أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الاثنين، أغسطس 08، 2016

المسرح المعاصر والتقنيات الحديثة/ د. فاضل الجاف

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, أغسطس 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 شهد المسرح الحديث في العقود الاخيرة تطورا كبيرا في مجال التكنولوجيا، وقد شمل هذا التطور ميادين معمار المسرح والسينيوغرافيا(الفضاء والمناظر المسرحية) والضؤ والصوت والازياء.
 ومما لاشك فيه ان هذا التطور أدى بشكل مباشرالى خلق آفاق جديدة امام المخرجين والمؤلفين والممثلين بإكتشاف سبل وأدوات وإمكانيات جديدة في التجسيد الإبداعي والخلق الفني، ناهيك عن تحسين ظروف التلقي، حيث أصبح بإمكان المتلقي أن يشاهد العرض في ظروف انسانية أفضل في ظل إمكانيات وتجهيزات حديثه على كل الاصعدة: الصوت والصورة والمسافة والراحة، مما يتناسب وروح العصر.

 وتجدر الاشارة الى ان هذا التطور لم ينبثق فجاءة في هذه المرحلة من تاريخ المسرح، فالتكنولوجيا المسرحية، كانت قائمة منذ العصر الاغريقي، بماكنتها البسيطة وحلولها السهلة في تجسيد مشاهد المسرحية، وقد تطورت هذه التكنولوجيا على مرّ العصور المسرحية.
 لكن التكنولوجيا المسرحية قديما كانت في مجملها سهل التنفيذ وذات وظيفة مجازية في معظم الأحيان.
 ويدرج بعض الباحثين التقنيات التكنولوجية التي شهدها المسرح في العصور الاولى من تطوره، ضمن التقنيات السهلة او البسيطة، اما ماجرى من تطور تكنولوجي للمسرح الحديث فيندرج ضمن النوع المعقد ذي سرعة وإيقاع شديدين، حتى انه بات من الصعب مواكبته من قبل المسارح ذات الامكانات المتواضعة.

فمثلا في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية كان صوت الرعد ينفذ حتى الخمسينات من القرن المنصرم بإستخدام صفيحة معدنية، وصوت حافر الخيل كان ينفذ عن طريق إستخدام قشرة جوز الهند الجافة. وكانت ثمة ماكنة بسيطة تستخدم لإحداث صوت الرياح بفعل قماش من الخيش. أما صوت سقوط المطر فقد كان يتم عن طريق تحريك البازلاء الجافة في أنابيب. أما ما حدث من تطور في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية في العقود الاخيرة، خصوصا بعد ظهور الكومبيوتر فتعد قفزة لم يشهدها تطور المسرح من قبل كما ونوعا وسرعة.

ومن الباحثين من يطلق على التطور الحاصل في مجال تقنيات المسرح ثورة داخل ثورة المسرح الحديث، ثورة مهّد لها روّاد المسرح الحديث من أمثال مييرهولد، كريغ، آبيا ونيهر ببدايات وإنجازات متمثلة بالخطوات الاولى في تغيير بنية المسرح معمارا وفضاء وأضاءة و تقنيات في الصوت.
 كانت تصورات الرواد حول تغيير المسرح تغييرا جذريا تبدو حينها ضربا من الحلم والرؤى المستقبلية، لكن رؤى الرواد وتصوراتهم كشفت امام المسرح المعاصر عن آفاق وأفضية شاسعة ربما لم يكن تصورها سهلا إلا لمخيلة مبدعين من امثال مييرهولد وكريغ وآبيا.

ويمكن القول ان هذا التطور الهائل الذي بلغ أوجّه في المسرح الموسيقي والأوبرا وعروض الرقص، خلَقت لغة مسرحية جديدة لغة مسرح الحداثة وما بعد الحداثة، كما هي تتجلى واضحة في اعمال كبار مخرجي عصرنا، من أمثال جورجيو ستريهلر وروبرت ويلسون وروبرت ليباج. أعمال تحقق فيه الكثير من أحلام رواد المسرح الحديث الاوائل.
وكانت التكنولوجيا الأداة الرئيسة لتحقيق الحلم الفني، ومنفذا لرؤى مخيلة الفنان المسرحي.

ومما يجدر الإشارة اليه هو ان تطور التقنيات في المسرح الحديث إستمد دوافعه وجذوره أساسا من المخرج ومخيلته وسعيه الى تجسيد رؤاه وأحلامه. فالتصورات الجديدة لإستخدام التكنولوجيا في المسرح وتطويعه في مجالات مختلفة، برزت وتبلوّرت ببروز المخرج كصاحب مهنة مستقلة ومهمة في العملية الإبداعية.

 فالمخرجين الأوائل مييرهولد، كريغ، رينهاردت فعَلوا ونشَطوا دور السينوغراف والمصمم المعماري و مصصم الانارة ومهندس الصوت، وبدأ التقنيون يتبأون لأول مرة مكانة مهمة في ثورة المسرح.
ولعل من الصواب القول بأن أول قفزة في سياق التطوّر التكنولوجي بعد اختراع قوة الكهرباء كانت البنائية، التي استوجبت هندسة أخرى في الفضاء المسرحي والمعمار والماكنة المسرحية. ان التطوّر الحاصل في هيكل التقنيات المسرحية لهي إمتداد لإنجازات البنائيين في مجال إستخدام البنى الكبيرة والماكنة المعقدة على المسرح وبتقنيات غاية في البراعة والإتقان. تقنيات دخلت كجزء حيوي ضمن هيكل العرض المسرحي  وليس بخاف فإن البنائية إنبثقت في المسرح كثمرة للجهد المشترك بين المخرج والفنان المعماري. وعليه فإن الأنجازات في مجال التكنولوجيا المسرحية ما هي إلا تحقيق لرؤى وتصورات الاوائل من المخرجين والرساميين والمهندسين وتعاونهم في عمل مشترك لتطوير مسرح العصر الحديث.

يقول كريستوفر بو في كتابه العرض المسرحي والتكنولوجيا كان كريغ يريد لمناظره المسرحية ان تتحرك كالصوت، مثلما الموسيقى تتحرك.
ويذكر ايضا ان احد مصصمي المناظر المسرحية في فرنسا كتب بعد لقائه كريغ في رسالة الى مدير مسرحه عام1910 يقول:
"إن كريغ يريد لمناظره ان تتطور مع سير المسرحية، لا أعرف كيف يمكن ان يتم تنفيذ مثل هذه الفكرة. ولكن الفكرة بحد ذاتها تعد من الدرجة الاولى. فلو تم تحقيق ذلك لغدا ثورة في مجال السينوغرافيا".

إن كريغ كان فنانا يدرك ضرورة الخيال وضرورة إدراك كون التكنولوجيا المسرحية  إمتدادا للخيال المسرحي ذاته. فأستخدامه عند مييرهولد وطرق الاستفادة منها كان جزء من العملية المسرحية والابداع الفني.
 ولعل المخرج البريطاني بيتر هول احسن من يعبّر عن الحذر من إستخدام الماكنة في المسرح من أجل الاستخدام فقط، فهو يقول: إن المسرح يحبّذ التناقض وعليه فإن الماكنة في المسرح تجب ان تستخدم كقيمة مجازية.

رؤى وأحلام دافينشي في المسرح البصري
كان اكبر الحالمين بالحلول التكنولوجية المبتكرة، هو الرسام والنحات الايطالي ليوناردو دافينشي الذي على يده حصل أهم تطوّر في تأريخ التقنيات المسرحية.

كان نموذج دافينشي لأوبرا أورفيوس تطورا هائلا في مجال الأوبرا. فقد صمم دافينشي العديد من الماكنات المسرحية في ميلانو. وكان أهم تصميم جديد له هو تصميمه خشبة مسرح تقدم عليها لأوبرا أسطورة أورفيوس 1518.

كان تصميم المنظر معقدا جدا في حينة، فقد أحتوى المنظر قبة تمثل قبة الكنيسة، تتفتح شيئا فشيئا على شكل جبل، لتكشف عن مشهد آخر، ثم تسحب الجبال عن المسرح من الجانبين. الى جانب هذا كان المشهد الأكثر غرابة هو المشهد الذي كان يرفع من تحت الارض كمصعد الى مستوى المسرح.
ماذا لو عاش دافينشي في عصر مييرهولد و كريغ!،لكانت إنجازاتة بلغت العصر الحديث بفاعلية خارقة.
 ففي الخمسينات من القرن المنصرم فقط بدأت المسارح تستخدم الاصوات المسجلة على الاسطوانات الكبيرة، وقد كان الاعتراض على أستخدام الصوت المسجّل شديدا في حينه.

إن المسرح البريطاني يعد من أهم المسارح الذي أختبر وحقق مختلف التقنيات الحديثة، وكان الى جانب المسرح الاميركي السبّاق في التجريب على كافة أنماط التقنيات الحديثة، فعروض الويست إيند وعروض برودواي حملت في مجال التقنيات الحديثة دهشة وانبهارا لمشاهدها لم يكن متاحا قبل ذلك. وكانت العروض الموسيقية لمسرحيات من أمثال الشعر 1957 و مسرحية يا لها من حياة حلوة 1963 السبَاقة في كشوفاتها التقنية.
وعلى الرغم من ان المسرح البريطاني لم يشهد نهضة تقنية تستحق الاشارة الى نهاية حرب العالمية الثانية، لكن بعد ذلك استمد كبار المصمين في المسرح والأوبرا الإلهام في خلق وإبتكار تقنيات جديدة أستخدمت من قبل المخرجين الشباب في الستينات من أمثال بيتر هول وتريفور نان وجون كاريد.

