أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الأربعاء، مايو 25، 2016

دور المتلقي في العرض المسرحي العراقي المعاصر / د. محمد عباس حنتوش

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 25, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

مشكلة البحث 
المسرح دون متلقي يفقد وجوده، لذا سعى مقدمي النتاج المسرحي منذ البداية إلى إيجاد ترابط مصيري بين العرض المسرحي ومتلقيه، بغية إنشاء علاقة وشيجة تهتم في رصد متطلبات الذوق السائد للمتلقين وإنشاء صيرورة البنى الفنية للمسرح بما يتواءم وتلك الأذواق مع وجود حرية متأصلة في ذات الفنان المسرحي في أن تكون المنطلق في بلورة أسلوبية التعاطي مع تلك الذائقة ورسم خطى العمل المسرحي.
وسعيا من المخرج المسرحي الذي يمثل بؤرة استقطاب للمنجز النصي المكتوب ومنطلقا للعرض المسرحي، إلى بناء العرض المسرحي وفق منطلقات التشويق والإتيان بما هو جديد، واضعا في حساباته إلى من سيقدم عمله وما هي متطلبات محاولة بلوغ النجاح الذي يجده في ردود فعل متلقيه فهم الأقدر على منحه صفة نجاح عرضه المسرحي أو على الأقل أن يثير جدلهم حول ما تم تقديمه ليشكل ذلك الجدل دفعا نحو مستويات التأثير الفني للعرض   المسرحي.
ولان العرض المسرحي وفق صيرورته الفنية لا يستغنِ عن متلقيه، لذلك كان لابد أن يكون المتلقي عنصراً من عناصر العرض المسرحي، وليس حالة منفصلة عنه، وان كان هو كذلك منذ نشأت المسرح إلا انه اتخذ إشكالاً مختلفة، تناسبت مع متطلبات التجديد المسرحي وسعي المخرجين إلى تقديم عروض متميزة تطلبت في كل مرحلة من المراحل التاريخية للمسرح ومع أسلوب كل مخرج نوعا من إشراك المتلقي وفق مستويات مختلفة تحدد نوع دور المتلقي في العرض المسرحي.
وبما أن المسرح العراقي لا يختلف في مسالة أهمية المتلقي، لذا وضع المخرج العراقي في حسابه الفني وجود المتلقي عند سعيه نحو تقديم عروضه المسرحية، ومن اجل الوقوف عند حقيقة مستويات وجود المتلقي كدور في العرض المسرحي العراقي، والى أي مقاربة بلغ في إشراك دور المتلقي تماشيا مع التطور الذي بلغه المسرح العالمي، كان لابد من دراسة ذلك بغية توضيح واقع دور المتلقي حاليا، وإذا ما كان يناسب الواقع الفني العراقي وطموحه، ومن هذا المنطلق تتحدد مشكلة البحث بالاستفهام الآتي:
ما دور المتلقي في العرض المسرحي العراقي المعاصر؟ 

أهمية البحث والحاجة إليه 
تتركز أهمية البحث الحالي في إبانة واقع دور المتلقي في المسرح العراقي بما يرضي جدلية الواقع والطموح وما يمكن أن يبنى على هذا الواقع مستقبلا وفق سعي المخرج العراقي نحو التجديد والمواكبة العالمية ومنح اللمسة المحلية المميزة في معالجة عناصر العرض والتي يدخل المتلقي فيها دورا أساس .
أما الحاجة إليه فتكمن في انه يفيد دارسي المسرح . مع إمكانية إفادة المتلقي في سعيه نحو مشاركة مميزة بالعرض المسرحي العراقي .
هدف البحث
يهدف البحث الحالي إلى :
 تعرف دور المتلقي في العرض المسرحي العراقي .
حدود البحث
الزمنية : 1985-2000.
المكانية : العراق – بغداد .
الموضوع : دراسة دور المتلقي في العرض المسرحي العراقي من حيث نوع مشاركة المتلقي بالمقاربة مع أنواع المشاركة في المسرح الغربي.
تحديد المصطلحات 
أولاً:تعريف الدور:
 يعرفه الجرجاني بـ" توقف الشيء على ما يتوقف عليه ".[ -*** : المعجم الفلسفي ،تصدير:إبراهيم مكور ،(القاهرة: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ، 1983م)، ص85.]
ويعرفه صليبا "..هو توقف كل واحد من الشيئين على الآخر،..."[ -صليبا (جميل):المعجم الفلسفي ،ج1( لبنان – بيروت: دار الكتاب اللبناني ،1982م )،ص567.]
ويعرفه برنس "موقع شكلي يشغله "عامل" ..على مدار مساره السردي .. ".[ -برنس(جيرالد):قاموس السرديات ،ط1، ترجمة :السيد إمام (القاهرة : ميريت للنشر والمعلومات،2003م)،ص10.]
تعريف الدور إجرائياً  : وهو فعل اشتراك المتلقي مع العرض المسرحي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر والذي يفرضه العرض وفق أسلوبه الإخراجي.
ثانياً:تعريف المتلقي :
يعرفه برنس "هو الذي يتلقى (في النهاية)"الموضوع"..الذي كانت "الذات"..تبحث عنه"[ -برنس(جيرالد):المصدر نفسه، ص164.].
تعريف المتلقي إجرائياً : هو الشخص الذي يستقبل ويتفاعل بكافة مدركات تكوينه الذاتي مع ما يرسله العرض المسرحي .
الفصل الثاني
المبحث الأول : دور المتلقي ( مفهومه وأنواعه )
إن بحث ماهية دور المتلقي تستدرج كثيرا من التقسيمات التي توحي بمقاربات ممكنة تتيح فرصة إيجاد تصور عن مفهوم وأنواع دور المتلقي . فالمتلقي يمثل شخص يتعامل مع الخطاب بغية فك شفراته عبر تواصل فكري وجمالي معه ، محاولا استثمار معطيات الخطاب وممكناته لإعادة إنتاجه من جديد.[ - ينظر : خرماش ( محمد) : مفهوم القارئ وفعل القراءة في النقد الأدبي الحديث ، (في: مجلة الأقلام ، بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة ، وزارة الثقافة والإعلام ، عدد ( 5 ) ، 1999) ، ص 20 .] 
كما يمكن ان يكون دور المتلقي مجرد استقبال الخطاب بمنعكسات نفسية يترك للخطاب تفسيرها وفق طبيعة نوع الخطاب وأسلوب طرحه .ومن اجل تحديد أنواع مشاركة المتلقي في تعاطيه مع الخطاب ، يمكن إيجاد مقاربة مع معطيات ابرز نظريات التلقي ، وكالاتي :
1)المتلقي عند ايزر
المتلقي وفق مفهوم (ايزر) وهو المتلقي الضمني (Lecture Implicit  ) والذي يجسد جميع الممكنات المسبقة التي يتطلب توفرها في الخطاب بغية ممارسة فعاليتها التأثيرية على المتلقي بوصفه بنية أساسية في متن الخطاب تستدعي حضوره دون أن  يكون محددا بالضرورة ، وبذلك يتم التأسيس مسبقا لدور المتلقي وفق خصوصيته ، ويتكشف  ذلك عندما يبدو الخطاب في توجه نحو تجاهل المتلقي المفترض ، لذا يوحي مفهوم المتلقي الضمني إلى منظمة معلومات تتطلب أسلوبا يفرض على المتلقي فهم الخطاب .[ - ينظر : ايزر ( فولفغانغ) :  فعل القراءة نظرية جمالية التجاوب في الأدب ، ت : حميد الحمداني وآخر ، (البيضاء .مطبعة النجاح الجديدة ، 1987 )، ص 30 .] 
    كما يرى (ايزر) في المتلقي الضمني انعكاس لذات منجز الخطاب، بحيث تكون منفصلة عن ذاته المقيدة المرتبطة بضرورات المحيط الموضوعي والامتزاج مع المحيط التخيلي ، بشكل يحقق موضوعية الخطاب بحيث تتحول إلى أفكار متحاورة في أي خطاب غير مقيد بذاتية منجز الخطاب الفعلي .[ - ينظر : خضير (ناظم عودة) : الأصول المعرفية لنظرية التلقي ،ط1 (الأردن –عمان : دار الشروق للنشر والتوزيع ، 1997)، ص 159 .]      
إن وجود المتلقي الضمني افتراضي ، إذ يمثل المعلومات المستبطنة للخطاب بمقومها التخيلي ليمنح فعل التلقي ضمن تصور المواجهة المباشرة مع الخطاب ، ليتأسس فعل التلقي بفعل استقبالات فكرية وجمالية للخطاب . [ - ينظر : سلون (رامان):  النظرية الأدبية المعاصرة ،ط1، ت : سعيد الغانمي ،(بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر  ،عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع  ، 1996 )، ص 34 .]                 
يشكل المتلقي الضمني بنية خطابية وفق (ايزر) بفعل النشاط الإدراكي لدور المتلقي في استناده للمعلومات الممكن استنتاجها من الخطاب والتي تتاح لكل متلقي بحيث تشكل بناء المعنى بذات الأسلوب لكل المتلقين ، والتباين يقتصر في نسبة فهم المعنى وفق الفروق الفردية للمتلقين في تعاطيهم مع الخطاب .[ - ينظر : سحلول ( حسن مصطفى) : نظريات القراءة والتأويل الأدبي وقضاياه ،(دمشق: اتحاد الكتاب العرب ، 2001 )، ص 34 .]           
وبذلك يكون المتلقي الضمني فعالية تتخلل بنية الخطاب ، تتأسس وفق علاقة جدلية بين المتلقي والخطاب بشكل يحقق تفاعلات فكرية وجمالية تنتج عن فعل التلقي الذي ينفتح على التأويل في محاولة التفسير واستكمال المعنى بغية سد الفجوات المعرفية ضمن تكوينات شكلية موحدة ومعاني متجددة .[ - ينظر : سلون ( رامان) : مصدر سابق ، ص 34 .]             
2)المتلقي عند إيكو
رأي ايكو عن المتلقي يتجسد بمفهوم المتلقي المتعاون (  Lecture Cooperate) انطلاقا من فعالية المتلقي في ردم فجوات الخطاب وتنشيطه واستكشاف مقولاته المستترة وتحسس ممكناته التأويلية  التي عدها منجز الخطاب لمتلقيه ، إذ تعامل ايكو مع المتلقي بوصفه عنصرا محايثاً للخطاب فلا وجود للخطاب دونه .[ - ينظر : خرماش ( محمد) : مصدر سابق ، ص 21 .] لان المتلقي يلعب دورا أساس في استنباط المعنى وكشف شفراته المهيمنة على نسيج الخطاب ، وبذلك يكون المتلقي المتعاون النموذجي عنصر تخيلي لا يشترط ارتباط واقعي .[ - ينظر : خضير (ناظم عودة) : مصدر سابق ، ص 160 .]          
وبذلك يجد ايكو في متلقيه حزمة محددات تحفز فعل التلقي بحيث يجسد حالة التوفيق التي تتكون في الخطاب وفي تحققها يتحول الخطاب إلى مستوى جمالي أكثر ، فالمتلقي يستجيب لمثيرات الخطاب سواء كانت واضحة أم مستترة .[ - ينظر : سحلول (حسن مصطفى) : مصدر سابق ، ص 36 .]         
يمتلك المتلقي المتعاون إمكانية إدراك الخطاب وفق تكوينه الذاتي مستندا لممكناته التأويلية في سد الثغرات الخطابية وفق ما يفترضه من متطلبات يثري بها الخطاب بمعاني منفتحة لا متناهية تثير التأويل انطلاق من الخطاب الذي يمثل منجزا يمكن إدراك معانيه بصور متنوعة.
3)المتلقي عند ريفاتير 
ارتبط مفهوم المتلقي عند ريفاتير بـ(المتلقي الافتراضي) ( Lecture Virtues )والذي يمثل متلقي شامل يتطلبه الخطاب بقمة مستوياته لما يمتلكه من إمكانية الإفادة مما يتضمنه الخطاب بأقصى ما يمكن ، فالمتلقي الافتراضي جامع لكل المتلقيات ويمكنه تعرف الحقائق الخطابية المساندة لإدراك الأسس المتركزة بفعل تراكيب ردود الأفعال المتلاحقة ، بسبب فعالية الإدراك التي تنشا مع التعاطي الأسلوبي للخطاب في سعي لإبانة نسقه وتقصي معانيه المستترة ومعالجة تناقضاته المتسلسلة . [ - ينظر : خرماش ( محمد ) : مصدر سابق ، ص 21 .]   
يسعى ريفاتير إلى إيجاد مزيج جامع لتنوع المتلقين من خلال المتلقي الافتراضي أو الجامع ، إذ يمثل نسق جامع للمتلقين في بؤرة خاصة ضمن الخطاب المدرك لإلغاء الاختلاف الإدراكي الذاتي لكل متلقي وجمعه في نسق خطابي تواصلي ينشا من الخطاب نفسه بفعل أسلوبه والمرتكزات المبدئية المنبثقة من الخطاب والتي تتكشف بفعل المتناقضات التي يكشف عنها المتلقي الافتراضي . [ - ينظر : ايزر ( فولفغانغ) : مصدر سابق ، ص 24 .]            
4)المتلقي عند فيش
يشترط فيش توفر خصائص محددة عند متلقيه المسمى (المتلقي المخبر) بحيث يمتلك المتلقي إمكانية فهم الخطاب عبر التكافؤ بين طرفي التلقي (المتلقي –الخطاب) بحيث يمتلك المتلقي إمكانيات لغوية تتناسب ونسق اللغوي للخطاب فضلا عن خبرته الأدبية والمرجعية القاموسية لفهم دلالات الخطاب من اجل بلوغ معناه من خلال فهم الخطاب وأسلوب طرحه بحيث يتيح فهم الظاهر إلى فهم الباطن في الخطاب  . [ - ينظر : خضير (ناظم عودة) : مصدر سابق ، ص 161 – 162 .]           
يتطلب من المتلقي المخبر مراقبة رد فعله خلال عملية التلقي للإحاطة والسيطرة على فعالية التلقي التي تؤدي إلى إدراك المعنى ، لان الإدراك المقتصر على البنية الظاهرية هو الذي يسبب اختلاف ردود الأفعال بين المتلقين وان تفتت البنية السطحية يتيح توقف مفاجئ عند الغول بنية تعرف البنية المستترة العميقة للخطاب .[ - ينظر : ايزر ( فولفغانغ ): مصدر سابق ، ص 26 – 27 .]  
5)المتلقي عند ياوس
يسميه ياوس بالمتلقي المحسوس ( Lecture Concert ) وقد منحه مكانة مهمة في تعارض مع المعطيات البنيوية ، إذ عد المتلقي عنصرا أساسياً  في تحديد المعنى العميق للخطاب عبر الكشف عن العلاقة المتفاعلة بين صاحب المنجز والمتلقي بوصفه الغاية النهائية لأي منجز فني .[ -حمودة (عبد العزيز): المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك ،(الكويت :عالم المعرفة ،1998م)، ص326.]      
والمتلقي برأي ياوس يمتلك استقلاليته المميزة ، بحيث يوجد بشكل منفصل عن الخطاب ويعمل على تحقيقه قسرا ، ونتيجة دوره يحفز جدليات معرفية متنوعة تتجسد بتخطيه للظروف الذاتية والموضوعية التي أثرت على صاحب المنجز الخطابي ، بحيث يتجاوز هيمنة الخطاب ووجهة نظر صاحب المنجز من الناحية الفنية ، فالمتلقي يلعب دور المجيب عن أسئلة الخطاب ضمن محاورة منفتحة لما هو موجود ولما يمكن أن يكونه ، لذا فهو يشترك بشكل مستقل في رصد ممكنات الخطاب الماضية والحاضرة ضمن تطورات تاريخية متلاحقة.[ - ينظر : خرماش ( محمد) : مصدر سابق ، ص 20 .]     
المبحث الثاني: دور المتلقي في العرض المسرحي(نبذة تاريخية)
لاشك أن تحديد دور المتلقي ينطلق من أسلوب العرض المسرحي في تحديد طبيعة مشاركة  المتلقي فيه ، فكلما أتاح العرض مساحة تعبير أو مشاركة أوسع للمتلقي ظهرت إمكانية المتلقين وفق فروقهم الفردية في الكشف عن مستويات قدراتهم في الإسهام بالعرض المسرحي ، فالعملية جدلية تشترط الجانبين مع سلطة اكبر للعرض المسرحي إزاء تحديد نوع دور المتلقي فيه ، لأنه بطبيعة الحال المتلقي يحترم خصوصية العرض ولا يريد فرض نوعا من المشاركة لا تنسجم وأسلوب العرض المسرحي ، وهذا يعني أن الدعوة للمشاركة تنطلق من العرض أولاً سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة وهي التي توحي للمتلقي بمساحة ونوع دوره في المشاركة بالعرض المسرحي .
يشكل المتلقي عنصرا مهما ومركزيا في المسرح ، لذا يجب أن يتمتع بإمكانية بناء فضاءات وفقا لما يقدمه الخطاب المسرحي ، ويكسب نشاطه الفاعل من مساحة العرض التي تمتلك وجودها بذاتها .[ - سانشيت (خوسيه انطونيو): فن مسرحة الصورة ، ترجمة: خالد سالم، مركز اللغات والترجمة بأكاديمية الفنون، مراجعة : حسن عطية،( وزارة الثقافة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي: أكاديمية الفنون ، عدد 16،  2004 م)، ص15.] فـمثلا " في المسرح القديم كان الجمهور يشارك مشاركة جماعية في العمل المسرحي الذي يلمس عن طريق الطقوس عاطفة جماعية أو رمزا عاما يرقد في اللاوعي الجماعي ، وكانت الطقوس هي التعبير عن هذا اللاوعي الجماعي الذي يربط الناس بعضهم ببعض ويحفظ لهم وحدتهم الاجتماعية والشعورية ".[ -سرحان (سمير):تجارب جديدة في الفن المسرحي،ط1(الجيزة :هلا للنشر والتوزيع ،2006م)، ص10-11.]ولكن الفترة التاريخية اللاحقة كانت أكثر سعيا نحو تحقيق المشاركة العاطفية للمتلقي بوصفه يستلم العرض كما هو بالمشكلة وطبيعة الحل الذي يفرضه العرض .
ومع ظهور دور المخرج المسرحي بشكل جلي اتخذ دور المتلقي معالجات توافقت مع أسلوب كل مخرج لاسيما في التعاطي مع العلاقة المكانية بين الممثل والمتلقي والتي تجسد المحدد لطبيعة المسافة الجمالية "ويبنى على مبدأ المسافة الجمالية مبدأ العلاقة بين الممثل والمتفرج مكانيا . فمن المسرحيين من يريد الإبقاء على الفصل المكاني بينهما على الدوام وذلك في الإبقاء على استخدام مسرح العلبة أو مسرح الإطار ومنهم من يريد أن تتغير العلاقة المكانية بين الممثل والمتفرج وبحسب نوع المسرحية وأسلوب إخراجها... "[ -عبد الحميد (سامي): نحو مسرح حي ،ط1 (بغداد :دار الشؤون الثقافية ،2006م)،ص26.]وبغية تعرف دور المتلقي ومحاولات إشراكه بالعرض ، سيتم تناول محطات مسرحية بارزة، تبين دور المتلقي في كل منها:
دور المتلقي في (المسرح الواقعي)
مع ظهور الواقعية ورائدها المخرج الروسي ستانسلافسكي(1863-1938) لم يزل دور المتلقي مقتصرا على استلام ما يبثه العرض دون إمكانية التدخل في الأحداث التي تجري على مساحة العرض بشكل مباشر حيث الاستناد إلى مبدأ ايهام المتلقي وتعاطفه مع الشخصية المسرحية و"ستانسلافسكي يقول بمثل ذلك التعاطف ومع ذلك فهو يرغب في الفصل بين الممثل والمتفرج ، ان يقيم بينهما الجدار الرابع ..." [ -عبد الحميد (سامي): مصدر سابق ، ص26.] .
دور المتلقي في (مسرح البيئة الشامل)
سعى المخرج المسرحي النمساوي ماكس راينهارت (1873-1943)في مسرحه البيئي إلى أن تكون العلاقة متغيرة من الناحية المكانية بين الممثل والمتلقي ووفقا لأسلوبه الإخراجي. [ -ينظر : عبد الحميد (سامي): مصدر سابق ، ص26.]  ذلك "ان نظرت (راينهارت ) الفلسفية إلى المسرح تمثلت في انه مجتمع للمشاركة العاطفية والوجدانية ، يجمع فيه الممثل والمتفرج .وصب اهتمامه بان تكون المسرحية التي يقدمها سهلة الفهم ، وخالية من التعقيد ،مهما كان شكلها أو طرازها أو المدة الزمنية التي كتبت فيها... واستثمر كافة الاكتشافات الميكانيكية على خشبة المسرح بعد أن دمج المسرح بالصالة ، لخلق الصلة المباشرة بين الممثلين والجمهور ".[ -عطية (احمد سلمان):الاتجاهات الإخراجية الحديثة وعلاقتها بالمنظر المسرحي في العراق ،أطروحة دكتوراه غير منشورة ،كلية الفنون الجميلة ،جامعة بغداد ،1996م،ص39 ، ص 43.] ولقد تميز راينهارت بمسرحيته التعبيرية (المعجزة) التي ألفها (كارل فولبرلبر) وعمل على دمج مكان أداء الممثلين بالصالة بحيث حقق علاقة مباشرة بين الممثل والمتلقي . [ - ينظر: فريد (بدري حسون ) و سامي عبد الحميد : مبادئ الإخراج المسرحي (العراق : وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، 1980م) ، ص 70.]
دور المتلقي في (المسرح الشرطي)
اتجه المخرج الروسي مايرهولد (1874-1940) في مسرحه الشرطي نحو إقامة علاقة مباشرة بين الصالة وخشبة المسرح ضمن مساحة عرض كلية " وقد جرب مايرهولد التعبيرية مع مسرحية مترلنغ (الطائر الأزرق )، لقد تميزت ... بتوحيد المسرح مع الصالة وإيجاد علاقة مباشرة بين الممثل والمتفرج ،..."[ - فريد (بدري حسون) وسامي عبد الحميد : المصدر نفسه ، ص 70.].


