الأبداع الفني هوعملية عقلية تعتمد على مجموعة من القدرات تتميز بعدد من الخصائص والتي تشكل إضافة جديدة للمعرفة البشرية في ميدان الفن , فهو فكر وفلسفة تناوله الفلاسفة والمفكرين منذ أفلاطون وارسطو حتى العصر الحديث، وقد تحدث عنه فنانون وشعراء وادباء عاشوا تجربة الإبداع وقدموا روائع مؤثرة في الوجود الأنساني. وتميل معظم النظريات إلى أن الإبداع الفني ضرب من الإلهام، وأن الفنان انسان غير عادي يمتلك الموهبة والأبداع والمشاعر والأحاسيس والعاطفة المؤثرة لذلك نجد بأن موهبته خاصة تمتلك الأبداع سر وسحر وأعجاب.
(لكن " الانتباه الاستطيقي " لايتحقق - وحده- كي نتذوق القيمة الكاملة للاثر إلا بالانتباه الكامل الى تفاصيلة , و" الانتباه" يخلق , او هو بالفعل قيمة معقدة وغامضة ازاء النص او النصب او التمثال او اللوحة. فامتلاك هذا " الوعي " بهذه التفاصيل وقيمتها الفنية والابداعية وعلاقاتها ونسيجها الداخلي هو الذي يجعل عملية التمفصل مع الاثر للوصول الى خطابه هو " التميير discrimination " , والواقع ان الناس كثيرا ما يفقدون قدرا كبيرا من تجربة الفن , ليس فقط لان انتباههم ضعيف بل لانهم يعجزون عن " رؤية " كل ماله اهمية في الاثر الابداعي , وادراك حركية افعاله ..) (1) وكان مثل هذا الظن بين العوامل التي دعت العرب، في القديم، إلى القول إن لكل شاعر شيطاناً يلهمه ما ينطق به من الشعر. وكان الكثير من الفنانين في عصر النهضة وما قبله يرون أن أعمالهم تتحقق بوحي إلهي.سيرورة
اولا: منهج الفنان الابداعي الذي هو الجسر بين موهبة الفنان وتأملاته الحياتيه، فيتناول الكاتب عناصر المنهج الابداعي الاربعة: المعرفي، التقيمي، البنائي، والاشاري، ودورها في العمل الفني الذي يتكون بواسطة الصلة المتبادلة بين هذه العناصر.
ثانيا: المهارة وهي الوسيلة اللازمة لبناء العمل الفني، فتتحول من خلالها الاحتمالات الابداعية الكامنة الى تجسيم مادي، وهي من تظهر اذا كانت الفكرة الفنية المعنية قد تحققت ام لم تتحقق، وبما ان المهارة في الفن هي قوة ثانية مع الموهبة فيعرض كاغان وظائفها واختلافها عن الموهبة , يذكر زكريا إبراهيم في كتابه «مشكلة الفن» أن غوته Goethe يذهب إلى أن كل أثر ينتجه فنّ رفيع، وكل نظرة نفّاذة، وكل فكرة خصبة تنطوي على جدّة وثراء، لابد من أن تفلت من كل سيطرة بشرية، وأن تعلو على شتى القوى الأرضية، وأن كل إنسان مبدع أسير لشيطان يتملكه ,والإبداع في الفن يقابل المقدرة على إيجاد معنى جديد أو حلول جديدة لموضوع ما، أو إيجاد شكل فني مبتكر، أو إنه، كما يذكر شتولْنِتْز Stolnitz معالجة بارعة لوسيط من أجل تحقيق هدف ما.(3)
( ويتفق تورانس وجماعته على على تعريف الابداعية بأنها عملية يصبح الفرد بها حساسا للمشكلات والنواقص والفجوات في المعرفة والعناصر المفقودة وغيرها .اي تشخيص الصعوبة والبحث عن الحلول وعمل التخمينات وصياغة الفرضيات بخصوص النواقص واختبار الفرضيات وتعديلها أو اعادة اختبارها والوصول اخيرا الى النتائج) (4) وكثيراً ما تسمّى هذه السمة «موهبة»، وهي على درجات ويسمي بعضهم الدرجة العالية منها باسم «العبقرية» , يذهب كروتشه Croce إلى أن الفن حَدْس أو هو معرفة حَدْسية، وهو حَدْس فني أو حَدْس شاعري جمالي تكون المكانة الأولى فيه للمخيلة في حين تكون المكانة الأولى للعقل ومحاكماته في المعرفة المنطقية. ومن خصائص الحدس الفني أنه مقترن بالتعبير سواء بالكلمات