أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الأحد، أبريل 17، 2016

المسرح سبيلاً لوعي الذات: إبداع الفريد فرج نموذجاً

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 17, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

ينتمي الفريد فرج إلى كوكبة من المسرحيين العرب في مصر ممن انعطفوا بالكتابة المسرحية انعطافة هامة صارت إلى تحول واضح في الإبداع المسرحي مختلف عن المسرح الذهني الذي مثّله منذ عشرينيات القرن العشرين توفيق الحكيم (1902-1987) وأقرانه أمثال محمود تيمور (1894-1968) وعزيز أباظة (1898-1973) وعلي أحمد باكثير (1910-1969)، ومختلف أيضاً عن المسرح التجاري أو المتغرب عند نجيب الريحاني (1891-1949) ويوسف وهبي. وقد شكلت هذه الكوكبة حساسية فكرية وفنية مغايرة نهضت بالمسرح العربي نهضة شاملة في فهم المسرح وفي ممارسته، ومن أعلامها البارزين، على تباين اتجاهاتهم وطرائقهم، الفريد فرج ونعمان عاشور ويوسف إدريس (1927-199) وصلاح عبدالصبور (1931-1981) وعبدالرحمن الشرقاوي (1920-1987) وسعدالدين وهبة ومحمود دياب وميخائيل رومان.
1ـ التفكير الأدبي والمسرحي:
برز الفريد فرج أديباً ومسرحياً واعياً بشؤون إبداعه نظرياً وتطبيقياً، ولعله من الكتاب القليلين الذين يصدرون عن رؤية إبداعهم
وفهمه في مصادره وطبيعته ووظائفه، فرافق الإبداع اشتغال يقظ على ترشيد الممارسة الأدبية والمسرحية في زمنها وفي تطلعاتها الفكرية والفنية، بل إن فرج طمح إلى ترسيخ المسرح جنساً أدبياً حديثاً ليصير مثل الشعر والرواية ديوان العصر، وقد حرص على أن يؤصل هذا الجنس الأدبي في الثقافة العربية بوعي التقاليد الحكائية والمسرحية في فنون العرض والفرجة والأداء الصوتي والحركي مما ميز الظاهرة المسرحية العربية طقساً أو شعيرة ما لبثت أن انغمرت بالأعراف والتقاليد الاجتماعية، محتفظة غالباً بمنشئها الديني ونزوعها الاتصالي شفاهاً أو كتابة. ونتلمس في هذا البحث عناصر التفكير الأدبي والمسرحي عند فرج للتعرف إلى طوابع التأصيل في تجربته العريضة والعميقة والثرية.
بدأ فرج مسرحياً معنياً بتجسيد نصوصه على خشبة المسرح، وقضى قرابة عقدين من الزمن مخلصاً لإبداعه المسرحي، تأليفاً وبحثاً وإدارة ومخاطبة للراشدين والناشئة في آن واحد، ثم لتأليفه في أجناس أدبية أخرى راسخة في الحياة الثقافية العربية مثل الرواية والقصة القصيرة والمقالة، على أن فعالية الأديب أو الكاتب أو الفنان لا تقتصر على خطاب جنس أدبي بعينه، وعلى أنّ الأجناس الأدبية متعددة أساليب البلاغة والإبلاغ.
أما أبرز شواغل التأصيل عند فرج فهي:
1ـ1ـ فهم الأصالة من خلال التقليد القومي:
أدرك فرج مبكراً وهم التليد الغربي والانهماك فيه، على أن أهمية الأدب والفن تنبع من طوابعه القومية، ولاسيما جماع الخصائص المعبرة عن هويته، فرأى أننا نختلف عن أوربا:
«لذلك كله، فإن التطلع إلى أن يكون لنا مسرح يزدهر على النمط الأوربي هو من أوهام الواهمين» (م12 ص38).
وثمة من يناهض الدعوة إلى الهوية في الأدب والفنّ من منطلق أن المسرح ظاهرة أوربية ونتاج عمليات التحديث، وعلى الرغم من مجاوزته لمثل هذا النقاش، إذ ربما كان صحيحاً بتقديره، إلا أنه يعمل النظر والمحاججة في استمرار التقليد العربي للأدب والفن وفي تطوره الكبير مع النهضة القومية:
«فقد كان المسرح العربي يتكون في منتصف القرن التاسع عشر في جو من الفنون الشعبية الجماهيرية في المقهى وفي السوق.. فنون الأراجوز والمحبظين والشاعر والحكواتي وحفلات الطرب والرقص وطقوس الاحتفالات ومغاني الأفراح والأعياد» (م12 ص43).
لقد تكون المسرح العربي عند فرج من تقاليده في مناخ التأثير الأوربي، واستنكر المغالاة في قول القائلين إن المسرح العربي «مبادرة من مبادرات التحديث الاجتماعي على النسق الغربي» (م12 ص33)، مثلما رفض مقايسة المسرح العربي على ما يجري فوق منصات المسارح الأوربية: «لهذا ينبغي دحض هذا المعيار والكشف عن عيوبه، مهما كان ذلك محفوفاً بالمزالق، أو خارجاً عن المألوف» (م12 ص35).
وأورد فرج اختلافات بينة بين المسرح الأوربي المستقر والمسرح العربي الناهض، وأولها نزوع الأول إلى العالمية ومخاطبة الإنسانية الشاملة ومجاوزة الفوارق المحلية، بينما ينزع الثاني إلى تكريس القومية وتوكيد عناصر الشخصية الوطنية بمعناها الضيق الذي يصل في أقصى تطرفه إلى الطائفية المحدودة، لأنه يتحرك بدواعي الهوية:
«وإن تأكيد الهوية الوطنية في حياتنا الفكرية والاجتماعية، حياتنا الفردية والجمعية، قوة نافذة لا تدع لجماهيرنا مجالاً كما في أوربا لأولوية الشعور بالعالمية أو أولوية الإحساس بالشمولية الإنسانية» (م12 ص37).
وأوضح فرج أن أولى المحاولات المسرحية في القرن التاسع عشر كان تأطيرها العربي على أيدي الرواد أمثال القباني والنقاش، وهو ما كان في صلب ازدهار المسرح في ستينيات القرن العشرين باكتشاف الصلة بين المسرح العربي والفنون الشعبية العربية تذكر جهود التأصيل النظرية مثل كتاب توفيق الحكيم «قالبنا السمرحي» ودراسة يوسف إدريس في مقدمة مسرحية «الفرافير» عن مسرح السامر الريفي والمسرح الشعبي عموماً، وكتب علي الراعي المتعددة، ولاسيما كتابة «الكوميديا المرتجلة» .ورهن فرج تطور المسرح العربي بجمهوره ضمن التنمية الثقافية الأعم وجماهيرية الثقافة التي تستند، فيما تستند إليه، إلى الخصوصيات الثقافية وتأصيلها:
«المسرح العربي يجب أن يقوم بالرحلة إلى جماهيره، ليكتسب أسلوبه الأمثل وشرعيته القومية، ولينطلق في مسار تطوره الطبيعي، ويصبح الشكل والمضمون واللغة موضوعاً اختياراً جماهيرياً واستفتاءً شعبياً واسعاً وانتخاباً طبيعياً حقيقياً» (م12 ص46).
1ـ1ـ1ـ الأدب قومي:
عزز فرج فهمه للظاهرة الأدبية والفنية بأنها قومية واجتماعية في الوقت نفسه، فقد دلت الدراسة النظرية والجمالية على أن «اكتشاف الشكل الفولكلوري البدائي للمسرح هو الشكل الضروري للمسرح الطليعي في بلادنا» (م12 ص21).
ثم ربط فرج جماليات الأدب والفن بمثل هذاالاندغام بين بعدي المسرح الاجتماعي والقومي، ودعا إلى تأصيل فن المسرح اجتماعياً، «أي إلى مداومة البحث من أجل تحقيق هذه العلاقة بين المسرح والجمهور ـ أوسع ما تكون، وأوثق ما تكون ـ فهي الأساس لكل نهضة مسرحية حقيقية، وهي حجر الزاوية في جماليات فن المسرح» (م12 ص31).
وجعل فرج البعد القومي للظاهرة الأدبية والفنية محك النظر في التجربة الغربية، وهو منطلق كتابة «شرق وغرب: خواطر من هنا وهناك» الذي يرهن فيه على أن وعي الآخر مرتهن بوعي الذات حين أعاد إلى الذاكرة حقيقة أن العلوم العربية هي التي أضاءت ظلمات أوربا، مما يستدعي دوام التفاعل الثقافي: «وأفكارنا التي أنارت أفكارهم، فلا محل للتحوط أو النكوص عن استردادها وأن ننعم بثمارها وبتطوراتها. إن ذلك ليس تغريباً أو اغتراباً، فقد نبعت العلوم من أصالتنا، وأصالتنا قديرة على استيعابها واستقبالها بقلب مفتوح» (م12 ص220).
إن وعي الآخر مرتهن بوعي الذات، ولعل كتابه «دائرة الضوء» تعبير عن محاولات هذا الوعي من خلال شخصيات ثقافية مؤثرة أسهمت، العربية منها، في تأصيل الأدب والفن في الحياة العربية مثل الحديث عن أول وزير للثقافة (فتحي رضوان) وأول أوبرا عربية (جهود كامل الرمالي) والموقف من الفولكلور (يحيى حقي) ومسيرة الواقعية بوصفها مسيرة الصدق (نعمان عاشور) والتماس قيمة الفنان من جمهوره (يوسف وهبي) وأهمية ترسيخ دور الخواص في التنمية الثقافية (الموقف الرائد لمحمد محمود خليل وحرمه) والتوكيد على أن تقدير الفن نابع بالدرجة الأولى من بعده القومي والمحلي (نوبل نجيب محفوظ)..الخ. وثمة موقف أو حالة شديدة الدلالة في التعبير القومي للفن فيما انتاب صلاح جاهين من اكتئاب بتأثير الهزيمة العربية في عام 1967 حين قال: «كانت هزيمة 67 قد ألقت بي في هاوية من الحزن لا قرار لها»، ولقد أمعن مرض الاكتئاب في تعطيل إبداع هذا الفنان المتألق:
«إنني أشعر بالحزن والأسف مضاعفاً، لأننا نحن أصدقاءه لم نستطع أن نواسيه، ونخفف عنه بقدر ما أسعدنا وواسانا» (م10 ص167).
ويؤيد نظرة فرج لقومية الأدب والفن حفاوته البالغة بتجربة شيخ البنائين حسن فتحي الذي خصص له أول فصل من كتابه «دائرة الضوء»، لأنه انطلق في العمارة، وهي مجموعة طوابع ثقافية وفنية، من التزام الخصائص القومية والمحلية فيما سماه «المعمار التقليدي»، ورآه معبراً عن اشتغال عام بالهوية القومية في الأدب والفن:
«وهكذا مثلت العمارة بصورة فصيحة حوار الفكر المصري في فترة النهضة الوطنية واختلاف تياراته حول الأصول والانتماء. وفي دراما هذا الحوار كانت إضافة المهندس حسن فتحي رائدة إذ أنه توجه إلى الفولكلور، واعتبره خلاصة الطابع العربي للتاريخ المصري بكل مراحله. وبذلك التحق حسن فتحي فكرياً، وكان رائداً للمدرسة التي ضمت سيد درويش في الموسيقى، وكمال سليم في السينما، وبيرم التونسي في الشعر، ويحيى حقي في القصة، ورشدي صالح في الدراسات الأدبية، وعلي الراعي في الدراسات الفنية» (م10 ص26).
1ـ1ـ2ـ مواجهة الأجنبي:
ندد فرج بالأجنبي، على أنه مناقض للوجود، فخص مسرحيات كثيرة لفعل مقاومته وتحرير الذات القومية، كما في «سقوط فرعون» و«صوت مصر» و«سليمان الحلبي» و«النار والزيتون» و«عودة الأرض» و«وألحان على أوتار عربية»، ولم يقف تنديده بالأجنبي عند الاستعمار أو احتلال الأرض أو العدوان السملح، بل نبه إلى مخاطر الغزو الثقافي مبكراً وما يشيعه من مشاعر الاستلاب والاغتراب، ولم يصدر في تنديده عن تعصب قومي، فالعربي، كما تؤشر ملاحمه الشعبية، يميز بين الأجنبي والقومية الأخرى:
«والقاريء يلحظ أن القصص تنتظمها مسحة سخرية ظاهرة بالعجم والترك والروم، بينما لا تتجه القصص إلى التنديد بالقوميات الأخرى كالهنود أو الصينيين، فالعجم والترك والروم كانوا هم التحدي التاريخي في ذلك الوقت للقومية العربي» (م12 ص57).
وأعمل فرج مبضع النقد في التغريب الذي أثر طويلاً على تطور المسرح العربي في مصر: «وبدلاً من أن يكون المسرح مرآة تعكس حياة الناس، أصبح مرآة تعكس نزوع قياداته إلى التغريب والانبهار بالنموذج الفني الأوربي» (م12 ص79).
وقد فهم فرج الأصالة على أنها نبذ للتبعية، فحكايتنا مع العالم هي حكايتنا مع النفس ومع الماضي الحي بصراع الأصالة مع معوقاتها الاستعمارية الخارجية والداخلية:
«إن الغاية والمطلب هما اكتشاف الذات، وتحرير القدرة الذاتية القومية والاجتماعية مع كافة الظروف المقيدة والمعوقة ـ تحرير الروح.. من الواقع الذي نعيش فيه ضعفاء متخلفين ـ من رواسب الانقياد لثقافة قوية جعلها الاستعمار في مركز عالمي قوي ومؤثر بالضرورة، ومن رواسب ماضٍ ضعيف ومظلم مع ذلك» (م8 ص302-303).
وآلت مواجهة الأجنبي وكشف مخاطر الغزو الثقافي من خلال الاستلاب والتغريب والتبعية وسواها إلى ضرورة التعريب والتفكير باللغة العربية:
«فالتعريب ليس مجرد عملية تهدف إلى تسهيل التعليم. إنه حجر الزاوية في انطلاق هذه الأمة إلى آفاق العصر. اللغة أداة تفكير. يستحيل التفكير بغير اللغة» (م8 ص326).
1ـ2ـ استلهام التراث:
عدّ فرج استلهام التراث حجر الأساس في تحقيق الهوية القومية في الأدب والفن، ووجد ذلك في سحر القصّ الشهرزادي أو سّرد الليالي معبراً إلى وعي الخصوصيات الثقافية في الممارسة الأدبية والفنية، فاستلهم الليالي في عدة مسرحيات، هي «حلاق بغداد» و«بقبق الكسلان» و«علي جناح التبريزي وتابعه قفه» و«رسائل قاضي إشبيلية» و«الطيب والشرير والجميلة»، ثم مدّ مجال استلهام الليالي إلى الرواية «أيام وليالي السندباد» والقصة «ليالي عربية»، على أنه استلهم التراث العربي في المقامة والسرد الأدبي الجاحظي والملاحم والسير الشعبية، ونفى في هذا المجال التأثر بالتقليد الغربي عندما اتجه المسرح العربي إلى الملحمية بتأثير التراث، ولاسيما الليالي، «فهو أقرب إلى سرد الحكايات منه إلى تركيز الموقف، وتأثرنا في هذا المجال كان بالقصة العربية وليس ببريخت. وإذا تشابه توجهنا مع نظرية بريخت، فليس معناه أننا استلهمنا أسلوبنا من بريخت، ولكن توجهنا جاء من باب ألف ليلة» (م12 ص67).