رواد التكنولوجيا في المسرح المعاصر

يوسف سفابودا:1920- 2002
المصمم التشيكي سفابودا صمّم و اخرج أكثر من 700 عمل مسرحي، منهدس معماري اصلا، مخترع المصباح السحري على المسرح، مؤسس الستائر المتعددة أو المضاعفة، إلى جانب عدد من التقنيات البصرية والسمعية.
نجح سفابودا في جعل الضؤ وسيلة مادية ملموسة، ذا قصد نحتي تجسيدي، وذلك بإستخدام العاكسات (بروجيكشن).
لقد نجح سفابودا في خلق تشكيلات مسرحية على شكل مونتاج مؤلف من الممثلين و الصورة المنبعثة من العاكسة، لينتج بذلك مشهدا ملئيا بالحيوية.
لم يكن هدف سفابودا في عمله يقتصر فقط على خلق صورة مسرحية كإنعكاس للضؤ المنبعث من العاكسة، بل كان نجح في خلق مشاهد نحتية مجسّدة، مفعمة بالحيوية والعنفوان الدرامي.

ومن التقنيات المهمة التي أبتكرها سفابودا إستخدام المكعبات في صف واحد، على شكل جدار، وفي كل مكعب كان ثمة بروجكتور يعكس الصورة على النظارة بهدف خلق عمل حي متحرك لفن العرض.
كان هدف سفابودا يتلخص في السينوغرافيا الحية والتي هي الاخرى الى جانب الضؤ والموسيقى يجب ان تشارك في الفعل المسرحي، أو أن تكون في حركة دائمة ولا ينبغي أن تقتصر الحركة على الممثلين فقط.
لعلنا لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا سفابودا أهم مبدع ورائد ومطبق، بعد آبيا في مجال استخدام الضؤ وفي إبتكاره مفهوم السايكوبلاستيك وهو مفهوم يعتمد التقنيات العلمية الحديثة في تجسيد العلاقة بين الابعاد الثلاثة للفضاء المسرحي، وعلاقتها بالحالة النفسية والشعورية وبالنظارة في نفس الوقت. وفي رأيه ان مهمة السينوغراف تكمن في أستخدام هذه العناصر مجتمعة في وحدة واحدة، في بعد رابع يسميه الزمن- الفضاء، بما أن الحركة على المسرح تتطلب فضاء وزمنا.
إن منجزات سفابودا في مجال إستخدام التقنيات الحديثة في مجال ربط الفضاء الدرامي والزمن الدرامي والإيقاع الدرامي والضؤ الدرامي تعتبر من أهم إنجازات النصف الثاني من قرن العشرين.

روبرت ولسون

 إن المخرج الاميركي روبرت ولسون منهدس معماري ومصمم ديكور في المقام الأول، فهو عمله في الاخراج من التكوين المعماري والبصري للعرض قبل كل شيء ويساعده في تنفيذ ذلك خلفيته الثقافية كمعماري، ودرايته الواسعة في إستخدام التقنيات الحديثة، بالإضافة الى إعتماده على فريق كبير من أمهر التقنين في مختلف التقنيات المطلوبة في العرض المسرح … وإذا وضعنا جانب الانتقادات الموجهة إليه في هذا الصدد والتي تتلخص بطغيان الجانب البصري في عروضه على حساب النص والمضمون، فإن لروبرت ولسون طريقة متميزة ولغة فنية خاصة به فهو يقول :
إنني أفكر في إعدادي الصور و التصاميم والرسوم البيانية، لكن ليس الهدف من الصور تصوير النص. وقد اعتاد ولسون على النقد المألوف الذي مفاده كيف يقوم المخرج برسم العرض قبل أن يلتقي بالممثلين، أو كيف يتم رسم الصورة والميزانسين دون وجود الممثل، وفي هذا الصدد يقول :

إنه مسألة تنظيم معماري في الزمن والفضاء، ولا يهم إن كان هناك ممثلون أو لا! فالضوء يتحرك، والأدوات المستعملة على المسرح تتحرك، إنها مسألة التوقيت، إنه البنيان (البناء) في الفضاء، لذلك أعتقد، إنه المعمار، أي بناء الشيء، سواء كان ذلك عند موزارت أو فاغنر أو شكسبير، باختصار إنه الأداء على أسس الرقص، دون الاكتراث بالبناء الأدبي للنص، فالقيمة البصرية تحل محل القيمة الأدبية دائماً. وعليه فإن الغرض القائم جمالياً لا يمس من قبل الجمهور، ولسون يحتفظ بخط البروسينيوم والمعمار التقليدي للمسرح ويسعى أن يقيم المتفرج علمه المسرحي هناك على مسافة.

 يبدأ ولسون عادة تمارينه بتنظيم ورشات عمل مع ممثليه لإلغاء المهمة الشفوية للعمل المسرحي، وغالباً ما تحدد متطلبات عمل الورشة باحتياجات الممثلين الفردية، لكن الورشة تحتوي دائماً على حركات جسدية عامة، يؤديها الجميع للعمل المسرحي.

وبرغم الخطوط العامة والسمات المشتركة لأسلوب ولسون، فإنه دائماً يبتكر شكلاً متميزا غير مألوف للعرض. ففي مسرحية "ماكنة هاملت" لهنري ميللر القصيرة، كان المؤلف قد خطط للعرض كي لا يتجاوز 15 دقيقة، لكن العرض في معالجة ولسون استغرق ساعتين ونصف، حيث وزع حوار المسرحية على الممثلين بشكل عشوائي، مما أعطى للعرض طابعاً سريالياً صرفاً.
تشكل الموسيقى في الغالب عنصراً مهماً في العرض من البداية وحتى النهاية، ثم هناك الكلمات التي تدخل العرض بشكل متقطع.

إن السينوغرافيا في عرض ولسون المذكور تتضمن، بالإضافة إلى الهيكل المعماري، الصور المرسومة على الستائر، السلايدات المنفذة بدقة، بحيث تدخل البناء المعماري في إيقاع واحد مع الموسيقى والأداء المؤسلب المتأثر بروح المسرح المشرقي (نو الياباني).

روبرت ليباج
يتمتع المخرج الكندي روبرت ليباج، الملقب بساحر المسرح، بشهرة عالمية واسعة وحضور دائم في معظم المهرجانات المسرحية. ويحتل اسمه حالياً مكانة مرموقة بين أسماء أهم خمسة مخرجين مسرحيين بعد جيل بيتر بروك، وهم الأمريكي روبرت ويلسون، والألماني بيتر شتاين، والروسي ليف دودون، والفرنسية أريانا منوتشكين.
ويشارك هذا المخرج، الذي ولد في مدينة كوبيك عام 1957 ودرس المسرح فيها قبل أن ينتقل إلى فرنسا، الأمريكي روبرت ولسون في ريادة ما يسمى بالمسرح البصري.

ولعل الاستشهاد برأي المخرج الإنكليزي المعروف ريتشارد إر يساعدنا في الدخول إلى عالم ليباج المسرحي، وفهم أسلوبه الإخراجي، فهو يقول: "إن ليباج يحوّل المكان العام إلى مكان سحري، والمكان السحري إلى مكان واقعي سهل المنال، وليباج ممون أحلام، والأمر المحفّز بالنسبة إليّ أنه يعمل بلغة ومفردات تنتمي إلى لغة العرض".

 يقول ليباج ان التطور التقني جعل من المسرح يعيش عصر نهضة جديدة، فبالنسبة اليه ساعده هذا التطور في خلق الشكل المطلوب على المسرح، وفي تجسيد التصور الاخراجي بمساحة واسعة من الحرية.
تتسم أعمال ليباج المنجزة أسلوبه الإخراجي أفضل من تلك الأعمال التي يقدمها على المسارح الأوروبية كمخرج ضيف، حيث يعمل مع ممثلين من مدارس تأهيلية مختلفة، ضمن عقود مع مؤسسات مسرحية وتحت ظروف فنية مختلفة.
وفي حين تتمتع "إكس ماشينا" بوحدة فنية في الأسلوب ومنهج صارم في التدريب والمران والعمل الدؤوب في الابتكار، يتم خلالها إنتاج أعمال مسرحية مدهشة بغية عرضها في المهرجانات العالمية وهي في أوج تكاملها.

الصياغات السينوغرافية
في لعبة الحلم لأوغست سترندبرغ، تجري مشاهد المسرحية في مكعب مثبت على ركيزة، يدور المكعب لينتقل الممثلون من سطح إلى آخر حسب توالي المشاهد بطريقة مسرحية رشيقة، وكأنهم يعانون من ضغط هائل، ولا منفذ أمامهم سوى الحلم، بينما يتجلى البحر تحتهم على شكل مساحة مائية يشرف عليها المكعب المأهول بسكانه. وفي "حلم ليلة منتصف صيف" يحوّل ليباج الغابة الشكسبيرية إلى ساحة شاسعة من الوحل والمياه، تتمرغ فيها أجساد الممثلين ببدائية وعنفوان.
ويهتم ليباج باللغة وأصواتها، ففي عروضه التي يعدها لفرقة "إكس ماشينا" يستخدم لغات عدة حسب انتقال المشاهد، ويكرر هذا الاهتمام في النصوص التي يكتبها بنفسه، حيث أن الجرس الموسيقي والتنويع الصوتي للغات المختلفة يضيفان على العرض شعراً إيقاعياً مثيراً، ويخلقان تأثيراً يضاهي التأثيرات البصرية.