دور المتلقي في (المسرح السياسي)
لقد اهتم المخرج الألماني ايرفين بسكاتور (1893-1966) في مسرحه السياسي بمعالجة مشاكل مجتمعه وقتها لذلك وقف بالضد من الحاجز الرابع ورأى أن على الجماهير "... أن تتخذ لنفسها مواقف محددة مما يجري على خشبة المسرح ، إذ لم يعد ارتياد المسرح لمجرد التسلية أو قتل الوقت ، كان الهدف أن تشارك الجماهير في تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية .التي تهدد عصرنا المتوتر ".[- زكي (احمد): المسرح الشامل،(لبنان: المركز العربي للثقافة والعلوم، د. ت )، ص20.]
دور المتلقي في المسرح الملحمي 
يتركز رأي المخرج الألماني برخت (1898-1948) في مسرحه الملحمي بالتعامل مع المتلقي عبر السعي نحو التأثير فيه عبر مشاهد مسرحية ثرية بالتعليقات والحقائق اليومية التي تثير ضحك المتلقين تارة وتحفز التعاطف تارة أخرى كما يمكنها أن تكون مصدرا للاشمئزاز والشعور بالتغريب .[ - ينظر : هبنر (زيجمونت ).جماليات فن الإخراج ،ت: هناء عبد الفتاح ،(القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م )، ص179.] إن ما يميز المسرح الملحمي هو استخدام تأثير التغريب " والغرض من هذا ((التأثير)) هو السماح للمتفرج أن يلجأ إلى النقد بشكل بناء من وجهة نظر                      اجتماعية ".[ -بينتلي (ايريك): نظرية المسرح الحديث ،ترجمة : يوسف عبد المسيح ثروت (العراق : دار الشؤون الثقافية العامة ، 1975م) ،ص82 .]والتعاطف الذي يهدف إليه برخت ليس كما هو عند ستانسلافسكي ، فبرخت "... لا يريد ذلك التعاطف ومع ذلك فهو يرغب في عدم الفصل بين الممثل والمتفرج ولذلك يرفع الجدار الرابع ..." [ -عبد الحميد (سامي): مصدر سابق ،ص26.]
دور المتلقي في (المسرح الفقير)
يتمثل دور المتلقي في المسرح الفقير الذي أسسه المخرج البولندي جروتوفسكي من خلال ما أقامه المخرج من تجارب فيما أنشاه من معمل مسرحي " وهو معمل لم يضع المسرحية أو العرض المسرحي فقط تحت التجربة وإنما أجرى تجاربه أيضا على الجمهور ، ومن هنا كانت أهميته ، أن الجمهور هو نقطة الانطلاق أو الفرض العلمي الذي يشكل أساس هذه التجربة . ومن خلال الجمهور وعن طريق إعادة تشكيل استجاباته واكتشافاتها من جديد نصل إلى جوهر المسرح ".[ -سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 10 .]
يسعى جروتوفسكي في تعامله مع المتلقي ضمن معمله المسرحي إلى تحقيق الاتصال المباشر " ومادام الهدف الأساسي للمعمل المسرحي هو تحقيق هذا الاتصال المباشر بين الممثل والجمهور فلا يجب أن تكون هناك خشبة مسرح . فالممثل يتحدث إلى الجمهور مباشرة وهو بينهم يلمس أيديهم ويفاجئهم بحركاته بين حين وآخر ليحدث تأثيرا معينا . ولابد أن يكون هناك اتصال مباشر بين الممثل أو مجموعة الممثلين أو الجمهور حتى أن الجمهور يصبح جزءا من المشهد فمثلا إذا كان المشهد يدور في عنبر بمستشفى الأمراض العقلية يصبح الجمهور هو المرضى المجتمعين في العنبر ....".[ - سرحان (سمير): مصدر سابق، ص 16-17 .] 
ويحدد جروتوفسكي طبيعة العلاقة بين المتلقي والممثلون ، إذ " ...يضع الجمهور نفسه على خشبة المسرح لأنه لا توجد خشبة مسرح على الإطلاق وإنما يتحرك الممثلون في حرية بين الجمهور ويكونون معه وحدة واحدة . وعلى هذه الحالة يستطيع الجمهور أن يقوم بدور الكورس بان يعلق على الحدث أو يعارض احد الممثلين أو يفسر ما حدث من قبل ".[ - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 18.]
لقد سعى جروتوفسكي نحو إقامة مسرح فقير يكون دور المتلقي فاعل وأساس فيه ، فمثلا عزز العلاقة بين الخشبة والصالة في (قابيل ، شانتلا ، الاجداد ،كورديان)  وأقام علاقة وطيدة بين المتلقي وما يقدم في العرض المسرحي حيث أشرك المتلقي بفعل استخدام مساحة العرض بشكل تواصلي في عرض (الأجداد) حيث يشترك المتلقي ضمن طقسية العرض ، وفي عرض (كورديان) يضم المتلقين للعرض بوصفهم مرضى في مستشفى الأمراض  النفسية .[ - ينظر: زيجمونت هبنر، المصدر السابق، ص224- ص230.]  
ويتخذ المتلقي في عروض أخرى لجروتوفسكي دورا يختلف عن كل عرض آخر ، فمثلا في مسرحية بايرون (كين) يلعب المتلقون دور أحفاد (كين) ، أما مسرحية كاليداسا (شانتالا) فيتخذون ادوار الرهبان الهنود، بينما في مسرحية ميكوتيز (ليلة الإسلاف ) يشترك المتلقي في طقس زراعي ، في حين يلعب المتلقون دور نزلاء مصحة عقلية في مسرحية سلوفاكي (كورديان)، وفي مسرحية مارلو (دكتور فاوست) تم توزيع المتلقين على مقاعد طويلة حول موائد ثلاثة للطعام ، وكانت كل مائدة تعبر عن خشبة مسرح مع المناظر والإكسسوارات وكان دور المتلقين يتركز على وصفهم ضيوف دعوة فاوست لوجبة عشاء .[ - ينظر:اينز (كريستوفر): المسرح الطليعي. ت: سامح فكري.(القاهرة: مطابع المجلس الأعلى للآثار، 1994)، ص286 – 289.]    
دور المتلقي في مسرح بروك التجريبي 
تنطلق البداية الحقيقية للمخرج الانجليزي بيتر بروك (1935-   ) من عمل اورجاست والغريب في هذا العرض إن الجزء الآخر من العرض اتخذ مقرا للتمثيل والأداء في واد آخر يبعد عن الوادي الذي تم فيه عرض الجزء الأول ، وكان على المتلقين أن يلاحقوا الممثلين في حركتهم المستمرة على الوادي والجبل استكمالا لمشاهدة باقي أجزاء العرض المترامي               الأطراف .[ -ينظر: زكي (احمد): المسرح الشامل،(لبنان: المركز العربي للثقافة والعلوم، د. ت )، ص25 - 26، ص28.]
دور المتلقي في المسرح الحي
تأسس المسرح الحي في أمريكا عام و1951مؤسسيه المخرجان جوديت مالينا وجوليان بيك،[ -ينظر : سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 139.]  وقد كان دور المتلقين فيها أكثر مشاركة " فمشهد الموت الجماعي الأخير وتلوي الممثلين ألما تحت أقدام الجمهور كأنما انتابتهم جميعا وباء الطاعون يحدث تأثيرا غريبا في الجمهور ...إن أفراد الجمهور – في هذا المشهد- يهبون واقفين من مقاعدهم وتنتابهم حالة من الهستيريا فيضحكون ويبكون ويصرخون ويلمسون أجساد الممثلين الذين يتمرغون أمامهم على الأرض ..وفي بعض الأحيان يضربونهم كأنما يجدون فيهم صدى لكل العذاب الذي يبكتونه في أنفسهم ولا تمكنهم نثرية الحياة اليومية من التعبير عنه .."[ - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 153-154.]  " وفي بعض الحفلات يرتمي بعض المتفرجين على الأرض ويموتون مع الممثلين فيحملهم الأشباح إلى خشبة المسرح كعلامة على التوحيد بين ما يقدم على المسرح وبين الجمهور ذاته أو الحالة الحضارية التي يعيشها الجمهور"[ - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 154.]ويشترك المتلقين في هكذا نوع من المشاهد بأعداد كبيرة ، ففي"  العرض الذي قدم في بروكسل ببلجيكا شارك خمسون فردا من أفراد الجمهور في هذا المشهد ، وفي تريستا منع البوليس العرض بعد الليلة الأولى نظرا لحالة الهستيريا التي أصيب بها الجمهور في الليلة الأولى بناء على تقرير من رجال المطافئ يحذرون فيه من خطر اشتعال النار في مسرح فيينا القديم الأنيق المسمى آن درفاين ، وذلك بعد أن قام عشرون طالبا نمساويا بالصعود إلى المسرح حاملين مشاعل من الورق ليشاركوا في مشهد الموت الجماعي ".[ - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 154.]
دور المتلقي في مسرح الواقعة 
مسرح الواقعة أو المسرح الجديد أسسه جون كيج عام 1952وقد تعامل مع دور المتلقي بحرية موجهة نحو العرض " وقد استمد المسرح هذا الاسم من احد عروضه التي كتبها آلن كابر وبعنوان ((17 واقعة في ستة أجزاء )) في أوائل الستينات "[ - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 106.] ولم يكن الغاية من توجيهه المتلقي نحو زوايا العرض تقييد المتلقي "... وإنما إطلاق الحرية للجمهور نفسه أن يتحرك أينما يشاء في صالة المسرح ليحدد المشاهد بنفسه الزاوية التي يرى منها ((الواقعة)) وهو يستطيع أن يغير هذه الزاوية من حين لآخر ... ((المسرح الجديد)) يسهم أيضا في توجيه المشاهد إلى المكان أو الزاوية التي يريد أن يرى منها العرض حتى لا تصبح خشبة المسرح نوعا من الفوضى ، وهذا  ما يسميه كيج وضع المشاهد في ((البيئة)) باستخدام عناصر الإخراج ".[ - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 107-108.]
دور المتلقي في مسرح المقهورين 
يتخذ المتلقي في تجربة مسرح المقهورين دورا ايجابيا " والهدف الأساسي من هذه التجربة المسرحية هو تغيير جماهير الشعب وتحويل الجمهور –الذي عادة ما يكون متفرجا سلبيا في الظاهرة المسرحية التقليدية –إلى مشاركين ايجابيين وممثلين يغيرون مسار الحدث الدرامي ويشكلونه. ويطلق أصحاب هذه النظرية عليها اسم ((مسرح المقهورين))..ويقول أصحابها ، ومن أهمهم المخرج البرازيلي اوجستو بول –أنها تختلف اختلافا جذريا عن النظريتين الرئيسيتين في تاريخ المسرح، وهي نظرية أرسطو ونظرية بريخت ".[ - سرحان (سمير): مصدر سابق ،  ص 265.] فبالإضافة لما يتمتع به مسرح المقهورين من خصوصية فان نظرية مسرح المقهورين " ... تهدف في جوهرها إلى التحرير ، وفيها لا يترك المتفرج الفرصة للممثل أن يفكر نيابة عنه ، وإنما يحرر المتفرج ذاته ويفكر لنفسه ثم يتحرك بنفسه لترجمة الفكر إلى الفعل .. ففي هذه النظرية يصبح المسرح هو الفعل بالمعنى المادي والحقيقي".[ - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص297.]
وهنالك مقاربات منشطرة عن مسرح المقهورين ومنها مسرح(حلقة النقاش ) والمسرح (المخفي) وقد أكدت الدور الفاعل للمتلقي في العرض المسرحي وضرورة إشراكه في تحديد مسار العرض المسرحي ، ففي مسرح (حلقة النقاش) يتم الأخذ بآراء المتلقين ومقترحاتهم بخصوص قضية اجتماعية معينة من خلال إيقاف العرض بين فترة وأخرى استجابة لمقترح المتلقي والذي يشمل أيضا بيان الرأي بما يتعلق بأداء الممثل ، ومن ثم يتم تغيير الأداء ومسار العرض وفقا لطبيعة العرض وسبل تطويره وحل المشكلات المقدمة بالعرض ، والهدف وفق رأي (بوال) هو إشراك المتلقي في تغيير الواقع وبحث الحلول الممكنة وفق خبرة المتلقي الشخصية.[ -ينظر : السادة ( أثير): مدخل إلى تجربة مسرح المقهورين ،www.masrahi.net  . ص1.] أما المسرح (المخفي) فهو يسعى إلى إشراك غير معلن للمتلقي حيث يتم إدخال المتلقي ضمن الحدث المسرحي دون أن يعلم بوجود فعل مسرحي ، وذلك من خلال عرض موضوعة للنقاش يفتعلها ممثل أو مجموعة من اجل انتزاع مناقشة بين الناس مثل عرض موقف أنساني لإمرأة فقيرة تبيع كل ما تبقى من حاجاتها ، ويثير الممثلون النقاش حولها وعند اشترك (المتلقين) حول الموضوع يبدأ الممثلون الأصليون بالانسحاب تدريجيا تاركين المتلقين يناقشون بينهم حول الموضوع المطروح دون علمهم بأنهم ضمن فعل مسرحي.[- see :++++. theatre of the oppressed: http://www.mandalaforchange.com/index.htm]
دور المتلقي في المسرح المفتوح
تأسس المسرح المفتوح بالولايات المتحدة وكان ابرز مؤسسيه هو جوزيف شايكين وكان للفرقة التمثيلية لهذا المسرح تأثير كبير خارج –برودواي خلال الأعوام 1963-1973.[ -شايكين (جوزيف) : حضور الممثل ،ترجمة وتقديم :سامي صلاح ،مراجعة هاني مطاوع (مصر :مطابع  الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1999م)، ص231.] تميزت عروض (مسرح المفتوح ) بأسلوب التداخل مع المتلقين وبيان أهمية اشتراك المتلقي في التجربة المسرحية المقامة في العرض ، " فوحدة المشاهد والممثل قد اكتسبت اليوم دلالة جديدة … إن الروح الجمعية التي تساندنـا جميعاً وتتجاوز كلاً منا كأفراد ، هي التي تمثل القوة الحقيقية للمسرح وتردنا إلى المنابع الدينية القديمة لمهرجان الطقوس الدينية . وفي المسرح المعاصر هناك الكثير الذي ينبئ بهذا التطور ".[ -جادامر ( هانز  جيورج ). تجلي الجميل ومقالات اخرى ، تحرير: روبرت برناسكوني ،ت:سعيد توفيق ،(مسقط :المجلس الأعلى للثقافة –المشروع القومي للترجمة طبع بالهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ،1997م)، ص158 .]   
دور المتلقي في مسرح الشارع 
من مسارح الشارع فرقة (كوميديات ايلس)الاسبانية التي تعتمد في بعض الأحيان على مشاكسة المتلقي لاستفزازه وجعله يخوض تجربة العرض المسرحي من خلال ما يصدر عنه من ردود أفعال والتي يوظفها الممثلون من اجل تفعيل الحدث المسرحي والسيطرة على النسق العام لمجرى الأحداث المسرحية .[ - ينظر: ميسون ( بيم ): مسرح الشارع والمسارح المفتوحة ، ت: حسين ألبدري ، مراجعة :محمد عناني (القاهرة : مطابع المجلس الأعلى للآثار ،1997م)،ص65.]
دور المتلقي في مسرح ما بعد الحداثة
إن دور المتلقي في مسرح ما بعد الحداثة يتركز في مفهوم الخدمة الذاتية في العرض  والتي أشار إليها (كابرو) بـ (المتلقي –المشارك) حيث يقول : " إن معرفة المشارك لسيناريو العرض والواجبات التي عليه أن يقوم بها مسبقا تجعله جزءا حقيقيا وضروريا لا يستطيع العمل أن يتحقق دونه "[ - كاي (نك) : ما بعد الحداثية والفنون الأدائية ، ط2 ، ترجمة :نهاد صليحة ،(مصر : الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1999م)،ص59.] لذلك يلجا كابرو إلى تقديم عمله المسرحي بالصورة التي تجعل للمتلقي دورا مهما في تأسيس المعنى وتأويله " فعرض خدمة-ذاتية-كما قدمه((كابرو))ليس سوى مجموعة القواعد التي تعد حين تنشط من خلال المشاركين بتحقيق عمل من نوع معين ، لكنها تعمل في نفس الوقت على تأجيل اكتمال العمل المزمع بأي صورة نهائية ، أو وضع نهاية من أي نوع لعملية تحقيق العمل نفسها ".[ - كاي (نك) :المصدر نفسه ، ص60.]
أما جورج برشت فيلجأ إلى الغموض وسيلة لعرقلة إنتاج معنى نهائي عند متلقيه مع دعوتهم للمشاركة في إنتاج المعنى ، ففي عمله( water yam ) يستخدم صندوق فيه عدد من البطاقات المبهمة ، ويظهر "إن برشت حين يقدم بطاقة –سيناريو- بكل هذا الغموض إنما يخلق حافزا على الحركة في اتجاه التفسير وإكمال المعنى ، لكنه أيضا ، وفي نفس الوقت ، يتدخل لتأجيل ودرء خطر أي تفسير نهائي .فمن الواضح مما سبق أن أي اختيار فردي لدلالة العمل  لا يستطيع أن يقدم التفسير النهائي لبطاقة ثلاثة أحداث مائية ، وذلك بالرغم من إنها تطرح نفسها ((كعمل)) ينتظر التحقيق-أي كمشرع لعمل ".[ -كاي (نك) : المصدر نفسه ، ص64.]
كما " إن أعمال كل من ((ريتشارد فورمان )) ..، و((روبرت ويلسون ))..،و((مايكل كيربي)) .. تفصح عن اهتمام واضح بالنسق الشكلي والبنائي ...يتبدى كمحاولة لعرقلة جهد المشاهد في تفسير العرض المسرحي ودفعها بقوة على الارتداد إلى نفسها – أي كمحاولة لدفع المشاهد إلى تأمل عملية المشاهدة والتفسير ذاتها ".[ -كاي (نك) : المصدر نفسه ، ص69.
الملاحق
ملحق رقم (1) يبين جدول مجتمع البحث
ملحق رقم (2) يبين جدول عينة البحث

