أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الثلاثاء، أغسطس 02، 2016

معالجة الجوقة بين تقاليد المسرح الاغريقي والرؤية الاخراجية المعاصرة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أغسطس 02, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

معالجة الجوقة بين تقاليد المسرح الاغريقي والرؤية الاخراجية المعاصرة
د.عادل كريم سالم
جامعة بغداد/كلية الفنون الجميلة


المستخلص
يتناول البحث معالجة الجوقة بين تقاليدالمسرح الاغريقي والرؤية الاخراجية المعاصرة في محاولة من المخرج الكشف عن الرؤية الاخراجية المعاصرة في معالجة الجوقةفي عرض مسرحية (أوديب) ملكاً لمؤلفه لـ(سوفوكلس) وقد أحتوى البحث نظرة عامة عن نشأة الجوقة، خواصها،وظائفها وتقاليدها وكذلك تحليل عرض مسرحية (أوديب) ملكاً كنموذج للنصوص الاغريقية, وتوصل الباحثا لى مجموعة من النتائج ومنها: 
1.أظهرت التجربة امكانية تقديم قراءات اخراجية جديدة للنص الاغريقي بما فيها الجوقة وفق منطق العصرالحالي وليس وفق منطق العصرالذي كتبت فيه .
2.اضاف المخرج بعداً جديدا ًللجوقة لمتعهد همنقبلكسر به بعض التقاليداوالثوابتفي المسرح الاغريقي، فقداشركها في الاحد اثالدرامية فأصبحت طرفا ًمناطرا فالصراع،وبهذه الوظيفةالجديدة تكون الجوقةقدخرجت عن المألوف التقليدي لطبيعتها الذي ينص على التزامها الحياد. 
Abstract
     The research addressing the choir between the traditions of Greek theater and vision purine contemporary attempt by the director to detect vision purine contemporary treatment of the chorus in a play (Oedipus) the property of the author 's (Sofokls) has consisted Find an overview of the genesis of the choir,properties , functions and traditions , as well as analysis a play ( Oedipus ) king as a model for the Greek texts.
The  researcher  found  a  set  of  results, including:
1. Experience has shown the possibility of providing new directorial readings of the text, including the Greek chorus in accordance with the logic of the current era and not according to the logic of the era in which I wrote it.
2. Added a new dimension to the director of the choir did not break his pledge by tradition or by some constants in the Greek theater , the dramatic events intobecame a party of the parties to the conflict , and this new functionality, the choir may be out of the ordinary traditional nature which states its commitment to neutrality .
المقدمة:
ان الحاجة الى التجمع لم تكن وليدة مجتمعات اليوم وانما هي من تفكير المجتمعات قديماً لشعورها بان ذلك يمنحهم قوة وصلابة في القرار الذي يتخذونه وبشكل افضل مما لو انهم كانوا على شكل افراد، وكما في قوله تعالى: "وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله..."( ) صدق الله العظيم.
وبما ان التجمع هو شكل من اشكال التعبير الانساني برزت الحاجة اليه ايضاً لاداء بعض الطقوس الدينية، فأخذت مجاميع من الناس تؤديها بشكل احتفال جماعي يصاحبها تقديم بعض الهدايا والقرابين الى الالهة، لتجلب لهم الخير وتدفع عنهم الشر.وبمرور الوقت اخذت تلك الطقوس بالتبلور والتطور حتى انبثقت من رحمها الدراما التي اعتمدت في ظهورها بالدرجة الاساس على الاداء الجماعي ثم تطور هذا التجمع تدريجياً حتى اطلق عليه فيما بعد اسم (الجوقة) التي سبقت ظهور الشخصيات الرئيسة في الدراما بوقت ليس بالقليل والتي كانت مهمتها الاساسية اداء بعض الطقوس الدينية بشكل تعبيري وذلك تمجيداً للاله (ديونيسيوس) كبير الالهة عند الاغريق القدماء.
لقد كانت هذه الجوقة تتكون من عدد من الافراد يقودهم شخص يعرف باسم (رئيس الجوقة) وكانت وظيفتها محددة بتقديم الاناشيد والاغاني والرقصات، اذ كانت هذه الفعاليات بمجموعها تشكل اهم جزء في اداء تلك الطقوس، ونتيجة للاضافات العديدة التي ادخلها الشعراء المسرحين القدماء على اداء تلك الطقوس، والتي كان ابرزها اضافة الممثل الاول الذي تم على يد (ثيسبس) ليصبح العدد فيما بعد على يد (سوفوكلس) ثلاثة ممثلين مما كان لهذا الانجاز الاثر بارساء ملامح تقليدية للمأساة بشكل عام والجوقة بشكل خاص.
لقد اصبح التعامل مع الجوقة كضرورة لا يمكن الاستغناء عنها في المسرح الاغريقي، ولابد من التعامل معها على اعتبار انها تمثل تقليد ينبغي احترامه وتوظيفه داخل الاطار الدرامي. ونظراً لما تثيره الجوقة من تباين في الدور والوظيفة من جهة، ومن تراكم الوظائف والدلالات في تكوين الجوقة في العرض المسرحي من جهة اخرى، اخذ التكوين الفني للجوقة الذي يكونه المخرج يتباين احياناً بين انسجامه مع الدور والوظيفة التي يمكن بها ان يتم التشكيل الجمالي والفكري، ومن هنا برزت مشكلة البحث التي تقود الى السؤال الاتي:
كيف عالج المخرج (عادل) اداء الجوقة في عرض مسرحية (اوديب ملكا) لمؤلفها (سوفوكلس) وهل حافظ على اطرها التقليدية المحددة لها في المسرحية ام غادرها في تجربته الاخراجية المعاصرة؟
اهمية البحث:تكمن اهمية هذا البحث في تقديمه مثال لطريقة التعامل مع الجوقة الاغريقية في العرض المسرحي يمكن للعاملين في مجال الاخراج المسرحي الاستفادة منه في تقديم معالجات اخراجية لاحقة في الاتجاه ذاته، لها رؤيتها الخاصة بها.
هدف البحث:الكشف عن الرؤية الإخراجية المعاصرة في معالجة الجوقة في تجربة المخرج (عادل كريم) وتوثيقاً للجهود المسرحية الفردية بما يؤسس تقاليد معتمدة في توثيق الحركة المسرحية العراقية لاسيما في مجال الإخراج المسرحي.
حدود البحث:تنحصر حدود البحث على النحو الاتي:
1- الحد المكاني: خشبة المسرح الدائري في اكاديمية الفنون الجميلة- بغداد.
2- الحد الزماني: عام (1989).
3- الحد الموضوعي: دراسة اداء الجوقة في عرض مسرحية (اوديب ملكا) لمؤلفها (سوفوكلس).
مفهوم الجوقة: بعد اطلاع الباحث على بعض الدراسات التي تناولت موضوع الجوقة وجد هناك تقارب في اغلب وجهات نظرها حول تحديد مفهوم الجوقة ومنها:
1- "جوقة، أجواق، جماعة من الناس او فريق من الناس يؤدون عملاً فنياً غنائياً موسيقيا مشتركاً"( ).
2- "مجموعة من الممثلين يمثلون دوراً اساسياً في المسرحية، مواطنون او نساء وظيفتهم التعليق على الحبكة ويشتركون في تطويرها"( ).
3- "مجموعة من المغنين او الراقصين او الصامتين او المعلقين تؤدي وظيفتها مجتمعة او تفاريق، وتشترك في التمثيل بتعليقاتها على الاحداث او بتحاورها مع الممثلين او بصمتها"( ).
4- "تلك الجماعة المغفلة التي تحيط بالشخصية التمثيلية الاساسية وتكون صدى لها في تراتيلها وانشاداتها الغنائية ونزعتها الحميمية، واهوائها كما انها الشاهد الرسمي للجمهور ولسان حاله"( ).
5- "مجموعة من الممثلين كانوا المؤدين الاساسيين عندما كانت المأساة تتالف في البدء من سلسلة قصائد جوقية مع فصول اضافية يتحدث فيها ممثل واحد مع الجوقة، ثم اصبح اعضاؤها تدريجياً يؤدون دور المعلقين وهم يقفون جانباً معظم الوقت الا انهم يمثلون سكان المدينة"( ).
ويقصد الباحث بالجوقة في مجال دراسته هذه:
مجموعة من الممثلين، تشكل جزءاً من الكل العام، ولها مشاركة فعالة في الفعل الدرامي ويمكن عن طريقها تجسيد تكوينات بصرية ذات دلالات يمكنها ان تعبر وتكشف عن جماليات العرض والرؤية الفنية.
الجوقة الاغريقية- نظرة عامة في النشأة والخواص والوظائف والتقاليد
تعددت الاراء والنظريات حول نشأة التراجيديا، الا ان نظرية (ارسطو) تعد من المصادر الموثوقة في ذلك الشأن، ففي كتابه (فن الشعر) يرجع اصل التراجيديا الى (الديثرامبوس) وهو نوع من الرقصات الغنائية التي كانت تقدم للاله (ديونيسوس) كبير الالهة عند الاغريقيين القدماء،اذ كانت تقام له اعياد تتخللها مهرجانات تجري في ايام معلومة من السنة تكون على شكل استعراضات تنكرية اذ اعتاد الاغريقيين ان ينشدوا اناشيد (ديثرامبية) بشكل جماعي تؤديها (جوقة) مؤلفة من خمسين فرداً من كهنة معبد الالة (ابولون) تعبيراً عن مشاركتهم في تلك الطقوس التي كانت تدور حول مغامرات ذلك الاله، وكان افراد الجوقة يرتدون اثناء قيامهم بالاداء الغنائي الراقص جلود الماعز (تراجوس) تشبهاً باتباع الاله (ديونيسيوس) الذين كانوا يسمون (ساتيروي)ومن هنا اصبح يطلق على افراد (الجوقة) اسم (تراجودي) أي الاغنية العنزية وهي الاصل في كلمة (تراجيدي)"( )، ويمكن ايجاز اهم ما يميز هذه الحقبة التي سبقت ظهور التراجيديا وعلى النحو الاتي:
1- كانت الجوقة وحدها التي تقوم باداء الطقوس الدينية تكريماً للاله (ديونيسيوس).
2- الاناشيد والاغاني والرقصات تتسيد تلك الاستعراضات.
3- الاستعراضات التي كانت تقوم بها الجوقة كانت بدائية.
4- طغيان طابع السرد الذي كان يجري على لسان الجوقة.
5- الاغاني الراقصة التي كانت تؤديها الجوقة في باديء الامر كانت تلقى ارتجالاً.وعندما جاء الشاعر (اريون الكورنثي- 625 ق.م) اهتم بالدرجة الاساس بتطوير اناشيد واغاني الجوقة، فهو يعد اول من صاغها بصورتها الادبية، اذ شكلت هذه الخطوة الاساس الذي تطورت عنه التراجيديا، واضافة الى ما تقدم فان هذا الشاعر كان هو "اول من طلب من (رئيس الجوقة) ان يصعد الى مائدة القرابين ليلقى على المستمعين في صورة سرد قصة تتعلق بالاله (ديونيسيوس) مشيداً بمغامراته ورحلاته العجيبة بينما يعلق افراد الجوقة على هذه القصة من حين لاخر ببعض الابيات التي تناسب المقام"( ).
ورغم هذا التطور المهم الذي حصل على يد (اريون الكورنثي) الا ان مرحلة السرد لم تنتقل الى مرحلة الحوار والتمثيل الا على يد الشاعر المسرحي (ثيسبس) في (القرن السادس ق.م) والذي يتلخص عمله بالنقاط الاتية:
1. اوجد فكرة الممثل بعد ان كانت الاحداث تروى على لسان (رئيس الجوقة)، اذ كانت مهمته الاساسية ان يعبر عن اراء غيره،لقد اعطى هذا العنصر الجديد الفواصل الحوارية تاثير مهماً في الاحداث كون ان الحوار يشكل جوهر الدراما الاساس، اذ اصبح لزاماً على هذا الممثل ان يؤدي جميع الشخصيات التي يقوم عليها الحدث الدرامي.
2. لاول مرة في التاريخ الدرامي اصبح الاهتمام منصباً على الحدث وعلى نحو تشخيصي عن طريق الحوار الذي يجري بين الممثل والجوقة بدلاً عن السرد الذي كان يجري على لسان الجوقة بشكل منفرد.
ان التغيير الذي ادخله (ثيسبس) قد ادى الى تحقيق ما يأتي:
1. ظهور التراجيديا بالصورة التي نعرفها اليوم.
2. مساحة التمثيل توسعت، اذ اخذ الممثل يؤدي جميع الادوار التي يكلف بها.
3. نتيجة قيام الممثل باداء عدة شخصيات تم تخصيص مكان خاص لغرض تغيير الازياء والاقنعة بما يتفق مع سمات الشخصية المراد تمثيلها.
4. زيادة العنصر الدرامي.
5. اصبح من الممكن التعبير عن المواقف بتصويرها وتنويعها.
6. الحركة توسعت نتيجة توسع الافعال التي يقوم بها هذا الممثل.
7. ظهور فكرة الحوار الذي يشكل احد العناصر الاساسية للمسرحية بدلاً عن السرد الذي كان يجري على لسان الجوقة منفرداً.
8. اخذت الجوقة تفقد من مساحتها التي كانت تتمتع بها من قبل.
9. اصبحت اجزاء المسرحية اما ان تتكون من مقطوعات شعرية جماعية طويلة او محاورات بين الممثل والجوقة.
ورغم ان التراجيديا استطاعت على يد (ثيسبس) ان تتخذ شكلاً خاصاً بها الا انها في نفس الوقت كانت لا تزال بحاجة الى من ينميها ويصقلها ويدخل عليها افكاراً فلسفية حتى يتحقق لها الخلود، وقد تم هذا فعلاً على يد المؤلف المسرحي (اسخيلوس) الذي كان له الاثر البالغ في وجود التراجيديا بالصورة المعروفة بها الان. ويتلخص عمله بالنقاط الاتية:
1. اضاف الممثل الثاني.
2. وسع مساحة الصراع درامي بين وجهات النظر المختلفة.
3. وسع منصة التمثيل.
4. قلل مساحة الغناء والانشاد مع زيادة عنصر الحوار.
5. تخلت الجوقة نتيجة زيادة عدد الممثلين عن مواقعها التي كانت تتمتع بها لتحل محلها نغمة درامية اساسها المحاورات بين شخصين يتولد بينهما الصراع الدرامي.
6. فسح المجال لادخال خواطر فلسفية وخاصة بعض الافكار الدينية التي تعبر عن علاقة الانسان بالالهة في جو مليء بالروعة والجلال يبعث في النفوس الرهبة مصدرؤها الغموض.
ورغم هذه المساحة الكبيرة التي اعطيت للممثل الاول والثاني الا ان الجوقة ظلت تشغل حيزاً ومكانة بارزة وتتقاسم البطولة او تاخذ دوراً من ادوار الشخصيات الرئيسة فهي مثلاً في مسرحيتي (اجاممنون) و(حاملات القرابين) كانت تتمتع باهمية استثنائية حتى باتت اغانيها تشكل الاساس الذي يتطور عنه الحدث الدرامي على الرغم من انها لا تاخذ على عاتقها مهمة شخصية من الشخصيات المسرحية بالمعنى الدقيق.
وبعد (اسخيلوس) اخذت الجوقة بالانحسار على يد المؤلف المسرحي (سوفوكلس) الذي ادخل الممثل الثالث مما ترتب على هذه الزيادة توسع في رقعة الحدث الدرامي على حساب مساحة الجوقة رغم زيادة عدد افرادها من قبله اذ جعلها تتكون من خمسة عشر فرداً بعد ان كانت على يد (اسخيلوس) اثنى عشر.
ان اضافة الممثل الثالث تعد من الخطوات الكبيرة والمهمة جداً في تطوير التراجيديا، فقد ادى هذا الانجاز الى:
1- وصول التراجيديا الى مرحلة الكمال.
2- اتساع مساحة الحدث الدرامي.
3- زياده الصراع الدرامي بين الاطراف المتصارعة.
4- تقلصت الاغاني والاناشيد والسرد الذي كانت تقوم به الجوقة.
5- زيادة الحوار الذي يعتبر الاساس في تصوير الاحداث الدرامية.
بعد ذلك اخذت الجوقة بمرور الوقت تفقد الكثير من مساحتها ومواقعها وخاصة على يد المؤلف المسرحي (يوربيدس) الذي ضيق الخناق عليها وحجم من دورها اذ اصبحت عنده:
1- تمثل جزء من اجزاء المنظر المسرحي أي انها اصبحت لا تمثل اكثر من كونها قطع ديكورية تزينية.
2- اصبح وجودها من وجهة نظره يشكل عائقاً امام سير وتنامي الاحداث الدرامية، كما انها تنأى بالازمة عن مسارها.
3- اصبح وجودها في مسرحياته يشكل عادة مالوفة وتقليداً جارياً، أي ان وجودها اصبح هامشياً مرتكنة على هامش الموضوع.
4- اصبحت عبارة عن فواصل تربط اجزاء المسرحية وهي اذا ما ازيحت من المسرحية فانها سوف لا تحدث أي خلخلة في منظومة الاحداث الدرامية.
5- اغانيها اصبحت منفصلة عن مواضيع مسرحياته انفصالاً تاماً باستثناء بعض المسرحيات ومنها (الباخوسيات).
يخلص الباحث من هذا العرض الموجز الى القول ان التراجيديا قد انبثقت عن طريق الارهاصات التمثيلية التي كانت تقوم بها الجوقة في الاحتفالات الدينية ثم استمر تاثيرها على يد كلاً من (اسخيلوس) و(سوفوكلس) لتصبح اخيراً على يد (يوربيدس) مجرد تقليد لابد منه.
خصائص الجوقة: لغرض توضيح موقف الجوقة وتحديده على صعيد النص التراجيدي الاغريقي، وجد الباحث من الضروري تسليط الضوء على طبيعة وخصائص ووظائف الجوقة في النص الدرامي لانه سيفيد الباحث في كشف مستجدات المعالجة الاخراجية التي قام بها المخرج بما اسند اليها من وظائف جديدة وجدها في حركتها وما يحقق له من افادة في اغناء العرض فكرياً وجمالياً واستجابة من قبل المتفرج المعاصر لهذه النصوص الطرازية، وبعد اطلاع الباحث على نماذج من هذه المسرحيات لاحظ ان وجود الجوقة فيها يشير الى الحقائق الاتية:
1- انها تتالف من كبار السن سواء كانوا رجالاً ام نساءاً، ويمكن ان نتلمس ذلك بوضوح في حوار (الجوقة) مع الملك (كريون) في مسرحية (انتكونا) على سبيل المثال لا الحصر.
الجوقة: "اما نحن فاذا لم تكن السن قد اضعفت عقولنا، فانا نرى كلامك صواباً"( ).
2- انها تتصف بالحكمة والرزانة مركزه نصائحها وحكمتها في خدمة البطل التراجيدي، كما هو واضح في العديد من هذه المسرحيات ومنها مسرحية (اوديب ملكاً).
الجوقة: "اني ارى نفسي احمق جاهلاً ان اعرضت عنك او قصرت في ذلك"( ).
3- التعاطف مع شخصية البطل، اذ تلعب دور الصديق المخلص، فجوقات (اسخيلوس وسوفوكلس) في مسرحية (الكترا) قمن بدور الناصحات والصديقات والمخلصات للبطلة (الكترا) والمحرضات على الانتقام من قاتل ابيها (اجاممنون). اما (يوربيدس) فهو الاخر لم يهمل هذه الخاصية، ففي مسرحيات (ميديا، فيدرا، اندروماخي) مثلاً جعل الجوقة في كل واحدة من هذه المسرحيات تصطف الى جانب البطلة، ففي مسرحية (اندروماخي) تالفت الجوقة من النساء اللائي يشعرن من خلال تقلبات مصير البطلة بكل قسوة، مصير المراة وفضاعته"( ).
4- عدم المشاركة في اعمال العنف حتى وان تطلبها الموقف الدرامي، ومن اجل التقيد بهذا الشرط فان المؤلف المسرحي يجعلها تختلق اسباباً كثيرة تمنعها من اللجوء الى العنف والاشتباك بالايدي وغير ذلك، "ان الجوقة لا تشترك في الصراع الدائر بين الشخصيات على خشبة المسرح بل تلتزم الحياد التام وتبقى في مكانها على الاوركسترا حيث مراقبة الفعل"( ).
وظائف الجوقة:سيحاول الباحث استعراض اهم الوظائف التي اسندت الى الجوقة في المسرحيات الاغريقية القديمة وهي على النحو الاتي:
1- تزويد المتفرج بمعلومات تسبق وقوع الاحداث الدرامية الجارية والتعليق عليها والاعلان عن مغزاها فانها تقوم "بتفسير اقوال الممثلين او التعليق على الاحداث الجارية او مساعدة المتفرجين على ادراك بواعث الحدث"( ).
2- تقوم بتهيئة الجو العام في الجزء الذي ياتي بعد المقدمة وهي تدخل المسرح لاول مرة، وهي تنشد بمصاحبة (الناي).
3- متابعة سير الاحداث وتبادل الحوار من وقت لاخر مع اشخاص المسرحية اساسه تقديم النصح والحكمه، وقد تاخذ احياناً دوراً رئيساً في المسرحية كما في المسرحية  (الضارعات) لمؤلفها (اسخيلوس).
4- تقوم بدور الوسيط بين ابطال المسرحية، كما انها تقوم بطرح بعض الاسئلة التي تتعلق بمصير الانسان وعلاقته بالكون.
5- كانت اغاني واناشيد ورقصات الجوقة عاملاً ملطفاً ومهدئاً لبصر المشاهد وعقله فيما بين المشاهد التمثيلية"( )، حينما تبلغ ضغوط الاحداث الدرامية قمة ذروتها.
6- تعد اداة ربط، اذ تقوم بربط كل مشهد بالمشهد يليه عن طريق اغانيها واناشيدها ورقصاتها.
7- من وظائفها انها تؤدي دور المتفرج المثالي الذي يستجيب للاحداث الدرامية التي تجري في المسرحية.
8- كانت اغانيها واناشيدها ورقصاتها تضفي على المسرحية جاذبية.
9- تكون "شاهد على افعال البطل باتزانها واعتدالها وتواضعها، أي انها تظهر تهور البطل وغطرسته وطموحه اللامحدود"( ).
10- تساعد في خلق الجو العام للمسرحية ككل. كما انها تساعد في زيادة وتصعيد التاثيرات الدرامية في المسرحية"( ).
وظيفة الجوقة في العرض المسرحي الاغريقي القديم:كانت العروض تقدم على خشبة المسرح الدائم الذي يعرف باسم (مسرح ديونيسيوس)، وقد ذكر ان عدد المتفرجين الذين كانوا يحضرون تلك العروض كان يصل الى خمسة عشر الف او سبعة عشر الفا متفرجا والمعروف ان هذا المسرح يتكون من (الاوركسترا)، ولعل اهم ما يميز هذا المسرح هو مكان الرقص، فكانت الجوقة ترقص وتغني فيه او تقف فيه اثناء الحوار، أي انها كانت تبقى في العادة في هذا المكان طوال مدة التمثيل كلها.
لقد كانت وسائل الاخراج محدودة جداً، فكان العرض قبل مجيء (اسخيلوس) يتسم باغلبيته بالانشاد والغناء وحركات الرقص حتى تطور بشكل ملحوظ على يد (اسخيلوس) الذي ادخل بعض التعديلات حيث ابتدع شخوص راقصة وايماءات واشارات تعبيرية صامتة جديدة للجوقة.
ولعل اهم ما يميز العرض في هذه المرحلة شكله البسيط الذي كان يعتمد بالدرجة الاساس على:
1- " الخطابة والانشاد والغناء على صعيد الاداء الصوتي.
2- الحركات الواسعة القليلة في الاداء الجسماني.
3- الاعتماد على الاقنعة في تعبيرات الوجه"( ).
كما اعتمدت جماليات العرض على قوة الصوت وجمال موسيقى الشعر، وقد اتخذ الاداء الصوتي ثلاث اشكال وهي الالقاء الخطابي والترتيل والغناء و"كانت حركات الجوقة في المأساة بطيئة فخمة مروعة، اما العرض الصامت فكان وقوراً مهيباً،ورقصة من هذا النوع حيث الاستجابة الحساسة من الجسد كله لافكار معينة من المسرحية وليس التحريك الايقاعي الالي من القدمين، هي ابعد ما تكون عن احداث البلبلة بل انها تساعد على زيادة اثر القصة المحزنة التي تعرض على خشبة المسرح"( ).
لم يكن الرقص في المسرح الاغريقي مجرد حركات وانما كان يعد تعبيراً عن الافكار بواسطة الجسد شأنه في ذلك شان الموسيقى كتعبير عن الافكار ومن القواعد التي كانت متبعة هي دخول الجوقة بمسيرة منتظمة واحياناً "يدخل افراد الجوقة الى خشبة المسرح منفردين او مجموعات صغيرة ومن جهات مختلفة، وكانت المقاطع التي تخص الجوقة تتسم بالرقص والغناء الموحد واحيانا كانت الجوقة تقسم الى مجموعتين تتناوبان الاداء وفي بعض الاحيان تتبادل افراد الجوقة المقاطع الحوارية مع الشخصيات وفي حالات نادرة يتفوه افراد الجوقة بجمل معينة. اما عن تشكيلاتهم لا توجد أي معلومات كافية كيف تتغير خلال المقاطع الغنائية"( ).

