أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الأربعاء، يوليو 27، 2016

التحليل السيميائي لنص من المسرح الشعري - خزعل الماجدي أنموذجاً

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, يوليو 27, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

التحليل السيميائي لنص من المسرح الشعري - خزعل الماجدي أنموذجاً
وصال عباس عبدالحسين
كلية الفنون الجميلة- جامعة بابل

الخلاصة
تأتي اهمية بحث (( التحليل السيميائي لنص من المسرح الشعري، خزعل الماجدي أنموذجاً)) من كونه يمثل محاولة متواضعة للمساهمة في جهود رسم ملامح منهج يتيح قراءة سيميائية للنصوص المسرحية بشكل عام ونصوص المسرح الشعري بشكل خاص. 
وهذا المنهج ينبني على فصل اول يضم تحديد مشكلة تتمثل بالكشف عن الصعوبات التي تواجه القارئ عند اطلاعه على الدلالات التي يطلقها نص ( نصب الحرية) لخزعل الماجدي ومن ثم العمل على ايجاد حلول لها عبر اطر منهجية اكاديمية بحته وبالاستعانة بعدد من المصادر الموثوقة، وقد قمنا من اجل تحقيق هذه الاشتراطات بأعداد فصل ثاني يشمل اطار نظري اشتمل على ثلاث مباحث. اهتم المبحث الاول بالسيمياء، المفهوم، المعنى، التاريخ، في حين اختص المبحث الثاني بالمسرح الشعري اما المبحث الثالث فقد اعتنى بتجربة الماجدي الشعرية رؤية وتحليل. 
بعد ذلك قمنا بأعداد فصل ثالث من خلال اجراء محاولة تحليلية لعدد من حوارات ومشاهد نصب الحرية وفق مجموعة من المؤشرات التي رشحت عن الاطار النظري لتأشير الدلالات التي تطلقها العلامات والاشارات والرموز والصور والايقاعات الصوتية والبنى اللغوية المبثوثة في النص. 
وبعد اكتمال هذا التحليل يضم الفصل الرابع مجموعة من النتائج التي توصلنا اليها عبر الاطار النظري وتحليل نص نصب الحرية لخزعل الماجدي كما ضم استنتاج وتوصيات وختم بقائمة المصادر. 
مشكلة البحث 
عرف النقد الحديث والمعاصر مجموعة من المناهج النقدية من بينها المنهج البنيوي والمنهج التفكيكي والمنهج السيمولوجي الذي ظهر في أواخر الستينات. وتجاوباً مع التسارع الكبير في وتيرة التقدم النقدي للفنون المسرحية.. فقد أرتأينا البدء بخطوة متواضعة على طريق دراسات اكبر في مجال التحليل السيميائي للنصوص المسرحية. 
وان مشكلة هذا البحث تتلخص بما يلي : 
الكشف عن الصعوبات التي تواجه القارئ عند اطلاعه على الدلالات التي يطلقها نص ( نص الحرية) الخزعل الماجدي. 
أهمية البحث 
يكتسب هذا البحث اهميته من كونه يمثل محاولة متواضعة للتتبع مدى استجابة نص مسرحي شعري عراقي معاصر لقراءة ذات طابع دلالي بطريقة توفر للقارئ فرصة فهم مغاير راشح من استنطاق دلالي لحيز مكاني راسخ مثل نصب الحرية فهذا النصب موجود منذ فترة طويلة ومستمرة في ارسال شفراته الدلالية لكن تغير مجريات الاحداث تجعل من أي قراءة دلالية جديدة ذات اهمية قصوى. 
فـ(( نظرية العلامة اريد لها ان تلقي الضوء على ماكان يلتبس من مفاهيم عامة، وغالباً ماكان هذا الالتباس مقصوداً في ذاته او الغيره))( ). 
كما يمتلك البحث اهمية تتمثل في محاولته التعريف بتجربة خزعل الماجدي في مجال المسرح الشعري التي كانت تسعى غالباً الى التميز التفرد.
اهداف البحث 
بهدف هذا البحث الى 
1. توفير فرصة امام القارئ لفهم الدلالات الراسخة عن نصب الحرية لخزعل الماجدي. 
حدود البحث 
البعد الزماني: كل مايتطلب زمانياً للتمكن من تشكيل فكرة واضحة عن السيمياء بشكل موجز وعن سيمياء المسرح بشكل عميق. 
الحد المكاني: كل مايتطلبه مفهوم السيمياء مكانياً. 
الحد الموضوعي : مسرحية نصب الحرية. 
الفصل الثاني : الاطار النظري 
المبحث الاول : السيمياء، المفهوم المعنى، والتاريخ 
يمكنا القول ان الوقوع على مفهوم علم السيمياء يتطلب منا التوفر على تعريفات لهذا العلم وملاحقة جدية لتاريخ ظهوره ونشأته. خاصة اذا ما اتفقنا على السطوح المهيمن للعلامة ((ان وجود العلامات مرتبط بوجود الحضارة، بالمعنى العادي للكلمة"( ) وهذا الامر يبدو اكثر ظهوراً ونحن نحاول تتبع وتحديد الرسائل الدلالية التي يطلقها نص من المسرح الشعري العراقي المعاصر فنحن اذن بمواجهة امر محدد يجعلنا نبحث عن ((المتصورات السيميائية للجماليات التي بدأت تتبلور في كثير من الابحاث، ولا سيما المتعلقة بجماليات الخطاب البصري سواء أتعلق بالصورة الفوتوغرافية ام بفنون العروض المسرحية وما اتصل بها من اضاءة وسيتوغرافية واخراج وديكور وما الى ذلك مما يخرج عن فضاء العلامات اللسانية مثل السينما والفنون التشكيلية والعمارة ليتخذ تعبيراً ايقويناً تارة ورمزياً تارة اخرى)) ( ). 
وبناءاً على هذه الحقيقة نجد من الضروري التطرق الى المعنى اللغوي لكلمة سيمياء اصطلاحاً او اشتقاقاً... حيث يذكر بلقاسم نفه ((ان كلمة سيمياء عربية اصلية، مشتقة من الفعل سام الذي هو مقلوب وسم واصلها وسمى، وزنها عقلي، وهي في الصورة فعلى، يدل على ذلك قولهم: سمة، فأن اصلها : وسمة، ويقولون، سيمى بالقصر، وسيماء بالمد، وسيمياء بزيادة الباء وبالمد، ويقولون: سوم اذا جعل سمة، وكأنهم انما قلبوا حروف الكلمة لقصد التوصل الى التخفيف لهذه الاوزان، لان قلب عين الكلمة مئات بخلاف فائها، ولم يسمع من كلامهم فعل مجرد من سوم المقلوب وانما سمع منهم فعل مضاعف في قولهم : سوم فرسة، اي جعل عليها البسمة، وقيل الخيل المسومة هي التي عليها السيمة والسومة، وهي العلامة))( ).
ونجد من المستحسن ان نورد معنى السيمة ووردها في القرآن الكريم بقول تعالى (( تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا))البقرة 273،(( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ)) الاعراف 46، ((وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ)) الاعراف 48، ((وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ)) محمد 30، ((سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) الفتح 29، ((يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ)) الرحمن 41.
ويتضح مما سبق، ان لفظ السيمياء ورد في القرآن الكريم بمعنى العلامة، سواء اكانت متصلة بملامح الوجه أو الهيئة ام الافعال والاخلاق.
وفي لسان العرب ((السومة، والسمة، والسيماء، والسيمياء: العلامة))( ) ونرانا هنا لا غنى لنا من ان نذكر مثلاً على ورود السيمياء في الشعر، ومنها قول اسيد بن عنقاء الفزاري (( يمدح عميلة حين قاسمه ماله : 
غلام رماه الله بالحسن يافعاً        له سيمياء لا يشق على البصر ))( )
ونرانا هنا قد تجمعنا على امثلة تؤهلنا للقول بأن مصطلح السيمياء وكان معروفاً ومتداولاً عند العرب بمعنى العلامة.. مشددين بن علي (( اننا لا ندعي ان هذا العلم ( اي السيمياء) بصيغته الحالية كان معروفاً، انما ذلك لايتعدى الاشارة الى معرفة العرب للعلامة ووظيفتها))( )
وللمصطلح صدى اخرى... فيوسف اسكندر (( يحسب ان جذر كلمة (سيمياء) من المشتركات اللغوية في عدد واسع من اللغات السامية ( في الاقل العربية) ولهندواربية (مثل اليونانية واللاتينية) فأصوات هذا الجذر (مع الاحتفاظ بالتقلبات اللازمة في صرف كل لغة) ومكوناته الدلالية في المعجمات، هي متماثلة،الى كبير))( ).
ولتوسع في ايراد الاصل العربي للسيمياء ينقل يوسف اسكندر وبشهادة منذورة لاعتقاده بـ (( العربية قد استساغت هذا الوزن الصرفي فاكثرت من التعريب على وفقه أو من الاشتقاق له، خصوصاً في اسماء العلوم، وليست في العربية كما لاحظنا، اصلاً، صلة  بين 
 هذه الوزن الصرفي وبين اسماء العلوم كما هي الحال مع الكيمياء، وفي تعريب الفيزياء، واصطلاحات اخرى مثل الريمياء والهيمياء والليمياء))( ).
ولم يغفل الدرس الدلالي العربي في اصوله المبكرة التركيز على ثيمة السياسية تتمثل في ان الشاعر العربي وهو صانع النص كان يلتفت وهو يبحث عن الكلمة المناسبة الى حدود اللفظ بشكل يتيح له الوصول الى تأثير اكبر على المتلقي (( إن الناقد القديم يحدثنا عن ألفاظ الشعر، وعن عبارة الشاعر في نص محدد، ويصف معانيه، وتختلط ههنا مسائل فرعية عدة، إذ تمتزج الاغراض والفنون بالفكرة التي يحملها بيت واحد او جزء من هذا البيت الشعري، وكذلك يتداخل الايقاع الصوتي للكلمات والحروف بخفتها او ثقلها وزناً صرفياً، وقد يكون لتحليل المفردات ثم الافادة من ثمرة هذا التحليل اثار كبيرة في توجيه الاحكام، ذلك ان معرفة حدود اللفظة ودلالتها تجعلنا نقدر اختيار الشاعر لها))( ).
تجد الاشارة الى ان ((مصطلح سيمياء يقابل سيميولوجيا، وكلمة سيميولوجيا منقولة من اللغة الانكليزية، يعبر عنها بمصطلحين، هما (Semiologie ) و (Semiotique ) ))( ) "وأصل كلمة سيميولوجيا يوناني وهي مركبة من Semeien  بمعنى علامة و Logos  بمعنى خطاب))( ).
وحرى بنا في هذا المقام ان نشير الى مقالة عواد علي خضير التي ثبت فيه ((ان سوسير هو الذي اقترح تسمية السيميولوجيا.. في كتاب ( دورس في عالم اللغة العام)، فيقول سوسير في الفصل من كتابه وهو بعنوان (هدف علم اللغة): ( اللغة نظام من العلامات التي تعبر عن الافكار، ويمكن تشبيه هذا النظام بنظام الكتابة، او الالفباء المستخدمة عند فاقدي السمع والنطق، او الطقوس الرمزية، واو الصيغ المهذبة، او العلامات العسكرية أو غيرها من الانظمة ولكنه اهمها جميعاً ويمكننا ان نتصور علماً موضوعه دراسة حياة العلامات في المجتمع مثل هذا العلم يكون جزءاً من علم النفس الاجتماعي، وهو بدوره جزء من علم النفس العام، وسأطلق عليه علم العلامات Semiology  وهي لفظة مشتقة من كلمة الاغريقية Semeion  =  العلامة) لذلك سوسير يحدد علاقة اللغة بهذا العلم بأنها جزء منه، والقواعد( ) التي يكتشفها يمكن تطبيقها على علم اللغة في حين ((اقترح ابيرس الكلمة ((Semiontique -علم العلامات)) والتي الفيلسوف الالماني لا مبيرت يستعملها من قبل في القرن الثامن عشر بوصفها مرادفاً لكلمة " Logique  "  منطق وقد كان يجب على المنطق، تبعاً لبيرس. "كيف" يعقل الانسان، ومادام هذا هكذا، فقد كانت البراهين، في الفرضية الاساسية لنظرية بيرس، عند طريق العلامات. فالعلامات تسمح لنا ان تفكر، وان تتواصل مع الاخر، وان نعطي معنى لما يقترحه الكون علينا. وإننا لنمتلك تنوعاً كبيراً من العلامات الممكنة، وتكون العلامات اللسانية من بينها فئة مهمة، ولكنها فئة وحيدة. وان بيرس، اذ أنشا نظريته العلاماتية، فقد كرس نفسه لعمل العلامات عموماً. وقد اعطى مكاناً مهماً، ولكن ليس المكان الاول، للعلامات اللسانية. وما كان يعني بالنسبة الى العلامات عموماً كان يعني بالنسبة الى العلامات اللسانية، وليس العكس))( ).
ونود ان نشير هنا الى ان مجموعة الاشارات والملاحظات التي توفر امامنا عن الطبيعة العامة للسيمياء يمكن ان تقودنا الى مجموعة من التعريفات التي يمكن ان تساعدنا فيما بعد في تتبع البنى الدلالية في نص الحرية لخزعل الماجدي فالسيمياء هي حسب تعريف بير جيرد ((علم يدرس انساقٍ الاشارات، لغات انماط اشارات المرور الى آخره وهذا التعريف يجعل اللغة جزءاً من العلامة))( ).
في حين يعرف (( بنكراد السيميائية بأنها دراسة حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية، ويقول بأنها تدريب اللعين على النقاط الضمني والمتواري والمتمنع، لا مجرد الاكتفاء بتسمية المناطق او التعبير عن مكنونات المتن))( ).
وعلى هذا الاساس فأن الدرس الدلالي الذي يصلح ككشاف يجعلنا قادرين على دراسة النصوص المختلفة ومهما كان نوعها تحت ضوءه وفي نفس الوقت تتبع قدرتها على اطلاق الدلالات،يوفر لنا مجموعة من الاطر النظرية التي تمثل فيما بعد أدوات ذات طابع وظيفي لتفحص اي نص، فالسيمياء هي دراسة الاشارات والشفرات التي هي في النهاية انظمة دقيقة تمكن الانسان من فهم الذي يعرفه بارت على انه حيوان رمزي في فهم الاحداث بوصفها علامات تستهدفه لانتاج علامات محملة بمجموعة مختلفة من المعاني التي تتباين في درجة قدرتها على الوصول الى الفعل المستهدف بالخطاب بحسب مجموعة من الضوابط الاجتماعية المعرفية. 
المبحث الثاني: المسرح الشعري 
ليس من شك في ان للمسرح الشعري مجموعة من الصفات التي تجعل حقلاً دلالياً ذو طبيعة متميزة فإذا ماكنا متفقين على ان المسرح وحدة هو المجال خصب لانتاج وتسويق الدلالة فأن الخاصية الشعرية ستضفي عليه لا محاله قدرات مضافة على انتاج وتصنيع الدلالات (( فالشعر مادة الخاصية الشعرية)) يبدأ غنائياً مطلقاً، ثم غنائياً مقيداً يحدث، ثم يميل الى الحكاية والحبكة والسرد والروح القصصي والملحمي، ثم يقترب من الدراما عفوياً فتتولد فيه جذور تعد النواة الدرامية الاولى))( )¬¬¬.
ونحن نعتقد ان مؤلف النص المسرحي عندما يلجأ الى الشعر لتسويق خطابه أو حينما يكتشف الشاعر انه بحاجة الى البنية المسرحية لاكمال نصه الشعري فأنهما بهذه الطريقة يسعيان الى تلبية مجموعة من المتطلبات الشكلية والموضوعية على مستويين اثنين هما على سبيل المثال آليات السرد والتكوينات الجمالية فالشعر يمكن ان يوفر لصانع النص امكانيات مضافة ((فللشعر نفسه عدداً واسعاً ومختلفاً من الوظائف. واذا كان الشعر بصيغته اغاني، او قصصاً، شعرية فانه بذلك من اقدم وابسط المتع المنظمة ان عملية سرد الحوادث المتحركة، والممتعة في اللغة  لها قافية ونغم وتوقف، تكون مصدراً للمتعة))( ).
على الرغم من ان الدكتور عبدالستار جواد يؤكد على ان ((ان الذي يبحث في حضارة وادي الرافدين ووادي النيل لابد ان يجد ان المعابد القديمة قد شهدت اشكالاً عديدة من الاداء التمثيلي الذي تدخل فيه الموسيقى والغناء والرقص والتمثيل وهي العناصر تكونت منها مسرحيات اسخيلوس ويوريبدس وغيرهما من رواد المسرح الاوائل وهناك من الدراسين من يرى ان العصر الجاهلي قد شهد شكلاً من اشكال العروض التمثيلية))( ).
ويورد د. نوري حمودي القيسي في كتاب لمحات من الشعر القصصي في الادب العربي مايؤكد ماذهب اليه عبدالستار جواد (( الامتداد القصصي للشعر العربي واضح من حيث لا التناسق والاداء والحوار في كثير من النماذج الشعرية التي وصلت الينا، وقد ظلت هذه الاشكال تاخذ مجالها في كل غرض بما يوافق إلافكار التي رسمها الشاعر او الاجواء التي اراد ان يحيط بها غرضه، أو الدلالات التي كانت تترامى في ظل المعاني والالفاظ والصور))( ).   
ولكي نقع على الية معقولة المراقبة منبع  الرسائل الدلالية التي تصل الى المتلقي دفعه واحدة مع المتعة التي اشرنا اليها في المسرح الشعري فأن علينا امتلاك تصورات عن طبيعة العامة للشعرية والعمل المسرحي (( فشعريتنا ليس الخطاب الشعري المجرد وانما الخطاب المتصير تاريخياً، اذ الادب ظاهرة تاريخية وليس ظاهرة مجردة او متعالية على  التاريخ))( )، في حين يتوجب علينا فهم المسرح الشعري بطريقة تنزع الى محاولة تتبع الفروق التي يمكن ان توجد بين انماط العرض المسرحي وصولاً الى الخصائص الدلالية للمسرح الشعري المعاصر والتي نريد فيها بعد ملاحقتها داخل النص نصب الحرية لخزعل الماجدي. 
فقد قام خليل الموسى بمحاولة جادة للكشف عن تلك الفروق...(( ينبغي ان نفرّق بين المسرحية والمسرح والنص الدرامي والشعر المسرحي والمسرح الشعري، فالمسرحية تعني بها النص المسرحي القابل لان يتمثل، ونعني المسرح النص المسرحي ممثلاً على خشبة ومعروضاً على جمهور بتقنية المسرح وشروطه، ونعني بالنص الدرامي النص الذي ليس من الضرورة انه قابل لان يمثل، اما الشعر المسرحي فهو النص المكتوب شعراً، ولكن الغنائية فيه تهمين على الحوار والصراع والبناء الدرامي، والمسرح الشعري تعني به النص المكتوب شعراً، وهو قابل للتمثيل لان البناء الدرامي فيه يهيمن على العناصر الغنائية ويسيرها لمصلحة التمثيل))( ). 
والفروقات الانفة الذكر واضحة للغاية وتقودنا بطريقة ما الى تتبع تقنيات وخصائص المسرح الشعري المعاصر بعد ذكر الفرق بينه وبين المسرح الشعري التقليدي واثر تلك التقنيات والخصائص في اقرار قدرة هذا النمط المسرحي على اطلاق شحنات دلالية تقدم النص على انه مخرج واقعي لرغبة الانسان الحديث في الاستمتاع بأكبر قدر من المخرجات الدلالية في اقصر وقت ممكن وبيذل ايسر الجهود، على اننا – اتماماً للفائدة. سنورد ماكتبه فرحان بلبل عن نشأة المسرح الشعري العربي. (( تمت ولادة المسرح العربي – وهو فن جديد طارئ لا جذور له في الحياة الثقافية والاجتماعية العربية القديمة – بين منتصف القرن التاسع عشر ونهايته))( ) وليس من شك ابداً في ان المسرح العربي وعبر جهود نخبة كبيرة من الرواد بدأ يقترب شيء فشيء من التجارب العالمية على الرغم من اشكال القطيعة المعرفية بينه وبين جمهور متلقي يرزح تحت اشكال من العوز المادي والفكري ويمكن القول هنا ان المسرح الشعري او عملية استخدام الشعر بقوانينه المعروفة لايصال الخطاب يمكن ان يمثل مرحلة من مراحل تطور المسرح ولبحثه الدائم عن اساليب التأثير والاتصال مع المتلقي وهذا هو الامر الذي يمكن ان نلاحظه في مجمل تجربة خزعل الماجدي المسرحية وفي نص نصب الحرية على وجه الخصوص. وزيادة للفائدة نورد مقالة تقول (( كانت النشأة الاولى للمسرح العربي مزجاً بين الشعر والنثر، ولم ينفصل الشعر عن النثر الا على يد الشاعر ( احمد شوقي) ( 1869- 1932) الذي ادرك حاجة الادب الى التنمية والتطور، فحاول وضع بذرة جديدة في عالم الشعر العربي، وفي عالم المسرح العربي، وهي المسرحية الشعرية))( ). 
وعوداً على بدء.. نبغي علينا التمييز بين المسرح الشعري التقليدي وبين المسرح الشعري المعاصر ولاشك ان مصطلح المعاصرة  هو المصطلح الاشد اثارة ويرى خليل الموسى ان (( مصطلح ( المعاصرة) يعني به الزمنية والفنية، فالمعاصرة الزمنية ما انتج من 
مسرحيات في النصف الثاني من هذا القرن، ونقصد بالمعاصرة الفنية المسرحيات ذات التقنيات الجديدة، ولذلك تخرج المسرحيات التقليدية التي ألفت في هذه الفترة، ومنها – مثلاً – مسرحيات عزيز اباظه في مصر، وعدنان مردم في سورية وامثالها))( ). 
ولعل باستطاعتنا بعد مراجعة  لاكثر من نص من نصوص المسرح العربي الحديث والمسرح الشعري العراقي خصوصاً نستيطع ان نحدد بعداً اخراً من ابعاد المعاصرة التي اشار اليها خليل الموسى فيما سبق والبعد الذي نقصده هنا هو البعد الاجتماعي حيث يمكن للمسرح بشكل عام وللمسرح الشعري بشكل خاص ان يكون منتجاً لخطاب ودلالات تنسجم مع الحراك المجتمعي وماينتج هنا عن الحراك من افعال وارادات تسعى الى التغير ومحاولة اعادة اكتشاف الواقع وتغيره ولعل محاولة خزعل الماجدي في نصب الحرية تمثل نموذجاً يمكن اعتماده في دعم قولنا بأهمية العبد الاجتماعي كواحد من الابعاد التي ترسخ مفهوم المعاصرة، وان التركيز على المعاصرة يعود لعدم قدرة النص التقليدي على العمل كمنتج لدلالات تلك الدلالات التي تمثل روح المسرح وتؤكد شرعيته. 
فخليل الموسى يرى ان المسرحية الشعرية التقليدية اخفقت في ان تكون مسرحية اصلاً.. ويزيد في اسباب اخفاقها فيذكر: (اذا تلمسنا اسباب اخفاق المسرحية الشعرية التقليدية في ان تكون مسرحية، وجدنا ان اهمهما ان الشعراء كانوا غنائيين قبل ان يكونوا مسرحيين، وان الشكل الشعري القديم غنائي، وهو متأصل في الغنائية الشعرية العربية، ولذلك لم يساعد على رسم الشخصيات والحوار وبناء الحبكة فهو ذو ايقاع افقي احادي يتلائم والاحساسات المباشرة اكثر مما يتلائم النمو الموجي وهو ليس ايقاعاً سمفونياً متعدد الاصوات او ذروياً يتلائم والبناء المسرحي الذي يقوم على الصراع والتأزم والعقدة والذروة والتلون الوزن في القصيدة الغنائية احادي الاتجاه))( ). 
ان احادية الاتجاه الذي ترسخه عاطفية القصيدة الغنائية سوف يحد من قدرة السمرحية الشعرية على انتاج الدلالات وذلك لحرص الشعر الغنائي على ايصال رسالة بشكل مباشرة رغبة في عدم اشغال المتلقي بامر اخر سوى الاستمتاع بالطبقة الغنائية. 
وقد حاول الشعراء – ومنهم – احمد شوقي – ان يستعينوا على ذلك تبعد الاوزان والقوافي في العمل المسرحي الواحد، ولكنهم لم يفلحوا في الوصول الى المسرحية الشعرية القادرة على ان تكون منتجة لدلالات تشغل عقل المتلقي بالتأويل والتفسير والشرح وتحليل 
الرموز والاشارات التي يمكن ان يلجأ اليها صانع النص في المسرحية الشعرية الناجحة في رأيي لابد ان تستعيض عن (( الدفق العاطفي)). 
الذي كان سائداً في المسرحية الشعرية التقليدية بمايمكن ان نسميه هنا (( بالدفق الدلالي )) الذي اعتبره بديلاً حيوياً للرومانسية. (( فالشعر بشكله القديم لا يطاوع العمل المسرحي ولا يناسبه))( ). 
وعلى هذا الاساس عمل بعض الشعراء على محاولة العبور فوق هذه المشكلة والتخلص منها، تلك المشاكل التي يصنعها الايغال في استمثار الشعر في المسرح وان ظل بعض هؤلاء الشعراء بنائياً داخل المسرحية، ويعود ذلك الى ان معظمهم وفد الى المسرحية من الشعر الغنائي، ونريد هنا ان نؤسس لحقيقة نراها جوهرية تتمثل في ان التركيز على ضرورة عدم احادية الاستخدام في الشعر المسرحي هي محاولة جادة للتركيز على المهمة الجوهرية فالمسرح (( هو المكان الذي نلقي فيه امام انظار الجميع، ذلك الوجه الشاحب لكائن منتزع من فوضى الحياة الغثة بمافيها من ضياء وظلام، انه الاداة التي تبدع الانسان عندما تمثله))( ) اذا كان صناع المسرح الشعري في هذه الحالة يواجهون مجموعة مشاكل تتعلق بالخصائص التقليدية. (( وقد حل المشكلة الاخرى بالثورة على الوزن الشعري الغنائي ذي الشطرين، ولكن المسرحية الشعرية لم تتخلص من الهيمنة الغنائية والمنبرية والخطابية التي رافقتها في المرحلة التقليدية، فظلت مدسوسه هنا وهنا في جوانب المسرحية، تظل برأسها بين والفينة والفيه، وهذا يعود الى مقدرة الشاعر وخبراته المسرحية))( ).
ولا يهمنا هنا ان نخوض في الرأي الذي اورده خليل الموسى من عدم اعتباره المسرحية الشعرية التقليدية في انها اخفقت في ان تكون مسرحية اصلاً... ولكننا اوردنا هذا الرأي ( المنقول من مصادر متعددة). فقط لفتح الباب امام ذكر التقنيات التي ميزت المسرح الشعري المعاصر ودورها في انتاج الدلالات. حيث يرى الموسى ان (( ان المسرحية جنس وافد الى ثقافتنا ولا يزيد عمره على قرن ونصف، فقد بدأ وليداً مع محاولات مارون النقاش في منتصف القرن الماضي، ولكن المسرحية تعثرت فيما بعد ثم عادت الى النهوض بقوة في النصف الثاني من هذا القرن، وكان لابد للمسرحية الشعرية من ان تستفيد من الثقافة المسرحية العالمية))( ) وكانت هذه التأثيرات متعددة ومتنوعة تبعاً لنمط الوعي والحداثة الذي تعرفه المجتمعات العربية اولاً وطريقة فهم متبقي النصوص لتجارب الاخرين فكان لمولير وشكسبير وبريخت وابسن اثراً واضحاً في المسرحيات النثرية بعامة والمسرحيات الشعرية بخاصة، واهم اشكال التقنيات الحديثة في المسرحية الشعرية. 
1. تقنية البعدين الزماني والمكاني 
اذ تعتمد هذه التقنية على صنع واقع ابداعي فني بديل عن الواقع، يبتعد عنه زمانياً ومكانياً ولكنه غير بعيد عنه من ناحية الدلالية، وتتم هذه التقنية عادة باستخدام واقع تراثي، وتقوم هذه الابعاد على عملية المشابهة بين الواقعين الفني والمعيشي، وبين الماضي والحاضر، هو هنا ابعاد زماني ومكاني محدد. 
2. التغريب كسر الايهام المسرحي 
هي تقنية وفدت الينا من المسرح البريختي، والهدف فيها ابعاد عاطفه المتفرج والابقاء على ذهنه صاحياً ليفكر في الحل على نقيض المسرح الارسطي الذي يقوم على ايهام المتفرجين بأن مايجري امامهم حقيقة، ولذلك يتدخل الممثلون في بعض المسرحيات الشعرية ليعلنوا للمتفرجين بأن مايشاهدونه امامهم عرض مسرحي. 
3. المسرح داخل المسرحيته
هي تقنية اخرى معاصرة تنفرد بها المسرحية المعاصرة، " وينهض فيها المسرح داخل المسرحية، لتقوم شخوصها بأدوار اخرى تدعم فكرة المسرحية الام، وتكون رافداً يصب فيها التعميق الفكرة والمضمون والهدف))( ).
خصائص المسرحية الشعرية المعاصرة.
يعترف خليل الموسي انه ليس من الضرورة ان تكون خصائص المسرحية الشعرية المعاصرة جديدة كل الجدة فهو يرى ان (( الرمز واللغة والحوار والشخصيات والصراع هنا وهناك، لكن خصائص هذه العناصر الفنية هنا غيرها في المسرحية الشعرية التقليدية، فهي متطورة او مختلفة عنها))( ) وهذا رأي لايخلو من صواب.. ويتجلى بوضوح اكثر عند مطالعتنا لمواطن الفرق في الخصائص التالية.
1. الرمز في المسرحية الشعرية المعاصرة. 
يرى خليل الموسي ان (( اللجوء الى التعبير بالرموز ظاهرة، جديرة بالانتباه في المسرحية الشعرية المعاصرة، فمن طبيعة الشعر الغموض والشفافية والايحاء، واذا تلاقى ذلك بالرمز تفتح فيه ذهن المتفرج على دلالات متعددة، واصبح النص ثرياً لمحموله وتأويلاته، فاللا مباشرة في التعبير من اهم خصائص الشعر، وهي تمنح الشخوص المسرحية ثراء دلالياً ولذلك اتكا بعض شعراء المسرحية الشعرية المعاصرة على الرموز للتعبير عما يريدون التعبير عنه))( ). 
2. اللغة المسرحية الشعرية المعاصرة 
الشاعر الغنائي شاعر لغة قبل كل شيء، الشاعر المسرحي شاعر مسرح، وهذا يعني وجود اختلافات بين لغة الشعر الغنائي وبين اللغة الشعرية في  المسرحية، فالشاعر الغنائي يعيد صناعة اللغة لتقول مالم تكن تقوله، ولكن الشاعر في المسرحية على العكس من ذلك، فاللعب باللغة خطر على المسرحية (( ومقتل المسرحية الشعرية التقليدية في لغتها المزخرفة، كما في مسرحيات عزيز اباظة ولذلك ادرك بعض شعراء المسرحية المعاصرة ان عليهم ان يبحثوا عن لغة مختلفة عن لغة القصيدة الغنائية فالمتفرج في المسرح غير القارئ في كتاب، واذا كانت اللغة في القصيدة الغنائية غاية في ذاتها فأنها في المسرحية الشعرية وسيلة لغاية اخرى، وهي لغة تتناسب والشخصيات التي تتلكم، وانها لغة مسرح للفرجة قبل ان شيء اخر ))( ). 
لذلك فاللغة في المسرحية الشعرية وسيلة تتصف بصفات كثيرة، أهمها ان تتناسب وعناصر العمل المسرحي، كالحوار والصراع والشخصيات، وان تراعي المتفرج، كأن تكون بعيدة عن التنميق والزخرفة اللفظية، وان تكون مرنة مألوفه وعادية بعيدة عن التعقيد، وان يبتعد الشاعر عن الصفة والتشبيه والاستعارة لتساعد خبرته على رسم الشخوص والكشف عن داخلها، لتدل فقط على قدرته اللغوية. 
3. الحوار  في المسرحية الشعرية المعاصرة.
يتصل الحوار باللغة والشخصيات في المسرحية، وهو (( الصيغ الكلامية المتبادلة بين شخصيتين أو اكثر والتي تستخدم غالباً للكشف عن ابعاد الشخصيات وعرض الشكل 
المسرحي وتفعيله للوصول الى الفكرة الكامنة في النص ومن ثم محاولة ايصالها الى الاخرين بطريقة فعالة ولايكون الحوار موظفاً الا اذا كان صادراً عن الشخصية التي تستخدمه))( ).ويختلف بأختلاف المواقف. 
4.الشخصية والصراع في السرحية الشعرية المعاصرة  
للشخصية دور هام في المسرحية، وبخاصة اذا كانت مهيأة للصراع، واستطاع الشاعر ان يرسمها من داخلها ويظهر تناقضاتها. 
العلامة في المسرح الشعري 
يفرض علينا اختيار نصب الحرية للخزعل الماجدي كمحتوى يجب ان يعرض للدراسة والتحليل، التركيز على ضرورة الاعتماد على التأويل كطريقة لفهم الدلالات وكل هذا بدون التحليق بعيداً عن الواقع ((ومفهوم التأويل (استناداً الى مقولة المؤول التي جاء بها ((بورس)) هو الحلقة المركزية التي ستتكثف حولها كل الاجراءات التحليلية الخاصة بكل الوقائع الدالة بدءاً من النصوص المكتبة مروراً بالانساق البعدية))( ). 
وهذا التوصيف الذي قدمه سعيد بنكراد في تقديمه لكتاب امبرتو ايكو " سيميائيات الانساق البصرية" يؤكد واقعية قدرة التأويل على متابعة العلامات المطروقة في نص نصب الحرية حيث لا يرغب خزعل الماجدي في مغادرة الواقع وتحقيق قطيعة معه، وفي هذا المجال يرى مصطفى صمودي ((ان على العرض ان يعبر عن الواقع بغير الواقع بل لنقل ان عليه ان يوحي به لا ان يعبر عنه لان الايحاء في عرف ( برغسون ) ادرء للخيال سواء اكان الموُقى به رمزاً ام علامة ام اشارة))( ).