الخلاصة

إن التتقينات الحديثة تمثل في جوهرها تحقيقا لخيالات ورؤى المسرحيين الاوائل ممن كانوا يسعون الى تجديد المسرح شكلا ومضمونا.
على المخرج ان يكون مطّلعا على المنجزات العملية في عصره، ويكون على وعي بانجازات الباحثين في مختلف مجالات العلوم. ان المخرج والتتقنين في عصرنا الحالي لايمكن أن يعيشوا بمعزل عن التطور العلمي والتكنولوجيا الذي غزت ميادين الحياة. وكلما كان إطلاع المخرج عميقا وشاملا كلما اصبح بمقدوره ان يجسّد أفكارة وتصوراته وحلوله الإخراجية بسهولة وبسبل فنية مدهشة و ساحرة. وكلما كان المسرح بمعزل عن التقنيات الحديثة أو غافلا عنها كلما أكتنفت لغة العرض صعوبات في التنفيذ والتحقيق.

ان لغة العرض شهدت تطورا كبير، لم يكن ليدور في خلد الرواد الاوائل من المجددين، فقد ادهشني عرض في الرقص على أحد مسارح ستوكهولم كان ينقل أجزاء مكملة من نفس العرض على مسرح في امستردام بتقنية بارعة و في مونتاج مبهر حيث ان المشهد الذي كان يجري أداءه على مسرح أمستردام، كان يشكَل جزاء حيا من عرض استوكهولم.

ولا يمكن إنكار حقيقة وجود مخرجين مبدعيين عملوا ويعملون بمنأى عن إستخدام التكنولوجيا المعقدة، الى هذا الصنف ينتمي على سبيل المثال، كروتوفسكي وبرووك في العصرالراهن، لكن تجاوز بعض المخرجين في اوربا التكنولوجيا والعمل بمبدأ الحد الادنى في العرض المسرحي لا يعني بالضرورة، الطلاق النهائي مع التكنولوجيا، فحتى في هذه الحال نرى ان كل شئ بإستثناء لغة العرض القائمة على الفضاء الفارغ عند برووك مثلا مرتبط إرتباطا وثيقا بالتطور التكنولوجي الحاصل في ميادين التقنيات المسموعة والمرئية، ناهيك عن مجالات التسويق والاتصال بالنظارة وبمختلف مسارح العالم وقطاعات الثقافة.
ففي آخر عرض شهدته لبيتر برووك في ستوكهولم في خريف عام المنصرم، شهدت كيف ان العرض البسيط العاري من كل التقنيات و باللغة الفرنسية، تصاحبه شاشة الترجمةـ فلم تعد اللغة حاجزا كبيرا أمام العرض المسرحي بفضل تقنيات الترجمة.

ومن الواضح ان الانتاج المسرحي بإعتماده على تقنيات الكومبيوتر قطع شوطا كبيرا في التنفيذ المتقن والسريع. في، حيث يتم برمجة المشاهد والضوء والموسيقى والصوت بطريقة يسيرة، مما يسهل إنتاج المسرحيات الطويلة الصعبة التنفيذ بأسابيع معدودة من المران والتدريب.
لعل إستخدام الكومبيوتر في مجالات الانتاج يعتبر اهم خطوة بعد اكتشاف الطاقة الكهربائية. فقد أصبح بإمكان فنان السينيوغرافيا ان يجسد نموذجه على شاشة الكومبيوتر وان يدخل عليه الممثلين وهم يتحركون وإختبار مدى إمكانية تغيير وتبديل المناظر عمليا،كي يصل الى نتيجة مضمونة قبل تنفيذ النموذج على الخشبة، والشئ نفسه ينطبق على الضؤ. اما بالنسبة لمصمم الازياء فقد حقق الكومبيوتر نجاحا في هذا المجال ايضا حيث يستخدم فنان الازياء صورة الممثل نفسه ليجرب معه مختلف أنواع الازياء وصولا الى الزي المناسب.

المسرح العربي والتكنولوجيا

وأمام هذا التطور الهائل الذي يشهده المسرح في الميدان التكنولوجي، نجد أن المسرح العربي يعاني قصورا كبيرا في استخدام التقنيات الحديثة وفي ندرة عدد تقنيين أكفاء، وان هذا القصور يشمل معظم ميادين المعمار والفضاء وهندسة الضؤ والصوت. ومما لاشك فيه ان القصور يشّكل أيضا نقطة مهمة في إنحسار المسرح العربي وتخلفه عن الركب المسرحي العالمي.

ان المسرح العربي بأمس الحاجة الى إعداد وتهيأة تقنيين أكفاء وجود التقنين في مختلف مجالات المسرح قبل إقناء الاجهزة والمعدات التقنية، فإن ذلك سيعطي للمسرح العربي زخما في طريق التطور والازدهار. ان الكليات ومعاهد المسرح في العالم العربي يجب ان تأخذ على عاتقها مهمة تدريس التكنولوجيا الحديثة في مناهج تدريس السينوغرافيا والضؤ والصوت والازياء

ومن جهة ثانية لا ينبغي أن نغفل دور التخلف التكنولوجي في المسرح العربي على إنحسار الجمهور الذي لا يمكن ان يعتاد على متابعة العرض المسرحي في صالات متهرئة وبتقنيات بالية.

يعيش المخرج في المسرح العربي في حالة تصادم دائم مع الخشبة، لكونها غير مجهزة بالتقنيات المطلوبة، وعليه فهي لا يمكن ان تستجيب لمتطلباته، وان كان مجهزا بالتقنيات فهناك غياب اوشحة في التقنين الاكفاء الذي بإمكانهم ان يقدموا للمخرج وللعرض ابعادا وجلولا إبداعية تضفي على العرض جوانب إضافات فنية لا تقل عن إبداع المخرج والممثل والمؤلف.
 فإبداعات المخرج مهما كان بارعا، لايمكن ان تجسّد تجسيدا فنيا دقيقا متقنا الا بوجود الفنان التقني الذي بإمكانه ان يفتح بوجه المخرج أفاقا لا يمكن أن يتصوره أحيانا.

ان لغة العرض قائم في وظيفته ودلالاته في جزء كبير منه على العلاقة الابداعية والحرفية القائمة بين المخرج والتقنين، وهي علاقة مازالت ضعيفة في المسرح العربي، ان لم تكن معدومة في الكثير من العروض المسرحية.
 فالمخرج العربي مازال يجد نفسه وحيدا في العملية الابداعية و في إنتاج العرض، بينما نجد ان هذه العلاقة على درجة كبيرة من المتانة والحميمية في المسرح الغربي والشرقي معا، حيث ان فناني السينوغرافيا والضؤ والصوت يتفننون في خلق وتجسيد رؤى المخرج الفنية، بل فهم يعملون معا في انتاج العرض، إن الكلية في العمل الابداعي هي سمة المسرح المعاصر، هذه السمة مازالت ضعيفة، ان لم تكن معدومة في المسرح العربي.

ونتيجة لذلك نرى ان المخرج في المسرح العربي بشكل عام محروم من إبداعات الفنانين التقنيين، و لا يزال غير قادر على التعامل معهم  بلغة فنية قائمة على الحرفية وإحترام إبداع وعطاء الاخر، بغية الوصول الى عرض متكامل. وعليه فإن العروض المتكاملة تقنيا نادرة في المسرح العربي.

إن المسرح العربي لايزال يعتمد في لغة العرض على عطاءات المؤلف ثم المخرج وأخيرا الممثل. أما التقني فما زال دوره محدودا أو بعيدا عن الحرفية. بينما التكنولوجيا في المسرح المعاصر قطعت شوطا في كشف الحالة الانسانية في الدراما وتجسيد الدوافع الانسانية بأساليب حديثة، مسموعة ومرئية، فالتكنولوجيا الحديثة تمنح المؤلف المسرحي والممثل إمكانيات هائلة في تجسيد ما يدور في مخيلة المؤلف المسرحي شريطة ان يكون على دراية ووعي بذلك. وحتي في مجالات التجريب، فإن ما يسمى في المسرحي العربي تجريبا، خصوصا في مجال المسرح البصري على سبيل المثال، الذي هو اكثر المسارح اعتمادا على التقنيات الحديثة، فقد أكل الدهر عليه وشرب منذ الخمسينات في اوربا.
وأخيرا فان التكنولوجيا في المسرح لا يمكن ان يكتب لها النجاح من دون تقنيين مؤهلين تأهيلا تاما، ومن دون ممارستها بصورة مبدعة، ومن دون ان يتوفر لها المعمار المسرحي المناسب.

ملاحظة:
- استقيت معلوماتي عن سفابودا من كتاب العرض المسرحي والتكنولوجيا، كريستوفر بو. باللغة الانكليزية.
- المعلومات عن كريغ مستمدة من كتاب نهوض المسرح الحديث، غوستا بيرغمان، باللغة السويدية.
- الفقرات الخاصة بالمخرجين ويلسون وليباج، مقتبس من كتاب المسرح السويدي، اراء وأفكار، د. فاضل الجاف، باللغة العربية

تابع القراءة→

السبت، أغسطس 06، 2016

مسرحية تعيد تمثيل هجوم داعش على اليزيديين

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, أغسطس 06, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

قدم مجموعة من الممثلين فى "دهوك" بالعراق عرض مسرحية تعبر عن تنظيم داعش الارهابى و فى نفس الوقت احيوا من خلالها الذكرى الثانية لمذبحة اليزيديين. 
و تدور أحداث المسرحية حول هجوم تنظيم " داعش " الارهابي على اليزيديين في مدينة سينجار ، في اشارة منهم الى الابادة الجماعية التي ارتكبها المتشددون في حق السكان اليزيديين قبل عامين وباعتراف الامم المتحدة.