أم بالأنغام أم بالألوان. فالكلمة وسيلة الشاعر، والنغم وسيلة الموسيقي، واللون والأشكال وسيلة المصور. ويذكر كروتشه كذلك أنه لا يمكن تصور حدس من دون تعبير، وأننا لا نعرف إلا أشكال الحدس التي تمثّلت في التعبير: فالفكر لا يكون فكراً إلا إذا اكتسى بالكلمات، والتخيل الموسيقي لا يكون إلا إذا تجلّى بالأنغام، ولا يعني ذلك أن الكلمات يجب أن تلفظ بالضرورة بصوت مرتفع، وأن الموسيقى يجب أن تعزف، وأن الصورة يجب أن تثبت على اللوحة. وعلى هذا فإن كروتشه يعتقد أن الحدس والتعبير أمران متلازمان في داخل الفنان في عملية الإبداع حتى قبل تجسيدهما في وسط مسموع أو مرئي أو مقروء، وأن من البساطة بمكان تصديق أولئك المصورين أو الموسيقيين أو الشعراء الذين يدّعون بأن رؤوسهم مليئة بالإبداعات الفنية ولكنهم لا يتمكنون من ترجمتها في قوالب تدركها حواسنا، لقصور في التقنيات التي يمكن أن تستوعب أفكارهم، مع أن تلك التقنيات ذاتها استوعبت إبداعات هوميروس Homer وفيدياس Pheidias , ولعل من المفيد والأساس، في فهم ظاهرة الإبداع، العودة إلى ما يقوله الفنانون أنفسهم عن عملية الإبداع الفني بما لهم من خبرة مباشرة. إنهم يتحدثون مراراً وتكراراً عما يمكن تسميته «لا إرادية» الإبداع، أو «خروج المرء عن نفسه». إنهم يشعرون بأنهم لا يتحكمون في نمو العقل أو صوغه عن وعي في القالب الذي يريدون، بل يشعرون بأنهم مدفوعون بقوى ليس في مقدورهم التحكم بها: فالقدرة الخلاقة لا تخضع لإرادة الفنّان. بل تسيطر على إرادته. ويذكر شتولنتز أن نيتشه Nietzsche يعبر عن ذلك بقوله عن الفنان إنه تجسيد لقوى عليا وناطق باسمها ووسيط لها، إنه يسمع ولا يبحث عن المصدر، ويأخذ ولا يسأل من الذي يعطي، والفكرة تومض لديه كالبرق وكأنها شيء لا مفرّ منه , فهل يعني الشرح السابق للإبداع الفني أن الفكرة الإبداعية تنبثق كاملة في ذهن الفنان أو مخيلته ولا يكون أمامه سوى تجسيدها بالألوان أو الأصوات أو الكلمات؟ في الإجابة عن هذا السؤال وجهات نظر عدة , يقول بيكاسو Picasso إن من أغرب الأمور أن نلاحظ أن الصورة لا تتغير تغيراً أساسياً، وأن التصور الأول يبقى على حاله تقريباً إلا أننا نلاحظ أن هذا المعنى الذي يبدو في كلام بيكاسو لا يبرز التهيئة الطويلة الزمن التي مرّ بها هو، والدراسات الكثيرة التي قام بها، والتعديلات المتعاقبة التي أجراها من أجل إنجاز لوحته الكبرى «غويرنيكا» Guernica. والأمر ذاته يلاحظ في أعمال واحد من أعلام عصر النهضة الإيطالية هو رافايلّو Raffaello الذي كان ينفذ لوحاته الجدارية الرائعة في غرف الفاتيكان بسرعة مذهلة بعد أن يكون قد هيّأ لها دراسات متعددة بدقة وتأمل عميقين , وهناك مثل آخر يتعلق بالمقطوعات التي ألّفها شوبان Chopin للبيانو والتي تُعطي إحساساً واهماً بالتلقائية التامة والإبداع المنطلق بيسر,غير أن جورج صاند G. Sand تخبرنا كيف كان شوبان يحبس نفسه في غرفته أياماً كاملة وهو يبكي أو يمشي ويكسر أقلامه ويعيد سطراً في المدوّنة الموسيقية ويكرره مئات المرّات. إلا أن جورج صاند ذاتها تروي في مناسبة ثانية، أن الإبداع عند شوبان كان تلقائياً سحرياً، وأنه كان يجده من دون أن يلتمسه، بل من دون أن يتوقعه، وكأنما هو معجزة كانت تتحقق كاملة فجأة ,هناك من الباحثين من يعتقد أن الإبداع الفني ينشأ لدى أشخاص لهم تكوين فزيولوجي معيّن، أو أنهم مصابون بأمراض عقلية أو غيرها. ويحاول هؤلاء