أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الثلاثاء، يونيو 14، 2016

رقصة المستوطن في "أرشيف" أركادي زايدس عرض إسرائيلي في علاقة العنف والجسد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يونيو 14, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

ضمن مهرجان مسرح نيويورك للفنون الحيّة، افتتح الكريوغرافر أركادي زايدس برنامج العام بعمله التفاعلي "أرشيف". وصل العرض أخيراً إلى ساحل الأطلسي بعد أن أثار الصخب والعنف من القدس وتل أبيب إلى طولوز وباريس.
كان أركادي قد انطلق في تقديم عرضه بدايات العام الماضي رغم محاولات عديدة لمنع ظهوره لأنه "يشيطن جنودنا" ويساهم "بنشر معاداة السامية" حسبما هتف حفنة من المتظاهرين هنا وهناك. في كانون الثاني ٢٠١٥، قدم أركادي ثمانية عروض متتالية لقاعة ممتلئة بالحضور في باريس بعد أيام من أحداث شارلي ابدو.

في هذا العمل، نجد محاولة فنية لاستعراض الواقع عبر الوساطة المريبة للصورة حيث يبني أركادي شريطه المرئي والجسدي بالتنقيب في تسجيلات الفيديو التي يمتلكها "مركز بتسيلم". يهرب الفن الإسرائيلي مرة أخرى إلى "بتسيلم" وكأنه معبد للحقيقة فهنالك يقبع أرشيف طويل صورته كامرات المركز بأيدي “متطوعين” فلسطينيين ضمن مشروع توثيقي أسموه “shooting back”. يذكرنا أركادي في بداية العرض بأنه إسرائيلي وأن الأبطال-الأشرار ممن يظهرون على شاشة عرضه إسرائيليون مثله. يسير العمل دون أن ننسى من جاء بتلك الكامرات ومن يمسك بجهاز التحكم. 

يصحبنا أركادي في رحلة مفصلة عبر مشاهد متعددة ومكررة لعنف المستوطن في نابلس والخليل وغيرها. يمسك بيده جهاز تحكم صغير يقتصر على زر للعب وآخر للتوقف. تغلب الصور الواقع في حضورها. نتفرج على المواجهة المباشرة حين يتداخل الفنان مع المستوطن ويتشابك معه، أو يرتدي جسده وإيماءاته، ليحاول عبثاً أن يلغي النهايات. تركز كل المقاطع على اللحظات الأخيرة قبل وقوع الجريمة عندما يمتلئ الجسد بالعنف إلى نهاية أطرافه. يدخلنا أركادي إلى مختبره المشتعل لنشاهد تصنيعه البطيء لرقصة العرض التي يلتقطها من أجساد المستوطنين الهائجة والعنيدة. 

تركز اختيارات أركادي على أجساد الأطفال والمراهقين من المستوطنين. يشرح لي بعد العرض أنه يرى في هذا العنف الممنهج ما هو أبعد من الأيديولوجيا- بل أنه أسلوب حياة. قضى أركادي مئات الساعات يتتبع ويقلد الأجساد التي تقف خلفه على الشاشة. مقاطع لأطفال يتدربون على رمي الحجارة، أخرى لجنود يتباطأون في قنص أهدافهم، أيد تهش الغنم بعيداً عن المستوطنة. يستخدم الفنان جهاز التحكم لنشاهد بضيق انتفاخ الجسد المستعد للهجوم: نرى الاندفاع، التريث، التماهل، التراجع، الترنح، التأرجح، التردد، التخفي، ثم الطيران لوهلة خاطفة. يستخدم أركادي الإيماءات ليسكتشف الأبعاد الحادة لهذه الأجساد. كيف تتنامى وتتداخل لتخلق تلك الضوضاء الجارحة. يقلدهم تماماً أو يمط حركاتهم إلى سياق متقارب ثم يقف في الضفة الأخرى كأنه مرآة شرسة أو أخرى مظلمة. لا يحاول أبداً أن يحتفظ بالمسافة ذاتها عنهم. 