ومن الوظائف التقليدية التي كانت تقوم بها الجوقة في العرض المسرحي:
1- انها كانت تعلن قدوم بعض الشخصيات الى المسرح لكي يتعرف المتفرج على الشخصية التي سوف تظهر امامه.
2- كانت باغنيها ورقصاتها تعطي الفرصة للممثل لتغيير ازياءه والاستعداد للقيام باداء شخصية اخرى غير الشخصية التي كان يقوم بها.
3- كانت الجوقة اداة مهمة لمنع خلو المسرح ولو لفترة ما بين فصول المسرحية، اذ لم يكن في ذلك الوقت الستارة مستخدمة.
4- كان من ابرز وظائفها هي الاسهام في ابراز الصورة الدرامية وان يعكسوا حركات الممثلين وان يعبروا عن كل احاسيسهم وانفعالاتهم بحركات ايقاعية معبرة"( ).
5- "ان غناء الجوقة واناشيدها وحركاتها يساهم في خلق المؤثرات المسرحية.
6- تاسيس الاجواء المناسبة وتصعيد التاثيرات الدرامية"( ).
7- كانت اغاني واناشيد ورقصات الجوقة لها الدور الكبير في تحقيق الايقاع المناسب في العرض.
تقاليد المسرح الاغريقي القديم:
لقد تحددت الدراما الاغريقية ومنها التراجيديا باعراف او تقاليد وعلى مدى سنوات طويلة، فكان لزاما على جميع كتاب المسرحيات التراجيديا وكذلك القائمين على تقديم العروض المسرحية التقيد بها وعدم تجاوزها وهي:
1- ان العرف في التراجيديا الاغريقية كان يقتضي ان تبعد عن العرض المسرحي المشاهد العنيفة كالقتل وسفك الدماء"( ). ووفقاً لهذا التقليد ينبغي ان لا يرى المتفرج مثلا (ميديا) تذبح اولادها امام اعين المتفرجين، فالعرف نص على ان يجري مثل هذا الفعل خلف الكواليس على ان تروى بعد حدوثها على لسان احد الاشخاص المكلفين بهذه المهمة عن طريق السرد، فاوديب مثلا تم فقيء عيونه داخل القصر ثم قام الخادم بسرد الحادثة الى الجوقة.
2- من التقاليد المتبعة ايضا في العرض "ان تبقى الجوقة في الاوركسترا وتؤدي فيه اغانيها، اناشيدها ورقصاتها، اما الممثلون فيقومون باداء ادوارهم على خشبة المسرح التي كانت ترتفع قليلا عن مستوى الاوركسترا"( )، وكان العرف او التقليد في العرض يمنع صعود الجوقة الى خشبة المسرح، اذ كان محضور عليها ان تتدخل في الفعل الدرامي او تغييره لصالح شخصية دون اخرى، لان الجوقة كانت بمثابة جمهور تدور الاحداث الدرامية امامه فيعلق عليها دون ان يقوم بصنعها.
3- ومن التقاليد التي ينبغي على الجوقة التقيد بها وهي "ان لا تفعل شيئاً ذا بال من اجل البطل، انها ترى وتسمع كل شيء دون ان تحرك ساكن"( ). انها تكتفي بذرف الدموع على البطل في محنته دون ان تفعل من اجل شيئاً انها لا تفعل شيئ ما الا اظهار تاثرها واشفاقها على الفاجعة التي تحل بالبطل.