فالرمز : 
ميزة العقل البشري ((ولانسان كما يقول الشاعر الفرنسي ( شارل بودلير) غابة من الرموز بل ان البشر كما يقول (امرسون) رمز تسكن رموزاً، فالرمز له مدلوله الوجداني
وهدفه السوسيولوجي والاستيطيقي ومداه الوجودي وما الى ذلك لان لصيق بالنفس الانسانية))( ). 
فالرمز يشير الى مفاهيم وتصورات وافكار مجردة تشمل على سائر انواع المجار فعندما يتعانق الهلال الصيلب مثلاً.. نستيطع ان نستشف من خلال هذا التعانق مارواء هذا المرئي من إلفة وحميمية بين الاخوة المسلمين والمسيحيين وهذه نقلة من التشخيص الى التجريد.
العلامة: 
العلامة تشير ((الى موضوعات واشياء ملموسة ادنى من التجريد لان المدلول عليه بعلامة، ادنى من المدلول عليه بالرمز، وكل علامة بشكل دالاً ومدلولاً لنقل دلالة وايصال معلومة))( ).
وكمثال مبسط لتحليل العلامات في مسرحية ( نصب الحرية) نرى ان المهم هنا طرح المثال الذي اورده صمودي كما هو: 
(( النمر : علامة في جدول دالها سلسلة صوتية مكونة من ( ن/م/ر) ومدلولها –(انه حيوان مفترس) ثم تحولت هذه العلامة من وحدة في جدول استدلالي ) الى (علامة في نص ) فصارت ( الوحدة دالاً) فقط اي كفت عن كونها (علامة) لانها اصبحت دالاً سيكسب مدلولاً جديداً ليتحول الى علامة نشأت على ( التضمين ) الذي قام عليه ذلك ( اليقين ) فصارت ( الوحدة = دالاً) اتحد مع مدلول جديد. وبتعبير اخر نقول: 
[ النمر... صار مدلوله الانسان او المواطن ] 
وكذلك الامر في المروض 
فالمروض لغة: هو من يقوم بتطبيع الحيوانات واخضاعها وتهيئتها لعمل خاص مناف لطبيعتها التي فطرت عليها ما في النص : فـ المروض = السلطان او الزبانية ) بمعنى انك ايها النمر مُرْغم على طاعتي لاني انا الذي املك لقمة عيشك. وهكذا تتحول جميع العلاقات في بنية النص الى دلالات تكسبها مدلولات حديدة تشكل سيميائياً من خلال تقابلات ثنائية تغدو دلالاتها على الشكل التالي: 
( لنمر والغابة = المواطن الحر والمواطن السجين) 
(النمر المروض = لانسان والسلطان ) 
(النمر المواطن = الانسان الحر والانسان المدجّن) 
(النمر والمدنية = المواطن اللاواعي والسجن غير المرئي ) الخ 
هذه التقابلات الثنائية تشكل بؤرة يتضح من خلالها 
( المستغل والمستغل = المواطن والسلطة ) وبالتالي تتحول كل علامة من هذه العلامات لتكتسب مدلولات جيدة ))( ).
الاشارة... فلها دلالة واحدة لا تقبل التنوع ولاتختلف من شخص لاخر لان المجتمع برمته قد تواضع على دلالتها. 
اشارة المرور مثلاً... ( أحمر = توقف) ( برتقالي = تهيؤ) – ( اخضر = مسير) (( وسواء كانت الدال النصي اشارة ام علامة ام رمز، فأن من واجبات العرض ان يعبر عن سيميولوجيا ليس باللغة المنظومة الحسية فقط، بل باللغات ذات التقنيات العالية التي يختص بها العرض ويتميز بها))( ). 
انطلاقاً مما سبق فإن قدرة المتلقين المتنامية على التعامل مع الرموز العلامات والاشارات ذلك التنامي الذي بدأت تشكله مجموعة من العوامل المعرفية والاقتصادية تفرض على منتجي الاشكال اللغوية سواء كانت شعرية او درامية اللجوء الى وسائل مبتكرة لاستثمار الذكاء المتنامي في تلقي الرموز لأنتاج مسرح جديد يراعي التبدل في الانماط السلوكية وتنوع الذائقة. 
المبحث الثالث: قراءة في تجربة الماجدي  رؤية وتحليل 
يمثل الشاعر خزعل الماجدي واحدة من العلامات الفارقة في تاريخ الثقافة العراقية المعاصرة. فالرجل بنتاجه المتميز متعدد الاوجه يشير بشكل واضح الى ظاهر ايجابية في المشهد الثقافي فهو يتنقل بذكاء بين العلم والشعر والتنظير الفكري والنقدي والدراسات التأريخية. 
وفيما يخص مجال اشتغالنا حول المحتوى الدلالي للنص المسرحي الشعري فأن تجربة الماجدي في نصوصه المختلفة تؤكد ان الشاعر القادر على الامساك بالبني الدرامية لابد وان يكون قد اتعب نفسه في استلهام المعطيات التراثية والسياسية وربما الدينية، يقول محمد صابر عبيد (( يمكن القول ان من انضج مراحل التطور في البناء الشعري هو البناء الدرامي، اذ يحتاج تحقيق حالة من التوازن بين الوعي الفني والفكري في شخصية الشاعر الابداعية، ويعتمد هذا النوع من البناء على عمق مخيلة الشاعر واتساعها))( ). 
ولد الشاعر خزعل الماجدي في مدينة كركوك عام 1951، وكان العراق وقتها يشهد مرحلة من مراحل تحوله ذلك التحول الي سبتكرس عام 1958، حصل الماجدي على شهادة الدكتوراه في التاريخ القديم عام 1996 ليعمل في دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة والاعلام العراقية عام 1998. 
بعد ذلك ولاسباب مختلفة اطر الشاعر خزعل الماجدي الى مغادرة العراق بحثاً عن مناخات اكثر اتساعاً تتيح له التعبير عن قدراته الابداعية بعيداً عن اي شكل من اشكال الرقابة ويمكن ان نقول هنا ان تجربة الماجدي تعتبراً نموذجاً للغربة الايجابية ان صح التعبير حيث قدم الماجدي في تلك الفترة انتاجاً ثراً وابداعاً وخصباً.  
عاد خزعل الماجدي الى العراق في اب عام 2003، قد تغيرت لديه الكثير من الرؤى والافكار بفعل شعوره بان ملاك الحرية يمكن ان يكون قد هبط مرة اخرى في العراق وهو الامر الذ يتيح بيئة صالحة للابداع. 
والماجدي اضافة الى كونه مؤلف مسرحي فهو صاحب اكثر من عشرين كتاب في المثيولوجيا التاريخ القديم والاساطير والاديان وهو ما يدخل ضمن فضاء ( الانتربولوجيا) وله في ذلك مؤلفات عدة.
(( ففي مجال الشعر له الكثير من لمجاميع صدرت في عدة مجلدات عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ففي عام 2001 صدر المجلد الاول والذي ضم اطلس شرقي، فيزياء مضادة، قصائد الصورة، انا هيت، اسمعي رمادي.. سمعي موسيقا الذهب، مخطوطات غجرية. 
وفي عام 2005 صدر عن المؤسسة نفسها المجلد الثاني من اعماله الشعرية الذي ضم يقظة دلمون، اناشيد اسرافيل، الياقوتات موسيقا لهدم البحر، خواتم الافعى، حزيناً عند عمود السماء السومرية احلام في اتضاح حجمها وفراد يسها العالية. 
وفي عام 2008 صدر في المؤسسة العربية للدراسات والنشر المجلد الثالث، من اعماله الشعرية والذي ضم عكازة رامبو 1992، حية ودرج 1993، خيط العبور 1994، حمام النساء في كركوك عام 1996 ركوكو عام 1998، فلم طويل جداً عام 2003. 
اما في مجال التنظير ونقد الشعر فقد قام خزعل الماجدي للمكتبة العربية دراسات مهمة ابرزها  العقل الشعري ( جزءان ) اما في حقل التاريخ والميثولوجيا والاديان القديمة فقد انتج الماجدي دراسات مهمة ابرزها سفر سومر، حكايات سومرية، ميثولوجيا الاردن القديم، الدين السومري، المعتقدات الارامية، موسوعة الفلك عبر التاريخ، تاريخ القدس القديم، اما في مجال المسرح فقد قدم الماجدي نصوصاً مهمة منها عزلة في الكرسيتال عام 1990، حفلة الماس عام 1992، الغراب 1992، مسرحيات قصيرة جداً عام 1993، تموز في الاعالي عام 1993. قيامة شهرزاد عام 1994، نزول عشتا الى ملجأ العامرية عام 1994 اكينو ( الليالي البابلية) عام 1995، مفتاح بغداد عام 1996، انيما عام 1997، سيدرا عام 1999، مسرحيتا هاملت بلاهاملت وسيدرا) صدرتا في كتاب واحد عن دار لشروق للنشر والتوزيع عام 2005 ومسرحية نصب الحرية))( ).
في مقدمة كتاب العقل الشعري يقول خزعل الماجدي ((في جميع الاحوال كان التنظير الشعري للشعراء اكثر صدقاً واكثر قدرة على التعبير عن ماهية الشعر في الفلاسفة والنقاد وعلماء العلوم الانسانية القريبة، فالشاعر ادري بتلك الاغوار العميقة التي تخرج منها اشعاره، وربما كان ادرى بموجّهاتها العقلية والفكرية))( ). 
هذه الاشكالية التي طرحها الماجدي يمكن ان تمثل مفتاحاً للطريق التي يتحتم على الباحثة استخدامها لفهم نصوصه المختلفة وجهوده النظرية ومسرحياته فالشاعر هنا وهو يستخدم المسرح للوصول الى جودة الشعر او حينما يستخدم الشعر لتعزيز الفعل الدرامي المشبع بالدلالات فأنه سيكون ادرى بأدواته المختلفة.
ولعل ايغال الماجدي في الكتابة في صلب النظرية الشعرية نعثر على اثاره المتعددة من خلال التواصل المنطوق الشعري بالفعل المسرحي ذلك التواصل الذي اراد له الماجدي ان يأخذ ابعاداً فكرية متعددة بذل من اجلها بالاشتراك  مع اخرين جهوداً كبيرة اذ (( تجدر الاشارة ان الماجدي قد اصدر بيانين مسرحيين فيما يخص التنظير للشأن المسرحي بعنوان ( المسرح المفتوح وهو البيان الاول اما الثاني بعنوان المسرح الشعري الحديث) الذي يصب منه كل افكاره النظرية حول ارتباط اعماله المسرحية بهذا العالم او عالم مابعد الحداثة)( ).
ولعل من المفيد القول هنا ان الماجدي كان حريصاً على امرين مهمين اولهما هو عدم الانصيّاع الى البنى التقليدية عند التصدي لانتاج فعل المسرحي أني وثانيهما هو الحفاظ على روح الشعر ومعنى المسرح عن انتاج اي عمل في المسرح الشعري وضرورة ان الا يفسد كل منهما معنى الاخر ماهيته با يضمن في النهاية العلاقة الوثيقة بين كل من الشعر والمسرح تلك العلاقة التي يرى الماجدي انها يمكن ان تستقيم عبر نبذ الشكلية المقيتة التي تلحق اضراراً بمعنى الفعل في سعيها للتأكد على شكله ( يقول الماجدي، ان المسرح والشعر كانا في تزاوج كاثوليكي طويل الامد بدأ منذ منتصف القرن السادس (ق.م) عند الاغريق حتى ظهور (ابسن) حيث اطاح بالشعرية التي اقيم عليها المسرح. ويؤكد وفق رأيه الشخصي. ان الشعر عمل على افساد المسرح طيلة تلك القرون عندما كان المسرح ينوء تحت قيود شعرية شكلية، وهي ان الشعر كان يخرج النص المسرحي ولكنه لا يخرج طبيعياً بل يخرجه مثقلاً بالبلاغة والوزن والنظم والقوافي والشكليات))( ). 
لعلنا نجد ظهوراً مهماً لهذه التصورات في البيان الثاني الذي اصدره الماجدي وسبقت الاشارة اليه والذي يتعلق بأفكار بعد الحداثة تلك الافكار التي ((خلقت حيوية حركية شاملة، عندما وقفت ضد الكليات الشمولية، وعندما اعترفت بشرعية التهجين، وعندما منحت الاختلاف حقّ الاولية، عندما اعطت التجريب حدة الاقصى المرتبط بفكرة الحرية))( ).
حيث يمكن ان نلمس تلك التصورات مابعد الحداثة عند محاولتنا تقصي الرسائل الدلالية في نص نصب الحرية لخزعل الماجدي وهو النص الذي يعبر بصورة واضحة عن الانشغالات الجديدة للشاعر في بحثه المتواصل عن طريقة لتوضيح مالبس فهمّه وخاصة في الموضوعات التي تتعلق بكينونة الانسان وجوده. 
وفي رأينا الشخصي ان الشاعر خزعل الماجدي في نصب الحرية كان بحاجة ماسة ليعبر عن فهمه الجديد لاشياء اكدت رسوخها في الذاكرة العراقية والمسرح هذه المرة هو طوق النجاة (( اذا كان انتاج التعبير بين في القصة والرواية شحيحاً فهو من خشبة المسرح خصب شديد الخصوبة. انه يتبع كذلك من خيبة امل في المدينة الكبيرة، والشوق للعثور على الانسان وسط ضجيج الحروب والالات))( ).
ولعلنا لا نعدو الصواب اذا ما قلنا ان الماجدي يقوم بهذه المهمة بأدراك كامل لأهمية الفعل الشعري الجديد في انتاج قراءات متنوعة لمنجزات سبق وان قام الكثيرون بمحاولة قراءتها وهذا الامر ينطبق بشكل وبأخر على جهد الماجدي، ففي مسرحية نصب الحرية فالنصب وعلى مدى عدة عقود تعرض لقراءات واستنطاقات مسرحية وشعرية وتشكيلية وربما اجتماعية وسياسية ولكن الحل كما يراه الماجدي يكمن في توصيف مغاير او (( ينبئ تاريخ الشعر عن وجود نمطين من الشعراء ضمن الطبقة الفاعلة للشعر في اي عصر من العصور والتي تعلو على الطبقة الضعيفة التي تقوم بأعادة انتاج المنجز الشعري لشعراء الطبقة الفاعلة اذ تعمل الطبقة الفاعلة على انتاج متصل ومبدع وتخلق طرائقها الخاصة في الكتابة الشعرية فهي القادرة على تشكيل انساق شعرية مؤثرة في ذلك العصر وهي المؤهلة لفتح الرؤية الشعرية واعادة المغامرة الشعرية الى دائرة فعلها المتصل مع الدوائر السابقة عليها))( ).
وهذا التوصيف الذي ينحي جانباً ولو لبرهة القراءات المجاورة لنصب الحرية تعتمد على اللغة بأعتبارها اكثر قدرة على مخاطبة متلقي يحتفظ بميزات خاصة اذن (( فاللغة تعد استناداً الى هذه المعطيات من اهم وسائل التعبير واخطرها على صعيد تركيز الدلالة في الفن الشعري، فهي الوسيلة العضوية التي تحتضن الوسائل التعبيرية الاخرى وتحتويها وتعّرف عضويتها في المجال الشعري الميداني، وبواسطتها تنتقل الرسالة الشعرية من الشاعر الى المتلقي))( ).
ان نص نصب الحرية بلاشك يكشف مرة اخرى عن مهارة الماجدي في تحميل دواليب اللغة بالفعل الدلالي الذي يمكن ان يغني القارئ والمتلقي في نفس الوقت يمنحهم قدرة على فهم رسالة نصب البحرية الذي نفذه الفنان الراحل جواد سليم.  
المؤشرات التي اسفر عنها الاطار النظري 
1. الايقاع الصوتي 
2. الطقوس الرمزية. 
3. الصورة واعادة صناعة اللغة. 
4. الضمني والمتوازي. 
5. البعد الاجتماعي والسعي الى التغير. 
6. التأويل والتفسير والشرح والايحاء. 
7. التعبير بالرموز. 
8. المدلول الوجداني. 
الفصل الثالث
1. مجتمع البحث 
اشتمل مجتمع البحث الاصلي على (3) نصوص مسرحية (المسرح الشعري)، كتبت بعد السقوط (سقوط بغداد ) عام 2003 وهي 
ت       اسم المسرحية             المؤلف         سنة التأليف 
1.       نصب الحرية  (مونور راما)   خزعل الماجدي       2005
2. ليليث   ( مونودراما)     خزعل الماجدي       2004  
3. حية ودرج                           خزعل الماجدي       2003 
2. عينة البحث 
تم اختيار ( عينة البحث) وفق طريقة قصدية، للاسباب التالية : 
1. يمكن تطبيق ماتوصل اليه الباحثة بمستوى اكثر من غيرها من النصوص.
2. تحقيق اهداف الدراسة بما يخدم نتائج البحث. 
نص ( نصب الحرية) مونودراما خزعل الماجدي ( عينة البحث) 
3. اداة البحث 
بعد ان اطلعت الباحثة على ادبيات مؤشرات الاطار النظري خرجت الباحثة بحصيلة هيكلية البناء الاداة... وهذه مجموعة من المؤشرات تستند عليها الباحثة في تحليل العينة. 
المؤشرات التي اسفر عنها الاطار النظري 
1. الايقاع الصوتي. 
2. الطقوس الرمزية. 
3. الصورة واعادة صناعة اللغة. 
4. الضمني والمتواري. 
5. البعد الاجتماعي والسعي الى التغير. 
6. التأويل والتغيير والشرح والايحاء. 
7. التعبر بالرموز. 
8. المدلول الوجداني. 
ملخص المسرحية : نصب الحرية ( مونودراما خزعل الماجدي).
المسرحية هي عبارة عن مونودراما تراجيدية في خمسة مشاهد تقع احداثها في مدينة بغداد بعد عام 2003 ويتخذ النص المسرحي من نصب الحرية كخلفية للاستفادة من مخزونة الدلالي للتعبير عن رؤية المسرحية التي تحاول التنبؤ بمستقبل العراق في ظل وضع سياسي متأزم حيث يشير النص اكثر مرة الى ثقوب البلاد للاشارة إلى الخروقات التي لحقت بجدار الدولة العراقية تلك الخروقات التي تأتي من الشرق والغرب والشمال والجنوب حيث يستعمر الرجال المدججون بالبنادق شوارع بغداد ويعتدون على كل شيء فيها وعلى وجه الخصوص رموز الحضارة والجمال وهنا تأتي القيمة الاعتبارية والفكرية لاستخدام نصب الحرية كجوهر للمسرحية حيث يتخيل صناع النص روح مصمم النصب ( جواد سليم) وهي تحاول ان تحل في واحد من مكونات النصب فتحل مرة في النسوة النائحات واخرى في جسد الطفل وثالثة في الجواد الذي يتعرض هو بدوره لمحاولة التعويق والاسكات، فتعود روح الفنان الى مكانها في النصب بعد ذلك. 
تلعب شخصية الرجل ( الممثل الوحيد في النص) والذي ينزل من النصب الى خشبة المسرح، دور المخلص فبعد محاولات استنطاق حوارية لرموز النص وروح الفنان التي تبحث عن مكان يختار الرجل النازل من النصب مصيراً حتمياً الا وهو مصير المضحي الذي يجود بنفسه طمعاً في خلاص شامل وهي النهاية التي اختارها الشاعر لنص نصب الحرية. 
التحليل : 
يمنح العنوان الذي اختاره خزعل الماجدي لنصه المسرحي، المحلل فرصة جيدة للتدليل على قدرة عنوان النص على اطلاق الدلالات. 
فنصب (الحرية) كما نرى منطوق متخم بالدلالات فهو يشير بالضرورة الى (( فكرة ابدية قداسة الحرية) كونها اساس مهم من اسس الوجود الانساني فالحرية كمعطى فلسفي ذو ابعاد روحية فعل ديناميكي متحرك ولكن النصب الهجري او البرونزي بطبيعته الاشارية يؤكد حضورها الدائم في ذاكرة الشعوب، وهذا حقق خزعل الماجدي ثنائية مهمة تتمثل في الاختزال اللغوي والعمق الدلالي (( فالعناوين هي مفايتح للولوج في عالم النصوص. لذا ينبغي على المتلقي ان يزود بالمنهج السيميائي للدخول في عالم العلاماتية قصد فهم دلائلية النصوص.))( ).
لذلك فأن نصب الحرية كعنوان هو في متن النص من ناحية حرص المؤلف على ايصال رسالة ما الى المتلقي، تلك الرسالة التي تريد ان تدافع عن معنى الحرية المفقودة والمشتهاة ف عين الوقت. 
(( كفى حروباً.... 
قالها اطفالنا لابائهم 
نريد فجراً بلا طائرات 
نريدُ صباحاً بلا هتافات 
كفى حروباً 
لماذا تفعلون هذا بنا؟ 
نريد وطناً آمناً. 
نريد اباءً شعراء وعلماء واطباء ورسامين، لا نريد اباءً محاربين ))( )
في هذا المقطع الحواري الذي يعبر بأعتقادنا عن الرؤية العامة للمسرحية يؤسس خزعل الماجدي عبر استخدام البعد الاجتماعي والرغبة في التعبير، لقائمة من المتطلبات التي تؤثر لما يمكن ان نطلق عليه بعلامات او اشارات الحرية والملاحظ هنا ان صانع النص في هذا المحور لم يعتمد على التعبير بالرموز ولم يراهن على قدرة المتلقي على التأويل بل استخدم الافصاح والمباشرة المعتمدة بطريقة على الايقاع الصوتي والتركيز على المدلول الوجداني الذي تم التعبير عنه هنا سلسلة من المتطلبات التي تمثل حلم كل عراقي يتوق الى الحرية. 
في بداية المسرحية ينطلق صوت بنبضات قلب تنخفض تدريجياً ليظهر صوت عميق ذو قرار مسجل على شريط: 
(( الصوت : سبع مرات اشعلت شمعة 
سبع مرات انطفأت 
سبع مرات طردت الشر من بيتي 
سبع مرات عادة الشرور 
ليل العراق مازال طويلاً. 
ونهاره مازال تحد الرماد))( )
في هذا المقطع نرى اشاعر خزعل الماجدي في محاولة لاستثمار المأثور الاجتماعي الذي يعتمد رقم (7) في الكثير من المناسبات فالله خلق الكون في (7) ايام وخلق السماء من (7) طبقات والعراقيون يعمدون الى استخدام رُقْيه هي عبارة عن سبع عيون لطرد الشر عن بيوتهم وهذا بالنسبة لاشعال (7) شموع في طقس رمزي في كثير من المناسبات الاجتماعية الحزينة وتلك التي لها طابع الفرح على حد سواء، كما يلبس العراقيون اطفالهم قلادة مكونة من سبع خرزات تحميهم من الحسد والارواح الشريرة. 
هنا يريد الشاعر ان يؤكد عبر هذه الاشارة الرمزية الى عراقية المناسبة والنص لكي يبرر حديثه عن حرية عراقية مستباحة وليس عن اي حرية اخرى. 
وهذا الامر يؤكد استخدام مؤشرين اثنين هما البعد الاجتماعي والطقوس الرمزية. 
بعد ذلك وفي نفس المقطع يستمر الصوت بتأوه: 
(( الاتباً لدولات الموت وهو يحصينا واحداً واحداً كل ليلة 
الا تباً لعادات الدم والخراب تستير فينا دون ان تدري الى التيه الا تبا لانفسنا ماذا فعلت بنا))( ) 
ان هذا الايقاع الصوتي الذي يلجأ اليه الشاعر ليشارك بفعالية في بلورة تأثير نغمي يكون لدى المتلقي صورة بأبعاد دلالية محددة عن الجو العام الذي تجري فيه الاحداث وهو العراق الذي تدفن نهاراته تحت الرماد جيلاً بعد جيل، بعد ذلك يقوم الشاعر بأستخدام صورة الدولاب لايصال رسالة ما فالدولاب كشيء ذو طابع دوراني لا يتوقف عن الحركة وهو في الذاكرة العراقية يستخدم لرفع المياه من الانهار الى الاراضي عن الحركة وهو في الذاكرة العراقية يستخدم لرفع المياه من الانهار الى الاراضي المزروعة في حركة تكاد لا تنتهي
 وعندما يتم هنا في مختبر الشاعر / صانع النص اعادة إنتاج اللغة وتصنيعها يصبح الدولاب دولاباً للموت يأتي به مثلما يأتي الدولاب العادي بالماء دون توقف. 
والموت كعادة من عادات الدم والخراب يسير بنا الى تيه مؤكد وهذا التيه متوارية خلف النوايا التي تقوم بمد دولات الموت بالحركة فالتيه هنا متروك بحسب اعتقادنا لقدرة المتلقي على التأويل والتفسير والشرح والايحاء.
فصانع النص هنا يتوقع بأنه يقوم بالاشارة الى اشكال من التيه فبالاضافة الى التيه العام الذي تصنعه عادات الموت ودولابه، ونهارات العراق المدفونة تحت الرماد فثمة تيه خاص لكل منا يحمله في داخله يتنقل معه يسير به في كل اتجاه ولعل الشاعر خزعل الماجدي نفسه كصانع للنص تحول هنا الى منتج لخطاب متأثر بتيه شخصي، وهذا الامر يؤكده المقطع التالي:
 ((  عندما أصبحتُ جندياً 
كنت أداري البغال الجريحة العائدة من الحرب 
وكنت ارتب صيدلة محشورة في الجبال 
اصنع تماثيل شمع صغيرة للنساء اللاتي اجبتهن 
واضعها في جيوبي 
أدوّن مذكراتي ومخاوفي 
كان الجنرلات يقودننا الى الموت 
وكنت ألوذ بصيدلتي وببغالي بخرافاتي. 
خرجَت من ذاكرة المقابر 
وصنعت لي فردوساً من الورق لم يقبل أحدٌ الدخول إليه 
في طاسلوجة...
تركت البروق تضربُ انهاري وتفيضُ نجدافاتي 
كتبتُ تحت نار الحروب فصول (خزائيل)))( ). 
وصانع النص في اكثر من موضوع في المسرحية يؤكد على اهتماماته الفكرية والمعرفية ويستعملها في تأسيس منظومة منتجة للدلالات، فالشخصية الوحيدة في المسرحية 
التي تهبط من النصب الى خشية المسرح تمارس فعلاً يدعو الى التغير وكأنها شخصية تهبط عن نصب الحرية الى ساحة التحرير نفسها وهي في حركتها تلك تؤكد على مضامين محددة. 
(( دخان ابدي مسموم يستنشقه ذاهبون الى الجحيم 
( يتحرك وكأنه يفتش عن شيء) 
بدلاً من الزهور والاغصان 
ظهرت غيوم الدخان وسخمتنا 
كأن بغداد خارجه من أقمطة السحر 
كأن صياديها يسعون لصيد الشمس 
كأنهم ينصبون الشراك للمطر ))( )
ففي هذه المقطع مخزون دلالي شاسع فهناك يبدع الشاعر في تكوين صورة لجحيم خاص عبر استخدام اللغة فالدخان له صفة الابدية مثل الظلم والتعصب، وكذلك غيوم الدخان الدلالة على صورة بغداد التي تخلو سمائها من الطائرات والانفجارات وهو الامر الذي ادى الى تسخدم كل شيء الوجوه والشوارع وثياب الاطفال ومعزوفات الموسيقى واغلفة الكتب والانهار والامزجة، وهنا استخدام للبعد الاجتماعي الذي يرتكز على الموروث الشعبي عند وقوع النكبات ويستمر الشاعر في تأثيث تلك الصورة عبر استخدام الضمني المتواري.
فثمة صيادين يصطادون الشمس كتعبير رمزي عن المستحيل الذي لا يمكن ان يتحقق والذي يمكن ان يؤدي الى المزيد من الاحباط. 
وهكذا ثمة صيادون اخرون ينصبون الشراك للمطر كبديل عن الطيور، ونرى ان صانع النص هنا يعتمد في هذا المقطع ايضاً على قدرة المتلقي او القارئ على تأويل المعنى ليغني نفسه عن التصريح عن معاني الاحباط واليأس. 
وذلك اليأس الناجم عن إدارك العراقيين/المتلقيين لحقيقة ان وطنهم مستهدف من عدو يمكن ان يأتي في اية لحظة ومن اي مكان ذلك نرى الشاعر يلجأ الى مجال تعبيري بدفعه اليه مكنون نفسي وموروث شعبي سبق وان عمل عليه في مجال اهتماماته بالسحر والتراث القديم، يقول الشاعر على لسان شخصيته الوحيدة: 
 (( كم غراب سيأتي لهذه البلاد 
بلحية وثوب قصير وكتاب فقهي أسود ؟ 
كم كأسٍ من السم سيحمل معه؟ 
وكم طفلٍ سيأكل ؟ 
كم من الخدم سيفرشون لنعليه السجاد 
ويعطرون له المياه ؟ 
القطعان الضالة جاءت من الشرق وطعنت دجلة
وجاءت من الغرب وحفرت خاصرة الفرات 
جاءت من الشمال ونهشت الجبال 
وجاءت من الجنوب وضربت المدن 
بستانك ياعراق تحول الى زيبة 
تلمع فيها عيون الذئاب))( )
فالغراب هنا، وفي مجمل الموروث الشعبي العراقي نذير شؤم فوجده في مكان ما أو تحليقه في سماء معنية لابد وان يجمع معه النكبات، لذلك تتسأئل الشخصية الهابطة من نصب الحرية عن عدد الغربان التي يمكن ان تحلق في سماوات البلاد، هنا يبدع الشاعر في تصميم كولاج رمزي يتمثل في غراب بلحية وهو بذلك يمزج بين التعبير بالرموز مع الايحاء الطقسي الذي سوف يجعل المتلقين يعيشون في جو معين له طعم الأمكنة التي يتوالد فيها السحرة والمشعوذين الذين يتولون تخيل حاضر اسود لهذه البلاد، سحرة بلحى واثواب قصيرة يحملون كؤوس السم في قداس غير ظاهر يبحثون عن الاطفال الذين يرمزون الى البراءة من اجل التهامهم وهنا يستخدم الشاعر الطقوس الرمزية العراقية التي تشير حكاياتها الى كائنات تأكل الاطفال. 
بعد ذلك يلجأ الشاعر الى استثمار قدرة المتلقي على التأويل والتفسير والشرح والايحاء في تحديد متابع الشر الذي يغزو البلاد، فثمة قطعان تأتي من الشرق واخرى من الغرب وثالثة من 
الشمال ورابعة من الجنوب تلك القطعان التي صنعت بلادها الخاصة داخل البلاد بقوانين تفرض متساوتها على بريق الفرح. يقول الشاعر متعقباً ماتبقى من وجدان
 (( اه ياحبيبتي... اين انت الان ؟ اليوم هو عيد ميلادك.. عيد شروقك 
كيف احتفلُ بعيد ميلادك 
والأحزان تقطرُ على اوراق الشجر؟ 
كيف اشعل شموعكِ
والظلام هو نارنا الأبدّية؟ 
وماذا سأهديك ؟ 
الذهب تحول الى تنك 
الفضة تحولت الى تراب 
يكفي ان انظر اليك بعيون حزينة
يكفي ان تحفظني لي اولادي الاربعة 
من الشرر المتطاير في البلاد 
وإلاّ أعيدهم الى رحمكِ))( ).
في هذا المقطع يتحول الظلام الذي حملته القطعان في حقائب الوهم الى نار ابدية وهو تعبير رمزي عن قدرة الفكر الظلامي على وئد الق الحضارة. 
ليفجر الشاعر بعد ذلك حواراً يتسم بشيء من المباشرة والكثير من الرمزية فهو يتسأل عن مقدار التغير القيمي والمادي الذي لحق بالحياة العراقية في عيد ميلاد حبيبته في تحديد معنى واضح لاثمان الاشياء فالذهب تحول الى تنك والفضة تحولت الى تراب وهذا الامر يشير الى بداية قائمة الخسّارات الطويلة التي يمكن ان تلحق بنا وبأولادنا هنا يستثمر الشاعر الصورة فيخبرنا بأنه قد يلجأ الى اعادة اولاده الى رحم امهم وهو تعبير عن النكوص وطرح الاسئلة الكبيرة. 
هنا يمكن ان نشير الى عتبة خطيرة تساعدنا في النفاذ الى جوهر نص نصب الحرية وهذه العتبة تتمثل في اضطراب روح جواد سليم وهو الصانع والاب الروحي لنصب الحرية حيث يراهن الشاعر على جدلية قيام روح جواد سليم بالدفاع عن قيم الحرية التي يسعى نصبه الى تكريسها وعنها تحوم روحه حول النصب يتسال بطل النص. 
(( علام تضطرب روحُ جواد سليم ؟ وما الذي يجعلها تحوم حول نصب الحرّية؟ 
أيّ قلق أصابك ياجواد ؟ ولماذا تركت روحكَ هائمة هنا ؟ 
لماذا ترفرف فوق النصب ؟ وماذا تريد؟ 
روح جواد تريدُ ان تحل في النصب 
ولكن أين ؟ 
في هيكل الجندي الذي يكسر القضبان ؟ 
لا.. لا.. لم يعد ذلك الجندي يعرفها 
إذن في جسد الثور ذي القرنين 
لا.. الثيران تُذبح في الشوارع))( ).
وبعد ان تسقط فرضية حلول روح جواد سليم في الجنود والثيران كتعبير رمزي يخضع لتأويل والتفسير عن ضرورة اعادة تقييم مشهد الحرية بالكامل. 
يشرع صانع النص في تجربة حلول جديدة تؤشر لثلاث قراءات جديدة مختلفة فتحل روح الشاعر مرة في النساء الناحئات واخرى في الطفل النازف وثلاث في الحصان الملتوي. 
ويلاحظ المحلل لنص نصب الحرية ان هذه الخيارات تطرح اشكالية الحاح الشاعر على ضرورة تبني التغيير والشكل المدني في رسم ملامح الحياة العراقية الجديدة. 
في البدء تهبط روح جواد في النساء الناحئات 
(( اذن في النساء الناحئات ؟ 
نعم – هناك الملايين فهن اليوم. 
حين هبطت بين ايدي النساء الناحبات بكى جواد كثيراً معهن حتى غاب عن الوعي لم يفق إلا حين سمع دوي الانفجارات فعادت روحه من حيث أتت ولم يرغب في ان تبكي عليه النساء.))( ).
هنا يريد الشاعر عبر شخصيته الوحيدة ان يؤشر  لحقيقة دامغة تتمثل في مئات الالاف في النساء الناحبات اللواتي يبكين حاضر البلاد ومستقبلها ذلك البكاء الذي اوجع روح جواد سليم فأختار الرحيل عن هذا المأتم الشاسع الذي يكاد يتسع لاحزان البلاد المثقوبة، ابتعاد روح جواد عن النساء الناحبات تعبير عن رغبة صانع النص في امتلاك فرصة جديدة للاخلاص فتلجأ روحه الى الطفل النازف (( في اليوم الثاني حامت روحه حول النصب وهبطت عند الطفل فوجدته ممدداً والدم ينزفُ منه ثم سقط الطفل ُ في ساحة التحرير ملطخاً بدمه.. ذعرت روح جواد وطارت ))( ) 

