أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الاثنين، أغسطس 08، 2016

الذكرى 19 لرحيل أول مخرجة بالمسرح العربي / فائز جواد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, أغسطس 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

الذكرى 19  لرحيل أول مخرجة بالمسرح العربي

آني أمك ياشاكر والنخلة والجيران رائعتان في الذاكرة

تحل في مطلع شهر اب المقبل الذكرى التاسعة عشرة لرحيل الفنانة الرائدة الكبيرة زينب “فخرية عبد الكريم” إحدى أبرز شخصيات المسرح العراقي الحديث، والتي استحقت بجدارة لقب “فنانة الشعب العراقي” بعد جهد طويل وحافل بالعطاء والابداع. وكانت البداية يوم سطع نجمها في سماء الفن العراقي في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي حيث مثلت دور “فهيمة” في فيلم “سعيد أفندي” للمخرج كاميران حسني، بعد ما تم اختيارها من بين عشر ممثلات تقدمن للاختبار لأداء هذا الدور.واعقبت ذلك بمسرحية “آني أمك يا شاكر” للفنان الرائد يوسف العاني، فكانت حديث الصحافة والاوساط الفنية والثقافية.

 وقبل أن تتجه للتمثيل كانت لها محاولات في كتابة الشعر، بل ونشرت بعضا من تلك الاشعار بأسماء مستعارة منها “زينب” و”سميرة الفقراء” وهذا ليس بمعزل عن دراستها للغة العربية – جامعة بغداد – في الخمسينيات من القرن الماضي. فضلا عن عملها مدرسة لسنوات عديدة قبل أن تتعرض للفصل السياسي بسبب مواقفها الوطنية، وهي التي تأثرت كثيرا بالأفكار التقدمية وسبق أن زارت سجن الكوت وكان الرفيق فهد مسجونا وقتذاك، وحينما هتفت ضد أعداء الشعب العراقي علق الرفيق فهد على هتافها: “لا فض فوك يا ابنة الرافدين”.

وبعد اشراقة ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 كانت زينب في مدينة الحلة وسارعت فور سماعها نبأ الثورة للخروج إلى الشارع. وعلى مقربة من احد مراكز الشرطة اعتلت عربة احد باعة “الشلغم” واعتمرت قبعة أحد الجنود أو الشرطة وراحت تهتف وتهزج للثورة. فتجمعت حولها النسوة وبدأ التجمع يكبر شيئا فشيئا في تحشد شعبي لا مثيل له جسد تأييد الناس للثورة وزعيمها عبد الكريم قاسم.

فيلم الحارس

وفي وقت لاحق تألقت في فيلم “الحارس” ونفذت كلماتها إلى القلب وظلت محفورة في الذاكرة وكان حصادها الكثير من الاعجاب. وفي أواخر السبعينيات من القرن الماضي، ومع تصاعد حملات الاعتقال والملاحقات والمضايقات ضد الفنانين التقدميين والوطنيين الشرفاء ،اضطرت الفنانة الراحلة إلى مغادرة الوطن هربا من جحيم الارهاب والقمع والاستبداد، لتحط في بلغاريا. ومنها سافرت إلى اليمن ، وعملت في وزارة الثقافة اليمنية، ونشطت في ميدان المسرح من جديد، وبادرت لتأسيس فرقة مسرحية بإسم “فرقة مسرح الصداقة” عام 1980. وتولت رئاسة الفرقة التي كانت تضم في هيأتها الإدارية كلا من الفنانين: لطيف صالح، اسماعيل خليل، صلاح الصكر، أنوار البياتي، سلام الصكر، وصباح المندلاوي. وجميعهم من خريجي معهد واكاديمية الفنون الجميلة قسم المسرح.

ونشطت هذه الفرقة وقدمت باكورة أعمالها بـ”مغامرة رأس المملوك جابر” لسعد الله ونوس واخراج الفنان لطيف صالح. وقدم هذا العمل بمناسبة يوم المسرح العالمي عام 1981 ليحظى بإعجاب المتتبعين وبتقدير استثنائي من قبل لجنة التحكيم بعيدا عن منافسة الاعمال اليمنية.

وأعقبت هذا العمل مسرحية “الأم” لبرشت التي أخرجها الفنان سلام الصكر. وقد مثلت زينب فيها دور الام وكان لها نصيب كبير من الاشادة والاطراء عبر ما نشرته الصحف في تلك الايام.

وفي مطلع الثمانينيات، انتقلت الفنانة الراحلة إلى دمشق لتضع تجربتها وخبرتها تحت تصرف فرقة بابل المسرحية التابعة لرابطة المثقفين الديمقراطيين العراقيين، وأدت دور البطولة في مسرحية “قسمة والحلم” تأليف فائز الزبيدي واخراج سلام الصكر. ولا تنسى مشاركتها في مسرحية “المملكة السوداء” تأليف محمد خضير، التي قدمت في ليبيا بمهرجان النهر العظيم المسرحي.

وفي مطلع التسعينيات غادرت زينب دمشق متوجهة إلى السويد، ومن هناك واصلت عطاءاتها المسرحية وكان لها دور كبير في لم شمل الفنانين العراقيين، وقدمت أعمالا تليق بسمعة الفنان العراقي، وعبرت عن معاناته وعذاباته داخل الوطن وخارجه.

وخلال مشوارها الفني والثقافي الطويل نشرت الكثير من المقالات والمتابعات في الصحف المحلية والعربية.