بعد الانتهاء من تشكيل رقصة المستوطن، يدخل أركادي في مهمة جديدة لاستكشاف المكان ومشهدية الفرد ضمن جماعته. يظهر الفلسطيني ممثلاً بالغنم المطرود والشجر المحروق أو من خلال صوته خلف الكامرا حيث يتمتم لعناته على رب المستوطن. نشاهد حقولاً مشتعلة وشوارع خالية ونوافذ يشغرها جنود. يكثف الراقص لعبة التكرار ليضغط إيماءات العنف في لوحة ختامية تتداخل فيها أصوات المستوطنين وكأنها حالة متفجرة من العواء. نصبح أمام مشهد تفاعلي عن القوى المدمرة لهاته الأجساد بشتى حالاتها.

سألت أركادي عن استخدام الشاشة وأهمية العودة إلى الأرشيف. قد يترك الأرشيف انطباعاً أن الصورة منتهية أو حتى مجردة، لكنه يجد أن تموضع جسده ضمن هذا الأرشيف يخرجه من الصورة إلى العين، أي يبث الروح فيه. “فعل المشاهدة هنا لا يقتصر على جسد المستوطن بل أيضاً على عدسة الفلسطيني باعتبارها استعارة وسائطية للتعامل مع اليومي". وفي ذات السياق يرى أن جهاز التحكم في يده هو "الوسيط المتاح للفنان بين الصورة والحدث". 

وعن حاجة الراقص إلى الصورة يقول أركادي بأن الجسد "لا يحتاج إلى تصميم راقص فالعالم من حوله يقدم كل هذه الحركات التي تتنظر منا أن نزورها ونفكر فيها" لنخلق بذلك "قاموساً حركياً" يسمح بحضور سياقات الواقع. ولكن ماذا عن المسافة المتفاوتة التي تفصله عن الصورة؟ يجيب "أحاول أن أنقد هذا البعد فعملي يقف في صلب العلاقة بين الصورة والعنف التي تحدد هويتي ضمن الحدث المطروح.” 

كان عرض أركادي العمل الوحيد غير العربي ضمن برنامج المهرجان والذي جاءت ثيمته بعنوان "الشرق الأوسط/مستقبل". سألته كيف يأتي حضوره في هذا السياق وعن أي مستقبل يتحدثون في نيويورك. "المستقبل سيحدث على أي حال. لا أظن أننا نحتاج لهذه المناسبة للتحاور فهنالك علاقات صادقة بين فناني الشرق الأوسط. لا أريد التفوه بكلام عاطفي عن وحدة ساذجة تجمعنا لكنني أرى في أعمالنا  مساءلات جادة عن قيم ورغبات سياسية. هذا لا يعني أن التحاور بحد ذاته هو الحل بل هو فرصة مشتركة للتفكير.”

بالتوازي مع عروض المهرجان، نجد أركادي في قاعة أخرى في غرب المدينة حيث شاشة ضخمة تعرض فيديوهات المستوطنين التي اختارها وأخرى لبروفاته في الاستوديو. في مدخل المعرض نشاهد فيديو  للمظاهرات الهزلية التي نظمت ضد العمل. كان "أرشيف" من بين ٢٠ عملا فنيا في إسرائيل هددت بالمنع أو وقف الدعم. تقف مشاركته هذه إلى جانب عمل قصير من صنع إسرائيلي آخر هو دانيل لاندو الذي قام بتصوير معبر قلنديا بزواية ٣٦٠ درجة خلال مروره من وإلى فلسطين. ارتديت نظارات غوغل خاصتهم ودرت حول نفسي أتفرج على نقطة الحاجز عبر جسد لاندو. لحظت حينها وجوهاً فلسطينية تنتظر وتحدق بتململ.