وحدد فرج بدقة خصائص استلهام التراث الملتصق بالبعد القومي للأدب والفن، «فالرجوع إلى التراث العربي العام كان هو التوجه القومي العربي. حيث أن الفنان لم يقنع بالتراث القطري، وإنما امتد نظره إلى التراث القومي الذي يجمع الأمة العربية، لا التراث الذي يجزؤها. ومن ثم كان استلهام التراث مرتبطاً باللغة العربية الفصحى» (م12 ص66).
لا يتوقف استلهام التراث لدى فرج عند الشكل وحده، بل يجعل المحتوى الفكري بما هو منظومة قيمية تتصدرها قيم الجوهر العربي الأساس، لأن الطرح الفكري الواقعي والعصري شديد الالتصاق بإطاره الجمالي، «فحين نتحدث عن فكرة الحرية والعدالة الاجتماعية، أو نطرح رأياً عصرياً ومستقبلياً في إطار من ألف ليلة وليلة إنما نوحي للجمهور بأصالة فكرة الحرية والعدالة في تاريخنا وأصولنا الثقافية، ونضفي على الفكرة مصداقية تاريخية وتراثية» (م12 ص69).
ورأى فرج في استلهام التراث سبيلاً تربوياً للتلقي الثقافي مما يعين على شؤون التأصيل، وقد ثمّر هذا السبيل في مسرحياته، وفي روايته وقصصه التي تستلهم الليالي، من مفهوم الكتاب القصصي الذي ينوع الأشكال السردية إلى مزايا التشكيل وجماليات اللغة وتعبيرها عن الجوهر العربي والمنظومة القيمية وفي مقدمتها مواجهة الأجنبي:
«وألف ليلة حافلة بهذا المعنى الكبير، وهو معنى المواجهة بين العربي وغير العربي سواء في السندباد أو في غيرها من القصص تجد دائماً ذلك اللقاء مع الروم والهند والزنج وأهل الصين العجم» (م12 ص73).
ويفيد تثمير هذا البعد القومي رشاد الموقف من التراث، لا إعادته أو الانتقاء منه، بل استعادته بروح نقدية مؤمنة بالمستقبل:
«إن استخدام التراث كإطار مسرحي أو انتهاج الأسلوب الشعبي القديم في ضرب الأمثولة ينطوي على قصد واضح لإعادة صياغة الحاضر عن طريق إعادة صياغة التراث. وهو بذلك موقف نقدي وجدلي من التراث، كما أنه موقف نقدي وجدلي من الواقع. هو موقف للواقع ناقد للماضي، وموقف للماضي ناقد للحاضر.. هو موقف نقدي وحر من الواقع ومن الماضي معاً. ولعل هذه هي حكاية الأدب التقدمي مع الماضي ـ المسرح والقصة والشعر... إنه، كان في فنّ الأقنعة الزنجي استخدام لقناع الماضي بفرض التطهر من سطوة الماضي ومن سلطة الماضي». (م8 ص221).
واللافت للنظر أن فرج واع لمعاني الاستلهام ووظائفه من مستوى الحكاية في المسرحية وأصلها الروائي أو الشفاهي إلى مستوى الخطاب، وقد قال في نهاية سبعينيات القرن العشرين عن زياراته الأربع آنذاك لليالي:
«حلاق بغداد» مسرحية في حكايتين الأولى يوسف وياسمينة من ألف ليلة. والثانية زينة النساء من المحاسن والأضداد للجاحظ؟
شخصية أبو الفضول التي تربط بين المسرحيتين هي إحدى شخصيات ألف ليلة وليلة، وهي شخصية مزين بغداد (في الجزء الأول من ألف ليلة).
المسرحية الأخرى من فصل واحد (بقبق الكسلان) وهي مسرحية للأطفال وهي أيضاً مستوحاة من ألف ليلة وليلة.
«على جناح التبريزي وتابعه قفه» مسرحية مستوحاة من ثلاث حكايات، وفيها طابع تركيبيي من الحكايات الثلاث وليست استحياء مباشراً من قصة واحدة. الحكاية الأولى هي المائدة الوهمية وهي قصة مزاح بين صاحب قصر وطفيلي فقير. وصاحبي الجراب التي أوردتها بين الفصلين في إطار مستقل لتؤكد المغزى العام للمسرحية على منوال الكوميديا (ديلارتي) التي تتصف بفاصل بين الفصلين، وهذا الفصل هو لحظة تنوير بالنسبة للمسرحية.
الحكاية الثالثة هي معروف الإسكافي، وهي قصة رجل فقير في بلد غريب ادعى الغنى لكي يحظى بكرم أهل المدينة. وهذا جزء من قصة معروف الإسكافي. وقد عملت على تركيب هذه القصص الثلاث في قصة واحدة ذات مغزى جديد تتعلق، أو تصور حدود الوهم وحدود الحقيقة أو الواقع، وهي قصة نقدية للعقل البشري.
المسرحية الرابعة التي استلهمتها من ألف ليلة هي مسرحية «رسائل قاضي إشبيلية»، وتتضمن ثلاث حكايات مستوحاة من ألف ليلة وليلة وليس لها علاقة مباشرة بألف ليلة، وهي قصص مبتدعة ومتأثرة جمالياً وشكلياً بألف ليلة. وهذا أسلوب مختلف وحالة متقدمة متدرجة في مسيرة الاستلهام من التراث (حيث أن التأثر والاستيحاء قد أخذ شكلاً تدريجياً من التأثر المباشر ونقل القصة كما هي مع إضافة الرؤيا أو فكرة فلسفية، إلى استغلال قصص عديدة ومزجها في تركيبة واحدة مكونة مسرحية واحدة، إلى التأثر بالأسلوب فقط من الناحية الشكلية والجمالية في الليالي.» (م12 ص62-64).
ثم رهن فرج خلاص المسرح من أزمته ومواصلته لازدهاره ولفاعليته في الثقافة الجماهيرية باستمرار وعيه لهويته، ولاسيما استلهامه للتراث، بوصفه ينبوع التقاليد وحصن الأصالة في اللغة والسرد المفتوح على التجربة القومية جمالياً ومعرفياً:
«التغيير في الفكر السائد أيضاً كان بذاته سبباً في ظهور التناقضات.. في مجال المسرح مثلاً.. «الصفقة» مسرحية الحكيم كانت بشرى بظهور اللغة الثالثة التي ستحافظ على مقومات اللغة القومية الفصحى مع الالتزام بلغة الناس الواقعية، حلاً لمشكلة الازدواج اللغوي في المسرح والحياة. و«فرافير» يوسف إدريس كانت علامة كبرى في طريق الأصالة المسرحية القومية والشعبية لإبداع مسرح عصري قومي يستند إلى تقاليد السامر الريفي والمسرح الشعبي» (م8 ص345).
1ـ3ـ التحديث:
انطلق فرج في تحديثه من التقاليد القومية لأن «اكتشاف الذات هو اكتشاف علاقة الذات بالآخرين، اكتشاف الذات القومية هو تحديد موقفها من العالم وموقعها في الزمن» (م8 ص283)، وهذا ما دعاه لوضع كتب برمتها عن فهم الحداثة والتحديث داخل التجربة الذاتية، فكان كتابه الأول «دليل المتفرج الذكي إلى المسرح» وقد استهدف فيه القاريء من أجل يحب المسرح، وليضيف إلى خبرة المتفرج وعياً بفن أصيل وحديث هو المسرح، فحوى شروحاً تعريفية موجزة لأهم عناصر العمل المسرحي: فنّ المسرح، الديكور، الخلفية التشكيلية، الممثل، أدواته، تيارات فن التمثيل، فن اللعب، فن الضحك، أنواع الملهاة، المحلية والإنسانية، الملهاة الواقعية الحديثة المأساة، المسرحية، عناصر التأليف المسرحي، الحوار، لغة الحوار، الفصحى في المسرح، النجوى، الحائط الرابع، المسرح من زاوية نظر حديثة، العقل المحض، شكل المنصة، المخرج، العنصر الفكري للمسرحية. ومن الملحوظ أن كتابة فرج عن هذه العناصر الحديثة في تكوينها الناجز اقترنت بأمثلة واقعية من التجربة المسرحية العربية (ص23- ص41 - ص54 - ص57 - ص75 - ص101 - ص105- ص126 - ص127 - ص176 - ص177 - ص193 - ص200 - ص225 - ص227)، مثلما خصص فصولاً برمتها عن التجربة المسرحية العربية (ص76 - ص93 - ص109 - ص119 - ص151)، وختم رؤيته بحوار مع الحكيم حول مسرحه وفكره وفنه.
لقد بات جلياً أن فرج ينظر إلى الحداثة والتحديث من واقع التجربة المسرحية العربية، كما في افتتاحيته عن الخلفية التشكيلية:
«إذا كان الحديث قد ساقنا لمقارنة عابرة بين مزاج وفن كل من نبيل الألفى وحمدي غيث، فلا بأس من أن نسترسل في هذه المقارنة بعض لاسترسال بقصد التفريق بين اتجاهات طليعة مخرجينا المسرحيين في صدد تكوين الخلفية التشكيلية المسرحية.
الديكور يصممه رسام بالطبع. ولكن عمل الرسام محدد بعدة اعتبارات:
أولها: أسلوب المسرحية، سواء أكانت رمزية أو سيريالية أو واقعية أو طبيعية أو خيالية «فانتازيا». إلى آخر هذه الألوان..» (م8 ص22).
ولطالما استغرق فرج في التطبيق العربي على فهمه للمسرح، كما هو الحال مع تأملاته حول أصل الملهاة وأصولها:
«إن القدرات الخلاقة لممثلينا في مجال الكوميديا قد دفعت مسرحنا خطوات إلى الأمام. ونجومنا الساطعة: عبدالمنعم ابراهيم في «حلاق بغداد» وشفيق نور الدين في «القضية» و«السبنسة» وحسين رياض في «تاجر البندقية» وسعيد أبوبكر في «مسمار جحا» وفؤاد شفيق في «مضحك الخليفة» وتوفيق الدقن وعبدالسلام محمد في «الفرافير» وفؤاد المهندس في «السكرتير الفني» وصلاح منصور ومحمد توفيق في «الزلزال».. وغيرهم من الأبطال الموموقين دعموا فن الكوميديا في بلادنا وأتاحوا له بجدارة إمكانيات وآفاقاً لا حدود لها.
إن فن الكوميديا قد سبق الفنون المسرحية الأخرى في بلادنا، من حيث الرواج، فنحن شعب يحب النكتة، ولا جديد في ذلك. ولكن الجديد هو ما يقرره الفيلسوف الفرنسي برجسون من أن الشعب المولع بالنكتة شعب مولع بالمسرح..
إن الصلة بين الاثنين ظاهرة وهي صلة ـ كما هي جديرة بالتأمل ـ فهي مثيرة للأمل جداً..
أما الأمل فهو في قلوبنا. أما التأمل فهو يشحذنا لمزيد من البحث في أصول الكوميديا في بلادنا..» (م8 ص75).
ثم تتبع في فصل آخر تحديث الكتابة المسرحية الواقعية الملهاوية في ممارسة جيل المؤلفين المسرحيين الذي ينتمي إليه فرج نفسه:
«بعد أن أشرنا إلى المنحى الخاص الذي تتميز به مسرحية الفرافير، لابد أن نصل إلى وصف تيار فن التأليف المسرحي المصري الحديث، ذلك التيار الذي أثر طابعه على ذوق الجمهور وعلى الحركة الثقافية بوجه عام في السنين الأخيرة. ومع أن كلا من مؤلفينا يتميز بطابعه الخاص، فإننا نستطيع أن لمس في مسرح نعمان عاشور وسعدالدين وهبة ولطفي الخولي بشكل خاص تلك الصفات الخاصة التي تميز تيار الكوميديا الواقعية الحديثة..
إننا نريد هنا فقط أن نطل على هذا التيار الجديد الممتع، أن نتقصى خطوطه العامة، أن نكشف مزاياه الشعبية والفنية، ليكون هذا الفصل دليلاً للمتفرج إلى العالم المسحور الذي يصفه معظم الكتّاب الجدد في المسرح.. ومعيناً على الاستمتاع والفهم لفنهما الذي لاقى ويلاقي رواجاً عظيماً من الجمهور..» (م8 ص101).
وعندما تكلم عن المسرح من زاوية نظر حديثة، فإنه احتكم إلى تجربة المسرح العربي وتجربته بالذات:
«رأينا اتجاهاً للمدارس الحديثة يعمد إلى اختزال الحوائط والأبواب والإكسسوار والاقتصاد في زخرفة تفاصيل الأشياء والملابس فوق المنصة، والاستغناء عن تفاصيل التفاصيل بقصد تخفيف ثقل التركيبات في بناء الديكور، وضمان أن يكون الممثل البشر ركيزة التكوين التشكيلي كله فوق المنصة.
ورأينا أن هذا الاتجاه في الوقت الذي يضمن التوازن التشكيلي بين الممثل وبين الأشياء الجامدة فوق المنصة، إنما يصدر عن فهم عميق دقيق لحقيقة جلية: هي أنه لا يمكن خداع المتفرج عن مكانه (في مسرح الأزبكية مثلاً) وزمانه (في الساعة العاشرة مساء) وإيهامه إيهاماً كاملاً بأنه في عاصمة الدانمرك حيث سقط هاملت مطعوناً بسيف مسموم.
ورأينا أن الإيهام والتوهم في المسرح ليس إلا عقد اتفاق غريب بين الفنان والمتفرج تكلفه الإشارة المقتصدة من الديكورست إلى المكان والزمان المفترضين واستعداد طيب من المتفرج للتصديق بالإشارة المقتصدة والاندماج في الموضوع.» (م8 ص193).
لقد وضع فرج عدة مؤلفات عن متابعته الدؤوبة للمسرح الحديث والتفاعل الثقافي العربي مع اتجاهاته وتياراته المتعددة، مثل «أضواء على المسرح الغربي» و«شرق وغرب: خواطر من هنا وهناك».
1ـ4ـ اللغة:
شغل فرج باللغة في المسرح منذ بداءة تجربته فدعا إلى توافر شروط جمالية وتعبيرية للغة الحوار تنفع في تحقق الوظيفة الاتصالية والإبلاغية، ويستلزم لذلك أن تكون اللغة فصيحة أو مفصحة:
«ولغة المسرح لها غير هذه الشروط الأدبية العامة، شروط خاصة أخرى كلغة لفن من نوع خاص.
يذهب بعض الباحثين إلى أن الشعر أوفق للمسرح من النثر. وبغض النظر عن صحة هذه الدعوى، فإنها تصدر عن نفس المفهوم القائل أن المسرح يقتضي لغة فنية من نوع خاص ـ سواء في اللهجة العامية أم الفصحى.
إن المسرح يقتضي لغة ذات طابع مركز ومعبر تعبيراً مباشراً بلا تعقيد أو لف أو دوران.. بلا استطراد أو تطويل، لغة تنأى عن التراكيب المتداخلة المعقدة.. فالمتفرج لا يملك الفرصة ليلاحق المعاني في مثل هذا اللون من التعبير..» (م8 ص163-194).