وفي النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي أصيبت بمرض عضال، وفي الثالث عشر من آب عام 1997 فارقت الحياة بعد ان تركت بصمة مؤثرة وفاعلة في سماء المسرح العراقي. ولن ينسى جمهورنا المسرحي يوم تألقت على خشبة المسرح في مسرحية “النخلة والجيران” للكاتب غائب طعمه فرمان واخراج قاسم محمد، وغيرها من الاعمال المتميزة.

وفي الذكرى السنوية لرحيلها، ندعو الجهات المعنية الى إيلاء هذه المناسبة الاهتمام الكافي وبما يعكس التقدير لهذه الفنانة الأصيلة ودورها الحيوي في النهوض بمسرحنا العراقي ويحفظ ذكراها الطيبة العطرة.

اختلف الباحثون كما يشير الباحث عواد علي في تحقيق صحفي نشره في وقت سابق حول تحديد اسم أول مخرجة ظهرت في المسرح العربي، فذهب بعضهم إلى أنها الممثلة المصرية الراحلة فاطمة رشدي، التي أسست فرقة مسرحية باسمها في القاهرة، ومثلت أكثر من مئة مسرحية. وذهب بعضهم الآخر إلى أنها المخرجة اللبنانية لطيفة ملتقى التي أسست مع زوجها المخرج أنطوان ملتقى “حلقة المسرح اللبناني” في العام 1963.

تقول الباحثة الأكاديمية المصرية سامية حبيب، في لقاء صحفي نشرته مجلة الكويت  إن فاطمة رشدي “أخرجت مسرحيات عالمية لفرقتها في العشرينيات والثلاثينيات دون أن تذكر اسم مسرحية واحدة من المسرحيات التي أخرجتها. وهو كلام يمكن التشكيك في دقته لأن فاطمة رشدي مولودة عام 1908 ومن ثم ليس من المعقول أن تكون مارست الإخراج المسرحي وهي في سن صغيرة، ولم تتلق تعليما في مدرسة. وقد كانت تعمل ممثلة خلال تلك الفترة مع فرق محترفة، مثل فرقة رمسيس ليوسف وهبي، وفرقتها التي حملت اسمها، والفرقة القومية التي تشكّلت عام 1935.

هذه الفرق التي كان يخرج مسرحياتها مخرجون درس بعضهم فن المسرح وتعلموا قواعده في أوربا مثل: جورج أبيض وزكي طليمات وعزيز عيد ويوسف وهبي وفتوح نشاطي.

وحينما بحثت في تجربة هذه الفنانة وسيرتها وجدت أنها أخرجت مسرحية واحدة فقط هي “غادة الكاميليا” عام 1954  لفرقة المسرح العسكري المصرية التي تكونت بعد ثورة يوليو 1952  وألغيت بعد نكسة حزيران 1967.

أما اللبنانية لطيفة ملتقى المولودة في العام 1932فقد بدأت تجربتها الإخراجية في النصف الأول من الستينيات من خلال ملتقى “حلقة المسرح اللبناني”وقد ساعدها زوجها أنطوان ملتقى في توجهها نحو الإخراج تاركة العمل في مجال تخصصها القانوني، أو مهنة المحاماة.

وفي هذا الصدد تقول إنها دخلت ميدان الإخراج للإسهام بجهدها المتواضع في تأسيس مسرح جاد ومتطور من حيث الشكل والمضمون بعدما تركت مهنة المحاماة واعتزلتها، اعتقادا منها بأن للمسرح دورا أكثر فاعلية، لأنه يؤدي إلى احتكاك مباشر مع الجمهور، ويغوص إلى عمق قضايا الإنسان وهواجسه الاجتماعية والثقافية.

وإثر تأسيسهما، هي وأنطوان، “فرقة المسرح الاختباري” أخرجت لطيفة المسرحيات المترجمة: “أنا ناخب، العالم يو، وصية كلب، عشرة عبيد زغار، زيارة السيدة العجوز” و”حرب بالطابق الثالث”. من الصحيح القول إن الريادة الفنية لاشتغال المرأة العربية في الإخراج المسرحي تنسب إلى ملتقى، لكن الريادة التاريخية لا تنسب إليها، كما يذهب بعض الباحثين، ومنهم الباحث الأكاديمي العراقي أحمد سلمان عطية، الذي يقول في بحث له عنوانه “جماليات المنظر المسرحي في عروض المخرجة المسرحية العراقية” المنشور في مجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية، العدد 2 المجلد 4 2014.

وكتب عطية “إن لطيفة ملتقى تعدّ أول مخرجة مسرحية في الوطن العربي. فبعد أن اقتحمت فن الإخراج اشتغلت على خط التجريب.. بل إن الرائدة الحقيقية هي الفنانة المسرحية العراقية الراحلة زينب فخرية عبدالكريم 1931 /1998 التي عرفت بفنانة الشعب، وكانت من أعمدة “فرقة المسرح الفني الحديث” العريقة في العراق، التي يرأسها الفنان والكاتب المسرحي يوسف العاني، ومن أبرز الممثلات فيها إلى جانب زميلتها ناهدة الرماح.

وتشير بعض المراجع إلى أن زينب الحاصلة على البكالوريوس في الأدب العربي عام 1952  كتبت مسرحية بعنوان “زواج بالإكراه وأخرجتها ومثلتها مع نخبة من معلمات وطالبات مدرسة “الرمادي” للبنات عام 1953. وقد أثارت المسرحية في حينها ضجة كبيرة، وتعرضت زينب بسببها إلى القذف والتشهير. كما أخرجت في ما بعد مسرحية “دون جوان” لموليير. وكانت تكتب، إلى جانب عملها في التمثيل، القصة القصيرة والتمثيليات الإذاعية. لكن بسبب تعرضها إلى المضايقات والتهديدات على يد الأجهزة الأمنية، ومنعها من الكتابة ودخول الإذاعة والتلفزيون في أواخر السبعينيات، كونها ذات ميول شيوعية، اضطرت إلى مغادرة العراق عام 1979 لتعيش في المنافي متنقلة من بلد إلى آخر حتى استقرت أخيرا، قبل وفاتها، لاجئة في السويد.