-----------------------------------------------
المصدر : نيويورك- منى كريم  - جريدة تاتوو

تابع القراءة→

0 التعليقات:

الرقـص وتطبيقاته في المسرح

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يونيو 14, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

يعتبر الرقص من الفنون الإنسانية الأولى للتعبير عن فكرة وعقله ونفسيته قبل أن يخترع الكتابة واللغة وهو اللغة الأولى التي تكلّم بها الإنسان، فقد عبّر بأعضائه وجسده قبل أن ينطق، حيث يأتي الرقص ملازماً للموسيقى أو مقدماً لها، كأن يكون بتصفيق اليدين أو ضرب الأرض بالأقدام لتكوين الإيقاع.
وربما ابتدأ الرقص ليعبّر عن الفرح، إحتفاء بالربيع أو نزول المطر أو وفرة المحصول أو أي شيء جديد مكتشف بالصدفة وهو قديم قدم الحب والجنس وهو جزء لا يتجزأ من الإحتفالات الشعبية، حتى أن الحيوانات والطيور والأسماك، تؤدّي رقصات الإغواء في أوقات التزاوج. وقد حاكى الإنسان البدائي الطير والحيوان في الرقص فالرقص إذا هو لغة الحرية الكبيرة لغة الشمولية البشرية وهو لغة عالمية كالموسيقى تماماً، وهو من اللغات المعترف بها عالمياً وقد اعتبر الرقص عموماً من أقدم الفنون وأعرقها، فهو تعبير عن عادات الشعوب وحياتها اليومية، يُعرف الرقص بـوصفه لغة الجسد وهو تعبير إيمائي يقوم على تشكيل جسماني بشري حركي بجميع أعضاء الجسد الإنساني، ولا سيّما الرقبة والأطراف، تلازمه الموسيقى اليدوية، أو الاّلات، أوالغناء، فيتفاعل معها وتتفاعل معه، و يعبّر الرقص بالحركة عن أحاسيس اللشخصية الإنسانية التي تؤدّي دورها الراقصة، أو الراقص، إزاء الحياة والطبيعة أو المشاعر العاطفية لفرد أو مجموعة، وقد يكون شكلا من أشكال الشعائر الدينية أو الإجتماعية أو السياسية أو يتخذ مظهرو مواقف تعبيرية أو عرضا كاملا لوقائع قصة مقترنة بموسيقى تصويرية من بدايتها حتى نهايتها. 
ويصنّف الرقص إلى عدة أنواع مختلفة أهمها: 
1.الرقص الديني. إبتداء من رقص الشعائر الدينية القديمة كما في مصر والعراق وبلاد الشام تقديم القربان للاّلهة أسطورة إيزيس وأوزيريس، الإحتفالات بعودة تمّوز الخ وانتهاء بالرقص الصوفي كرقص الدراويش.  
2.الرقص الشعبي. لكل شعب في العالم رقصاته القومية المحلية الخاصة بألوانها وحركاتها مثال رقص  الفلامنكو الأسباني والسامبا البرازيلية والرقص الأفريقي.
3.رقص الإثارة، كرقص هز البطن.
4.رقص الباليه.
5.الرقص الكلاسيكي الحديث. 