ملخص حكاية مسرحية (اوديب ملكاً): تدور احداث المسرحية حول موضوع انتشار وباء الطاعون في مدينة (طيبة) اليونانية، فيبعث ملكها (اوديب) رسولاً وهو (كريون) شقيق زوجته الملكة (جوكاستا)، لمعرفة الاسباب التي ادت الى انتشار هذا الوباء، وبعد الاستفسار الذي اجراه هذا الرسول مع كهنة المعبد، يعلم ان السبب الحقيقي هو وجود (رجس) في المدينة يجب الخلاص منه لكي يمكن انقاذ المدينة من ذلك الوباء، وبعد رحلة طويلة من البحث والاستفسار التي قادها (اوديب) بنفسه يتوصل عن طريق استجواب كلاً من راعي الملك (لايوس) وراعي ملك مدينة (كورنثة) بانه هو (الرجس) وقاتل ابيه وهو ايضا زوج لامه الملكة (جوكاستا) التي انجبت منه اربعة ابناء هم اخوة له، لتنتهي المسرحية بانتحار الملكة (جوكاستا) وقيام (اوديب) بفقيء عينيه ثم نفي نفسه خارج مدينة طيبة عقاباً للاثم الذي اقترفه.
العرض:لقد حاول المخرج بعد تجاربه السابقه للعروض (انتكونا والكترا) التي قدمها على خشبة المسرح الدائري في (اكاديمية الفنون الجميلة) ان يلحقها بتجربة اخرى وهي عرض مسرحية (اوديب ملكاً) لمؤلفها (سوفوكلس) تواصلاً مع المنهج الذي اختطه في تقديم عروض من المسرحيات الاغريقية القديمة (الطرازية) بثوب معاصر، ومن اجل تحقيق رؤيته المعاصرة قام ببعض الاجراءات التي وجدها ضرورية من اجل ان يجعل العرض قريبا من ذائقة المتلقي الحالي، اذ ان من وظائف المخرج الاساسية في معالجاته للمسرحيات القديمة ان يعمل على تفسيرها ابداعيا الى جمهوره، لذا توجب عليه ان يحقق نوعاً من وحدة المعالجة تنسجم فيها فلسفة النص القديم والمعالجة الاخراجية المعاصرة، ذلك ان المسرحية الاغريقية الطرازية لها شعائريتها التي تتسم بها فضلاً عن تكنيكها القديم الذي لا يمكن للمخرج المعاصر ان يتجاهلها، كما لا يمكن في نفس الوقت ان يقدمها كما لو كان يقدمها من خلال متحف اثري.
واستناداً على ما تقدم من اساسيات، قام المخرج ببعض الاجراءات على بنية النص الاصلي لمسرحية (اوديب ملكا) ومنها الجوقة لغرض تحقيق رؤيته الاخراجية في ملائمة النص القديم لذائقة متلقيه الحالي.
ومن ابرز هذه الاجراءات:
1. تكثيف النص واختزال المقاطع الاستطرادية الطويلة والمملة فمن المعروف ان هذا النوع من المسرحيات قد يستغرق عرضها على خشبة المسرح اكثر من ساعتين ونصف بالصورة التي عليها في النص الاصلي وهو ما يمكن ان يبعث على الرتابة والملل في نفس المتفرج المحلي الذي يختلف ذوقه وايقاعه عن متفرج عصر المسرحية الذي كتبت له. وهي ايضاً محاولة من المخرج تقديم العرض بشكل تحتل فيه الصورة المسرحية المكانة الاولى لتجعل المتفرج يرى الاحداث الدرامية التي تجري امامه بصورة مرئية لا ان يخبر عنها وصفياً، ملتقياً بذلك المخرج مع ما اشار اليه المخرج البولوني (كروتوفسكي) بقوله "ان جمهور المسرح يهفوا الى الرؤية اكثر مما يهفو الى الاستماع ويلم بالاحاسيس العامة للعمل المسرحي من خلال القيم الرمزية لا من خلال الكلمات"( ).
2. اعادة صياغة الحوار وجعله يؤدى بلغة قريبة يسهل تقبلها من قبل المتفرج، اذ ان المسرحية الاغريقية القديمة "يتسم حوارها بايقاعات ونماذج شعائرية متعاقبة واخص مميزاته انه لم يكن حوار اللغة اليومية، بل كان حوار الدراما الشعائرية"( ).
3. اضاف ونقل العديد من المقاطع الحوارية الخاصة ببعض الشخصيات الرئيسة وجعلها تجري على لسان الجوقة وذلك من اجل ابراز سلطتها الجديدة وتفعيل دورها في تحريك الاحداث الدرامية بشكل اعمق، وفضلاً عن ذلك لاعتماد المخرج بالدرجة الاساس على امكانياتها التي يمكن الاستفادة منها في تجسيد الافكار المجردة باسلوب التشكيل عبر صور جمالية دالة تسهم في اغناء العرض المسرحي بما تعطيه من متعة بصرية موحية، مجرباً بها المخرج مفهوم المخرج الانكليزي (كوردن كريك) الذي "يرى ان المسرح ملزم بان يعي حاجات النظارة البصرية اذا ما اراد ان يحصل على قلوبهم، ان خلق الصورة منبع لعملية الخلق الفني وفيها اساس المسرح كفن حي"( ).
4. من اجل ان تحقق التجربة اهدافها المرسومة لها قام المخرج باعادة تركيب الجوقة وذلك باطلاقها من دورها المرسوم لها ومنطلقاً بها من مواقعها الكتلوية الساكنة الى مواقع اكثر ديناميكية فجعلها تتحرك بحرية في بيئة العرض.
5. اضاف مشهدين جديدين هما مشهد (السرير) ومشهد فقيء الجوقة لعيونها، وذلك تعزيزاً لفكرة المخرج الفلسفية للعرض.
لقد ركز المخرج في تجربته الاخراجية لمسرحية (اوديب ملكا) بوعي اجتماعي/تخيلي على حركة الجوقة واسلوب نطقها للحوار، فاهتم باوضاعها التشكيلية المعبرة في وسط المسرح الدائري بينما المتفرجون لازالوا يدخلون مكان العرض وانين وتاوهات الجوقة تستقبله وهي تزدد بعض الحوارات القصيرة التي اخذها من المقطوعات الحوارية الطويلة التي وردت على لسان رئيس الجوقة في المشهد الاستهلالي وكان مجموعها تسعة وعشرون سطراً فاعاد المخرج صياغتها من جديد لتكون على النحو الاتي:
الجوقة: (اواه..اواه،ـ وامصيبتاه لقد اصابنا الطاعون، أصاب نساءنا بالعقم..لقد أهلك ودمر زرعنا، حقولنا وماشيتنا..اي اوديب..اي مليكنا انقذنا.. انقذ مدينتا كما انقذتها من قبل..)
اضافة الى ذلك فقد مزجها المخرج ببعض التنغيمات من مورثنا المحلي في عملية لخلق الجو العام، فجاءت هذه النبرات الصوتية المثيرة للاسى والحزن تكثيفا للمقطوعات الحوارية الطويلة التي ضغطها لمسك ايقاع العرض وجعله يتنامى ويتصاعد، كما جاء التكثيف استجابة معاصرة لطبيعة المتلقي الان، بالاضافة الى جوهر الصورة الطقسية المتشكل من الايماءات والاشارات التي تذكرنا بالاوضاع والاجواء الرثائية والتعزية الحسينية (اللطم على الصدور والرؤوس) التي جسدتها الجوقة بقرع الارض بالايدي،وفضلاً عن ذلك فقد جاء التكثيف ليركز على اهمية الصورة المسرحية بوصفها تعبيراً عن (الوجدان الجمعي) فالاساس في هذا العرض هو الصورة الطقسية التي تم بناؤها من داخل النص نفسه، انها محاولة من المخرج من اجل ايجاد تكوينات فنية من مختلف الاشكال المؤثرة في اللاوعي الجمعي عن طريق مختلف التشكيلات الجسدية للجوقة والتي كانت تميل الى اسلوب (مسرح التعازي)، فالقرع على الارض اعطى صورة معبرة لواقع حال الجوقة وما تعانيه من اسى وحزن من جهة وتصعيد حدة التوتر لدى المتفرج بايقاعات ممزوجة بالدهشة والاستثارة الوجدانية. لقد كان لهذا الطقس اثره في توظيف النص الطرازي ونقله من بيئته الطرازية الى بيئة جديدة اوحت بامكانية تطويع هذه النصوص الى اشكال جديدة على الرغم من محافظته على طرازية الزي والمنظر المسرحي الثابت في جو العرض ودون ان تغيب عنها افكار النص الرئيسة.
اعتمد عرض مسرحية (اوديب ملكا) على نوعين من المناظر المسرحية، منظر ثابت تمثل بقصر الملك (اوديب) المعروف بطرازيته المعهودة والذي تجسد على محيط خشبة المسرح الدائري في الجهة المقابلة لدخول المتفرجين، ومناظر غير ثابتة انيطت مهمة تجسيدها الى الجوقة، فمن المعروف ان المسرح الدائري لا يميل الى استخدام القطع الديكورية ذات الكتل والحجوم الكبيرة على خشبته اطلاقاً، لانها تؤثر بشكل سلبي على الممثل من جهة وتعيق درجة الرؤيا لدى المتفرج من جهة اخرى. ويؤكد المخرج والباحث الاكاديمي (سامي عبد الحميد) ان "الملامح التي ميزت العرض بساطة ديكوره وازياؤه وحركة المجاميع واداء تمثيلهم المعبر وطريقة توزيعهم وتجميعهم مما اعطى العرض ايضا صفته الطرازية"( ).لقد اعتمد المخرج بالدرجة الاساس على الجوقة في تجسيد مناظره الغير ثابتة اذ انها استطاعت ان تجسيد العديد من المناظر التي تظهر وتختفي بسرعة حسب اللحظة الدرامية ومنها (خيمة، عربة/قبور، سور، محكمة، سرير...).
ولعل من ابرز التحولات الجمالية التي شكلها المخرج في تعميق الاجواء السينوغرافية المتاصلة في رحم الاسطورة الاغريقية هي امكانات تحول العلامة (الباب) الموجودة في مدخل القصر التي يدخل ويخرج منها الملك (اوديب) وزوجته الملكة (جوكاستا) التي هي امه الحقيقية، الى سرير جنسي (ايروتيكي) للدلالة على الممارسة الجنسية والرجس القادم من وراء الابواب، لقد لعبت الجوقة دوراً اساسياً في تشكيل هذا السرير اذ اصبحت اجسادها دعامات له. ومن هنا يبدو فعل التغيير في وظائف الجوقة المعلقة على الاحداث الجارية عبر تبادل الادوار والتفاعل معها،فتارة تبدو بانها اشبه بالقاضي وتارة اخرى تبدو انها شهود وتارة تبدو كانها امتداد سماوي بين الارض والسماء تكشف عن بواطن الخطيئة والرجس الهابط الى الارض. لقد مثل السرير الذي ابتكره المخرج استعارة موفقة اذ لعبت دور نواة تنبثق منها حبكة العرض، فقد حاول المخرج بشكل جمالي ان يعبر بعمق عن فكرته بان الشخص الذي يمثل الدنس بكل ثقله والذي يجري البحث عنه انه يقبع خلف بوابة القصر.
لغرض التواصل من حيث التشكيل الصوري ذي الدلالات الموحية في العرض المسرحي، فقد اعتمد المخرج في تحقيق هذه المهمة على الجوقة مع ملحقتها (العصا) التي لازمت افرادها طيلة مدة العرض، فكانت خير وسيلة واسناد للمخرج في تاثيث عرضه المسرحي بالمناظر المسرحية والتكوينات البصرية المعبرة وتزويده بالمؤثرات الصوتية وما قد تعجز عنه العناصر الاخرى تصويره، نظراً لما تتمتع به هذه القطعة الاكسسوارية من خفة تسمح باجراء تغييرات سريعة، اذ صار المنظر المسرحي يظهر ويختفي بسهولة وسرعة دون حدوث ارباك او تاثير على بيئة وفضاء العرض، ويمكن القول انه لا وجود للمنظر في عرض مسرحية (اوديب ملكا) الا في لحظة وجود الجوقة والعصا اذ عن طريقهما شكل المخرج ابعاد هندسية تدلل على (دروع، سهام، قبور، خيمة...الخ) وكثيرا ما يستخدم المخرج الصورة (العصا) باوضاع مختلفة من قبل افراد الجوقة لتحقيق تكوينات تحيل المتفرج الى العديد من المعاني والافكار التي اراد ان يبوح عنها العرض، فضلا عن ذلك فان هذه العصا تصبح مؤثرا صوتياً فاعلاً ومنسجماً مع حوارها المنطوق على ايقاع وارتفاع صوت القاريء الحسيني (رئيس الجوقة) وحين تقرع الجوقة خشبة المسرح بالعصي فانها تجسد لنا اصوات (الضرب على الصدور) كما هو معروف في مسرح التشابيه والتعزية التي تجري طقوسها ايام عاشوراء. ان هذه العلاقات والتركيبات للحركة والصوت والتداخل بين الصورة المرئية والصورة الصوتية هي النوعية المميزة لعروض المخرج (عادل) فهو يشتغل على مساحة (التصور الجماعي للتكوين البصري)، حتى في استخدامه للمواد الاخرى اذ استخدمت الجوقة (الطاسة والطين) وكلاهما مفردات مخزونة في وعي الجماعة- البيئة، لان الصورة هنا ما هي الا (العلاقة المرئية التي تثير فينا انفعالاً لدى مشاهدتها، فكل حركة تقوم بها الجوقة هي صورة رمزية للوجدان الانساني في حالة معينة، فالحركة الواقعة- واصوات الجوقة ذات النبرات المحلية وهي تنطلق بصوت جماعي هارموني فهي تعبير عن تعقيد وثراء الحياة الباطنية للانسان.
كما حاول المخرج عن طريق هذه المفردة انتاج وتوليد العديد من المؤثرات الصوتية دون الاستعانة بالمؤثرات الصوتية المسجلة فانها استطاعت ان تولد اصوات نذير الشؤوم الذي سوف يحل بالمدينة والى جانب ذلك فانها منحت العرض اصوات ونغمات متنوعة كان لها الاثر البالغ في تصعيد حدة التوتر لدى المتفرج بايقاعات ممزوجة بالدهشة والاستثارة العاطفية لما يحدث امامه، وفضلاً عن ذلك فانها منحت الممثل ايقاعاً ونبضاً وشحنا داخلياً وكذلك نبضاً لعالم الخشبة.
وفي مشاهد الصراع الدرامي الحادة التي تجري بين الملك (اوديب) وكلاً من العراف (ترسياس) والامير (كريون) شقيق الملكة (جوكاستا) زوجة الملك (اوديب)، والذي ينتهي بينهما بشجار عنيف اذ يتهم بعضهم البعض بالقتل والتآمر والخيانة كما هو مبين في الحوارات الاتية:
اوديب: اني اتهمك بانك اشتركت في الجريمة، دبرتها وهيئتها ولم تبرأ منها..ولو كنت بصيراً لقلت انك وحدك القاتل.
ترسياس:اذن اسمع مني...انك انت الرجس الذي يدنس هذه المدينة. وانت قاتل هذا هذا الرجل الذي تبحث عنه.
اوديب:اتبلغ بك الجرأة ان تنطق بمثل هذا الكلام..انك لن تستطيع ان تكون بمأمن مما تستحق من عقاب"( ).
لقد قام المخرج عبر هذه الحوارات بزج الجوقة في خضم الاحداث المتازمة فحركها وجعل حركتها مترتبة على منطقية الحدث بعدم حبسها او عزلها كونها شاهد، فالشاهد العصري لابد ان يكون له راي وموقف مما يجري امامه لا ان يكون متفرجاً فقط، فان ذلك لا يستقيم مع منطقية الحياة المعاصرة،لذا فالجوقة في عرض مسرحية (اوديب ملكا) لم تلتزم الموقف الحيادي الذي عرفت به على امتداد المسرحيات الاغريقية القديمة التي شاركت فيها،وكانت وظيفتها محصورة بالتعليق على الاحداث وتبادل الحوار مع الشخصيات الرئيسة، ولا يجوز لها التدخل في مجريات الاحداث الدرامية، غير ان المخرج (عادل) قد اضفى عليها روحية معاصرة تجلت بشكل اساس في دور الجوقة الذي ظهر بعيداً عن وظائفها التقليدية،فجعلها تشترك في الصراع الدائر بين (اوديب) والعراف فاقامت عن طريق اجسادها والعصي التي تمسك بها (سوراً) منيعاً لم يستطع (اوديب) اختراقه وبالتالي لم يتمكن من ان ينال من خصمه (ترسياس).
وفي المشهد الذي تدور احداثه الدرامية بين (اوديب) وكريون والذي ينتهي ايضا بشجار بينهما يؤدي الى الاشتباك بالايدي كما هو مبين في الحوارات الاتية:
اوديب: انك خائن . 
كريون: ان كنت مخطئاً في هذا الراي . 
اوديب: يجب ان تطيع برغم ذلك . 
كريون: كلا، لا طاعة اذا كان كان القاضي جائراً . 
اوديب: يا للمدينة..يا للمدينة . 
كريون: ماذا تريد مني . 
اوديب: اريد موتك"( ).
تندفع الجوقة بكل قوة لفك الاشتباك، ولم تكتفي بذلك فاحاطت (كريون) لحمايته ثم اخذت تقرع خشبة المسرح عن طريق العصي محدثة اصوات احتجاج واعتراضات يضطر (اوديب) على اثرها الانسحاب الى داخل القصر.
حاول المخرج ان يستثمر وجود الجوقة على خشبة المسرح في تجسيد العديد من الاحداث الدرامية التي وردت تفاصيلها في المسرحية على شكل سرد، لاجل ان يراها المتفرج بشكل مرئي عبر اجساد واصوات الممثلين انفسهم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، المشهد الذي يصف فيه الملك (اوديب) حكاية الرجل قتله في الطريق ذات الشعب الثلاث وكما في الحوار الاتي:
اوديب: كنت ماضيا في طريقي فلما قاربت المكان ذا الشعب الثلاث، رايت عجلة يقودها منادٍ وعليها رجل كالذي وصفته لي،وكانت العربة تدنومني، فيدفعني قائد العجلة، ويدفعني الشيخ ايضا بعنف لينحياني عن الطريق فاثور واضرب القائد الذي نحاني، ثم اخذ الشيخ يرفع سطوه ويهوي به على راسي، مما دفعني ذلك ان اصب على راسه عصاي بهذه اليد التي ترين فيهوي صريعا واقتل كل الذين كانوا معه"( ).
لقد قامت الجوقة بتجسيد الحادثة بكل تفاصيلها بشكل مرئي على الخشبة اثناء قيام الملك (اوديب) بوصف المعركة كاملة الى زوجته الملكة (جوكاستا) اذ تحرك بعض افراد الجوقة لاداء شخوص الحادثة وتحرك القسم الاخر لعمل تكوين على شكل ترسيمة مؤسلبة لعربة الملك (لايوس)، وكان لارتداء الكفوف البيضاء من قبل افراد الجوقة، وتغيير زي (العباءة) ذات الوجهين وذات اللونين اذ يتحول في هذا المشهد الى اللون الاسود ليصبح زيا يمثل الحرس الذي كان يرافق الملك (لايوس)، دون الاستعانة بجوقة اخرى، كما كان لاظلام المسرح واستخدام الاشعة فوق البنفسجية الدور الكبير في تجسيد جو المعركة وتمكن المخرج ان ينقل مشاهديه الى ساحة المعركة لغرض الاحساس بالماساة.ان المخرج في تصويره الجمالي للحادثة هذه حاول ان يلامس مفهوم المخرج (مايرهولد) في اعتماده جسم الممثل للدلالة على الاشياء المرئية وتشكيل الصورة الجمالية في العرض فانه يرى "بان المخرج يمد جسراً بين الممثل والمتفرج عن طريق حركات الايدي واوضاع الجسم وتشكيلاته والتي من شانها ان ترغم المتفرج على فهم الحوار بالصورة التي يسمعه بها المخرج عبر اجسام الممثلين انفسهم، اما الصورة فمن اجل العين وهكذا يعمل خيال المتفرج تحت ضغط بصري وسمعي"( ).
لقد اتسعت وظيفة الجوقة وتعمق دورها، ولم تعد مجرد وظيفة تزينية،اذ ان مسار الاحداث في دلالات العرض قد اوجز ما يبلور الوظيفة الجديدة للجوقة في العرض عبر دلالات موحية،اعطت للجوقة قيمة مضافة حاول المخرج تجذيرها عند المتفرج..على الرغم من ان الذروة في العرض تم تحويلها من (اوديب ملكا) الى الجوقة حين كررت عملية فقيء العيون، وبذلك يكون الفعل قد انتقل من (اوديب) الى الجوقة وبدلاً من استخدام ادوات جارحة في عملية الفقيء، استخدم المخرج الطين وهي دلالة اجتماعية متعارف عليها عند المتفرج المحلي، حيث تدلل ان (اوديب) يلطخ بوحل مخازيه. ان فقيء الجوقة لعيونها كان عقاباً لها لانها لم تكن ترى ببصيرتها افعال اوديب المخزيه تلك، وانما كانت ترى بعيونها فقط دون تامل وتفكير بما يجري من حولها ومن اجل ان يبين المخرج تلك الدلالة حمل الجوقة تلك العملية، ولم تكتفي الجوقة بما قامت به بل راحت تلقي العصي التي تمسك بها على الارض، كدلالة عن تخليها عن حاكمها الغير شرعي لتعكس دلالته على المتفرجين لاستقرائها بعين الواقع.
للمخرج (عادل) طريقته الخاصة من تجسيده (الصورة الطقسية الوجدانية) وهذه الطريقة لا تخرج عن كونها رمزية، فهو لا يهدف الى التعبير عن حالات وجدانية خاصة وانما يريد ان ينقل الى المتفرج تلك الحالات الخفية التي لا يمكن ان يعبر عنها الا عن طريق الرمز.
وفي المشهد الختامي نرى (اوديب) وهو عاري من ملابسه الملكية التي اسقطها بنفسه وهي اشارة بعدم شرعيته كملك وكحاكم بعد انكشاف الحقيقة، وتظهر من حوله الجوقة مشكلة ستراً دائرياً عن طريق العباءات التي ترتديها وهي تبكي وتطلق صيحات الحزن وتلطم على الرؤوس باسلوب يقترب من خصوصية مجالس العزاء والمآتم الحسينية. ثم بعد ذلك يتقدم كلاً من (كريون والعراف ترسياس) ويمسك كل واحد منهم بطرف قطعة قماش طويلة بيضاء ويقومان بلفها حول جسد اوديب العاري وهي استعارة لصورة الكفن ورمز للموت.
لقد كانت الجوقة في عرض مسرحية (اوديب ملكا) تمثل ابلغ اداة اذ حاول المخرج عبرها ان ينقل بيئة العرض من بيئة اسطورية طرازية الى بيئة قريبة من ذائقة المتفرج المعاصر، وخاصة انه حملها العديد من المرموزات والدلالات التي تلامس الواقع الراهن.
نتائج البحث
1. كشفت التجربة عن امكانية تحقيق اداء تمثيلي وفق رؤية فنية معاصرة في المسرح الدائري.
2. تمكن المخرج من خلق نوعاً من الانسجام بين فلسفة النص القديم الطرازي والمعالجة الاخراجية في الاداء التمثيلي للجوقة.
3. استطاع المخرج من المزاوجة بين المنظر الثابت الطرازي والمناظر المتحولة والايماءات والاشارات والحركات المعاصرة.
4. كشفت التجربة عن امكانية اعادة صياغة وتركيب الجوقة من دون الاخلال باساسيات وافكار النص الاصلي.
5. كشفت التجربة عن امكانية الاستفادة من اجساد الجوقة في تجسيد الافكار المجردة باسلوب التشكيل المرئي عبر صور جمالية دالة تسمح في اغناء بما تمنحه من متعة بصرية موحية.
6. تمكن المخرج عن طريق الجوقة وملحقتها العصا تقديم صور ايضاحية لبعض الاحداث الدرامية،التي كانت بحاجة لتجسيدها مرئياً على خشبة المسرح بدلاً من نقلها وصفياً وذلك من اجل تحقيق التاثير المطلوب.
7. استفاد المخرج من الحوارات التي نقلها من الشخصيات الرئيسة وايضاً الحوارات التي اضافها الى الجوقة في تجسيد العديد من الانفعالات التي لا تستطيع التعبير عنها، فتؤديها الجوقة بحركات وتكوينات توحي بانفعالات الشخصيات الرئيسة.
8. توسعت مساحة الجوقة الادائية، فلم تعد مجرد وظيفة تزينية شكلية، اذ استطاع المخرج ان ينقلها من وظيفتها التقليدية الساكنة الى وظيفة ديناميكية، لها ثقلها في تفعيل بيئة العرض.
9. تمكن المخرج من ان يوحي بملحقة الجوقة العصا كاداة تؤدي وظيفة المؤثرات الصوتية تفرز وتساند فعل الممثل.
10. استثمر المخرج الجوقة وملحقتها العصا في تجسيد العديد من المناظر المتحولة التي تظهر وتختفي بسرعة حسب اللحظة الدرامية، وفي حالة افتقار العرض لوجودها فان ذلك يحدث خلل في منظومته ويمكن القول لا وجود للمناظر المسرحية في عرض مسرحية (اوديب ملكا) الا في حالة وجود الجوقة.
11. ابتعد الاداء التمثيلي للجوقة في عرض مسرحية (اوديب ملكا) عن الصيغة الخطابية والتمثالية التي تميزت بها العروض الاغريقية القديمة.
12. كشفت التجربة امكانية الاستفادة من الجوقة في استثمار العديد من الموروثات المحلية في اداء التمثيلي وفق رؤية اخراجية معاصرة.
13. افرزت التجربة امكانية ايجاد تكوينات بصرية متعددة ومتنوعة عبر تغيير حركة افراد الجوقة.
14. اضاف المخرج بعداً جديداً للجوقة لم تعهده من قبل، كسر به بعض التقاليد او الثوابت السائدة في المسرح الاغريقي، فقد اشركها في الاحداث الدرامية المتازمة فاصبحت طرفاً من اطراف الصراع، وبهذه الوظيفة الجديدة تكون الجوقة قد خرجت عن المالوف التقليدي لطبيعتها الذي ينص على التزامها جانب الحياد.
15. يمكن النظر الى الجوقة وفق نظام العلامات التي لها القدرة على بث معاني ودلالات تتناسب وذهنية المتفرج الحالي.
16. اظهرت التجربة امكانية تقديم قراءات اخراجية جديدة للنص الاغريقي القديم بما فيها الجوقة، وفق منطق العصر الحالي وليس وفق منطق العصر الذي كتبت فيه.
17. تمكن المخرج من كسر التقليد الذي نص على ابقاء الجوقة خارج خشبة المسرح فجعلها تتحرك على الخشبة طيلة مدة العرض فلم تغادرها وبذلك يكون قد نقلها من واقعها الكتلوي الساكن الى كتلة ديناميكية فاعلة في العرض.