قسوة الاغتراب

رغم قسوة الاغتراب فقد واصلت زينب نشاطها المسرحي، وقدمت العديد من الأعمال المسرحية مع زوجها الفنان لطيف صالح في عدن ودمشق ويتبوري مدينة في السويد. ومن أهم أعمالها المسرحية: “آنه أمك يا شاكر، “رسالة مفقودة، الخال فانيا، الخان، الشريع ، تموز يقرع الناقوس، قسمة والحلم، الحصار والنخلة والجيران.

إضافة إلى “الخرابة ، شعيط ومعيط وجرار الخيط، الينبوع، وحشة وقصص أخرى، الأم، مغامرة رأس المملوك جابر، بغداد الأزل بين الجدل والهزل، سواليف يا ليل، صور شعبية وصورة، فوانيس، شفاه حزينة، ثورة الموتى، المملكة السوداء، ستة دراهم، بيت برنا ردا ألبا، دون جوان، نفوس؟ صور جديدة،  هاملت عربيا وأنا ضمير المتكلم.

وتذكر سيرة الفنانة زينب أنها كتبت مسرحية أخرى عام 1991 بعنوان صور شعبية وصورة، أنتجتها فرقة سومرفي السويد، التي كانت مديرة فنية لها، وعرضتها في يوم المسرح العالمي.

الراحلة في سطور

لدت الفنانة زينب فخرية عبدالكريم في الشطرة عام 1931 .

عملت معلمة في الحلة ، قبل أن تقال لنشاطها السياسي وتحترف السينما والمسرح .

ـ كان لها دور في دفع وتشجيع الطالبات للمشاركة بالمسرح وكانت تمثل لهن مشاهد تمثيلية في المدرسة .

ـ احتلت موقعا متميزا في المسرح العراقي وصارت رمزا من رموزه .

ـ التحقت بفرقة المسرح الفني الحديث وعند اشتراكها بطلة لفيلم “سعيد افندي” من اخراج كاميران حسني تغير اسمها من فخرية عبد الكريم الى زينب. ـ تألقت في أداء دورها على المسرح وفي الحياة وأبدعت بشكل مؤثر وفعال.

ـ في المسرح ، لعبت دور البطولة آني أمك يا شاكر التي عرضت في قاعة الشعب عام 1958م بعد ثورة 14 تموز .

ـ قدمت العديد من الأعمال المسرحية ، أبرزها مسرحية “النخلة والجيران” التي أخرجها الفنان الراحل قاسم محمد ، واشترك بها العديدون من الفنانين العراقيين الكبار منهم : فاضل خليل وخليل شوقي وناهدة الرماح وآزاد وهي صموئيل ويوسف العاني وسليمة خضير وزكية خليفة وغيرهم من الفنانين .

ـ قدمت اعمالا مسرحية أخرى منها : اهلاً بالحياة ، رسالة مفقودة ، الخال فانيا ، فوانيس ، الخان ، البستوكة ، الخرابة ، نفوس ، الشريعة ، وغيرها الكثير من الاعمال المبدعة.

ـ في الكتابة للدراما كتبت عدداً من المسرحيات منها: ليطة ،الريح والحب ، تحقيق مع ام حميد ،  بائعة الاحذية .

ـ اخرجت عملا مسرحيا واحدا في محاولتها الإخراجية الوحيدة لمسرحية  الدون جوان  لموليير .

ـ قدمت ثلاثة اعمال سينمائية ،هي: فيلم سعيد افندي 1957 للمخرج: كامران حسني ، وفيلم ابو هيلة 1962 للمخرج جرجيس يوسف حمد ومحمد شكري جميل ، واخيرا فيلم الحارس 1967 للمخرج : خليل شوقي .

ـ قدمت مع مبدعين من العراق اعمالاً ذات شأن منها  مسرحية الحصار ، ثورة الموتى ، القسمة والحلم ، المملكة السوداء ، رأس المملوك جابر ، مسرحية الام ، سالفة ام مطشر.

ـ غادرت العراق عام 1979 الى بلاد المنافي وظلت تنتقل من بلد الى آخر ، ونشطت هناك في تأسيس فرق عدة منها : فرقة الصداقة في عدن وفرقة بابل في سوريا وفرقة سومر في السويد.

ـ كانت المبدعة الراحلة بالرغم من قساوة الغربة والمرض تتمنى العودة الى الوطن ليكفنها تراب العراق ولكنها فارقت الحياة في الغربة بتأريخ 13 من آب 1998في السويد .

ـ قام المخرج طارق هاشم بإخراج فيلم تسجيلي يتناول جوانب من حياة الفنانة الراحلة الحافلة بالابداع تخليداً لذكراها .