يعد الرقص من أقدم الوسائل التي كان الإنسان ينفس بها عن انفعالاته بسبب بداية اللغة المنطوقة وقصورها حيث كانت الوسيلة الشائعة في التعبير عن أعمق مشاعره: الحركة الرتيبة الموزونة (الرقص). فبها يتحدث إلى الآلهة ويصلي لها ويشكرها ويثني عليها بلغة حركاته الإيقاعية الراقصة، لأن أولئك المؤدون كانوا قد نادوا إلى الرقص متى ما الكلمات بدت مانعة لهدف المؤدين، و الرقص هو الطريقة المهمة في إظهار الشعوب الهمجية مشاعر المحبة والتقديس نحو الآلهة في الرقص المقدس (الديني)، ومشاعر الحماس والكره نحو القبائل المعادية في صراعاتها التنافسية (التنازعية) في الرقص المعركي (الحربي)، أو طرد الأرواح الشريرة أو مواسم القحط والفيضان في الرقص السحري  الديني، وكان للإنسان دوافعه العديدة التي دعته إلى الرقص، فلقد " رقص ليفرغ شحنة طاقة، ورقص ليجسد بطولته، ورقص ليحتفل بقنص، ورقص لان غريزته الجنسية تطلبت منه المشاركة الجنسية في الحركة، ورقص ليعبر عن حادثة أو فكرة أو شعور، كما رقص لكي يجعل السحر قادرا على السيطرة على قوى الطبيعة الغامضةفي حركات طقسية إيقاعية (رمزية، وتعبيرية)، أسست ما يمكن أن نطلق عليه بالرقص المسرحي (الرقص الدرامي) في شكله البدائي (المبكر) فجميع القبائل البدائية تمارس رقصات حربية، ويهدفون بها غرضين: أن يكسبوا الآلهة إلى صفهم في المعركة القادمة، وإثارة الحماس والشجاعة والإقدام في قلوب المحاربين ونرى مثلا في رقصة من الرقصات الحربية لدى قبائل (الناجا) في الشمال الشرقي من الهند: التي تبدأ بعرض المحاربين مع أسلحتهم، ثم حركات الكر والفر، قاذفين بالحراب كأنهم في حرب حقيقية، ويزحفون على الأرض مع عدتهم الحربية، حتى إذا ما اقتربوا من العدو الوهمي وثبوا عليه وهاجموه. وبعد قتلهم –إيمائيا- لعدوهم، يحملون خصلاً من الحشائش ترمز إلى رؤوس القتلى وفي عودتهم إلى الديار يحملون أكياسا كأنها رؤوس أناس حقيقيين، وإذ وصلوا، تلقتهم النساء واشتركن معهم في الغناء والرقص احتفالا بالنصر وهذا يروي مشهدا إيمائيا راقصا لمعركة وهمية متخيلة تقدم في الطقوس الحربية الاحتفالية عند الأقوام البدائية فترة النزاعات والحروب، يستخدم فيها الحركة والرقص والغناء.
كان الانسان يمارس عدد من الرقصات لغرض السيطرة على مصاعب الحياة، وكان يعدها الوسيلة الصحيحة لتذليل الصعاب  فكانت مجرد حركات لم يفهم مدلولاتها واصبحت فيما بعد لغة متفق عليها تطورت تدريجياً ليستثمرها الاغريق في احتفالاتهم الدينية التي لم تكن اهدافها بعيدة عن اهداف الانسان الاول ففي المسرحية الساتيرية التي كانت مصحوبة بالرقص والغناءكانت الطقوس الدينية التي كانت تقدم للالهة غايتها التقرب منها حتى تستدر عطفها وبركتها، فالرقصات عند اليونان تمتلك عدة آليات ومفاهيم لان الانسان منذ ولد ولدت معه البذرة الاولى للدراما بوصفها فن بدائي.
وفي بلاد الرافدين القديمة، فان الرقص يتمثل فيما عثر عليه في النقوش، حيث اكدت تلك النقوش وجود الرقص كظاهرة ارتبطت بظواهر اخرى تحيط بها في الطقس الذي كان يمارس في الطقوس، اما الرقص عند قدامى المصريين فقد اثبتت الحفريات والاثار وجود رقص شعبي، فيما عرف الفينيقيين من خلال الههم " بعل مركوس " اله الرقص والطرب حيث كان الكهنة يرقصون حول مذبح هذا الاله، اما الهنود فقد اشتهر عندهم الرقص الطقوسي حتى الاله يتصورون انها ترقص. 