2ـ التأليف المسرحي:
وضع الفريد فرج سبعاً وعشرين مسرحية متفاوتة الطول، ومتباينة الموضوعات والاهتمامات والأشكال والتقانات، هي:
                                                                                                                                  صوت مصر (فصل واحد)       1956
                                                                                                                                  سقوط فرعون      1957
                                                                                                                                  حلاق بغداد 1964
                                                                                                                                  سليمان الحلبي      1965
                                                                                                                                  الفخ (فصل واحد) 1965
                                                                                                                                  بقبق الكسلان (فصل واحد)       1966
                                                                                                                                  عسكر وحرامية    1966
                                                                                                                                  الزير سالم  1967
                                                                                                                                  علي جناح التبريزي وتابعه قفه   1969
                                                                                                                                  النار والزيتون      1970
                                                                                                                                  الزيارة (فصل واحد)      1970
                                                                                                                                  زواج على ورقة طلاق    1973
                                                                                                                                  الحب لعبة  1975
                                                                                                                                  أغنياء فقراء ظرفاء       1977
                                                                                                                                  رسائل قاضي إشبيلية      1975
                                                                                                                                  رحمة وأمير الغابة المسحورة (للأطفال)  1975
                                                                                                                                  الغريب (فصل واحد)      1993
                                                                                                                                  العين السحرية (فصل واحد)      1978
                                                                                                                                  دائرة التبن المصرية (فصل واحد)        1979
                                                                                                                                  ألحان على أوتار عربية   1988
                                                                                                                                  هردبيس الزمار (للأطفال)        1989
                                                                                                                                  الشخص (فصل واحد)     1989
                                                                                                                                  عودة الأرض      1989
                                                                                                                                  مي زيادة (تمثيلية تلفزيونية)      1986
                                                                                                                                  غرابيات عطوة أبو مطوة 1993
                                                                                                                                  اثنين في قفة       1993
                                                                                                                                  الطيب والشرير والجميلة  1994
ولعلنا نتلمس علامات هذا التفاوت وهذا التباين في الملاحظات التالية:
2ـ1ـ الاستجابة للواقع:
شغل الفريد فرج، مثل أبناء جيله من المسرحيين الآخرين، بالمتغيرات السياسية والاجتماعية، فصارت مسرحياتهم، في الغالب الأعم حتى مطالع سبعينيات القرن العشرين، وهي المرحلة الناصرية وامتدادداتها في مدّ وجزر على وجه التقريب، استجابة مباشرة أو غير مباشرة للأحداث والتبدلات التاريخية القومية والوطنية السياسية والاجتماعية العاصفة والغامرة حركة الواقع وشروط التاريخ، فكتب «صوت مصر» احتفاء بفعل المقاومة في بورسعيد (حازت ميدالية الفنّ في المعركة)، وضع مسرحيته التاريخية «سقوط فرعون» لمعالجة فكرة الحياد الإيجابي والسلام المسلح، وهي إحدى أطروحات النظام آنذاك تساوقاً مع مؤتمر باندونغ، وكتب «حلاق بغداد» في مناخ فانتازي يستلهم الموروث السردي وبعض المؤثرات التعبيرية والانطباعية والملهاوية لمعالجة سياسة الحكم، ووضع «سليمان الحلبي» في فترة انتشار قيم الشعبية وتصاعد المدّ الثوري العالمي والعربي إشاعة للفكر الثوري القومي في مصر عبدالناصر وانطلاقة رصاصة المقاومة الفلسطينية واشتداد عود الإرادة العربية على أن المسرحية بتعبير الفريد فرج نفسه «إجابة شافية على أول تحديات الاستعمار الأوربي للشرق في عصرنا الحديث» (م2 ص18)، كتب «عسكر وحرامية» عن تحالف قوى الشعب العاملة والنضال من داخل «الاتحاد الاشتراكي»، تنظيم السلطة الحاكمة، لمواجهة الفساد والإفساد، وكانت مسرحية «الزير سالم» دعوة لمجاوزة الخلافات القومية والجراح العربية النازفة في أكثر من بقعة والانخراط في ائتلاف قومي ينفع في مواجهة التحديات، ووضع مسرحية «علي جناح التبريزي وتابعه قفه» عن حتمية الحل الاشتراكي وانتصار الأفكار الاشتراكية وأفكار العدل الاجتماعي وإشاعة حلم التغيير، بالعدل المادي، وألف «النار والزيتون» إيماناً بانتصار المقاومة الفلسطينية وبالحل النضالي المقاوم سبيلاً لهذا الانتصار، ووضع مسرحية «زواج على ورقة طلاق» استتباعاً لمعالجة الحل الاشتراكي والتلاقي بين الطبقات المتصارعة.
وتميزت كتابة الفريد فرج بالاستجابة غير المباشرة، بينما كانت الاستجابة لدى مسرحيين آخرين مباشرة يظهر فيها صوت الأحداث والوقائع والأطروحات والشعارات مما يستعصي على التجلي الفكري والفني أحياناً، وقد تعاضدت صيغ التعبير عن الاستجابة المباشرة بعناصر الصوغ المسرحي، ولاسيما التحقق الفني لأفكاره ورؤاه بين التاريخي والراهن، بين المطلق والمتغير، بين الجوهري والعرضي...الخ.
2ـ2ـ الأفكار والموضوعات:
عني فرج في مسرحياته بأفكار تاريخية لطالما تناقضت مع أفكار وجودية، إذ عاين في مسرحيات كثيرة أفكاراً سياسية واجتماعية شديدة الارتباط بالتاريخ العربي في مصر وفلسطين وبقاع أخرى.
شغل على الدوام بأفكار العدل الاجتماعي والمقاومة والتحرير والاشتراكية على إطلاقها ثم ما لبث هذا المطلق إن انتابته أو تناوشته وطأة المتغير، وهذا واضح في مسرحياته «علي جناح التبريزي» و«سليمان الحلبي» و«الزير سالم»، ثم دخلت هذه الأفكار اشتراطات أو استحقاقات هذا المتغير مثل أن يكون السلام مسلحاً في «سقوط فرعون»، أو أن يمايز بين حلم العدالة ووهمها أو توهمها في «علي جناح التبريزي»، أو أن يتداخل الزمان والتاريخ في فهم العدالة المستحيلة في مسرحية «الزير سالم»، أو أن يتوارى الخلاص الفردي الممكن وراء الخلاص الجماعي المفترض في مسرحية «عسكر وحرامية»، أو أن يُغطى اللقاء الطبقي بشعاره في مسرحية «زواج على ورقة طلاق»، أو أن تربط الديمقراطية بتطبيقها وبظرفها تمييزاً بين الزمن المطلق والزمن المتصل أو الراهن في مسرحية «حلاق بغداد»، أو أن يربط الصراع بين الخير والشّر بالمواضعات الاجتماعية والوضع البشري في مسرحية «الطيب والشرير والجميلة».
وقد اختار فرج لأفكاره موضوعات متعددة قومية واجتماعية من منظورات سياسية وأخلاقية وإنسانية صريحة. وقد بدأ كتابته المسرحية بالموضوع القومي الذي عولج بأشكال متعددة وبرؤى ثرية عن الوجود العربي الكريم في مراحل حاسمة للتأزم الذاتي القومي ومعضلات مجاوزته وتحققه، كما في مسرحياته: «صوت مصر» و«سقوط فرعون» و«عسكر وحرامية» و«النار والزيتون» و«سليمان الحلبي» و«ألحان على أوتار عربية» و«عودة الأرض».
وثمة مسرحيات ذات طابع احتفالي يستجيب للموضوع القومي مثل «صوت مصر» المكتوبة تحية لفعل المقاومة ضد العدوان الثلاثي على مصر، و«عودة الأرض» المكتوبة حفاوة بالوفاق الوطني حول النصر في حرب تشرين الأول عام 1973.
وغالباً ما اندغم الموضوع القومي بالاجتماعي، عندما تُرى القضية الاجتماعية في بعدها العام كما في رؤية التطبيق الاشتراكي للأفكار المطلقة كالعدل والديمقراطية في بناء المجتمع وإنتاجه.
2ـ3ـ استلهام التراث:
نظر فرج إلى استلهام التراث مجالاً رحيباً للأصالة ووعي الذات القومية، فاستعمل السرد الشهرزادي في عدة مسرحيات، إذ زاوج لأول مرة في مسرحية «حلاق بغداد» بين حكايات من «ألف ليلة وليلة» وإحدى قصص الجاحظ في كتابه «المحاسن والأضداد»، ثم استوحى مسرحية «علي جناح التبريزي» من حكايات ثلاث من الليالي، هي حكاية المائدة الوهمية وحكاية الجراب وحكاية معروف الإسكافي، وبنى مسرحيته القصيرة «بقبق الكسلان» من فضاء حكائية الليالي، وتأثر في مسرحيته «رسائل قاضي إشبيلية» بحكائية الليالي وحوافزها السردية الواقعية الممتزجة بالفنتازيا. وكانت آخر مسرحياته «الطيب والشرير والجميلة» مستوحاة من إحدى حكايات الليالي أيضاً.
ويلاحظ أن اشتغال فرج على التراث موصوف بالطوابع التالية:
ـ التصرف في البنية الحكائية على سبيل التأثر النفسي والذهني، فلا يعاد المتن الحكائي في الحكايات المستلهمة، بل يستعاد نسقها في الفضاء السردي وعلاقاته الجمالية والدلالية، وتبدو مسرحيتا «حلاق بغداد» و«علي جناح التبريزي» مثالاً لهذا التصرف الذي يوائم في الأولى بين حكايات من الليالي ومن السرد الأدبي الجاحظي.
ـ النزوع النقدي والتعليمي في استعادة التراث السردي، فتصبح المسرحية مداراً للنقد والتأمل النقدي لأفكار الأرض والعقاب والسوق في مسرحية «رسائل قاضي إشبيلية»، بينما تلح المسرحية على التعليم وتقدير العمل والعطاء، وهو ما توجزه نبرة الختام في مسرحية «بقبق الكسلان»، وكأنه صوت الجوقة:
«الجميع: (يتقدمون ناحية الجمهور) رأيتم بأنفسكم أيها السادة هذه الصورة التي صاغها المؤلف الشعبي العظيم في ألف ليلة وليلة منذ ألف سنة. ومغزاها أن أحلام اليقظة تحطم النفس كما حطمت الأباريق. وأن الكسلان يعوض فشله وقلة الحيلة، وأن الحياة والرخاء والسعادة أبناء العمل لا الأحلام. ونشكركم» (م1 ص216).
ـ الصوغ على نسق حكائية الليالي دون الالتزام بالبنية السردية تثميراً لقابليات حكايات الليالي الثرة، ولاسيما الدوران في شكل التحفيز الحكائي وخصائصه التخييلية مثل منطقها الخاص وتداخله المدهش بين الواقع والفنطزة، فلا تخفي الغرائبية أو العجائبية معقوليتها الخاصة، كما في مسرحية «الطيب والشرير والجميلة» التي تمتح من معين حكائية الليالي سيرورة تقليدية لمعاينة فكرة الصراع الرئيسة في المسرحية بين الخير والشّر، وقد كشف فرج عن أسلوبية مثل هذا الاستلهام في افتتاحية المغني في الشهد الأول من الفصل الأول الذي يحمل عنوان «دكان الحلاق» بقوله:
«المغني: كل جيل كتب حكايات ألف ليلة وليلة على هواه.. ألف ليلة هي هذه وتلك من الحكايات.. ألف ليلة هي صيغة تروى بها الحكايات.. كل جيل روى بهذه الصيغة حكايات جيله على مقتضى احتياجاته الأخلاقية والروحية، واستخلص منها الحكمة التي يريدها ويطلبها.. ألف ليلة سفينة أحلام ركبها الناس من كل الأجيال.. وكل من ركب فيها حملته إلى ما يريد من البلدان.. فقد ذهبت بالراكبين إلى كل زمان ومكان وعلى كل المقامات الموسيقية وبكل الألحان (موسيقى مصاحبة)، ولو كان الأجداد يكتبون النوتة الموسيقية، ويدونون الموسيقى بالنقط كما نفعل اليوم.. لكانوا قد كتبوا حكايات ألف ليلة وليلة على أوراق الموسيقى المسطرة بالخطوط الخمسة كل سطر، كما تكتب الأوبريتات والمسرحيات الغنائية، فحكايات ألف ليلة مزينة دائماً بالصور والأشعار والأغاني والرقصات التي غناها وخيّلها الراوي دائماً لمستمعيه، ليجذبهم للدخول من أبواب الخيال والتصور إلى العالم الجميل الساحر لألف ليلة وليلة.. وسنبدأ حكايتنا كما كانت تبدأ القصيدة العربية في الزمن الخالي بالإنشاد للحب والغزل.. فنقول: هذه هي الليلة السابعة والعشرون بعد التسعمائة.. فاضرب الوتر» (الطيب... ص22).
وثمة تجربة فريدة في استلهام التراث الشعبي في مسرحية «الزير سالم» تتبدى في إعمال المخيلة إنطلاقاً من الوقائع المتداولة عن الراوي الشعبي المجهول، فتُبنى المسرحية على هدي نسق تنضيد جديد للحوافز تضيئه عملية الاشتغال على تفسير خاص، لتلتحم بعد ذلك جمالية التكوين المسرحي بمضاء الدلالية أو ما نسميه وحدة الأغراض أو فاعلية القصد، لأن المعول دائماً هو «الفكر في المسرح» بتعبير فرج نفسه (م2 ص166)، فاستبعدت التفاصيل أو الوقائع غير الدالة أو الوظيفية، وأُمعن ملياً في تركيب شبكة العلاقات السردية نفوراً من الاستطراد أو الحشو، مما يسعف ضبط البنية وإحكام نسيجها بالأغراض المتعددة من الإضمار إلى التصريح، ولعل هذا الولع بتمتين المنظور السردي هو مسوغ اختيار البناء الدائري حين تبدأ المسرحية بمشهد هجرس وتردده في الاقتراب من كرسي العرش بعد مخاض الدم والانتقام والكراهية الطويل، فيوجز هجرس القصد في المشهد الأخير الذي كانت المسرحية مسوغ البنية برمتها انتظاماً في تعليل الحوافز وإشباعها بدلالات التجربة:
«هجرس: وهكذا تدور اللعبة فتشملني أنا أيضاً في إعصارها الدوار. أين الفكاك من الدم؟ هاأنذا أتقدم إلى العرش برئياً من كلّ ذنب. صافي النفس نظيف اليد، بدافع الشرف، ورغم تحذيرات الشرف، لأجلس فوق المستنقع مزمعاً أن أتجنب التلوث جهد طاقتي، وأنا غير متأكد أني أستطيع. وقاني الله ارتداد بصركم أن يدفعني. أن يزجني في أيام مقبلة.. اللهم اجعلني رحمة ولا تجعلني لعنة على قومي» (م2 ص282).
2ـ4ـ التاريخ:
عمد فرج إلى الاشتغال المسرحي على التاريخ في بعض مسرحياته على سبيل المسرحية التاريخية في مسرحيتيه «سقوط فرعون» و«سليمان الحلبي»، وعلى سبيل التخييل للوقائع التاريخية في تمثيلية «مي زيادة»، وعلى سبيل الاستخدام التسجيلي المطلق في المسرحيته «النار والزيتون»، والاستخدام التسجيلي المحدود في مسرحيتيه «ألحان على أوتار عربية» و«عودة الأرض».
استند في المنحى الأول على التاريخ الفرعوني القديم استناداً رئيساً إلى كتاب سليم حسن «الأدب المصري القديم» قاصداً إلى معالجة أفكاره الفلسفية عن الصمود في وجه الغزاة والأعداء والمتآمرين خلال مرحلة أخناتون التي صارت إلى رحابة الأسطورة في رؤية التنازع بين الطبائع المتعارضة أو المتناقضة داخل الذات الواحدة.
يتركز الاشتغال التاريخي في المسرحية على فهم الحساسية السياسية واتبعات الرفق المروع بالمصائر المأساوية لشخوصه في ظل عنتهم الصارخ لمراودة الفعالية العامة بوصفها محط رهان الرؤية كقوله:
«وفرعون مصر يأبى أن يشنّ الحرب، والصلوات في معابدك، تترنم بكلمة السلام» (م6 ص320).
تستند فكرة المسرح عند فرج إلى تحويل الواقعة التاريخية إلى مدار طقس هو تخييله لمتتالية الحوافز في عملية الصراع نشداناً للقصد النهائي: بطولة سليمان الحلبي في مواجهة الأجنبي المحتل باعثاً في هذه البطولة المرامي البعيدة والعميقة لتكوينه العربي الأزهري (اندغام العروبة بنسق ثقافي تقليدي) فرداً من جماعة معبراً عن تطلعها مدركاً لخياراتها ضمن لحظة تاريخية حاسمة، محكماً وعيه حين يغوص في تشابك مكوناته الأصلية ومؤثراته الراهنة والضاغطة انطباقاً لمدى العقل على الخنجر، فليس فعل البطولة طارئاً يندرج في المصادفة، بل هو نتاج تصميم العارف «بمصيره طول الوقت، يخوضه بعيون مفتوحة وذهن حاضر ممتليء بالتوقعات» (م2 ص18)، ولعل الكناية الدالة عن أفق البطولة في إمكانية مقاومة العين لمخرز هي التعليل الأقرب للدوران في مدار الطقس، ونسيجه تلك الحوافز التاريخية التي يُعاد تنضيدها وكأن التاريخ مؤطر لاستعارة فعل الفداء عن سابق تصميم، أي أن المسرحية تغدو وعياً بالتاريخ في اشتغال عقلاني ووجداني داخل ذوات خاصة ما تلبث أن تصير إلى وعي الذات القومية العامة.
ويمضي فرج عميقاً في تخييل الوقائع التاريخية في تمثيليته التلفزيونية «مذكرات لم تكتبها مي زيادة»، فقد مازج بين ما كتبته وما توميء إليه هذه الكتابات استبطاناً لسيرة مناضلة مؤثرة في مجتمعها نداء متواصلاً لحربة الفكر وشجاعة الرأي، وقد وازى فرج بين الوقائع التاريخية وتعليقه عليها بصوت الكاتب الذي يستنطق هذه الوقائع الدلالات الأعمق للمعنى الوجودي الغامر لهذه الأديبة المبدعة الشجاعة، كمثل تثميره لحديثها عن رسالة الأديب في المشهد ما قبل الأخير الذي أفلح فرج في ألا يكون مقحماً على السياق، ونقتطف منه هذا المقطع:
«رسالة الأديب تعلمنا أن العالم العربي على تعدد أقطاره من المحيط إلى الخليج وحدة واحدة. رسالة الأديب تعلمنا أن نفاخر بلغتنا العربية الممتازة على سائر اللغات. رسالة الأديب تعلمنا ألا نخشى كارثة، ولا نتهيب مغامرة. فكل زمن خطير في التاريخ كان زمن اضطراب وكوارث. وأعظم فوائد الإنسانية تجمعت عن عصور العذاب والخطر. العاصفة لا تقتلع إلا ضعيف الأغراس أما الأشجار ذات الحيوية العصية فالأعاصير لا تزيدها إلا قوة ومناعة» (م11 ص296).
ولجأ فرج إلى الاستخدام التسجيلي المطلق في مسرحية «النار والزيتون»، على أن تسجيل وقائع حياة فرد لا تكفي لتسجيل حياة شعب، فعاد إلى الوثائق التاريخية لبعث نضال الشعب الفلسطيني من خلال التفاصيل الدالة في مجرى الصراع العربي ـ الصهيوني: «العنف الصهيوني، العذاب الفلسطيني، المقاومة الصلبة، التآمر البارد للقوى الإمبريالية العالمية» (م6 ص149).
وقد جمع فرج مادة المسرحية من مصادر متعددة ودعمها بالمشاهدة من خلال زيارة مواقع العمل الفدائي والاتصال عن قرب بأبطال المقاومة الفلسطينية وضحايا العدوان الصهيوني، على أن فرج حوّل هذه المادة إلى غناء شعبي للقضية الفلسطينية استخداماً أوفر وأوسع لمعطيات المسرح الشامل من أشعار وأغان وحركات إيقاعية وتشكيلية ومعروضات وسواها، ليقل بعد ذلك استعمال الوثائق التاريخية كالأقوال والإحصاءات والنصوص والمذكرات وسواها، وثمة ملاحظة هو العناية بوثائق شائعة ومتداولة والاشتغال الغنائي عليها بأقل من الاشتغال الدرامي بالاعتماد على وثائق من الشعر الفلسطيني أو الغناء الشعبي الفلسطيني، كمثل استقبال جثمان الشهيد حيث نجوى الأم المفجوعة وصوت الجميع يردد الأغنية الشعبية:
«الأم: لا تقولوا لي ولدي مات. ولدي حي.. اتبرع بنفسه. الله يرضى عليه. الله يجعله فدو عن فلسطين. الله يجعله فدو عن كل فدائي. أنا غاب عني ولد واحد، وربنا أعطاني كل فدائي ولد لي. كلكم أولادي. الله يرضى عليه. الله اختاره من بيننا لها الموتة الشريفة. وأخواته يتزفه. (تزغرد وهي تمسح دموعها)
(يلتف الفدائيون حولها والقائد يسلم لها وسام أم الشهيد والأغنية يرددها الجميع)
الجميع: هاتوا الشهيد هاتوه
هاتوا العريس هاتوه
وبعلم الثورة لفوه
يا فرحة أمه، وأبوه
أنا أمه يا فرحة أمه
يا عرسه في ليلة دمه
يا تراب الحرية ضمه
يا أخواته للثورة انضموا
زغروته ياللا حييوا
هاتوا الشهيد هاتوه
هاتوا العريس هاتوه
وبعلم الثورة لفوه
يا فرحة أمه وأبوه.» (م6 ص138-139)
وستخدم فرج بعض تقانات المسرح التسجيلي على نحو جزئي، مستحضراً وقائع من التاريخ القريب مثل موكب اللورد البني غداة اقتحام القدس ودمشق سنة 1917، وخريطة الوطن العربي وبجانبها سايكس وبيكو يؤشران إلى الاتفاقية السرية لتقاسم الأرض العربية واحتلالها، ومائدة اجتماعات الأمم المتحدة وقائمة قرارات الحقوق الفلسطينية، واستعراض القوة بشخص كيسنجر، واستعادة صورة زنوبيا التي تأبت على الاحتلال الروماني وقاومته، واستعراض أطراف المؤامرة الاستعمارية المستمرة بحق العرب، وإسناد نبوءة النصر إلى إحياء ذكرى صلاح الدين، لتكون هذه الوقائع التاريخية جميعها تعضيداً لموقف المقاومة الباسلة لزنوبيا ذلك المثل الحي للبطولة العربية:
«أصوات العامة: زنوبيا ملكة العرب.. الساحرة. ارجموها. اخفضي رأسك يا امرأة، انظري تحت قدميك يا أسيرة الرومان واذرفي الدموع في موكب النصر للأمبراطور أورليان..
الفتاة: بل انظر في الشمس وفي ضياء السماء. وأرى بالعين واللب والفؤاد ما ينتظر موكب الأمبراطور من خسران. فمن زرع الجريمة لا يحصد إلا الثأر، ومن بدأنا بالعدوان لا يجني غير الهوان في آخر المطاف، ومن رمى الناس بظلامه أعماه نور النهار.. انظر في عين الشمس أنا وأرى ملء عيوني ضياء عربياً آتيا من المشرق، أرى شمساً ساخنة تنبت الرجال في رحم الرمال.. وأرى روما! ويلاه.. تضج تحت أقواس نصرها تطلب من أعدائها رحمة هي بددتها! ويلاه أرى بدراً في الشمال وبدراً في اليمين يحملان سياط عذابهم فوق رؤوس ومعذبيهم. أرى دماً يجري على سلم الكابيتول يكتب على بلاطة بألسنة ساخنة: ويلك روما فقد زرعت الرياح ولا تحصدين غير العواصف.. زرعت النار لا تحصدين غير الطوفان.. أرى رجالاً فوق التلال وعلى ضفاف الأنهار.. أخوتي وأبنائيوآبائي حياة وعمراناً عربياً من قبلي ومن بعدي، فيا عرب.. هاأنذا أنتظر. أتعذب على أبواب بيوتكم، وفي بيوتكم وفي جلودكم أتعذب، وأنتظركم. امنحوني قدرتي وقدري وأيامي وشمساً في سمائي تبدد الظلمات امنحوني وحدة أمتي وحرية القرار وشرف الانتصار.. هاأنذا أصيح ليصلكم صوتي في كل البقاع: واعروبتاه!..» (ألحان على ص60).
وقد استعاد فرج طريقته الجزئية في استخدام المسرح التسجيلي وتقانات تطويع الوثيقة التاريخية لمعطيات المسرح الاستعراضي الشامل في مسرحية «عودة الأرض» مثلما فعل في «ألحان على أوتار عربية»، بل إنه أعاد بعض مشاهد بنصها مثل مشهد سايكس وبيكو واتفاقية تقسيم الوطن العربي بين المستعمرين، ومشهد صلاح الدين محاوراً العزيمة العربية للاستنهاض والمقاومة إشارة إلى دروس التاريخ العربي ذاته:
«صلاح الدين: ويزعزع ثقتكم في قدرتكم وفي عزائمكم، ويقعد بكم عن استفار رجال زمنكم.
الفتاة: لقد تصورناك كما أحببناك.
صلاح الدين: حب الضعيف وهيام العاجز وتعلقه بالتعاويذ والخرافات. وكان أولى بكم أن يكون حبكم للحياة والأحياء. وأن تكون نجدتكم لهم وأن يكون صمودكم بهم. ومن ثم تصنعون التاريخ.
الفتاة: علمني مولاي. كيف نصنع التاريخ؟
صلاح الدين: وهل تصنعون التاريخ إلا بالرجال المعاصرين؟ اطلبوا رجالكم واحتشدوا حولهم. اصنعوا أيامكم برجالكم. لن تصنعوها برجالي. التاريخ قد يكون فيه لكم حكمة أو تجربة. ولكن ليس فيه لكم فرسانكم وجندكم. فاطلبوا رجالكم واحتشدوا حولهم. اطلبوا رجال زمانكم واحتشدوا حولهم.» (م11 ص33).
وأضاف إلى الوثائق التاريخية المستخدمة مسرحة وصية الملك الصالح أيوب الداعية إلى النصر أو الموت، ثم مزج ذلك كله ببناء مسرحي يبعث فيه الأمل بالنصر الذي تحقق في حرب تشرين الأول 1973 والمقدرة على تحققه محدداً فيما سماه «عودة الذاكرة».
«المصور: عودة الأرض. عودة الروح. عودة الذاكرة. عودة العزة والكبرياء الوطني يرجع الفضل فيه إلى حكمة القيادة وشجاعة الجند وصلابة الشعب المصري العريق.. هم صنعوا النصر وأحنا صورنا الصورة» (م11 ص79).
2ـ5ـ التنوع والتجريب:
لا يكاد نص مسرحي عند فرج يشابه نصاً آخر في بنيته وشكله، فهناك المآسي مثل «سليمان الحبي» و«الزير سالم» و«سقوط فرعون»، وهناك الملاهي مثل «حلاق بغداد» و«على جناح التبريزي وتابعه قفه» و«عسكر وحرامية»  و«أغنياء.. فقراء.. ظرفاء» و«الحب لعبة»، وثمة الدراما الحديثة مثل «زواج على ورقة طلاق» و«الطيب والشرير والجميلة» أو المصاغة بروح التراث مثل «رسائل قاضي إشبيلية»، وثمة المسرح التسجيلي والسياسي القائم على تقانات المسرح الشامل والوثائق المختلفة، مثل «النار والزيتون» و«ألحان على أوتار عربية» و«عودة الأرض»، مما تتوسع فيه المسرحية لستارة الضوء والموسيقى والأغاني والحركة الإيقاعية التشكيلية والمعروضات المساعدة.
وهناك المسرحية الطويلة وعددها خمس عشرة مسرحية أولها «سقوط فرعون» وآخرها «الطيب والشرير والجميلة»، وثمة مسرحيات قصيرة من ذوات الفصل الواحد هي: «صوت مصر» و؛الفخ» و«الغريب» و«العين السحرية» و«دائرة التبن المصرية» و«الشخص»، وثمة ثلاث مسرحيات للأطفال هي «بقبق الكسلان» و«رحمة وأمير الغابة المسحورة» و«هردبيس الزمار»، وهناك تمثيلية تلفزيونية واحدة يتوازى فيها السرد الروائي والسرد الدرامي.
ومثلما استلهم التراث العربي في مسرحيات كثيرة، استوحى بعض مسرحياته من تراث الإنسانية، فصيغت «أغنياء فقراء ظرفاء» على غرار فكرة المسرح الشعبي كما هو الحال في صياغة الإسباني «بينا فنتي»، ومثلها مسرحية «الحب لعبة» التي تستند إلى قصة شعبية أيضاً، وكان سبق إلى صياغتها الفرنسي ماريفو في مسرحيته «لعبة الحب والمصادفة».
وبلغ التجريب شأواً عالياً في مسرحية «الشخص» المبنية على تقانات مسرح اللامعقول ولاسيما لعبة الوقت تعبيراً عن ضيعة الأحلام وخناق الوحشة، كمثل قول الشخص في لوحة «الساعة اتناشر»، وهي المشهد الأخير:
«الشخص: أنا تهت. وقبل ما أتوه نسيت. وقبل ما أنسى ماكنتش عارف.. الساعة كام الميعاد. الإنسان منا دايماً أحلامه في ناحية ودنيته في الناحية التانية. إن مشى في سكة الأحلام مش ممكن يوصل للدنيا، وإن مشلا في دنيته مهما طال بيه الطريق مش ممكن يحصّل أحلامه. لكن أقسى شيء ممكن يبتلي بيه هو الوحدة.. العزلة. الانقطاع.. وعلشان كده اللي بيوصل خير من اللي بيقطع، لكن يعمل إيه بني آدم في انقطاع دنيته عن أحلامه، وانقطاع سكته عن غرضه، وانقطاع اللغة عن التعبير، وانقطاع الذاكرة، وانقطاع المعرفة عن الفهم، وانقطاع الذكاء عن المصلحة، وانقطاع الوالد عن ولده.» (م11 ص178-179).
وتستفيد على العموم مسرحيات الفصل الواحد وبعض المسرحيات الاستعراضية والموسيقية والسياسية من تقانات المسرح التعبيري مثل تجريد الوقائع والتسمية بالصفة أو بالدلالة، لا بالاسم، فلا تحمل أي شخصية في مسرحية «الشخص» أي اسم، لتقتصر التسمية على «الشخص»، و«الشبية»، و«الطبيب»، و«الشابين مفتولي العضلات»، و«الممرضة» و«الثري» و«الراقصة» و«البواب» و«البوسطجي» و«الشرطي».
أما شخصيات مشرحية «الغريب» فهي «الغريب» والسيدة وضابط الشرطة والممرضان، ولا تفترق التسمية في مسرحية «العين السحرية» عن عدم تسميته وكأن التسمية هنا علامة أو رمز، مثل «حسن» و«حسنين» «وشلضم»، لأن التسمية لا تعيّن صاحبه بعلامات فارقة كالنسب والماضي والهيئة والتكوين الخاص..الخ، لتنتهي المسرحية إلى تأمل بعض الشروط الإنسانية القاهرة، في مآل المسرحية:
«حسين: أنا حسين حسين المحامي، أثريت من حسن الدفاع عن جرائم شخصية، أعلم أسبابها الاجتماعية وأسخط عليها، ويلح على شرفي وكبريائي بفكرة الدفاع عن الإصلاح وحل التناقضات الاجتماعية.. أنفي الفكرة المفزعة التي تلاحقني من أيام الصبا والدراسة.. الفكرة تقتحمني.. فتسخر منها نفسي وتقول: أنت كالبكتريا لا تحيا ولا تسمن إلا في الجروح فكيف تداوى أنت الجروح؟! أحس بغربة قاسية وهذا جنوني..
حسن: أنا حسن حسن، الممثل، النجم السينمائي.. في صباي تدربت على أداء الأدوار التمثيلية المجيدة، وأطلقت أسراباً من الكلمات الشريفة.. اليوم ألهث وراءة الكلمات المزيفة. أنافق التفاهة والغباء والثراء. ألفق للجمهور في كل يوم قصة، بينما لا أعبأ بالاستماع إلى قصة كومبارس حقيقية وأليمة، وأنكرها. الناس في الشارع وجوههم ناطقة تقول وتحكي، ولكني أحيا حياتي بوجه يلفقه الماكياج.. أعمى وأبكم وأصم.. وأحس بقلق يدمرني. وهذا جنوني.» (م11 ص140-141).
2ـ6ـ اللغة:
شكلت اللغة إحدى معضلات التأليف المسرحي لدى جيل فرج، غير أنه حسم خياره باتجاه الكتابة بالفصحى أو بلغة مفصحة، وعدّ هذا الخيار علامة تأصيل ينفع في تعضيد الهوية القومية في الأدب؛ ثم جاوز هذا الانشغال إلى تثمير الفصحى أو المفصحة في مسعاه الإبداعي، فاللغة حاجة فكرية وفنية، وليست مجرد زينة أو التزام خارجي، فعني فرج بمواءمة اللغة لطبيعة المسرحية في نوعيتها، تاريخية أم سياسية أم تسجيلية أم مأساوية أم تجريبية..الخ، وفي خطاب شخوصها وبيئاتهم...الخ، ولعله صدر في ذلك الخيار أو الاحتياج الفكري والفني عن فهم اللغة في العمل المسرحي تواضعاً متفقاً عليه، لا نقلاً عن واقع، لأننا في الفن محاكاة صريحة ومباشرة للواقع أو استغراقاً في اتجاهات حداثية وسواها لا نصف الواقع أو ننقل عنه، بل نعيد إنتاج علائقه، نصوغ مجتمعاً خاصاً هو مجتمع المسرحية، فاستفادت اللغة من نصوص الأدب المصري القديم في مسرحية «سقوط فرعون»، وهي لغة تقارب الشعر في مواقع كثيرة، وتألقت اللغة الأدبية التي تستفيد من فخامة التراث الأدبي العربي القديم في مسرحيات متعددة مثل «علي جناح التبريزي» و«الزير سالم» و«سليمان الحلبي» و«رسائل قاضي إشبيلية» و«الطيب والشرير والجميلة»، فطاعت اللغة الفصحى لحاجات المسرح.