-----------------------------------------
المصدر : الزمان 

تابع القراءة→

0 التعليقات:

المسرح المعاصر والتقنيات الحديثة/ د. فاضل الجاف

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, أغسطس 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 شهد المسرح الحديث في العقود الاخيرة تطورا كبيرا في مجال التكنولوجيا، وقد شمل هذا التطور ميادين معمار المسرح والسينيوغرافيا(الفضاء والمناظر المسرحية) والضؤ والصوت والازياء.
 ومما لاشك فيه ان هذا التطور أدى بشكل مباشرالى خلق آفاق جديدة امام المخرجين والمؤلفين والممثلين بإكتشاف سبل وأدوات وإمكانيات جديدة في التجسيد الإبداعي والخلق الفني، ناهيك عن تحسين ظروف التلقي، حيث أصبح بإمكان المتلقي أن يشاهد العرض في ظروف انسانية أفضل في ظل إمكانيات وتجهيزات حديثه على كل الاصعدة: الصوت والصورة والمسافة والراحة، مما يتناسب وروح العصر.

 وتجدر الاشارة الى ان هذا التطور لم ينبثق فجاءة في هذه المرحلة من تاريخ المسرح، فالتكنولوجيا المسرحية، كانت قائمة منذ العصر الاغريقي، بماكنتها البسيطة وحلولها السهلة في تجسيد مشاهد المسرحية، وقد تطورت هذه التكنولوجيا على مرّ العصور المسرحية.
 لكن التكنولوجيا المسرحية قديما كانت في مجملها سهل التنفيذ وذات وظيفة مجازية في معظم الأحيان.
 ويدرج بعض الباحثين التقنيات التكنولوجية التي شهدها المسرح في العصور الاولى من تطوره، ضمن التقنيات السهلة او البسيطة، اما ماجرى من تطور تكنولوجي للمسرح الحديث فيندرج ضمن النوع المعقد ذي سرعة وإيقاع شديدين، حتى انه بات من الصعب مواكبته من قبل المسارح ذات الامكانات المتواضعة.

فمثلا في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية كان صوت الرعد ينفذ حتى الخمسينات من القرن المنصرم بإستخدام صفيحة معدنية، وصوت حافر الخيل كان ينفذ عن طريق إستخدام قشرة جوز الهند الجافة. وكانت ثمة ماكنة بسيطة تستخدم لإحداث صوت الرياح بفعل قماش من الخيش. أما صوت سقوط المطر فقد كان يتم عن طريق تحريك البازلاء الجافة في أنابيب. أما ما حدث من تطور في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية في العقود الاخيرة، خصوصا بعد ظهور الكومبيوتر فتعد قفزة لم يشهدها تطور المسرح من قبل كما ونوعا وسرعة.

ومن الباحثين من يطلق على التطور الحاصل في مجال تقنيات المسرح ثورة داخل ثورة المسرح الحديث، ثورة مهّد لها روّاد المسرح الحديث من أمثال مييرهولد، كريغ، آبيا ونيهر ببدايات وإنجازات متمثلة بالخطوات الاولى في تغيير بنية المسرح معمارا وفضاء وأضاءة و تقنيات في الصوت.
 كانت تصورات الرواد حول تغيير المسرح تغييرا جذريا تبدو حينها ضربا من الحلم والرؤى المستقبلية، لكن رؤى الرواد وتصوراتهم كشفت امام المسرح المعاصر عن آفاق وأفضية شاسعة ربما لم يكن تصورها سهلا إلا لمخيلة مبدعين من امثال مييرهولد وكريغ وآبيا.

ويمكن القول ان هذا التطور الهائل الذي بلغ أوجّه في المسرح الموسيقي والأوبرا وعروض الرقص، خلَقت لغة مسرحية جديدة لغة مسرح الحداثة وما بعد الحداثة، كما هي تتجلى واضحة في اعمال كبار مخرجي عصرنا، من أمثال جورجيو ستريهلر وروبرت ويلسون وروبرت ليباج. أعمال تحقق فيه الكثير من أحلام رواد المسرح الحديث الاوائل.
وكانت التكنولوجيا الأداة الرئيسة لتحقيق الحلم الفني، ومنفذا لرؤى مخيلة الفنان المسرحي.

ومما يجدر الإشارة اليه هو ان تطور التقنيات في المسرح الحديث إستمد دوافعه وجذوره أساسا من المخرج ومخيلته وسعيه الى تجسيد رؤاه وأحلامه. فالتصورات الجديدة لإستخدام التكنولوجيا في المسرح وتطويعه في مجالات مختلفة، برزت وتبلوّرت ببروز المخرج كصاحب مهنة مستقلة ومهمة في العملية الإبداعية.

 فالمخرجين الأوائل مييرهولد، كريغ، رينهاردت فعَلوا ونشَطوا دور السينوغراف والمصمم المعماري و مصصم الانارة ومهندس الصوت، وبدأ التقنيون يتبأون لأول مرة مكانة مهمة في ثورة المسرح.
ولعل من الصواب القول بأن أول قفزة في سياق التطوّر التكنولوجي بعد اختراع قوة الكهرباء كانت البنائية، التي استوجبت هندسة أخرى في الفضاء المسرحي والمعمار والماكنة المسرحية. ان التطوّر الحاصل في هيكل التقنيات المسرحية لهي إمتداد لإنجازات البنائيين في مجال إستخدام البنى الكبيرة والماكنة المعقدة على المسرح وبتقنيات غاية في البراعة والإتقان. تقنيات دخلت كجزء حيوي ضمن هيكل العرض المسرحي  وليس بخاف فإن البنائية إنبثقت في المسرح كثمرة للجهد المشترك بين المخرج والفنان المعماري. وعليه فإن الأنجازات في مجال التكنولوجيا المسرحية ما هي إلا تحقيق لرؤى وتصورات الاوائل من المخرجين والرساميين والمهندسين وتعاونهم في عمل مشترك لتطوير مسرح العصر الحديث.