وقد عرف قدامى الصينيين الرقص، حيث كانوا شغوفين جداً به، لان الرقص عندهم في الممارسات الدينية يرجع الى الخرافة والاسطورة، وفي اليابان كانت عروض "النو" و "الكابوكي" حافلة بانواع عديدة من الرقص، ويطلق اصطلاحاً على الرقص الشرقي بـ(هز البطن) المعروف بين افراد المجتمع والذي يمارس في الحفلات العامة والخاصة وحتى العائلية لذا فأن الرقص الشرقي لا يقتصر على اداء الانثى له بشكل منفرد حيث تدخل عناصر مزاجية وتنكر في الازياء ولهو بريء وتمثيل ساذج لدور الجنس المعاكس من خلال وضعيات وحركات خاصة من الغنج والمداعبة والغزل ومن خلال حركات الاكتاف والميلان على الاطراف واللعب بالحواجز والترميز في الايادي ووضعيات الجذع، وقد يكون هز البطن ذا معنى في الرقصة التي تؤديها الراقصة، حيث يقول خبراء الرقص ان هذا الفن قادر على التعبير ليس فقط عن الانفعالات والمشاعر وحركات النفس والفكر بل عن دنيا الاحلام والاواقع التي لا تحدها حدود، ومما تجدر الاشارة اليه ان المجتمع الاسلامي خلال ايام الحكم العباسي، قد شهد ازدهاراً للرقص يعكس الحياة المترفة ونوع من اهتمام الارستقراطية والاغنياء المترفين بشكل من الثقافة والحياة الانسية التي يحيط بها الطرب والرقص والغناء، ومع بدايات عصر النهضة في ايطاليا نما فن البالية، وهو على انواع منها، رقص منفرد ورقص ثنائي ورقص جماعي.
ان الرقص الحديث يعتمد على اساليب وانماط مختلفة بعيدة تماماً عن انواع الرقص السابقة فهو يعتمد على حرية حركة الرقص وعدم تقيّد بالاوضاع والاشكال الكلاسيكية بل ان لغته الخاصة في الاداء التي اسسها بعض مشاهير الراقصين المصممين والمبتكرين لهذا الفن منهم:
1.الامريكية سان دنيس روث.
2.الامريكية ايزادورا دانكان.
3.لابان رودولف فون.
4.ماراتا جراهام.
لكن الفرنسي " موريس بيجار "، يُعد من أشهر مُنتجي الرقص الحديث في العالم، ففي عام 1955 فاجأ " بيجار " العالم بتصميه الابداعي لباليه " سمفونية لشخص واحد "، ويقوا عن مجمل نتاجاته الراقصة: " ان التراث الحقيقي هو ان تعيش وتخلق ايقاع عصرك، وليس العصر السابق فلغة الرقص لا تختلف عن اي لغة فنية لذا فهي تتجدد او تموت " وعندما استكمل " بيجار " رؤيته لفن الباليه المعاصر، اسس مركزاً للتعليم باسم " مودرا " اي الحركة، ويقول في هذا الصدد: " راقصي اليوم يجب ان يتمتعوا بالاضافة الى موهبة الرقص بثقافة عالية بحيث تكون هي التي توحد خطواتهم ونظراتهم ومختلف حواسهم في شكل باهر "، ان بيجار، ما كان له ان يحقق ما وصل اليه لولا دراسته الفلسفية وخاصة الفلسفة الهندية التي تعتمد تطويع الجسد للوصول الى الاشراق بحيث تتوازى داخل الانسان لغتان داخلية وكونية.