هنا يمكن وعبر استخدام مبدئي التعبير بالرموز والتأويل والتفسير ولايحاء جر الذاكرة الى مأساة الطفل الذبيح في كل زمان ومكان يتكرر الطفل دائماً وبنفس الطريقة عندما تهبط روح جواد سليم الى طفل النصب فأنها تفاجئ بأن تجده ممدداً والدم ينزف منه وليسقط بعد ذلك في ساحة التحرير وفي مكان متخم بالدلالات يطلق العديد من العلامات الاشارات التي يمكن ان تفهم وفق معايير مختلفة والتي يمكن ان تشير الى مشهد يرسمه صانع النص عبر استخدام الايقاع الصوتي ورسم الصور واعادة صناعة اللغة بطريقة تنسجم مع حاجة النص. في المشهد دموع جارحة وذخيرة فاسدة ونجوم متكسرة وقناديل لا تشتعل 
(( في ثقوب البلاد جرّحتني الدموع 
علتني ذخيرة فاسدة ودفعت بي غيومٌ لا عهد 
لي بها نحو التراب. 
أعشاشي مزدحمة بكسر النجوم وفتائل قناديلي لا تشغل. 
ها أنذا.. عند الفجر 
هنا يكون ترتيلي 
هنا يكون إسرائي
تعال ايها الحصان الطائر جنوبي لتخلص الناس من هذ الظلام والموت))( )
وبعد ان يبطش الالم بروح جواد سليم التي حزنت على الطفل النازف الذي احتضنت ساحة التحرير جسده تجرب روح جواد سليم (( الحلول الثالث)) فتختار (( عنق الحصان الملتوي فجمح الحصان به خارج النصب وطار فوق بغداد ثم هبط بين المارة والسيارات فأنطلق الرصاص عليه وعلى الحصان ورماهما الناس بالحجارة، فشاهد جواد المسلحين والبنايات المحترقة والناس الذين يركضون في الشوارع من الخوف لكن جواد لكن جواده وطارا))( ).
هذا الاسراء الذي يقوم به صانع نصب الحرية فوق بغداد يؤشر مشهداً مأساوياً حيث يتعرض (( اب الحرية )) الى الرمي بالرصاص ومن مصادر  متعددة في عين لوقت الذي يشاهد فيه بغداد المحترقة المخربة التي تحقق قطيعة مع ماضيها العريق. 
هنا يلجأ الشاعر عبر الشخصية المحورية الوحيدة وعبر خطاب متوار الى صنع رسالة موجهة الى مبتكر الحرية العراقية بأن الوقت لم يحن بعد للنزول الى شوارع بغداد فهذه 
الشوارع التي تحتلها القطعان ويؤز الرصاص في جوانبها غير مستعدة بعد لقبول فكرة الحرية، والنصب هنا يتحول الى ملجأ آمن الروح الشاعر أو ربما مدى عصي على المسلحين. 
(( لا... لا... اهرب ياجواد بجوادك.. عد الى النصب.. عد الى النصب سالماً))( )
ولكن النصب في حقيقة الامر قد اصيب بشروخ وعيوب وشقوق وثقوب مختلفة سيحاول البطل الوحيد في المسرحية اصلاحها وهو اصلاح رمزي يمكن ان يعيد للنصب صلابته ورونقه وبهاؤه ليضل محتفظاً بقيمته كرمز من رموز الحرية. وهو يستخدم في هذه المهمة الطين وأبر محاولاً ردم الشقوق وخياطة الثقوب. 
ان نجاحه في هذه المهمة يعني التركيز على البعد الاجتماعي الذي يراهن على التغير وابتكار ايحاء يمكن أن يوفر شيء من الامل في نفوس المتلقين ولكن الحقيقة هي غير ذلك ابداً. 
(( الإبرة التي سأخيط بها البلاد عمياء 
لا استطيع غرسها في الارض أو القماش أو الورق 
ابرة عمياء 
وضمائر عمياء 
وقلوب عمياء 
كيف سأجعل البلد واحداً. 
هب الجميع بخاصرهم ليمزقوه 
وأنا لا املك سوى هذه الابرة العمياء 
التي سأغرسها في قلبي 
فربما يكون دمي اضحية لهذه البلاد))( )
فالابرة التي يستخدمها البطل الخياطه ثقوب النصب عمياء مثل الضمائر العمياء والقلوب العمياء وهو استخدام لرمز العمى والتيه الذي يسود المشهد الكلي للبلاد وهو ماينذر بأوخم العواقب في نظرة تشأومية خطيرة وكجزء من روح تطهيره  تعتمد على مفهوم المخلص الذي يغذي الاخرين بدمه وتتحول الابرة العمياء التي كانت فيما مضى املاً من آمال الاصلاح الى سكين يغرس بقسوة في قلب البطل الوحيد وسارد المشاهد لكي  يكون دمه اخر الامر اضحية لهذه البلاد. في هذه الامر يستثمر الشاعر الطقس العراقي المقدس المعروف الذي يكرس عملية استخدام تقديم الاضحية كرغبة من الخلاص الجمعي. 
الفصل الرابع : النتائج ومناقشتها  
النتائج : 
ان قراءة متأنية لتحليل نص نصب الحرية لخزعل الماجدي يمكن ان تقودنا الى تأشير النتائج التالية.
1. استخدام الشاعر العبارات والجمل المنغمة بالدلالات بشكل كبير خلال النص حتى ان النص يمكن ان يمثل انموذجاً صالحاً للتحليل الدلالي وهو الامر الذي يكرس اهمية المسرح الشعري كخطاب يصلح لمتلقي وقراءة محكومة بابعاد زمانية ومكانية يفرضها العصر الراهن. 
2. اعتمد الشاعر على استخدام الرموز باشكالها المختلفة ومرجعياتها المتنوعة كأفعال قادرة على اطلاق الدلالات المتنوعة. 
3. استخدم الشاعر الطقوس الرمزية وخاصة تلك الطقوس التي تمد جذورها في اعماق التاريخ والتراث الشعبي العراقي مستفيداً بذلك من تجربته الخاصة وتخصصه الاكاديمي. 
4. لجأ الشاعر بشكل متكرر وأيجابي الى مخاطبة عقل القارئ والمتلقي عبر استخدام الجمل والاشارات الذي يعتمد فهمها على التأويل والتفسير والشرح والايحاء. 
5. خلص البحث الى ان كاتب النص استخدم براعته الشعرية في استثمار الايقاع الصوتي لتحقيق اعلى درجات التأثر في المتلقي والقارئ. 
6. كشفت القراءة التحليلية لنص نصب الحرية الخزعلي الماجدي ان الشاعر كان واعياً بطريقة ملفته للنظر لأهمية البعد الاجتماعي الذي يمكن ان بشكل اساساً لاي تغير ممكن وخاصة فيما يتعلق بالعادات الاجتماعية اساساً لاي تغير ممكن وخاصة فيما يتعلق بالعادات الاجتماعية التي يمكن استخدامها في بناء نصوص مسرحية عراقية تؤسس المدرسة مسرحية عراقية خالصة. 
7. اثبت التحليل بما لايقبل الشك ان الشاعر وهو يصنع نصاً مسرحياً شعرياً سوف لن يستطيع المغامرة بترك المدلول الوجداني. 
8. حيث لاحظنا ان خزعل الماجدي في نص نصب الحرية، وفي اكثر من موقع في المسرحية قد رجع الى المدلول الوجداني كطريقة للتعبير او كوسيلة لتحقيق اكبر عصف عاطفي في نفوس المتلقين. 
9. ان الطبيعة الخاصة لنص نصب الحرية، واستثنائية الوضع العراقي والخصائص التي تميز المتلقي اجبرت الشاعر على استخدام الضمني والمتواري كألية يمكن ان تساهم في تعزيز القدرة الدلالية لنص نصب الحرية. 
10. ان قراءة متأنية لنص نصب الحرية تشير الى ان الصورة قد لعبت دوراً في تكوين المعطيات ذات الدفق الدلالي خاصة وان نصب الحرية كعمل فين استخدمه صانع النص كخلقية تنتمي الى منطوق الصورة فعن طريق استخدام اللغة استطاع الماجدي ان يرسم مجموعة من الصور ساهمت في تحقيق هدف هذه المسرحية ورسالتها. 
الاستنتاجات 
1. من خلال النتائج وجدنا ان التركيز على الدلالات واحترام القدرة المتنامية للمتلقين على التأويل سيؤدي لا محالة الى ازدهار فن كتابة النصوص المسرحية الشعرية القصيرة التي تحتاج الى حيز زمني قصير وحيز مكان محدد. 
التوصيات 
1. توفير نصوص المسرح الشعري العراقي وخاصة تلك التي كتبت بعد عام 2003. 
2. ضرورة التركيز على تطوير تدريس المنهج الدلالي في الكليات العراقية لما يمثلة من اهمية في الدرس الاكاديمي على الصعيد العالمي. 