]
الدراسات السابقة  : من خلال اطلاع الباحث على المصادر ذات العلاقة بالموضوع الحالي فضلا عن الانترنت ، لم يجد ما يمكن اعتباره دراسة سابقة ،وحسب علم الباحث .
المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري
1)ظهور مسميات وأنواع مختلفة للمتلقي في تعاطيه مع النص المكتوب وفق الآراء النقدية ، ولان المخرج المسرحي هو أيضاً متلقي في تعامله مع النص المكتوب لذا فهو يخضع لذات المسميات ، مثل (المتلقي الضمني) عند ايزر ، و(المتلقي المتعاون) عند ايكو ، و (المتلقي الافتراضي) عند ريفاتير ، و (المتلقي المخبر) عند  فيش ، و(المتلقي المحسوس) عند ياوس.
2)تكشف دور المتلقي المستلم (المستقبل السلبي) والذي يتميز باستقباله لما يقدم في العرض دون ان يكون له دور إلا في حدود المشاركة العاطفية بالأغلب واستلام الحدث كما هو ، وهناك حاجز وهمي بينه وبين الممثل ، وهذا ما تميزت به مثلاً عروض المسرح الواقعي .  
3)تكشف دور المتلقي الناقد والذي يتميز بالمشاركة الفكرية ونقد الأحداث التي تجري في العرض ، وكما يحدث في عروض المسرح الملحمي مثلا .
4)ظهور دور المتلقي المشترك بالعرض والذي يتميز بإدخاله من قبل القائمين بالعرض ضمن مفردات العرض ، كما يفعل مثلا في عروض المسرح الفقير الذي يسمح للممثل بتحقيق تماس مع المتلقي ويتحدث معه ويمكن إشراك المتلقين لتجسيد دور الكورس أو احد شخصيات المسرحية كما في مسرحية بايرون (كين) يلعب المتلقون دور أحفاد (كين) ، أو يمكن للمتلقي أن يعلق على الحدث أو يعارض احد الممثلين أو يفسر ما حدث . وأيضا في المسرح (المخفي) الذي يسعى إلى إشراك غير معلن للمتلقي . و أيضا في  فرقة (كوميديات ايلس)الاسبانية التي تعتمد في بعض الأحيان على مشاكسة المتلقي لشده نحو المشاركة بالعرض .ويمكن أن يتخذ إشراك المتلقي طابع تحفيز ذهني عبر عرقلة المعنى المقدم بالعرض كما في عروض ما بعد الحداثة .
5)ظهور دور المتلقي المناقش والذي يتميز بمناقشته للعرض والمساهمة الفاعلة فيه،كما مثلا في مسرح (حلقة النقاش) يتم الأخذ بآراء المتلقين ومقترحاتهم بخصوص قضية اجتماعية معينة من خلال إيقاف العرض بين فترة وأخرى استجابة لمقترح المتلقي والذي يشمل أيضا بيان الرأي بما يتعلق بأداء الممثلين .
6)تكشف دور المتلقي الممثل والذي يتميز بدخول المتلقي في الفعل المسرحي كممثل بشكل مباشر ، كما في عروض (مسرح المقهورين) حيث يتحول المتلقين إلى مشاركين ايجابيين وممثلين يغيرون مسار الحدث الدرامي ويشكلونه ، وكما في عروض (المسرح الحي) حيث يشارك المتلقين مع الممثلين في أداء دور الهستيريا مثلا . 
الفصل الثالث
مجتمع البحث :
  يتكون (مجتمع البحث) (ينظر ملحق رقم 1) من العروض المسرحية لأبرز رواد مخرجي المسرح العراقي في بغداد وضمن حدود البحث الزمنية والأقرب لموضوع البحث. 
عينة البحث: 
اختار الباحث ثلاث عينات (ينظر ملحق رقم 2) بالطريقة القصدية وفقا للمسوغات الآتية :
1)وجود التنوع في توظيف دور المتلقي فيها .
2)اختلاف مكان العرض مما يتيح فرصة أكثر للتعرف على دور المخرج فيها .
3)تباين الفترة الزمنية بين العروض بما يتيح رصد التغير الممكن في معالجة دور المتلقي.
4)توفر المصادر السمعية والمرئية عنها .
5)حققت تميزا بين الوسط الفني لاسيما على صعيد النقد المسرحي.

أداة البحث :
 استند الباحث إلى مؤشرات الإطار النظري بوصفها أداة البحث مع مراعاة المصادر ذات العلاقة بموضوع البحث والعينات .
منهج البحث :
 اعتمد الباحث المنهج الوصفي (التحليلي).
تحليل العينات
عينة (1) :  عرض مسرحية : ترنيمة الكرسي الهزاز
                                تأليف: فاروق محمد، أشعار: عريان السيد خلف.
                               إخراج : د.عوني كرومي
                               تأريخ العرض: 1986.
                              مكان العرض: منتدى المسرح / فرقة المسرح الشعبي
تدور أحداث المسرحية حول معاناة امرأتين تعيشان على الذكريات في حالة انتظار مستمر لأمل يغير مسار حياتهما ،فكلاهما تعاني الهجر وان اختلفت صوره ، وفي انتظار غائب لعله يعود ، ومن اجل تقديم أحداث المسرحية بشكل يعزز دور المتلقي في إنتاج المعنى قدم العرض بطريقة تضمن بنية دائرية اقرب للعبث بحيث تغيب ملامح البداية والوسط وحتى الحل لتترك مسافة جمالية في تلقيها فهناك مشاهد مختارة بشكل قصدي من قبل المخرج ضمن مساحة عرض تتكون من أماكن ثلاثة (غرفتي المرأتين وباحة منزلهما) .
وقد عزز الحوار والأداء الصوتي لأبيات السيد خلف باللغة العامية من التقارب مع المتلقي فضلا عما احتوته أبياته من أشجان ومشاعر حزن تحرك المشاركة العاطفية للمتلقي في تجاوبه مع العرض المقدم ليشعر بأنه جزء من منظومة العرض الكلية وامتدادها الدرامي المتنامي.
وبغية الإسهام الفاعل في تنشيط التحريك الذهني للمتلقي سعى المخرج إلى معالجة النص معالجة اشترك في تكوينه مع المؤلف والشاعر و مجتزئات ارتجالية من الممثلين بغية إيجاد مزيج يتناسب وطقسية منتدى المسرح محاولا الابتعاد عن المطابقة النصية والاتجاه نحو تشظي النص بما يحقق دفعا جماليا وتحريكا فكريا مؤسسا لغة للعرض لا تشترط المطابقة النصية فكانت عبارة عن مقتطفات تم منتجتها وفق سياق العرض وتحدد مسار أزمة الأحداث بما ويتناسب ومقتضيات التحريك الذهني في تلقي العرض برؤيا معاصرة .
كما ونشط المخرج الرؤية البصرية عبر منظومة الأحداث المفككة التي قاربت تداعي الأحلام للكشف عن عالم خيالي مكتنز بالرموز التي تستدعي تدخل المتلقي لاقتناصها وتمثل إشارات مدركة يستكشفها المتلقي وفق تكوينه الذاتي بما يبثه العرض من مدركات بصرية وسمعية تحمل في رسالتها موضوع المسرحية بظاهره وباطنه .
لقد عمد المخرج إلى مقاربة المتلقي وتحقيق التفاعل العاطفي لديه عبر الممازجة النصية بين حكاية المسرحية ولغة الشعر بما تمتلكه من عناصر التأثير المشحون بالمشاعر الجياشة ، فكان المزيج مدعاة لدور المتلقي في بنائية التصور المدرك للعرض ضمن جدلية المزج اللغوي بين الفعل الدرامي ودرامية الشعر وتأثيره النفسي الذي يعكس دواخل الشخصيات وصراعاتها المستبطنة والمتركزة في ذات المرأتين وما تحملهما من آلام الهجر والعزلة والانتظار بوصفهما نموذج إنساني يمكن تحصيله محليا وعالميا فكان بذلك اقرب لواقع المتلقي لاسيما باستخدام مفردات حياتية يتعامل معها متلقية وان قدم بطرق عبثية فالعرض حمل من تصوير ما تعانيه شخصية المرأتين كثيرا من المتداخلات الأسلوبية المسرحية التي لم تسم العرض بأسلوب مسرحي محدد نهائي.
ويتعزز دور المتلقي في عرض ترنيمة الكرسي الهزاز من معالجة المخرج كرومي لمفهوم المتلقي عنده بوصفه المبدع الثالث ومصدر الإلهام الذي يتأسس العرض المسرحي وفق محفزات وجوده الافتراضي ، لذا سعى المخرج كرومي لبناء علاقة وطيدة بين المتلقي والعرض ،إذ قام بتفعيل دور المتلقي ضمن طقسية العرض بمقوماتها الدينية عبر رش ماء الورد على رؤوس المتلقين لحظة دخولهم إلى مكان العرض مما هيا المتلقي للدخول ضمن منظومة العرض وتعزيز الجوانب النفسية للتهيؤ بغية المشاركة ضمن خصوصية البيت البغدادي بوصفه جزءا من العرض ،كما لجا كرومي إلى عنصر التأثير بـ(الرائحة المعطرة للبخور) مع ما يرافقها من (ضوء الشموع وأواني نحاسية ونبات ألياس والحنة والخبز)وذلك عند مرافقة المخرج لجموع المتلقين في مدخل باحة المسرح (البيت البغدادي) فضلا عن (الترانيم وأصوات الصلات) ليخوض المتلقي تجربة المشاركة الطقسية بما يوحي بمكان مقدس يستثير البواعث المرجعية والتطهير لذات المتلقي عبر محفزات مرئية وسمعية وشمية ، جعلت المتلقي جزءا متفاعلا بصورة مادية وروحية في العرض ضمن خطاب جمعي يشمل الممثل ومتلقيه ، ولكي يعبر عن خصوصية العرض كرمز حياتي مصغر يشمل كل التباينات ضمن أجوائه ويجعل من المتلقي ضرورة حتمية في وجوده وليس مجرد ضيف طارئ فالعرض يؤثر ويتأثر بالمتلقي ويترك في ذات المتلقي ما من شانه ان يشعر بمدى مساهمته في بناء العرض .