الهوامش 

( 1)  سورة ال عمران، الاية (159).
( 2)  احمد زكي بدوي، و صديقه يوسف محمود، المعجم العربي الميسر، ط1، القاهرة، دار الكاتب المصري، 1991، ص296.
(3 )  سمير عبد الرحيم الجلبي: معجم المصطلحات المسرحية، بغداد، دار المامون لترجمة والنشر، 1993، ص42-ص43.

( 4)   ابراهيم حمادة: معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية، القاهرة، دار الشعب، 1971، ص 124.
(5 )  ليون شانصويل: تاريخ المسرح، ترجمة شرف الدين نعمان اباظة بيروت، منشورات عويدات، 1960، ص17.
(6 )  جون رسل تيلر: الموسوعة المسرحية، ج1، ترجمة سمير عبد الرحيم جلبي بغداد، دار المامون للترجمة والنشر، 1991، ص119.
(7 )  ابراهيم سكر: الدراما الاغريقية، القاهرة، وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للتاليف والنشر، دار الكاتب العربي، د.ت، ص7.
( 8)  المصدر السابق، ص8.
(9 )  سوفوكلس، من الادب التمثيلي اليوناني، ترجمة طه حسين بيروت، دار العلم للملايين، 1981، ص160.
( 10)  المصدر السابق، ص 219.
( 11)  جميل نصيف، قراءة وتاملات في المسرح الاغريقي بغداد، دار الحرية للطباعة، 1985، ص216.
(12 )  محمد حمدي ابراهيم، دراسة في نظرية الدراما الاغريقية، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1977، ص 84.
( 13)  عبد المعطي شعراوي: التاثير الدرامي للجوقة عند سوفوكلس، المسرح والسينما، القاهرة، العدد 25 يناير 1966، ص91.
( 14)  محمد حمدي ابراهيم: مصدر سابق، ص84.
( 15)  المصدر السابق، ص 87.
(16 )  سامي عبد الحميد: قديم المسرح جديده وجديد المسرح قديمه، مهرجان بغداد لمسرح الشباب، الدورة الاولى، 2012، ص55.
(17 )  المصدر السابق، ص55
(18 )  فردب ميليت وجيرالدايس بنتلي، فن المسرحية، تر: صدقي خطاب بيروت، دار الثقافة، د.ت، ص71.
(19 ) Brechet, oscar G. History of the Theater, Boston, Allyna Bacon, INC, 1970 , PP.24-25.
( 20)  عبد المعطي شعراوي: مصدر سابق، ص 94.
(21 )  سامي عبد الحميد: مصدر سابق، ص55.
(22 )  محمد حمدي ابراهيم، مصدرسابق، ص80.
(23 )  المصدر السابق، ص84
(24 )  المصدر السابق، ص86.
(25 )  سعد اردش: المخرج في المسرح المعاصر، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، 1977، ص99.
(26 )  احمد زكي: المخرج والتصور المسرحي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988، ص61.
( 27)  سليم الجزائري: مخرجون عالميون، الاقلام بغداد، العدد الاول، 1979، ص 91.
( 28)  سامي عبد الحميد، الكترا واوديب نموذجان للمسرح الاكاديمي، جريدة الجمهورية، بغداد، 5 تموز، 1989.
(29 ) سوفوكلس، مصدر سابق، ص ص 204-205.
(30 )  المصدر السابق، ص 216.
( 31)  سوفوكلس، مصدر سابق، ص 224.
( 32)  عقيل مهدي: نظرات في فن التمثيل بغداد، مطبعة الجامعة، 1988، ص 157.


المصادر: 
1. ابراهيم حمادة:معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية، (القاهرة، دار الشعب، 1971).
2. ابراهيم سكر:الدراما الاغريقية،(القاهرة،وزارة الثقافة،المؤسسة العامة للتاليف والنشر،دار الكاتب العربي، د.ت).
3. احمد زكي:المخرج والتصور المسرحي، (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988).
4. احمد زكي بدوي، وصديقه يوسف محمود، المعجم العربي الميسر، ط1، (القاهرة، دار الكاتب المصري، 1991).
5. بنتلي، جيرالدايس وفردب ميليت، فن المسرحية، ترجمة صدقي خطاب (بيروت، دار الثقافة، د.ت).
6. تيلر،جون رسل:الموسوعة المسرحية، ج1، ترجمة سمير عبد الرحيم جلبي (بغداد،دار المامون للترجمة والنشر،1991).
7. الجلبي، سمير عبد الرحيم:معجم المصطلحات المسرحية، (بغداد، دار المامون لترجمة والنشر، 1993).
8. الجزائري، سليم: مخرجون عالميون، الاقلام (بغداد، العدد الاول، 1979).
9. جميل نصيف، قراءة وتاملات في المسرح الاغريقي (بغداد، دار الحرية للطباعة، 1985).
10. سامي عبد الحميد،الكترا واوديب نموذجان للمسرح الاكاديمي،جريدة الجمهورية،(بغداد،5تموز، 1989).
11. ــــ،ـــــ:قديم المسرح جديده وجديد المسرح قديمه،مهرجان بغداد لمسرح الشباب،الدورة الاولى، 2012.
12. سعد اردش: المخرج في المسرح المعاصر،(الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، 1977).
13. سوفوكلس، من الادب التمثيلي اليوناني، ترجمة طه حسين، (بيروت، دار العلم للملايين، 1981).
14. شانصويل،ليون: تاريخ المسرح، ترجمة شرف الدين نعمان اباظة (بيروت،منشورات عويدات، 1960).
15. عبد المعطي شعراوي:التاثير الدرامي للجوقة عند سوفوكلس،المسرح والسينما،(القاهرة، العدد 25 يناير 1966).
16. عقيل مهدي: نظرات في فن التمثيل (بغداد، مطبعة الجامعة،  1988.)
17. محمد حمدي ابراهيم،دراسة في نظرية الدراما الاغريقية،(القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1977).
18. Brechet, oscar G. History of the Theater, Boston, Allyna Bacon, INC, 1970.


تابع القراءة→

الاثنين، أغسطس 01، 2016

نواقيس الخوف الأوروبي تقرع في مهرجان أفينيون المسرحي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, أغسطس 01, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

قلمّا حاز مهرجان أفينيون الدولي للمسرح ولفنون الخشبة في دوراته السابقة الإعجاب والثناء اللذين لاقاهما هذه الدورة والتي احتفت بالعام السبعين لانطلاقه. والدورة فريدة حقّاً من حيث جودة الأعمال المسرحية والفنيّة التي قدّمتها. فريدة وأصيلة في آن، كأنّها استعادت الروح الذي أراده للمهرجان مؤسسه، الفنّان المسرحي جان فيلار، في نهاية الأربعينات، عام ١٩٤٧. وهي روح تكمن في التزاوج الصعب التحقيق، بين مسرح شعبي وجماهيرن وتطلّع فنّي ذي معايير رفيعة لا يرضى المساومة عليها البتّة والمهرجان الرسمي - in - الذي يعتبر من أهم - وأقدم - مهرجانات المسرح الدولية، حقّاً شعبي، فالأرقام الرسمية التي ينشرها تحلم بها كل المهرجانات وتعبّر خير تعبير عن أهميّته. وقد أَمَّه هذه السنة ١٧٠ ألف مشاهد تقريباً وبلغ عدد أعماله الفنيّة خمسة وستين عملاً وجمع أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمئة فنّان مسرحي من أقطار العالم.
قد لا ينشأ سحر أفينيون من تعانق «السماء والليل والحجر المجيد»، وفق عبارة البرنامج المسرحي الذي روى تاريخ المهرجان، احتفاء بذكراه السبعين، بل ايضاً من كون المهرجان منذ بداياته يجعل البعد السياسي في قلب العمل المسرحي. والمقصود بالسياسة هنا ليست سياسة السياسيين بالطبع بل الالتزام الاجتماعي. التزام تستشفّه سواء كان مضمون المسرحيّة محاكاة لواقع تاريخي أم خرافة بعيدة الاحتمال، التزام تستشفّه في الكلمة وفي حركة الجسد الراقصة. فالمسرحيّة كلمة تُنطق في الساحات العامة أمام جمهور واسع، وللكلمة كما نعلم أثرٌ في النفوس والضمائر عميق. أثرها في الأفراد والنسيج الاجتماعي برمّته.
هذا الالتزام الاجتماعي هو الخـيط الأحمر الذي تُبصره من عـــمل إلى آخر في أفينيون في هذه السنة ويُسمع صداه على ألسنة المــمثلين وفي حركة أجسادهم. وفي حين كان المهرجان يقدّم أعماله، حدث في فرنسا كما هو معلوم، على مقربة من أفينيون، في الرابع عشر من تموز، هجوم إرهابي في مدينة نيس أودى بحياة العشرات. وبدا حينذاك مهرجان أفينيون الذي ركّز هذه السنة على منطقة الشرق الأوسط، كأنه صدى لصراخ العالم.

رهبة ورأفة
يصحّ القول إن المسرحية الأولى التي افتتحت المهرجان في ساحة الشرف، وقد بهرت الجمهور، أثارت الرهبة والرأفة في الأفئدة، على حدّ قول أرسطو في تحديده قوانين المأساة. فأنت تسمع صمتاً يدوّي بالرهبة خلال ثوانٍ طوال قبل أن يصفّق المشاهدون الثلاثة آلاف، غالباً وقوفاً، للعمل المسرحي. وهو عمل ينطلق من سيناريو فيلم «الملاعين» للمخرج الإيطالي فيسكونتي معدّلاً إيّاه للتكيّف مع ضرورات الخشبة، وقد أخرجه أحد كبار مخرجي المسرح الأوروبيين، الفنّان البلجيكي إيفو فان هوف، ولعب فيه على الخشبة ممثّلو فرقة الكوميديا الفرنسية - وهي فرقة أسطورية الشهرة، فرقة موليير، وكانت قد غابت عن أفينيون منذ ثلاث وعشرين سنة. وحبكة القصة معروفة تروي تعانق الرأسمالية الصناعية والقوميات الفاشية في عرس من الدم، في ألمانيا أبّان الحرب العالمية الثانية.
تبدأ القصّة في العام ١٩٣٣ عند احتراق الرايشتاغ - مبنى البرلمان الألماني . هي ظاهراً قصّة عائلة ڤان إيسانبيك التي تملك مصانع الحديد والفولاذ في البلد والتي تعصف فيها العداوات والأحقاد والضغائن تغذِّيها الأطماع وحبّ السلطة فتشعل نيرانها التحوّلات التي تشهدها الساحة السياسية. وتُزاوج الحبكة بين تاريخ البلد، من احتراق الرايشتاغ وليلة السكاكين الطويلة إلى معتقلات داشو، وتاريخ الأفراد فتبدأ باغتيال كبير العائلة وتنتقل من حتف إلى آخر في حبكة شكسبيرية تعجّ بالجرائم من اغتصاب ومكائد وخيانات. تنتهي المسرحية عند صعود صغير العائلة النازي، المحتقر والمذلول سابقاً، الخاضع لنزوات أمّه وحبّها المستشرس للسلطة، بعد أن صفّى حساباته معها شرّ تصفية. في المشهد الأخير، يقف الوارث الجديد قبالة الجمهور الجالس على المدارج ويطلق نيران رشاشّه عليه خلال ثوان.
والمشهد خير دليل على معنى عودة المخرج هذه إلى سيناريو فيسكونتي في زمن تشهد الساحة الأوروبية من جديد صعود القوميّات. فالمسرحية تتحدّث عن عالمنا الحاضر كأنّها في استكشافها للرغبات والمطامع والأحقاد، تروم إلى إثارة انفعالات الجمهور في عمليّة تحذير واستكشاف لكوارث منتظرة ومرهوبة.
وإن كان العمل أميناً في استعادته حبكة فيسكونتي، فهو يبتعد كل الابتعاد عن إخراجه. وقد امتاز إخراج ڤان هوڤ بوضوح وبساطة وتكرار يجعله قريباً من شعائر الموت. فالساحة ثلاثة فضاءات. في الوسط سجادة برتقالية كأنها حلبة متّقدة بمطامع الشخصيّات ومكائدها والمكائد السياسية الكبرى. والفضاءان الآخران قاتمان ، بل سوداوان يبدأان عند الجانب الأقصى بمقاعد يتحضّر عليها الممثلون على مرأى من الجمهور قبل دخولهم إلى الحلبة، وفي الجانب الآخر، توابيت تنتظر أصحابها، منتظمة في خطّ مستقيمٍ مرعبٍ، يؤول إليها أفراد العائلة الواحد تلو الآخر، في شعيرة لا تتحوّل أبداً ، يقودهم إلى مثواهم الأخير رجال يلبسون بزّة سوداء ، كأنّهم ملائكة الموت. ويقترن المسرح بالفيديو الذي يرى المشاهد صوره على جدار القصر وهو يسجّل أدنى حركة في وجوه الممثلين، كأنّه يتحرّى المشاعر ويتوغل في أعماق الأفئدة، وقد يكون أرهب ما سجّل هو وجوه «الموتى» في توابيتهم وهم أحياء أموات ينتفضون ويتلوَون كأنَّهم يعانون من عذابات الجحيم. أمّا ممثلو الكوميديا الفرنسية وهم متّهمون بأكاديميتهم - والتهمة غالباً غير صحيحة - فقد لمعوا واحداً واحداً في أداء محكم تقشعرّ له الأبدان.

أجواء أوروبية
مسرحيّات أخرى أتت مختلفة كل الاختلاف في لونها وشكلها المسرحي عن «الملاعين»، لتتآلف معها فتدقّ كذلك ناقوس الخطر، محذّرة من آتٍ مخيف يهدّد المجتمعات الأوروبية. منها مسرحية «أحزان» للمخرجة البلجيكية الشابة آنّ - سيسيل ڤانداليم. فهي تفنّد الخطر نفسه، خطر صعود القوميات، في كوميديا تلقي الضوء على السبب الرئيسي في نظرها لهذا الصعود، وهو اكتئاب الشعوب. وقد مزجت المخرجة الواقع بالخيال، عالم الأحياء وعالم الأموات، في نوع من المسرح «البوليسي» المتماسك الحبكة، الذي يجذب المشاهد بتسلسل أحداثه اللاهث، كما يجذبه بمزجه لفنون المسرح والفيديو والموسيقى والغناء فيبدو العمل المسرحي عملاً فنيّاً كلّياً. وظاهرة مزج فنون الخشبة هذه ظاهرة عامّة تبنّتها أعمال مسرحية عدّة. ومنها أيضاً المسرحيّتان اللتان قدّمتهما المخرجة السويدية صوفيا جوبيتر، وكلتاهما تتحدّث عن العالم الغربي المعاصر في خوفه من الغريب من جهة وفي المجازر التي يفتعلها المراهقون من جهة أخرى. والمسرحيّتان لكاتبين مسرحيَين، الأولى لجيانينا كاربوناريو الرومانية، والأخرى للسويدي لارس نورين.

مسرح نسائي ملتزم
تميّزت هذه الدورة بعدد لا يستهان به من الوجوه النسائية قدّمت مسرحيّات ذات موضوعات ملتزمة. منها، إضافة إلى ما ذكرنا أعلاه، المخرجة مادلين لُوَارن التي تعمل مع المعاقين والتي كان لها معهم عودة إلى شخصية الملك لويس الثاني، ملك باڤاريا المجنون الذي رفض أن يكون ملكاً، فكان ملكاً غائباً عن الواقع كأنّه آتٍ من القمر. أو المخرجة ماوِيل بُووِيزِي التي تخيلّت انتخابات تطغى فيها الورقة البيضاء. وثمّة عمل نسائي ثالث يستحق كل الذكر هو عمل الكوريغرافية ماري شوينار الذي كان عملها الراقص بمثابة تفكير ثاقب عن المشي وكيف أنّ الخطو يحمل الجسد. وهو تفكير ينطلق من ذاك الاختلال الذي يصيب الجسد كلّه حين تضطرب الخطوة. التعثر والعرج وعلى رغم ذلك، الاستمرار في السير بلا هوادة في سير جماعي، ذاك فحوى كوريغرافيا شوينار التي تتميّز بنبل الروح التي أوحتها وبجمالية خلابة. و «الإخراج النسائي» يستحقّ الالتفاتة فقد اعتاد المسرح على الوجود النسائي في التمثيل، لا في الإخراج، وكأن أفينيون تعيّن بداية جديدة في هذا السياق.