يقول كريستوفر بو في كتابه العرض المسرحي والتكنولوجيا كان كريغ يريد لمناظره المسرحية ان تتحرك كالصوت، مثلما الموسيقى تتحرك.
ويذكر ايضا ان احد مصصمي المناظر المسرحية في فرنسا كتب بعد لقائه كريغ في رسالة الى مدير مسرحه عام1910 يقول:
"إن كريغ يريد لمناظره ان تتطور مع سير المسرحية، لا أعرف كيف يمكن ان يتم تنفيذ مثل هذه الفكرة. ولكن الفكرة بحد ذاتها تعد من الدرجة الاولى. فلو تم تحقيق ذلك لغدا ثورة في مجال السينوغرافيا".

إن كريغ كان فنانا يدرك ضرورة الخيال وضرورة إدراك كون التكنولوجيا المسرحية  إمتدادا للخيال المسرحي ذاته. فأستخدامه عند مييرهولد وطرق الاستفادة منها كان جزء من العملية المسرحية والابداع الفني.
 ولعل المخرج البريطاني بيتر هول احسن من يعبّر عن الحذر من إستخدام الماكنة في المسرح من أجل الاستخدام فقط، فهو يقول: إن المسرح يحبّذ التناقض وعليه فإن الماكنة في المسرح تجب ان تستخدم كقيمة مجازية.

رؤى وأحلام دافينشي في المسرح البصري
كان اكبر الحالمين بالحلول التكنولوجية المبتكرة، هو الرسام والنحات الايطالي ليوناردو دافينشي الذي على يده حصل أهم تطوّر في تأريخ التقنيات المسرحية.

كان نموذج دافينشي لأوبرا أورفيوس تطورا هائلا في مجال الأوبرا. فقد صمم دافينشي العديد من الماكنات المسرحية في ميلانو. وكان أهم تصميم جديد له هو تصميمه خشبة مسرح تقدم عليها لأوبرا أسطورة أورفيوس 1518.

كان تصميم المنظر معقدا جدا في حينة، فقد أحتوى المنظر قبة تمثل قبة الكنيسة، تتفتح شيئا فشيئا على شكل جبل، لتكشف عن مشهد آخر، ثم تسحب الجبال عن المسرح من الجانبين. الى جانب هذا كان المشهد الأكثر غرابة هو المشهد الذي كان يرفع من تحت الارض كمصعد الى مستوى المسرح.
ماذا لو عاش دافينشي في عصر مييرهولد و كريغ!،لكانت إنجازاتة بلغت العصر الحديث بفاعلية خارقة.
 ففي الخمسينات من القرن المنصرم فقط بدأت المسارح تستخدم الاصوات المسجلة على الاسطوانات الكبيرة، وقد كان الاعتراض على أستخدام الصوت المسجّل شديدا في حينه.

إن المسرح البريطاني يعد من أهم المسارح الذي أختبر وحقق مختلف التقنيات الحديثة، وكان الى جانب المسرح الاميركي السبّاق في التجريب على كافة أنماط التقنيات الحديثة، فعروض الويست إيند وعروض برودواي حملت في مجال التقنيات الحديثة دهشة وانبهارا لمشاهدها لم يكن متاحا قبل ذلك. وكانت العروض الموسيقية لمسرحيات من أمثال الشعر 1957 و مسرحية يا لها من حياة حلوة 1963 السبَاقة في كشوفاتها التقنية.
وعلى الرغم من ان المسرح البريطاني لم يشهد نهضة تقنية تستحق الاشارة الى نهاية حرب العالمية الثانية، لكن بعد ذلك استمد كبار المصمين في المسرح والأوبرا الإلهام في خلق وإبتكار تقنيات جديدة أستخدمت من قبل المخرجين الشباب في الستينات من أمثال بيتر هول وتريفور نان وجون كاريد.

رواد التكنولوجيا في المسرح المعاصر

يوسف سفابودا:1920- 2002
المصمم التشيكي سفابودا صمّم و اخرج أكثر من 700 عمل مسرحي، منهدس معماري اصلا، مخترع المصباح السحري على المسرح، مؤسس الستائر المتعددة أو المضاعفة، إلى جانب عدد من التقنيات البصرية والسمعية.
نجح سفابودا في جعل الضؤ وسيلة مادية ملموسة، ذا قصد نحتي تجسيدي، وذلك بإستخدام العاكسات (بروجيكشن).
لقد نجح سفابودا في خلق تشكيلات مسرحية على شكل مونتاج مؤلف من الممثلين و الصورة المنبعثة من العاكسة، لينتج بذلك مشهدا ملئيا بالحيوية.
لم يكن هدف سفابودا في عمله يقتصر فقط على خلق صورة مسرحية كإنعكاس للضؤ المنبعث من العاكسة، بل كان نجح في خلق مشاهد نحتية مجسّدة، مفعمة بالحيوية والعنفوان الدرامي.

ومن التقنيات المهمة التي أبتكرها سفابودا إستخدام المكعبات في صف واحد، على شكل جدار، وفي كل مكعب كان ثمة بروجكتور يعكس الصورة على النظارة بهدف خلق عمل حي متحرك لفن العرض.
كان هدف سفابودا يتلخص في السينوغرافيا الحية والتي هي الاخرى الى جانب الضؤ والموسيقى يجب ان تشارك في الفعل المسرحي، أو أن تكون في حركة دائمة ولا ينبغي أن تقتصر الحركة على الممثلين فقط.
لعلنا لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا سفابودا أهم مبدع ورائد ومطبق، بعد آبيا في مجال استخدام الضؤ وفي إبتكاره مفهوم السايكوبلاستيك وهو مفهوم يعتمد التقنيات العلمية الحديثة في تجسيد العلاقة بين الابعاد الثلاثة للفضاء المسرحي، وعلاقتها بالحالة النفسية والشعورية وبالنظارة في نفس الوقت. وفي رأيه ان مهمة السينوغراف تكمن في أستخدام هذه العناصر مجتمعة في وحدة واحدة، في بعد رابع يسميه الزمن- الفضاء، بما أن الحركة على المسرح تتطلب فضاء وزمنا.
إن منجزات سفابودا في مجال إستخدام التقنيات الحديثة في مجال ربط الفضاء الدرامي والزمن الدرامي والإيقاع الدرامي والضؤ الدرامي تعتبر من أهم إنجازات النصف الثاني من قرن العشرين.