الباحثون البرهان على أن العبقرية مرتبطة بحالات خاصة، ويأتون بأمثلة عن فنانين وأدباء مشهورين كانوا مصابين بعاهات مختلفة مثل بتهوفن Beethoven وفان كوخ Van Gogh ودستويفسكي Dostoyevsky . إلا أن كثيرين غيرهم من العباقرة تمتعوا بصحة جسدية وعقلية ممتازة الأمر الذي يعارض التعميم الأول ويلغيه , ثم إن هناك من يربط بين العبقرية والانفعالية لدى الفنان. ولكن من اللازم اتخاذ موقف الحذر من هذه الفكرة لأن صفة الانفعالية ربما كانت صحيحة لدى الفنانين الإبداعيين الذين أبدعوا فناً يغلب عليه الطابع الانفعالي. ولكن ذلك لا يمكن أن يكون قاعدة في فنّ يسوده التنظيم العقلاني والتحكم الشديد بالانفعالات كما يرى في الفنون الاتباعية وفنون النقش والزخرفة العربية التي تعتمد أسساً هندسية وعقلانية في غالب الأحيان , ولكن، كيف تتم العملية الإبداعية؟ يذهب كروتشه إلى أن الفن، كما سلف، حدس مقترن بالتعبير. فحدس الموسيقي نموذج من الأصوات المتناغمة، وحدس المثّال صورة من الكتل والحجوم المتناسقة. وهذا الحدس ينشأ في داخل الفنان قبل أن يجسده في صيغته الملموسة , ويستشهد كروتشه بقول ميكلا نجلو Michelangelo «إن المرء لا يرسم بيده بل بفكره»، ثم يقول عن نفسه: «أنا لا أنحت تمثال الملاك، فهو موجود ضمن الكتلة، أما ما أقوم به فهو إزالة طبقات الرخام من حوله».وهذا القول يذكر بكلمة ليوناردو دافنشي Leonardo Da vinci «التصوير موضوع فكري». والشواهد عديدة على أن عملية الإبداع تتم، في كثير من الأحيان، في ذهن الفنان بوضوح يقل أو يكثر. وفي جملة ما قاله موتسارت Mozart عن نفسه إنه يؤلف سمفونيته قبل أن يدونها, يستخلص من نظرية كروتشه أن العملية الإبداعية تتم وتكتمل في مخيلة الفنان ولا يبقى أمامه سوى نقلها وتثبيتها في الوسيط المادي. ويرى غيره من المفكرين والفنانين أنه لابد للفنان من أن يجسد حدسه التخيّلي فيزيائياً، ولا يمكن لعملية الإبداع أن تكتمل إلا بعد تعامل فعلي مع الوسيط. لذلك تظل رؤية الفنان ناقصة إلى أن تتجسد في ذلك الوسيط بعد أن تمر في التقنيات الفنية فتنمو وتتطور وتأخذ شكلها الفني الثابت. وفي قول لشتولنتز عن الهدف الذي يسعى إليه الفنّان أنه كثيراً ما يكون غامضاً في البدء، وأن شكل العمل الفني وطابعه التعبيري وتفاصيله الخاصة لا تتضح إلا بعملية الإبداع،
(وكلفورد يميز بين الجهد الابداعي Creative potential والانتاج الابداعي Creative production .فالانتاج الابداعي , بالمعنى الشائع , وهو ذلك الجانب الذي يمس الذوق العام للجمهور , لان انتاج الشخص الخلاق يأخذ عادة الشكل الظاهر للعمل الابداعي , الشعر , الرواية , القطعة الموسيقية , والتصوير ...اما الجهد الابداعي فهو – طبقا لكلفورد – استعداد الفرد لانتاج افكار أو نواتج سايكولوجية جديدة , بما فيها انتاج الافكار القديمة في ارتباطات جديدة )(6)
الهوامش
(1) محمد الجزائري – كتاب خطاب الابداع الجوهر –المتحرك –الجمالي ص200وص201 اصدار دار الشؤون الثقافية بغداد - 1993
(2)قاسم حسين صالح - كتاب الابداع في الفن - ص 14اصدار دار الرشيد للنشر - العراق - سلسلة دراسات (276) 1981
(3) موسيه كاغان - كتاب سيرورة الأبداع الفني - ترجمة عدنان مدانات
(5) نفس المصدر ص 15
(6) نفس المصدر ص15
(7)الأبداع في الفن والعلم تأليف:د.حسن احمد عيسى اصدارات عالم المعرفة الكويت
(8)فلسفه الجمال ودور العقل في الابداع الفني - تأليف : مصطفي عبده