----------------------------------------
المصدر : أفينيون - جوجين أيوب  - الحياة


تابع القراءة→

توظيف أساليب الإلقاء للممثل في العرض المسرحي المعاصر

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, أغسطس 01, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

توظيف أساليب الإلقاء للممثل في العرض المسرحي المعاصر
محمد كاظم الشمري           زيد ثامر عبد الكاظم
جامـعة بابـل/ كلية الفنون الجميلة


     الفصل الأول
 الإطار المنهجي
أولاً: مشكلة البحث 
      إن قواعد الإلقاء والإلقاء المسرحي منها ما هو عام لفن الكلام وفن المسرح في أية لغة من اللغات, ومنها ما هو خاص بكل لغة من اللغات , ذلك إن أصول التخاطب بين الناس وأصول التحاور على المسرح واحدة من حيث قواعد وأنظمة الصوت والإلقاء , لكن لكل لغة تراكيبها , فالإلقاء المسرحي جزء من بناء الدراما فالكاتب يكتب نصه المسرحي واضعاً في ذهنه أن كلامه المكتوب في نص سوف يلقيه (الممثل) على خشبة المسرح, ثم يفسر المخرج بأساليبه والممثل العرض المسرحي (بإلقاء الحوار) وإذن فان قواعد الإلقاء المسرحي يجب أن تربط بالفعل الدرامي عبر رسم الشخصيات وصوغ العرض المسرحي . وانطلاقاً مما تقدم فان الحاجة قائمة إلى دراسة المشكلة التي تكمن في التساؤل الآتي: 
كيف وظفت أساليب إلقاء الممثل في العرض المسرحي العراقي المعاصر ؟ً
  ثانياً: أهمية البحث والحاجة أليه
   يهتم البحث الحالي بـ:
أ- معرفة أسلوب الإلقاء الذي يتحدث به الناس سواء أكانوا ممثلين أم ملقيين. 
ب- معرفة سمات أداء الممثل من حيث الإلقاء والألفاظ ومخارج الحروف بما يخدم المجتمع.
جـ- يقدم منجزا معرفيا يفيد الدارسين والمختصين في المسرح والأدب.
د- يخدم طلبة كليات ومعاهد الفنون الجميلة في العراق ، فضلا عن نقاد المسرح والمهتمين بالفن المسرحي.
ثالثًا: هدف البحث 
يهدف البحث الآتي إلى تعرف:أساليب الإلقاء لدى الممثل وكيفية توظيفها في العرض المسرحي. 
رابعاً: حدود البحث:
1) مكانياً: بابل/ النشاط المدرسي.(2) زمانياً: 2008.(3) موضوعياً: دراسة أساليب الإلقاء للممثل وتوظيفها في العرض المسرحي المعاصر.
خامساً: تحديد المصطلحات 
- الأسلوب لغة:(Style): يعرفه (ابن منظور): "ما يقال للسطر من النخيل، وكل طريق ممتد فهو أسلوب ، فالأسلوب الطريق أو الوجه أو المذهب، يقال: انتم في أسلوب سوء أو تجمع أساليب. والأسلوب الطريق تأخذ فيه والأسلوب الفن، يقال: أخذ فلان من أساليب القول أو في أفانين منه" . 
- اصطلاحا: ويعرفه (الشايب) على أنه: "معان مرتبة قبل أن يكون ألفاظا منسقة وهو يتكون في العقل قبل أن ينطق به اللسان أو يحرى به القلم" .
    ويعرف أيضا: "هو الصورة اللفظية التي يعبر بها عن المعاني أو نظم الكلام وتأليفه لأداء الأفكار وعرض الخيال،أو هو العبارات اللفظية المنسقة لأداء المعاني" .

- الإلقاء:(Didacticism):يعرفاه (ماري الياس وحنان القصاب) على أنه: "كلمة مأخوذة من اللاتينية وتعني الكلام، وتستعمل للدلالة على فن اللفظ أو طريقة الكلام أو طريقة إلقاء الشعر أو النثر" .
    يعرفه (كحيلة) بـ: "التفوه بالكلمات ، وهو يقوم بإبراز المعنى من خلال إلقاء طبيعي يشبه العادي، ويختلف باختلاف مدارس الأداء والتمثيل" .
    أما الإلقاء في المسرح: "هو فن لفظ النص المسرحي ، ومقوماته مهارة نطق مخارج الحروف وحسن استخدام نبرة الصوت ونغمته وشدته وسرعة الكلام وإيقاعه. وتتفاوت طبيعة الإلقاء في المسرح ما بين إبراز قيمة الصوت كعنصر سمعي في لفظ اقرب إلى الترتيل وهذا هو التنغيم ، وبين إبراز المعنى من خلال إلقاء طبيعي يشبه لهجة الحديث العادي ، وذلك تبعا لاختلاف مدارس التمثيل" .
  أسلوب الإلقاء المسرحي إجرائيا: هو كل ما يلفظه أو يتكلم به أو ينطق به الممثل المسرحي من معاني وألفاظ ممكن أن تبرز صوته ونبرته وشدته وسرعة كلامه وإيقاعه ، وفق أساليب خاصة ومنوعة يضعها المخرج لتدريب ممثله.       
الفصل الثاني
 الإطار النظري
المبحث الأول: أساليب الإلقاء المسرحي       
   يعتبر فن الإلقاء عاملا مهماً على خشبة المسرح وهو جزء لا يتجزأ من فن التمثيل بل هو احد أدواته الفنية, فالهدف الرئيسي الذي يصبوا إليه الممثل من خلال وسائله الفنية وخاصةً الإلقاء هو أن يوّلد القناعة لدى الجمهور بأبعاد الشخصية التي يجسدها وبالأقوال والمشاعر التي تقدمها تلك الشخصية فـ"ليست مهمة الفنان أن يعرض مجرد الحياة الخارجية للشخصية التي يؤديها بل لابد أن يتلائم بين سجاياه الإنسانية وبين حياة هذا الشخص الآخر, وان يصب فيها كلها من روحه هو نفسه , إن الهدف الأساسي الذي يهدف إليه فننا هو خلق الحياة الداخلية للروح الإنسانية, ثم التعبير عنها بصورة فنية " .  ويأتي تعبير الممثل بالإضافة إلى حركاته وإيماءاته (إلقائه) فإن فهم الكلام قبل إلقائه أمراً لابد منه لأن العملية تتم ضمن إطار الفن الدرامي فلا مناص للممثل من الإيمان بالكلام الذي سيلقيه على مسامع المتفرجين والذي يتضمن جملة من الأفكار والمشاعر ليس إيمانا مجرداً بل إيمانا صادقاً فيما يلقيه من حوار بعد التعرف على أبعاد الشخصية الطبيعية والنفسية والاجتماعية وصفاتها بالسلوك والتصرفات وطريقة الكلام, فعلى الممثل أن يتعرف على العناصر التي تجذب السامع وتثيره من اجل إبراز القيم الدرامية المختلفة . كلنا يستطيع أن ينقل أفكاره وأفكار غيره إلى السامعين أو المشاهدين بوسائل متعددة , أما عن طريق الخطابة أو الإنشاد والغناء أو الإشارة , ولكن ليس باستطاعة كل منا أن يتقن فن الإلقاء, بحيث يصل إلى هدفه من نقل أفكاره أو أفكار غيره بشكل واضح ومحدد, ومن ثم التأثير على السامعين أو المشاهدين بحيث يتفاعلون مع هذه الأفكار, فالإلقاء يعتبر الوسيلة الوحيدة والفعالة في مخاطبة الجماهير كونه يجسد الأفكار والأحاسيس والأهداف بشكل معين, ولفن الإلقاء أربعة أساليب هي(أسلوب الإلقاء الخطابي, أسلوب الإلقاء الشعري,أسلوب الإلقاء القصصي, أسلوب الإلقاء التمثيلي).

    أسلوب الإلقاء الخطابي:
    كان الإلقاء في هذا الأسلوب عن طريق الخطابة وهو الشائع في بادئ الأمر حيث كان للخطابة أصولها وقواعدها التي يجب على الخطيب أن يراعيها أثناء إلقائه لخطبته , ولذلك اشتهر العرب أيام الجاهلية بالخطابة, حيث كان أكثر شعرهم يلقى على مسامع الناس بشكل خطابة وسط الأسواق ثم امتدت عبر العصور الإسلامية متأثرة في تلك الفترة بالأحوال السياسية التي كانت تسود المجتمع . فقد كانت الحاجة إلى الخطابة قائمة خصوصاً في الحياة الاجتماعية كفض للنزاعات التي كانت تحدث بين القبائل آنذاك بالإضافة إلى نشر الأفكار وتحريض الناس على أمراً معيناً , فالدين الإسلامي اعتمد على الأسلوب الخطابي في نشر تعاليمه حتى وصل إلى باقي المجتمعات التي تفتقر إلى الكتابة وأصولها, وبمرور الزمن أصبحت الخطابة الأسلوب الأمثل لمخاطبة الناس في جميع الفترات , فالخطيب كثيراً ما كان يعول عليه الناس لتشجيعهم وشد أزرهم في كثير من الأمور الحياتية لان الخطيب يعرف أكثر من غيره كيف يتمكن من إثارة الحماس في نفوس المجتمع . وللإلقاء الخطابي أنواع عديدة نذكر منها الأهم وهو الإلقاء الخطابي الديني والإلقاء الخطابي السياسي, ويختلف أسلوب إلقائهما تبعاً للمادة الملقاة , ويتحدد أسلوب الإلقاء الخطابي بنقاط ثلاثة وهي: 
1) أن يتلائم الأسلوب مع الفكرة العامة للخطبة, فإذا كانت حماسية احتجنا إلى صوت قوي , وتسارع في الأداء, وإذا كانت دينية احتجنا إلى صوت دافئ وسرعة بطيئة. 
2) إن يتلائم الأسلوب مع السامعين من حيث ثقافتهم وتقبلهم للموضوع المطروح في الخطبة , فالأسلوب الذي نتعامل به مع عامة الناس,غير ذلك الذي نتعامل به مع طبقة مثقفة منهم. حيث أن في هذه الحالة لا نحتاج إلى تبسيط الأسلوب وإلى إيراد تفاصيل لا ضرورة لها. 
3) ملائمة الأسلوب للخطيب نفسه: فيعرف الخطيب قدرته في التعبير, ومدى قوة صوته, وتمكنه من موضوعه الذي يعالجه, وثقته بنفسه وإيمانه بما يقوله في الخطبة , فضلاً عن قدرته في مجابهة المواقف الطارئة, وقدرته اللغوية من حيث سلامة اللفظ وضبط أواخر الكلمات ضبطاً صحيحاً .  
    ويعتمد الأسلوب الخطابي بالدرجة الأولى على إيصال المشاعر أكثر من اعتماده على نقل المعاني, الأمر الذي يلزم الخطيب بدراسة العوامل النفسية التي تحرك نفوس الجمهور وطباعه , وكلما كان شعور الجمهور موحداً, سيطرت عليه روح الجماعة.  
أسلوب الإلقاء الشعري: إن المعرفة اللغوية تشمل معرفة تامة بقواعد اللغة وفنون نطق الحروف بصورتها السليمة, وتشمل كذلك معرفة كيفية تقطيع الكلام وفق العلامات الترقيمية المختلفة, وإدراك معنى كل علامة من هذه العلامات, بالإضافة إلى ما يقتضيه الإلقاء من تقطيع أن الإلقاء الشعري له خصوصية قد تتميز عن سابقتها وهو أن يوّلد القناعة لدى المتلقي من خلال التعبير عن الكلمات بوساطة الإلقاء الصحيح الموحي بالأفكار والأقوال والمشاعر التي تتضمنها القصيدة وبذلك سوف يصل بإلقائه إلى مرحلة التعبير الفني المبدع, فان معرفة الملقي وإلمامه بأصول وقواعد الإلقاء الشعري سوف يقوده إلى النجاح في مهمته الفنية, لذلك على الشاعر ضرورة الالتزام بان يكون لفضه رشيقاً عذباً وفخماً سهلاً وان يكون المعنى ظاهراً مكشوفاً وقريباً لان الرشاقة والعذوبة في اللفظ تعني الخفة والسهولة في ولوج الإسماع وحسن التقبل بحيث لا تخدش إذن السامع بل يترك فيها حالة من النشوة النفسية توّلها موسيقية الحروف المكونة لتلك اللفظة , فالشعر الموزون والمقفى يثير المشاعر والانفعالات الإنسانية بالصورة الخيالية التي يقدمها الشاعر , وهو بهذا إنما يخاطب العاطفة أكثر الأحيان , فالشرطان اللذان يجب توفرهما في الشعر هما الوزن والقافية والاتصال بالشعور .     
إن حُسن الإلقاء الشعري إنما مصدره تفاعل الملقي مع ما في الشعر من صورة بلاغية وخيالية, فالشاعر عندما يلقي إنما يلجا إلى صدق الشعور في إبراز الانفعالات ويستعين بتجاربه الحيوية القريبة الشبيهة بمعاني الشعر الذي يلقيه وهو ما يسميه ستانسلافسكي بالذاكرة الانفعالية . إن جمال الشعر يعتمد على جرس الكلمات وهو الخاصية الصوتية التي تعطي للكلمات دلالة معينة , فعلينا مراعاة القواعد الضرورية عند إلقائنا الشعر حتى نصل إلى ما نصبوا إليه من إيصاله إلى المتلقين حيث توصيل المعاني إليهم , والتأثير عليهم بشكل واضح, ومن هذه القواعد:     
1) توفيرا لسيطرة التامة على التنفس بأخذ الشهيق الكافي والاقتصاد بإخراج الزفير.  
2) توفير قوة الصوت الكافية.. ويعتمد هذا على سعة المكان وعدد السامعين.
3) الوضوح التام في النطق .. والتركيز على الكلمات المهمة. 
4) إن لا نقف عن الإلقاء عند نهاية كل شعر وإنما عند تمام المعنى .
أسلوب الإلقاء القصصي:
     يعتمد هذا الأسلوب على التأني في اللفظ في النطق , والتقرب إلى قلوب السامعين , وقد يختلف هذا الأسلوب تماماً عن الأساليب الباقية , وقد يكون عنصري الزمان والمكان في هذا الأسلوب مهمين جداً فضلا عن الفئة من الناس اللذين توجه إليهم القصة , فعندما توجه القصة إلى الأطفال عليك أن تكون أكثر لطافة وتأني في إلقائك محاولاً الوصول إلى ذهنية الطفل واستيعابه, أما إذا كانت القصة تلقي على جمع من الناس ينبغي الالتجاء إلى دفع الصوت بقوة لكي يصل إلى أسماعهم, وإذا كانت القصة تلقي بأجهزة الصوت كالمايكروفون مثلاً فعلى الملقي أن يقسم طاقة الصوت لديه حتى يصبح الصوت واضحاً للجميع وبدون تضخيم . وعلينا أن نميز بين السرد والحوار , فإلقاء الحوار يتطلب منا أن نلجأ إلى الأسلوب التمثيلي عن طريق تمثيل الشخصية في إلقائها لقصتها, أي التلوين من حيث الصوت وأسلوب الإلقاء . ذلك إن كل شخصية خصائصها المميزة عن غيرها من الشخصيات, ولا تخلو أي قصة من عنصر المفاجئة إذ يقتضي التأكيد والتمهيد للمفاجئة بطريقة الإلقاء والاهتمام بالوقوف والتركيز الذي يساعد الملقي على إظهار الذروة , ولكي ننجح في ذلك علينا أن نعبر بصدق في أصوات الشخصيات الموجودة في القصة , أي أن يأخذ أسلوب الإلقاء طابع التقمص والتقرب من الشخصيات الموجودة في الرواية أو القصة , أيّ كان تلك الشخصيات , فهذا عنصر مهم في تشويق السامع في أسلوب الإلقاء القصصي, لاسيما إذا كان السامع من الأطفال . 
أسلوب الإلقاء التمثيلي: إن الإلقاء التمثيلي "فن من الفنون , وان لكل فن مؤهلاته وأصوله والفن التمثيلي يعتمد أولاً على الموهبة التي لابد من توافرها في الشخص لكي يكون فنانا وثانياً يعتمد على الإبداع والمقصود هنا بالإبداع هي التلقائية في تنفيذ العمل الفني, فالإلقاء لا يعتبر فنناً إذا لم يوضع في موضع خاص أي عندما يكون هناك من يتلقى ذلك العمل ويستجيب له" . إن لغة المسرح مثلها مثل اللغة في بقية الفنون, فإذا رجعت إلى كتاب (أرسطو) فن الشعر لوجدته يتناول بتحديد الخصائص اللغوية لفن المأساة وبدقة متناهية كما ويتناول أساليب الصياغة والأوزان الشعرية التي تنصب جماليات التراجيديا في قوالبها, وتنبع خصوصية لغة المسرح من طبيعة فن المسرح ومن أسلوبه في التواصل مع المتلقين فالمسرح ليس فناً مقروءاً أو مسموعاً, بل فن مرئي أيضا ويخاطب في لحظة واحدة جمعاً كبيرا من الناس بمختلف الأذواق والثقافات والانتماءات, ولأن المسرح تمثيل للحياة الواقعية فهو بالتأكيد ليس مثلها ولكنه يجب أن يقنعنا بأنه يكثفها ويلخصها , وإذن , فأن اللغة التي تتكلمها الشخصيات على المسرح هي بالتأكيد غير لغة الواقع, ولأنها غير لغة الواقع وجب على الممثل أن يلقيها بتهذيب وان تكون الكلمة الملقاة على مسامع الناس تتصف بالجمال, وان تكون موزونة مترابطة مع بعضها البعض تنمي ثقافات السامع وتزيده من خبرته في الحياة .  
      عندما بدأ التمثيل عند الإغريق كان الحوار المنشد عبارة عن شعر, أي أن الإلقاء المنشود كان منغماً حيث ظهر لنا من خلال الاحتفالات التي كانت تقام تكريما للإله (ديونيزيوس) اله الخصب والخمر والنماء، وفي هذه الاحتفالات كان اليونانيون القدماء " يجتمعون لكي يحتفلوا بعيد قطف العنب ويطوفوا بشوارع المدن وإنحاء الريف وهم يمرحون ويرقصون ويرتجلون الأناشيد ويتغنون للإله" . حيث كان الشاعر الأول آنذاك (ثيسبيس): "يعرض إشعاره على عربة في الطرقات وبذلك أصبح رمزا للممثلين الجوالين" . وكانت أول خطوة نحو الإنشاد الجماعي أي (الكورس), وتطور الفن التمثيلي عند الإغريق شيئاً فشيئاً على يد شعراء الإغريق (اسخيلوس, سوفوكليس, يوربيدس) حتى تخلص الإلقاء من النشيد رويداً رويدا غير انه اتخذ أسلوباً آخر أشبه ما يكون مسرحا غنائيا في لغة فخمه يطلق عليها (كلاسي) أي النطق بالفخم والجرس الرنان, أما في عهد الرومان فقد كانت الفخامة واضحة في كل مجالات الفنون فالمباني شاهقة مرتفعة والأعمدة والتماثيل الكبيرة كل ذلك كان فيه مبالغة , ولا يمكن أن يكون كلام الناس وأصواتهم وإلقائهم إلا تماشياً مع هذا الجو ومرتفعاً له , وفي العصور الوسطى عصر الكنيسة كلنا نعلم أن الفن التمثيلي نشأ من الوسط الديني وكل كلام أو حوار يتناول المواضيع الدينية لابد أن تتصف بالفخامة والتلوين في الصوت والإلقاء , لذلك أن رجال الدين على مر العصور يعتمدون في إلقائهم لخطبهم ومواعظهم على التلوين والترتيل والتفخيم في الصوت لكي يكون معبراً  . أما العرب فقد استخدموا الإلقاء التمثيلي منذ أقدم العصور كما كان يفعل الحكواتي في تقليد الأصوات والحركات البهلوانية, ولا ننسى أن أسلوب إلقاء الحكواتي كان أسلوباً قصصياً ولكنه ممتزج بالأسلوب التمثيلي , من خلال تقمصه للشخصيات التي يقلدها بصوته , ويمكن القول أن الإلقاء التمثيلي عند العرب أول الأمر يعتمد على تقمص شخصيات مختلفة عن طريق الصوت وطريقة الكلام, وقد ظهر هذا النوع في مجالات عديدة مثل (خيال الظل, صندوق الدنيا, والقرة قوز) . 
     ما يزال الإلقاء المسرحي في كثير من النشاطات الدولية والمحلية , يحظي بأقلّ من العناية اللازمة له , كونه متروك على عاتق وطبيعة الشخص الموهوب , مع شيء من التدريب والتوجيه في التمارين المسرحية, فإذا به يظهر اضعف أركان المثيل, وكثيراً ما يخضع لغايات غير فنية , أي أن توظيفه بدون جدوى وفي غير محله , ففي الكثير من العروض المسرحية نجد تفاوتاً واضحاً بين الممثلين في صحة الإلقاء وإتقانه ومشاركته في الصياغة النهائية للمسرحية, وكثير من الممثلين يعتبرون الفعل المسرحي أهم من النطق بالكلمات أي إتقان الصوت وإلقائه , فالحوار وما يتبعه من صوت وإلقاء , واحداً من ابرز تقنيات الممثل أو تقنيات العرض المسرحي, فالممثل يقرأ النص على خشبة المسرح قراءة فنية إلقائية, وهذه القراءة الفنية هي التي توصل المعاني والأحاسيس . إن طريقة تلفظ الممثل للكلمات والجمل , ذات أهمية كبيرة في توجيه المعنى , فدور الكلمة على خشبة المسرح تستثير في الممثل مختلف المشاعر والرغبات والأفكار والصور الداخلية البصرية والسمعية وغيرها . هذه الصورة , يجب أن تتولد عند الممثل وتصل إلى الجمهور. إن معرفة الممثل فن الإلقاء على نحو عام وإلمامه بأصول وقواعد إلقائه يقوده إلى النجاح في مهمته الفنية فيما لو اسند إليه دور في مسرحية ما يتضمن أداء خطبة معينة , حيث أن فن الإلقاء لا يمت إلى فن التمثيل فحسب بل يشمل اغلب الأنواع الأدبية في حالة الأداء.. أو التجسيد الدراماتيكي من تمثيل . ويوصي (الكسندر دين) الممثل على تهيئة أعضائه الصوتية لأداء مهمتها , ويأتي في مقدمة ذلك التنفس , ثم الأعضاء الأخرى ابتداءاً من الحنجرة واللسان وعضلات الفكين والشفتين وكل ماله علاقة بعملية الإنتاج الصوتي لذلك, لابد من التمرين المستمر, ويضيف قائلاً: "يجب أن يتمرن الممثل على السيطرة على صوته بحيث يصبح استعماله الطرق الصحيحة تلقائياً وبلا توجس . والممثل الذي يتوجس خيفة من طبيعة صوته , سيمنع الصوت من العمل بحرية لينقل المشاعر بأمانة ويعبر عن الأفكار المطلوبة, وعلى هذا لا يقتصر العمل على تهيئة الصوت وجعله صالحاً معداً إعداداً فنياً , بل لابد من ممارسة التمارين التي تجعل الصوت مرناً ومسترخياً ومطواعاً وعند ذلك يصبح ممثلاً ذات صوت مهيأ ومتجاوب ومستعد لنقل أدق المشاعر" . وكلما كان كلام في المسرحية كان لابد من الإلقاء , والكلام في المسرحية الذي يلقيه الممثلون يتخذ أشكالاً متنوعة وهي (الكلام المنفرد, المناجاة, التجنيب أو الجانبية والحوار) فالكلام المنفرد هو مخاطبة الشخصية لنفسها لتنقل إلى الجمهور انفعالات ومشاعر من أعماق نفسها وليست من مادة دورها, أما المناجاة فهي كلمة طويلة يلقيها الممثل بمفرده على خشبة المسرح, ولا يشترط أن كلام تنطق به إحدى الشخصيات المسرحية في ظل شخصيات أخرى موجودة في العمل المسرحي , ويكون النطق بصوت مسموع ليس للشخصيات المسرحية بل للجمهور وللشخصية الناطقة بالفعل, أما الحوار فهو الكلام الغالب في نص المسرحية والذي يكاد يستغرق زمن العرض, إذ انه الحديث المتبادل بين الشخصيات والذي يشترك مع التعبير الجماعي في تكوين الأداء التمثيلي الموّلد للصراع والمطور للحدث وهو المحرك الدافع له .  
المبحث الثاني
الصوت والإلقاء للممثل في التجارب الإخراجية
    مما لا ريب فيه أن الممثل واحدا من العناصر المهمة والأساس في تشكيل صورة العرض المسرحي، ومن غيره لا يمكن للعملية الإخراجية أن تكتمل ، إذ إن فن الممثل يقوم على مبدأ المحاكاة أو تمثيل الآخرين، وذلك من خلال معايشتهم اجتماعيا ونفسيا وجسميا وصوتيا أيضا ، فضلا عن معايشة الممثل للشخصية المراد تأديتها، ولكل شخصية في دور صوت خاص بها، وصورة أو هيئة تخصه هو دون غيره، وكل صوت قادر على أن يعبر باللغة التي تناسب الشخصية وانفعالاتها التي يمليها الموقف الاجتماعي والنفسي والطبيعة الانفعالية وتفاعلها جميعا وفقا لإيقاع عام.    
    وتعد اللغة من المصادر التي يعتمدها الممثل في حواره، إذ إنها تتألف من "مجموعة من الإشارات التي تؤسس الجانب العلامتي للغة، وبدون تلك الإشارات تفقد اللغة كيانها العام وعدها الدلالي الخاص. فالإشارة كيان نفسي ولا وجود لها في ذهن الإنسان، وهي عبارة عن اتحاد عنصرين لا فاصل بينهما ، الدال والمدلول، فالدال هو الصورة الصوتية التي تنطبع مباشرة في ذهن السامع ، وهو بعبارة أخرى الإدراك النفسي للكلمة الصوتية، أما المدلول فهو الفكرة التي تقترن بالدال" . 
    ولكي تنمو الصورة الصوتية وفكرتها في إتقان فن الإلقاء والتدرب عليه ، عن طريق التحسس والتأثير والتأثر ما بين الملقي والسامع ، فضلا عن ذلك سوف تنمو ملكة التذوق بحب، يصبح الممثل قادرا على التمييز بين النصوص الأدبية والتعرف على خصائص كل منها، ومن ثم إصدار الأحكام عليها ومقارنتها مع غيرها من النصوص الأخرى. وحتى تنمو أيضا قدرة الإنسان على التأثير على الغير، والإحساس بالتجربة الشعورية كان لا مناص له أولا من أن يكثر من قراءة النصوص الأدبية على اختلاف أنواعها ، وأن يتفهم ثانيا ويستوعب مضمون ما يقرأ، وأن يتذوق ثالثا ما في هذه النصوص من جمال أدبي وتعبيري ، وما فيه من صور وخيال وألفاظ موحية بالمعنى، ورابعا أن يكون لديه القدرة على التمييز بين نص أدبي وبين غيره من النصوص الأخرى باستكماله عناصر الفن الأدبي من تجربة شعورية . وبهذا سوف نتطرق في هذا البحث إلى بعض المناهج الإخراجية ونظرياتها لدى المخرجين عن صوت الممثل وطريقة إلقائه.