--------------------------------
المصدر : صدى البلد

تابع القراءة→

المينيمالية في أداء الممثل المسرحي الماليزي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, أغسطس 06, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

المينيمالية في أداء الممثل المسرحي الماليزي
محمد عباس حنتوش
كلية الفنون الجميلة / جامعة بابل
الملخص
يهتم البحث الحالي بدراسة (المينيمالية (minimalism) في أداء الممثل المسرحي الماليزي) وأسلوب ظهورها في أداءه وتعاطيه مع عناصر العرض وفقا لخصوصيتها.وقد قسم البحث إلى أربعة فصول،عنيَ الأول منها بإبانة مشكلة البحث وأهميته والحاجة إليه فضلاً عن هدف البحث والحدود الزمكانية والموضوعية وتحديد المصطلحات .
أما الفصل الثاني فقد تركز على مبحثين، إذ اهتم المبحث الأول بدراسة }مفهوم المينيمالية{، بينما في المبحث الثاني تم دراسة }المينيمالية في أداء الممثل المسرحي (عالميا){ ثم اختتم الفصل بذكر عدم وجود دراسات سابقة ثم تم استخراج المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري .
أما الفصل الثالث فقد تبين فيه مجتمع البحث وعينات البحث التي تم اختيارها عشوائيا وهي مسرحيات (GTG) و (Lost) و( One, Two, Three ) والتي تم تحليلها وفق أداة البحث المستندة إلى مؤشرات الإطار النظري.
في حين اشتمل الفصل الرابع على النتائج ، ومنها :
1) ظهر الاختزال والتقشف والتكثيف والاقتصاد في العينات الثلاث .
2) حظي التجريد والتبسيط الشكلي بمكانة أساسية في العينات الثلاث.
3) تعززت هوية المسرح الذاتية في العينات الثلاث .
ثم اختتم الفصل بالاستنتاجات والتوصيات والمقترحات وقائمة المصادر والملاحق .
الكلمات الدالة للبحث:  المينيمالية  ، الممثل ، ماليزي ، المسرحي . 
Abstract
This research revolves around the theme (minimalism in  the  actor  performance the  Malaysian dramatist ) The four chapters of  the research go as follows:
The first chapter contains the problem of the research and contains the importance and aim of the research and The limits and The first chapter ends with the definition of the terminologies .
The second chapter deals with a theoretical background and the previous studies. It includes  two sections : The first  , study { concept  minimalism} and The second section , study {minimalism in  the  actor    performance the dramatist  (universally) }. 
The third chapter gives a summary to the  Malaysian  theatre  , Then, there is an approach to its performances after the summary which includes three  samples (GTG) and (LOST) and (ONE,TWO, THREE) .
The fourth chapter includes the results of this study  and from  some results, the next :  
1) apparition  , the reducing and the adsorbing  and the economics in the three  samples  .
2) gaining , the abstractedness , and   al simplifying al formalist , location basal in the three  samples  .
3) boost,the theatre identity her self in the three  samples  .
Finally, the study ends with  deducements , recommendations, suggestions, list of appropriator, and addenda. 
Key words:Minimalism , the  actor , Malaysian , dramatist .
مشكلة البحث
تتخذ المينيمالية أسلوباً اختزالياً في تقديم منجزها الفني بما يسمح في تكثيف وسائل التعبير وتعميق خطابها المقدم للمتلقي الذي يستطيع إدراك المنجز المينيمالي بشكله السطحي أو يتعمق في إدراك علاقاته التأسيسية للمكون المفرد أو لمجموعة مفردات تتواجد ضمن تكوين عام يجمعها ومهما تباينت تلك المفردات تبقى مطروحة لمعاني تقترحها وفق علاقاتها الإنشائية حتى وان ظهرت بأشكال مبسطة لأول وهلة إلا أنها تستدعي المتلقي لقراءة تتخطى السطح الخارجي وتتجاوز تبسيطها الاختزالي .
وبما إن المسرح يتخذ مراحل تطور متسارعة فانه يستنهض جميع العوامل الممكنة في تقديم خطابه بأسلوب جديد متمايز اتجه نحو الاختزال والاقتصاد في توظيف مفردات العرض المسرحي لاسيما أداء الممثل وأسلوب تعاطيه مع المفردات الأخرى بشكل يشير إلى مقاربات مينيمالية نتيجة التوظيف للحد الأدنى من الأداء لإيصال معاني العرض .
والمسرح الماليزي ليس ببعيد عن المقاربات المينيمالية في أداء الممثل المسرحي وتعامله مع عناصر العرض الأخرى نتيجة جملة عوامل حياتية وفنية تطلبها الخطاب المسرحي والتي تستثير مكامن التقصي والبحث فيها بغية الوقوف على حقائقها وابرز أساليبها التي تتمظهر فيها وأسباب اللجوء إليها على الصعيد المسرحي من النواحي الحياتية والفكرية والجمالية، ومن ذلك تتلخص مشكلة البحث بالاستفهام الآتي :
ماهي المينيمالية وأسلوب ظهورها في أداء الممثل المسرحي الماليزي وتعاطيه مع عناصر العرض ؟
أهمية البحث والحاجة إليه:تكمن أهمية البحث الحالي في إبانة المقاربات التكوينية لأسلوب المينيمالية في أداء الممثل المسرحي لاسيما في ماليزيا بغية رصد الخطاب المسرحي من منطلق أسلوبي مينيمالي حقق تواجده في المجالات الفنية الأخرى ولم ينل الاهتمام البحثي الكافي في هذا المجال .
أما الحاجة إليه فتكمن في إفادة الدارسين والباحثين في المجال المسرحي عموما وفي أداء الممثل بوجه خاص .
هدف البحث:يهدف البحث الحالي إلى:كشف المينيمالية في أداء الممثل المسرحي الماليزي .
حدود البحث 
الزمان: 2013م.
المكان: ماليزيا  .
الموضوع:دراسة المينيمالية في أداء الممثل المسرحي الماليزي .
تحديد المصطلحات 
المينيمالية:وهو مذهب الحد الأدنى في الفن (minimalism) والذي تميزت فيه العروض المسرحية في الستينيات بتخليها عن المفردات التقليدية في قاموس المسرح وتبني أسلوباً انتقائياً ينتمي إلى ما بعد الحداثة .  
والمينيمالية تأتي"...، بمعنى ان الفن شيء يناقش فقط بتعابير ملازمة له ومرتبطة به وهو ما تشير إليه  حركة (الفن ألاعتدالي) أو (فن الحد الأدنى) (Minimal art) التي نشأت في أمريكا عام 1965 وقد أطلق هذا المصطلح من قبل الفيلسوف (ريجارد وولهم) ..." 
كما تعرف المينيمالية:"بوصفها تيّاراً برز في القرن العشرين... ترتكز في جوهرها على التكرار وتبسيط الأدوات الفنّية، وتقترح الفتنة والجذب بدلاً من الإقناع، ما أسهم في خلق مناخ مضاد للتعقُّلية في ستينيّات القرن الماضي. وتُعَدّ المينيمالية سهلةً ومريحة على مستوى التلقّي،...". 
التعريف الإجرائي للمينيمالية: تيار مسرحي ظهر في ستينيات القرن العشرين تميز بإستناده إلى عرض يقدم بأداء ممثل بأسلوب مقتصد ومختزل وعناصر عرض تؤكد هوية المسرح الذاتية بعيداً عما هو خارج جنس المسرح فضلاً عن اعتماد التكرار والأدوات الفنية البسيطة المجردة والاستناد إلى ما هو جمالي بدلاً من الإقناع المنطقي إضافة إلى تأكيده على الأشكال التجريدية والتوزيعات الهندسية . 
الفصل الثاني
المبحث الأول:مفهوم المينيمالية 
يستند الفنان المينيمالي إلى التغيرات الشكلية للمنجز التصويري خلال التكعيبية وما بعدها من رسوم أمريكية خلال الخمسينيات والتي اتجهت نحو تهميش المنظور لصالح الشكل الخارجي أو السطح وطبيعة العلاقات بين الأشكال المجردة أو المفردات الهندسية بأبعادها المألوفة والتي تنتظم أو تتكرر وفق علاقات تحدد مسار تلقيها ضمن خصوصيتها السطحية من مساحة وحجم دون الخوض في المنظور بقدر تحديد علاقات المفردات التي تتوفر ضمن المنجز الفني والتي تأخذ لأول وهلة طابع الوضوح لكنها تعتمر في علاقاتها ما هو أعمق من السطح. 
وتشهد المينيمالية تداخلاً بين الأسس التشكيلية للمسرح والفن التشكيلي فـ " لقد وجد العديد من الفنانين في مذهب الحد الأدنى في الفن (minimalism) وفي الأعمال التشكيلية التي افرزها نقطة تقاطع واضحة تصل ما بين المسرح والفن التشكيلي . وكان من بين هؤلاء مسرحيون مثل مايكل كيربي (Michael Kirby) وروبرت ويلسون (Robert Wilson) والفنان التشكيلي فيتو اكونشي (Vito acconci) الذي يتخصص في الرسم على الجسد (body art) ، إلى جانب مبدعين في فن الأداء التشكيلي الحي (performance art) مثل جون جوناس(Joan Jonas)". 
لقد ظهر الاهتمام بذاتية الفن الإنشائية عبر اعتماد وسائل فنية تنتسب إليه وتوضع ضمن مقومات علائقية تعبر عنه  " أي ان ((الفن شيء)) يناقش فقط بتعابير ملازمة له ومرتبطة به.وهو ما تشير اليه حركة ((الفن الاعتدالي التي نشات في الولايات المتحدة مابين 1964-1965،وتجلي في الأعمال النحتية الثلاثية الابعاد والمكعبات البيضاء لدونالد جاد (judd) ، احد ممثلي هذه الحركة. والفن ألاعتدالي (Art minimal) الذي عرف بتعابير شتى هو بالدرجة الأولى فن ((النحت)) .". 