روبرت ولسون

 إن المخرج الاميركي روبرت ولسون منهدس معماري ومصمم ديكور في المقام الأول، فهو عمله في الاخراج من التكوين المعماري والبصري للعرض قبل كل شيء ويساعده في تنفيذ ذلك خلفيته الثقافية كمعماري، ودرايته الواسعة في إستخدام التقنيات الحديثة، بالإضافة الى إعتماده على فريق كبير من أمهر التقنين في مختلف التقنيات المطلوبة في العرض المسرح … وإذا وضعنا جانب الانتقادات الموجهة إليه في هذا الصدد والتي تتلخص بطغيان الجانب البصري في عروضه على حساب النص والمضمون، فإن لروبرت ولسون طريقة متميزة ولغة فنية خاصة به فهو يقول :
إنني أفكر في إعدادي الصور و التصاميم والرسوم البيانية، لكن ليس الهدف من الصور تصوير النص. وقد اعتاد ولسون على النقد المألوف الذي مفاده كيف يقوم المخرج برسم العرض قبل أن يلتقي بالممثلين، أو كيف يتم رسم الصورة والميزانسين دون وجود الممثل، وفي هذا الصدد يقول :

إنه مسألة تنظيم معماري في الزمن والفضاء، ولا يهم إن كان هناك ممثلون أو لا! فالضوء يتحرك، والأدوات المستعملة على المسرح تتحرك، إنها مسألة التوقيت، إنه البنيان (البناء) في الفضاء، لذلك أعتقد، إنه المعمار، أي بناء الشيء، سواء كان ذلك عند موزارت أو فاغنر أو شكسبير، باختصار إنه الأداء على أسس الرقص، دون الاكتراث بالبناء الأدبي للنص، فالقيمة البصرية تحل محل القيمة الأدبية دائماً. وعليه فإن الغرض القائم جمالياً لا يمس من قبل الجمهور، ولسون يحتفظ بخط البروسينيوم والمعمار التقليدي للمسرح ويسعى أن يقيم المتفرج علمه المسرحي هناك على مسافة.

 يبدأ ولسون عادة تمارينه بتنظيم ورشات عمل مع ممثليه لإلغاء المهمة الشفوية للعمل المسرحي، وغالباً ما تحدد متطلبات عمل الورشة باحتياجات الممثلين الفردية، لكن الورشة تحتوي دائماً على حركات جسدية عامة، يؤديها الجميع للعمل المسرحي.

وبرغم الخطوط العامة والسمات المشتركة لأسلوب ولسون، فإنه دائماً يبتكر شكلاً متميزا غير مألوف للعرض. ففي مسرحية "ماكنة هاملت" لهنري ميللر القصيرة، كان المؤلف قد خطط للعرض كي لا يتجاوز 15 دقيقة، لكن العرض في معالجة ولسون استغرق ساعتين ونصف، حيث وزع حوار المسرحية على الممثلين بشكل عشوائي، مما أعطى للعرض طابعاً سريالياً صرفاً.
تشكل الموسيقى في الغالب عنصراً مهماً في العرض من البداية وحتى النهاية، ثم هناك الكلمات التي تدخل العرض بشكل متقطع.

إن السينوغرافيا في عرض ولسون المذكور تتضمن، بالإضافة إلى الهيكل المعماري، الصور المرسومة على الستائر، السلايدات المنفذة بدقة، بحيث تدخل البناء المعماري في إيقاع واحد مع الموسيقى والأداء المؤسلب المتأثر بروح المسرح المشرقي (نو الياباني).

روبرت ليباج
يتمتع المخرج الكندي روبرت ليباج، الملقب بساحر المسرح، بشهرة عالمية واسعة وحضور دائم في معظم المهرجانات المسرحية. ويحتل اسمه حالياً مكانة مرموقة بين أسماء أهم خمسة مخرجين مسرحيين بعد جيل بيتر بروك، وهم الأمريكي روبرت ويلسون، والألماني بيتر شتاين، والروسي ليف دودون، والفرنسية أريانا منوتشكين.
ويشارك هذا المخرج، الذي ولد في مدينة كوبيك عام 1957 ودرس المسرح فيها قبل أن ينتقل إلى فرنسا، الأمريكي روبرت ولسون في ريادة ما يسمى بالمسرح البصري.

ولعل الاستشهاد برأي المخرج الإنكليزي المعروف ريتشارد إر يساعدنا في الدخول إلى عالم ليباج المسرحي، وفهم أسلوبه الإخراجي، فهو يقول: "إن ليباج يحوّل المكان العام إلى مكان سحري، والمكان السحري إلى مكان واقعي سهل المنال، وليباج ممون أحلام، والأمر المحفّز بالنسبة إليّ أنه يعمل بلغة ومفردات تنتمي إلى لغة العرض".