 يختص منطق الإلقاء عند (ستانسلافسكي) بعدة قوانين وهي: 
أ‌) تحديد المعنى بشكل دقيق وواضح للمحتوى اللغوي ، ومثل هذا الإلقاء يسمى أيضا بـ(الإلقاء السليم أوالفكري).
ب‌) خطاب الأفكار فيه يحدد الفعل اللغوي بتأثيره وبشكلٍ واعٍ على عقل المشارك.
ت‌) ليس مهما في الإلقاء المنطقي معرفة السرية الكامنة تحت النص أو الكلمات ، وإنما معرفة نسق الوقع الموسيقي ، من اجل أن يصبح الصوت مادة دراسية بقية ، تفتقر إلى المحسنات وجرس اللغة ، على الرغم من اقترابه فيزيائيا لا موسيقيا.
ولكي تفهم طروحات المخرج (ستانسلافسكي) حول قوانين (الإلقاء المنطقي) ينبغي معرفة المبادئ الأهم في منظومته وهي: 
1) إن الشكل المسرحي يلقن من قبل المضمون الداخلي للإلقاء. 
2) العلاقة العضوية بين الجسد والروح ، والعثور على الشكل الخارجي الصادق ، يؤثر على معايشة الممثل.
3) من خلال تعبيرية النبرات إلى الرسم البارز لدور الممثل من الداخل ، وتوصله إلى انفعالية الحدث، وكذلك توصل إلى الطبائع من خلال الرسم الفونتكي وتعبيرية النبرات،أو اطراد الرذم وتونات العرض المسرحي.
    على الممثل في العرض المسرحي الواقعي أن يطوع ويلون أدائه وإلقائه وفقا لأساليب الأداء ، من اجل أحداث الأثر المطلوب على المتلقي، فضلا عن تكيف قدرته على التحوير والتوفيق والاختيار ، فعملية الإلقاء لا تأتي عبثا،بل تأتي وفق آلية معدة مسبقا، وفقا لقدرات الممثل نفسه، وبقصد تحقيق فهمه للدور أيضا ، وكذلك ضمان التأثير في المتلقي، وكفالة الجرس العذب الجميل للكلمات المسرحية. وعليه أيضا في ضوء ذلك كله أن يعي دائما بما يلقيه من اجل إيقاظ ملكاته وقدراته بصورة مستمرة ، ومن اجل استذكار العمليات المخزونة في الذاكرة الانفعالية، بكفاءة عالية عن طريق التعبير والاحتفاظ والتوازن عاطفيا وانفعاليا .  
ثانيا: فيسفولد مايرهولد (1874-1940)
يؤكد (مايرهولد) على قواعد الإلقاء لديه وهي:  
1) الكلمات توقع على البارد ، بعيدا عن اهتزازات أو تقمصات، وبعيدا أيضا عن أي توتر أو إيقاعات حزينة.
2) يجب أن يكون الصوت مسنودا من الحجاب الحاجز ، كما يجب إلا ينتهي الصوت بتطويلات كذلك التي يحدثها الملقي السيئ.
3) التأكيد على الارتعاشات الروحية التي تحدث في المسرح القديم، وهذه الارتعاشات يجب أن تنعكس في كل جزء من أجزاء الجسم (العين ، الشفاه ، والصوت أيضا ، وفي طريقة إلقاء الحروف).
4) ترتبط الارتعاشات الروحية ارتباطا وثيقا بالشكل الخارجي لأداء الممثل.
5) اللحظة التراجيدية تؤدى بابتسامة، أي الخروج من التقمص اللاتقمص. 
    استطاع (مايرهولد) أن يؤسس أسلوبا جديدا في الأداء الصوتي والحركي، عرف بأسلوب (البيوميكانيك) من اجل دمج كل خبرته المسرحية في انتقاء وابتكار تمارين خاصة للممثل، وهذا الأسلوب الجديد في أداء الممثل يعمل على خلق جمالية النتاج الفني من جهة ، وبين آلية الأداء التي صيغت شعريا وخطبت بالخلود من جهة أخرى، أنه أسلوب يختلف عن الأداء التمثيلي وفقا للطبقة المقصودة كما كان سابقا، والعمل في المستقبل لأوضاع الإنتاج ، أي أن الكلمات يجب أن تعبر عن روح العصر الحالي ، فمبادئ (البيوميكانيك) تفسر في روح الإنتاجية في عشرينات القرن العشرين، مستمدة من العلوم الأساسية. فممثل المستقبل عند (مايرهولد) "إن كل الحالات النفسية تتحدد عبر عمليات فيزولوجية معينة وعند التوصل لمعرفة طبيعة الحالة الجسمانية يتمكن الممثل من بلوغ ذلك الوضع الذي يمكنه من الإحساس بالإثارة ، ومن ثم نقلها إلى المشاهدين لحثهم على المساهمة في الأداء التمثيلي بتفاعلهم معه" .  
  يفهم أن أسلوب (مايرهولد) الجديد جاء ليوصل ما بين أسلوب المعايشة (الاندماج) بالأسلوب الراديكالي ، أي أنه محاولة ومزاوجة ما بين العاطفة والانفعال من جهة ، والأداء السردي التعليمي المعرفي من جهة أخرى ، مما خلق نوعا جديدا من الأداء يطلق عليه بالأسلوب الشرطي أو التعبيري وأحيانا بالتركيبي.  
ثالثا: برتولد بريخت (1898-1956)
يكاد يختلف أسلوب المعايشة (الاندماج) الذي جاء به (ستانسلافسكي)،عن الأداء الراديكالي الذي أكد عليه (بريخت) من خلال الفصل بين أداء الممثل والدور ، خارقا بذلك مبدأ الإيهام ، ومن ثم عزل الممثل عن الشخصية التي يجسدها، وهذا العزل ليس شيئا كافيا ، بل يضاف له أسلوب السرد كطريقة أخرى في الإلقاء، ثم تعاد عملية الاتصال بين الممثل والدور. وعملية الاختلاف بين الأدائيين ليس مشكلة بحد ذاته، بقدر ما توجه الممثل في المسرح الملحمي مخاطبة عقل المتلقي، من اجل الهدف المعرفي التعليمي. وبهذا أصبح هناك طريقتين في الإلقاء، الأولى تخاطب العاطفة والانفعال وهذا ما تبناه أصحاب المدرسة الواقعية، والثانية تخاطب المتلقي بصورة سردية وهذا ما تبناه أصحاب المدرسة الملحمية .  
يتعين على الممثل في المسرح الملحمي، أن يتعلم النطق الصحيح والإلقاء الصحيح الذين يتمتعان بأهمية استثنائية لأغلب الممثلين ، وعليه أن يراعي:  
1) أن يتحدث بصورة مسموعة وواضحة. فالمسألة هنا لا تتعلق بالتلفظ للحروف الصائتة والصامتة فحسب ، بل تتعلق أيضا وبصورة خاصة كذلك بالفهم الصحيح لما يقال.
2) إذا كان الممثل الذي يتقن النطق لم يتعلم في الوقت نفسه أن يوصل إلى المشاهد معنى ردوده خلال الحوار، فإن تلفظه سيكون ميكانيكيا.
3) سيفقد الممثل إلقائه الجيد معناه ، إذا لم يجيد إتقان النطق مع معناه ، وعدا ذلك فإن وضوح النطق كشيء قائم بذاته له وجوه متعددة ودرجات متعددة أيضا، أي أنه يختلف باختلاف طبقات المجتمع.
يفهم أن على الممثل عندما يريد تجسيد شخصية معينة سواء أكانت (فلاح، مهندس، معلم) أو ما شابه، عليه أن يفهم ويتعلم طريقة الإلقاء على خشبة المسرح ، من اجل أن يسعى دائما وأبدا إلى التلاعب بمخارج النطق والألفاظ من اجل أن يوصل إلى الناس لغة مفهومة وواضحة ويسيرة ، لأنه يعرف بأن المجتمع الذي يحيطه هو مجتمع واحد. 
رابعا: جيرزي كروتوفسكي (1933-      )   
 إن عملية نقل الصوت لا تعتمد فقط على قوة الإيصال ونقله إلى المتلقي ، بل عليه-أي الممثل- أن يجسم صوته لكي يتفق آليته وفق معطياته الخاصة به، وحتى يخرج الصوت أيضا على شكل ترسيمات وتقاسيم لا يستطيع المتلقي ايتانها ومحاكاتها ، لذا على الممثل أن يتقن شرطين أساسين لنقل الصوت وهما: 
1) عمود الهواء الناقل للصوت يجب أن ينطلق بقوة وبدون مجابهة صعوبات (أي عوائق نفسية).
2) يجب تضخيم الصوت بوساطة جهاز تضخيم الصوت الفسيولوجي، وهذا كله يرتبط ارتباطا وثيقا بالنفس الصحيح. 
  يقول (كروتوفسكي) بأنه علينا "أن يولي قوة نقل الصوت عناية خاصة بحيث لا يسمع المشاهد صوت الممثل بوضوح وحسب، بل أيضا لينفذ إليه وكأنه صوت مجسم. كما يجب أن يكون المشاهد محاطا بصوت الممثل وكأنه يأتي من كل صوت ، وليس فقط من النقطة التي يقف عليها الممثل" . 
يصنف (كروتوفسكي) الصوت إلى طريقتين، "احدهما ملائمة للممثل، والأخرى ملائمة للمغني أو الملقي ، وهذا يعني أن مهام كلا الاثنين تختلف ، فكثير من مغني الأوبرا يعجزون عن إلقاء خطبة طويلة من غير أن يجهدوا صوتهم ، ولذلك يتعرضون لخطر (البحة) لأن صوتهم مصنف للغناء لا للإلقاء (في المسرح)" . بمعنى أن الممثل يعرف كيف يتحكم بصوته، أي لا يصغي إلى صوته من داخله بل من الخارج، لا يصغي إلى الصدى بصورة سلبية (الرنين) يتعمد التأثير فيه عن طريق الاقتراب والابتعاد عن حائط المسرح ورفع الصدى أو خفضه وفق ما يريد وتبديل أجهزة تضخيم الصوت وطبقاته.
يؤكد (كروتوفسكي) بأنه: "لا يوجد فرق أساسي بين الإلقاء في الشعر والنثر المسرحيين ، ففي كلا الحالتين يشتمل الإلقاء على الإيقاع والتعبير والنبرة المنطقية" . ويفهم أن عملية التفسير والاختلاف لا تتم وفق بنائية النص شعرا أم نثرا ، وإنما وفق آليات الإلقاء نفسها عن طريق تفسير الإيقاع وأنواعه، وأيضا عن طريق التعبيرات الصوتية والنبرات المنطقية التي يرددها الممثل أثناء أدائه ، وصولا إلى جاهزية تراتبية تكاد تتفق وأسلوبه المناط به وفقا للمخرج ووفقا لإمكانياته هو. 
خامسا: لي ستراسبيرج
على الممثل أن يوازي بين جهدين عضليين ، الأول حركي والثاني صوتي ، وهذا يتطلب كثيرا من الإدراك والوعي من اجل الوصول إلى التركيز، لهذا يقول (ستراسبيرج) "على الممثل أن يكرر حركته ، وأثناء حركة الممثل عليه أن يصدر أصواتً، ولا أعني هنا الأصوات مقاطع والحان الأغنية ، وإنما أعني كل ما يمكن أن يصدره الممثل من أصواتً ، ويجب أن تساوي هذه الأصوات الجهد الذي تبذله العضلات ، فقد اكتشفت أن النغمة والأصوات ترتبطان بجهد العضلات المبذول ، ولا يجب أن تؤدى بشكل منفصل عن هذا الجهد" . وعليه أن يكون الممثل له القدرة من الوعي والتركيز والانتباه في كل حركة يؤديها أو صوت ينطقه ، من اجل الوصول إلى فهم معنى النظرية أو المنهج الذي تعلمه. 
يرى (ستراسبيرج) في الممثل: "لا يمكن تمثيل المشاعر بل يجب على الممثل أن يسترجع مشاعر حقيقية يوظفها في أدائه ، يجب عليه أن يبحث في أعماقه عن الذاكرة التي ستشير فيه الشعور المناسب للدور أو الحالة التي يؤديها ، وحالما تبدأ مشاعره بالتدفق، فإن عملية التمثيل لا تعد كونها تشكيلا لهذا التيار من المشاعر الحقيقية ، بمعنى أن المقصود هو الذاكرة الشعورية وليس الذاكرة الذهنية" .
تعد مشكلة التعبير لدى الممثل وكيفية وصولها إلى المتلقيين مشكلة قائمة بحد ذاتها ، لهذا جاء (ستراسبيرج) بمجموعة من الأساليب الفنية ليسوقها تحت مسمى عرف بـ(التدريب على اختلاف الانفعالات) وفقا لطريقة تتلخص في أن يجعل الممثل على وعي بعجزه عن التعبير الصحيح ، على الرغم من قدرته الفائقة على الخيال والتعبير العاطفي ، وأهم مظاهر هذا العجز عن التعبير:  
1) التعبير بالكليشيهات أو الانفعالات المحفوظة المتكررة والجاهزة.
2) عجزه في إيجاد الوسائل التي يعبر بها عن الاستجابات الصوتية والحركية.
3) التعبير العفوي الناتج عن توتر عصبي.
4) إجبار الممثل نفسه على الإحساس.
وحتى يتخلص الممثل من هذا العجز بكل مظاهره الأربعة ، جاء المخرج بتدريبات شد الانتباه المثيرة والتي عرفت بـ(الرقصة والأغنية)، إذ يقوم الممثل بالغناء مع الاحتفاظ باللحن ، ثم يبتعد عن البنية الأساس للأغنية ، ثم نطق كل مقطع على حدة ومنفصلا عنها تماما ، وبعد ذلك يوازن ذلك بحركات إيقاعية من دون تخطيط أو تنظيم مسبق، وصولا إلى أن يعد الممثل نفسه كآلة موسيقية مدربة وطيعة ولينة . 
 المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري:
1- إن من الأمور التي يتحلى بها الممثل، الإيمان والصدق لفهم الكلام وأبعاد الشخصية (الطبيعية-النفسية-الاجتماعية) وصفاتها من خلال السلوك والتصرفات وطريقة الكلام عن طريق التعرف على جذب وإثارة انتباه المتلقي من اجل إبراز القيم الدرامية.
2- يشكل الإلقاء احد الوسائل الأساسية والفعالة في مخاطبة الجماهير عن طريق الخطابة ، الإنشاد ، الغناء والإشارة.
3- يتحدد أسلوب الإلقاء الخطابي عن طريق الملائمة مع الفكرة العامة للمادة الملقاة ، الملائمة مع المتلقي والملائمة مع الملقي عبر أسلوب قوي ومتسلسل وفخم.
4- يختص أسلوب الإلقاء الشعري بتوليد القناعة التامة لدى المتلقي من خلال التعبير عن الكلمات ، بوساطة الإلقاء الصحيح الموحي بالأفكار والأقوال والمشاعر التي تتضمنها القصيدة.
5- يمتاز أسلوب الإلقاء القصصي بالسرد والحوار ، معتمدا في ذلك على عنصري الزمان والمكان ، والمهم أن يلجأ القاص إلى إلقاء الحوار الذي يقود إلى الأسلوب التمثيلي عن طريق تمثيل الشخصية في إلقائها لقصتها وعن طريق التكوين (الصوت-الأسلوب) أيضا.  
6- يتسم أسلوب الإلقاء التمثيلي بالتفخيم والجرس الرنان ، عن طريق حوار الممثل المسرحي ، معتمدا في ذلك على صوته وإلقائه ، ويشتمل في ذلك (الألفاظ-الجمل-الكلمات) من اجل تجسيد الشخصية بصورة كاملة.
7- يختص منطق الإلقاء في مسرح (ستانسلافسكي) على معنى الإلقاء، خطاب الأفكار ومعرفة نسق الوقع الموسيقي بغية أن يصبح  الصوت مادة درامية.
8- يؤكد (مايرهولد) في مسرحه على قواعد الإلقاء المسرحي عن طريق الكلمات، الصوت،الارتعاشات الروحية التي توحي إلى المسرح القديم واللحظة التراجيدية للتحول من التقمص إلى اللاتقمص. 
9- يفصل (بريخت) في مسرحه بين أداء الممثل والدور من اجل خرق مبدأ الإيهام، من اجل عزل الممثل عن الشخصية التي يجسدها ، فضلا عن أسلوب السرد كطريقة أخرى في الإلقاء، معتمدا على النطق الصحيح والإلقاء الصحيح.
10- يتحتم على الممثل في مسرح (كروتوفسكي) إلى تجسيم الصوت، فضلا عن قوة الإيصال ونقل الصوت من اجل أن يتفق مع آليته وفق معطياته الخاصة به، وإتيان القوة والتفخيم في سبيل ذلك. 
11- يجب على الممثل في مسرح (لي ستراسبيرغ) أن يوازن بين جهدين عضليين (الحركي-الصوتي) عن طريق الإدراك والوعي بغية الوصول إلى التركيز. 
الفصل الثالث
 إجراءات البحث 
أولا: مجتمع البحث
يضم مجتمع البحث (عينة البحث) التي أخرجها المخرج العراقي (محمد حسين حبيب).
ثانيا: عينة البحث:شملت عينة البحث مسرحية (هملت)، وقد اختار الباحثان المسرحية بشكل قصدي للأسباب الآتية:
1- تحقيق هدف البحث.
2- لأن النص معتمد ومشهور لأحد الكتاب المعروفين.
3- كونها شاركت بأكثر من مهرجان مسرحي محلي.
ثالثا: منهج البحث:استخدم الباحثان المنهج الوصفي التحليلي طريقة لاستخراج نتائج البحث.
رابعا: أداة البحث:سعى الباحثان إلى بناء أداة البحث لتحقيق هدفهما، لغرض الكشف عن أساليب الإلقاء للممثل في العرض المسرحي العراقي المعاصر، وقد قام الباحثان ببناء أداته وهي الاستبيان المغلق.
إجراءات بناء الأداة:استخدم الاستبيان المغلق كونه أداة تسمح للمستجيبين بالإجابة الحرة الكاملة ، ولتحقيق بناء أداة البحث أتبع ما يلي: 
1- جمع الفقرات وصياغتها:
أ- ما أسفر عنه الإطار النظري.
ب- الاطلاع على الكتب الفنية ذات العلاقة المباشرة بموضوع البحث.
جـ- إجراء المقابلات مع الأساتذة المختصين وذوي الخبرة، إذ تمت محاورتهم في موضوع البحث الحالي وتسجيل الملاحظات التي في ضوئها تم اعتماد بناء فقرات الأداة بصيغتها الاولية*. 