وتميزت المينيمالية بسمات تحدد طبيعة تكوينها الإنشائي والتي تبيح جانباً من خصوصيتها التي يستدل منها على ما يحقق الإشارة إليها فـ"  لقد اتسمت الأعمال الفنية التي أنتجها فنانو مذهب الحد الأقصى في الفن في الفترة ما بين عامي 1965 و 1966 – من أمثال روبرت موريس (Robert Morris) وفرانك ستللا (frank Stella) ودونالد جاد (Donald gudd ) – برفضها الواضح ليس فقط للمحاكاة والتصوير،والإحالة المرجعية والرمز،بل أيضاً لفكرة الترابط الداخلي بين جزئيات العمل الفني"   
وهذا التوجه المينيمالي جعل وجود المفردات الهندسية المتنوعة أمراً قائماً في خصوصية خطابه الفني حيث ان وجود كل مفردة هندسية لا يشترط على متلقيه النظرة الترابطية الكلية رغم ممكنات ذلك،إذ يمكن النظر لكل مفردة كتكوين مباشر واضح المعطى الفكري والجمالي"وهو ما يؤكده سلوك الفنان الذي يوكل (كما فعل((النحاتان)) دونالد جاد وروبرت موريس في حالات كثيرة) أمر انجاز عدد كبير من أعماله إلى محترفات أو مصانع.وهنا فان ما يوصف كفن اعتدالي يتألف من أحجام هندسية صنعت من الفولاذ، الخشب،الزجاج الاصطناعي،الألمنيوم أو الحديد المطلي بالزنك.هذه الأعمال هي أما مجموعة من العناصر المتفاوتة الأحجام تنطلق من شكل أساسي وتقدم تنوعا له،وأما مجموعة عناصر تتكرر وتعرض بحيث ان العين المقيدة بشروط علم المنظور ترى فيها ايهامات بصرية متنوعة،وأما قطعة وحيدة ". 
وبغض النظر عن طبيعة تلقيها فهي مفردات تتخذ أحيانا أشكالا هندسية ذات طبيعة نحتية تؤكد ذاتها بمفردها ضمن المنجز الفني ولكنها تتخذ نوعا من التكرار أو التراتب الشكلي من ناحية النوع أو من حيث الاتجاه بالشكل الذي يجعل هذه الأشكال الفنية "… متسقة مع مذهب ((الحد الأدنى في الفن)) تماما بمعنى أنها..تتكون من أشكال هندسية بسيطة وقائمة بذاتها مثل المستطيلات والمكعبات التي تقف وحدها أو في مجموعات ومتتاليات. وكانت هذه الأشكال المرصوصة جنبا الى جنب،على نفس المستوى،تبدو في فضاء قاعات العرض وكأنها "حقائق"مادية لا يمكن اختزالها وتنحصر دلالتها في تأكيد حقيقة وجودها المادي البحت فقط ". 
وجسد هذا التوجه نحو المفردات الهندسية بتكويناتها المادية محاولة لإيجاد نظام شكلي بعد مرحلة من الأشكال الفنية البعيدة عن التأطير الشكلي المنظم ومنها الفلوكسس،إذ جاء الفن ألاعتدالي كرد فعل إزاء فوضى الفلوكسس والذي قاد " ... الحركة الفنية في السنوات الأخيرة من الستينيات إلى تحول جديد هدفه العودة إلى النظام,وتحيل التصوير نفسه إلى تحليل إيديولوجي للبنية اللغوية الخاصة به لا بشكل يعكس اثر النظرية الماركسية في تحول البنية اللغوية المرتبط بتحول أنماط التفكير وحركة تطور المجتمع . هذه الآراء التي لاقت صدى في فرنسا،يقابلها في أمريكا خاصة، ونتيجة لردود الفعل نفسها،عودة أيضا إلى النظام وتمسك بنوع جديد من الشكلية (formalism)التي استبعدت المسائل الخارجة عن نطاق الفن ".  وفي هذا الصدد يقول الرسام راينهارت ان " الفن ليس له معنى خارج نفسه"وأيضا"أن معناه لا يمكن أن ينقل إلى أي وسط آخر " 
وتتسم الأعمال الفنية المينيمالية بالتبسيط الشكلي فضلا عن التبسيط في طريقة عرضها فهي لا تشترط تعليقها على الجدران او وضع قواعد تحملها على الأرض بل توضع بشكل مباشر وتتخذ مقاييس لا تتخطى الحجم الإنساني بالأغلب .   وقد تتخذ الأعمال التي يقدمها الفنان المينيمالي أشكال مبسطة ومكررة تقريبا وتتقارب بالقياس والشكل العام وهذا ما ظهر في منجز الرسام (رينهارت) الذي قدم"...سلسلة من اللوحات التي كانت متشابهة في الهيئة وجميعها بقياس خمسة أقدام مربعة واحتوت صورة هيئة الصليب البسيط وعرفت باسم"العمل التصويري الأخير" و"العمل التصويري الأسود" "black painting  "تلوينها كان داكنا جدا وان اختلاف اللون والنغمة بين أجزاء الصورة طفيف جدا اذ تبدو من النظرة الأولى بأنها طليت باللون الأسود ولكن لو أمعنا النظر فيها لوجدنا فارقا أو تلاعباً لونياً بمنتهى الدقة ."    
وهذا التمويه عبر التلاعب باللون يشير إلى طابع الرغبة بشيء من الغموض وعرقلة المعنى لدى الفنان المينيمالي رغم الشكل الفني المبسط الذي يقدمه وكان الفنان المينيمالي يحاول استدعاء المتلقي الى تقصي ما وراء السطح رغم اهتمامه بالسطح والشكل العام الظاهري"وهنا يلاحظ، كما يشير بلينيت، ان النحت ألاعتدالي، في علاقته مع الأفكار التي تدافع عنه إيديولوجيا، يستفيد من الغموض الملازم لكل عمل ثلاثي الأبعاد بصفته كشيء وفي وضعه كعمل فني. وهو ما يشرح ارتباط هذه المدرسة بالنحاتين الذين تحول بعضهم (زومنهم دونالد جاد) عن التصوير وانتقل إلى النحت لما يقدمه هذا المجال من إمكانيات لا يجدها الفنان في التصوير.هذا فضلا عن ان التصوير قد يكون بالنسبة للفن الاعتدالي تبريرا شكليا تاريخيا أكثر مما هو حقيقة فعلية ". 
وشكلت التكعيبية وتخطي علم المنظور وتهميش الاهتمام بإبراز العمق أو الإيهام به منطلقا للمينيمالية في الاهتمام المادة بأبعادها الهندسية والاهتمام بالمساحة فـ" الفنانون الاعتداليون ينطلقون من التحولات الشكلية كما حصلت في مجال التصوير منذ التكعيبية والتيارات الفنية اللاحقة (كذلك التصوير الاميريكي في الخمسينات). هذه التحولات تتمثل بتحول المدى الفضائي (أو زواله) كنتيجة للتركيز على سطح اللوحة والتخلي عن علم المنظور والإيهام بالعمق. هذا التطور سيقود، في نظر الاعتداليين، إلى التخلي تدريجيا عن مظاهر التصوير الخاصة لصالح المادة (المساحة وقاعدتها) وتوضيعها مع جماعة ((الحوامل والمساحات)) ( supports – surfaces ).  
كما يشكل الاختزال بؤرة استقطاب أساس للمينيمالية وذلك لما يتمتع به المنجز المينيمالي من اقتصاد شكلي ولوني محدود بالحد الأدنى، لذا "... فان جميع العلاقات التي ستقام بين الفن ألاعتدالي والتصوير ستحددها الآليات المفترضة لنظرية تطور الفن كاختزال عصري)).فالتصوير الذي ((يمكن ان يعرف بهذه العبارة (ألاعتدالي) هو التصوير الذي جعل هذا الاختزال العصري جذريا)) ". وهكذا ظهرت أعمال فنية تتجاوب وفكرة الاختزال إمعاناً في تحقيق الشكل المينيمالي فمثلاً قدم (موندريان) منجزه الفني بطريقة قلل فيها التكوينات الشكلية إلى حدها الأدنى على صعيد الخطوط الأفقية والعمودية ، وقدم (كاندسكي) أشكالاً تجريدية خالصة وفق أسلوب الاختراق إلى الداخل للدلالة عن الضرورة الداخلية للمعطيات الشكلية وتقصي بواطنها عبر التكوين البصري . كما " اكتفت باتريسيا جوهانسون مثلاً بأن قسمت لوحتها الكبيرة (2,59 X  8,53 م) إلى قسمين باتجاه الطول،بواسطة خط اسود عريض،كما اكتفى أيضاً جوباير بان أوضح أطراف لوحته،ذات المساحة الرمادية الفاتحة المتجانسة، بواسطة إطار ذي لون قاتم،في حين وضعت آنييس مرتان على لوحات مربعة خطوطا رمادية دقيقة تتقاطع عموديا وتقسم مساحة اللوحة كلها إلى عدد كبير من المستطيلات والمربعات الصغيرة المتساوية ." 
وتتكشف المينيمالية أيضاً في التكرار فمثلاً تظهر مقاطع أو نغمات موسيقية بشكل متكرر يقل فيها التنوع وتثير حالة من الإيحائية القريبة من الإيقاع المشجع على الاسترخاء فهي" ... تتبدّى في مسارات صوتية طويلة، مُعدّة بدقّة أو عفوية. التكرّر المستمرّ لخلايا ميلودية إيقاعية يتحقّق فيها عبر تنويعات زهيدة. ورغم أنّ هذه الموسيقى تفتقر إلى جذور تاريخية، إلا أنّها تُعتبر «موسيقى أولى» أو بالأحرى أوّلية، لا بالمعنى البدائيّ حتماً، بل على اعتبارها تكتنف عودةً إلى الأصول بمعنى أو بآخر. تهدف المينيمالية إذاً عبر التكرار المذكور إلى اجتراح مساحة سمعية إيحائية تقود المتلقّي نحو حالة مماثلة لحالات التنويم المغنطيسي.". 
كما تتميز المينيمالية بجملة صفات تكشف عن طبيعة أسلوب خطابها الفني"وتذكر (باربارة ريس reys ) الناقدة الفنية، ان النوعية العامة المميز لفن الحد الأدنى يمكن تحديدها في عمل النحاتين الأمريكان الذين عرضوا أعمالهم في متحف نيويورك وتتميز تحديدا :
1- بالتجريد الكامل 2- النظام 3- البساطة 4- الوضوح 5- مصنوع في معمل 6- درجة عالية من إتقان الصنع 7- ضد الخيال ." 
 إلا ان نقطتي الوضوح وضد الخيال هنا تستند الى طبيعة التلقي والتي تفترض فيهما الناقدة الفنية  (باربارة ريس) ان الأشكال المينيمالية المقدمة تكون مكشوفة مباشرة كالأشكال الهندسية مثلاً والتي لا تحتاج لفهمها كثيرا من تدخل خيال المتلقي ولكن لا بأس من الإشارة إلى أن وجود الأشكال المينيمالية بحد ذاتها وطبيعة علاقاتها في المنجز الواحد أو طرق توزيعها على الأرض يستثير عوامل التأويل ويحفز التفكير التخيلي لرصد طبيعة تلك العلاقات وممكناتها الفكرية والجمالية .