قائمة المصادر والمراجع 
اولاً / الكتب والمراجع باللغة العربية  
1. القرآن الكريم. 
2. ايكو، امبرتو، العلامة تحليل المفهوم وتاريخه: ترجمة : سعيد بنكراد، راجع النص، سعيد الغانمي، ( المركزي الثقافي العربي، بيرون، ط1)، 2007
3. اسكندر، يوسف، هيرمنيوطيقيا الشعر العربي ( نحو نظرية هرمنيوطيقية في الشعر )، (سلسلة الفكر العربي الجديد، وزارة الثقافة والاعلام، دار الشؤون الثقافية العامة)، بغداد، 2009. 
4. الاستاذ، د. محمود حسن، استراتيجية مقترحة في تنمية تجليات ابداعية وفضاءات دلالية ) ( جامعة الاقصى : مؤتمر فيلادلفيا الدولي الثاني عشر)، فلسطين، 2007. 
5. الخياط، د. جلال، الاصول الدرامية في الشعر العربي، ( دار الحرية للطباعة)، بغداد، 1982. 
6. القيسي، د. نوري حمودي، لمحات من الشعر القصصي في الادب العربي، ( الموسوعة الصغيرة)، ( دار الحرية للطباعة )، بغداد، 1980. 
7. الموسى، د. خليل، المسرحية في الادب العربي الحديث  ( تاريخ – تنظر، تحليل ) ( منشورات اتحاد الكتاب العربي )، 1997. 
8. ايكو، امبرتو، سيميائيات الأنساق البصيرة، ترجمة محمد التهامي، مراجعة، سعيد بنكراد،(دار الحوار للنشر والتوزيع، ط1)، سوريا، 2008.
9. الماجدي، خزعل، العقل الشعري الكتاب الاول، ( دار الشؤون الثقافية العامة، ط1)، بغداد، 2004. 
10. الماجدي، خزعل، العقل الشعري، الكتاب الثاني، (دار الشؤون الثقافية العامة)، بغداد، 2004.
11. المناصرة، عز الدين، علم الشعريات (قراءة مونتاجية في ادبية الادب)، (دار مجدي للنشر والتوزيع)، 1، الاردن، 2007. 
12. الداية، د. فايز، علم الدلاله العربي النظرية والتطبيق دراسة تأريخية، تأصيلية،نقدية، (دار الفكر)، دمشق، 1996.
13. ـــــــ، ترجمة الجمالي حافظ، سوسيولوجية المسرح ((دراسة على الظلال  الجمعية))، (منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي)، دمشق، 1976. 
14. بلبل، فرحان، مراجعات في المسرح العربي منذ النشأة حتى اليوم (( دراسة )) (منشورات : اتحا الكتاب العربي)، 2001.  
15. جواد، عبدالستار، في المسرح الشعري، الموسوعة الصغيرة، ( دار الحرية للطباعة )، بغداد، 1979. 
16. حمو، د. حورية، محمد، تأصيل المسرح العربي بين النظرية والتطبيق في مصر وسوريا، (منشورات اتحاد الكتاب العرب )، سوريا، 1999. 
17. ـــــــــ، محاضرات المتلقي الوطني الاولى السيمياء والنص الادبي، (جامعة محمد خضير بسكره، كلية الاداب والعلوم الاجتماعية )، 2000. 
18. صمودي، مصطفى، قراءات مسرحية، ( منشورات اتحاد الكتاب العرب)، 2000. 
19. عياشي، منذر، العلاماتية وعلم النص، ( المركز الثقافي العربي)، ط1، المغرب، 2004. 
20. عبيد، محمد صابر، عضوية الاداة الشعرية ((فنية الوسائل ودلالية الوظائف في القصيدة الجديدة))، (مطابع جريدة الصباح)، العراق، 2008.
21. كرج، جاكوب، مقدمة في الشعر، ترجمة : رياض عبدالواحد، ( دار الشؤون الثقافية العامة )، بغداد، 2004. 
22. مكاوي، د.عبدالغفور، التعبير في الشعر والقصة والمسرح، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ) مصر، 1971. 
23. منظور، ابن،  لسان العرب، المجلد الثالث، دار المعارف. 
24. يوسف، أحمد، السيميايئات الواصفة لمنطق المسيميائي وجبر العلامات ((الدراسات العربية للعلوم، المركز الثقافي العربي ))، 2005. 
25. يوسف احمد، الدلالات المفتوحة مقارنة سيميائية في فلسفة العلامة، ( دار العربية للعلوم، المركز الثقافي العربي )،ج1، المغرب، 2005. 
ثانياً: المجلات والدوريات  والنصوص المسرحية 
26. اسكندر يوسف، السيمياء مدخل فيلولوجي، الاقلام، العدد السادس دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2008.
27. الماجدي , خزعل, نصب الحرية ,(مونودراما خزعل الماجدي ),2005  
28. (Wikipedia. Org). موسوعة ويكيبيديا، الانترنيت.
ثالثاً: رسائل ماجستير 
29. جعفر، شاكر عبد العظيم، تمثلات مابعد الحداثة في نصوص خزعل الماجدي المسرحية، رسالة ماجستير (غير منشورة)، جامعة بابل، كلية الفنون الجميلة، 1989. 
30. خضير، عواد علي، التحليل السيميائي للعرض المسرحي الحديث، رسالة ماجستير،(غير منشورة)، جامعة بغداد، كلية الفنون الجملية، 1989. 
31. عباس، وصال، خصائص الحوار في النصوص المقدمة لجمهور الاطفال حسب فئاتهم العمرية، رسالة ماجستير (غير منشورة)، جامعة بابل، كلية الفنون الجميلة، 2002. 