------------------------------------------------
المصدر :مجلة «الكاتب العربي» (دمشق)، ع53، 2001
كتاب المسرح العربي المعاصر
قضايا ورؤى وتجارب
د.عبدالله أبو هيف
منشورات اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ 2002

تابع القراءة→

السبت، أبريل 16، 2016

آزادوهي صاموئيل رائدة من المسرح العراقي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, أبريل 16, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

تعد آزادوهي  صاموئيل من رواد المسرح العراقي منذ عام 1954م ،لقبت براهبة المسرح العراقي.
شغفت بالمسرح منذ أكثر من خمسة وأربعين عاماً ،ومازال هذا الحب عامراً في قلبها ، ذلك القلب النابض بحب الوطن .
و هي من أكثر الفنانات نشاطاً وغزارة ومشاركة بمسرحيات مهمة في تاريخ البلد. لقد واجهت العديد من الصعوبات في تلك الفترة .. لكنها تجاوزتها.
اهم الأعمال المسرحية التي قدمتها :
مسرحية (ايراد ومصرف)
مسرحية(حرمل وحبة سوده)
مسرحية(ست دراهم)
مسرحية(آني امك ياشاكر)
مسرحية(اهلاً بالحياة)
مسرحية (فوانيس)
مسرحية(صورة جديدة)
مسرحية(مسألة شرف)
مسرحية (المفتاح)
مسرحية(النخلة والجيران)
مسرحية(الخرابة).
فتحت آزادوهي  للأخريات من بعدها بدخولها الشجاع كأول فتاة إلى معهد الفنون الجميلة وفي قسم الفنون المسرحية الآفاق الواسعة أمام من انخرط بعدها لدراسة فن التمثيل، فتدفقن ببطء على المعهد في السنة الثانية من دراستها، ومنهن هناء عبد القادر، ثم جاءت من بعدها سميه داوود، وبعدها بسنتين كان من طلاب المعهد فوزية الشندي، ورؤيا رؤوف، وساهرة أحمد، وشوبو محمد، ومنيرة عباس، وبلقيس الكرخي، وهكذا.
وتقدم إلى المعهد في السنيين التالية ومن دون حرج كبير، شيماء وغزوة الخالدي، وسعاد عبد الله، واحلام عرب، ونضال عبد الكريم..وغيرهن.
أهم الاعمال التي ادتها آزادوهي في معهد الفنون الجميلة ،(المثري النبيل) لمولير إخراج جعفر علي، و(عطيل) لشكسبير إخراج جاسم العبودي و(اوديب ملكا) لسوفوكليس إخراج جعفرالسعدي ,و(فيماوراء الافق) لاونيل إخراج بهنام ميخائيل.
مثلت في فرقة المسرح الحديث من عام 1954 وحتى تموز 1968:
أما اعمالها المسرحية في الفرقة القومية فهي:
مسرحية(جزيرة افر وديت)
مسرحية(ابن ماجد)
مسرحية(لغة الامهات)
مسرحية(الروح الطيبة)
مسرحية(ثورة الموتى)
مسرحية(محطات السنيين)
مسرحية(المزيفون)
مسرحية(العاصفة)
عملت منذ ان صعدت على خشبة المسرح مع ابرز المخرجين في العراق بدءًا بإبراهيم جلال ثم سامي عبد الحميد وعبدالواحد طه وبهنام ميخائيل وجعفر السعدي وجعفر علي وبدري حسون فريد وسعدون العبيدي ومحسن العزاوي وقاسم محمد واخرين.
حصلت خلال عمرها الفني في المسرح الذي قارب الخمسين عاماً، على جوائز فنية وتكريمية وتقديرية عديدة في العراق ومن مهرجانات مسرحية عربية عديدة شاركت فيها.
تابع القراءة→

قراءة في كتاب "المسرح في بريطانيا " / محسن النصار

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, أبريل 16, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

كتاب "المسرح في بريطانيا "من  تأليف رياض عصمت وأصدار  وزارة الثقافة السورية  2012 ويقع في 331 صفحة من القطع المتوسط وضم في فصله الأخير مجموعة من الصور التي توثق لمراحل من المسرح الإنكليزي ويتحدث الكتاب  " لندن عاصمة المسرح في العالم وكيف تطورت حركة المسرح خلال ربع قرن من الزمن" ليستعرض في إجابته ريبورتوار المسرح الإنكليزي الذي كان في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية يركز على شكسبير وبرنارد شو وأوسكار وايلد ونويل كوارد وبريستلي ثم صار في السبعينيات والثمانينيات يحتفي بأهم الكتاب الغربيين العالميين كتشيخوف وبرشت وبوشنر وداريو فو وغيرهم .
ويضيف الكتاب  أن لندن أصبحت اليوم جزءاً من مرحلة العولمة المعاصرة فانفتحت تماماً على الثقافة الأميركية بواقعيتها المعروفة من خلال أعمال آرثر ميلر وتينيسي ويليامز إضافة إلى أعمال الميوزيكال ثم على الثقافتين الفرنسية والألمانية الأولى عبر عروض لهوغو مثلا والثانية عبر مسرحيات تحكي عن النازية ومحرقة اليهود وغير ذلك كعرض (شبير) فضلاً عن انفتاحها على الدراما الإيطالية والإسبانية .
يقول صاحب (جمهورية الموز): إن العاصمة البريطانية غيرت شيئاً من ملامحها المسرحية إذ توارت بعض الرموز اللندنية في ظل هذه التعددية والانفتاح غير التقليديين حيث أن عاصمة الضباب في الألفية الثالثة ترغب أن تلعب دور البوتقة التي تنصهر فيها كل هذه الثقافات لأن نوعية إنتاجها المسرحي العالي ومكانتها السياحية المتميزة جعلاها قبلة السياح الناشدين المتعة والمعرفة معاً لذلك أعتقد أن لندن استطاعت عبر تعدديتها الثقافية أن تحافظ على مكانتها كعاصمة المسرح في العالم .
ويوضح الكتاب  كيف استطاع فن الميوزيكال أن يسرق الأضواء من الأوبرا بعدما طور ذاته منتقلاً من تناوله للمواضيع السطحية الخفيفة إلى الحديث بعمق عن موضوعات جادة بعضها أصيل يتناول شخصيات سياسية وتاريخية معروفة وبعضها الآخر يستلهم أعمالاً أدبية شهيرة وصعبة كالبؤساء وشبح الأوبرا وفاتنة سايغون غيرها .
ويذكر صاحب (ماتاهاري) أن بعضاً من أكثر الكتاب المسرحيين شهرة في العالم انطلقوا من لندن وحملوا دائماً راية التجديد في المضمون الفكري والمعالجة الاجتماعية ومنهم جون أوزبورن الذي تزعم مسرح الغضب وهارولد بينترحامل لواء العبث كما أن المسرح البريطاني اشتهر بممثليه كلورنس أوليفييه ومدارس التمثيل الشهيرة التي تعتبر الأفضل في العالم ومنها الأكاديمية الملكية لفن الدراما (رادا).. أكاديمية لندن للدراما والموسيقا (لامدا).. مركز الدراما في لندن.. أولد فيغ.. المدرسة المركزية.. وغيرها .
ويستعرض كذلك  الكثير من الأعمال الشكسبيرية التي تعتبر فخر المسرح البريطاني بشقيها التراجيدي والكوميدي موصفا بعمق للعروض الشكسبيرية المعاصرة التي تحررت من المتحفية التقليدية عبر قوالب وتفسيرات متجددة باضطراد وتجريب مسرحي مفتوح الأفق ولاسيما تلك التي تقدمها (فرقة شكسبير الملكية) إضافة إلى نقده لأعمال برنارد شو وأوسكار وايلد ومتحدثاً كيف جعل الإنكليز مسقط رأس شكسبير ستراتفورد أهم مواقعهم السياحية .
كما يفند الناقد والمترجم تجربة المسرح البريطاني في التعامل مع النصوص الوافدة سواء أكانت من إسبانيا وعظيم مبدعيها ثربانتس في رائعته (الدونكيشوت) أو من فرنسا كالتي حققت معادلاً إنكليزياً لعروض موليير وبلزاك وهوغو فضلاً عن استلهام التراث الروسي مثل(العروس الفقيرة )و(الغابة) لأب المسرح في روسيا أوستروفسكي إضافة إلى أعمال دوستويفسكي وبوشكين وتشيخوف وغوغول وتورجينيف وأيضاً الاستفادة من كلاسيكيات قديمة وحديثة لكل من السويدي أوغست ستردندبرج والنرويجي هنريك إبسن والأمريكي آرثر ميلر وغيرهم .
ويتناول الكتاب  الدراما البريطانية المعاصرة مقسماً اتجاهات رواد التأليف البريطاني الحديث إلى مسرحيين تقدميين هدفهم التنوير والتغيير السياسي مثل أوزبون ..آردن.. ويسكر.. برنتون.. هير وبوند ومسرحيين شغلهم اللامعقول والقلق من العالم الخارجي المشوب بعدم الأمان مثل بنتر وستوبارد وأورتون إضافة إلى مسرحيين اهتموا بالجانب الاجتماعي النقدي من أمثال ايكبورن.. غراي ..فرايل.. وفرايان وآخرين استلهموا التاريخ القديم أو الحديث مثل بولت ..شيفر.. وإدغار .
تابع القراءة→

التمثيل الصامت الحديث في فرنسا / عبد الله جواد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, أبريل 16, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


في الثلث الأول من القرن العشرين المنصرم وفي فرنسا بالذات ظهر أسلوب جديد في التمثيل الصامت (المايم).وبالرغم من مقوماته الأساسية التي استمدها من جذور الفن الكلاسيكي القديم والمتعارف عليه منذ اقدم الحضارات التي سبقت الإغريق والرومان.