كما لجا المخرج مع مساعدة المؤلف لقيادة المتلقين بشكل متناوب نحو غرفة المرأة الأولى وهي تستعيد ذكرياتها ومن ثم نحو الغرفة المرأة الثانية وهي تنظر من الشباك متأملة مع رسائل قديمة وشمعة منطفئة وذلك وفقا للإحداث المرسومة في العرض بغية  إيجاد مساحات عرض تناوبيه تحرك المتلقي نحو ملاحقاتها الإدراكية .إذ بعد انتهاء المشهدين يتبادل المتلقون المواقع في مواجهة باحة الدار تعزيزا لرؤية مختلفة الاتجاهات تحقق تجسيما أكثر لصور العرض الكلية ودعوة مستبطنة للتعاون والمساواة ووحدة الرؤية بالنسبة للمتلقين .
وعززت طبيعة بناء منتدى المسرح بصبغتها المعمارية التراثية البغدادية علاقة المتلقي بالمكان ليس على مستوى الحضور المعيشي القريب من واقع المتلقي فحسب بل وأيضا تحفيز المتراكمات الذوقية إزاء المادة التراثية وما تمنحه من أبعاد جمالية وذكريات جميلة ،حيث شكل البناء وتصميمه بأبوابه وشبابيكه المميزة وشكل السلم وترابط الطابقين للبناء يربطهما سلم وكأنه رابط بين الواقع والأمل المنشود الذي تعيشه الشخصيتين لاسيما وهما يصفقان بشكل متكرر للأبواب وللشبابيك تعبيرا عن حالة العبث في هذا الانتظار . 
وقد أسهمت الساعة المتوقفة في توجيه المتلقي نحو حالة فقدان الأمل التي تشهدها حالة الشخصيتين رغم الاستخدام الدلالي الثنائي للساعة بوصفها حافظة لعيدان البخور وماء الورد ، فكان الانتظار الطقسي مع توقف عقارب الساعة إشارة لتوقف الزمن وتغيب استدلالي لزمن الحدث الأصلي فلا معرفة بحقيقة منذ متى هذا الانتظار بدء .  
العينة (2) عرض مسرحية : عطيل في المطبخ
                            تأليف :وليم شكسبير
                            إخراج :د.سامي عبد الحميد
                            تاريخ العرض :1995م
                            مكان العرض:كافتيريا دائرة السينما والمسرح
تعامل المخرج بأسلوب تأويلي مع النص الشكسبيري من اجل تعزيز دور المتلقي في رصد المقاربات الممكنة ما بين النص والعرض مع تقصي المتباعدات التي تتيح مسافة جمالية في إبانة الفارق بين النص ومعالجة المخرج له في العرض ، ولاسيما أن المخرج اجتهد في بناء علاقته الفاعلة بالمتلقي منذ لحظة دخول المتلقي للعرض عبر توزيع المناديل الورقية على المتلقين في إشارة مهيمنة لموضوع منديل عطيل وما ترتب عليه من أحداث المسرحية .
كما أن توزيع المتلقين ضمن مساحة عرض متمثلة بكافتيريا دائرة السينما والمسرح والتي أسهمت في دمج الممثلين والمتلقين ضمن مساحة عرض تجمعهما بحيث يجلس المتلقين على جانبي مكان التمثيل مع جلوس البعض على موائد الطعام المعدة في مطبخ عطيل إضافة للمتلقين الواقفين ضمن مساحة العرض والذين يتداخلون أحيانا ضمن ما هو مفترض من مكان أداء الممثلين ويحيطون به .
اختار المخرج عبد الحميد مكان العرض بما يسهم في تعزيز دور المتلقي عبر مغادرة خشبة المسرح بشكلها المألوف والذهاب نحو مكان الكافتيريا لإيجاد علاقة أكثر فعالية في رسم العلاقة بين الممثل والمتلقي ، وفق أسلوب إخراجي لا يقف عند حدود أسلوبية سابقة تحدده ، فهو يخوض تجربته وفق ما يجده مناسبا لمعطياته الذاتية بإيجاد المكان المناسب لرؤاه الإخراجية ، لذا عمد المخرج إلى مكان يحقق امتداد للفعل المسرحي المؤدى ويهمش الفواصل القائمة بين المتلقي والممثل على الرغم من بعض المفردات الخاصة بمطبخ الكافتيريا والتي حددت طبيعة أداء الممثل في علاقته بالمتلقي وحددت طبيعة تواجد المتلقي في مساحة تلقيها.
كما إن استخدام مفردات الكافتيريا بصورتها المعيشة قربت الحدث من متلقيه الذي لم يجد مكان ولا أدوات أو مفردات غريبة عن واقعه بل جزء من منظومته المعيشة ، مما عزز التفاعل الفكري والعاطفي في تعاطيه مع مفردات الديكور والإكسسوارات التي بثها العرض والتي تضمنت مناضد وأدوات الطبخ فضلا عن الخضار ومنها الباذنجان والشجر والتي كان لكل منها دلالاتها الترابطية مع حكاية المسرحية حيث يشير الباذنجان إلى عطيل والشجر إلى دزدمونة وعملية تقطيع كل منهما على يد (ياغو) و(رودريغو) في المشهد الأول يشير إلى مؤامرة اياغو ومكيدته التي شبهها المخرج بالطبخة المعدة سلفا والتي تحرك توجهات ذهنية مغايرة لدى المتلقي في المقارنة بين النص ومعالجته في العرض .   
لقد سعى المخرج إلى بناء طبخة مسرحية يجعل للمتلقي فيها جزءا واعيا بالعرض لا أن يخضع لعاطفة بالمجمل بل يتيح له مساحة إدراك فكري يقتنص ويقارن فيه بين ما يعرفه عن النص الشكسبيري وعن المدركات السمعية والبصرية التي يبثها العرض عبر معالجة معاصرة بتراكيبها السينوغرافية لزمن المتلقي ، بحيث يتحول كل فعل في عطيل إلى استهلاك حياتي اقرب إلى تناول الطعام بإشارات رمزية تداعب ذهنية المتلقي في رصد مقارباتها الحياتية ، كما حدث في قيام (ياغو) بكسر البيضة بطريقة العصر باليد في إناء (مقلاة مملوءة بالدهن الساخن) ضمن بيئة مشبعة بمفردات مطبخيه يكون القائمين فيها من الشخصيات بادوار تتعلق بمثل هذه البيئة فمثلاً الدوق هو صاحب المطعم بينما (عطيل )رئيس الطباخين ،(وياغو) مساعده ،و(دزدمونة) نادلة مع استخدام مفردات المطبخ التقليدية مثل (السكاكين والقدور والأواني والملاعق والشراشف والكؤوس والموائد ... )والتي لا يجد المتلقي فيها أمراً غريبا عن واقعه المعيش إلا أن طريقة معالجة المخرج لها بوساطة أداء الممثلين وكيفية تحويل دلالاتها إلى مستويات فكرية وجمالية هو الذي يسهم في تعزيز دور المتلقي في اقتناص دلالاتها المتحولة من نسقها الايقوني إلى نسقها الرمزي والتأويلي .
 كما أكد المخرج على عنصر المتضادات من اجل تفعيل دور المتلقي في تحسس أشكال المتضادات التي بثها العرض لاسيما في إشارة إلى اللونين الأبيض والأسود كما في استعمال (البيبسي كولا والسفن أب) للتأكيد على لون السائل المتضاد بينهما في إشارة إلى ياغو وعطيل وما يعتمر في نفس كل منهما ، كما أن ضغط ياغو لعلبة المشروبات الغازية يأتي لتأكيد كرهه لعطيل ورغبته في النيل منه ومدى حقده عليه وكل ذلك عبر صور بصرية تتخذ من مفردات المطبخ وسيلة لإيصالها . 
إن العرض المطبخي أسهم بصورة فاعلة في تحفيز المتلقي نحو دور أكثر في اقتناص ترميزاته التي تأسست نتيجة تعزيز مسار الحوار بشكله السمعي بمرئيات مطبخية أسهمت في رفد العرض بمقومات جمالية مع ما يكتنزها من منطلقات فكرية ، فمثلا يؤدي عطيل دور خنق دزدمونة ليس بالصورة المعروفة بالنص الأصلي ولكن يلقي بعض كلمات النص مع حمله بيضة بيده وسط صالة العرض في إشارة للفعل الجنسي المتوهم الذي يؤرقه ، بينما فعل الخنق فيجسده بالضغط بقبضته على البيضة ، ومثل ذلك الفعل المرمز يظهر في أداء اياغو وهو يقطع الرقية ويسيل مائها الأحمر لتأكيد حقد اياغو ورغبته بموت عطيل .    
ومفردة المنديل أخذت وساطة تماسية مع المتلقي فحركت العلاقة بين موضوع العرض ومتلقيه من اللحظة الأولى ليس فقط كتأسيس للموضوع الشكسبيري المتمثل بموضوع مسرحية عطيل بل وأيضا إيجاد ترابط مع النسق الثقافي السائد في موضوع مقاييس الشرف وبذلك تتآلف مع ذات المتلقي وتثير في ذات الوقت نقدا لمدى صلاحية هذا المقياس في تحديد الشرف وفق مفهوم الرجل الشرقي التي تتركز حول الغيرة ، لذلك سعى الممثلون لحظة بدا العرض في محاولة إدخال المتلقي في منظومة العرض عبر توزيع مناديل بيضاء على المتلقين لإيجاد ترابط وثيق بين العرض ومتلقيه وليتحسس المتلقي بشكل مادي ذلك المنديل الذي تنبني عليه مسرحية عطيل والدليل على اتهامه لـ(دزدمونة) والسبب في قتلها بدفع ماكر من (ياغو) ، كما أكد المخرج من خلال المنديل ديمومة الحدث وضرورة النظر إليه بصورة ناقدة لاسيما وان ممثل عطيل يجد المنديل لا يزال في بدلته الرسمية التي دخل فيها إلى المطبخ قبل أن يبدلها بأزياء المطبخ وبذلك يؤكد المخرج على دورة المنديل وملاحقته لعطيل حتى في نهاية العرض .     
ولعبت الأزياء دورا مهما في إيجاد الترابط المعيش مع المتلقي نتيجة ما تمتعت به من معاصرة لم يلتزم المخرج بالدقة التاريخية للأزياء في الحدث الشكسبيري ، مما حقق تواصلية مع المتلقي القريب من طبيعة ما يرتديه الممثلون من الأزياء التي لا تمثل عنصرا غريبا عنهم .
كما ومنحت الموائد دورا في تأسيس عملية اشتراك المتلقي وتعزيز دوره في العرض المسرحي عبر جلوس المتلقين على موائد الطعام وعلى جانبي الكافتيريا في بداية العرض كجزء من منظومة العرض في بيئتها المطبخية ، لاسيما بجلوس بعض الممثلين على الموائد ، مثل ممثل شخصية والد دزدمونة ، فضلا عما تؤديه ممثلة شخصية (دزدمونة) في تقديم بعض المواد إلى المتلقين بوصفهم زبائن المطعم وترتيب موائدهم المغطاة بالشراشف البيضاء وبعض إكسسوارات تناول الطعام ،ليكون المتلقي جزء فاعل من الحدث بوجوده في تداخل مكاني وعناصر ديكورية متمثلة بالمناضد ضمن بيئة العرض الكلية . 
وكان لتوظيف الإضاءة الفيضية دورها في تعزيز التلاحم بين دور المتلقي ودور الممثلين إبعادا لعنصر الإيهام وسعيا لتعزيز الترابط الفكري والمادي بين المتلقي والممثل     ، ليضم العرض بين تكويناته المتلقي كما الممثل ضمن إطار فني يحفز المتلقي نحو رؤية إدراكية واعية لما يقدم وهو جزء منه لكن دوره كمتلقي يستدعيه نحو محاولة تتابعيه لاقتناص مدلولات ما يقدم ضمن رؤية فكرية جمالية هو جزء منها .
وعصرنة الحدث الشكسبيري في عطيل جاء لمحاولة التقرب من المتلقي وذلك بابتعاد المخرج في معالجته للحدث الأصلي عن طرازيه النص وزمن أحداثه التاريخية بغية إيجاد مساحة اكبر للتجديد الجمالي وفرصة أكثر للإسهام الفكري للمتلقي في رصد متحولات الحكاية ومختزلاتها التي تأسست بالأغلب ضمن النسق الصوري مع ما يسانده من لفظ ينشط العلاقة بينهما في تدعيم الموقف الفكري عند المتلقي عبر كسر الحواجز التقليدية في تلقي المنجز الشكسبيري بنمطه الأصلي .
العينة (3) عرض مسرحية : مكبث
                           تأليف : وليم شكسبير
                           إخراج :د.صلاح القصب
                           تاريخ العرض :1999م
         مكان العرض: باحة قسم الفنون المسرحية-                                                                                                                         كلية الفنون الجميلة  – جامعة بغداد
    استلهم القصب موضوع النص الشكسبيري عبر تحفيز عوامل التأويل فيه والنظر إليه برؤيا معاصرة تستهدف إشراك المتلقي في تقصي مستبطنات نص العرض وارتباطاته المعاشة موجدا المتلقي المتعاون في تعاطيه مع النص وفق مقومات الحدث المعاصر مع متداخلات مكان العرض التي فرضت علاقة تفاعلية بين الممثلين والمتلقين بسبب توظيف مساحة العرض ، مما هيأ ممكنات التداخل الفني الفاعل للمتلقي ضمن صيرورة العرض المسرحي المجسد لمكبث بالنكهة العراقية الصورية التي أوجدها القصب بأسلوبه الصوري  ، إذ يبدأ العرض بدخول دراجة نارية من جهة باب ساحة قسم الفنون المسرحية وتتجه مسرعة باتجاه مركز مساحة العرض في محاولة لتنبيه المتلقي من خلال أداء استعراضي بهلواني لبدء الأحداث فضلا عن تفعيل دور المتلقي الذهني عبر التأويل إزاء مبررات توظيف الدراجة النارية بهذا الأسلوب ، ثم تتلاحق الصور الدرامية بدخول موكب مكبث وحاشيته ثم دخول رجال الإطفاء ثم مشهد مقتل دنكن وبعده السيارة البيضاء مع الجثث ثم علامات المرور المقلوبة وتتابع الصور ضمن منظومة فكرية جمالية سعى القصب إلى بلورة نص العرض بفعالية مع المتلقي ضمن خصوصية أسلوبه المعروف بمسرح الصورة .
وقد عمد المخرج إلى تخطي الحاجز الوهمي بين الممثل والمتلقي في محاولة لتقليص التلقي السلبي وتفعيل المشاركة الذهنية على حساب المشاركة العاطفية وان جاءت ضمن طقسية أجواء العرض السينوغرافية ، لذا تم تقسيم مساحة العرض إلى ثلاث أقسام رئيسة ضمن خط فعل شبه دائري لانتقالات الأداء ، ففي القسم الأول يتداخل الأداء مع المتلقي في المكان المركزي للأحداث ، وفي القسم الثاني الواقع  في منتصف ساحة العرض تم توظيف عناصر طبيعية كالنباتات مثل الأشجار بوصفها جزء من واقع المتلقي والعرض في حين يقتصر الجزء الثالث من مساحة العرض على صقالات حديدية القابلة للتغيير وفق المتطلبات الإخراجية .وهذا التوظيف المكاني عزز عنصر التفاعل الفكري والجمالي لدى المتلقي مع عرض مكبث رغم وجود هامش من حاجز مسافة الأداء التي يفترضها التمايز بين المتلقي والممثل بوصفها وسيلة لتلقي العرض بصورته الكلية . 
كما تبين دور المتلقي الناقد عبر المشاركة  الفكرية المتحفزة بفعل العرض بشكل حقق نقد للإحداث توفر بين المتلقين كان مدعاة لمساهمة ذهنية أكثر إزاء ما يقدم لاسيما وان الأحداث لا تقدم بالنسق الشكسبيري المألوف لعصر شكسبير بل يقدم بمعالجة تتخذ من الموضوع الشكسبيري منطلق لها نحو مديات متداخلة من الموضوعات التي يعيشها الإنسان العراقي المعاصر لاسيما بتوظيف ( براميل النفط ، المقصلة ، حاشية موكب رئاسي ، الجثث ، رجال الإطفاء ، حاوية النفايات) فضلا عن التركيز حول موضوع مسح الأثر سواء بفعل الليدي مكبث وهي تحاول تنظيف يدها من دم ضحيتها أو من خلال محاولة إزالة رائحة الموتى من السيارة فضلا عن أداء رجال الإطفاء في غسل السيارات بوساطة خراطيم المياه وقناني الإطفاء في إشارة إلى تنظيف مخلفات جرائم القتل إضافة إلى وجود السيارة باللون الأبيض وما تحمله من جثث والتي تشكل تناقض على مستوى المتداول اللوني للسيارة بما تحملها من تشاؤم وجنائزية مما شكل تحفيز ذهني للمتلقي إزاء الثيمات الممكنة لتفسير الصور والتي تعززت بعلامات المرور المقلوبة والتي توحي بالعمل ضد القوانين أو انقلاب القوانين ، مما حرك في المتلقي روح المقارنة وتحسس المقاربات القصدية التي أوجدها المخرج في تعامله مع الموضوع الشكسبيري بروح عراقية  لا تستثنِ إشارات سياسية واقتصادية واجتماعية استبطنت العرض مع الإيحاء للمتلقي لاقتناصها ضمن إطار فني جمالي . 
بينما ظهر دور المتلقي بوصفه مشارك بالعرض بشكل جزئي عبر التداخل المكاني لأداء الممثلين مع المتلقين ومحاولة مشاكسة المتلقي بوجود صوت الدراجة النارية المسرعة التي تخترق المتلقين فضلا عن إدخال المتلقي ضمن طقسية الأحداث وإتاحة فرصة لانتقال المتلقي عبر اختلاف أقسام العرض بشكل يجعل المتلقي يلاحق الأداء بتغير مكان الأداء بحيث يصبح المتلقي دون مباشرة جزء من العرض لاسيما وان العرض يمس واقعه المعيش بوصفه الشعب فهو جزء من الأحداث بالصورة الكلية لعرض مكبث .
وتقلص دور المتلقي المناقش والمتلقي الممثل لصالح المشاركة الجزئية في العرض عبر وجود المتلقي ضمن صيرورة مساحة العرض والتداخل مع أداء الممثل بحيث تحول المكان الشكسبيري إلى ساحة مفتوحة متحررة في عرض مكبث بحيث لا تنفصل حدودها بين الممثل والمتلقي وتمازج مفردات طبيعية وصناعية في صورتها الكلية والممثل والمتلقي جزء من الصورة التي تتضمن أزمة الحياة القديمة والمعاصرة ألا وهي سفك الدم البريء التي عززها القصب بلون الإضاءة الحمراء  بأشعة الليزر التي ترمز للقتل وفي ذات الوقت هي بقعة الدم التي تستهجنها الليدي مكبث كدليل للجريمة لا يندثر مهما حاولت فضلا عن استخدام الإضاءة الموجهة من قبل الدراجة النارية التي تخترق المتلقين بأشعتها إضافة إلى الإضاءة اليدوية التي اعتمدها رجال الإطفاء والمومياءات كإشارات فكرية وجمالية تخترق الفضاء شبه المظلم لتضيف حيوية فنية في العلاقة بين المتلقي والعرض وتحقق تواصلا يستهدف تسليط الضوء على المتلقي نفسه في دعوة لاستثارة وعيه وإدخاله في الحدث بطريقة حسية تستند التحسس عن بعد واستفزاز فكري للمتلقي لاستيعاب واقعه الذي يسوده الدمار الذي يخلفه الطمع والذي جسدها القصب بحرق براميل النفط ذات اللون الأحمر وتناثر الأحذية العسكرية بفعل المقصلة والنخلة التي تضرب بالفأس فضلا حرق الأشرطة بحاوية القمامة ، جميعها تشكل مجاز الحرب بإشارات جمالية غير مباشرة تعلن عن نفسها اعتراضا على كل طامع يطيح برؤوس الأبرياء بغية إرضاء أطماعه في كل زمان ومكان لذا لم يلتزم القصب بالدقة التاريخية فمثلا بالنسبة للأزياء وظف(أزياء رجال الإطفاء باللون البرتقالي ) فضلا عن الإكسسوارات مثل (مطافئ الحريق ، النظارات ) وبالنسبة للآليات وظف مثلا (السيارة ، الدراجة النارية ) فعمل بذلك على تماهي الأزمنة وإلحاقها بالمعاصرة كضرورة خطابية تستهدف المتلقي المعاصر للنظر إلى واقعه المُرْ من زاوية فنية تناشده اليقظة للقتل الذي بات من المسلمات اليومية وتحول الإنسان إلى مجرد رقم في صفحة الوفيات ، ومسيرة الإنسان مجرد فلم عبارة عن شريط سينمائي ضمن تشظي علب الأفلام الفارغة والمومياءات المتناثرة على السيارة وحولها وفي داخلها والتي تحاول بعضها جاهده الخروج منها وهي تلصق بوجهها على زجاج السيارة ، إنها الأفكار حينا والأرواح حينا آخر ضمن جمجمة ماكبث المُدمِرة التي رمز إليها بالسيارة التي اتخذت مساحة تأثير درامي مع ما قدمته المفردات الأخرى مثل صقالات الحديد المرتفعة التي كانت بديلا عن القلعة فضلا عن أداء الممثلين الذي حرك الفعل الدلالي لهذه المفردات التي عمد القصب إلى تقديمها بصور سريالية تعتمد أحياناً عرقلة المعنى لدى المتلقي لتعزيز عنصر التأويل لاسيما بوجود شخصية مستر صفر بأزيائه باللون الأبيض ووجودها ضمن جو يعج بالإضاءة الحمراء بشكل يؤثر على طبيعة لون الزي الذي يرتديه ، فكان سعي القصب في عرض مكبث إلى استخراج الصورة السلبية للواقع وعرضها على المتلقي بوصفه جزء منها وليس خارجها .   
النتائج
1)اقترب المخرج  بوصفه متلقي للنص في العينات الثلاث ، من مفهوم ايكو بـ(المتلقي المتعاون) وذلك بما تمتع به المخرج العراقي من مساحة لقراءة منفتحة وحرة للنص ،وكما تكشف في العينة (1) في تعاطي المخرج عوني كرومي مع النص وتحويله إلى عرض ضمن بنية دائرية عبثية غيب فيها الاستدلال ألزماني ووجد مزيج وتداخل مكاني و تقاطع بالموضوع . وأيضاً في العينة (2) في تأويل المخرج سامي عبد الحميد لنص عطيل وتحويله لنص عرض خضع إلى الحذف والإضافة فيه فضلا عن طريقة معالجة الموضوع بشكل مطبخي .وكذلك في العينة (3) التي عالج فيها (القصب) النص برؤية تأويلية معاصرة .
2)دور المتلقي المستلم (المستقبل السلبي) كان اقل توظيفا بسبب توجه المخرجين في العينات الثلاث نحو تفعيل دور المتلقي وان جاء بمحددات مختلفة فمثلا في العينة (1) تم استلام المتلقين للمعروض أمامهم مع وجود حدود في العلاقة مع الممثل (مسافة جمالية) رغم تبديل أماكن المتلقين بين المشهدين . وفي العينة (2) فان دور المتلقي أيضاً تحدد بحدود الاستلام للمعطى المسرحي على الرغم من طريقة جلوس المتلقين المتداخلة مع العرض . وكذلك في العينة (3) سعى المخرج من خلال التوظيف المكاني المتداخل إلى تعزيز الدور الايجابي للمتلقي مع وجود محددات الأداء بين الممثل والمتلقي. 
3)دور المتلقي الناقد نشط في العينة (1) عبر أسلوب طرح موضوع المسرحية ، وظهر المتلقي الناقد بصورة أوضح في العينتين (2)و(3) بما أتاحه المخرجين من متطلبات لتحقيق ذلك بفعل تأويل الموضوع الشكسبيري وتقديمه برؤيا معاصرة عبر إعادة صياغة الأحداث بما يضمن إدخال مفردات معاصرة للمتلقي من حيث الموضوع والسينوغرافيا .
4) دور المتلقي المشرك بالعرض تميز بشكل جلي في العينات الثلاث عبر  التوظيف المكاني في علاقة المتلقي بالممثل ، كما في تبديل أماكن جلوس المتلقين بين المشهدين ، ورش ماء الورد على رؤوس المتلقين ضمن طقس العرض  في العينة (1) . وإدخال المتلقي ضمن حيز أداء الممثلين بوصفهم ضيوف المطبخ في العينة (2) . فضلا عن انتقال المتلقين بين مناطق التمثيل وتداخلهم المكاني في مساحة العرض في العينة (3). 
5) دور المتلقي المناقش لم يتحقق بشكل واضح في العينات الثلاث ، إذ لم يتم اخذ آراء المتلقين ومقترحاتهم خلال العرض أو إيقاف العرض بين فترة وأخرى استجابة لمقترح متلقي ما بشان موضوع العرض أو أداء الممثلين.
6)دور المتلقي الممثل ظهر محدودا في العينات الثلاث رغم سعي المخرجين لإدخال المتلقين في منظومة العرض ، إلا انه بقي في حدود إدخال المتلقين كضيوف وبتوجيه محدد من المخرجين ، ولم يقدم احد المتلقين أداء صوتي و جسدي وفق نص محفوظ مسبقا أو مرتجلا أو يدير حوارا حول موضوع معين ضمن مساحة العرض بحيث يغير مسار الأحداث أو يدخل مع الممثلين ليشارك مثلهم بنفس أدائهم . 
الاستنتاجات
1)حاول المخرج العراقي مواكبة التطور المسرحي وتقديم توجهاته التجريبية من خلال التأكيد على علاقة متغيرة بين الممثل والمتلقي ، إلا أنها كانت محدودة وتركزت بالأغلب على تداخل المساحة المكانية بينهما.
2)ابتعاد المخرج العراقي عن (دور المتلقي الممثل) ربما يعود إلى توجهه نحو تقديم رؤية فنية مسيطر عليها وان لا تترك للصدفة واجتهاد المتلقي الذي قد يذهب بعيدا بمسار الأحداث عما يرتئيه المخرج .
3)إن طبيعة النسق الثقافي للمتلقي العراقي تتطلب ممهدات أكثر لتقبل المشاركة الفعلية في العروض التي تستدعيه لذلك ،لأنها تحتاج إلى متطلبات ذاتية لدى المتلقي تمكنه من المساهمة الفاعلة دون تردد . أو تشجيعه من قبل القائمين بالعرض بطرق فنية مبتكرة . 
التوصيات 
1)إقامة دورات مسرحية لتنشيط دور المتلقي في التفاعل والدخول المباشر والايجابي بالفعل المسرحي وبطرق فنية لا تؤثر على جمالية العرض بل تغنيه وتسهم في تطويره .
2)تحفيز المخرجين على إقامة عروض مسرحية تستند إلى (المتلقي الممثل) لتكوين ثقافة جمعية لا تعزل تماما العرض عن متلقيه.
3)التأكيد في المناهج الدراسية الفنية – المسرحية على أهمية دور المتلقي المشارك الفاعل في العرض المسرحي .
المقترحات 
1)دراسة إشراك المتلقي في عروض المسرح العربي .
2)دراسة تقسيمات المخرج المسرحي وفقا لنظريات التلقي . 