تابع القراءة→

الثلاثاء، يوليو 26، 2016

قراءة نقدية تحليلية في مسرح نجيب سرورالمؤثرات الذاتية والفنية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يوليو 26, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

مدخـــــل: ارتبط المسرح منذ نشأته بالتعبير عن النفس الإنسانية وتصوير أحوال المجتمع الذى تتواجد فيه النفس البشرية، هذا إلى
جانب دراسة العلاقة بين طبقات هذا المجتمع والكشف عن العوامل المؤثرة فيه، من عوامل اقتصادية وسياسية ودينية واجتماعية، مستهدفا من وراء ذلك أن يسهم بدوره فى خلق وعى قومى وإنسانى عام بقضايا الحياة الإجتماعية من أجل الوصول إلى حياة أفضل.
وقد عاش المجتمع المصرى القهر والعذاب منذ أقدم العصور، وقد استمر هذا القهر، رغم تغير الحكام عبر التاريخ، وتطور أشكال هذا القهر وألوانه، فمنذ أقدم العصور والملك الإله الفرعون يحكم، بل ويحتكر الشعب، إلى ان وصلنا إلى الاستعمار فى العصر الحديث بأشكاله وألوانه، لذا كان لزاما أن تتطور النظرة إلى المسرح كوسيلة هامة فى المجتمع يستطيع المؤلف المسرحى من خلالها أن يعبر عن آراءه وأفكاره، لذا اتجه بعض المؤلفين- بدافع من عقائدهم المذهبية- إلى نبذ الموضوعات الفردية والنفسية والصراع الدرامى بين الفرد وذاته أو الفرد والمجتمع، والاهتمام بتصوير أحوال المجتمع الإنسانى والعلاقات بين طبقاته والكشف عن الاستغلال والقهر الذين تعيش فى قيودهما الشعوب والطبقات، مستهدفين من وراء ذلك أن يسهموا فى خلق وعى قومى وإنسانى عام بتلك القضايا يعين على السير بالمجتمع والإنسان إلى حياة ومستقبل أفضل.
لذا رأى هؤلاء المؤلفين ضرورة الخروج على مبدأ المحاكاة وإيهام المشاهد بالحقيقة لكى يشركوا المشاهد بتفكيره ووعيه فيما يطرحه المسرح من قضايا.
وقد ظهر هذا الاتجاه فى المسرح العالمى على يد "إرفين بسكاتور" رائد المسرح السياسى فى ألمانيا والذى تتلمذ على يده بعد ذلك الكاتب الملحمى الألمانى "برتولد بريخت"، وانتشر هذا الاتجاه بعد ذلك فى أكثر من مكان حتى وصل إلى مسرحنا المصرى، حيث حاول كثير من كتاب المسرح أن يستفيدوا من إمكانيات هذا المسرح لكى يعكسوا من خلاله قضايا الحياة الإجتماعية المعاصرة.
ففى هذه الفترة التى نشأ فيها نجيب سرور كان المجتمع المصرى يمر بمرحلة من الاضطرابات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التى انعكست بدورها على أفراد الشعب، فعلى مستوى القرية المصرية وجدنا الاستعمار يسيطر على الأراضى الزراعية كلها بحيث لم يتبق منها إلا مساحات ضئيلة وزعت بين عدد محدود من صغار الملاك، هذا إلى جانب عدد كبير من الفلاحين لا يملك الأرض.
أمام هذه الظروف وجدت فى الريف المصرى فئات مختلفة من ملاك الأرض سواء من الفلاحين سكان الريف أو غيرهم من سكان المدن الذين لا يعيشون بصفة دائمة فى الريف. وعلى ذلك فإنه "من الخطأ تصور أن الفلاحين فى مصر يشكلون كتلة متجانسة". ففى الواقع إن هناك درجة ملحوظة ومتزايدة من التمايز الطبقى بين المجموعات المختلفة من الفلاحين.
وما نقدمه هنا هو تقسيم مبسط للطبقات الاجتماعية فى الريف المصرى قوامه:
1- الفلاحون المعدمون.
2- فقراء الفلاحيـــــــن.
3- صغـار الفلاحيـــــن.
4- متوسطو الفلاحيـــن.
5- أغنياء الفلاحين أو الرأسمالية الزراعية.
وبذلك نستطيع أن نتصور أحوال القرية المصرية فى هذه الفترة، بحيث تقع ملكيات الأراضى فى يد فئات معدودة، بينما توجد فئات أخرى لا تستطيع الحصول على احتياجاتها اليومية من الطعام والشراب.
أمام كل هذه الظروف التى وجدت بالقرية المصرية اضطر كثير من أهل الريف إلى الهجرة إلى المدن، فكان ثـَمًة تيار متواصل من الهجرة من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية منذ الحرب العالمية الأولى 1914، واتجه ذلك بوجه خاص إلى المراكز الحضرية الضخمة كـ"القاهرة" و"الإسكندرية" والمدن الثلاث الرئيسية لمنطقة القنال بحيث وجدنا عدد سكان الريف يتناقص ويترتب عليه تزايد فى عدد سكان المدن.
وقد استمر هذا الاتجاه بحيث شهدت الحرب العالمية الثانية 1939- 1945 توسعا فى عملية الهجرة من الريف، فقد نتج عن نمو النشاطات المختلفة المرتبطة "بقوات الحلفاء" فى مصر خلق فرص جديدة للعمل فى المحافظات الكبرى، وعلى وجه الخصوص العمل فى معسكرات الإنجليز وفى مدن القنال، حيث تركزت معظم قوات الحلفاء، فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فى عدد السكان فى كل من المناطق الريفية والحضرية بمعدلات سريعة، وإن تميزت المناطق الحضرية بمعدلات تعجيل أعلى لنمو عدد السكان تفوق الزيادة الطبيعية للسكان.
هذه هى ظروف القرية المصرية قبل قيام ثورة 1952، وفى ظل هذه الظروف ولد "محمد نجيب سرور" فى قرية "أخطاب" بمحافظة "الدقهلية" فى أول يونيو عام 1932، فى ظل أسرة فقيرة مكونة من عشرة أبناء لموظف بسيط.
وقد استطاع "نجيب سرور" أن يتفاعل مع ظروف المجتمع المصرى التى عاشها منذ صباه، حيث استطاع أن يعكس هذه الظروف من خلال أعماله المسرحية والتى عبرت عن الطبقة الكادحة من أبناء الشعب المصرى، فالكاتب المسرحى لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن قضايا أمته بل إنه لزاما عليه أن يتفاعل مع البيئة الاجتماعية التى يعيش فيها، إذ أن "الأديب أو الفنان العبقرى" هو الذى يستطيع بقدرته التعبيرية الخارقة أن يصوغ فى شكل فنى المطامح والمضامين العقلية أو الممكنة للطبقة الاجتماعية التى ينتمى إليها أو يتعاطف معها.
واستطاع "سرور" أن يسجل ظروف المجتمع الذى عاش فيه، ويتضح لنا ذلك من خلال مسرحياته "ياسين وبهية" و"آه ياليل يا قمر" و"قولوا لعين الشمس" و"منين أجيب ناس"، حيث سجل "سرور" ظروف مصر منذ الثلاثينات من القرن الماضى وحتى نكسة 1967.
وقد استخدم "سرور" فى صياغة هذه الأحداث أسلوب التأريخ والذى يتمثل فى إعادة صياغة التاريخ "بشكل يتيح للجمهور فرصة الحكم على هذه الأحداث بالنظر إلى بُعْدِهِ عنها زمنيا، وبالتالى انفصاله عنها عاطفيا، ولكى يعرف الجمهور أنه ما دامت الأمور قد تغيرت فإنه من الممكن تغير الأحوال الحاضرة.
كما أن "سرورا" استطاع أن يعكس هذه الظروف التى عاشها والتى أثرت فيه تأثيرا بالغا حتى انعكست عليه بعد ذلك فى أعماله المسرحية أو الشعرية، ففى أشعاره استطاع "سرور" أن يعبر عن أبناء طبقته من الفلاحين الذين يعيشون فى قريته "أخطاب" فى أكواخ هى أقرب ما تكون إلى القبور:
"أفاتنتى فى احمرار الورود على وجنتيك
رأيت الدماء
دماء المساكين من قريتى
يعيشون كالدود فى مقبرة
هم الدود والميت يا فتنتى"
كما استطاع "سرور" أن يوضح لنا الطرف الآخر من الباشوات والباكوات الذين يعيشون حياة البذخ، حيث يسكنون القصور والتى تكاد تنام على القرية حتى تكتم أنفاسها:
"وقام هنالك قصر الإله
يكاد ينام على قريتى
ويكتم كالطود أنفاسها"
هذه هى الطفولة التى عاشها نجيب "سرور" فى قريته "أخطاب"، حيث الناس تعانى، والفقر يزحف إليهم، وقد ترجم "سرور" هذه الظروف فى رسالة إلى أبيه يوضح لنا فيها مدى ما عاناه هذا الطفل وغيره من الأطفال فى هذه الفترة من الحرمان والجوع ومن سخرية أبيه منه عندما كان صغيرا وما لهذه السخرية من أثر انطبع عليه بعد ذلك على أسلوبه فنراه يقول:
"قصتى من بدئها مكتوبة بالسخرية
كنت أمضى ورفاقى فى البكور
قبلما ينقض عصفور نعاسه
حسرتى.. كنتا بلون الميتين
كالدمة نصطف فى أنواء طوبة
كالكلاب الضمر نستجدى الكناسة
بعض سردين بعلية
وثمالات من اللحم بعظمة
وحبيبات من صنوف الطيبات"
إنعكست هذه الطفولة التى عاشها "سرور" عليه بعد ذلك بحيث أنه لم ينس ما حدث له ولأسرته عندما كان صغيرا وحدث ما حدث لأبيه من الإهانة عندما أرسل إليه الإله (العمدة) فى طلبه وحضر إليه وانهال عليه الإله بالضرب بالحذاء، ولقد كان لهذه الحادثة أثر كبير على "سرور" حتى باتت بداخله وجعلته يكره كل الآلهة (العند):
"وذاك المساء
أتانا الخفير ونادى أبى
بأمر الإله!.. ولبى أبى
وأبهجنى أن يقال الإله
تنازل حتى ليدعو أبى"
ويستمر "سرور" فى سرد هذا الموقف الذى حدث لأبيه إلى أن يصل إلى:
"رأيت الإله يقوم فيخلع ذاك الحذاء
وينهال كالسيل فوق أبى!!
أهذا .. أبى؟
وكم كنت أختال بين الصغار
بأن أبى فارع "كالملك"..!!
أيغدو لعينى بهذا القِصَر؟"
ويختتم "سرورط قصيدته بموقف أبيه السلبى الذى رفضه "سرور" من داخله وهو ما زال طفلا صغيرا، إلا أنه يعكسه بعد ذلك عندما يكبر ويرفض كل الذين يسعون إلى إزلال الإنسان:
"وكان أبى صامتا فى ذهول
يعلق عينيه فى الزاوية
وجدى الضرير
قعيد الحصير
تحسسنى وتولى الجواب:
بنى. كذا يفعل الأغنياء بكل القوى!
كرهت الإله..
وأصبح كل إله لدى بغيض البصر
تعلمت من يومها ثورتى"
إنصهرت هذه الظروف التى مر بها "سرور" وكونت شخصيته بحيث وجدناه فى هذه الفترة لا يبتعد عن حركة الشارع المصرى بل يشارك فى المظاهرات والتجمعات الطلابية والعمالية، ذلك أن الشعب المصرى فى هذه الفترة وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وجدناه لا يطالب عقب انتهاء الحرب وبعد قيام ثورة 1919 بالاستقلال فقط بل أصبح لهم أهداف اجتماعية واقتصادية إلى جانب الهدف الأساسى وهو الاستقلال التام عن الإنجليز:

"كيخوت مهلا.. ما هناك؟
بحر من المتظاهرين هديره شق السما،
بالموت بالموت الزؤام.. أو الجلاء؟
كيخوت.. ما الموت الزؤام.. وما الجلاء؟
من هؤلاء؟.. من هؤلاء؟
وإذاك بين الموج تطفو كى تغوص،
وتغوص كى تطفو.. صغيرا أنت كنت..
ما غير هذا حوت يونس،
ما غير هذا.. أنت توشك أن تختنق
وصرخت يا كيخوت بالموت الزؤام وبالجلاء
حتى لفظت إلى الرصيف
فجعلت تهتف من هناك
وبمثل صوت الضفدعة
كيخوت وحدك.. بالرغيف
وسقوط "باشا" كان فى أخطاب فى القصر الكبير،
وإذا بكف كالجبل..
تهوى عليك.. على قفاك
كى تنكفئ.."
"فوق الرصيف"
ويبدأ سرور يقول الشعر وهو صغير، فقد تعلمه "على أبيه ثم "أبى العلاء المعرى" و"دانتى الليجرى" و"ناظم حكمت" و"بايرون" و"بوشكين" وحفظت ذاكرته آيات القرآن، والشعر الشعبى، وشعر العرب، قدامى ومحدثين".
وبعد أن برزت موهبته فى مجال الشعر وتبلورت أفكاره واتجاهاته ترك بعدها دراسته بالحقوق:
"ودرست فى الكلية القانون..
قانونا لغابة،
يتلى علينا من عصابة!
يا ألف نص.. كل نص ألف بند، فى كل بند ألف حرف
فى كل حرف ناب أفعى..
كم يبلغ المجموع؟
لا أدرى..
فدوما كان حظى فى الحساب..
صفرا.. وتحت الصفر بالبنط العريض..
خطت بليد"
والتحق "سرورا" بالمعهد العالى للفنون المسرحية وحصل على الدبلوم سنة 1956 واشترك بعد تخرجه فى الحركة المسرحية لمدة سنتين حيث انضم إلى المسرح الشعبى وعمل تحت إشراف الكاتب المسرحى "على أحمد باكثير" والمخرج "عبد الرحيم الزرقانى" وسافر "سرور" بعد ذلك إلى الاتحاد السوفيتى سنة 1985 فى بعثة دراسية لدراسة الإخراج المسرحى التى استقر بها إلى سنة 1963 ثم عاد إلى مصر عام 1964.
ومما لا شك فيه أن الفترة التى قضاها سرور فى الاتحاد السوفيتى كان لها الأثر الكبير فى تكوين شخصيته وفى تحديد اتجاهاته، حيث قضى سرور فترة فى ظل هذا المجتمع الذى رفض الإقطاع وأعطت الثروات الحق للفلاح فى امتلاك الأراضى الزراعية كحق طبيعى.
كان لهذه الظروف التى مر بها "سرور" الأثر الكبير عليه، وذلك إذا ما أدركنا أنه عاش فى قريته تحت سيطرة الإقطاع فترة كبيرة من حياته، فكيف يكون إحساسه وهو الذى افتقد وجوده فى بلده، ولم يرى سوى الإهمال وسوء المعاملة حتى أنه قرر قبل سفره عدم العودة إلى مصر.
كما أدرك "نجيب سرور" الفرق بين نظرة المجتمع المصرى إلى الفن والفنانين ونظرة المجتمع الروسى الذى أعطى العناية وحسن المعاملة للفن والفنانين.. "فقد شاهد نجيب سرور الكثير من الأعمال المسرحية التى تقدم فى روسيا وخاصة أعمال "بريخت" المسرحية التى أعجب بها أشد الإعجاب وكذلك أعمال "بوشكين" و"تولستوى".
وبعد أن عاد "سرور" إلى مصر كان متأثرا بما كان سائدا فى المجتمع الروسى وظهر ذلك فى أفكاره ومعتقداته ونظرته لقضايا المجتمع، فكتب المسرحيات التى استطاع من خلالها أن يعكس المؤثرات الذاتية التى مر بها الشاعر فى حياته، حيث كان لـ"نجيب سرور" موقف من أبناء طبقته ومن قضايا الحياة الإجتماعية السائدة فى مصر، إذ أن "سرور" اعتنق مبدأ "بورماشيه" فى الدراما والذى يرى "أن الدراما يجب أن تكون فى خدمة الشعب وليست تعبيرا عن الطبقة الحاكمة".
من أجل هذا عكس "سرور" الكثير من المواقف التى مرت بحياته وحياة أمته، وتمثل ذلك فى قضية الإقطاع والسيطرة على الأراضى الزراعية، والاحتلال الإنجليزى للبلاد ورد الفعل على أبناء هذا الشعب فى هذه الفترة التى عاشها "سرور" فى الثلاثينات من القرن السابق وتمثلت فى مظاهرات الطلبة والعمال وحادث كوبرى عباس سنة 1945 ومعركة العلمين وحرب فلسطين سنة 1948 ورحيل الملك "فاروق" عن مصر فى السادس والعشرين من يوليو سنة 1952 ثم العدوان الثلاثى على مصر سنة 1956.
كما عكست الثلاثية الإشتراكية على أساس أنه مبدأ اعتنقه "سرور"، ويتضح لنا ذلك من خلال مسرحية "ياسين وبهية" حين يقول:
"لما كان آدم وحوا
م السما نازلين يادوبك بالعيال
قول وبعيال العيال
ياترى كان فه ساعتها بيه ولا باشا"
"قول ساعتها الأرض كانت ملك مين
والمواشى ملك مين
مين بيجمع
مين بيقلع
مين بيصحى من آدان الفجر يشقى
للى نعسان للضحى"