إن التمثيل الصامت كان معروفا لدى المصريين وسكان وادي الرافدين القدماء،إذ كان يمارس أثناء الطقوس الدينية.لكنه يختلف عنه كل الاختلاف،ولمعرفة تفاصيل هذا التيار الجديد لابد من إلقاء نظرة سريعة على التطورات التي طرأت عليه ـحسب الزمان والمكان الذي ازدهر فيه.من خصائص ممثل المايم انه يستطيع التعبير عن اعماق نفسه من خلال حركة اليدين وتعبير الوجه بالإضافة الى حركة الجسم دون الاستعانة بالحوار،لذا لابد له أن يمتاز بمواهب فذة من الصعب إيجادها إلا في النادر من الممثلين،فهو لا يكتفي بامتلاكه الحس العميق المرهف ولا بغنى أعماقه بل يتعداها الى ما هو أكثرـ عليه أن يمتلك الجسم الطيع المرن والذي يمتاز بالدقة كي يكون معبرا أكثر عن تلك المشاعر الغنية المستتر في أعماقه.ومن الملاحظ أن المايم ولوقت قريب كان يعتمد على البراعة الفردية،لم يرتكز على البناء العلمي المدروس والواضح ولا يستند في أثناء أدائه الى تكنيك له قواعده،لكن في أحسن الأحوال ـ يمكن القول ـ كان هناك نوع من الاهتمام لبلورة هذا الفن الذي كان يتفتح عن طريق الخبرة والتجارب المتوارثة من أب الى ابن.وعن طريق هذا الأسلوب أحرز تقدما،لكنه كان بطيئا.كانت العائلة التي تخصصت في مثل هذا اللون من التمثيل يتوارث بنوها هذا الفن ويتطور من خلال تعاقب أجيالها،لذا فقد اكتسبت وعبر الزمن خصائص ونضوجا الى الحد الذي أصبحت العائلة تعرف بواسطته.من هذه الظاهرة نشأ في فرنسا أول حد فاصل بين المايم التقليدي والمايم الجديد،لكن وبالرغم من التغيرات التي طرأت عليه بقيت أصوله مشدودة الى المايم الكلاسيكي الذي ـ كما هو معروف ـ ازدهر في أواخر الإمبراطورية الرومانية،وكذلك فيما يليها من فترة القرون الوسطى ثم عصر النهضة.ازدهر في ايطاليا،من خلال عروض مسرحية أطلق عليها آنذاك والى يومنا هذا تسمية:(كوميديا دي لارته) ـ تألق هذا اللون من المايم خلال عصر النهضة،متصفا برشاقة وسعة الحركة وجرأتها،نجده في كثير من العروض المسرحية على اختلاف أساليبها، فمثلا يمكن أن نجده في عروض المسرحيات التهريجية والمعروفة باسم (الفارس) أو يقدم على شكل مشاهد مضحكة بين فقرات عروض السيرك.يعتمد التمثيل الصامت ـ المايم ـ على ثلاث نقاط جوهرية وهي:حركة اليدين المرهفة الحس،والوجه المعبر،وأخيرا مرونة الجسم وقابلياته على التعبير،عن طريق هذه الأسس وفي كثير من الأحيان يكون للتمثيل الإيمائي من المعاني ما هو ابلغ بكثير مما تحمله الكلمة،التي مهما حاولت لن تبلغ التألق الذي يمكن أن يصل اليه التمثيل الصامت.استمر الحال على هذا المنوال دون أن يكون هناك أي تبويب أو نظريات محددة تنسق هذه الجهود وتأرشفها،ومع هذا فقد نشأ أول حد فاصل وبشكل واضح بين التمثيل التقليدي الصامت والتمثيل الصامت الحديث.في الأصل يرجع المايم ـ التمثيل الصامت ـ الفرنسي الحديث الى الدراسة التي كتبها (فرانسوا دل سارتو (1811-1871) Francois Del Sarto منطلقا من تحديد جسم الإنسان الى ثلاثة أقسام،وان حركة الجسم تصنف كل حسب موقعها،انه أعطى خصائص كل حركة من هذه الحركات،ومن جراء هذا التنظيم ومعرفة تفاصيل وخصائص كل حركة حسب موقعها ومدى قابليتها في التعبير،ومن هنا انبثقت مدرسة جديدة لها الفضل الكبير في تطور فن الرقص الاميركي الحديث وكذلك الرقص الانطباعي،واستنادا الى هذه المفاهيم الجديدة أسست مدرسة للرقص الأوروبي،حيث أنها أوجدت لغة وأسلوبا جديدين في التعبير.اخذ هذا اللون من المايم معنيين،وذلك فيما يخص الشكل الفني.الأول:هو الابتعاد عن الواقع الى ما هو خيالي.الثاني: بث مضمون أو روح الموضوع في هذا الشكل الفني ليصبحا وحدة متماسكة لا يمكن فصلهما عن بعض.النظام الذي اهتدى اليه ـ دل سارتو ـ يتضمن ثروة لا مثيل لها في الغنى،استفاد كثيرا من تجاربه ودراسته لعلم التشريح وعلم المتحجرات وغيرها من العلوم التي كان مولعا بدراستها.نقطة انطلاقه من الملاحظات التي يستقيها من الحياة،بعد دراسة وتخطيط مسبق لها،فكان يلاحظ المايم الأساسي في سلوك الإنسان أثناء حياته اليومية،فيقتنص أدق المظاهر في اللحظات المعينة التي يجد الإنسان نفسه مندفعا عفويا ـ بعيدا عن التكلف والرياء الاجتماعي أولا ـ الأطفال أثناء انغماسهم في اللعب. وثانيا ـ المرضى أثناء وجودهم في المستشفيات وهم تحت العلاج. ثالثا ـ مراقبة ودراسة الشخص حينما يفاجأ بخبر غير متوقع..ملاحظة وتسجيل ردود أفعاله التي تتفجر عنه دون قيد.واستنادا الى قاعدته هذه،فانه يقسم جسم الإنسان الى ثلاث مناطق:أولا: المنطقة العقلية وتنحصر بين الرأس والرقبة.ثانيا:المنطقة العاطفية فتكون مساحتها الجذع والذراعين.ثالثا: الجسدية وتنحصر فاعليتها في الساقين.لذا فأن أية حركة تستمد اسمها وصفتها من المنطقة التي تنطلق منها. وكذلك تقسم كل منطقة من هذه المناطق الثلاث الى ثلاثة أجزاء (يلتزم دل لسارتو دائما بمبدأ الثلاثة ـ فكل قسم لديه يقسم الى ثلاثة وكل واحد من هذه الثلاثة يقسم الى ثلاثة..وهكذا...) ويسمى كل جزء منها بنفس الاسم الذي هو جزء منه،وكل هذه المناطق تتأثر بثلاثة عوامل وهي:الفضاء المحيط بجسم الممثل...وجسم الممثل وأخيرا الدافع الداخلي المحرك لجميع الأحاسيس.وهناك ثلاثة أنواع من الحركات هي:الحركة القوية ويمكن الحصول عليها عن طريق التجارب المبنية على أساس إعطاء الجسم القوة العضلية المعبرة والحركة المبنية على أساس خلق التفاوتات اللونية للحركة التي تضفي معاني جمالية على العمل المسرحي... (التجريب هو الذي يكسب الجسم المرونة والاسترخاء).تنشيط الجهاز العاطفي لدى الممثل المختص بأداء المايم عن طريق التمرين والتجريب ليكون باستطاعته أن يصل الى أعلى مستوى، وحينئذ لا يقف أمامه أي عائق دون تحقيق كل ما يريده. بالإضافة الى كل ما سلف فان الانفعال المتدفق بالحياة وبشكل مركب يمكن أن يصل اليه الفنان عن طريق التجريب والمثابرة والصبر والدقة.المنظر الحقيقي لهذا الشكل الفني (المايم البدني) هو (اتيان ديكرو Etienn Decrou) ومساعدته الأولى (اليان كوبون Eliane Guyon) اللذان توصلا سوية الى نظريات ساهمت الى حد كبير في دعم هذا التيار الجديد وبلورته بشكل أصبح علما له أبعاده المحدودة والواضحة.وبموازاة مدرسة ديكرو نمت مدرسة جديدة في مفهوم المايم الحديث،لجاك كوبو،وكان أحسن من فهمها وطبقها:(جان داستا Jean Daste)كان الابتكار الصامت يحتل مساحة كبيرة في خطة جاك كوبو التعليمية،أما المواضيع التي كان يعتمدها بين الأسطورة والخيال والواقعية.حينما يضع الممثل قناعا على وجهه ويعتمد في أن يكون ـ هذا القناع ـ خاليا من أي تعبير،حينئذ يكون مضطرا لان يفجر طاقاته التعبيرية مستعينا بجسده كي يتخذ منه مختلف الأشكال.أما بالنسبة الى كوبو وهوراتسيو كوستا،فانهما استعانا بنظام المايم،كمادة تمهيدية لإعداد الممثل الشاب وجعله أهلا للولوج الى عالم المسرح الرحب.أي بمعنى انه لم يكن بالنسبة لهما فنا قائما بذاته.إلا أن الدروس التي خلفها كوبو، تعهدها كل من(جان داســــتا،وزوجته مــاريــا هيـــلين داســــتا)Jean & marie Helene Daste اللذين من الممكن اعتبارهما على رأس مدرسة أعطت صيغة جديدة لمفهوم المايم.انها تستند في بنائها على الابتكار الحر.ومن ثم اخضاع حصيلة العمل الى التعديل والانضاج وبالتالي ليتكامل العمل متخذا شكلا خاصا به.وبناء على هذه الطريقة في العمل اسس (جاك ليكوك Jacques Lecoq) مدرسة جديدة للمايم في العاصمة باريس.ومن اندماج هذين الاسلوبين:التكنيك الاكروباتيكي الذي يعود لـ ديكرو والابتكار الحر لـ (داستا) ـ نصل الى أسلوب جديد يمتاز بمرونته الدائمة للتجدد،وبمعنى آخر:إن جميع العناصر الأساسية التي تطور من خلالها المايم الفرنسي الحديث تأتي لتكون حصيلة في عمل الممثل الصامت.إن هذا الشكل الجديد من المايم فيه من الحيوية المتدفقة والجدة بحيث لا يمكن أن يتطرق اليه غبار الزمن،فيجعله مملا،وأصبح بامكان ممثل المايم أن يغرف بملء كفيه من معين لا ينضب ولهذا السبب نرى المؤسسات الفنية على اختلاف أنواعها تتلاقف مثل هذا الفن وتدخله في برامجها، نذكر على سبيل المثال المسارح الاستعراضية،والمسارح التي تجمع بين التمثيل الفكاهي والموسيقى الخفيفة وكذلك في المسارح التي تتخذ من الأدب الرفيع والصيغ الفنية،صفة دائمية لها لغرض التطوير والإبداع لأشكال فنية مختلفة وبخاصة في النوادي الثقافية الباريسية التي لها طابعها الخاص المميز،ويكفي أن نذكر بعض أسماء الفرق المسرحية التي تناولت هذا الفن من المايم الحديث والتي نالت حظا واسع الشهرة، منها: كرينيير هوسنو Grenier - Husseno لـ جاكو فابري Jacques Fabri وفريريه جاكو Freres Jacques لـ: جوليين وجيل Julien & Gille.... والى آخره...أما فيما يخص المكان الذي يقوم الممثل بأداء عمله من خلاله ـ فكل ما يحتاج من ديكور واكسسوار يجب أن يكون محددا وبشكل دقيق يتناسب وما يقدمه الفنان من مواضيع،لكن بالنسبة للعروض الكبيرة فان الديكور يجد حرية أكثر في استعمال مهمته،كذلك فيما يخص الموسيقى،فان التمثيل الصامت الحديث فيه المجال الواسع لاستخدامها بمختلف آلاتها وكذلك ينطبق هذا على الألحان والنوتات.فهناك المايم الصامت الذي لا يحتاج الى أية موسيقى أو المايم الذي يستخدم الموسيقى كفواصل معبرة بين كل حركة أو فقرة وما يليها،أو انها تتداخل في عمل الفنان كعنصر للتعبير.