المصادر 
 -*** : المعجم الفلسفي ،تصدير:إبراهيم مكور ،(القاهرة: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ، 1983م)، ص85.
 -صليبا (جميل):المعجم الفلسفي ،ج1( لبنان – بيروت: دار الكتاب اللبناني ،1982م )،ص567.
 -برنس(جيرالد):قاموس السرديات ،ط1، ترجمة :السيد إمام (القاهرة : ميريت للنشر والمعلومات،2003م)،ص10.
 -برنس(جيرالد):المصدر نفسه، ص164.
 - ينظر : خرماش ( محمد) : مفهوم القارئ وفعل القراءة في النقد الأدبي الحديث ، (في: مجلة الأقلام ، بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة ، وزارة الثقافة والإعلام ، عدد ( 5 ) ، 1999) ، ص 20 .
 - ينظر : ايزر ( فولفغانغ) :  فعل القراءة نظرية جمالية التجاوب في الأدب ، ت : حميد الحمداني وآخر ، (البيضاء .مطبعة النجاح الجديدة ، 1987 )، ص 30 .
 - ينظر : خضير (ناظم عودة) : الأصول المعرفية لنظرية التلقي ،ط1 (الأردن –عمان : دار الشروق للنشر والتوزيع ، 1997)، ص 159 .
 - ينظر : سلون (رامان):  النظرية الأدبية المعاصرة ،ط1، ت : سعيد الغانمي ،(بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر  ،عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع  ، 1996 )، ص 34 .
 - ينظر : سحلول ( حسن مصطفى) : نظريات القراءة والتأويل الأدبي وقضاياه ،(دمشق: اتحاد الكتاب العرب ، 2001 )، ص 34 .
 - ينظر : سلون ( رامان) : مصدر سابق ، ص 34 .
 - ينظر : خرماش ( محمد) : مصدر سابق ، ص 21 .
 - ينظر : خضير (ناظم عودة) : مصدر سابق ، ص 160 .
 - ينظر : سحلول (حسن مصطفى) : مصدر سابق ، ص 36 .
 - ينظر : خرماش ( محمد ) : مصدر سابق ، ص 21 .
 - ينظر : ايزر ( فولفغانغ) : مصدر سابق ، ص 24 .
 - ينظر : خضير (ناظم عودة) : مصدر سابق ، ص 161 – 162 .
 - ينظر : ايزر ( فولفغانغ ): مصدر سابق ، ص 26 – 27 .
 -حمودة (عبد العزيز): المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك ،(الكويت :عالم المعرفة ،1998م)، ص326.
 - ينظر : خرماش ( محمد) : مصدر سابق ، ص 20 .
 - سانشيت (خوسيه انطونيو): فن مسرحة الصورة ، ترجمة: خالد سالم، مركز اللغات والترجمة بأكاديمية الفنون، مراجعة : حسن عطية،( وزارة الثقافة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي: أكاديمية الفنون ، عدد 16،  2004 م)، ص15.
 -سرحان (سمير):تجارب جديدة في الفن المسرحي،ط1(الجيزة :هلا للنشر والتوزيع ،2006م)، ص10-11.
 -عبد الحميد (سامي): نحو مسرح حي ،ط1 (بغداد :دار الشؤون الثقافية ،2006م)،ص26.
 -عبد الحميد (سامي): مصدر سابق ، ص26.
 -ينظر : عبد الحميد (سامي): مصدر سابق ، ص26.
 -عطية (احمد سلمان):الاتجاهات الإخراجية الحديثة وعلاقتها بالمنظر المسرحي في العراق ،أطروحة دكتوراه غير منشورة ،كلية الفنون الجميلة ،جامعة بغداد ،1996م،ص39 ، ص 43.
 - ينظر: فريد (بدري حسون ) و سامي عبد الحميد : مبادئ الإخراج المسرحي (العراق : وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، 1980م) ، ص 70.
 - فريد (بدري حسون) وسامي عبد الحميد : المصدر نفسه ، ص 70.
- زكي (احمد): المسرح الشامل،(لبنان: المركز العربي للثقافة والعلوم، د. ت )، ص20.
 - ينظر : هبنر (زيجمونت ).جماليات فن الإخراج ،ت: هناء عبد الفتاح ،(القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م )، ص179.
 -بينتلي (ايريك): نظرية المسرح الحديث ،ترجمة : يوسف عبد المسيح ثروت (العراق : دار الشؤون الثقافية العامة ، 1975م) ،ص82 .
 -عبد الحميد (سامي): مصدر سابق ،ص26.
 -سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 10 .
 - سرحان (سمير): مصدر سابق، ص 16-17 .
 - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 18.
 - ينظر: زيجمونت هبنر، المصدر السابق، ص224- ص230.
 - ينظر:اينز (كريستوفر): المسرح الطليعي. ت: سامح فكري.(القاهرة: مطابع المجلس الأعلى للآثار، 1994)، ص286 – 289.
 -ينظر: زكي (احمد): المسرح الشامل،(لبنان: المركز العربي للثقافة والعلوم، د. ت )، ص25 - 26، ص28.
 -ينظر : سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 139.
 - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 153-154.
 - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 154.
 - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 154.
 - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 106.
 - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص 107-108.
 - سرحان (سمير): مصدر سابق ،  ص 265.
 - سرحان (سمير): مصدر سابق ، ص297.
 -ينظر : السادة ( أثير): مدخل إلى تجربة مسرح المقهورين ،www.masrahi.net  . ص1.
- see :++++. theatre of the oppressed: http://www.mandalaforchange.com/index.htm
 -شايكين (جوزيف) : حضور الممثل ،ترجمة وتقديم :سامي صلاح ،مراجعة هاني مطاوع (مصر :مطابع  الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1999م)، ص231.
 -جادامر ( هانز  جيورج ). تجلي الجميل ومقالات اخرى ، تحرير: روبرت برناسكوني ،ت:سعيد توفيق ،(مسقط :المجلس الأعلى للثقافة –المشروع القومي للترجمة طبع بالهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية ،1997م)، ص158 .
 - ينظر: ميسون ( بيم ): مسرح الشارع والمسارح المفتوحة ، ت: حسين ألبدري ، مراجعة :محمد عناني (القاهرة : مطابع المجلس الأعلى للآثار ،1997م)،ص65.
 - كاي (نك) : ما بعد الحداثية والفنون الأدائية ، ط2 ، ترجمة :نهاد صليحة ،(مصر : الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1999م)،ص59.
 - كاي (نك) :المصدر نفسه ، ص60.
 -كاي (نك) : المصدر نفسه ، ص64.
 -كاي (نك) : المصدر نفسه ، ص69.
الملاحق
ملحق رقم (1) يبين جدول مجتمع البحث
ت أسم المسرحية المؤلف أو المعد المخرج سنة الإنتاج
1. الملك لير شكسبير صلاح القصب 1985
2. خيط البرسيم يوسف العاني فاضل خليل 1986
3. ترنيمة الكرسي الهزاز فاروق محمد عوني كرومي 1986
4. هوراس بيركورنيه بدري حسون 1987
5. بيرو شناشيل عباس حربي عوني كرومي 1988
6. مكبث وليم شكسبير شفيق المهدي 1989
7. ليلة خروج بشر بن الحارث حافياً عزيز عبد الصاحب سامي عبد الحميد 1990
8. جسر آرتا جورج ثيوتوكا بدري حسون فريد 1990
9. حفلة الماس خزعل ألماجدي صلاح القصب و كريم رشيد 1991
10. قمر من دم يوسف الصائغ فاضل خليل 1992
11. الناس شفيق مهدي شفيق مهدي 1993
12. الليالي السومرية لطيفة الدليمي سامي عبد الحميد 1994
13. مئة عام من المحبة فلاح شاكر فاضل خليل 1995
14. عطيل في المطبخ أعداد: سامي عبد الحميد سامي عبد الحميد 1996
15. فاضل خليل سيدرا خزعل ألماجدي 1996
16. ساعي البريد عادل كاظم سامي عبد الحميد 1999
17. مكبث وليم شكسبير صلاح القصب 1999
18. الجنة تفتح ابوابها متاخرة فلاح شاكر محسن العلي 2000
ملحق رقم (2) يبين جدول عينة البحث
ت أسم المسرحية المؤلف أو المعد المخرج سنة الإنتاج
1. ترنيمة الكرسي الهزاز فاروق محمد عوني كرومي 1986
2. عطيل في المطبخ أعداد: سامي عبد الحميد سامي عبد الحميد 1996
3. مكبث وليم شكسبير صلاح القصب 1999

----------------------------------------------------------------
المصدر :   مجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية   المجلد 4/ العدد 244


تابع القراءة→

الثلاثاء، مايو 24، 2016

الايقاع في الكوريغرافيا / د.ليلى محمد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

مقدمة:

فن الرقص الكوريغرافيا،هو ذلك الاداء الحركي الراقص الذي يمتلك القدرة على التعبير الدلالي في توصيل الافكار والاحاسيس والحالات،والذي ينشأ في الفضاء المسرحي ويتحدد بواسطة الجسد المؤدي،سواء اكان راقصاً ام ممثلاً او مؤدياً،فهو نوع مسرحي يمتلك كافة شروطه الدرامية باعتبار ان الرقص/الحركة يمتلك بعداً تأسيسياً مقترناً بظهور المسرح،وسبباً اساسياً في قيامه.

ان الجسد الراقص المؤدي يؤسس علاقاته الحركية في الفضاء المسرحي،من خلال الحركة ومحاورها(التكوين والتشكيل)،والتي تستثمر الخطوط الهندسية بكافة انواعه ا(المستقيم،المنحني، المنكسر،الدائري)،وذلك عن طريق تنظيم علاقات حركية ما بين الاجساد المشاركة،و ما بين اعضاء الجسد الواحد واشتغاله مع العناصر السينوغرافية، على اعتبار ان جسد الممثل/الراقص وحضوره اقوى اداة سينوغرافية ترتسم من خلالها وبواسطتها كافة العناصر المشيدة للعرض، كما ان فن الرقص/الكوريغرافيا يعتمد الى حد كبير على حضور الممثل/المؤدي وطاقاته في انتاج لغة يكتسبها الجسد لوحده او بمساعدة المنطوق/الحوار.


ان الحركة الراقصة،تخاطب الحسي والعقلي،وذلك من خلال خاصيتها الحركية في انشاء علاقة بصرية مع المتلقي،وعن طريق اعتمادها على ذاكرته البصرية(الحركية)،التي تمنحها الايجاز والتكثيف لتوجز ماتقوله الكلمات،او ما لاتقدر ان تقوله،كما ان فن الرقص/ الكوريغرافيا يعتمد على الارتجال الحركي للمؤدي المشارك،بهدف التعبير عن الذات المفكرة بوصفها جسداً متحركاً/راقصاً.

لذا فأن البحث يسعى الى التعريف عن هذا الفن الوليد في مسرحنا العراقي، ،وكيفية تعامل الممثل/الراقص،والمصمم /المخرج معه،ومدى وكيفية افادة الممثل منه عن طريق تطوير قابليات جسده الحركية والفنية الاخرى،بغية استثمارها في العرض الراقص،وكذلك في العرض المسرحي الغير راقص.

يمثل الايقاع عصب الحركة بكل اشكالها فهو (( نبض الحياة وعلامة من علاماته، وقد يكون الايقاع مسموعاً او مرئياً او ملموساً او مشموماً او مذاقاً)) (1)، ويقسم الايقاع الى ظاهري وباطني،بالايقاع الظاهري هو ذلك الذي يمكننا رؤيته في الطبيعة من حولنا مثل حركة الافلاك والليل والنهار،(( ان تكرار الحوادث والظواهر الذي يعطي للانسان انطباعاً عن الزمن فهذا التكرار هوايقاع الحياة)) (2) وقد يكون الايقاع محسوساً كما في الشمس والقمر،فإيقاع الشمس ايقاع افقي الحس،اما ايقاع القمر فهو ايقاع عامودي حسياً.فالايقاع يعتمد على الزمن وتكراره،فإذا لم يتكرر بأزمان قياسية ثابتة فلا يكون ايقاعاً،وان الايقاع قبل ان نراه في الطبيعة والكون من حولنا نتحسسه داخل اجسامنا بدءاً من نبضات القلب ،الى كافة العمليات البيولوجية اليومية والشهرية مثل “التنفس،الجوع،النوم…” وصولاً الى اصغر خلية في أجسامنا وكيفية عملها،فكل تلك العلميات البيولوجية تقوم على الزمن والتكرار وكذلك جميع الكائنات الحية. (( إن ظاهرة ايقاعية الزمن وانتشارها في كل ما هو حولنا يجب اعتبارها من الامور الاساسية التي تتصف بها الكائنات الحية)) (3)فالايقاع سواء في اجسامنا او في غيرها من كائنات ، هو المؤشر الاول على الحياة واستمراريتها .لقد تنبه الانسان منذ القدم الى اهمية الايقاع لتنظيم الأعمال الجماعية مثل “الحصاد،التجذيف،الصيد…” والذي يهدف الى توحيد حركة المجاميع وتوفير الجهد الحركي للمجموعة،حيث يستخدم التشديد او النبر اثناء الغناء على حرف أو اكثر من حروف الكلمة لتحديد الايقاع الحركي وضبطه(4)، وربما يتولى شخص واحد مهمة الغناء الايقاعي في العمل الجماعي، اوتضطلع المجموعة ذاتها بمهمة الغناء والترديد لتوحيد وتنظيم ايقاع العمل،فالغناء المنفرد/الجماعي والحالة هذه يأخذ مهمة العد،إضافة الى تنشيط الاحاسيس العاطفية،والمشاعر الانسانية الجماعية عن طريق كلمات الاغنية.(( ان الغناء والموسيقى قد نتجا عن الاندفاعات الانفعالية للصوت البشري والالات الموسيقية التي استخدمتها الشعوب الاولى لتسير العمل الذي كان يتطلب جهداً شاقاً)) (5) وتتعدد الاراء حول نشأة الموسيقى والغناء(*)،ولكنها تتفق على انها ترتبط بالايقاع والذي يعتبر ركيزة يقوم عليه الغناء والموسيقى وكذلك يشكل الايقاع الاساس للفنون الثلاثة التي اسست للمسرح ،الرقص والموسيقى والشعر((والتي لا تشكل سوى فن واحد في الاصل وقد كان منبعها الحركة الايقاعية الصادرة عن الاجسام البشرية المندرجة في العمل الجماعي )) (6) ،فهذه الفنون الثلاثة والتي قام عليها المسرح الاغريقي هي فنون تتأسس بنيتها الفنية من الايقاع،سواء اكان مسموعاً كما في الشعر والموسيقى،أم كان محسوساً كما في الحركة الراقصة.ويعرف الايقاع المسرحي ،بأنه ((تكرار وحدات حسية متفاوتة بالقوة والضعف وبالبروز والاختفاء وبين كل وحدة واخرى مسافة او زمن معين وبين كل عنصر من عناصرها ايضاً مسافة وزمن)) (6)، بمعنى ان الايقاع المسرحي سواءاً كام ملموساً او محسوساً هو تتابع وتكرار لأزمان متساوية تختلف من عنصر الى أخر ومن حالة الى اخرى، فإيقاع الحزن يتميز بالبطىء والثبات،وبعكسه ايقاع الفرح يتميز بالسرعة والتنويع،بمعنى ان الاختلافات الايقاعية للحالات او الالوان والعناصر المشيدة للعرض تحدث نتيجة الطول او القصر ما بين الوحدات الزمنية المكونة للايقاع ذاته،ففي الايقاعات الحزينة تطول مدة الوحدة الايقاعية،كما تطول الوحدات السكونية مابين تلك الوحدات،كما في موسيقى وايقاع المشي في الجنائز او المارشات العسكرية،اما في الايقاعات الفرحة فيحدث العكس تماماً حيث تقتصر طول الوحدة الايقاعية الواحدة كذلك تقصر فترات السكون ما بين الوحدات الايقاعية كما في ايقاع الافراح والاعياد سواءاً في الموسيقى والرقص او حتى الالوان المميزة والمتعددة لملابس المناسبات السعيدة،إضافة الى التنوع والتعدد للايقاعات المفرحة المسموعة /والمرئية. ويقوم الايقاع الحركي بصفة عامة- والمسرحي منه-على الحركة والسكون،او من خطوة وأخرى وسكون،حيث بين الخطوة الاولى والثانية زمن محدد،وبين الخطوتين والسكون او التوقف زمن آخر،وكلما قصرت المسافة بين خطوة وأخرى او سكون وخطوة او خطوتين يتحول الايقاع الى السرعة فهي عنصر من عناصر الايقاع بشكل عام(7)، وان الايقاع الحركي ((ايقاع الحركات “الزمن” هو المقياس للتناسب “او النسبة” بين أجزاء الحركة. وتتعين من خلال ايجاد النسبة بين الاطوال الزمنية لأجزاء الحركة لذا فالايقاع هو كمية لاقياسية “او لا رتيبة)) (8)،حيث يتميز الايقاع بالحيوية والتغيير اضافة الى التنظيم فهو ((أول ما يسهل على الانسان الاحساس به في الموسيقى وقد يرجع ذلك الى انه من العناصر الاساسية في الطبيعية،فهو يتمثل في صورة دقات او نبضات متتابعة مرتبة من مجموعات واضحة تحددها نقط ارتكاز متتابعة،ويعطي للموسيقى معنى خاص بتكوينها وحيويتها،فالايقاع روح الرقص،وروح الموسيقى،وروح الشعر)). (9)ان التنويع الايقاعي ضرورة من ضرورات الرقص الكوريغرافي     -والرقص عموماً- اضافة الى كونه هدفاً من الاهداف الفنية في المسرح،والتي تفرضها المواقف والافكار والمشاعر سواءاً للتعبير عن الفكرة الفلسفية للعرض، او بهدف التسويق وابعاد الروتينية والرتابة والملل لدى المشاهد(10).ان معرفة واهتمام الراقص/المؤدي/الممثل بالايقاع الحركي،تساهم في توفير الطاقة المبذولة للأداء الحركي ،وذلك عن طريق تقسيم كميات القوة /الطاقة “Effort” الجهد على مراحل زمنية منتظمة ومتناسقة،((اي اخراج القوة بالقدر الامثل في الزمن المناسب مثل ايقاع راكض الحواجز او ايقاع راكض المسافات الطويلة وايقاع الحركات المتكررة في التجذيف او الجمباز))(11)، وكافة انواع الاداءات الرياضية ،فالراقص/الممثل –كما الرياضي- ومن خلال معرفته واستخدامه للأيقاع الحركي،يسعى الى توفير جهده وطاقته المبذولة في اداء الحركات الراقصة او الحركات المسرحية الاخرى ،وعدم الاحساس بالتعب ومحاولة احتفاظه بحيويته الحركية و الادائية ونشاطه طوال فترة العرض. ويرتبط مفهوم “الايقاعRhythm”بعنصر الزمن (12)، سواء في انجاز الحركة او في توفير الجهد المبذول للانجاز،حيث يميل الجزء الاسفل من الجسم الى استخدام الايقاع المنتظم في الاداء-كما في حالة الرقص- في حين يتعامل الجزء العلوي من الجسم والاطراف مع الايقاع الحر و الغير منتظم والذي يعكس دينامية الحركة وتعبيرتها (13)،فحركات الرأس او اليدين في حالة الرقص لايعني بأنها حركات تفتقر الى النظام والترتيب،بل انها حركات انسيابية/مرنه/لينة/،كما في الرقص الشرقي او الباليه،فإنسايبية الحركة تعني استخدام قوة قليلة/جهد في زمن طويل نسبياً (14)،فحركة العسكري -في حالة الاستعراض – بالنسبة للقدمين واليدين والجسم بأكمله تتميز بإلتزامها بالايقاع المنتظم،اما حركة الراقص-في الغالب- فهي حركات مبنية على الايقاع المنتظم والايقاع الحر اللامنتظم ” الحركي ” ، ويتجلى ذلك في رقص “الفلامنكو” للراقص او الراقصة، حيث تشيد ثنائية التوافق الايقاعي لحركات الجسد في الجزء الاسفل مع الايقاع الموسيقي وضرباته وانسيابية حركة اليدين والخصر-الجزء العلوي- روح الاداء وشكله المبني على التباين ما بين أعضاء الجسد للرقص الاسباني”الفلامنكو”.ويرتبط الايقاع بشكل مباشر بالتنفس كونه عملية “ارادية ولاارادية”، ففي حالة النوم يكون عملية لا ارادية ،ويصبح التنفس عملية واعية/إرادية في حالة التنظيم لحركات الشهيق والزفير مع الايقاع الحركي(15)،كما في حالة الرياضي او الراقص والممثل ايضاً – وذلك من خلال اتباع نظام للشهيق والزفير وعدد محدد من الخطوات والحركات .