2- الاستمارة بصيغتها الأولية:بعد جمع معلومات الاستبيان المغلق وما حصل الباحثان عليه من مؤشرات الإطار النظري والكتب الفنية، قام الباحثان ببناء استمارة الاستبيان المغلق بصورته الأولية وقد اشتملت على (11) فقرة.
3- صدق الأداة:للتأكد من الاستبيان المغلق يصلح لقياس ما وضع لأجله ، فقد عرض الباحثان الاستبيان على لجنة من الخبراء* المختصين بمجال التربية المسرحية والتمثيل والإخراج والتقنيات المسرحية ، وقد قام الباحثان بتقويمها من قبلهم وتم حذف فقرة واحدة ، ومن ثم تم بناء الاستبيان المغلق من اجل عرضه على الممثلين.  
    وقد اعتمد الباحثان الصدق الظاهري لصلاحية فقرات الاستبيان، إذ إن احد الشروط التي يجب توافرها في أداة البحث هو الصدق ، إذ تعد الأداة صادقة إذا كانت بمقدورها أن تقيس فعلا الشيء الذي وضعت من أجله.
4- ميزان التقدير:وقدتم وضع تقدير ثلاثي للاستبيان على النحو التالي (كثيرا-أحيانا-نادرا) وقد أعطيت (3) درجات لـ(كثيرا) ودرجتان لـ(أحيانا) ودرجة لـ(نادرا)، ولذلك سيكون المتوسط الحسابي هو(2) ومتوسط حد المشكلة هو (5/2).
5- تطبيق الأداة:تم تطبيق الأداة بصورتها النهائية على مجموعة من الممثلين في العرض المسرحي وكان عددهم (9).
وقد طلب الباحثان وضع علامة (  ) أمام إحدى البدائل في ميزان التقدير.
6- الوسائل الإحصائية:
أ- النسبة المئوية لحساب تكرار الفقرات.
                               ت1×2+ت2×1+ت3×1                  
ب- استخدام معادلة فيشر (                             )
                                       ت ك
خامسا: ثبات الأداة: ولتحقيق الموضوعية في عملية التحليل ، سعى الباحثان للتأكد من ثبات الأداة وضعت الطريقتين الآتيتين:
أ- الإتقان مع ملاحظ خارجي (أحمد محسن كامل) والباحثان على النتائج التي تم التواصل إليها.
ب- إتقان الباحثان مع نفسهما عبر الزمن (لمدة أسبوعين).
سادسا: تحليا العينة
مسرحية: هاملت
تأليف: وليم جون شكسبير (1600-1601) 
إخراج: محمد حسين حبيب
مكان العرض: النشاط المدرسي/بابل
الزمن: 2008
    لطالما شكلت مسرحية (هاملت) على مستوى النص صراعا تراجيديا ، برز من خلاله خصائص العقدة المزدوجة والمركبة في بنية المسرحية ، إذ إن جميع القصص والعلاقات بين مختلف الشخصيات سواء أكان نفسيا أم اجتماعيا أم سياسيا قد نسجت نسجا محكما ، وتكافلت تكافلا منطقيا وسببيا ، فتارة هناك صراع (هاملت) و(كلوديوس) أو صراع (فورتنبراس) وحكومة (كلوديوس) وصراع (هاملت) و(اوفيليا)، فضلا عن صراع (هملت) بأمه، فتردد (هملت) في الانتقام وادعاؤه للجنون هو أساس الصراع التراجيدي ، مما خلق أزمة ميتافيزيقية أخلاقية تصادف زواج أمه المفاجئ من قاتل أبيه المغتصب لعرشه. 
     لقد رام المخرج (محمد حسين حبيب) في عرض مسرحية (هاملت) أن يمزج ما بين واقعية (هاملت) النصية وتجريبية (هاملت) كعرض، إذ ذهب إلى الخلط بين المستويين، فالمستوى الأول هو الصورة المسرحية والمستوى الثاني هو مستوى صوت إلقاء الممثلين ، فالصورة المسرحية لم تبق على حالها وفق تقنيات كلاسيكيات عصر النهضة ، بل صاغها بتقنية حديثة ألا وهي تقنية (الداتو شو) في مشهد موت (اوفيليا) ، ومستوى صوت إلقاء الممثلين وما يربطه مع حركة الممثلين وجهدهم العضلي.
     إذ اتسم أسلوب إلقاء الممثلين على خشبة المسرح على نحو مشاهد وشخصيات عدة ، فالمشهد الاستهلالي الذي ابتدأت به المسرحية، اتخذ أسلوب الإلقاء التقديمي، إذ لم يعهده النص القديم، بل أنتجه المخرج بأٍسلوبه الذي اعتمده في العرض ، فعزل الممثل عن الشخصية جاء وفقا لأداءً راديكاليا ، وشخصية (المهرج) قد شكلت عزلا عن بقية الشخصيات ، لكن هذا العزل ليس كافيا بمعنى أنه ليس متصلا، بل يأتي عن طريق صورة السرد في أغلب الأحوال، ثم يعود الاتصال بين الممثل والدور ، فخاطب ذلك المشهد/المشهد الاستهلالي عقلية المتلقي متوسلا هدفا معرفيا ، ومعطي لقناعة كافية ما لذلك المتلقي ، فطبيعة الإلقاء قد مهدت منذ اللحظات الأولى إلى تحول الأسلوب من السردي إلى التمثيلي أو من التقديمي إلى التمثيلي ، وطبيعة الإلقاء والمهارة الصوتية واختيار الطبقة الصوتية، وكذلك إيمان الممثل بما يلقيه هي عوامل أساسية تساعد على القبض على قناعة الممثل. فأسلوب السرد استخدم كأحد طرائق الإلقاء المسري في شخصية (المهرج) والتي أدها مجموعة من الممثلين، عن طريق الصوت والإيقاع ، من خلال صراع هذه الشخصية مع الممثل (ثائر جبارة) والذي جسد شخصية (هوارشيو)، وهذا الصراع قد شكل دلالة ومعنى محدد وفق قناعة المتلقي وحضور الممثل/صوته، مما جاء الأداء جيدا وفق تصاعده صوتيا وعلى طبقات عدة، ووفقا للنبرة والتنغيم والكلمات والجمل الموحاة. 
     أما شخصية (الشبح) التي أدها الممثل (غالب العميدي) فقد أعطت صفة التفخيم من خلال حواراتها التي جسدها عن طريق صوته، إلقائه، ألفاظه ، جمله وكلماته بغية خلق حالة من الخيال والشاعرية، إذ لطالما كان لظهور الأشباح في عصر النهضة له واقعه الشرير والواقعي على فعل البشر وتحريك دوافعهم وخلجاتهم، فكان صوت الممثل مستجيبا لكل المتغيرات التي شكلتها الشخصية ، عن طريق اتحاد الطبقة الصوتية مع فخامة الصوت مما ساعد على تحديد نوعية الصوت وطبقته، ومما أعطت أيضا للصوت حلاوة وجمالية ووضوحا ، فكان الممثل (العميدي) ممثلا ناجحا، اثبت وجوده عند لحظة الأداء بحثا عن إمكانيته الحرفية والذاتية الواعية كممثل منفرد دون أن يفرض نفسه على الشخصية أو يلوي عنقها ، فراح يقوم بإعادة بعض صياغات الجمل والكلمات وتعديلها طبقا للتنويعات التي تصدر من الشخصية في أثناء عملية التمثيل وعلاقتها بالمتلقي،لذلك فالممثل كان واعيا تماما بأسلوب التحرك على منصة المسرح وعبورها وكذلك علاقتها مع شخصية(هاملت) التي جسدها الممثل (ميثم الشاكري)،وهو واعي أيضا بأن التقمص الكامل للشخصية من شأنه تشويه التصميم العام الذي وضعه الممثل لنفسه أو وضعه المخرج للعرض، فعملية التوازن أو التعادل أو التفاعل أو الامتزاج بين فن التمثيل الواعي والتشخيص التلقائي للدور الذي يؤديه مهما جدا لكسر أفق التوقع.
     اتبعت بقية الشخصيات المسرحية والمتمثلة بشخصية (هاملت) و(اوفيليا) و(بولونيوس) و(هوراشيو) و(أم هملت)و(بولونيوس)والبقية أسلوب الإلقاء التمثيلي،إذ ذهبوا إلى التركيز على الاستجابة الداخلية التلقائية عند الممثل،فقد مالوا إلى الإيمان لضرورة هضم الممثل لأفكار وانفعالات الشخصية التي يؤدوها على الأقل، وهذا الهضم هو التمهيد الطبيعي التقائي للأداء الصوتي والبدني المناسبين للموقف ، دون التخطيط الحرفي والمسموح له،فليس هناك قوالب جاهزة للأداء،بل اعتمدوا الممثلين على خبرتها وممارستهم إلى حد ما سواء أكان ذلك على مستوى الصوت أو الجسد،بغية الجمع بين قوة الإيصال والتفخيم من خلال الاعتماد على الجهدين عن طريق الإدراك والوعي من اجل الوصول إلى التركيز ، فجاءت انفعالات الشخصيات وجهدها الحركي متوازن،وفقا لاستخدامهم الفعل الداخلي المحرك الأساس للشخصيات، وهذا ما أكد عليه المخرج، إذ ساعد الممثلين وأرشدهم في تكوين تصور عام للشخصيات التي أدوها،وفي إثارة قدرتهم على الخيال والتصور حتى يكيف الممثلون من صوتهم وجسدهم لمفهوم الشخصية،وفي استعداء خبراتهم وتجاربهم ودراستهم أيضا،وفي التطابق بين الممثل والمتلقي أصبحت في هذه المسرحية على نفس مستوى الأهمية مع الصوت، بل في صراعات مختلفة ومواقف درامية عدة، مما أصبحت الأداة الرئيسة للتعبير،لاسيما عندما تصبح اللغة المنطوقة والمعاني التقريرية المباشرة متلاقية.  
    ولكن على الرغم من إمكانية الممثلين وخبراتهم في التحكم في الصوت وعملية التوازن مع الجهد العضلي،إلا إن أساليب النطق والأداء الصوتي جاء على نحو مختلف وغير متوازٍ،إلا إن هذا الاختلاف لا يقود إلى تعبيرات كيفية مختلفة ، فهم لم يختلفوا في كيفية التنفس الذي ساعدهم في أداء تجسيدهم للشخصية، لهذا جاء أداء الشخصيات وحواراتهم في عملية الشهيق والزفير على نحو متقن وعالي في تنوع الصوت وطبقاته، فأتى الأداء الصوتي الكفء معتمدا على المخزون المناسب وكافي في الشهيق ، لهذا مهد الأداء إلى طريقة نطق الألفاظ الواضحة والمخارج الصحيحة،فضلا عن ذلك امتدت الكلمات لتشمل المعنى الذي تهدف إلى توصيله،وكذلك قاد جمال الأداء الصوتي إلى تحديد ومزج الأفكار والانفعالات التي أثرتها الشخصيات، على مستوى العلاقات والصراعات غير المتكافئة وعلى مستوى فقرات الحوار أو المشهد الصوري أيضا، فأحيانا جاءت الألفاظ على نحو جملة واحدة،قد ساعدت على تحريك الفعل الداخلي،أكثر من تكرار ألفاظ متعددة،لهذا كل كلمة أو لفظ جاء موحيا في سياق العرض،وكذلك المعاني والأحاسيس التي أثارتها الشخصيات،فمثلا شخصية(حفار القبور)والتي أداها الممثل (حسن الغبيني)وعلى الرغم من قصر المشهد الحواري والصوري إلا إن ألفاظ الحوار كان لها الوقع القوي والمحرك الأول لانفعال شخصية(هاملت) نحو التغيير،فأسلوب الممثل في الأداء أو الإلقاء لعب دورا حيويا في تعميق الأبعاد المحددة والانفعالية للكلمات التي نطق بها،إذ ذهبت شخصية(حفار القبور)باتجاه ترميم السياق الإيقاعي للعرض،مما ساهمت على لملمت المعاني والانفعالات أيضا،مما بدت في نظر المتلقي ميتافيزيقية،لاسيما إذ كانت الوحدة الفكرية والانفعالية جزءا من الجمل.  
     إن حيوية العرض تعتمد على مبدأ الصراعات بين الشخصيات/الممثلون،إذ إن مشاهد المبارزة أتت لتعمل على خلق موازنة وتفاعل ما بين الجهدين الصوتي والحركي بما فيها العضلي،فالممثل امتلك الاستجابة اللفظية والحركية على حد سواء من حيث الأخذ والعطاء،فقد امتلكت الصراعات الحيوية التي أضفت على العرض المسرحي، بل أضفت للمسرحية ككل، لأن الشخصيات في علاقتها مع الشخصيات الأخرى، أخذت وأضافت منها وطورت الموقف الانفعالي والدرامي،مما لم يشعر المتلقي بآية رتابة أو ملل أو تكرار،كما أنها خلقت لديه قناعة كاملة وإيمانا وصدقا في التمثيل،فإيحاء الممثلون جاء على قيمة عالية،والممثل المتمكن في أدائه الصوتي والحركي يستطيع بسهولة وسلاسة أن يصل إلى أفضل تجسيد للشخصية التي يؤديها،وهكذا أتى انتقال الشخصية من مجرد كيان صوتي (متحدث) ومتحاور في العرض إلى إنسان حي يتحرك ويتفاعل مع الآخرين على المنصة، وفقا لمنظور فكري وانفعالي معين امتلك الحرية والإبداع،فكان صوت الممثل مطابقا في حواره مع الشخصية المؤداة وسن الشخصية وكذلك مكانتها الاجتماعية والوظيفة التي تشغلها، والحالة الصحية سواء أكانت سوية أو مريضة،فضلا عن مستواها الاقتصادي وعن الملامح المميزة للأداء الحركي والصوتي، والتفاعل ما بين ما شعرت به في مواقف معينة وحركتها وسكونها، وصوتها وصمتها.
     إذن جميع الدوافع والانفعالات جاءت ومثلت المحرك الأول والأساس لتجسيد معظم الشخصيات، والشخصيات ليست مجرد كيان فيزيقي ملموس ومرئي،بل هي استجابات متصلة ومتتابعة لحالات وجدانية تمر بها،والممثل بدوره يتخذ من الحالات الوجدانية التي أداها بين الحين والآخر ينطلق منها لأداء شخصيته، مما استطاع أن يتخيل ويتصور ويتقمص حالات وجدانية متكررة ومتعددة،وفق أفضلية نفسية وجدانية وشعورية،مما أصبح الصوت والجسد بالنسبة للممثل في حالة صفاء وتركيز ويقظة، تحققت لهما الحرية الكاملة في التعبير والتخلص من الجهد العضلي بقدر الإمكان،فنما الشعور الداخلي وعبر عن نفسه بالصوت والجسد معا وإيقاعاته وألفاظه،وبكلمات خارجة من بين الشفتين بكل ما يعتمل داخل الشخصية من انفعالات وأفكار، فكان الشعور الداخلي متوحدا مع الحركة الخارجية وممتزجا معا،فكانت الشخصيات تلقائية وطبيعية ومقنعة أيضا. 
                                            الفصل الرابع
- النتائج:
1- اتخذت شخصية (المهرج) أداءً راديكاليا في آلية الصوت عن طريق أسلوب الإلقاء التقديمي.
2- جاءت طبيعة المشهد الاستهلالي بصورة قصدية لمخاطبة عقل المتلقي معرفيا من اجل توليد القناعة لديه.
3- ارتسمت آلية التحول في المشهد الاستهلالي شكلا منطقيا من الأسلوب التقديمي إلى الأسلوب التمثيلي في عملية الإلقاء.
4- خلقت عملية صراع شخصيات (المهرج) مع شخصية (هوارشيو) علاقة دلالية صوتية، لتحويل طريقة الإلقاء المسرحي السردي.
5- أعطت شخصية (الشبح) صفة التفخيم من خلال حواراتها المجسدة صوتيا وإلقاءً وألفاظا وجملاً على حد سواء.
6- استخدمت شخصيات (هملت), (اوفيليا)، (بولونيوس)، (كلوديوس)،(ليرتيس) و(أم هملت) أسلوبا واحدا ألا وهو الأسلوب التمثيلي في طريقة الإلقاء ، ليست بصورة قوالب جاهزة ، بل اعتمدوا الخبرة والمهارة في ذلك.
7- خلق المخرج نوعا من التوازن بين حركة الجسد كأداة للتعبير والتواصل بين الممثل والمتلقي وبين صوت الممثل وفقا لصراعات مختلفة ومواقف درامية عدة، بمعنى توازنا صوتيا وعضليا.
8- اختلاف إمكانية الممثلين في عملية التنفس (الشهيق/الزفير) ، ساهمت في عملية تحريك الفعل الداخلي للشخصيات،ولاسيما شخصية (حفار القبور).
9- تنوعت وخلقت مشاهد المبارزة توازنا ما بين الجهد الصوتي/الحركي أو الصوتي/العضلي، لأن كل شخصية أخذت وأعطت من الأخرى ، مما ساعدت على تطوير الموقف الدرامي الانفعالي. 
10- تطابق الشخصيات ما بين حواراتها وصوتها من جهة ومع مكانتها الاجتماعية والاقتصادية والحالة النفسية والوظيفة التي تشغلها من جهة أخرى.  
- الاستنتاجات:    
1- تنوع أساليب الإلقاء على نحو قصدي من قبل المخرج ما بين التقديمي والتمثيلي.
2- استخدمت اغلب شخصيات العرض أسلوب الإلقاء التمثيلي، لكونه الأسلوب المناسب مع الطريقة الكلاسيكية التي كانت معتمدة في عصر النهضة آنذاك.
3- هناك توازن في كل المواقف والصراعات الدرامية والانفعالية، على نحو المستوى الصوتي والحركي.
4- جاءت عملية اتحاد طبقة الصوت مع التفخيم وتنوع مستوى الصوت على مستوى الخبرة والممارسة وليس على مستوى التمرين فحسب.
5- مزج الشخصية بالممثل عن طريق الحوار والصوت ، خلق المعطى الدلالي الصوتي بالنسبة للشخصية الدرامية والشخصية المسرحية.


