حضور للجمهور بقدر كونها كذلك للممثل. فليس هناك مجال للوهم هنا. احتوى الكتاب ايضا على افراد الجمهور الفعلي في صور العروض الفوتوغرافية المسرحية، والتي تعرض اوضاعها، وردود الافعال المتعددة عليها وتبادلها لمجموعة اكثر تعقيدا مما تسمح به لغة غروتوفسكي، يتضح تأثير حاجة الممثلين الى هدف محدد وكذلك دعم سلبية المشاهدين. يؤثر حضور الجمهور بشكل اساسي في الاخراج. قدم غروتوفسكي في كتاب "العهد الجديد للمسرح" (1964)، اساليب "للقضاء على المسافة بين الممثل والجمهور"، على المستويين المادي والفلسفي، وذلك من خلال التقارب. ومع ذلك، لا يقلل التقارب الجسدي دائماً من الفجوة بين الممثل والمشاهد. وبحلول عام 1967، كان غروتوفسكي قد طور اشكالا متنوعة من مجموعات متألقة من الممثلين والجمهور، وكان الجمهور يقوم بأدوار عديدة. ان فكرة اعطاء الجمهور شخصيات كمرضى عقليين بالنسبة الى كورديان على سبيل المثال، ثم رفضها بالتدريج حيث كانت تتطلب استخدام اقنعة، في اللحظة نفسها التي يحاول فيها الممثلون خلع الاقنعة عن انفسهم، ويظهرون كشفا للذات مثيرا التعاطف افراد الجمهور. ان ما يربط بين افراد الجمهور هو دورهم كمشاهدين كشهود كما حدد" غروتوفسكي ـ مصحوبا بتوجه الممثل نحوهم. فكل ممثل يطور حالة تنافسية من التحدي، او "نوعاً من الاثارة" "في مواجهة مع المشاهد" ولم يكن ذلك يتحقق قط "بالنسبة" الى المشاهد، ومع النص الأخير في المجلد "المواجهة الاميركية" في كانون الاول ديسمبر 1967، يدافع غروتوفسكي عن تطور الممثل كمشاهد داخلي، "شريك مقدس (203 TPT يظهر هذا الالغاء للجمهور لمصلحة مشاركة تجارب ما وراء المسرح.

كتابات وتنظير ما بعد العرض

اخذ التوثيق الخاص بغروتوفسكي عن التطورات الأخيرة لعمله تقريبا دون استثناء من احاديث ولقاءات نقحت فيما بعد قبل ان تنشر. كان امتناعه عن تقديم مادة مكتوبة يمكن اعتباره شيئاً محدداً عن مذهبه، كان ذا مغزى في ضوء اعترافه بسيادة الجسد كمخزن للذاكرة والمعرفة. استمرت "الدراما رفيو" في نشر ما تكتشفه عنه عندما يختار ان يوضح عناصر بعينها عن عمله. ويشتمل "مصادر غروتوفسكي" على بعض النصوص التي تساعد على فهم عمله والتي لا تتعدى كونها مقتطفات هزيلة او اشياء مجمعة من كل مرحلة من مراحل عمله، الا ان الأغلبية العظمى من المقالات كانت تعليقات من المشاركين. وبينما تمتد المرحلة الأخيرة من عمل غروتوفسكي لتحتوي مشاركين اكثر وأكثر، وكان كثير منهم من دول اخرى، كان من خلال تسجيلهم لتجاربهم معه ان تم الاعلان عن افكاره وتجريبه. وكما اشارت ليزا ولفورد في مقدمتها سمصادر غروتوفسكي" فان اولئك كانوا مشاركين لفترات قصيرة او مشاركين من الخارج، وكان فهمهم لمبادئ الدراسات محدوداً بالضرورة! لذلك غالبا ما يواجه القارئ لكتاباته الخاصة بهذه الفترة بمقتطفات متفرقة هزيلة محيرة، تقدم كمحاضرات او تعليمات شفهية.