والايقاع صفة مميزة من صفات الاشخاص عموماً، سواء أكان ايقاعاً لفظياًاوحركياً،فكل شخص/انسان يتحرك او يتكلم بإيقاع يختلف عن ايقاع انسان أخر،ودائماً ((هناك نوع من الايقاع الداخلي يجري طوال الوقت من اي شخص)) (16)، ويؤثر الايقاع الشخصي في كل شيء بدأ من المكان الى الاشخاص،الممثلين، المتلقين وقد يتصادم ايقاع الافراد وربما يتألف ويتوافق(17) و يتأثر الايقاع ويتغير في حالة تعرض الانسان الى مثير عاطفي فيظهر ذلك من خلال التنفس،كما يختلف ايقاع الشخص المضطرب عقلياً عن ايقاع الانسان السوي. ان اي نشاط يقوم به الانسان-بحسب ستانسلافسكي- سواء أكان لفظياً ام حركياً او تأملياً ،فهو يتكون من لحظات انتباه وتركيز ثم استرخاء(18)،اما الشخص المضطرب عقلياً او المعصوب ،فيخرج عن الايقاع الطبيعي في حركته والفاظه وحتى افكاره ،وذلك من خلال تقليص فترات الاسترخاء بالقياس الى الشخص الطبيعي،ويتنفس الشخص المثار عاطفياً اسرع من الشخص العادي، ويكون تنفسه من الفم بدل الانف(19) وذلك لحاجته المتزايده الى كمية اكبر من الاوكسجين ، ومن هنا يكون الممثل بحاجة الى تمارين الاسترخاء التي قال بها” ستانسلافسكي وغيرها اكان في تدريباته او في العروض المسرحية بغية التوصل الى حالة الاسترخاء العضلي وشحذ الطاقة للممثل،فالطاقة على المسرح ليست هي ذاتها في الحياة اليومية فإذا كان الراقص/الممثل/المؤدي متوتراً ، فسيكون من الصعب عليه ان يظهر أحاسيسه ويتحرك او حتى يفكر(20)،فالتوتر هو انشداد عضلي- بما فيها الصوت –وهو يعيق الحصول على الطاقة المسرحية التي هي اعلى من الطاقة اليومية/الحيايتية، فحتى الهمس على المسرح بحاجة الى طاقة اعلى من طاقة الهمس اليومية، ان الاسترخاء يبعد التوتر من خلال التمرين والتدريب المتكرر ((بحيث يكون لديك اداة جسمانية تعمل باحساس من السلاسة، ولكنها قادرة على التوتر حينما تريدها ان تتوتر وقادرة على الا تتوتر عندما لاتريد لها ذلك)) (21)، بمعنى ان تمارين الاسترخاء تحول عملية التوتر اللاارادية الى عملية ارادية ويمكن الافادة منها في الاداء عموماً وخصوصاً الاداء الجسدي/الراقص .

ان الحركة – اية حركة- هي تغيير من وضع الى أخر،وتعرف الحركة ((بأنها انتقال جسم معين من حال الى حال زمنياً ومكانياً))(22).وتستلزم الحركة صفات محددة منها،الاتجاه “يمين،شمال،اعلى،اسفل” والسرعة ” بطيئة،سريعة،متوسطة” وكذلك الطاقة والتي هي صفة اساسية لأنجاز الحركة وهي الجهد المبذول او التحكم بذلك الجهد للوصول الى الانجاز الحركي،والتقدم الذي يعني عدد التغييرات المتحققة ضمن ذلك التقدم الحركي(23)،والحركة الراقصة قد تكون موضعية او انتقالية، وتحتاج الحركة الانتقالية الراقصة الى مجهود عضلي اكبر من الحركة الموضعية الراقصة في الاغلب، فالايقاع الحركي ((هو التغيير المنظم في المكان وايقاع الحركة هو العلاقة بين الطاقة المخزونة والطاقة المستهلكة. ويتأثر الايقاع بالتتابع الحركي…فالجسم المتحرك أكثر مؤكداً من الثابت)) (24).

ان التتابع الحركي يعني مجموعة حركات تكمل بعضها في تشبه الجملة الكلامية ،فالحركة الواحدة في الجملة الحركية بمقام الكلمة في جملة طويلة،فإذا كانت الكلمة لوحدها لا تكشف عن معنى الجملة، فكذلك الحركة الواحدة لا يكتمل بها المعنى ،فالتتابع الحركي يعني اختيار حركي معين وترتيبه في انساق معينة تنظيمية تهدف الى ايصال معنى ما من خلال سياق معين لمجموعة حركية مشكلة لجمل جسدية تدل عن مفاهيم وافكار قد لا تقدر الجمل الكلامية ان تقولها. وحركة الرقص         وإيماءته((ليست إيماءة حقيقية،بل مفتعلة ..انها حركة حقيقية فعلية،ولكنها تعبير ذاتي مفتعل))(25)،فالطاقة اوالقوة تسفر عنها”حركة، قفزة،إنحناءة،…” للتعبير عن المعنى بوسيلة حركية بدل الوسيلة اللفظية، فالحركة((هي جوهر الرقص ومادته كما انها-حرفياً- الموقع الذي يكمن فيه معناه)) (26)،لكن ذلك لا يعني استغناء الراقص الكوريغرافي عن العناصر المسرحية الاخرى،بل تتمايز ادوارها مثل ” الديكور، الزي،المكياج”فلاضاءة المسرحية في العرض الراقص قد تحظى بدور متقدم عن المسرحية غير الراقصة وذلك لما يمكن ان يحققه الضوء من وظيفة حسية مساعدة للحركة ،((يجب ان يكون التنويع والتغيير في تركيز الاضاءة سريعاً مع ملاحظة تناسبها وانسجامها مع ايقاع وجو الحركة)) (27)،فاللون يتشكل ايقاعياً مع الحركة من خلال التأكيد او عدمه،إضافة الى التوضيح والفرز والعزل والتصغير،اضافة الى دلالة اللون و الضوء الفلسفية/والجمالية في تحقيق الالهام الطقسي للعرض الراقص. اما الموسيقى فتمارس دوراً كعنصر مؤسس ومساعد في الرقص و الرقص الكوريغرافي،سواء اكانت ملحنة خصيصاً للعرض او تم اختيارها ،فهي تؤكد التزامها بالايقاع والمقامية(**)، وان الراقص-والممثل ايضاً- بحاجة الى معرفة اولية/اساسية/للاوزان الموسيقية والمفاتيح اللحنية من خلال التثقيف الموسيقي العام/العالمي،والخاص/المحلي،فهناك ايقاعات عديدة للموسيقى الغربية منها “4/4،2/4،3/4” وغيرها، كما ان هناك ايقاعات عربية ومحلية منها ايقاع “الجورجينا”و”ايقاع المصمودي الكبير” و”ايقاع الهيوه” وغيرها من الايقاعات المحلية/العراقية.وتتأسس بنية الايقاع الموسيقي عموماً على “دم” ضربة قوية، و”تك” ضربة خفيفة و”سكوت”، ويختلف عدد الدم ،التك او السكون” من ايقاع الى أخر(28).وتتكون الحركة الراقصة من مجموعة حركات صغيرة وتسمى((الوحدات الحركية الصغيرة”احاريكKinemes”والتي ترتبط قواعدياً مع اشكال حركية أخرى ،بشكل بالغ التعقيد-مركب اشكال الحركة Complex Kinemorphs)) (29)وان لكل وحدة حركية صغيرة ايقاعها الحسي الخاص-و ليس الزمني-والذي يساهم في اطلاق وتحديد ايقاع الجملة الحركية حسياً واضافة الى الايقاع الزمني المحدد،بإعتبار ان عدة اعضاء جسدية تسهم في انجاز الجملة الحركية،فحركة الكف- مثلاً – لها ايقاع يختلف عن حركة الذراع بأكمله،وحركة القدم تمتاز بإيقاع اقوى من حركة اليد المنسابة ،واذا ما ساهم الجذع فسوف يضاف ايقاع حركي/حسي اخر-إضافة الى الايقاع الزمني-وبالتالي تخرج عدة ايقاعات نتيجة مساهمة اطراف عدة من الجسد في الجملة الحركية،اما التشكيلات والتكوينات والتي تتميز بالصلابة والثبات وربما حتى الجمود في الحركة(30)، كما في وضعية راقص/راقصة “الفلامنكو” او وضعيات مصارع الثيران “الاسباني” الجسدية،فالرأس يميل لأحد الجانبين والنظر الى الارض ،والجسم متصلب/مشدود واليدان تأخذ وضعاً مغايراً للرأس والجسم،والخصر يتجه الى أحد الجانبين وغيرها من تفصيلات جسدية .

ان التشكيل/الوضعيات في المسرح الراقص/الكوريغرافي يعول عليها كثيراً في التصميم الحركي،بهدف استثمار وتوظيف اجساد المجموعة المشاركة في الرقص،حيث تتشكل وتتكون تلك الاجساد مزهرة عن ايقاع متنوع،فكل راقص/مؤدي له ايقاعه الجسدي الخاص والمختلف عن ايقاع زميله،سواء أكان ذلك الايقاع نابعاً من الحس الشخصي للراقص او بسبب بنية وهيئة جسد الراقص نفسه”الطول،المقاييس الجسدية”واختلافها عن راقص اخر،إضافة الى الايقاع الموسيقي،فـ((الموسيقى الحديثة تبرز ايقاعات الرقص…أكثر من ابرازها للهارموني او التوافق النغمي كما انها توجه اهتماماً أكبر نحو الصورة أكثر من اهتمامها بالحرفية الموسيقية عالية المستوى)) (31).

اننا نرى بأن هناك وفرة ايقاعية في العرض الراقص وذلك ما يميزه عن عرض أخر،فإذا كان الايقاع = زمن

ففي العرض الراقص يكون الايقاع= زمن+حس+شكل فالحركة الراقصة هي الشكل والمعنى في آن واحد.((ان الايقاع الحركي على المسرح يرتبط بالتقسيم الديناميكي الزمني للحركة ،اذ يمكن للمتلقي ان يحس بحالة التوتر القائمة بين الشخوص والاحداث في العرض المسرحي وتملثلها في نفسه)) (32).ان الحركات الراقصة- على اختلاف انواعها- تحتوي على مجموعة شحنات تنتقل عن طريق الدم،ونشاهد انعكاسها على وجه الراقص،احمرارً،فرحاً،ألقاً، فطاقة الحركة متغييرة تبعاً لنوع الحركة ما بين السريعة /القوية /المتوترة،او الانسيابية/المرنة/اللزجة،او المتعرجة/المتكسرة/الحلزونية…وغيرها،فكل حركة من هذه الحركات لها طاقة معينة وشحنات محددة،قد لا نتمكن من قياسها الا بواسطة اجهزة معينة،لكن تلك الطاقة التي يؤكدها “باربا” موجودة حتماً لأن المتلقي يحسها وان لم يكن مشاركاً في الرقص،فالشحنات طاقة تنتقل في المكان وليس في الجسد الواحد فقط(33). ويرى “باربا”،بأن الحركة تتضمن طاقة “ذكرية Animus” وطاقة “انثويةAnima” وان هذين النوعين من الطاقة ليست لها علاقة بجنس الممثل /او الممثلة وحتى جنس الشخصية المؤداة،وهي عنصر متواري لدى الرجل والمرأة.اننا نشابه هاتين الطاقتين،كما الهرمونات الذكرية والانثوية لدى الرجل او المرأة فهي     -الهرمونات- تتكشف اوتتوارى بحسب نوع الجنس ولكنها موجودة لدى الجنسين،وان طاقة (Animuse &Anima) – بحسب “باربا” لا تنتمي الى السلوك اليومي/الحياتي للرجل والمرأة،بل انها تنتمي الى طاقة الممثل في المستوى غير التعبيري”un-Expressif” لدى الرجال والنساء،ونراها متجسدة في المسرح الشرقي/الاسيوي لفن “الاوناجاتا”(34).


وكما يرى”يونع” واتباع مدرسته ،بأن النفس الانسانية تحتوي على مستويين هما “مذكرAnimus” و “مؤنث Anima” يوجدا لدى كل انسان رجلاً كان ام أمرأة ،واحياناً يتخاصمان او يتعاونان(35).لكن “باربا” لا يرى علاقة ما بينه وبين “يونغ” في “الانيما والانيموس”(36).

ويرى “باشلار” متأثراً بطرح “يونغ” ،بأن(( حلم اليقظة في أبسط وانقى حالاته،ينتمي…..الى الانيماAnima)) (37)، بمعنى ان “باشلار” يربط مستوى “Anima” كونه سبباً للراحة والسكنية في الحلم .اما الكوابيس والقتل والخوف فهو بسبب المستوى الثاني “Animus”.

ويتميز الرقص الهندي بقطبيه او مبدأيه الرقيق ويسمى” لسايا Lasya”والنشيط ويسمى “تندافا Tandava” وهي طريقة لأداء الحركات لا علاقة لها بجنس المؤدي،ويمتد هذان العنصران في الرقص الهندي الى جميع العناصر المشاركة في العرض “كالحركة،الازياء،الموسيقى” وكذلك نجده في رقصات “بالي”(38). ان الطاقة المصاحبة لاية حركة “الانثوية والذكرية” يحصل عليها الممثل/الممثلة- بحسب “باربا”- من خلال التدريبات الحركية والنفسية ،بهدف الافادة منها في تجسيد الشخصيات حركياً،سواء أكانت حركات راقصة او حركات مسرحية ،فعلى سبيل المثال ان شخصية “عطيل”-قبل وقوعه في الشكل- تمتاز بحركات قوية/مباشرة/صلبة،ذات طاقة ذكرية “Anima”،اما شخصية “ياغو” فذات حركات ملتوية/لزجة/غير مباشرة/متموجة،ذات طاقة “انثويةAnima”.

ان الطاقة “الانثوية والذكرية”وسيلة لأدراك جسد الممثل/الممثلة،للوصول الى اقصى درجات التحكم به،وفرصة لأبراز براعته/براعتها(39)،وان بالامكان الافادة منها في شخصية المرأة المتسلطة او العاملة/او المُمتهِنة لمهنة عضلية،حيث تبرز الممثلة الطاقة “الذكوريةAnimus “كطابع حركي للحركات الجسدية الراقصة والحركات المسرحية عموماً.أننا نرى بأن الطاقة “الذكرية والانثوية” هي بمثابة نبض ايقاعي للحركة التي تؤديها الممثلة/او الممثل والتي بإمكانها ان تكشف عن حياة الشخصية-دون الحاجة الى القول- من خلال التركيز على تلك الطاقة النابضة والمعبرة عن الفكرة الفلسفية للشخصية او العرض المسرحي الراقص وغير الراقص للوصول الى الخصائص الشمولية للجسد حيث يلجأ الراقص/المؤدي/الممثل الى التأكيد على ايقاعية الحركة،وذلك من خلال التنقل ما بين التوتر والتقطيع والانسيابية و الشدة والمرونة وغيرها من عناصر الحركة والتي تعلن عن الطاقة المصاحبة للحركة المؤداة،وليس المقصود من الطاقة “الذكرية والانثوية” الجهد “Effort” العضلي المطلوب لأنجاز الحركة،فالحركة الانسيابية/المرنة/او السائلة،بحاجة الى جهد عضلي ايضاً، ويتحقق الجهد من خلال الانبساط والشد للعضلات اضافة الى العظام و المفاصل والاعصاب والشرايين و الاوردة،فجميعها تشارك في تحقيق الانجاز والاحساس الحركي لحركة(40) بعينها.ان الاداء في الرقص الكوريغرافي ينظر اليه ((على انه فعل جسدي يجسد خصائص عالمية معينة مثل الرشاقة،النسبة،التوقيت))(41)،حيث تتحول لغة الجسد الحركية الى مؤشر للتشابه الجسدي والشمولية.وان الممثل المسرحي-كذلك الراقص- بحاجة الى زمن تدريبي معين،بهدف الحفظ وتثبيت الحوار المسرحي/الملفوظ، وتساهم الحركة المسرحية “اليومية والجمالية” من تمكين الممثل من عملية الحفظ وذلك عن طريق ربط حركة معينة او ايماءة جسدية/حركية بجملة حوارية،فغالباً ما يجد الممثل صعوبة في حفظ الحوار/اللغة،وقد يلجأ الممثل الى استراتيجية معينة لتركيز وتثبيت الحوار عن طريق الحركة او الايماءة، فالتقدم -مثلاً- نحو طاولة او رفع الكأس او الامساك بالكرسي ،هذه الحركات والايماءات الجسدية او الاشارية تسهل عملية ربط الحوار المعين لجملة ما،بالحركة او الايماءة ،فالذاكرة بشكل عام لاتحفظ الارقام او الكلمات بل تحفظها على انها صورة، والمعلومة- اي كانت – تحفظ بداية في الذاكرة سريعة الحفظ، وبعد ان ترمز تنقل الى الذاكرة طويلة المدى(42) والحركة باعتبارها متشكلة صورياً/شكلاً،تمتاز بسهولة الحفظ وتسريعه وتثبيته في الذاكرة كما تساهم الموسيقى وايقاعاتها في المسرح الراقص/الكوريغرافي في تسهيل وتسريع الحفظ للحركة-اوالحوار- اضافة الى ايقاع الحركة ذاتها،فالايقاع يتشابه مع الكلام المقفى او السجع،والذي يقوي الذاكرة (43)، ويسهل عملية الحفظ طويلة المدى،مما يجعل الافادة منه ضرورية للممثل/المؤدي/الراقص،سواء في المسرح الراقص او الانواع المسرحية الاخرى.


المصادر والهوامش

(1) سامي،عبد الحميد:حركة الممثل في فضاء المسرح،بغداد:المركز العلمي ط1،س2011،ص12.



(2) خزعل،الماجدي:موسوعة الفلك،(عمان- الاردن)،دار اسامة للنشر،س2001،ص19.

(3) عبد المحسن،صالح:الزمن البيولوجي،عالم الفكر،المجلد الثامن،العدد الثاني،ص358.

(4) ينظر: داريوفو،دليل الممثل،تر،هند مجدي،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(16)،س2004،ص67.

(5) جيلين، ويلسون،سيكولوجية فنون الاداء،تر،شاكرعبد الحميد،الكويت:المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب،س2000،ص 281.

(*) بخصوص نشأة الغناء والموسيقى ،يرى (دارون) بأنهما قد ظهرا كشكل من اشكال ابداء الغزل، في حين يرى (سبنسر) بأننا حين نستثار ترتفع اصواتنا وتحدد الفواصل وتنتظم المسافات بين الكلام، في حين يؤكد(نادل) بأن الموسيقى والغناء هي لغة خاصة اخترعها الانسان البدائي بإعتبارها تشبه كلام الالهة والشياطين،بهدف استخدامها في الاحداث الغير عادية لمعرفة المزيد،ينظر: جيلين،ويلسون:المصدر السابق، من ص 277-284.

(6) سامي ،عبد الحميد: حركة الممثل في فضاء المسرح،مصدر سابق،ص12.

(7) ينظر:المصدر السابق،ص12.

(8) عبد الكريم،صريح الفضلي: تطبيقات البيوميكانيك في التدريب الرياضي والاداء الحركي،الاردن:دار دجلة،ط1،س2010،

،ص360.

(9) فاطمة،عبد الحميد السعيد:الاسس العلمية والتشريحية لفن الباليه ،الهيئة المصرية العامة للكتاب،س1973،ص78.

(10) ينظر: سامي ، عبد الحميد:حركة الممثل ،المصدر اعلاه،ص 13.

(11) عبد الكريم،صريح الفضلي: تطبيقات البيوميكانيك ،مصدر سابق،ص13.

(12)ينظر: جين،نيولاف:منهج لابان للممثلين والراقصين،تر،نيفين جلال الدين،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(10)،س1998،ص65.

(13) ينظر: المصدر السابق،ص66.

(14) ينظر : عبد الكريم،صريح الفضلي: المصدر أعلاه ،ص 362.

(15) المصدر السابق ذاته،ص 381.

(16) جوزيف،شايكين: حضور الممثل،تر،سامي صلاح،القاهرة:مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(17)،س2005،ص105.

(17) ينظر: المصدر السابق،ص106.

(18) ينظر :جين ،نيولاف: منهج لابان،مصدر سابق،ص154.

(19) المصدر السابق ذاته،ص154.

(20) ينظر: روبرت،لويس: نصيحة للممثلين،تر،سامي صلاح،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي،(12)،ص48-51.

(21) ينظر: روبرت،لويس:نصيحة للممثلين،تر،سامي صلاح،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي،(12)،ص52.

(22) ) سامي ،عبد الحميد:حركة الممثل في فضاء المسرح،مصدر سابق،ص45.

(23) ينظر: المصدر السابق والصفحة ذاتها.

(24) ينظر: المصدر السابق ،ص 6.