المؤثرات الفنية فى مسرح نجيب سرور
خضع مسرح "نجيب سرور" لمجموعة من المؤثرات التى شكلته وجعلت له طبيعة مميزة، وتتجلى فى المؤثرات الملحمية والمؤثرات الأرسطية والمؤثرات الميلودرامية، هذا إلى جانب بعض المؤثرات الأخرى التى ظهرت بشكل محدود فى مسرحه.
وقد تراءى للباحث أن يقوم فى البداية بدراسة عناصر كل من المسرح الملحمى والأرسطى لكى يتحدد موقع مسرح "نجيب سرور" منهما، وأى هذه العناصر غلب على الآخر. فكثير من النقاد ودارسى المسرح يرون أن مسرح "سرور" ملحمى الطابع ويعكس بعض الملامح الأخرى غير الملحمية.
وهنا لا أقدم رأيا فى صحة هذا الكلام من عدمه إلا بعد أن أتعرض لملامح المسرح الملحمى والمسرح الأرسطى.
إن "المسرح الملحمى" يهدف إلى مشاركة الجمهور فى العرض بشكل فعلى ويسعى إلى استصدار حكم من الجمهور على قضية من القضايا.
ويقول مسيو "جاك ديوشيه" فى هذا الصدد "إن المسرح الملحمى لا يكشف عن شخصيات ولا يعقد عقدة مسرحية، بل يروى ويسرد قصة والقصة هى التى تستلفت النظر وهى التى يتحتم عليها أن ترشد الممثلين وتهديهم. من ناحية أخرى لا تبسط المسرحية الملحمية حدثا كبيرا واحدا، بل تحبك عديدا من الأحداث الصغيرة التى تلقى الضوء على موقف ما، ومن زوايا مختلفة. كما يهدف المسرح الملحمى، كما يقول "بريخت"، إلى أن يلتزم الكاتب المسرحى بالتعبير عن قضايا مجتمعه وعصره فى السياسة والاجتماع بما يوافق طبيعة التطور ويدفع بالمجتمع فى مستقبله إلى حياة أفضل، ويستخدم المسرح الملحمى المشاهد والمواقف والأحداث التى يستطيع الجمهور أن يبنى عليها حكمه، وكأن تلك المشاهد والمواقف والأحداث حيثيات لهذا الحكم، وعندئذ لا محل لمطالبة المؤلف بوحدة الموضوع أو الحدث، أو البناء الدرامى الموحد للمسرحية أو الصراع المركز بين طرفيه أو الشخصيات المحددة الأبعاد.
وهنا ندرك أن الصراع لا يصدر عن فكرة واحدة مسيطرة تبين آثارها الأفعال الصادرة منطقيا عن الفكرة، ولكنه صراع ديالكتيكى- جدلى- يخاطب عقل المشاهد، ويسعى "بريخت" لكى يقدم موضوعاته إلى الاستعانة بعناصر مختلفة لكى يتحقق التغريب "الذى يعد عنصرا أساسيا فى المسرح الملحمى والذى كان هدفه خلق حالة من الانفصال بين الجمهور والمسرح لمنع الجمهور من التوحد من المسرحية ولتمكينه من أن ينقد المسرحية نقدا بناء من وجهة نظر اجتماعية، ذلك أن المسرح وهم، ويجب أن يبقى الجمهور واعيا بهذه الحقيقة عن طريق هدم مفهوم الحائط الرابع الذى يفصل الجمهور عن المسرح، إذ يجب أن يدرك المشاهد أن المسرحية ليست حقيقية وإنما هى "توضيح لحالات يمكن أن تغير ويجب أن تغير فى الحياة الحقيقية".
ولكى يحقق "بريخت" التغريب استعان بعدة وسائل، وهى:
1- التأرخة.
2- الراوى.
3- الشخصيات.
4- الكورس.
5- الموسيقى.
6- القناع.
7- التمثيل.
8- الإنارة.
9- تصميم المناظر الخاصة بالديكور المسرحى.
ونجد أن أولى هذه الوسائل لتحقيق التغيرب هى التأرخة، وتتحدد فى استعانة المؤلف بالتراث عموما سواء الشعبى أو الأسطورى أو التاريخى ثم إعادة طرحه بعد تفريغه من جوانبه العاطفية، وذلك بتقديم صورة لما حدث من هذه الأحداث وليس ما حدث بالفعل، حيث يكون المؤلف قد نجح بذلك فى أن يجرد هذه الأحداث من عنصر الاتصال الزمنى والانفعال العاطفى، ويلجأ "بريخت" فى ذلك إلى الاستعانة بعنصر السرد كعنصر من عناصر المسرح الملحمى، سواء عن طريق الراوى أو الكورس، والذى يتلاءم مع طبيعة الكتابة التاريخية والأسطورية والشعبية، حيث أن المؤلف لا يقدم لنا كل الأحداث بل نجده يروى ويقص الكثير منها.
وبذا يحقق السرد الكثير من المزايا، حيث أنه "يخبر الجمهور بخلفية الأحداث ويصف أفكار الشخصيات ودوافعها، وأحيانا يطلع الجمهور على نهاية المسرحية قبل حدوثها ليحمى الجمهور من الترقب والانتظار ويعطيه فرصة ليفكر ويحكم".
وفى الدراما الملحمية نجد الأحداث متجاورة موصولة عن طريق روابط يمكن ملاحظتها بسهولة، حيث أن الدراما الملحمية لا تسعى إلى ذروة ديناميكية، ولا تهدف إلى طرح سلسلة من الأحداث متتابعة فى تطورها متخذة خطا مستقيما، وإنما تتطور بدلا من ذلك فى منحنيات، وحتى قفزات، وفى هذه الحالة نجد أن كل حدث لا يرتبط بما يأتى بعده، كما أنه هو نفسه لا يرتبط بما جاء قبله.
بالإضافة إلى ذلك فإن أحداث الدراما الملحمية هى عبارة عن إعادة لتصوير العلاقات بين الشخصيات، على أساس أن كل شخصية عبارة عن وحدة تناقضات وليست الشخصيات جوهرا ثابتا كما فى المسرح الأرسطى، ويقدم الحدث بواسطة الراوى الذى يسرد الحدث ثم يعاد تصويره بعد ذلك على المسرح، وعندئذ نجد الحدث يقدم منتقدا وليس أمرا مسلم به، هدفه هو تطهير نفس المشاهد، ومن ثم يدفعه إلى أن يبحث عن التغيير.
ويقول "أمين العيوطى" "إن المشاهد فى المسرح الملحمى لا يفتقد المتعة (التسلية) التى يتوقعها من المسرح ولكنها بالتأكيد ليست المتعة العاطفية التى تستأثر بعقله "فى العرض الدرامى التقليدى، لكنها متعة جمالية حسية تصل إليه من خلال تأثيرات الديكور وبناء المشاهد، ومتعة عقلية من خلال جدليات الصراع فى العمل نفسه".
كما إن المسرح الملحمى يعتمد على بعض الموضوعات المستمدة من التراث الشعبى كالحكاية الشعبية، والتى تعيد الجمهور إلى علاقته بواقعه، كما يستخدم الراوى والأدوات المسرحية البسيطة والمكشوفة لخلق التغريب الذى يحقق الانفصال النقدى الذى يركز لدى المشاهد المدلول السياسى للحكاية المطروحة.
أما المسرح الأرسطى فهو يسعى إلى "أن يثير فى نفس المشاهد مشاعر الخوف والشفقة لكى تطهر عواطفه فيخرج مرتاح النفس متجدد النشاط"، كما يسعى المسرح الأرسطى إلى أن "يقدم صورة أمينة لواقع الحياة، وأن يوهم المشاهد بأن ما يراه على خشبة المسرح حقيقة واقعة تجرى أمامه فى اللحظة التى يشاهد فيها المسرحية فيتعاطف مع بعض شخصياتها ويضع نفسه مواضعهم، وذلك يتم من خلال ما يصاحب ذلك من انفعالات- ما أسماه أرسطو بالتطهير أى أن يتم تطهير المشاهد مما تنطوى عليه نفسه من أحاسيس مكبوته ضارة عن طريق إنفعاله بما يشاهد من مآس على خشبة المسرح.
كما أن المسرح الأرسطى يقدم موضوعاته والتى يهدف من عرضها تقديم صورة لما يحدث فى الواقع دون أن يعطى الفرصة للمشاهد لكى يفكر فيما يجرى أمامه على خشبة المسرح، وهنا نجد المشاهد فى المسرح الأرسطى "يفقد القدرة على التفكير فيما يجرى أمامه، ويسلب القدرة على مواجهة المشاكل السياسية وحلها بشكل فعال يقضى على أصول المشكلة المطروحة"، ذلك أن المسرح الأرسطى قائم أساسا على فكرة المحاكاة والتوهم، حيث يجد المشاهد أمامه عالما من الوهم يجعله ينصرف عن التفكير فى القضايا الحياتية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويكتفى فقط بالمشاهدة، مما يجعله يعيش فى حلم لوقت مؤقت بعده لا يتحرك فى الحياة ليواجه أموره الحياتية بشكل موضوعى.
كما يتميز المسرح الأرسطى بأنه يسعى إلى ان يحقق المتعة للمشاهد تلك المتعة التى تستأثر بعقله وتسيطر على عواطفه حتى تجعله عاجزا عن التفكير فيما يقدم له، بل يركز هدفه على تحقيق التطهير دون إعمال عقله فيما يقدم له.
كما أن هناك تباينا واضحا بين طبيعة الشخصيات فى المسرح الأرسطى والمسرح الملحمى، إذ أن الشخصيات فى المسرح الأرسطى تسعى إلى إحداث التوحد بينها وبين الجمهور لكى يزحف الجمهور إلى داخل نفس البطل ويعيش قضيته، لدرجة أنه يحدث لكثير من المشاهدين تصديق ما يقدم لهم من أحداث تجعلهم ينسون أنهم فى مسرح، ومن ثم يظل المشاهد لا يرى الحدث إلا من وجهة نظر البطل، مما يفقده هذا القدرة على التفكير والنقد، وهذا بخلاف المسرح الملحمى الذى يجعل من الشخصيات ساردة للحدث بعيدة عنه حتى لا تتوحد معه، ومن ثم يظل هناك قدر من الابتعاد عن تقمص هذه الشخصية وغالبا يتم هذا عن طريق الراوى أو الكورس الذى يذكر الجمهور دائما بأنهم أمام ممثلين يؤدون أدوارا معينة، بل وأنهم فى مسرح وأن ما يقدم لهم ليس إلا صورة لما يمكن أن يكون قد حدث فى الحياة.
ومن استعراضى لطبيعة المسرح الملحمى وكذا المسرح الأرسطى، فإننى استطيع القول: إن "سرورا"، باعتباره كاتبا مسرحيا، اقترب كثيرا من المسرح الملحمى الذى يتفق مع اتجاه "سرور" الذى يسعى من خلال مسرحياته إلى طرح بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ودراسة العلاقة بين الأفراد والمجتمع.
ويتحقق الاتفاق بين "بريخت" و"سرور" فى توحد آرائهما حول واجب المسرح، إذ يرى "بريخت" (أن واجب المسرح يتمثل فى كونه آداة ثورية تسهم فى عملية التحول الاجتماعى لصالح الطبقات المقهورة) و"سرور" هنا لا يتأثر بـ"بريخت" تأثيرا يجعله يفقد القدرة على اختيار ما يتناسب وطبيعة مسرحه، بل إننا نجد "سرورا" يأخذ بعضا من عناصر المسرح الملحمى التى تتلاءم مع البيئة المصرية.
إلى جانب ذلك يتضح لنا أوجه الاتفاق بين كل من "بريخت" و"سرور" فى هدف الدراما عندهما، فنجد "أنها قادرة على أن ترد على أسئلة يطرحها العقل البشرى بعيدا عن مسرح الإيهام الأرسطى العاطفى الذى يهدف إلى اندماج المتفرج مع البطل حتى ينسى نفسه تماما. مع أننى لا أقول إن المسرح الملحمى يلغى وجود العاطفة، بل إننى إذا قلت بذلك كأننى أسعى إلى أن أجرد العلم من الإحساس، وفى هذا الصدد يقول "بريخت" إن ما هو جوهرى بالنسبة للمسرح الملحمى يتلخص كما يبدو لى، ليس فى مخاطبته للمشاعر قدر مخاطبته لعقل المشاهد، فالمشاهد يجب ألا يتعاطف بل يجب أن يجادل، وفى مثل هذه الحالة فليس من الصحيح قطعا أن نجرد هذا المسرح من الإحساس، إن النتائج التى يمكن أن تترتب على ذلك السلوك هى نفسها فيما لو قمنا اليوم بتجريد العلم، مثلا من الإحساس".
كما يتضح لى جانب آخر من جوانب تفضيل "سرور" لأسلوب "بريخت" المسرحى سواء من حيث المضمون أو من حيث الشكل الذى يتخذ كإطارا لهذا المضمون وكيفية إخراجه على المسرح، إذ يقول "سرور" فى هذا الصدد "إن من يريد الجمع بين الاختصاصين (يعنى اختصاص الدراما والإخراج) أن يملك عبقرية "بيراندللو" أو "بريخت".
وهنا ندرك أن تأثر "سرور" بـ"بريخت" لا يقتصر على النص المسرحى فحسب بل نجد تفضيل "سرور" لأسلوب "بريخت" فى الإخراج المسرحى (والذى يريد لنجومه أن يذوبوا فى العرض المسرحى لحساب وحدته الفنية لا أن يضعوا أنفسهم أمام العرض- كإعلانات النيون- على حساب وحدته الفنية).
وهنا سأتناول دراسة لجوانب التأثير البريختى على مسرح "نجيب سرور" معتمدا على إبراز هذا التأثير، دون الدخول فى تفاصيل المادة التى اعتمد عليها "سرور" والمعتمدة على التراث الشعبى، وخاصة الحكاية الشعبية، بل سنركز على الشكل الذى اتخذته هذه الأعمال والمتأثرة بالشكل الملحمى وتتجلى لنا فى الأعمال التالية:
1- الثلاثية "ياسين وبهية" و"آه ياليل يا قمر" و"قولوا لعين الشمس".
2- "يا بهية وخبرينى".
3- "الحكم قبل المداولة".
4- "منين أجيب ناس".
5- ملك الشحاتين".
وتشغل الثلاثية مساحة زمنية من تاريخ مصر الحديث تمتد من بداية القرن العشرين وحتى النصف الثانى منه، ويعالج "سرور" من خلال هذه الثلاثية التحولات الكبرى التى حدثت فى تاريخ مصر حيث "تبدأ الثلاثية بالسخرية وتنتهى بالتمرد".
وقد استنبط "سرور" مادة الثلاثية من التراث الشعبى، حيث اعتمد على الحكاية الشعبية، وهى مادة من مواد المسرح الملحمى والتى يعتمد عليها بشكل أساسى حيث "إن الحكاية الشعبية تعيد الجمهور إلى علاقته بواقعه".
وقد اتخذ "سرور" الشكل الملحمى كأساس لعمله هذا ليعكس من خلاله آرائه، ففى الجزء الأول من الثلاثية اتضحت عناصر المسرح الملحمى من اعتماد "سرور" على الراوى ليؤكد الطبيعة الملحمية للموضوع حيث يقوم الراوى بسرد الأحداث، إذ أن الأبطال ليسوا حاضرين وبالتالى فنحن لا نرى الأحداث بل نسمعها من الراوى الذى يتولى سردها.
كما يتضح الأثر الملحمى فى طبيعة الشخصيات حيث أن "ياسين وبهية" شخصيتان متفردتان فى عواطفهما وقصة حبهما، وإن هذه القصة تبلور الناحية الفردية فى الشخصيات وعواطفها وأفكارها وانفعالاتها، ولكن إعلاء شأن العاطفة هنا لا يهدف إلى تعميق الإحساس لدينا بالواقع الموضوعى ونحن نرى هذه العاطفة ترتطم بالظروف الاجتماعية والاقتصادية.
كما أن المسرحية تعكس بعض الملامح الملحمية الأخرى حيث أنها لا تنبنى حول مركز، ولا تتوالى فيها الأزمات حتى تصل لنقطة الإلتحام الرئيسية، وهذا ما يحدث فى المسرح الملحمى، حيث يقول "فخرى قسطندى" فى هذا الصدد:
 "إن الحبكة توحى لنا بنسيج محكم النسيج، متماسك الأطراف، كبنيان مرصوص يشد بعضه بعضا، ليس له ذوائب أو خيوط مدلاه". فالمسرحية تبدأ الحدث من أوله معتمدة على الراوى يقدم لنا الأحداث والشخصيات فتتلاحق الأحداث الواحدة تلو الأخرى وتصور تدرج التطور فى الأحداث والشخصيات والصراع، والتطور هنا فى الشخصيات والأحداث امتدادان مترابطان يصوران تطور الصراع فى الملحمة، وقد سجل سرور قصته فى إحدى عشر لوحة ليس بينها أى ترابط حيث أن كلا من هذه اللوحات تعتبر فصلا مستقلا عن الآخر، ولذا نجد أن البناء الدرامى بالمفهوم الأرسطى فى هذا العمل مفكك وهى صفة تغلب فى أعمال "سرور" وهى صفة أساسية فى المسرح الملحمى.
ويقول "أمين العيوطى" "إنه نتيجة لإنشغال المسرح الملحمى بحياة الكادحين وتصويره لقطاع شعبى كبير، أن خلف هذا التصوير أثرا على التصوير الدرامى فاختلطت عناصر الملحمة بعناصر الدراما واكتسبت الحبكة الدرامية المركزة فيما سبقه من الأعمال خاصية الشكل الملحمى الأقل تركيزا فى أعماله هو، وهذا هو المنهج الذى جرت عليه التجربة الجديدة "ياسين وبهية"، حيث اتخذ الصراع فى هذا العمل طابعا ملحميا، حيث أنه يبدأ صراعا شخصيا ثم سرعان ما يتحول إلى صراع جماعى.
إن قصة "ياسين وبهية" وحبهما لبعضهما ومشاكلهما الاقتصادية وعجزهما عن الزواج، وموت والد "ياسين" فى المنفى بعد أن سلب "الباشا" أرضه، كل هذا يفجرالمشكلة الفردية لتصل إلى المشكلة الجماعية، حيث الناس تزرع والغير يحصد، وهم لا يحصلون على شئ، ثم هناك عامل آخر يفجر المشكلة وهو رغبة "الباشا" فى سلب "بهية" شرفها، هذا عامل كامن يشتغل ثم يخمد ثم يكرر "الباشا" طلبه مما يعجل باندلاع الثورة الجماعية.
كما استعان "سرور" فى مسرحيته هذه بوسيلتين من الوسائل الفنية ساعدتاه على تحقيق التوازن فى عمله هذا، فوجدنا الحلم وسيلة للتنبؤ بالمستقبل، حيث حلم "ياسين" وهو يركب "الباشا" وما يعبر عنه من رغبة فى إذلال "الباشا"، ثم أسلوب الاسترجاع الذى استخدمه "سرور" لاستحضار الماضى (شبح والد "ياسين").
إن استخدام "سرور" للوسيلتين معا قصد به ربط الماضى بالحاضر والتطلع نحو المستقبل مثلما فعل باستخدامه بعض النصوص القديمة، والحكم لكى يقول لنا "سرور" إن ما حدث بالأمس يحدث اليوم وإن اختلفت تفاصيله.
كما اتضح بهذه المسرحية وسيلة أخرى من وسائل المسرح الملحمى لإحداث الاغتراب، "فبينما يستخدم بريخت الخمور وسيلة من وسائل الإنتماء والإغتراب، والانتماء فى حالة الصحور والإيقاظ والاغتراب فى حالة السكر".
يفعل "سرور" الشئ نفسه عندما استخدم المخدرات وسيلة من وسائل الاغتراب عند شخصياته من أجل إطلاع المشاهد على الأوضاع السائدة فى المجتمع.
وقد تحققت الملحمية فى الجزء الثانى من الثلاثية فى مسرحية "آه ياليل يا قمر" والتى ابتدأها بالراوى الذى أعطى القدرة على تعميم وتداخل الأحداث لكى يوضح لنا استمرارية الحياة وتوالدها داخل الشخصيات، ولم يعرض لنا "سرور" داخل مسرحيته هذه قصة لها بداية ونهاية، وإنما عرض حوادث ولوحات متجاورة وليست مترابطة بعضها ببعض، إلا من حيث النتيجة الختامية لهذا العمل، كما أن الصراع فى هذه المسرحية لا يتطور إلى ذروة يتبعها حل، وإنما أحداث متسلسلة، وعلى الرغم من أن الراوى يظهر فى المقدمة فقط، إلا أن أغلب المسرحية بعد ذلك تروى ولا تجسد على المسرح، حيث نجد الكورس يحل محل الراوى ويساعده فى ذلك كل من "أمين" و"بهية" حيث يسردان الفصل الأول من المسرحية، ثم فى الفصل الثانى تروى "بهية" للكورس حياتها وما حدث لها من تطور عندما قررت الرحيل عن "بهوت" إلى "بورسعيد" ويشاركها فى سرد الأحداث "أمين"، إلى أن يصل إلى الفصل الأخير من المسرحية حيث تسرد "بهية" والكورس كل أحداث هذا الفصل.
إن اعتماد "سرور" على السرد جعل الجمهور ينفصل عن الأحداث ولا يندمج معها عاطفيا، بل يشاهد هذه الأحداث ويحكم عليها، وهذه خاصية من خصائص المسرح الملحمى وظفها "سرور" فى مسرحيته هذه وحقق بها مقصده.
كما أن لغة السرد والتى اعتمد عليها "سرور" فى عمله الأول قد تغيرت من الفصحى إلى العامية وأصبح الحوار هنا حوارا مسرحيا ولم يعد مجرد حوار يقترب من الحوار القصصى، كذلك لم يهتم "سرور" فى هذا العمل بالتعرض للشخصيات ولظروفها الخاصة بقدر ما ركز على حياتها كجزء من كل يشكل كيان المجتمع، ولعل هذا جعله يعرض لنا المجتمع ككل وهذه الشخصيات كجزء منه، لذا وجدنا كلا من "ياسين" و"أمين" و"عطية" فى الثلاثية شخصيات لها صفة المصير الجماعى، وإن كانت هذه الشخصيات تتعرض لقوى أكبر منها تعترضها، إلا أنها لا تنسحب من هذه المواجهة، وإن حدث فيكون هذا هروبا مؤقتا مع عودة واعية كما حدث لـ"أمين" فى الجزء الثانى من الثلاثية والذى انفصل لفترة وأغرق نفسه بالخمور ثم تيقظ بعد ذلك وشارك فى الكفاح.
وإلى جانب ما تقدم من عناصر ملحمية فى هذا العمل، استعان "سرور" بالراوى والكورس اللذاين لهما الصبغة الملحمية من حيث الآداء ووظيفتهما فى هذا العمل، حيث نجحت هذه الوسيلة فى هدم الحائط الرابع. وقد أكد "سرور" للجمهور أنه باستخدام هاتين الوسيلتين فإن ما يقدمه ليس واقعا بل مسرحية، وذلك يمنع الجمهور من التوحد مع الشخصيات أو الحوادث ويشجعه على التفكير والحكم، وهو ما يميز المسرح الملحمى.
كما لعب الخمر والحشيش دورا هاما فى الثلاثية، حيث استخدم "سرور" الخمر والمخدرات بوصفها وسيلة لهرب الشخصيات من مواجهة هذا الواقع الأليم، ولهذا نجد "ياسين" يهرب من الظلم ومن طغيان "الباشا" فى جلسات الحشيش مع أقرانه، ويفعل "أمين" الشئ نفسه حين يهرب من الواقع ويستخدم الخمر للاغتراب عن هذا العالم، ونجد فى الجزء الثالث من الثلاثية "حمدى" الفنان الذى يفشل فى إيجاد فرصة للحياة الكريمة يغترب عن الواقع الذى يحيطه وينتهى به الأمر إلى الإنتحار.
إن استخدام "سرور" لهذه الوسيلة- ومن قبله "بريخت"- وإن حققت هدفها بالنسبة للشخصيات إلا أن هذا يحدث لوقت مؤقت، لأن هذه الشخصيات ينتهى بها الأمر إلى الحقيقة الواقعة، لذلك فهى وسيلة فاشلة لأن مرارة الواقع تتغلب دوما على كل المسكرات والمخدرات.
ويعود "سرور" فى مسرحية "آه ياليل يا قمر" إلى استخدام الحلم باعتباره وسيلة من وسائل المسرح الملحمى، كما فعل فى مسرحيته "ياسين وبهية"، وهنا نجد استخدام "سرور" للحلم الذى يشتمل على الرموز، فـ"بهية" فى حلمها ترى "ياسين" و"أمين" فى ثياب الجنة وعلى جبهتيهما ورود حمراء فتمد يدها لتمسك بالقمر الذى يقدمونه لها، ولكن الأرض تتفجر فيها البحور، وتشتعل النيران، وتنبت الأشواك، هذه جميعا رموز لها معان أعمق، رموز للمصاعب التى نقابلها فى الطرق إلى الغد، وهنا ندرك ما للحلم من قيمة فى التنبؤ بالمستقبل.
وإذا انتقلنا إلى الجزء الثالث والأخير من الثلاثية وهو مسرحية "قولوا لعين الشمس" نجد أن "سرور" قد استعان بعناصر من المسرح الملحمى حيث يتناسب هذا الشكل الذى صاغ به "سرور" عمله مع طبيعة هذه المسرحية التى تعتمد على التاريخ والموروث الشعبى، وتتجلى هذه العناصر الملحمية فى استخدام "سرور" للكورس الذى يتناسب مع طبيعة الموضوع القائمة على السرد، حيث يقوم الكورس هنا بأكثر من وظيفة يتخطى بها دوره فى المسرح الأرسطى ليصل إلى دوره فى المسرح الملحمى، حيث نجده يمثل ضمير الأمة الذى لا يغفل، والذى يتذكر كل حادثة ونجده يشترك فى تصوير الأحداث وتجسديها وقبول بعض الأحداث ورفض البعض الآخر معتمدا على لغة شعرية جميلة، استطاع "سرور" من خلالها أن يحقق تقدما فى المسرحية الشعرية، إذ اختلط الماضى بالحاضر بالمستقبل فى بوتقة الموقف المسرحى، حيث يعطى الموقف إيقاع العقل التراجيدى دون أن نرى الفعل نفسه، ومع ذلك نراه خيرا مما لو قدمناه أمامنا بشكل مباشر. لذا نجد أن هذا يُمَكِن المشاهد من رؤية الفعل ورد الفعل فى لحظة واحدة.