 يقول ليباج ان التطور التقني جعل من المسرح يعيش عصر نهضة جديدة، فبالنسبة اليه ساعده هذا التطور في خلق الشكل المطلوب على المسرح، وفي تجسيد التصور الاخراجي بمساحة واسعة من الحرية.
تتسم أعمال ليباج المنجزة أسلوبه الإخراجي أفضل من تلك الأعمال التي يقدمها على المسارح الأوروبية كمخرج ضيف، حيث يعمل مع ممثلين من مدارس تأهيلية مختلفة، ضمن عقود مع مؤسسات مسرحية وتحت ظروف فنية مختلفة.
وفي حين تتمتع "إكس ماشينا" بوحدة فنية في الأسلوب ومنهج صارم في التدريب والمران والعمل الدؤوب في الابتكار، يتم خلالها إنتاج أعمال مسرحية مدهشة بغية عرضها في المهرجانات العالمية وهي في أوج تكاملها.

الصياغات السينوغرافية
في لعبة الحلم لأوغست سترندبرغ، تجري مشاهد المسرحية في مكعب مثبت على ركيزة، يدور المكعب لينتقل الممثلون من سطح إلى آخر حسب توالي المشاهد بطريقة مسرحية رشيقة، وكأنهم يعانون من ضغط هائل، ولا منفذ أمامهم سوى الحلم، بينما يتجلى البحر تحتهم على شكل مساحة مائية يشرف عليها المكعب المأهول بسكانه. وفي "حلم ليلة منتصف صيف" يحوّل ليباج الغابة الشكسبيرية إلى ساحة شاسعة من الوحل والمياه، تتمرغ فيها أجساد الممثلين ببدائية وعنفوان.
ويهتم ليباج باللغة وأصواتها، ففي عروضه التي يعدها لفرقة "إكس ماشينا" يستخدم لغات عدة حسب انتقال المشاهد، ويكرر هذا الاهتمام في النصوص التي يكتبها بنفسه، حيث أن الجرس الموسيقي والتنويع الصوتي للغات المختلفة يضيفان على العرض شعراً إيقاعياً مثيراً، ويخلقان تأثيراً يضاهي التأثيرات البصرية.

الخلاصة

إن التتقينات الحديثة تمثل في جوهرها تحقيقا لخيالات ورؤى المسرحيين الاوائل ممن كانوا يسعون الى تجديد المسرح شكلا ومضمونا.
على المخرج ان يكون مطّلعا على المنجزات العملية في عصره، ويكون على وعي بانجازات الباحثين في مختلف مجالات العلوم. ان المخرج والتتقنين في عصرنا الحالي لايمكن أن يعيشوا بمعزل عن التطور العلمي والتكنولوجيا الذي غزت ميادين الحياة. وكلما كان إطلاع المخرج عميقا وشاملا كلما اصبح بمقدوره ان يجسّد أفكارة وتصوراته وحلوله الإخراجية بسهولة وبسبل فنية مدهشة و ساحرة. وكلما كان المسرح بمعزل عن التقنيات الحديثة أو غافلا عنها كلما أكتنفت لغة العرض صعوبات في التنفيذ والتحقيق.

ان لغة العرض شهدت تطورا كبير، لم يكن ليدور في خلد الرواد الاوائل من المجددين، فقد ادهشني عرض في الرقص على أحد مسارح ستوكهولم كان ينقل أجزاء مكملة من نفس العرض على مسرح في امستردام بتقنية بارعة و في مونتاج مبهر حيث ان المشهد الذي كان يجري أداءه على مسرح أمستردام، كان يشكَل جزاء حيا من عرض استوكهولم.

ولا يمكن إنكار حقيقة وجود مخرجين مبدعيين عملوا ويعملون بمنأى عن إستخدام التكنولوجيا المعقدة، الى هذا الصنف ينتمي على سبيل المثال، كروتوفسكي وبرووك في العصرالراهن، لكن تجاوز بعض المخرجين في اوربا التكنولوجيا والعمل بمبدأ الحد الادنى في العرض المسرحي لا يعني بالضرورة، الطلاق النهائي مع التكنولوجيا، فحتى في هذه الحال نرى ان كل شئ بإستثناء لغة العرض القائمة على الفضاء الفارغ عند برووك مثلا مرتبط إرتباطا وثيقا بالتطور التكنولوجي الحاصل في ميادين التقنيات المسموعة والمرئية، ناهيك عن مجالات التسويق والاتصال بالنظارة وبمختلف مسارح العالم وقطاعات الثقافة.
ففي آخر عرض شهدته لبيتر برووك في ستوكهولم في خريف عام المنصرم، شهدت كيف ان العرض البسيط العاري من كل التقنيات و باللغة الفرنسية، تصاحبه شاشة الترجمةـ فلم تعد اللغة حاجزا كبيرا أمام العرض المسرحي بفضل تقنيات الترجمة.

ومن الواضح ان الانتاج المسرحي بإعتماده على تقنيات الكومبيوتر قطع شوطا كبيرا في التنفيذ المتقن والسريع. في، حيث يتم برمجة المشاهد والضوء والموسيقى والصوت بطريقة يسيرة، مما يسهل إنتاج المسرحيات الطويلة الصعبة التنفيذ بأسابيع معدودة من المران والتدريب.
لعل إستخدام الكومبيوتر في مجالات الانتاج يعتبر اهم خطوة بعد اكتشاف الطاقة الكهربائية. فقد أصبح بإمكان فنان السينيوغرافيا ان يجسد نموذجه على شاشة الكومبيوتر وان يدخل عليه الممثلين وهم يتحركون وإختبار مدى إمكانية تغيير وتبديل المناظر عمليا،كي يصل الى نتيجة مضمونة قبل تنفيذ النموذج على الخشبة، والشئ نفسه ينطبق على الضؤ. اما بالنسبة لمصمم الازياء فقد حقق الكومبيوتر نجاحا في هذا المجال ايضا حيث يستخدم فنان الازياء صورة الممثل نفسه ليجرب معه مختلف أنواع الازياء وصولا الى الزي المناسب.