(25)نك،كاي: ما بعد الحداثية والفنون الادائية،تر،نهاد حليمة،القاهرة:الهيئة المصرية للكتاب،ط2،س1999،ص131.

(26) المصدر السابق،ص 133.

(27) فرانك،هوايتننج:المدخل الى الفنون المسرحية،تر،كامل يوسف(وأخرون)،(القاهرة)،دار المعرفة،س1970،ص379.

(**) “المقاميةTonality”وهي التسمية التي تطلق على لحن مقطوعة معينة لتمييزها عن المقام اللحني لأخرى،ويتكون المقام من نغمات محددة صعوداً او هبوطاً وغير مقيد التتابع ،ويسمى المقام باسم الدرجة الموسيقية” التون ” التي يبدأ منها، وهناك مقامات غربية واخرى شرقية”عربية وعراقية” وتمتاز بأنها تحتوي على نغمة ربع “التون” والذي لا يتوفر في الموسيقى الغربية اضافة الى نغمة نصف “التون” والذي يتواجد في الموسيقى الغربية والشرقية(الباحثة).

(28) ينظر: قاسم بياتلي: ذاكرة الجسد في التراث الشرقي الاسلامي،بيروت:دار الكنوز الادبية.ط1،س2007،

ص(109-111).

(29) اكرم،اليوسف:الفضاء المسرحي، دمشق:مطبعة الوفاء، س2009،ص127.

(30) ينظر: المصدر السابق،ص112.

(31) جيلين،ويلسون:سيكولوجية فنون الاداء،مصدر سابق،ص 276.

(32) يحيى،البشتاوي:الوظيفة وموتها في العرض المسرحي،الاردن:مطبعة الروزنا،س2007،ص140.

(33) ينظر: قاسم بياتلي:الوشاح الذهبي،الرقص في المجتمع الاسلامي، بيروت: دار الكنوز الادبية، ط1،س1997،ص78.

(34)ينظر:ايوجينو،باربا(واخرون):طاقة الممثل مقالات في انثربولوجيا المسرح،تر،سهير الجمل،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(11)،س1999،ص67.

(35) ينظر:غادة ،الامام: جماليات الصورة- جاستون باشلار،التنوير للطباعة والنشروالتوزيع،ط1،س2010،ص352.

(36) ينظر:ايوجينو،باربا،زورق من ورق عرض المبادىء العامة للانثروبولوجيا المسرح،تر،قاسم بياتلي،القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب،س2006،ص114.

(37) ينظر:غادة ،الامام: جماليات الصورة- جاستون باشلار،التنوير للطباعة والنشروالتوزيع،ط1،س2010،ص352.

(38) ينظر: ايوجينو، باربا:زورق من ورق،مصدر سابق،ص117-118.

(39) ينظر: ايوجينو، باربا(واخرون):طاقة الممثل،مصدر سابق،ص70.

(40) سامي ، عبد الحميد: حركة الممثل في فضاء المسرح،مصدر سابق،ص6.

(41) فيليب،اوسلاندر:من التمثيل الى العرض مقالات حول الحداثة ومابعد الحداثة،تر،سحر فراج،مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي(14)،س2002،ص118.

(42) جمال،الملا:لقاء في برنامج(خطوة) على قناة ابو ظبي الاولى،بتاريخ 5/7/2011.

(43) ينظر:جيلين،ويلسون:سيكولوجية فنون الاداء،مصدر سابق،ص288.

-------------------------
المصدر : الخشبة 
تابع القراءة→

فصل من كتاب "نظريات حديثة في الأداء المسرحي، من "ستنسلافسكي الى بوال" تأليف جان ميلنج وجرهام لي وترجمة إيمان حجازي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

"نظريات حديثة في الأداء المسرحي، من "ستنسلافسكي الى بوال" تأليف جان ميلنج وجرهام لي وترجمة إيمان حجازي كتاب  عن منشورات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، يتناول التجارب الأساس للاتجاهات والمدارس التي قامت في القرن العشرين حول الممثل، والأداء والنظريات والأعمال التي جسدتها.

ومن محتويات الكتاب "نظام ستنسلافسكي النظري" "اقتراحات من أجل الإصلاح: آبيا وكريج" و"الجبهة الشعبية، مايرهولد وكوبو"، و"ارتو والبيان الرسمي"، و"غروتوفسكي والتدريب النظري"، و"تاريخ بوال التنظيري".

وفي  الكتاب فصلاً حول "نحو مسرح فقير" لغروتوفسكي، وهو الكتاب الذي أحدث ثورة في علاقة الممثل بالنص، وعلاقة الممثل بالخشبة وبالمخرج...

نحو مسرح فقير

كتاب "نحو مسرح فقير" عبارة عن مجموعة من المقالات، ومقابلات وأحاديث أخذت بعد الدورات التدريبية التي أقامها غروتوفسكي في الخارج، ومن إجابات عن أسئلة طرحت في ندوات ومحادثات مع الأصدقاء المقربين أمثال باربا، ومن ملاحظات عن العرض والبرنامج المسرحي ووصف لجلسات التدريب وتوجيهات للطلبة في المعمل. ليس كل العمل خاصاً بغروتوفسكي: كان باربا المسهم الرئيس الآخر وكان لودفيك فلازين، الناقد ودراماتورجي الفرقة، كان قد كتب عن معالجة النصوص، أنتجت وجبة النصوص الخفيفة هذه مجموعة من الأصوات والمسرحيات ذات ديناميكيات مختلفة تماماً. ومع ذلك، وحيث أن الهدف العام بدا وكأنه يسعى الى إدخال الناس في معتقد جديد نيابة عن عمل غروتوفسكي، لذا كان هناك تكرار كثير وتجاوز في المجلد. فلم تكن قراءة غروتوفسكي تتم قط بشكل مباشر؛ لأنه كان قد طور مكانة متناقضة على مدار فترة عمله في المسرح وخارجه، وغالباً ما كان يتم تهذيب واستكمال مقولات من خلال أصوات معاونيه. اشتمل كل من هذا الكتاب وكتاب "العمل مع غروتوفسكي" على قدر كبير من الكتابة من قِبَل الذين يتعاونون معه في العمل وتتحكم علاقة هؤلاء الكتاب بالعمل وبغروتوفسكي نفسه بما يركزون عليه في كتاباتهم. فالوصفان الخاصان بأنشطة تدريب الممثل يمثلان وجهتي نظر مختلفتين تماماً، ترى الأولى أن "تدريب الممثل (1959 ـ 1962) هو تسجيل قام به باربا، لتدريب يومي لأعضاء الفرقة. ويأتي الوصف الثاني لتدريب الممثل (1966) من ملاحظات دونها مخرج بلجيكي شاهد تدريباً قصيراً قام به غروتوفسكي وكيازلاك. وبدلاً من مجرد شرح الخطوط العريضة للتدريب، شرح التقرير تفاعل غروتوفسكي مع الطلبة تقريباً بالكامل، وكذلك تجربة التواجد في الأستوديو معه ومع كيازلاك كما وصف تدريب الممثل ذاته. وبالمثل، تكشف الأسئلة التي شكّلت المقابلات التي جاءت في "نحو مسرح فقير" كثيراً عما يشغل السائلين، وأحياناً ما كان للإجابات التي يحصلون عليها تأثير لا يشترك فيه العمل الذي قام غروتوفسكي وحده بتأليفه في مكان آخر. لذلك تبع لقاء باربا، الذي أعطاه عنوان "العهد الجديد للمسرح"، تبع اهتمامه بالممثل "المقدس" وبالعناصر الطقسية لعمل غروتوفسكي، في حين سيطر الاهتمام بالعمل في النصوص على مقابلة نيام كاتان الكندية. وقد عدل غروتوفسكي أيضاً من تسجيل لغته وفقاً للجمهور. بدأ كتاب "نحو مسرح فقير" كتقدمة هجومية عنيفة على بحث مسرح المعمل الذي كان معداً لصحيفة "روكلو"، فقد غطى معظم ما تناوله "عرض المبادئ"، إلا أن الأخير كان عرضاً ملخصاً ومختصراً للمتقدمين للدراسة في المعمل، حيث كان الإيقاع أكثر جموداً وتوجه الى القارئ مباشرة وخاطبه كمشارك مضيفاً العديد من التوجيهات الى أساليب العمل والتوجيهات المطلوبة في جلسات الأستوديو وفي المعمل بصفة عامة. وعندما خاطب غروتوفسكي الطلاب من مكان آخر، مثل الخطاب الذي وجهه الى مدرسة سار السويدية للدراما، كان أسلوبه تملقياً، وتغير هنا ما كان يؤكد سابقاً على أنه قانون الى عرضه كمجرد اقتراح. لقد قلل غروتوفسكي من طلباته، آخذاً في الحسبان الحقائق التجارية للبيئة المسرحية التي سوف يقبل عليها طلاب مدرسة سار. كانت كل هذه النصوص التي جمعت من أجل "نحو مسرح فقير" تقريباً بين يدي الجمهور بالفعل، نشرت في صحف أو سجلت في أحداث عامة، ظهرت بين عام 1964 ونهاية عام 1967. لم ترتب الكتابات ترتيباً زمنياً، وفي محاولة لتتبع منطق تأليفها، يبدو أنها تقع في ثلاث مراحل: مقدمة لمبادئ مسرح المعمل، واهتمامات نصية، وتدريب الممثل. تحدث غروتوفسكي نفسه عن الكتاب "كنوع من سجل الأداء" أو "كمذكرات سفر فقط" ـ تخبر عن تجارب السنين الماضية ـ تصف تجاربي، إلا أنها تجارب ماضية" (أوسينسكي، 1979، 87، كوميغا، 1987، 145). وبظهور هذه الكتب عام 1968، وصل غروتوفسكي الى نهاية اهتماماته الأولية بالعرض المسرحي. وكان بالفعل في حالة انتقال الى مرحلة أنشطة الـParatteatrical، على الرغم من استمرار Apocalypisis في التجوال في كل أنحاء العالم حتى عام 1980. تضمنت النصوص بوضوح أيضاً فكرة السفر، تلك النصوص التي كتبت جميعاً خلال الفترة التي كانت فيها فرقة المعمل تجول في كل أنحاء العالم، وكان ثلاثة أرباعها تتوجه بصفة أساسية الى الجمهور العالمي. العروض التي نوقشت هي فقط تلك العروض التي قدمت في جولات في مهرجانات وجامعات، حيث جمعت معظم مادة اللقاءات. يسجل المجلد ككل الانتشار الدولي لعمل غروتوفسكي. وهو كمجموعة لم يترجم قط الى اللغة البولندية.

أخذ عنوان المجلد من مقال كتبه غروتوفسكي محدداً فيه عمل فرقته عندما انتقل أفرادها الى روكلو Wroclow عام 1965. عندما أطلق غروتوفسكي معرضه "فقير" على معمل المسرح، كان يهدف الى تجديد تميّز عمله عن العروض المثيرة للمشاهدة، أو للمسرح المفعم بالصور الذهنية الذي كان غزير الانتاج في ذلك الوقت. ومع ذلك، بالانتقال الى روكلو، مركز كثير من المسارح التجريبية، احتاج أيضاً الى أن يقيم إسهاماً متفرداً خاصاً به في أعمال أكثر تجريبية. وكما يعترف، وكما سجل كوميغا، فإنه أقدم في عروضه المسرحية الأولى على استخدام جريء للملابس والأقنعة والمشاهد.

مسرح مصطنع

إلا أن غروتوفسكي استبعد ذلك العمل بعبارة مكتظة بأيديولوجية الستينات من القرن العشرين المعارضة للثقافة: "أعرف ذلك المشهد: إعتدت أن أكون جزءاً منه". استبعد المسرح الفني أيضاً، الذي فسّره في بادئ الأمر في إطار الإخراج، "كمسرح متكامل" مستخدماً كل الأنظمة الفنية "في مسرح مصطنع". كان الهدف من كلمة "مصطنع" أن تحمل كلاً من معنى "تركيب الأشكال" ومعنى المادة المصنعة. وعن طريق التناقض ـ إذن ـ نتج المسرح الفقير بعملية حذف وتعرية، إلا أن هذا المبدأ قد امتد أبعد كثيراً عن استبعاد ديكور المشاهد غير الضروري، أو رفض أشكال الفن الأخرى مثل الأدب أو العمارة. امتد حذف العناصر غير الضرورية أيضاً الى أبعد من تقنيات أداء الممثلين؛ الى سلوكهم وشخصياتهم. قُدِّم مفهوم الحياة المنفية هذا في المقالات الأخيرة من "نحو مسرح فقير"، حيث يعري الممثل أيضاً نياته في حركة. وبدلاً من الانفعال أو الإقدام على تحقيق حالة أو تدريب، "يستسلم الممثل لعدم القيام بها" وبذلك يقدم المسرح الفقير كشكل أكثر نقاء وغير ملوث بعناصر غير مسرحية وأيضاً كشكل أفضل من الناحية المعنوية حيث: "إن الفقر في المسرح، وقد تجرد من كل تلك الأشياء غير الأساسية له، يكشف لنا، ليس فقط الهيكل الأساسي لوسيلة العرض بل أيضاً العناصر الغنية العميقة الكامنة في طبيعة الشكل الفني ذاته".

الهيكل الأساسي

استخدم غروتوفسكي كلمة "الهيكل الأساسي" هنا ليشير الى التجانس المعنوي للشكل الفقير، ويشتمل أيضاً على أنه يكون كهيكل أساسي تحت الغطاء اللحمي للمسرح الغني الكلي. فالمسرح الفقير هو غني بالطبع لكنه غني بمعنى أعمق. ففي كثير من لقاءاته الأولى مع باربا، وفي مناقشات عديدة حول نوع الممثل الذي يبحث عنه، استخدم غروتوفسكي مجاز المسرح الغني بطريقة ثانية، كأحد المسارح التي اشتقتها الحقائق التجارية الملحة والتي لا سبيل الى تجاهلها، حيث يبيع الممثل نفسه في نوع من "الدعارة الفنية"، ونتيجة لذلك، تأتي كلمة "الفقير" لتحمل أيضاً معنى المذهب المتقشف الذي يرفض أيديولوجية السوق التي يكون فيها الممثل مادة تباع وتشترى. جعل هذا واضحاً أيضاً في "العهد الجديد للمسرح"، حيث أكد أن المسرح الفقير "يتحدى المفهوم البرجوازي لمستوى المعيشة. ويقدم بديلاً للثروة المادية. طبق مفهوم "الغنى" أيضاً على أشكال الثروة الأخلاقية والمعنوية الأخرى غير المسرح، وعلى الجماهير والأشكال الجماهيرية للسينما والتلفزيون، والتي تخلق مصادرها التقنية نوعاً من الإخراج لا يستطيع المسرح أن يضاهيه. قاوم المسرح الفقير إغراء السوق الجماهيرية، وحدد نفسه بجمهور من الصفوة لا يسعى الى التسلية أو السلعة الثقافية، "وهكذا نجد أنفسنا بصحبة ممثل وهب نفسه للمسرح الفقير" قبل صانعو المسرح الأميركيون والأوروبيون الغربيون، هذا الرفض لوسائل الاتصال الجماهيري، وهي جملة تتردد كثيراً في هذا المجلد. كانت هناك عناصر كثيرة في الثقافات، التي قضت عقداً من الزمن تجرب "التغيير" توحي برفض الأيديولوجية الاستهلاكية.

منتج

كيف حدد غروتوفسكي دوره في الفرقة؟ فلم يكن مديراً ولا دراماتورجياً، ولم يكن مهتماً بالسينوغرافيا بصفة خاصة. كان مصطلح "منتج" هو غالباً أكثر المصطلحات التي استخدمها للدلالة على دوره، ففي العمل المبكر، "العهد الجديد للمسرح" استخدم في مقابلة مع باربا، كلمة "منتج" بمعنى "مخرج". كان غروتوفسكي ينتقد منظمة المسرح التقليدي بقسوة، وكان يمثل ذلك الشخص الذي أصبح "منتجاً" حتى يضع الأشواك فوق كل الفنون، مع أنه في الحقيقة كان عازفاً عنها جميعاً دون أن يكون مقيداً بالعمل الابداعي الذي حمله اليه الآخرون.

يرتبط هذا برفضه للمسرح برمته، ومن ثم لعمل المخرج على ربط ودمج العناصر المتباينة في الاخراج. أكثر ما يثير الازعاج، انه في مقال لاحق يقترح أن ما يطلق عليه ابداعاً في المنتج هو "مكون سادي". ويعترف بأن بعض عناصر الدور التقليدي للمخرج أساسية "لفن القيادة" هذا، بما في ذلك "تعلم كيفية التعامل مع الناس... وهي هبة الديبلوماسية، وهي موهبة باردة وغير انسانية للقيادة ذات الخدع والحيل". ويبدو انه بدلاً من تحقيق تماسك عناصر المشهد، يكون دور المنتج تحقيق التماسك بين أفراد الفرقة ويتضح خلال المجلد في كل النصوص ان اهتمامه الأساسي باعتباره منتجاً، يكمن في العلاقة مع الممثل. تتميز هذه العلاقة في أوجه كثيرة بوجود المنتج كشخص "مسيطر" و"كطاغية" في حين يستجيب الممثل له "كما يستجيب التلميذ لمعلمه، أو المريض للطبيب، او الجندي لرؤسائه، او كفرد أصغر سناً من أفراد الأسرة: "فعلى المرء أن يكون حازماً مثل الأب أو الأخ الأكبر".

ومع ذلك، فإن وظيفة هذا المنتج كمعلم يحدد كل عمله داخل المسرح وخارجه. وهذه الفرقة تحدد الطريقة التي يفكر بها في علاقته بالجمهور ـ "حتى لو انه ليس بإمكاننا تربية الجمهور ـ بطريقة غير نظامية، فإننا على الأقل نستطيع أن نربي الممثل". والطريقة التي يُفكر بها في النصوص التي تستخدم وفي الدور الأوسع للمسرح، تتكرر في المجتمع عبارة "تربية الممثل" دون توقف ولأنه في اطار هذا المضمون يصبح تدريب الممثل مهماً جداً. فهو ليس مجرد طريقة لاقامة احساس بالفرقة، او امتداداً للمجال التقني لتعبير الممثل الفرد، أو امداد الجمهور، بشكل غير عادي أكثر للمسرح (مع أن كل هذه العناصر هي نتاج حصيلة للعمل). بصفة أساسية، تكون تربية الممثل وتدريبه دفاً في ذاته. ويقوم المدرب بوظيفة الوسيط المعالج بالنسبة الى الممثل والمنتج، ويمتد تأثيره إلى الجمهور، فهو شكل ايجابي لتنمية الذات.

الدهشة

في النسخة الأولى لمجلد "العهد الجديد للمسرح" يطلق غروتوفسكي لخياله العنان حول إمكانات مدرسة المسرح، وتدريب الطلاب من الفئة العمرية الأقل من أربعة عشر عاماً، قبل أن تتشكل أجسامهم، من خلال سلسلة من التدريبات العملية والتربية الانسانية التي تُصصم خصيصاً كمثيرات توقظ وعيهم وأحاسيسهم. سوف تستخدم هذه المدرسة خدمات علماء التحليل النفسي وعلماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية" ومع ذلك. في نصوص ظهرت بعد هذا التوقيت، مثل "نحو مسرح فقير" رفض ديناميكية المدرس/ التلميذ، وأعاد تعريف عملية التعليم كما يراها:

أحتل مكاناً قيادياًخاصاً في معمل المسرح البولندي، فإنني 

لست ببساطة مخرجاً أو منتجاً أو مرشداً روحياً. 

ففي المقام الأول، علاقتي بالعمل ليست بالتأكيد ذات اتجاه واحد أو تعليمي...

فتطور الممثل تحيطه الملاحظة والدهشة، والرغبة في تقديم يد المساعدة فيظهر تطوري عليه، أو يوجد فيه ويصبح نمونا المشترك وحياً، 

ليس هذا اعطاء تعليمات لطالب؛ بل انه انفتاح على شخص آخر تصبح فيه ظاهرة "الميلاد المشترك أو البديل" ممكنة.