الرقص في المسرح:
ظلت علاقة التداخل والتلازم بين الرقص والمسرح موجودة بنسب مختلفة عبر تأريخ المسرح، فهناك عاملان لعبا دورهما في تحديد هذه العلاقة هما وجود العنصر اللغوي من جهة ودرجة الالتصاق بالاصول الطقسية من جهة اخرى. حيث تعد اتجاهات المسرح الراقص محصلة للتيارات الطليعية التي سادت في اوروبا واميركا فيما بعد الحرب العالمية الاولى بداية من التغبيرية حتى مسرح العبث، وتتميز بنية العرض الدرامي الراقص المعاصر- بعد تأثره بتلك المستجدات التقنية الحاصلة في مجمل مكوناته: التمرين، الأداء الراقص، التنظيم، الهيكلية، الاختيار-  هو  ذلك التواشج الفريد والغريب بين مختلف عناصره المختلفة  والمنتمية أصلا إلى أجناس فنية متعددة لا تجتمع عادة في فضاء الحداثة الذي مهد لذلك الانفتاح الواسع (ما بعد الحداثة)على الأجناس ويجد فيه نوعا من الفوضى غير المنهجية أو غموض الرؤية المعرفية والجمالية لطرق إنتاج الفن، وبالمقابل احتفظ العمل الفني (الراقص) بوحدته الفنية النمطية وتكامله البنيوي الخاص في فترة الحداثة وان كان ذلك على حساب المضمون المراد كشف أسراره وجوهره وأبعاده المختلفة، وليبقى العرض أسيرا لقيود التجنيس الحداثوية المتداولة ذات الإطار الشكلي المحدد والمكشوف سلفا لدى المتلقي. فبطء الحداثة عن الانفتاح الفني والتقني على الإشكاليات الحياتية ذات القضايا الوجودية الهامة والمتعددة للإنسان المعاصر ومنها بروز مفهومي العولمة والاستهلاك الثقافي، وكذلك بسبب التقيد بالأساليب المنهجية والمدرسية والتنميط، أتاحت الفرصة لجيل جديد من الراقصين والمصممين (الكيروكراف) المعاصرين أن يطرحوا قضايا أكثر أهمية وعمقا بشتى الوسائل الفنية والتقنية المتاحة لهم وبشتى السبل المغايرة لأساليب الحداثة، من غير قيد أو شرط (فني، أو تقني، أو معرفي) لخلق عرض جمالي حر لا يتسيد فيه عنصر واحد مهم، بل المغايرة في بنية العرض التقليدية ومنها أماكن العرض أيضا.
هؤلاء المجددين ثاروا على الثوار الأوائل المؤسسين للرقص الحديث في النصف الأول من القرن العشرين (كريهام، دنكان، دينيس، لابان...) وأسسوا ما يطلق عليه برقصات ما بعد الحداثة، بعد أن استشعروا عجز الحداثة في المواجه والإصلاح، وغرقها في محيط الذاتية واللاشعور، ليصبح النتاج الفني الحداثوي أكثر عزلة اجتماعية وثقافية، لأنه نشاطا للنفس وصدا لها وغير مكترث بالمجموع وقضاياه المتغيرة، لذا كانت الأعمال المنتمية لفنون ما بعد الحداثة ردة فعل رافضة ومستنكره لضعف الحداثة، وقوة فعل ديمقراطية حرة تسمح لكل العناصر الأساسية الفنية، ومن كل الأجناس والأنماط، أن تشترك بشكل فعال في إنشاء الخطاب الفني الشامل كنشاط تجريبي تفاعلي، كما تسمح بحرية كاملة لحركة القراءة والمشاركة والمشاكسة الدينامية مع بنية العرض الغرائبية المفتوحة وباتجاه قراءاتي من الداخل والى الخارج وبالعكس. فالتغيير في العرض لم يكن حاجة طارئة، بل حاجة ملحة في الصور الحيوية للجسد، وفي العاطفة الملتهبة والقسوة النارية، والألم والتوق إلى الحب والضعف، كل ذلك يتم استحضاره على خشبة المسرح. فهم يأملون في تحفيز التأمل الذهني وإثارة اللاشعور الذي يولد التأثير العاطفي لدى المتلقي. 