وجدت اولى دلالات على ان بحث غروتوفسكي كان يقوده خارج حدود المسرح التقليدي في كتاب "نحو مسرح فقير"، وكان تقرير كوميجا عن عمل ما وراء المسرح Paratheater مساعداً جدا على جمع خيوط عن عمل غروتوفسكي المسرحي، فقد بلور افكارا عديدة على مدار يومين في مؤتمرات عقدت في نيويورك 12/13 ديسمبر 1970، بعنوان "الاجازة" وهو السجل المكتوب لجلسات المقابلات هذه، ولم يظهر في "دراما رفيو" حتى عام 1973 "مصادر غروتوفسكي" هو نسخة منقحة من الكتاب حيث اضيفت مقتطفات من محاضرة روكلو في كانون الأول (أكتوبر) 1971، ومحاضرة في فرنسا في اكتوبر 1972 لم يتضمن الكتاب القضايا التي اثارت ردود الافعال هذه من جانب غروتوفسكي، عند تركه سياسة التحرير لـ "نحو مسرح فقير" ولكي يزيد من الاحباط الذي يصاب به القارئ عند محاولة القراءة ككيان منطقي يقلل من ردود الافعال على الأسئلة التي يعجز القارئ عن العثور على اجابات عنها، يترك القارئ ايضا وهو يحاول ان يخمن ما هو السؤال. وبالتبادل، يمكننا قراءة هذا كديناميكية لقاعة المؤتمرات، حيث كانت الأسئلة سابقة على النصوص فقط، في عملية تواصل ذات اتجاهين بشكل واضح، ولمونولوج تتخلله وقفات. يشير بعض من اللغة المجازية المتبادل الى مضمون الحرب الباردة عام 1970، حيث خفف المتسائل من دور الممثل، الا ان غروتوفسكي تبعه من خلال عدة استجابات وردود، مثل الخوف الذي يضعف صاحبه، والعالم كمكان اقل بقاء، والحاجة الى نبذ القوة. بدأ غروتوفسكي باعلانه موت المسرح، على الأقل بالنسبة اليه، وأظهر معاداة للمسرح على مستويين: أولهما انه "غير أمين" و"عقيم" وأنه على الممثل ان "يتظاهر"، مرددا اصداء نقد شهير معاد لتقليد المسرح ذاته. وثانيهما ان المسرح يجبر الممثل على ان يضع نفسه في "موقف زائف"، وأن "يدفع نفسه الى دائرة الضوء"، ومع ذلك، امتنع غروتوفسكي والمتشككون عن ترك مناقشة المسرح، والاشارات المسرحية والتقنيات والمادة الابداعية.

--------------------------------------
المصدر : جريدة المستقبل 

تابع القراءة→

0 التعليقات:

مسرحية تتحدث عن الحب

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


مونودراما تتحدث عن كينونة المرأة ،و خيبة امال الفرد اثر ضغوطات المجتمع في اطار عروض مهرجان المونودراما الذي تعقده مديرية المسرح في اربيل ، قدم المركز العام لجمعية الفنون الجميلة  و على خشبة قاعة مديرية المسرح ، عرضا مسرحيا بعنوان (كان الحب يبعد عني خطوة واحدة) اعداد واخراج زاهر عةبة رش و تمثيل شايى رضا قصة المسرحية تقول ان صدام الفرد مع المجتمعات الغربية و من ثم محاولة الخروج او الهروب من تلك المجتمعات ناتج عن فكر المجتمع والأشخاص الذين يحيطون به ، تقول الممثلة اثناء تجسيد المسرحية ” لعل مسار حياتنا كأفراد يصل بنا الى نقطة يئس لم نكن نطمح الوصول اليها ابدا ، حينها نشعر بالأحباط و اللاجدوى في صراعنا من أجل البقاء.
------------------------------------------------------------
المصدر :   شانوكار


تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9