المبحث الثاني:المينيمالية في أداء الممثل المسرحي (عالميا)
تشكل المينيمالية في المسرح محاولة للتأكيد على الجوانب الشكلية وتهميش المضمون على الرغم من العلاقة الترابطية بينهما إلا ان الاهتمام بأداء الممثل الشكلي وعلاقاته مع باقي الممثلين وعناصر العرض المسرحي يتخذ مساحة الاهتمام الأكبر في تقديم الجوانب وفق مقومات تشكيلية لاسيما بخطابها البصري الذي يتخذ مقتطفات صورية مجتزئة أو أداء الممثل لقصة مسرحية قصيرة جدا تحمل بين طياتها ممكنات القراءة المتعددة رغم اختزالها الشديد .
وقد ظهر الاهتمام المينيمالي في الأعمال المسرحية التي اتجهت نحو تعميق فكرة الخطاب الشكلي عبر معطيات العرض المسرحي ومنها أداء الممثل ليحقق القائمين على العروض أسلوباً يتبنى جمالية العرض الذي يستند إلى العلاقات الشكلية وهذا ما ظهر مثلاً في عروض (فورمان،ويلسون،كيربي)،إذ"ان أعمال كل من"ريتشارد فورمان" (Richard forman)،و" روبرت ويلسون"(Robert Wilson)،و"مايكل كيربي"(Michael kirby) تفصح عن اهتمام واضح بالنسق الشكلي والبنائي في مجال اكثر تقليدية هو مجال المسرح  .فإذا نظرنا إلى هذه الأعمال – أو العروض المسرحية (presentations)– في ضوء النماذج المألوفة للدراما الإيهامية (re-presentational drama ) يمكننا اعتبارها تراجعا عن " المضمون " لصالح رفع راية " مذهب شكلي جديد " (new formalism)،..." 
ان المينيمالية في أداء الممثل في عروض (ريتشارد فورمان ) مؤسس (مسرح الصورة) تتبدى من خلال الحركة البطيئة والتكرار وتهميش المنظور بالمعنى التقليدي، وذلك من اجل إيجاد اهتمام بالجوانب الشكلية البصرية الظاهرة في العرض وحث المتلقي على الوعي بالأحداث المسرحية فضلا عن دعوة المتلقي للمشاركة الفاعلة مع العرض وإيجاد علاقة مباشرة بين المتلقي وأداء الممثل بغية تحقيق التكامل الفني بهما في العرض المسرحي.( ) كما ان"ما يهم (فورمان) هو التعليم وإيصال  أفكاره،وثمة مشاهد تؤدي بالحركة البطيئة لتوحي بمنظر ثنائي الأبعاد،ومشاهد أخرى تؤدى من منظور مسرح البرواز،ونجد الممثلين يحملقون في الجمهور،وثمة تلاعب بالمنظور أحياناً. باختصار يبدو هذا المسرح خارجاً عن القوانين المتعارف عليها للمكان والزمان ".( ) 
ويتخذ أداء الممثل عند فورمان تحولات نفسية وجسدية مينيمالية ذات أبعاد مختلفة تتناسب والتداخل والتقاطع بين عدد من القصص المسرحية المتقطعة والمختزلة التي تتشظى ولا تترابط، ففي عرض (اشباع رغبات الجماهير: عرض يشوه مايصور- 1975 ) " يقدم لنا ريتشارد فورمان سيلا من العناصر التي تشير بصورة متكررة إلى وجود مسرحية أو عدد من المسرحيات أو إلى قصة أو عدد من القصص.لكن هذه المسرحيات أو القصص تظل جزئيات منتشرة لا تلتحم و لا تكتمل ، بل تتدفق في صورة شظايا ، وأحداث مبتورة ، وبدايات جديدة وتحولات في المنطق . فالعرض يشير في البداية إلى عناصر الدراما من شخصيات وقصة ورمز وحوار ، لكنه سرعان ما يشرع صراحة في خلط هذه العناصر وتركيب بعضها فوق بعض في كولاج متنافر مما يتسبب في انتفاء أي إحساس  بالوحدة ". كما قدم في هذا العرض "... نظاما معينا لتفتيت الحوار بأكثر الطرق تعسفا واعتباطا،فقام بتسجيل حوار الممثلين الأربعة الرئيسيين على شريط " بحيث ينطق كل منهم بكلمة منفصلة في تتابع مستمر بغض النظر عن الكلمات المخصصة لادوار كل منهم في النص" 
وإمعاناً في إبانة المينيمالية يعمل ممثل (فورمان) على تجسيم أوجه المعنى الذي يفترضه المؤلف ليشكل شكلاً هندسياً متعدد الأوجه في تقديم معنى الخطاب المسرحي وليس وجه واحد، ويمنحون أدائهم ومفردات العرض صفات متناقضة على الصعيد الإنساني، لذا"وخلال العرض يتصرف الممثلون بصورة … يمثلون الأوجه المتعددة لمؤلف العرض، ويعبرون عن مستويات وعيهم . وهذا بحد ذاته تدمير للوظيفة التقليدية للممثل و إعداده ،كأنما يسعى هذا المسرح إلى أنسنة الأشياء وتشييء الإنسان". ( )
بينما في عروض (روبرت ويلسون) ترى (فاني بروكس) إحدى المشاركات في عروضه ان المينيمالية شكلت عنصراً تأثيرياً بارزا في أعماله عبر الاختزال والاقتصاد في أداء الممثل وعناصر العرض المسرحي  " وفي هذا الصدد تقول" فاني بروكس" (fanny brooks) التي شاركت في أعمال"ويلسون" المبكرة:كانت هذه الأعمال الأولى بسيطة ومتقشفة للغاية و أظن انه كان متأثراً في ذلك الوقت إلى حد كبير بأعمال المؤلف الموسيقي جون كيدج .. مثل تلك الحفلة الموسيقية التي لم يستخدم فيها سوى نغمة واحدة ... كان ويلسون متأثراً بنظرية الحد الأدنى في الفن إلى حد بعيد".  
وإمعاناً في إبانة التأثير المينيمالي في أداء الممثل في عروض ويلسون فقد كان الأداء يستند إلى ممثلين يعانون من الصم والبكم مما تطلب إيجاز أشاري هادف في إيصال المعاني فضلاً عن اعتماد علاقات شكلية مرمزة تنهل من مواضيع اسطورية يتم استعادة صياغتها بروح معاصرة مما جعل هذا النوع من العروض يوصف بأنه اسفنجة الأساطير وتقدم بطرق تضمن إيجاز مرمز يتقارب مع الأحلام والهلوسة ضمن نسق تجريدي غرائبي مع إيقاع أداء الممثل البطئ جدا مع التكرار بالأداء والذي ميز اغلب أداء الممثلين في عروض ويلسون . ( )    
ولقد أسس (روبرت ويلسون) مسرح مؤسسة بيرد هوفمان الذي اهتم بالعناصر البصرية والتأكيد على المفردات الشكلية الموجزة ضمن نسق حركي يهتم في إبراز أهمية التعبير الصامت ، واستند في عروضه إلى تراكيب تشكيلية مرنة سميت (أوبرا الصمت).  حيث الاهتمام في الكشف عن أهمية الإشارة الجسدية في إبانة الفعل المسرحي لاسيما إذا ما تم الأداء بطريقة مينيمالية تستند إلى الفعل البطيء لتعزيز إدراك المتلقي ، لذا يقول(ويلسون):"يتواجد داخلنا عدد من العمليات البطيئة والتي لسنا بقادرين على أن نكون واعين بها .أريد  – يستطرد (ويلسون) – أن يدرس الممثلون كل حركة ، كل حركة صغيرة للجسد،ورسالتها الدقيقة داخل المساحة المحيطة بالإنسان الذي يتحرك في قلبها.كلما كانت الحركة أبطأ عند تحرك الإنسان،زادت قدرتنا على الرؤية..".( )
ان الاهتمام بأداء الممثل البصري في عروض ويلسون تطلب متمايزات أدائية إذ أن الأداء الجسدي يتشكل ثم يتفكك ويتداخل باقتصاد أشاري مع مفردات أخرى ثم يتشظى لتعكس حالة الانفعال السيكولوجي المكبوت والمضطرب عبر أداء الممثلين الذين يعانون الصم والبكم ويكشف من خلال أدائهم المتميز بدقة الحركة والاقتصاد بها في إيصال المعنى بشكل موجز لكل حركة بشكل يؤكد جزئيات الحركة وإمكانياتها الاتصالية لاسيما في إبانة الأداء عبر الحركات البطيئة والتكرار مع طول فترة العرض" ان مثل هذا الأسلوب في الأداء يشد الانتباه إلى نفسه باعتباره هو نفسه مصدراً ممكناً للمعنى،… ويبدو أن (ويلسون) كان يرى في طبيعة وإيقاع هذا الأسلوب في الأداء وسيلة للكشف عن العديد من المشاعر المعقدة والمعاني المركبة التي لا نلحظها عادة "( ).      
ان التكرار وبطيء الحركة في أداء الممثل في عروض ولسون تطلب طول مدة العرض وهذا  ما تجلى في عرض (نظرة الرجل الأصم – عام 1970م) الذي امتد زمنه إلى (سبع ساعات ) واشتمل على تكرار لعدد من حركات الممثلين الإيمائية البطيئة والتي تصور علاقة أم بطفلها .في حين استغرق عرض (جبل كا وشرفة جاردينيا – 1972م) ما يقارب (268 ساعة) وأيضاً ظهر أداء الممثلين فيه بالبطء والإيحاء بالحلمية لتحقيق مستوى اكبر من التركيز على جزئيات الحركة وتكثيف واختزال الحركة المفعمة بالمعنى ضمن كولاج بصري يعرقل المعنى ليفتح المجال إلى إدراك حر ومتعدد للمعنى لاسيما في رصد معاني تكرار الحركة، كما يظهر خليط من الممثلين وهم يجلسون حول مناضد مقهى يتحاورون بألفاظ موجزة متقطعة في عرض (خطاب إلى الملكة فيكتوري – 1974م) وفي مشهد آخر يظهر أربعة طيارين تتكرر نظرتهم نحو السماء ثم الأرض ويقفون و ظهورهم للمتلقين، وفي عرض (رباعية -1986م) يظهر الاختزال في اداء كل ممثل والتجريد الشكلي في علاقاتهم والتكرار والتضاد بين الحركة واللفظ اذ يبدو الشعر الملفوظ الذي يصوغه (مولر) مستقلا عن الأداء الحركي لممثلي (ويلسون) بحيث يبدو كل منهما كطرفي مجاز مستقلين اذ يتعاكس اللفظ بشكل مستقل عن الصور البصرية لأداء كل ممثل.    
أما المينيمالية في أداء الممثل عند (مايكل كيربي) فقد تركزت في الاهتمام بالنسق الشكلي والبنائي ويظهر أداء الممثل عند (مايكل كيربي) بشكل اقتصادي منضبط وفق قواعد تقشفية صارمة في التواجد الزمكاني على مساحة العرض ، ففي الفصل الأول من عرض مسرحية أول علامات التفسخ(1985) والمكون من خمس شخصيات"... يحدد كيربي تسعة مواقع فقط على خشبة المسرح يمكن للممثلين الوقوف او الجلوس فيها، ... ووفق قاعدة أخرى لا يسمح "كيربي" لأكثر من ثلاثة من الممثلين الخمسة بالتواجد معا على خشبة المسرح في أي وقت من الأوقات ، فإذا دخل ممثل لابد أن ينسحب آخر من المتواجدين على الخشبة . كذلك يجب ان يغير الممثلون مواقعهم إلى مواقع جديدة كل خمس وعشرين ثانية ". 
كما يظهر اهتمام مينيمالي في توظيف الحوار الذي يؤديه الممثل من خلال التأكيد على كلمات محددة والعمل على تكراراها في مخاطبة المتلقي فمثلا في الفصل الثاني من عرض مسرحية أول علامات التفسخ " ... تتوجه الشخصيات إلى المتفرجين وتخاطبهم باعتبارهم الممولين المنتظرين الذين يترقبون قراءة المسرحية ، بينما تعتمد بنية الحوار الذين ينطقون به على تكرار كلمات وجمل معينة.وما ان ينتهي جميع الممثلين من مخاطبة الجمهور كل على حدة حتى ينتهي الفصل ".  وهذا أيضاً يسند التواجد التقشفي للممثلين على مساحة العرض بحيث يقدم كل ممثل حواره بمعزل عن الآخر وضمن شروط تواجد محددة بدقة زمنية ففي الفصل الثالث من نفس المسرحية"...، يتحرك الممثلون بين ثمانية مواقع لها علاقة وثيقة بمواقعهم في الفصل الأول لكنها لا تتطابق معها،ولا يسمح لهم بالكلام إلا أثناء الحركة. ويقسم "كيربي" هذا الفصل إلى واحد وثلاثين وحدة تسمح لكل شخصية من الشخصيات ان تبقى وحيدة على خشبة المسرح لمدة ثلاثين ثانية، وبالظهور مرة في صحبة كل شخصية من الشخصيات الأخرى لمدة دقيقة ... وفي النهاية تظهر كل الشخصيات الخمس معا لمدة دقيقتين ونصف ". 
وبذلك تتبين المينيمالية في أداء الممثل عند كيربي عبر جملة مميزات أدائية يفرضها الأسلوب الإخراجي المختزل والمنضبط وفق قواعد زمكانية دقيقة تتطلب من الممثل ان تواجد مختزل بالأداء والزمان والمكان فضلا عن تموقع هندسي متنوع ضمن علاقات محددة مع الممثل الآخر بالشكل الذي يفرض تواجد لعدد محدد للممثلين خلال العرض وان زيادة أي ممثل بدخوله يفرض انسحاب آخر مما يجعل عدد الممثلين على مساحة العرض مختزلا غير قابل للكثرة إضافة إلى التكرار والتركيز على بعض المفردات في الحوار الذي يوجه للمتلقين وان لكل ممثل بمعزل عن الآخر حق مخاطبة المتلقين بكلام مكثف مضغوط مكرر فضلا عن ضرورة مرافقة الكلام مع الحركة ولا يكون في حالة السكون وكل تلك العوامل تؤسس لنمط عرض قائم على قواعد هندسة المكان والتنظيم الدقيق لتواجد الممثل المكاني وطريقة أدائه فيه مع دقة الالتزام في أداء الممثل وفق ما يحدد له من فترة زمنية .