ومما تجدر الإشارة الى أن الدراما مع البدايات الآولى لظهورها عند الآغريق، قد أتصفت بالحركة والديناميكة المتولدة من مشهدية الآحداث على خشبة المسرح مع اشتغال كامل لمنظومتي العرض البصرية والسمعية. وما يحدثه عملها في تكوين صورتين للمتلقي، 
الآولى تتكون أمامه وتحدثها شخوص العرض عبر أدائها وتجسيدها للنص, والثانيه تكونها آليات 
تلقيه عبر أستيعاب ماهية خطاب النص. وهذه الديناميكية والحركةحالة مكرسة في الفن المسرحي بجميع صوره وصيروراته، كونه فنآ مرئيآ ـ صوريآ ـ لحظويآ ـ تحكمه مرحلة معينة هي مرحلة العرض المسرحي للنص الذي كتبه مؤلف، وأخرجه مخرج وجسدته مجموعة من الممثلين ليقدموا لنا عرضآ مسرحيآ في مرحلة زمنية محدده ومتفق عليها تبدأ من لحظة رفع الستار وتنتهي بأسداله. 
على أن هذه الديناميكية تمثلت في عدة صور بالآعتماد على أهم مفرده في العرض ألا وهي (الممثل). والممثل لا يملك سوى جسده وصوته، ومن ماهية عمل الممثل بمنظومتيه الصوتية والجسدية تنفتح مقاربتنا هذه على فن حداثوي دخل مسرحنا بغية بث روح التجديد فيه والعمل على توظيفه في عروضنا المسرحيه ألا وهو فن(الكيروكراف).
بدءآ هناك ألوان من الفنون التي دخلت المسرح سابقة للكيروكراف ألا وهي (البانتومايم)التمثيل الصامت (pantomime) / والرقص التعبيري (drama dance). فالبانتومايم هو فن التمثيل بلا كلام ـ (هنا ينتهي التعريف) أي أنه، العرض المسرحي الذي يتضمن كل شيء ألا الملفوظ الحواري  فهو يعني أستخدام الموسيقى والصوت والمؤثرات الصوتية وحتى لحظات الصمت تعد ذا قصدية، كذلك أستخدام الآهات. أما الرقص التعبيري ـ فيعني الرقص المعبر عن حالة ما و الذي ترافقه موسيقى تعبيرية بعيدة عن أي حالة تطريب وهو أقرب ما يكون الى فن الباليه. 
ومن المعروف أن المسرح يستخدم هذا الفن في عروضه للتعبير عن حالة ما يتطلبها العرض. وقد جاء فن(الكيروكراف) الذي يعني (الآنطباع الذي تتركه الحركة الراقصة ذات ألانساق التعبيرية و  المتآلفة مع درامية الموسيقى المستخدمة,في ذهن المتلقي. وهذا الآنطباع متولد مما يبصره من صورة مسرحية متشكلة من حركة +/موسيقى=photo) ـ ليحقق وحدة مترابطة ما بين هذه الفنون (البانتومايم ـ الرقص التعبيري) ليطرح لنا حالة جديدة من الحداثة في التقديم المتمسرح وأعتماد (الموسيقى التعبيرية ـ مؤثرات صوتية ـ أصوات مختلفة) كأساس في أشتغالات أنساق العرض المسرحي (الكيروكرافي بالآعتماد على (شاهدة) الجسد أولآ وأخيرآ وتطويعها وتمرحلها من حالتها الآيقونية المألوفة وأسلبتها بالكامل لصالح مفردات النص وتفكيكها بما يتماهى مع معطيات خطابه النهائي. وبرغم وجود بوادر لهذا الفن في السابق، ألا أن الفنان العراقي المغترب (طلعة السماوي) له الريادة والسبق في طرح هذا اللون المسرحي كشكل أكثر حداثة من الآلوان الآخرى