لم يرفض غروتوفسكي القاب المخرج والمنتج والمرشد الروحاني، إلا ان طريقته في اعطاء التوجيه كانت لمساعدة الطالب على اكتشاف الأشياء بنفسه.

فقد رأى دوره بوصفه معلماً دوراً سلبياً لا يقوم بالتدريس، بشكل ايجابي، لكنه دور يقوم بالملاحظة وتكون تصرفاته مجرد ردود أفعال، يتشابه هذا في طبيعته مع مفهوم "بالنفي" بالنسبة للممثل ، بدلاً عن عدم فعل أي شيء. الجانب الآخر من دور المنتج هو تقديم غروتوفسكي لنفسه كباحث نشيط. فقد انخفضت مكانة الممثل إلى مكانة المادة التجريبية، ويستطيع غروتوفسكي الباحث أن يزيح التراب ويكشف عما "يوجد" بداخل الممثل. من الواضح أن طبيعة مبدأ "الانفتاح التام" بين الممثل والمنتج لا تشتمل على تغيير في علاقة القوة، ويضم ايضاَ دوراً آخر كمحلل، عندما يصف نشاطه من خلال مجاز "العرض projection" بأنه ينطوي على نوع من التحول ـ المضاد، حيث يعيش المحلل دور الآخر خلال عملية التحليل.

على الرغم من تغيير فرقة غروتوفسكي اسمها من "مسرح الثلاثة عشر صفا" إلى "معمل المسرح" ومنحته السلطات البولندية مكانه في "معهد البحث في اساليب الأداء" (1965). فإن غروتوفسكي عانى في كتابته ليحاول السيطرة على معنى "أسلوب". تؤكد مقال "استكشاف أسلوبي" الطريق الذي يجب أن يسلكه الفنان في بحثه عن "قوانين موضوعية". لعملية الابداع، والتي تكون ملزمة للممثل الذي يتمنى ان يكون مبدعاً حتى يتمكن من الأسلوب. ومع ذلك، يرفض غروتوفسكي كتابة "وصفة" أو "كيفية" التوجيه. فقد تحمل معاناة تمييز "أسلوبه" عن نوع العمل الذي يروج له كأسلوب ستنسلافسكي. ما يصعب فهمه في هذا الكتاب والذي يفسر الافتقار المحيط إلى التفاصيل في اللغة التي تعمل على نطاق عريض عن طريق المجاز، هو أن تلك العملية ليست أسلوباً، وبعد ذلك أنكر الكلمة تماماً. يكمن جوهر كل أفكار غروتوفسكي المقدمة في هذه المقالات في أن "أسلوبه" هو توجه يجب على الممثلين استحضاره إلى عملهم. يجب أن يوضع هذا التوجه قبل أي نشاط جسدي، سواء أكان ذلك تدريباً أم عرضاً مسرحياً.

الثنائية

يضع غروتوفسكي هذا النظام الجسدي والتدريبات في مكانة ثانية تلي التوجيه الداخلي. يظهر هذا الفهم لمعنى "أسلوب" تناقضاً داخل كثير من كتاباته في "نحو مسرح فقير"، فلقد حاول غروتوفسكي أن يدحض الانقسام الديكارتي للعقل والجسد، وزعم تقديم أسلوب للعمل يزيل هذه الثنائية وهذا الانقسام. ومع ذلك، بنيت لغته تماماً على الربط بين ما هو داخلي وما هو خارجي وبين العقل والجسد وبين التوجه والتعبير. فعلى سبيل المثال، تحدث بأن "النبضة هي بالفعل رد فعل خارجي" إذا ما عرينا أنفسنا ولمسنا طبقة حميمة غير عادية. وأظهرناها للعيان" لندرس ما هو خفي وراء القناع الذي نرتديه كل يوم ـ الجوهر الداخلي لشخصيتنا ـ حتى نضحي به، فإننا نظهرها يزيل النحات ما يخفي الشكل الذي يوجد بالفعل داخل كتلة الصخر، وبذلك يكشف عنها". إن النص الذي يكتبه المؤلف هو نوع من المشرط الذي يساعدنا على أن نكشف ما بداخلنا ويجب توجيه بحث "الممثل" من الداخل الى الخارج تظهر هذه الصور المجازية الجسد كمقاومة وكعائق وكشيء خادع داخل أيديولوجية كاثوليكية في الأساس، إن إنزال الجسد عن مكانته يتم من خلال التدريب، ليس كصورة مجازية داخل العروض المسرحية فقط، تلخص هذه اللغة أيضاً التفسيرات المعقدة للجمهور، حيث ان الجسد يقوم بدور المخادع، وهو كتوم وفي الوقت نفسه معبر ومستجيب لاشارات العرض المسرحي.

يوجد في كل كتابات غروتوفسكي استخدام متكرر للصور الروحانية، وربما يرجع ذلك الى المضمون الذي كان يكتب فيه، كما هي الحال في قناعاته الشخصية، فقد عانى من أجل الاشارة الى أن هذا الاطار الروحاني الخاص بالمرجع ذو سمة مجازية:

لا تفهمني خطأ، فإني أتحدث عن "القدسية"، أعني "القدسية الدينيوية"... فعلى المرء أن يرجع الى لغة مجازية ليقول ان العامل الخادع في هذه العملية هو الذل، وهو نزعة روحانية.

يمنح غروتوفسكي ستنسلافسكي لقب "القديس العلماني" ويقبل إيحاء آرتو الأسطوري، وهذا يبرر استخدام الصور المجازية في إطار مادي مثل:

اقتراح يهدف الى تحقيق إدراك جمالي متميز Ideolasti فعلى المستوى الشخصي، يجب أن أعترف بأننا لا ننفر من استخدام تكوينات الدجل، هذه، فكل شيء ذي إطار غير عادي أو سحري يثير خيال كل من الممثل والمنتج.

وعندما اقترح أن بإمكان الممثلين أن "يتوهجوا" من خلال تقنيتهم الشخصية، ويصبحوا مصدراً "للضوء الروحاني" كان يهدف من استخدامه لعلامات الاقتباس الى تجديد الاشارة كمجاز، وبعد ذلك بصفحة، كيفية تحقيق ذلك على المستوى التقني باستخدام تعبير محد للوجه و"النبض الداخلي" للممثل ليقدم "تأثير التحول المسرحي المؤثر" امتد المجاز الى التجربة بالنسبة الى الجمهور الذي تلقى "تعويضاً" أو تكفيراً عن طريق قيام الممثل بأفعال غير عادية أمامه (TPT38) والذي من أجله ما زال المسرح يحتفظ ببعض من القوة الدينية القديمة التي "تحرر الطاقة الروحانية لجموع الجمهور المحتشد عن طريق دمج الأسطورة، والاستعمال غير المتقن للغة أو بالأحرى تجاوزها... كمحاكاة، ساخرة مقدسة. ومع ذلك فالقوة المتراكمة لهذه الصور والمجازات تشترك مع مضمون النصوص والصور في العرض المسرحي وتدعم إحساس القارئ بالأيديولوجية التي تتضمنها كتابات غروتوفسكي كلها. ومع أخذ العنصر الروحاني في الحسبان، فإن توجه غروتوفسكي نحو آرتو مثير للاهتمام.

يجادل غروتوفسكي في "لم يكن ذاته تماماً" بأن آرتو قد تعلم "الدرس الحقيقي للمسرح المقدس"، وهو أن التلقائية والنظام عنصران مدعمان بالتبادل، ومن وجه نظر تقليدية، فإن هذا منهج يشاركه فيه غروتوفسكي. ففي الحقيقة، كانت مقالة غروتوفسكي تقريباً كلها نقداً لكتابات آرتو وأفكاره عن المسرح، إلا أن ما أثار اهتامه هو آرتو الانسان. عند هذا الحد ينتمي كثير جداً من كتابات آرتو الى أواخر فترة الستينات عندما بدأ ظهور أسطورة آرتو، كما تناولنا ذلك في الفصل الرابع، يرى غروتوفسكي أن معاناة آرتو الشخصية ومرضه هما اللذان جعلا منه شخصية مهمة، وأصبح "دليلاً ساطعاً على قدرة المسرح على العلاج والشفاء".

النشوة

وبدلاً من أن يتبع نشوة آرتو المجازية، استمر غروتوفسكي في "نحو مسرح فقير"، في العودة الى التمثيل وفي ارتباطه بالممثلين، فقد وضع نفسه كجزء من سلسلة متصلة لعلاقة الممثل ـ المدرب، والتي امتدت بعد ذلك من ستنسلافسكي ودالين ومايرهولد لتشمل آخرين، فقد أشار كثيراً الى تدريب ستنسلافسكي على الأفعال الجسدية، وامتدح طريقته المنهجية في تحضير الممثل، ومع ذلك كانت مطالب آرتو للممثل ذات نظام مختلف تماماً، فحيث دعا ستنسلافسكي الممثلة لتكتشف ما يمكن أن تضيفه الى الدور، رأى غروتوفسكي أن الممثل مدعو الى استخدام الدور "كأداة يمكنه بها دراسة ما هو مخفى خلف القناع الذي نرتديه بصفة يومية ـ وهو الجوهر الداخلي لشخصيتنا. إن المنطق الذي يستند إليه جدل غروتوفسكي أنه أياً ما كانت الشخصية التي تسند الى الممثلة، فإن الدور الذي تلعبه هو "ذاتها" هي. فالهدف المادي، والذي يقدم بنية تنظيمية لدوافع الممثل المرتبطة بالموضوع، يستفيد بقدرة الممثل الجسدية التي يتمتع بها بفضل التدريبات الرياضية. وعلى الرغم من اعتراف غروتوفسكي باختلافه، فإن الصلة بين التمرينات الرياضية والاشارة المسرحية قريبة جداً، كما أوضحت هذا الفقرات عن جلسات الأداء المسرحي والتدريب. وبمعارضته لاشارة العرض المسرحي، يدعي غروتوفسكي بأنه يبحث عن أشكال متأصلة وفطرية موجودة بالفعل في الجسد ومع ذلك، كما أشار إينيس، فإنها غالباً ما كانت أشكالاً للأيقونة الكلاسيكية أو الدينية (إينيس، 1993). أكثر من ذلك، كانت النصوص الكلاسيكية التي استخدمها غروتوفسكي قد استخدمت بشكل متعارض، "لتتناسب مع طبيعته" وكانت تتحور ـ كما حدد فلازن ـ في الفصل الخاص بالمسرحيات نفسها، حتى تصبح التجربة وكأن المرء ينظر الى ذاته في مرآة، أو الى أفكارنا وتقاليدنا، وليس فقط وصف ما كان يشعر به ويفكر فيه الناس في العصور الماضية". ونتيجة لهذه العناصر الثلاثة كان لعمل غروتوفسكي المسرحي، دون شك، أسلوب مميز له، أسلوب كان هو وظيفة شخصيات أفراد الفرقة، وهو أسلوب خاص بغروتوفسكي أكثر من كونه "اكتشافاً واستخداماً لقوانين المسرح"، وعلى الرغم من تأكيد غروتوفسكي خلال "نحو مسرح فقير" ان الممارسة تكشف عن النظرية، وأن إلقاء الضوء على قوانين المسرح والأفكار والتقاليد يتم استيعابها مباشرة من خلال تعبير الجسد، فانه بذلك ينكر ويلغى ويرفض التفكير في المحتويات الايديولوجية للتقنيات العملية التي وظفها في عمله.

جمهور

يفترض كتاب "نحو مسرح فقير" وجود جمهور متجانس يشاهد عمل غروتوفسكي، جمهور من المشاركين الذين جاءوا الى المسرح وهم يحملون توجها صحيحاً نحوه. كما يتوقع من الممثل ان يكون لديه التوجه الصحيح. والذي سيكون قادرا على ادراك الأساطير الجمعية، وسوف يكون معدا لتقديم عمل يتسم بالتحليل النفسي، والذي يمكن اثارته في كل الممثلين عن طريق عروض مسرحية ذات أعداد محدودة من الممثلين، يشتمل الكتاب على رسوم مثالية لتكوين الممثل والجمهور تردد تطلعات نظرية غروتوفسكي وأصداءها. تستخدم بعض الرسوم اسهما بين جماعات الجمهور مشيرة بذلك الى علاقتهم" بعضهم ببعض، وتصف عدم اختلاط الممثل والمشاهد، تظهر كلتا الفكرتين كيف صممت التجربة المسرحية لتكون تجربة ذات حضور للجمهور بقدر كونها كذلك للممثل. فليس هناك مجال للوهم هنا. احتوى الكتاب ايضا على افراد الجمهور الفعلي في صور العروض الفوتوغرافية المسرحية، والتي تعرض اوضاعها، وردود الافعال المتعددة عليها وتبادلها لمجموعة اكثر تعقيدا مما تسمح به لغة غروتوفسكي، يتضح تأثير حاجة الممثلين الى هدف محدد وكذلك دعم سلبية المشاهدين. يؤثر حضور الجمهور بشكل اساسي في الاخراج. قدم غروتوفسكي في كتاب "العهد الجديد للمسرح" (1964)، اساليب "للقضاء على المسافة بين الممثل والجمهور"، على المستويين المادي والفلسفي، وذلك من خلال التقارب. ومع ذلك، لا يقلل التقارب الجسدي دائماً من الفجوة بين الممثل والمشاهد. وبحلول عام 1967، كان غروتوفسكي قد طور اشكالا متنوعة من مجموعات متألقة من الممثلين والجمهور، وكان الجمهور يقوم بأدوار عديدة. ان فكرة اعطاء الجمهور شخصيات كمرضى عقليين بالنسبة الى كورديان على سبيل المثال، ثم رفضها بالتدريج حيث كانت تتطلب استخدام اقنعة، في اللحظة نفسها التي يحاول فيها الممثلون خلع الاقنعة عن انفسهم، ويظهرون كشفا للذات مثيرا التعاطف افراد الجمهور. ان ما يربط بين افراد الجمهور هو دورهم كمشاهدين كشهود كما حدد" غروتوفسكي ـ مصحوبا بتوجه الممثل نحوهم. فكل ممثل يطور حالة تنافسية من التحدي، او "نوعاً من الاثارة" "في مواجهة مع المشاهد" ولم يكن ذلك يتحقق قط "بالنسبة" الى المشاهد، ومع النص الأخير في المجلد "المواجهة الاميركية" في كانون الاول ديسمبر 1967، يدافع غروتوفسكي عن تطور الممثل كمشاهد داخلي، "شريك مقدس (203 TPT يظهر هذا الالغاء للجمهور لمصلحة مشاركة تجارب ما وراء المسرح.

كتابات وتنظير ما بعد العرض

اخذ التوثيق الخاص بغروتوفسكي عن التطورات الأخيرة لعمله تقريبا دون استثناء من احاديث ولقاءات نقحت فيما بعد قبل ان تنشر. كان امتناعه عن تقديم مادة مكتوبة يمكن اعتباره شيئاً محدداً عن مذهبه، كان ذا مغزى في ضوء اعترافه بسيادة الجسد كمخزن للذاكرة والمعرفة. استمرت "الدراما رفيو" في نشر ما تكتشفه عنه عندما يختار ان يوضح عناصر بعينها عن عمله. ويشتمل "مصادر غروتوفسكي" على بعض النصوص التي تساعد على فهم عمله والتي لا تتعدى كونها مقتطفات هزيلة او اشياء مجمعة من كل مرحلة من مراحل عمله، الا ان الأغلبية العظمى من المقالات كانت تعليقات من المشاركين. وبينما تمتد المرحلة الأخيرة من عمل غروتوفسكي لتحتوي مشاركين اكثر وأكثر، وكان كثير منهم من دول اخرى، كان من خلال تسجيلهم لتجاربهم معه ان تم الاعلان عن افكاره وتجريبه. وكما اشارت ليزا ولفورد في مقدمتها سمصادر غروتوفسكي" فان اولئك كانوا مشاركين لفترات قصيرة او مشاركين من الخارج، وكان فهمهم لمبادئ الدراسات محدوداً بالضرورة! لذلك غالبا ما يواجه القارئ لكتاباته الخاصة بهذه الفترة بمقتطفات متفرقة هزيلة محيرة، تقدم كمحاضرات او تعليمات شفهية.

وجدت اولى دلالات على ان بحث غروتوفسكي كان يقوده خارج حدود المسرح التقليدي في كتاب "نحو مسرح فقير"، وكان تقرير كوميجا عن عمل ما وراء المسرح Paratheater مساعداً جدا على جمع خيوط عن عمل غروتوفسكي المسرحي، فقد بلور افكارا عديدة على مدار يومين في مؤتمرات عقدت في نيويورك 12/13 ديسمبر 1970، بعنوان "الاجازة" وهو السجل المكتوب لجلسات المقابلات هذه، ولم يظهر في "دراما رفيو" حتى عام 1973 "مصادر غروتوفسكي" هو نسخة منقحة من الكتاب حيث اضيفت مقتطفات من محاضرة روكلو في كانون الأول (أكتوبر) 1971، ومحاضرة في فرنسا في اكتوبر 1972 لم يتضمن الكتاب القضايا التي اثارت ردود الافعال هذه من جانب غروتوفسكي، عند تركه سياسة التحرير لـ "نحو مسرح فقير" ولكي يزيد من الاحباط الذي يصاب به القارئ عند محاولة القراءة ككيان منطقي يقلل من ردود الافعال على الأسئلة التي يعجز القارئ عن العثور على اجابات عنها، يترك القارئ ايضا وهو يحاول ان يخمن ما هو السؤال. وبالتبادل، يمكننا قراءة هذا كديناميكية لقاعة المؤتمرات، حيث كانت الأسئلة سابقة على النصوص فقط، في عملية تواصل ذات اتجاهين بشكل واضح، ولمونولوج تتخلله وقفات. يشير بعض من اللغة المجازية المتبادل الى مضمون الحرب الباردة عام 1970، حيث خفف المتسائل من دور الممثل، الا ان غروتوفسكي تبعه من خلال عدة استجابات وردود، مثل الخوف الذي يضعف صاحبه، والعالم كمكان اقل بقاء، والحاجة الى نبذ القوة. بدأ غروتوفسكي باعلانه موت المسرح، على الأقل بالنسبة اليه، وأظهر معاداة للمسرح على مستويين: أولهما انه "غير أمين" و"عقيم" وأنه على الممثل ان "يتظاهر"، مرددا اصداء نقد شهير معاد لتقليد المسرح ذاته. وثانيهما ان المسرح يجبر الممثل على ان يضع نفسه في "موقف زائف"، وأن "يدفع نفسه الى دائرة الضوء"، ومع ذلك، امتنع غروتوفسكي والمتشككون عن ترك مناقشة المسرح، والاشارات المسرحية والتقنيات والمادة الابداعية.

--------------------------------------
المصدر : جريدة المستقبل 

تابع القراءة→

مسرحية تتحدث عن الحب

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


مونودراما تتحدث عن كينونة المرأة ،و خيبة امال الفرد اثر ضغوطات المجتمع في اطار عروض مهرجان المونودراما الذي تعقده مديرية المسرح في اربيل ، قدم المركز العام لجمعية الفنون الجميلة  و على خشبة قاعة مديرية المسرح ، عرضا مسرحيا بعنوان (كان الحب يبعد عني خطوة واحدة) اعداد واخراج زاهر عةبة رش و تمثيل شايى رضا قصة المسرحية تقول ان صدام الفرد مع المجتمعات الغربية و من ثم محاولة الخروج او الهروب من تلك المجتمعات ناتج عن فكر المجتمع والأشخاص الذين يحيطون به ، تقول الممثلة اثناء تجسيد المسرحية ” لعل مسار حياتنا كأفراد يصل بنا الى نقطة يئس لم نكن نطمح الوصول اليها ابدا ، حينها نشعر بالأحباط و اللاجدوى في صراعنا من أجل البقاء.
------------------------------------------------------------
المصدر :   شانوكار


تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9