عن الموسوعة الإيطالية لجميع العروض.
تابع القراءة→

اليوم أفتتاح الدورة الثالثة من مهرجان الكويت الدولي للمونودراما

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, أبريل 16, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

ينطلق  اليوم  مهرجان الكويت الدولي للمونودراما في  دورتة الثالثة  للفترة من السادس إلى الحادي والعشرين من إبريل  2016. 
ويشارك في المهرجان مجموعة من الفرق المسرحية الأهلية والخاصة، من الدول العربية والأجنبية المختلفة، إضافة الى استضافة ضيوف عرب وأجانب في عدة تخصصات مسرحية. 
وبرعاية وحضور وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود، تنطلق في الثامنة مساء اليوم على مسرح الدسمة، فعاليات مهرجان الكويت الدولي للمونودراما - الدورة الثالثة التي تم تسميتها بدورة الفنان القدير سعد الفرج، وهو الشخصية المكرمة في المهرجان، لكونه أحد رواد الحركة المسرحية في الكويت ومن مؤسسي فرقة المسرح العربي في ستينيات القرن الماضي.
يحتوي جدول فعالية اليوم، على افتتاح معرض الصور الفوتوغرافية الخاصة بالفنان سعد الفرج، إضافة إلى توزيع كتاب من إعداد عبدالله الرويشد وعماد جمعة، ومعرض الرواد التشكيليين، يليه الانتقال إلى المسرح لتكريم الفنان سعد الفرج، وتكريم خاص لاسم المخرج الراحل فؤاد الشطي، ثم عرض قصير مدته 15 دقيقة من إعداد عبدالله الرويشد وإخراج نجف جمال والمخرج المنفذ ناصر البلوشي، وبمشاركة النجوم الكبار سعد الفرج ومحمد جابر وهيفاء عادل وغانم السليطي.
الفنان المكرم سعد الفرج 

وكان رئيس ومؤسس المهرجان جمال اللهو قد صرح بأن الدورة الثالثة تحمل اسم الفنان الرائد سعد الفرج، الذي عندما عرض الأمر عليه وافق بكل رحابة صدر، وهو لا ينسى وقفته معه في المهرجان ودعمه للفنانين الشباب، معتبرا مشاركة الفرج تمثل نجاحا للدورة الثالثة، مثمنا في الوقت نفسه دعم الوزير الحمود، وقيادات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
وأشار إلى الدور الكبير الذي لعبته لجنة المشاهدة، بجهود من المؤلف والمخرج المسرحي د. حسين المسلم، التي اختارت 13 عرضا مسرحيا من أصل 45 نصا خليجيا وعربيا وعالميا.

13 عرضاً

وتشهد الدورة الحالية مشاركة 13 عرضاً خليجياً وعربياً وعالمياً، وهي: "السجينة" من قطر، "في انتظار مريم" من البحرين، "a fall for rise" من أرمينيا، "رائحة القهوة" من فرنسا، "أنتيغون" من ليتوانيا الذي تشارك به النجمة العالمية الليتوانية بيروتي مار (مواليد 1969)، الحاصلة على جائزة "فاليري كازانوف" للمونودراما في "الفجيرة"، التي تمنحها لجنة التحكيم الخاصة من الرابطة الدولية للمونودراما، "الحلاج وحيدا" من الإمارات، ويشهد هذا العمل عودة الفنان عمر غباش إلى التمثيل، "حكاية ونهاية" من تونس، "اللي ميتسماش" من مصر لفرقة الشروق للمكفوفين، من تمثيل إحدى فنانات الفرقة المكفوفات، و"from front and from behind" من بولندا، "مايا" من الجزائر، التي سبق أن شاركت في عدد من المهرجانات المسرحية العالمية، وحصلت على العديد من الجوائز، "هذه المدينة لا تحب الخضار" من عُمان تمثيل وإخراج طالب البلوشي، وأخيرا الكويت بعرضي "فريا ستارك: رسائل من الكويت" باللغة الإنكليزية من تأليف هدى الشوا وإخراج عبدالعزيز الحداد (رائد فن المونودراما في الكويت)، وتمثيل أليسون شان برايس و"قلوب شجاعة" تأليف عبدالله الفريح، وتمثيل وإخراج جمال الردهان وإشراف فني المخرج علي العلي.
يذكر أن عروض المهرجان تبدأ غدا الأحد، وتستمر حتى 23 الجاري، تقام على فترتين الساعة 5:30 مساء والساعة 8 مساء على مسرح الدسمة يعقبها ندوات تطبيقية.

  تجدر الاشارة الى ان المونودراما هو فن من الفنون الدرامية، وهو من أشكال المسرح التجريبي التي تطورت واتسعت رقعتها خلال القرن العشرين، وهي قائمة على ممثل واحد يسرد الحدث عن طريق الحوار.

---------------------------------
المصدر : فادي عبدالله - الجريدة 
تابع القراءة→

"مي نور الشريف": المسرح شكل الجزء الأهم في حياة والدي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, أبريل 16, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

قالت الفنانة مي نور الشريف، إن فن المسرح شكل جزءًا كبيرًا في حياة والدها الراحل نور الشريف، موضحةً أنه عشق المسرح أكثر من أي فن آخر، لما يمنحه هذا المجال من خبرات حقيقية للممثل.

وأضافت "مي"، في تصريحات خاصة لـ "الدستور"، اليوم الجمعة، أن عدم معرفة البعض بالجانب المسرحي في حياة نور الشريف، يرجع إلى سطوة التليفزيون على الحياة العامة في مصر، حيث إن الدراما تذهب إلى كل الناس بقوة أكثر من أي شئ آخر حتى السينما، مشيرةً إلى أن شقيقتها سارة، ورثت فن الإخراج المسرحي وعشقها للمسرح من والدها.

وأعربت عن سعادتها لتكريم اسم والدها، وتكريمها هي شخصيًا في مهرجان مسرح الجنوب، والذي تشهده مدينة الأقصر هذه الأيام، مشيرةً إلى أن الشكل الاحتفائي بفن المسرح، مهم للغاية، وبالتحديد خارج القاهرة.

وأشارت إلى أن الأقصر مدينة مؤهلة لاستقبال أحداث عالمية، وليست فقط محلية، وأنها تحرص دائمًا على تشجيع الأحداث الفنية في أولى دوراتها، حتى تفرض نفسها على الواقع الثقافي.

وكشفت أنها تستعد في الفترة الحالية، لإعداد نفسها كمخرجة أفلام قصيرة وتسجيلية، وأنها مشغولة في الفترة الحالية بتحصيل كم كبير من المعلومات عن هذا المجال، من خلال عدد من الورش المتعلقة بالإخراج والتمثيل.

يذكر أن المهرجان المسرحي الأول لشباب الجنوب، والذي تُقام فعالياته في الفترة من 13 وحتى 17 إبريل الجاري بمدينة الأقصر، كرم خلال حفل افتتاحه اسم الفنان نور الشريف، بالإضافة إلى تكريم نجلته مي.

------------------------------------
المصدر : محمد نبيل - الدستور

تابع القراءة→

الجمعة، أبريل 15، 2016

رؤى بصرية متعددة لسينوغرافيا عرض "الخرتيتRhinoceros" ليونسكو / د. راندا طه

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 15, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

    آمن يوجين يونيسكو [1]Eugène Ionesco, وزملاؤه من كتاب مسرح العبث، ومنهم صموئيل بيكيت، وفرناندو ارابال، وآدمون، وغيرهم، بأن الذين وقفوا مع هذا العالم بشكل جاد لم ينجحوا كثيرا ، كما رأى أن التعامل الأمثل معه بالسخرية، والعبث. فالعالم فى وجهه نظر يونيسكو لا يمكن أن نأخذه بشكل جدي. فهو يوشك فرط ما به من سخف أن يثير الضحك والسخرية ، لذا اعتمدت نصوص يونسكو بشكل عام علي المفارقة اللغوية التي تتم عبرها تعرية الواقع في محاولة لجر المتلقي الي عملية مواجهة مباشرة مع القيم الفاسدة والمستهلكة التي أخذت تحاصره وتفرض عليه أنماطا خاصة من السلوك والتفاعل.و تنتمي نصوص يونسكو في عوالمها وتصوراتها الي عالم وتيار( اللامعقول), ولكنها في معالجاتها وأطروحاتها تنتقي نماذج متنوعة من هموم وتداعيات الإنسان المعاصر بأزماته وغربته الذاتية والاجتماعية.[2]

  ومن عالم اللامعقول وُلدت فكرة مسرحية " وحيد القرن" أو "الخرتيت" من خلال خطاب تلقاه "يونسكو" من صديق له يعيش فى ألمانيا النازية ، حيث تزاحم  الناس لرؤية هتلر ، فوقع عدد من الحوادث كأصطدام سيارة رجل عجوز بطفل صغير واللذى مات فى الحال ، وسقوط سارية علم شرفة بها أسرة كاملة فماتت الأم والخادمة وكلب صغير .....وغيرها من الحوادث ،وفى نفس الليلة رقص أهل المدينه وشربوا وتشاجروا حتى مات أربعون شخصاً من العربدة . وهذه هى الحوادث التى أدت لولادة مسرحية الخرتيت والتى وقعت أحداثها فى ميونيخ بألمانيا عام 1938 م .[3] فمن هذه الحوادث استوحى يوجين يونسكو قصته القصيرة التى تحولت فيما بعد لمسرحيته "الخرتيت"، وهى مسرحية واقعية استخدم فيها الرمز ، وهى مكونه من ثلاث فصول مبنية على بداية ووسط ونهاية .

     و تجري احداث هذه الكوميديا المرعبة والتى كتبها يونسكو عام  1959م  في مدينة فرنسية صغيرة مغمورة هي في طريقها إلي الجنون, يشهد سكانها عددا من الخراتيت تتجول في شوارع مدينتهم, تعطي انطباعا بأنها هاربة من حديقة حيوانات, لكن الحقيقة التي سنتعرف عليها لاحقا, أن سكان هذه المدينة أنفسهم كان قد نمت علي جباههم فجأة قرون طويلة, وتصلبت جلودهم واستحالت سحنة بشرتهم إلي لون أخضر داكن, ومسخوا جميعا, في الآخر, إلي قطيع من الخراتيت, صار يعبث في شوارع المدينة وبيوتها محيلا إياها إلي دمار.لكن, من بين جميع سكنة هذه المدينة, يصمد شخص واحد فقط اسمه بيرانجية, يبقي محتفظا بآدميته, لأنه لم يكن قادرا علي أن يتحول إلي خرتيت, ولأنه يرفض, في نفس الوقت, الانصياع لمذهب الامتثال للتقاليد وتبلـد المشاعر.[4]


       يبدأ العرض بموقف غير واقعى إلى حد الاستحالة ،وفيه يدور حوار بين (جان)و(بيرانجيه) ويبدو من الحوار أن (جان) غير راضى عن (بيرتنجيه) وأثناء الحوار تُسمع ضجة يُحدثها خرتيت ضخم مندفع للمكان قاتلاً قطة فى طريقه ، ويصاب الناس بالفزع وتدور أحاديثهم حوله دون أى رد فعل مضاد ، وعلى الرغم من استحالة الموقف إلا أن المؤلف يستمر فى تنسيقه وتطويره بما يزيد من استحالته ، وفى الجانب الأخر تجلس فتاه تبكى قطتها التى داسها الخرتيت فماتت ويشاركها أهل المدينه البكاء وتقام جنازة مهيبة للقطة وتدفن، ويستكمل (جان) و(بيرانجيه) حديثهما حتى يثور (بيرانجيه) ويعود لكأسه وينصرف (جان) غاضباً ، والبدايه عنيفة تصيب المشاهد بالصدمة المفاجئة وتتوالى الأحداث وذلك من داخل المكتب حيث يعمل (بيرانجيه) –الشخصية الرئيسية- ومعه عدد من الزملاء ، ونعرف من حديثهم أن خرتيتاً حطم سلالم المبنى ، ونكتشف كونه زوج لإحدى الموظفات بالمكاتب وتُدعى (السيدة بويف).

    ويتحول المشهد لحجرة (جان) وهو يشكو الحمى ويتحول شيئاً فشيئاً لخرتيت ويحاول صديقه (بيرانجيه) الهرب إلا أنه يكتشف أ، الخرتيت فى كل مكان ، ويستبد الفزع بـبيرانجيه وتتركه (ديزى )حبيبته وتعلن إنضمامها للخراتيت ، ويبقى (بيرانجيه) – رمز الإنسان فى مواجهه التدهور الإنسانى معلناً مقاومته لكل الخراتيت.[5]

    اعتبر الكاتب الروماني الأصل الفرنسي اللغة "يوجين يونسكو" مبدعًا عندما كتب مسرحيته "الخرتيت " عن مجتمع من  فاقدي الحس والذوق والعقل والشعور، تتحول فيه خِلَقُ البشر إلى ملامح خرتيتية.[6]
وتحرر فيها يونسكو من كل القيود فى تتابع الأحداث ، وقام بشحن العواطف المختلفة تجاه (بيرانجيه) ومن حوله شحناً مطرداً ليصل لنقطة الذروة وهى تحول كل من حوله إلى خراتيت – رمز كل ماهو فاسد- وفى النهاية التى يمكن أن تعتبر الحل وهو اتخاذ (بيرانجيه) القرار بمواجهه الخراتيت . وتمتاز الشخصيات بتطورها من خلال أفعال وقرارات تتخذها ، والإيقاع المسرحى يمتاز بالتدرج من البطء المنتظم ويزداد فى النمو حتى يصل لإيقاع جنونى.[7]

      يشير "يوجين اونسكو"  فى مسرحيته "الختيت" إلى النازية دون أن يذكرها بالإسم. وهو يرمز ليس فقط للنازية إنما إلى أية فكرة طارئة فاشية أو دكتاتورية أو أية حركة تسير بعكس اتجاه حركة الواقع والتي لن يوقفها عن النخر في المجتمع سوى الوعي . وقد استخدم يونسكو الخرتيت كمجاز شعري للوحشية المتأصلة في الكائن البشري, وأيضا بمثابة استعارة للتعبير عن لامعني الكون, إن الخرتيت يمثل معا, طغيان الاستبداد وبربريته, ولامعقولية الواقع الذي يستطيع أن ينتج مثل هذه المسوخ  .وقد وصف يونسكو مسرحيته هذه بأنها مسرحية مضادة للنازية, وقد قيل إنها تجسد مشاعره قبيل مغادرته رومانيا عام1938, حين أعلن الكثير من معارفه من المثقفين عن ولائهم واستسلامهم للحركة الفاشية والنازية قبل وبعد الحرب العالمية الثانية, إلا أن السبب الذي دفعه حقا لكتابتها, هو ببساطة, ليس نقداً مباشرا لرعب النازي, بقدر ما هو الكشف عن ذهنية أولئك الذين استسلموا لذلك النازي واستجابوا لأفكاره وقيمه, لذا فإن وباء الخرتتة إذا جاز لنا أن نستخدم هذا التعبير, يستغل هنا كنوع من الترميز المناسب للتعبير عن تلك الجمهرة التي أنتجها ظهور النازية والفاشية علي حد سواء.[8]


     ففى عرض "الخرتيت" للمخرجة آمى شامبرج Amy Shamburg ،واللذى أقيم عام 1999 م  ويميل للعبثية ، يبدو المكتب وقد عُلقت كراسيه ومكاتبه فى وضع غير طبيعى . ولقد تأثرت المخرجة بعبثية النص ولا معقوليته ، وعبرت عنها بهذا المشهد العجيب اللذى انقلبت فيه المعايير تماماً كإنقلاب المكاتب ، وشكلت هذه الكتل المعلقة والمائله فيما بينها العديد من المستويات المتقاطعة فى تكوينات أقرب للتكعيبية تتصارع وتتلاحم وكأن الهدف هو تحليل الكتل المختلفة وإعاده النظر لها من جديد بتجميعها مرة أخرى بشكل جديد فى المنظر المسرحى .أما الإضاءة فتتراوح بين الأبيض وتدريجات الرمادى الشاحب .
    