يقول الفنان (السماوي) عن هذا الفن (أنه  أوروبي المنشأ والصيروره والتوجه، ألا أني أعمل جاهدآ على توظيفه محليآ بالآفاده من الموروث التأريخي العراقي (القديم والمعاصر). وقدم هذا الفنان عروضآ كيروكرافيه على مسارح بغداد خلال الفتره الماضية كما قام بتأليف فرقه خاصه حملت أسم (مردوخ) مكونة’ من مجموعة من المسرحيين الشباب الساعي نحو الجديد. حيث تخصصت هذه الفرقة بتقديم الرقص الدرامي الحديث والعمل على تكريسه وأشاعته في وسطنا المسرحي، ومن ثم قدمت أول نتاجاتها (نار من السماء) فكانت فرصة لهذا الوسط كي يتعرف عن قرب الى هذا الفن الحديث. وكانت الخطوة الثاني، العمل المسرحي (أسطورة زوو). وفي السياق نفسه، يعمل الفنان (د. أحمد محمد عبد الآمير) مع طلابه (بوصفه تدريسيآ في كلية الفنون الجميله / جامعة بابل) على مزاولة فن الكيروكراف في أعماله التي قدمها على خشبة مسرح الكلية.
وفي تجربة الفنان (طلعت السماوي) نقرأ صورة ذلك الإنسان بأسلوب فني يعبر عن هويته العراقية كنموذج فريد يمثل البشرية جمعاء بمحنتها وصراعها وصبرها وإبداعها وعطائها – النموذج الأسطوري والواقعي  المثالي ويسعى طلعت إلى تقديم شكل فني خاص بالأداء الإيمائي الدرامي الراقص بصورته العربية / الشرقية  أي الرقص الدرامي وفق الهوية العربية العراقية: بثيماته، وإيماءاته، ورقصاته، وإيقاعه، وتشكيله البصري.
ففي  (خطوات إنسان) الذي عرض في بغداد عام (1999) قارب فيه (السماوي) بين شعرية الجسد المونو درامي مع قصيدة السياب. وفي (فضاء الروح) عام (2003) ادخل التجانس بين أنماط الأداء (التمثيلي، والتقديمي، والراقص)، و بين الموضوعات المعاصرة والتاريخية، وفي (بعد الطوفان) عام (2005) زاوج بين التقنيات المعاصرة والمختلفة في تكوين صورة العرض، كالعارضة الفيلمية والظل والضوء فضلا عن استخدام قوانين الجشتالت التي تخص الإدراك الجمالي من مثل (قانون الصغر، والشكل والأرضية ، الكل والأجزاء)، والتجريد في الديكور، والتي مكنته من طرح عدة ثيمات متباينة: تاريخ العراق القديم، والعصر الذهبي للفكر الصوفي، احتلال بغداد، وسجن أبو غريب، لتجعل من الموضوع التاريخي صورة لقراء الحاضر المشحون بالاضطرابات، وكذلك للربط المنطقي بين الأحداث المهمة. فما يسعى إليه طلعت من تجديد لتناول التاريخ، هو لإعادة قراءته ومحاكمته من جديد وفق رؤية معاصرة تختلط فيها الصراعات وتنكشف النتائج المترتبة عنها من هموم وقتل وتشريد واحتلال (عسكرية، وفكرية، وسلطوية)، ضحيتها الإنسان، الثيمة المركزية لأعماله، مستخدما لأجل ذلك كل الوسائل المتاحة والتي وجدت في أساليب ما بعد الحداثة حضنا تتفاعل فيها الأحداث بشكل فعال ومرن ومن غير اعتراض على الاختيار الحر لها التي تجعل من العرض شكلا غرائبيا، ومن جانب آخر مثير لقوى العقل والحس والوجدان لكلى الطرفين.
 
-----------------------------------------
المصدر :  بشار عليوي - جريدة تاتوو
تابع القراءة→

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9