وقد تجلت لنا الملحمية فى أعمال أخرى لـ"سرور"- بجانب الثلاثية- ففى مسرحية "منين أجيب ناس" نجد أن "سرور" اعتمد فى مسرحيته هذه على مادة من مواد التراث الشعبى حيث "الحكاية الشعبية" والتراث الأسطورى حيث "الأسطورة الشعبية الفرعونية" هذا إلى جانب أحداث من تاريخ مصر، وقد اتخذ "سرور" الشكل الملحمى كإطار لهذا المضمون لما وجده من توافق بين طبيعة مادة هذه المسرحية وبين الشكل الملحمى.
وتتجلى هنا الملامح الملحمية فى اعتماد "سرور" على الراوى الذى يعد محور العمل ومحور الحركة فيه، كما أنه يعد جزءا من العرض، إذ أننا كثيرا ما نجده، داخل العمل كجزء منه وأحيانا أخرى نجده خارج العمل كراو له أو معلق عليه.
وقد استطاع "سرور" أن يعكس من خلال هذه المسرحية الطبيعة الملحمية، إذ ينتمى "سرور" إلى المسرح الملحمى بوصفه اختيارا فنيا مع إدراكه التام لطبيعة هذا الإختيار. إذ يختار الشكل الملحمى دون أن يخضع لكل مقومات التغريب التى يتضمنها المسرح الملحمى، وقد صدرت هذه الطبيعة الملحمية عن "صدور هذا العمل مع القاعدة واتجاهه إليها وقناعته بدور الجماهير فى التحولات التاريخية وفى الصمود إزاء محاولات القهر والاستغلال". إلا أن هذه الطبيعة الملحمية لم تلغ الطبيعة الجمالية عند "سرور" "فقد نتجت الطبيعة الجمالية عن وجدان مفعم بأحاسيس المعاناة الفنية الخصبة فى السعى إلى الكمال وبقدر ما تتدفق الدلالات، مع تتابع المواقف والأحداث فى مسرح الشاعر والكاتب والمخرج المسرحى "نجيب سرور" بقدر ما تتبلور الأشكال التعبيرية الخاصة بها فى وحدة مصدرها الشاعر المتحد بقضايا أمته والتحديات التى تواجهها".
على أنه لم يقتصر ظهرو العناصر الملحمية فى مسرح "سرور" على أعماله المعتمدة على التراث الشعبى فقط، والتى جمعت "بين خصائص الشعر الدرامى والدراما الشعرية ومقولات من المسرح السياسى"، بل إنه يتضح ظهور هذه العناصر الملحمية فى أعمال غير معتمدة على التراث الشعبى كما فى مسرحياته "يا بهية وخبرينى" و"الحكم قبل المداولة".
ففى مسرحية "الحكم قبل المداولة" يطرح "سرور" قضية معاصرة يغلب على مادتها الجدل والمناقشة التى تقوم عليها المحاكمة، حيث تعتمد المسرحية على "خيط رقيق قوامه متهم برئ يقبض عليه بتهمة قتل غير معلومة ويحاكم أمام هيئة محكمة فرض عليها الحكم مسبقا، ويقوم الجزء الأعظم من المسرحية على المحاكمة، كما يقول الإدعاء وممثلوا الدفاع قبل صدور الحكم فى نهاية المسرحية". ويستعين "سرور" فى هذه المسرحية- كما سبق القول- بتكنيك المسرح الملحمى ويظهر ذلك فى استعانته بالكورس لكى يقوم بربط الأحداث بعضها ببعض والتعليق عليها، وهذا لا يتعدى دوره الأرسطى، إلا أننا نجد "سرورا" يتعدى هذه المرحلة ويصل به إلى دروه فى المسرح الملحمى الذى يجعله يناقش الأمور ولا يأخذها كمسلمات يعلق عليها أو يطرحها، بل نجده دائما يحاول أن يذكر المشاهد بأنه أمام عرض مسرحى قوامه الممثلون والجمهور معا، حيث أن "سرورا" كثيرا ما يوجه أسئلة إلى الصالة لكى يشترك الجمهور معه ويجعله متيقظا على طول الخط.
أما المسرحية الثانية التى يتجلى بها الأثر الملحمى عند "سرور" فهى مسرحية "يابهية وخبيرنى" حيث اقترب "سرور" كثيرا فى أسلوب عرضها من مسرحية "بريخت" و"دائرة الطباشير القوقازية"، فالأحداث فى هذه المسرحية تنقسم إلى مستويين، المستوى الأول تؤديه الفرقة الزائرة، ويتضمن حوارا بين المؤلف والمخرج ومدير الفرقة، والمستوى الثانى هو المسرحية التى يؤديها الفلاحون ويبدعون فى أدائها حتى يصفق لهم الممثلون الذين جاءوا ليقدموا نفس العمل إليهم، ويرفض الفلاحون حيث لا يقتنعون بأداء هذه الفرقة الزائرة، ويعتبرون هذا الآداء عيبا فى حقهم وفى حق تراثهم، لذلك يقوم الفلاحون ويبدلون أماكنهم حيث يجلس الممثلون على الأرض، ويعرض الفلاحون المسرحية على المصطبة أمامهم.
وقد اعتمد "سرور" فى هذا العمل على عدة عوامل لكسر الإيهام المسرحى متمشيا فى ذلك مع طبيعة المسرح الملحى لذا "يعتبر سرور أول من حاول أن يستخدم اللغة بوصفها عاملا من عوامل التغريب فى مسرحية مصرية لكسر الإيهام. فاللغة فى هذه المسرحية تدور حول مستويين من مستويات اللغة، مستوى لغة الفلاحين ومستوى لغة المثقفين، ولعل هذا يخلق تذبذبا واضحا للشكل الدرامى بين المستويين".
وأرى هنا ما يؤكد طبيعة مسرح "سرور" حيث أنه يتمتع بوحدة عضوية غير تقليدية، وحدة خاصة به، وهنا نرى اتفاق مع ما يقوله الناقد "ديبلين"، حيث يعرف المسرح الملحمى "بأن ما يميز العمل الدراماتيكى" عن الملحمى هو قدرتنا على تقطيع الأخير إلى أجزاء، ومع ذلك فإن كل جزء يحافظ فى حدود معينة على قدرته الحياتية".
وإذا ما طبقنا هذا القول على المسرحية فإننا نجد قول "ديبلين" يتحقق، حيث أن البناء الدرامى غير متكامل ولا متصل بل إننا نجد المسرحية عبارة عن سرد على شكل لوحات، يمكن أن نحذف أى لوحة منها دون أن يتأثر بذلك البناء الدرامى والذى يستمد طبيعته من المسرح الملحمى.
وبالإضافة إلى ما سبق فإنه يتجلى من خلال هذه المسرحية عنصر آخر اعتمد عليه "سرور" من أجل تحقيق ملامح المسرح الملحمى فى مسرحيته هذه، حيث "أراد سرور للحدث أن يكون لغويا سمعيا أساسا، وليس بصريا فقط، كما هو معروف فى المسرح التقليدى، بمعنى أن كسر الإيهام قد استخدم فقط فى الجزء الأول من المسرحية ثم عرض لنا فى الجزء الثانى الوجه الآخر من العمل، حيث عرضت علينا الصورة كما يجب أن تكون حقيقة أرض ريف مصر.
إلى جانب ما تقدم فى هذا العمل من عناصر ملحمية فقد تجلى أيضا عنصر الديكور بوصفه عنصرا هاما من عناصر الإيهام المسرحى، حيث وجدناه فى المستوى الأول من المسرحية والذى يقوم به الممثلون يعتمد على غربة الديكور والملابس، إذ أنهم جاءوا إلى الريف ليعرضوا حكاية "ياسين وبهية" بملابس المدينة ومن ثم أعطوه صورة غير حقيقية للريف المصرى والفلاحين، ثم نجد المستوى الثانى من الملابس حيث الفلاحون قد قاموا بأداء أدوارهم بدلا من الممثلين القادمين من المدينة فنجد البساطة والسلاسة سواء فى الملابس أو فى الآداء التمثيلى.
وكذلك استعان "سرور" فى هذا العمل بعنصر الموسيقى ووظف هذا العنصر توظيفا يتلاءم مع الطبيعة الملحمية للمسرحية حيث بدأ المستوى الأول- الذى أدته الفرقة الزائرة- بموسيقى غريبة عن ريفنا ولا تتناسب مع طبيعة المسرحية، ثم وجدنا المستوى الثانى- الذى أدته مجموعة الفلاحين- وقد استعانت بموسيقى تحمل ملامح الريف المصرى.
على أن "سرور" فى هذا العمل صاغ عمله معتمدا على الكورس كعنصر من عناصر التغريب فى المسرح الملحمى ووظفه توظيفا ملحميا تعدى به وظيفة الأرسطية، فوجدنا الكورس يشترك فى الأحداث فى بعض المواقف إلى جانب دوره الذى تنوع بين ممهد للعرض فى بداية المسرحية ثم معلق على الأحداث وعلى ما تقوله "بهية"، بل إنه تعدى ذلك إلى مناقشة هذه الأمور بشكل جدلى أصبغ على المناقشة الصبغة الديالكتية التى يتميز بها المسرح الملحمى، والذى لا يقبل الأمور كمسلمات، ويتجلى هذا من موقف أهل القرية مثلا من الفرقة الزائرة واعتراضهم على أسلوب عرضهم لتراثهم المتمثل فى حكاية "ياسين وبهية" وقيامهم بأداء هذه الأدوار، وهنا ندرك أن المسرح الملحمى الذى جعله "سرور" أساس اتجاهه فى هذا العمل، لم يكتف بالاعتراض على ما يقدم بل إن أهل القرية قدموا رأيهم مجسدا أمام الناس وأعجب به المخرج وبقية الفرقة الزائرة.
وبعد أن استعرضت المؤثرات الملحمية فى مسرح "نجيب سرور" بوصفها أحد المؤثرات الفنية التى شكلت مسرحه، انتقل بالحديث إلى المؤثرات الأرسطية التى تتضح فى بعض أعماله، إذ يتجلى لى من خلال دراستى لأعمال ظهور المسرحية ظهور بعض الجنوح للمسرح الأرسطى يتمثل فى مضامين مسرحياته المستمدة من التراث والتى سبق أن استخدمت فى المسرح القديم، هذا إلى جانب استخدامه لعنصر السرد المتمثل فى الكورس والراوى، إلا أنه يوجد خلاف بين "سرور" ورواد المسرح القديم فى أن أعمالهم المعتمدة على التراث قدمت كما هى ولم يحدث بها نفس التغيير الذى أحدثه "سرور" فى مسرحياته من أجل أن يربطها بالواقع المعاش، هذا إلى جانب أن استخدامه لعنصر السرد قد تطور كثيرا عما كان عليه من قبل رواد المسرح القديم.
فقد تميز مسرح "سرور" بتشابهه تشابها كبيرا فى بعض أعماله مع المسرح الإغريقى الأصيل فى خلطه السرد بالدراما، والتعليق بالإنشاد والتأريخ وبالأسطوره وفى استخدامه للطقوس والشعائر وفى بلورته للحزن الفردى بحيث يصبح حزنا جماعيا يشمل العالم كله.
ويمكن تحديد هذه الملامح الأرسطية التى ظهرت فى مسرح "سرور" من خلال بعض مسرحياته، فقد تحدث "محمد مندور" عن مسرحية "ياسين وبهية" لـ"سرور" وعن استعانته بعنصر القص وأنه مبدأ كلاسيكى قديم وقد وصل "محمد مندور" فى رأيه هذا إلى أن الاستعانة بعنصر السرد لا يتعارض مع الدراما الشعبية ويقول فى هذا الصدد "من الواجب أن نلاحظ أن الاستعاضة بالقصص الشعرى المؤثر على المشاهد الفعلية لمشاهد القسوة والعنف مبدأ فنى قديم، استند إليه "راسين" الذى آثر قصص الأحداث العنيفة الدرامية فى عدد من تراجيدياته على عرض تلك المشاهد البشعة على الجمهور مطمئنا إلى قدرته الخارقة على أن يثير الجمهور بقصصه أكثر مما يمكن أن تثيره المشاهد الفعلية للأحداث.
ويعود "محمد مندور" فى حديثه عن "ياسين وبهية" ويقول فى هذا الصدد "أنا أقرر هذا المبدأ الكلاسيكى وأضرب له مثلا لأوضح لمن قد يعترضون على المحاولة الجبارة- يقصد "ياسين وبهية"- التى نجح فيها مسرحنا الشعبى الهادف (على يد "سرورا") لأنه لا ضير من إدخال العنصر القصصى على الدراما الشعبية، مادام هذا العنصر قد اكتسب من قوة صياغته وقوة أدائه ما يستطيع أن ينفث الحركة والحياة فى نفوس المشاهدين يجذبهم إليه ويستحوذ على انتباههم وإثارة الإنفعالات العميقة فى نفوسهم.
وهنا أود أن أشير إلى أن استخدام "سرور" لعنصر القصص (السرد) كعنصر من عناصر المسرح التقليدي أساسا وإن كان قد استخدم بعد ذلك فى المسرح الملحمى، إلا أن "سرورا" حين استخدم هذا العنصر لم يخطأ لأن مبدأ الإستعاضة بالسرد مبدأ فنى استخدم فى المسرح القديم، وليس هناك ما يمنع من استخدام السرد فى المسرح الأرسطى الملحمى، ولكن وجه الخلاف هو طبيعة هذا الاستخدام، إذ أننا نجد أن المسرح الأرسطى يكتفى بالإشارة والتعليق والتقديم معتمدا على السرد. هنا يتجلى لنا هذا المبدأ كما استخدم فى العصر الكلاسيكى القديم، أو فى الكلاسيكية الحديثة.
أما الاستخدام فى المسرح الملحمى فنجد أن استخدام عنصر السرد لا يتوقف عند حدود الإشارة والتلميح والتعليق ولكنه يتعدى ذلك إلى إبراز الرأى على يد الكورس أو الراوى، بل وتكون المحاولة لتقديم الجديد من الآراء، ولا يحدث الإكتفاء بإثارة القضايا بل يحدث فى كثير من الأحيان تقديم المقترحات والآراء.
على أنه إذا كان "سرور" قد استعام بالسرد فى عمله الأول "ياسين وبهية" فإنه فى عمله الثانى "آه ياليل يا قمر" يربط بين العملين بأن "اتخذ من منتصف اللوحة الحادية عشر والأخيرة فى مسرحيته "ياسين وبهية" إفتتاحية لمسرحيته الثانية "آه ياليل يا قمر" فكانت هذه الإفتتاحية بمثابة البرولوج المستخدم فى المسرح التقليدى، والذى عاد فى بعض أعمال المعاصرين من أمثال "يوجين أونيل" و"تنسى وليامز" و"آرثر ميللر". وذلك حين استهل هؤلاء الكتاب أعمالهم ببرولوج طويل كما فى مسرحية "منظر من الجسر" لـ"ميللر" حين استهل "الفيرى" المحامى المسرحية ببرولوج طويل سرد لنا واطلعنا على وظيفته كمحام وعن نشأته، ثم عن وضع القانون فى "أمريكا" وعما يقوم به من أعمال ونوعية القضايا التى يقابلها وبالتالى نوعية الناس الذين يتعامل معهم، وهو بذلك يعد بمثابة راوٍ للأحداث حيث يخبرنا عما سوف يحدث وهو هنا لا يجعلنا نفكر فى القضية المطروحة، وهنا نجد دوره يتشابه مع دور الراوى فى المسرح الملحمى.
إلى جانب هذه المؤثرات الفنية فى مسرح "سرور" يتضح لنا فى مسرح "سرور" جانب آخر من جوانب المؤثرات الفنية فى مسرحه، ويتجلى هذا الجانب فى ظهور الجنوح الميلودرامى فى مسرح "سرور" وخاصة مسرحياته "ياسين وبهية" و"قولوا لعين الشمس" و"ملك الشحاتين"، ذلك لأن طبيعة الموضوعات التى بنيت عليها هذه المسرحيات مأخوذة من الأدب الشعبى والتاريخ وتدور حول ثيمة الحاكم والمحكومين والصراع بين الخير والشر ولعل هذه الصفات تتفق مع طبيعة الميلودراما.
وتقول "هدى وصفى" "إن سرورا جدد أطر الميلودراما ولم يكرر أبنية أعماله فوجدنا التجديد فى أربع نقاط:
1- تعديل الحبكة.
2- البطل الإشكالى.
3- الصراع الإجتماعى.
4- الإطار المفتوح، مع استمرار وجود الثنائيات المكانية والزمانية.
وإذا ما حاولنا أن نستوضح معا هذه النقاط ونطبقها على أعمال "سرور" نجد أن العنصر الأول قد تحقق فى مسرحيته الأولى "ياسين وبهية"، إذ أن "سرورا" فى هذه المسرحية لم يجعل الحادثة الشرقية الخاصة بـ"بهية" حين طلبها الباشا للخدمة بالقصر هى الحبكة الرئيسية ولكنه جعلها حبكة ثانوية وتركز على "ياسين" البطل الفعلى للمسرحية، كما أن "ياسين" فى هذه المسرحية بطل إشكالى متناقض ينتمى إلى أبناء طبقته من الفلاحين بالدم وليس بالفكر، فهو قد تجاوز هذه المرحلة لدرجة أنه أصبح هو المحرك الأول الذى يحرك هذه الجموع والتى ينفصل عنها كشخص منقسم فى ذاته يسعى لتحقيق أحلامه ومتطلباته، وهنا ندرك الفارق بين "ياسين" الشخصية المحورية الإشكالية المتناقضة وبين "ألمظ" التى يظهر العنف فى بنائها، كما أنها لا تبدو إشكالية فى مواقفها كما يتضح فى مسرحية "ملك الشحاتين".
وفى مسرحية "قولوا لعين الشمس" نجد أن "سرورا" قد جسد لنا الصراع الاجتماعى فى هذا العمل حيث تحرك عطية من أجل بلده من أجل أبناء طبقته ضد الطبقية الفاسدة فى تحرك يبقى هدفا جماعيا وليس هدفا فرديا.
وهنا ندرك الفارق بين الصراع فى هذا العمل والصراع فى "ياسين وبهية"، إذ جعل "سرور" الصراع غايته الفرد، وإن بدا فى ظاهره جماعيا، حيث أن "ياسين" حرك الجماعة من أجل "بهية" وشرفها.
كما أن "سرورا" فى مسرحيته "ملك الشحاتين" قد جعل النهاية مفتوحة، بمعنى أن مصير كل من "أبو دراع" و"أبو مطوة" يتمثل فى إنتظار الاستفتاء الذى تسعى إليه "ألمظ" لذا نجد "سرورا" يغير من أبنية الميلودراما ليجعل إطارها المغلق مفتوحا لم يصدر عليه الحكم مسبقا.
وهنا نستطيع القول أن المسرح الملحمى والإتجاه الميلودرامى يتفقان فى "أن الإنسان هو محور الحدث حين يركز الحدث على الفرد وليس فى الآلهة، أو القدر، ففى الميلودراما احتكاك بين أفراد أخيار وأشرار، كما أن فيها أفرادا يتعذبون ويتألمون. ويتعارض المسرح الأرسطى مع كلا الاتجاهين فى أن الإنسان فى هذا المسرح ليس موضوع البحث، إذ أنه يعالج باعتباره ثابتا وليس متغيرا".
على أننا لا نعد هذا الجنوح الميلودرامى فى أعمال "سرور" غير مقبول لأنه يناشد العقل قبل الوجدان، كما أننا نجد "بريخت" نفسه قد استخدم الميلودراما وعاء للفكر الماركسى"، إذ أن "بريخت" فى مسرحيته "أوبرا الثلاث قروش" "يحقق استخداما سليما للميلودراما، فقد وجد "بريخت"" للخطابة والميلودراما وظيفة درامية فعالة، إنه يستخدمها بطريقة مزدوجة المعنى ليكشف حقيقة الأوضاع. هنالك تصبح الكلمات الرنانة، والتى هى كالبطل الأجوف، أداة لكشف الزيف الذى يعيشه المجتمع. وبالرغم من أن الشخصيات هنا نمطية إلا أننا لا نهتم بما داخل الشخصية ولكن بما تقوله وتفعله فى الظاهر.
وقد تحدث كل من الناقد "أحمد عباس صالح" والناقد "بهيج نصار" وحكم الإثنان على مسرحية "آه ياليل يا قمر" بأنها عودة إلى الميلودراما القديمة" إلا أن "سرورا" يرد على هذا الرأى فى كتابه "حوار فى المسرح" يقول أن النقد أخطأ حتى عجر عن التفريق بين الطابع الميلودرامى للعرض وما يمكن أن يكون طابعا ميلودراميا للنص، ذلك أن العرض تناول الأحداث والشخوص والكلمات تناولا ميلودراميا ساعده على قتامة الأحداث والمصائر.
لقد تجاهل بعض النقاد أن الميلودراما يمكن أن تكون سمة من سمات البناء لنص معين، مثال ذلك "ملك الشحاتين"، ولكنها يمكن أن تكون سمة فى الآداء التمثيلى والعرض المسرحى بوجه عام، مثل مسرحية "آه ياليل يا قمر".
وقد ساعد أسلوب الأداء الميلودرامى لدى المخرج "جلال الشرقاوى" على طبع العرض كله بطابع ميلودرامى انطمست معه الحركة الدرامية فى المسرحية وانطمس معه الصراع الذى هو جوهر أى دراما.
إلى جانب هذه المؤثرات الفنية فى مسرح "سرور" فإننا لا نغفل جانبا هاما فى مسرح "سرور" وهو تشابهه وتأثره بالكاتب المسرحى الأسبانى "لوركا" الذى اختار الريف مكانا لأحداث مسرحياته، حيث عرض لنا ريف أسبانيا والفلاحين هناك والأرض المتنازع عليها، وكان هدفه من وراء ذلك أن يحرر الريف من قيمه المتخلفة من عصور التبعية والظلم.
وقد اعتمد "لوركا" فى أعماله على التراث الشعبى الأسبانى، بحيث أنه لم يرتد فى أعماله إلى قواعد المسرح الأرسطى ولكنه استخدم أسلوبا مسرحيا يعتمد على التراث الشعبى الأسبانى، من حيث الموضوع، وكذلك صياغته لهذه الموضوعات بشكل يتناسب مع الطبيعة الاسبانية، حيث استطاع "لوركا" أن يطوع الأساليب الأسبانية القديمة مما جعلها تتناسب مع أفكار القرن العشرين، لذا جاء "لوركا" بين الكتاب البارزين فى القرن العشرين الذين جمعوا فى أسلوبهم بين التراث، من حيث المضمون، والمعاصرة، من حيث الشكل.
وقد تشابه "سرور" مع "لوركا" فى أسلوبه الذى اتبعه فى أعماله المسرحية مثل "يا بهية وخبرينى" حيث كان الريف هو المحرك فى العملين، حيث كانت الأرض وقضية الفلاحين هما هدفه الأساسى.
وقد تحدث "أمين العيوطى" عن "ياسين وبهية" وربط بينهما وبين أعمال الكاتب "لوركا" من حيث طبيعة الموضوعات، وبينها وبين "بريخت" من حيث الأسلوب الذى صاغ به "سرور" عمله، فيقول "العيوطى" فى هذا الصدد: "إن "سرورا" فى مسرحيته "ياسين وبهية" يمشى فوق أرض فنية افتتحها من قبله شاعر أسبانيا العظيم "لوركا" وينتحل أسلوبا "بريختيا" خالصا فى مخاطبة جمهور المشاهدين، بزى السير الشعبية المصرية. وهذا المزج الفنى، وإن كان يقع شخصية الشاعر، إلا أنه لم ينف عن عمله أهميته. ومثلما فعل "لوركا" فى أعماله المتعددة على التراث وجدنا "سرورا" فى بعض أعماله ينهج نفس هذا النهج، حيث "سرور" بالتراث الشعبى وصب من خلاله مشاكل المجتمع العصرية، حيث وجدنا الريف كان الأساس فى بعض أعماله إذ أن "سرورا" أراد- ولعله فى هذه متأثرا بظروف نشأته وبـ"لوركا"- أن يحرر الريف والفلاحين من الظلم والجهل اللذين يعيشان فيهما.
وعلى ذلك نستطيع القول أنه، إذا صح ما قدمته، أكون قد توصلت إلى بعض النتائج، أبلورها على النحو التالى:-
1- عكس مسرح "نجيب سرور" الكثير من المؤثرات الذاتية والفنية، وقد تمثلت المؤثرات الذاتية فى ظروف نشأته فى قرية "أخطاب"، حيث نشأ فى فترة شهدت فيها القرية المصرية، بل والمجتمع المصرى، الكثير من المظاهرات والصراعات الداخلية ضد قوى الإحتلال الإنجليزى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن نشأته فى الريف المصرى وارتباطه بالأرض قد عثر عليه واتضح ذلك فى مسرحياته، حيث تناول قضايا أبناء هذه الطبقة من الفلاحين والعمال اللذين كانوا محور الصراع فى أعماله.
2- تبلورت النزعة الدينية فى مسرح "سرور" والتى تمثلت فى استعانته بمقتطفات من القرآن والتوراة والإنجيل وبعض الحكم الواردة من نصوص الأهرام، كل هذا يوضح لنا أثر نشأته الدينية الأسرية والتى اتضحت فى دعوته إلى الإصلاح.
3- تميز مسرح "سرور" بأنه اعتمد كثيرا على بعض من عناصر المسرح الملحمى والتى تمثلت فى أن المؤلف يقدم لنا أحداثا تجرى أمامنا على طول الخط، بل إنه يعتمد على السرد، حيث يناقش ويعلق وينقد الكثير من المواقف معتمدا على الحكاية الشعبية التى تساعده بدورها فى تحطيم الوهم، وبذلك يحقق "سرور" هدفه فى توصيل الكلمة دون أن يندمج المشاهد كلية فى العمل.
إلى جانب هذه العناصر الملحمية فقد عكس مسرح "سرور" الكثير من العناصر الأرسطية والتى شاعت فى أعماله، هذا إلى جانب بعض من الجموح الميلودرامى الذى ظهر فى حوار بعض من شخصياته، كل هذا يجعلنا نرى أن مسرح "سرور" قد حقق الإنفرادية فى شكله الذى هو مزيج من الملحمية والأرسطية والميلودرامية، وإن كنا نرى أن الإطار الملحمى هو الأساس الذى يحتوى العنصرين السابقين.