الدراسات السابقة
لم يجد الباحث ما يمكن اعتباره دراسة سابقة بعد اطلاعه على المصادر ذات العلاقة بموضوع البحث الحالي .
المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري
1) الاختزال والتقشف والتكثيف والاقتصاد:تظهر المينيمالية في أداء الممثل المسرحي من خلال الاختزال والتقشف كما في عروض (ويلسون) حيث يظهر الاختزال والاقتصاد في أداء كل ممثل وبشكل متقشف للغاية.وكذلك عند (كيربي) من خلال تكثيف وضغط الحوار والاختزال ألزماني والمكاني لأداء الممثلين ولتواجدهم على مساحة العرض فضلا عن تعامل الممثل مع مفردات مختزلة ومقتصدة من عناصر العرض الأخرى.كما ان فكرة الاختزال تلتقي مع أطروحات ومنجزات (موندريان) التشكيلية .فضلاً عن بطء الحركة،كما في عروض (ويلسون) التي يظهر فيها الأداء المينيمالي للممثل من خلال الحركة البطيئة جدا إمعانا في التركيز على جزئيات الحركة فضلا عن تحفيز انطباع بعالم اقرب للأحلام .
2) التكرار:تتكشف المينيمالية في أداء الممثل المسرحي عبر التكرار كما في عروض (فورمان)  حيث تكرار بعض الكلمات في الحوار فضلا سيل من العناصر تشير بصورة متكررة إلى وجود مسرحية او عدد من المسرحيات وكذلك في عروض (ويلسون) حيث التكرار بأداء الممثل لزيادة تركيز المتلقي نحو مقاصده فضلاً عن الإيحاء بالهستيريا. كما تكشف التكرار في منجز الرسام  (رينهارت ) الذي قدم سلسلة من اللوحات التي كانت متشابهة في الهيئة وجميعها بقياس خمسة أقدام مربعة ، وكذلك ظهر التكرار في منجز النحاتان( دونالد جاد) و (روبرت موريس).
3) النظام الدقيق والشكل الهندسي:اذ تظهر المينيمالية في أداء الممثل المسرحي بخضوع الأداء الى تقسيمات هندسية مكانية وتقسيمات زمنية منتظمة ، كما في عروض كيربي التي لا يسمح فيها لأكثر من ثلاثة من الممثلين الخمسة بالتواجد معا على خشبة المسرح في أي وقت من الأوقات. كما تظهر المينيمالية في أداء الممثل المسرحي في التعامل مع أشكال هندسية في مجموعات متتالية ومرصوصة جنبا إلى جنب بمستوى واحد بالشكل الذي يوحي بالسعي إلى أنسنة الأشياء وتشييء الإنسان .كما أشارت الناقدة الفنية (باربارة ريس) للنظام الدقيق في التوجه المينيمالي.
4) التجريد والتبسيط الشكلي:إذ يبدو الأداء المينيمالي للممثل المسرحي ضمن نسق تجريدي غرائبي كما في عروض (ويلسون) حيث تتألف تلك التكوينات ضمن نسق عام يعطي انطباع بأشكال مجردة توحي بعوالم حلميه ويشمل ذلك عناصر العرض التي يتعامل معها الممثل.كما قدم (كاندسكي) أشكالاً تجريدية وكذلك أشارت الناقدة الفنية (باربارة ريس) للتجريد الشكلي في التوجه المينيمالي. كما يظهر التبسيط الشكلي في أداء الممثل المسرحي الذي يتمتع ببساطة التكوين بالأداء البصري والصوتي ويشمل ذلك علاقاته مع عناصر العرض الأخرى عبر تغييب أو تقليل وجودها مثل استخدام العناصر بشكل يوحي بوجودها رغم غيابها أو بشكل مرمز مقتصد يمنحها شكلاً مبسطاً،كما في عروض (ويلسون).وهذا ما ظهر أيضاً في منجز الرسام (رينهارت) فضلا عما أشارت إليه الناقدة الفنية (باربارة ريس) من التبسيط الشكلي في التوجه المينيمالي. 
5) تهميش الترابط الكلي:إذ تظهر المينيمالية في أداء الممثل المسرحي من خلال تفتيت الحوار بأكثر الطرق تعسفا واعتباطا كما في عروض (كيربي) حيث رفض فكرة شرط الترابط الموضوعي بين جزئيات أداء الممثل المسرحي على الصعيد اللفظي والجسدي. إضافة إلى التضاد بين الحركة واللفظ،إذ تظهر المينيمالية في أداء الممثل المسرحي من خلال التضاد بين الحركة واللفظ كما حدث في عروض (ويلسون) بحيث يبدو النص اللفظي مستقلا عن الأداء الحركي للممثلين وأحياناً لدرجة التعاكس بين اللفظ والأداء الجسدي للممثل.كما أشار لعدم الترابط النحاتان(دونالد جاد) و(روبرت موريس) وذلك بتبنيهما لفكرة عدم اشتراط النظرة الترابطية الكلية للمنجز الفني . 
6) هوية المسرح الذاتية:تظهر المينيمالية في أداء الممثل المسرحي بعدم توظيف ما هو خارج جنس الفن المسرحي عبر استبعاد الأشياء الخارجة عن نطاق الفن المسرحي على صعيد أداء الممثل وفي تعاطيه مع عناصر العرض الأخرى ، وهذا ما كدته عروض (فورمان) و(ويلسون) و(كيربي) فضلا عن أطروحات وأعمال الرسام (راينهارت).
7) التمويه بالغموض:المتأتي من وضع أداء الممثل كشيء في عمل فني لذا فهو يمارس نوعا من التمويه يُظهر أداء الممثل المسرحي عبر طريقة التقديم المتوقع منها أكثر من حقيقة ما تقدمه أو الترقب لحدوث فعل لا يحدث أو في توظيف الألفاظ المسببة لجانب من عرقلة المعنى،فضلا عن التكوينات العلائقية بين الممثلين أو بين عناصر العرض التي يظهر فيها التلاعب في المنظور كما في الحركة (التكعيبية).أو عبر إيجاد علاقات شكلية مرمزة تنهل من مواضيع أسطورية يتم استعادة صياغتها بروح معاصرة كما في عروض (ويلسون). فضلاً عما أشار إليه (بلينيت) من دور الغموض في المنجز الفني وكذلك منجزات (دونالد جاد).