المسرح العربي والتكنولوجيا

وأمام هذا التطور الهائل الذي يشهده المسرح في الميدان التكنولوجي، نجد أن المسرح العربي يعاني قصورا كبيرا في استخدام التقنيات الحديثة وفي ندرة عدد تقنيين أكفاء، وان هذا القصور يشمل معظم ميادين المعمار والفضاء وهندسة الضؤ والصوت. ومما لاشك فيه ان القصور يشّكل أيضا نقطة مهمة في إنحسار المسرح العربي وتخلفه عن الركب المسرحي العالمي.

ان المسرح العربي بأمس الحاجة الى إعداد وتهيأة تقنيين أكفاء وجود التقنين في مختلف مجالات المسرح قبل إقناء الاجهزة والمعدات التقنية، فإن ذلك سيعطي للمسرح العربي زخما في طريق التطور والازدهار. ان الكليات ومعاهد المسرح في العالم العربي يجب ان تأخذ على عاتقها مهمة تدريس التكنولوجيا الحديثة في مناهج تدريس السينوغرافيا والضؤ والصوت والازياء

ومن جهة ثانية لا ينبغي أن نغفل دور التخلف التكنولوجي في المسرح العربي على إنحسار الجمهور الذي لا يمكن ان يعتاد على متابعة العرض المسرحي في صالات متهرئة وبتقنيات بالية.

يعيش المخرج في المسرح العربي في حالة تصادم دائم مع الخشبة، لكونها غير مجهزة بالتقنيات المطلوبة، وعليه فهي لا يمكن ان تستجيب لمتطلباته، وان كان مجهزا بالتقنيات فهناك غياب اوشحة في التقنين الاكفاء الذي بإمكانهم ان يقدموا للمخرج وللعرض ابعادا وجلولا إبداعية تضفي على العرض جوانب إضافات فنية لا تقل عن إبداع المخرج والممثل والمؤلف.
 فإبداعات المخرج مهما كان بارعا، لايمكن ان تجسّد تجسيدا فنيا دقيقا متقنا الا بوجود الفنان التقني الذي بإمكانه ان يفتح بوجه المخرج أفاقا لا يمكن أن يتصوره أحيانا.

ان لغة العرض قائم في وظيفته ودلالاته في جزء كبير منه على العلاقة الابداعية والحرفية القائمة بين المخرج والتقنين، وهي علاقة مازالت ضعيفة في المسرح العربي، ان لم تكن معدومة في الكثير من العروض المسرحية.
 فالمخرج العربي مازال يجد نفسه وحيدا في العملية الابداعية و في إنتاج العرض، بينما نجد ان هذه العلاقة على درجة كبيرة من المتانة والحميمية في المسرح الغربي والشرقي معا، حيث ان فناني السينوغرافيا والضؤ والصوت يتفننون في خلق وتجسيد رؤى المخرج الفنية، بل فهم يعملون معا في انتاج العرض، إن الكلية في العمل الابداعي هي سمة المسرح المعاصر، هذه السمة مازالت ضعيفة، ان لم تكن معدومة في المسرح العربي.

ونتيجة لذلك نرى ان المخرج في المسرح العربي بشكل عام محروم من إبداعات الفنانين التقنيين، و لا يزال غير قادر على التعامل معهم  بلغة فنية قائمة على الحرفية وإحترام إبداع وعطاء الاخر، بغية الوصول الى عرض متكامل. وعليه فإن العروض المتكاملة تقنيا نادرة في المسرح العربي.

إن المسرح العربي لايزال يعتمد في لغة العرض على عطاءات المؤلف ثم المخرج وأخيرا الممثل. أما التقني فما زال دوره محدودا أو بعيدا عن الحرفية. بينما التكنولوجيا في المسرح المعاصر قطعت شوطا في كشف الحالة الانسانية في الدراما وتجسيد الدوافع الانسانية بأساليب حديثة، مسموعة ومرئية، فالتكنولوجيا الحديثة تمنح المؤلف المسرحي والممثل إمكانيات هائلة في تجسيد ما يدور في مخيلة المؤلف المسرحي شريطة ان يكون على دراية ووعي بذلك. وحتي في مجالات التجريب، فإن ما يسمى في المسرحي العربي تجريبا، خصوصا في مجال المسرح البصري على سبيل المثال، الذي هو اكثر المسارح اعتمادا على التقنيات الحديثة، فقد أكل الدهر عليه وشرب منذ الخمسينات في اوربا.
وأخيرا فان التكنولوجيا في المسرح لا يمكن ان يكتب لها النجاح من دون تقنيين مؤهلين تأهيلا تاما، ومن دون ممارستها بصورة مبدعة، ومن دون ان يتوفر لها المعمار المسرحي المناسب.

ملاحظة:
- استقيت معلوماتي عن سفابودا من كتاب العرض المسرحي والتكنولوجيا، كريستوفر بو. باللغة الانكليزية.
- المعلومات عن كريغ مستمدة من كتاب نهوض المسرح الحديث، غوستا بيرغمان، باللغة السويدية.
- الفقرات الخاصة بالمخرجين ويلسون وليباج، مقتبس من كتاب المسرح السويدي، اراء وأفكار، د. فاضل الجاف، باللغة العربية

تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9