-------------------------------------------------------
المصدر : د. أحمد صقر - جامعة الإسكندرية- الحوار المتمدن

تابع القراءة→

لحظة حنين.. عرض مسرحي ضمن فعاليات مهرجان السويداء المسرحي الأول

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يوليو 26, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

قدمت فرقة “حنين” المسرحية مساء اليوم عرضاً مسرحياً بعنوان “لحظة حنين” من إعداد وإخراج فراس حاتم وذلك على مسرح المركز الثقافي العربي بمدينة السويداء ضمن فعاليات اليوم الثالث من مهرجان السويداء المسرحي الأول الذي تقيمه مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة بالتعاون مع مديرية ثقافة السويداء.

وتنطلق فكرة العرض المسرحي من الحياة الزوجية والمشاكل التي تواجه العلاقة بين الزوجين حيث يذهب العمل باتجاه تعميق الفكرة إنسانياً من خلال شخصيتي شاب وفتاة عبر تناول مجموعة مقاطع من أعمال مسرحية عالمية بشكل يحاكي الواقع.لحظة حنين.. عرض مسرحي ضمن فعاليات مهرجان السويداء 

وأشار معد ومخرج العمل فراس حاتم في تصريح لمراسل سانا إلى أن العرض المسرحي يتناول رحلة البحث عن الذات وتم فيه تحميل هذا المضمون على فكرة شخصين يحبان بعضهما لافتاً إلى أن الهدف منه أنه على الإنسان معرفة ذاته أولاً قبل معرفة الآخرين وبأن الشخص الذي يعرف نفسه جيداً بإمكانه التعرف على الآخرين بشكل جيد وصولاً إلى أننا كبشر متشابهون في إنسانيتنا.

وشارك في العرض كل من الممثلين فراس حاتم وحنين البعيني وكنان حاتم وربا السنيح.

-------------------------------------
المصدر : سانا


تابع القراءة→

مسرح عالمي.."نقد المسرح".. من خلال التجربة الشخصية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يوليو 26, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

من الغريب أنك إن كنت تريد أن تعرف ما هو أكثر عن مراجعة المسرحيات نقدياً، فقد كان هناك كتاب واحد فقط تنبغي قراءته. و كان ذلك كتاب أيرفنغ ووردل Irving Wardleالذي يحمل عنواناً لا التباس فيه، ( نقد المسرح Theatre Criticism ). أجل، كانت هناك كتب لنقّاد ــ بوجه خاص مجموعة العروض النقدية التي لا تقدّر بثمن لكينيث تاينان و مايكل بيلينغتون ــ إلا أنه كان هناك كتاب واحد عن كتابة النقد. لكنه، و الحمد لله، كان أيضاً كتاباً جيداً جداً، كما يقول أندرو هايدن في إشارته هذه.
و ما هو أكثر إثارة للدهشة بشأن كتاب ( نقد المسرح ) هذا درجة معقوليته، و خلوه من التعليمية. فبالنسبة لفرع من المعرفة يولّد بصورة متكررة المزيد و المزيد من الحرارة و الضوء، فإن ما لا يصدَّق إلا قليلاً أن الكتاب الوحيد الذي يصف شعائره الغريبة ينبغي أن يكون مصاغاً من الناحية اللغوية بشكل مقبول هكذا. فعلى امتداد الكتاب، تبدو الروح التي يكتب بها هذا الناقد روحاً أنيسة ــ حيث تجده يردد " حسَنٌ، هكذا أرى الأمر، بأية حال " أكثر مما تجد فيه قائمة تقادمية من افعل و لا تفعل. و الكثير من ذلك أيضاً بأسلوب الحكاية النادرة. و يرشد ووردل القراء بالمثال، أكثر في الغالب من عد أخطائه كتوضيحات للكيفية التي تستطيع بها المراجعات أو العروض النقدية أن تفهم الأمور خطأً.
كما أن الكتاب يقوم مقام المذكرات المضيئة من فترة خاصة في المسرح البريطاني، ماضياً من أواسط الخمسينات إلى نهاية الثمانينات. و هذا يعني أنه يفوته انطلاق الكتابة الجديدة في التسعينات و ما بعدها، و آلاف أشكال العمل الجديدة التي أحدثتها الفرق التجريبية. و ما يجعله لافتاً للانتباه تماماً كم هو قليلٌ تأثير ذلك في المبادئ العامة للتفتح العقلي و الاستطلاع الذي يدعمه.
و بالطبع، فإن حقل النقد قد تغيَّر بشدة في العقد الماضي. فقد منح الأنترنت الكتابة عن المسرح ( و كل شيء آخر ) فضاءً غير محدود و جمعاً أعظم من الأصوات، محطماً القوة الخانقة للعرض النقدي في الصحف. و على كل حال، ووفقاً لذلك كله، فإن أي ناقد شاب اليوم لديه نسخة من ( نقد المسرح ) و يجد فيه مع هذا شيئاً يُعد أساسياً و ملهماً في مقاربته الجادة لوصف كيف يكون الانتاج بكل ما يمكن من وضوح. 
[ ولد ووردل عام 1929، و كان أبوه ناقداً للدراما و ممثلاً مسرحياً في " مسرج بولتون الصغير ". و سار ووردل على خطى أبيه، و عمل ناقداً مسرحياً في العديد من الصحف و المجلات الانكليزية. و نشر كتابين : ( مسارح جورج ديفين ) و هو سيرة حياة، و ( نقد المسرح ).
و له أيضاً أعمال مسرحية، منها مسرحيته الأولى ( خادم المنزل The Houseboy )، التي مُثلت في عام 1973، و هي شبه سير ذاتية، تستند على تجربة ووردل في عمل جزئي كغاسل صحون في دار للضيافة بلندن. و قد تم تكريمه عامَ 2004 في مهرجان القاهرة العالمي للمسرح التجريبي، كما جاء في الموسوعة الحرة .

------------------------------------------------------------------------------------------

المصدر : ترجمة: عادل العامل عن Intelligent Life - المدى



تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9