  كما نلحظ اختلاف طرز المقاعد والمناضد دلاله على محاولة المخرجة كسر مفهوم المكان والزمان ، فما يحدث فى العرض يحدث فى كل زمان ومكان . أما المشهد الثانى نلاحظ أن المخرجة حولت المكاتب إلى سرير فى مشهد حجرة (بيرانجيه) ، والأزياء عبارة عن خليط من الطرز المختلفة لتأكيد عالمية المعاناة التى يلاقيها الإنسان – (بيرانجيه) فى العرض- أمام الفساد بكل صوره وأشكاله.

     أما المخرج "إيمانويل ديمارسى  Emmanuel Demarcy " فقدم فى عام 2004 معالجة للعرض ، وأقام فيها  جسر فى حاله الإنهيار يعلوه مكتب ، وانهيار الجسر بسبب ما أحدثه الخرتيت من دمار للمكتب- رمز للعالم المتحضر – ودلاله على انهيار القيم من وجهه نظر مخرج العرض . وتزاحم الممثلون للهرب فى حاله من الفوضى وعدم الإتزان ومحاوله منهم فى مقاومة الإنهيار بصعوبة . والمنظر فى مجمله أقرب للإتجاه البنائى اللذى يركز على التركيبات المعقدة والكتل الموحية بالصدام والتصارع ، كما استخدم الإضاءة المركزة والشاحبة والتى تزيد من التوتر فى المشهد مع إظلام خشبة المسرح بحيث لا تظهر الحدود بين الخلفية والمنظر دلاله على اللامكان ، كما ألغى الإحساس بالزمن للتأكيد على عالمية الحدث فى أى زمان وأى مكان ، مؤكداً على ذلك الإحساس بالإزياء المتنوعة وغير محددة الطرز.

     أما المخرج "تيرى دونوفن سميث Terry Donovan Smith" فبدأ فى معالجته البصرية للعرض بظهور مقهى فى المشهد الأول ْ يدور فيه الحوار بين (جان ) و(بيرانجيه) وعدد من الشخصيات مثل المتفلسف بأقوال جوفاء (المنطقى) بالإضافة لرجل أنيق ، ثم نجد فتاه تبكى على مقتل قطتها بسبب الخرتيت. ولم يحدد المخرج زمان أو مكان للعرض وهو مايعد أحد سمات الإتجاه العبثى ، وإنما أحدث تغيراً بسيط فى إضاءه السيكلوراما دلاله على تغير الحدث دون تحديد زمنه ، أما المبانى فى الخلفية فقد ابتعدت عن تحديد طراز خاص بها لنفس السبب ، والإضاءة تتدرج فى خلفية المشهد باللون البرتقالى دلالة على  بدايه حدوث توتر وقلق من ذلك الخرتيت المجهول اللذى يقتل ويدمر ماحوله ، ولقد إلتزم المخرج إلى حد ما بطرز الأزياء الأوروبية الخاصة بمنتصف القرن العشرين .


     بالمشهد الثانى يظهر (بيرانجيه) فى حجرة المكتب مع زملاءه ثم نرى الموظفون عند اندفاعهم لرؤية الخرتيت من خلال بئر السلم (الفتحة بإرضية المسرح) اللذى أثار رعب زميلتهم السيدة"بويف" ودمر سلالم المبنى ، وفى المنظر التالى تتعرف السيدة بويف عليه بإعتباره زوجها اللذى تحول لخرتيت وتُلقى بنفسها إليه. والتصميم رمزى بسيط حيث ثُبت المكتب فى منتصف المشهد على إرتفاع عالِ –رمزاً لتحكم رئيس العمل (بابيون) فى موظفيه – واستخدم الإضاءه الزرقاء بكثافة تخيم على المشهد لتعطى الإحساس بقرب وقوع الكارثة . والإضاءة تُحدث تقاطعات ومستويات متداخلة من الأشكال والخيالات لإعطاء الاحساس بالتوتر والقلق من هجوم الخرتيت على المكتب. وتسرح الشخصيات المساعدة الموجودة فى المشهد فى الظلال فيما يمثل تأثراً بتقنيات الإتجاه التعبيرى.

      المشهد الثالث عبارة عن حجرة نوم (جان) واللذى يعانى فيه من الحمى ويبدأ فى التحول للخرتيت أثناء سماع الأصوات والحركات الغير إنسانية – تقنيه تعبيرية الإتجاه- وإلى جواره صديقه (بيرانجيه) ورغم واقعية المكان إلا أنه تخيم على المكان إضاءة برتقاليه لتوحى بالتغير والتحول الحادث فى شخصية (جان). وبالمشهد الاخير يتحدث (بيرانجيه) فى مونولوج داخلى ليخبرنا بكونه سيتصدى للخراتيت ، ويميل المشهد للاتجاه للاتجاه التعبيرى ، كما أظهر التصميم والإضاءة الصراع الباطنى فى نفس(بيرانجيه) –رمز الانسان السوى. والتصميم عبارة عن منظور من الحوائط المائلة والمسددة بقوة لأعلى ولداخل المشهد فى جوانبه للدلالة على احاطة الفساد والضغوط بالإنسان ،. وتتداخل الخلفية مع الحجرة  بدون حدود فاصة، ورُكزت الإضاءة على البطل دون إظلام لمنصة المسرح ، وتدرجت الإضاءة من مساحة لإخرى تعبيراً عن تنوع البشر وتدرجهم فى القرب أو البعد عن الفساد.

[1] -   يوجين يونسكو (1909 -  1994 ) ولد يونسكو في رومانيا لأب روماني وأم فرنسية وتنقل بحياته بين رومانيا وفرنساوهو مؤلف مسرحي روماني-فرنسي يعد من أبرز مسرحيي مسرح اللامعقول، بالإضافة إلى السخرية من عبثية أوضاع الحياة فإن مسرحيات يونسكو تصف وحدة الإنسان وانعدام الغاية في الوجود الإنساني ,   ومن اهم اعماله المغنية الصلعاء والخرتيت وماكبث وغيرها من الاعمال المسرحية.

تابع القراءة→

الخميس، أبريل 14، 2016

الجينات السينمية في الرؤى القصبية/ د. يوسف رشيد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 14, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


ينفتح الخطاب الفلسفي عند (صلاح القصب) على منظومة بصرية متشابكة الرؤى لشدة ما تضج به من محمولات علامية تتدفق أحيانا وتنفجر أحيانا أخرى  لتفضي إلى رواق ابستمولوجي ينم لك عن حس جمالي كلما توافرت على ذائقة فعالة المجسات وكلما توافرت على أفق تأويلي لهذا الحلم الإبداعي الأجمل. فسيناريوهات (القصب) صور وأحلام (سينمائية) ينضدها نساج رؤية جمالية , بخيوط هلامية وعالم جمال ظاهراتي عرف كيف يخترق اللامنطق بالحدس , وشاعر بصري يتأمل في بحر متلاطم من صور وفضاءات يكتنفها الغموض الذي يتأسس على رعب من الانفجارات الكونية في قوتها الجمالية حيث يرى القصب (إن أسلوبه الذي يتحرك في رأسه كالزئبق هو الجغرافيا اللانهائية القادرة على اكتساح كل شيء بقوة الموسيقى).
لذا فأن سيناريوهات القصب هي بوصلة فريدة تشير باتجاه متاهات التأمل عبر حوار راق وصور, عسيرةٍ على من يريد الإمساك بتفاصيلها المثيرة لمفاجئات  التأويل والتوقع التي تنطوي على درجة عالية من التفعيل للمخيلة.
أنها المتاهات التي بلا شك (تخترق الزمن لتشكل زمنها الخاص بها وتضيء بتجلياتها أعماق الروح)  ..
إنه وحده الذي يرى أسرابا من الشخصيات تحلق حينما يرسم قصيدته ففي كل منها حلم , ولكل منها حلم يشارك روح القصب إذ يراها كأشرعة في فضاءات لا نهاية لها.
من هنا صار التمثيل عنده حركة ولون وطقس في بودقة التجريب , تلك التي يعترف أحيانا بأن تشكلاتها لا يدري ما الذي ستفضي إليه ,لأنها في حالة تشكل دائم تحكمه الاستقبالات الطبيعية ولحظة التدفق الجمالي، فالتمثيل عند (القصب)  يرتبط بالزمن ، فهو حركة الكتلة واللون والظلال والضوء والممثل في حركته الداخلية التي تفسر ظاهرة الوجود الإنساني التي تدخل ضمن حركة الحضارة بكاملها.
فهو يتمتع بقدرة كبيرة على التراسل الكوني في فضاءات تتسع لكل اللحظات بامتلاك حقيقتين, إحداهما قادمة من الداخل, والأخرى قادمة من الخارج.
ففي سيناريو (مصحات الذاكرة) مثل تجدً “موتى وبحر ظلمات و بروفسور وغوص في محيطات الذاكرة وسقوط الدقائق في عينيه قبل إن تحمل نبأ موته”. وغيره من السيناريوهات في مغايرةٍ لمنطوق افتراضي تأويلي وشبكة من التكوينات والإشكال والأنسجة التركيبية الغامضة بقصدية أو بعفوية. إنه المهرجان الصوري المؤسس على مغايرة البناءات المنطقية – فالتوابيت الزجاجية المملوءة بالمياه وجوق من الموسيقيين العميان وجنرالات حرب مهزومين , نجدها وغيرها , في حقول من الانثيالات الدلالية , كأجساد عارية تقود دراجات نارية, وطقوس سحرة, ومهرجون, وجنيات جميلات في الجزر المسحورة، كلها أرواح يبثها القصب في سيناريوهاته عبر عملية تصيد لكل اللحظات الهاربة التي قد تبدو في مظهرها الخارجي عشوائية, إلا إن جوهر المكون الجمالي يرتب قصديات هذا التصيد ويجدوله كلما تمعن النظر في شخوصه التي لا تشخص نفسها وإنما يشخصنها وجودها في هيئة الحلم (القصدي).
ففي عوالم (القصب) مباحة كل الأسفار حيث خلخلة الثوابت ونسفها القصدي الذي يستحث على التأمل لفرضيات دائمة الحركة ومضامين جمالية لبحث دائم عن معنى المعنى في التشكلات.
إذا إن الصورة التي ينشدها (القصب) تعتمد شعر الفضاء ,الذي يصبح قادراً على خلق أنواع من الصور المادية التي تساوي صور الكلمات.
و من هنا يكون للايديولوجيا الجمالية (للقصب) حضوراً يستحث الآخرين أن يترسموا خطاه, رغم إن أكثرهم قد بقي في حدود خلق المجابهة مع المتلقي لتحريك آليات الوعي الذاتي , إلا إن هذه الصور تبقى قاصرة لدى متبعيه, لأنه (هو الذي رأى) بأن الصورة تعتمد الشعر الصعب المركب لذا فهي تستبدل شعر الحوار بشعر الفضاء. عبر استحضار (الروحية السرية) أو (الروح غير الظاهرة)، فالكلمة عنده (تموت بعد نطقها لكن الصورة هي التي تفسر أو توضح المنطوق السمعي لهذه الحوارات إلى لغة بصرية متحركة) وأن الشكل عنده هو:–لغة- نبض- روح مطلقة غير محددة, وأن العرض المسرحي لديه، كلمة تعادلها حركة في فضاء ملون مضاء بشبكة الإشارات والدلالات غير القصدية والقصدية معاً في حركة مستمرة. ومن الجدير بالذكر أنه استطاع أن يوضب الحالة البصرية لمتلقي عروضه, حيث اتسمت أعماله الأولى بإعطاء المشاهد فرصة أن يكون في حالة استرخاء وكان الذهن بعدها يركب , إلا أنه في (مراحل أخرى) صار التفاعل بين المشاهد والعرض مشتت جداً إذا بدأت عند عمليات صعبة كما هي المعادلات الجبرية واكتشاف مفردات وحروف أبجدية لغة منسية , لذا فإن المراحل الأخيرة صارت تستدعي من المشاهد تفعيل آليات التلقي بجهد غير اعتيادي للتواصل مع هذا التدفق المستمر لاشتغالات الخطاب البصري.
أخيرا لابد أن نقول إن النتاج الإبداعي لهذا المهذار الجمالي الذي لا يجيد البوح دائماً إلا بما هو أجمل هو إبداع  , يمكن لمن يتأمله عبر مسافة جمالية أن يجد (تعرضناته) أو تداخل عروضه في أسس نوجز بعضاً منها هنا.
* أولا :
– إن شخوصه هي ملتقى لهم جمعي للإنسان المقدس أينما كان في حضرة الثقافة البصرية التي تشيدها عروضه مثل – مثقف في محنة النظر إلى العالم- عازف متوحد- فيلسوف مستلب- محنة المتسلط راكب الدراجة البخارية- ساحرات. جموع المتسكعين والمجانين والعميان وغيرهم من الشخوص. التي اقتبس منها الكثير ليعيد تشكيلها من عرض لآخر, فيما يسمى باليات التناص (بالاستدعاء القصدي المتغاير).
* ثانيا ً:
– قصدية البحث عن المفردة الأكثر ادهاشاً والعمل على استثارة الطاقة الوظيفية لتلك المفردة –الآلات الموسيقية مقطعة الأوتار –عربات قمامة – سيارات – معاول – ومصابيح إضاءة- (قطع قماش وأشرطة سللويد فلمية وربما كومبيوترات مستقبلا).
* ثالثاً:
– وحدة غياب النص وتماهي المضمون الصريح في وحدة الشكل أو تنوعاته بالجنوح صوب التعبير بالضوء, ولسينوغرافيا العرض واشتغال اللون بوظيفة تعبيرية مفتوحة مجاورة , تجافي المألوف أحيانا في أنفتحها بالضوء والزي والشكل والسينوغرافيا والجو العام.
ذلك هو (صلاح القصب) أيدلوجيته في التحريض هي التحريض الجمالي واستثارة عوالم الجمال والتصدي لا بشع الأهوال التي تواجه البشرية في هذا الكون المتلاطم سلاحه ريشة رسام وروح نقية قل نظيرها.

تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9