- المصادر والمراجع:
- المعاجم:
1- أبن منظور، لسان العرب ، ج1،ج2، (بيروت: دار لسان العرب، ب.ت).
2- الجاحظ،أبو عثمان عمرو بن بحر , البيان والتبيين , تحقيق: عبد السلام محمد هارون،(القاهرة: مطبعة لجنة التأليف والنشر, 1948).
3- الشايب،احمد،دراسة بلاغية تحليلية لأصول الأساليب الأدبية،ط5،(القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، ب.ت).
4- كحيلة،محمود محمد، معجم مصطلحات المسرح والدراما ، ط1، (الجيزة:هلا للنشر والتوزيع ، 2008).
5- الياس، ماري وحنان قصاب حسن، المعجم المسرحي، ط2 ، (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون ، 2006).
- الكتب:
6- أردش ،سعد،المخرج في المسرح المعاصر،(الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، 1979).
7- الاعسم ، باسم ، مقاربات في الخطاب المسرحي ، ط1، (دمشق: دار الينابيع،2010).
8- أمين ، احمد, النقد الأدبي ,ج1, (بيروت: دار الكتاب العربي , 1967).
9- بريخت، برتولد، نظرية المسرح الملحمي،تر: جميل نصيف التكريتي،(بغداد: دار الحرية للطباعة، 1973).
10- بلبل ، فرحان, أصول الإلقاء والإلقاء المسرحي،(القاهرة: مكتبة مدبولي , 1996).
11- الجاف,فاضل،فيزياء الجسد (مايرهولد ومسرح الحركة والإيقاع)،ط1،(الشارقة:دار الثقافة والإعلام، 2006).
12- دين،الكسندر,العناصر الأساسية لإخراج المسرحية,تر: سامي عبد الحميد،(بغداد: دار الحرية للطباعة,1972).
13- ستانسلافسكي، كونستانتين, إعداد الممثل, تر: محمد زكي العشماوي ومحمود مرسي احمد (القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر,1973).
14- ستراسبيرج ، طريقة لي ستراسبيرج في تدريب الممثل، ط2، تر: احمد سخسوخ ،(القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،2002).
15- سرحان، سمير، دراسات في الأدب المسرحي ، (القاهرة: دار غريب للطباعة ،ب ت).
16- سعد، فاروق, فن الإلقاء العربي الخطابي والتمثيلي، (بيروت: دار الكتب اللبناني,1987).
17- السيد، خالد ربيع، إيليا كازان ولي ستراسبيرج (طريقة الأداء)،(بلا نشر، 2008).
18- عبد الحميد ، سامي وبدري حسون فريد , طرق تدريس الإلقاء،(بغداد: دار المعرفة,1980).
19- عدس ، محمد عبد الرحيم , فن الإلقاء ، (الأردن: دار الفكر,2007).
20- عسر ، عبد الوارث, فن الإلقاء,(مصر: الهيئة العامة للكتاب,1993).
21- قاجة ، جمعة،المدارس المسرحية وطرق إخراجها منذ الإغريق وحتى العصر الحالي ، ط، (دمشق: نور للطباعة والنشر والدراسات ، 2006).1
22- كرستي،ج.ف،تربية الممثل في مدرسة ستان،ط1،تر:عقيل مهدي يوسف،(بيروت: دار الكتاب الجديد،2002).
23- كروتوفسكي،جيرزي،نحو مسرح فقير،تر: كمال قاسم نادر،(بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 1986).
24- كونسل، كولين، علامات الأداء المسرحي، تر: أمين حسين الرباط، م: عبد الحميد إبراهيم حسين، (القاهرة:وزارة الثقافة- مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، ب.ت).
25- مصطفى، مشهور،إعداد الممثل أم إعداد المتفرج، ط1، (بيروت: دار الفارابي، 2006).
26- معلا، نديم، لغة العرض المسرحي، ط1، (دمشق: دار المدى للثقافة والنشر، 2004).
- المجلات:
27- سرحان، سمير، البداية الحقيقية،مجلة المسرح،(القاهرة: العدد الخامس عشر ، 1965).
    جامعة بابل
 كلية الفنون الجميلة
قسم الفنون المسرحية
الأستاذ الدكتور...........................................................المحترم
       يقوم الباحثان بإجراء دراسة تحت عنوان (توظيف أساليب الإلقاء للممثل في العرض المسرحي المعاصر) ، وتهدف الدراسة إلى تعرف (أساليب الإلقاء لدى الممثل وكيفية توظيفها في العرض المسرحي) ونظرا لما يتوسمه البحث فيكم من خبرة ودراية في هذا المجال ، فقد توجها إلى استشارتكم في أداة بحثهما وفقراتها بصيغتها الأولية التي يروما بناؤها للحصول على موضوعيتها وصدقها وثباتها من خلال ملاحظاتكم وآرائكم السديدة ، شاكرين تعاونكم وتواضعكم العلمي في مساعدة الباحثان ، وتقبلوا فائق الشكر والتقدير.
مشكلة البحث:
تكمن في كيفية توظيف أساليب إلقاء الممثل في العرض المسرحي العراقي المعاصر ؟
أسلوب الإلقاء المسرحي إجرائيا:
     هو كل ما يلفظه أو يتكلم به أو ينطق به الممثل المسرحي من معاني وألفاظ ممكن أن تبرز صوته ونبرته وشدته وسرعة كلامه وإيقاعه ، وفق أساليب خاصة ومنوعة يضعها المخرج لتدريب ممثله.      
                                             الباحثان
    استمارة ملاحظة بصيغتها الأولية
ت الفقرات تصلح لا تصلح الملاحظات
1 - يعد الإيمان والصدق من العناصر الأساسية لفهم كلام الممثل وطريقته وأبعاده الشخصية ، من اجل التعرف على عناصر جذب انتباه المتلقي ومن ثم إبراز القيم الدرامية.
2 - يتحدد أسلوب الإلقاء الخطابي بطريقة ملائمته مع الفكرة العامة للمادة الملقاة ، وكذلك الملائمة مع الملقي والمتلقي.
3 - يختص أسلوب الإلقاء الشعري بتوليد القناعة لدى المتلقي من خلال التعبير عن الكلمات بوساطة الإلقاء الصحيح الموحي بالأفكار والأقوال والمشاعر التي تتضمنها القصيدة.
4 - يمتاز أسلوب الإلقاء القصصي بالسرد والحوار ، معتمدا على عنصري الزمان والمكان.
5 - يتسم أسلوب الإلقاء التمثيلي بالتفخيم والجرس الرنان عن طريق حوار الممثل (صوته-إلقائه-ألفاظه-جمله-كلماته).
6 - يقود إلقاء الحوار القصصي إلى الأسلوب التقديمي عن طريق تجسيد الشخصية في إلقائها لقصتها عن طريق التكوين (الصوت-الأسلوب).
7 - يختص منطق الإلقاء التمثيلي على معنى الإلقاء وخطاب الأفكار ومعرفة نسق الوقع الموسيقي.
8 - يتم الفصل بين أداء الممثل والدور من اجل خرق مبدأ الإيهام، ومن اجل عزل الممثل عن الشخصية التي يجسدها.
9 - يعد أسلوب السرد كإحدى طرق الإلقاء المسرحي من خلال النطق الصحيح والإلقاء الصحيح.
10 - يجمع الممثل المسرحي بين قوة الإيصال والتفخيم من اجل أن يتفق ذلك مع آلية العمل وفقا لمعطياته الخاصة.
11 - يتم الجمع بين الجهدين الحركي والصوتي للممثل المسرحي عن طريق الإدراك والوعي بغية الوصول إلى التركيز.
         جامعة بابل
 كلية الفنون الجميلة
قسم الفنون المسرحية
      يود الباحثان التعرف على (أساليب الإلقاء لدى الممثل وكيفية توظيفه في العرض المسرحي العراقي المعاصر).
      لذا راجيان من الممثل الإجابة على احد الاختيارات بوضع علامة (     ) في الحقل الذي يراه مناسبا.
      مع وافر الشكر والتقدير.
مشكلة البحث:
     تكمن في كيفية توظيف أساليب إلقاء الممثل في العرض المسرحي العراقي المعاصر ؟
أسلوب الإلقاء المسرحي إجرائيا:
     هو كل ما يلفظه أو يتكلم به أو ينطق به الممثل المسرحي من معاني وألفاظ ممكن أن تبرز صوته ونبرته وشدته وسرعة كلامه وإيقاعه ، وفق أساليب خاصة ومنوعة يضعها المخرج لتدريب ممثله.      
                                              الباحثان
استبيان مغلق
ت الفقرات كثيرا أحيانا نادرا
1 هل يعد الإيمان والصدق من العناصر الأساسية لفهم معنى كلام الممثل وأسلوبه في الإلقاء.
2 هل يختص الأسلوب الشعري بتوليد القناعة لدى المتلقي للتعبير عن الكلمات بوساطة الإلقاء الصحيح الموحي بالأفكار والأقوال والمشاعر التي تتضمنها القصيدة الملقاة.
3 هل يتضمن أسلوب الإلقاء المسرحي والقصصي السرد والحوار.
4 هل يعتمد أسلوب الإلقاء المسرحي القصصي على عنصري الزمان والمكان.
5 هل يقود إلقاء الحوار القصصي إلى الأسلوب ألتقديمي عن طريق تجسيد الشخصية في إلقائها لقصتها عن طريق التكوين (الصوت-الأسلوب).
6 هل يتسم الأسلوب التمثيلي بالتفخيم والجرس الرنان عن طريق حوار الممثل (صوته-إلقائه-ألفاظه-جمله-كلماته).
7 هل يختص المنطق التمثيلي على معنى وخطاب الأفكار ومعرفة نسق الوقع الموسيقي.
8 هل يعد أسلوب السرد احد طرائق الإلقاء المسرحي عبر النطق الصحيح والإلقاء الصحيح.
9 هل يحتاج الممثل المسرحي إلى القوة والإيصال والتفخيم في إلقائه ، لكي ينسجم مع آلية العمل لمعطياته الخاصة.
10 هل يحتاج الممثل المسرحي للجهدين الصوتي والحركي من اجل أن يدرك ويعي كل حواراته حتى يصل إلى إلقائه الصحيح.
----------------------------------------------------
المصدر : مجلة جامعة بابل للعلوم الأنسانية



تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9