ت اسم العرض المسرحي السنة
1. GTG                     (جي تي جي) 2013
2. Lost                       (مفقود) 2013
3. One, Two, Three      (واحد,اثنان، ثلاثة) 2013





الفصل الثالث
مجتمع البحث:يتكون (مجتمع البحث)من العروض المسرحية المينيمالية المقدمة في ماليزيا عام 2013 .              (ينظر: ملحق رقم 1).
عينة البحث: تم اختيار عينة البحث بطريقة عشوائية فكانت نتيجة العروض ، كالآتي :
أداة البحث : تم الاستناد إلى مؤشرات الإطار النظري بوصفها فئات أداة البحث .
منهج البحث : اعتمد البحث الحالي المنهج الوصفي ( التحليلي).
تحليل العينات :
                 عينة (1)عرض مسرحية  GTG
ماليزيا 2013
شهد العرض الاختزال والتقشف والتكثيف والاقتصاد في أداء الممثل بحيث اقتصر أداء الممثل على الجلوس في حالة انتظار طيلة فترة العرض التي اقتصرت على(عشرة دقائق) ولم يقم الممثل إلا ببعض الإيماءات والحركات الموقعية والتي أشارت  إلى حالة الملل التي تنتابه وهو في انتظار غير معلن عن الشخصية التي ينتظرها وبقيت حركات الممثل مقتصرة على حركة تكرارية للرجل للتعبير عن الانزعاج من طول الانتظار فضلا عن التلفت جهة يمين المسرح للإشارة إلى الموقع المفترض للمراد انتظار قدومه.كما تقشفت موجودات باقي عناصر العرض حيث تركزت على عنصر الديكور وتهميش باقي العناصر الأخرى، إذ لم يظهر مثلا توظيف للأزياء المسرحية أو الإضاءة المسرحية أو للمؤثرات الصوتية .
كما شهد العرض التكرار في حركة الممثل لاسيما على صعيد الحركة التناوبية للرجل والتي أشارت إلى مستوى حالة الضجر والملل التي أصابته بسبب الانتظار فضلاً عن تكرار حالة الالتفات نحو جهة يمين المسرح لتأكيد الجهة المتوقعة لوصول الشخص المنتظر.كما ظهر التكرار على مستوى شكل المكعبين الموجودين يمين ويسار المسرح .
وظهر الاهتمام بالشكل الهندسي من خلال وجود الأشكال الهندسية الأربعة الموجودة بوصفها مفردات ديكورية تمثل خلفية لأحداث الفعل المسرحي وان تم تهميشها لصالح الفعل المركزي للمثل الجالس على الكرسي بوصفه بؤرة استقطاب للحدث الرئيس والوحيد .
وأبان العرض التجريد والتبسيط الشكلي عبر أداء الممثل و التكوينات التي تعامل معها إذ تميز العرض ببساطة التكوين بالأداء البصري وشحت شديدة في الكلام لدرجة ان الممثل لم يقل كلمة إلا في نهاية المسرحية واقتصرت على كلمة واحدة تعلن انتهاء المسرحية.فضلا عن التبسيط على مستوى الديكور وبشكل تجريدي استغنى عن الشكل التقليدي لتوظيف عناصر العرض الأخرى للمسرحية كما ظهر اهتمام بالإيحاء المرمز لوجود الشخص المتوقع حضوره عبر إشارات الممثل وحركة رأسه .
أما على مستوى تهميش الترابط الكلي فقد ظهر من خلال وجود مفردات ديكورية متنوعة الأشكال الهندسية إلا أنها لا ترتبط مع بعضها ضمن خصوصية العرض ولم يعمل الممثل على تفعيل علاقاتها الشكلية بأسلوب درامي من خلال أدائه المسرحي بل اقتصر وجودها على ملئ الفراغ التكويني لفضاء العرض.
ظهرت هوية المسرح الذاتية في هذا العرض من خلال أداء الممثل المسرحي الذي لم يوظف ما هو خارج جنس الفن المسرحي عبر استبعاد الأشياء الخارجة الدخيلة على المسرح على صعيد أداء الممثل وفي تعاطيه مع عناصر العرض الأخرى .
وتبين التمويه بالغموض في أداء الممثل المسرحي عبر طريقة تقديم الممثل لفعل إيمائي لحالة انتظار توحي بحدوث شيء جديد في كل لحظة إلا انه لا يحدث شيء سوى الاستمرار بالانتظار المبهم فضلا عن التمويه بوجود شخصية قادمة متوقع حضورها إلا ان المتلقي وبعد طول انتظار يجد الممثل يغادر الخشبة باتجاهه ليعلن الممثل بانتهاء العرض دون قدوم أي شخصية أخرى .
عينة (2) عرض مسرحية (LOST) 
ماليزيا 2013                                                      
شهد عرض مفقود الاختزال والتقشف والتكثيف والاقتصاد على مستوى أداء الممثلتين ومقومات العرض عموما فضلا عن الاختزال في وقت المسرحية الذي كان (اقل من خمس دقائق) مع ما ظهر من تغييب قصدي لأغلب مستدلات العرض المسرحي المألوفة فمنذ لحظة بدء العرض عمَ الظلام الخشبة والصالة معا ثم تظهر الفتاتان وهما مستلقيتان على خشبة المسرح ينظران نحو المتلقين ثم تبدءان بالنهوض والحوار وهما ينتابهما الخوف والحزن ، وكان النص اللفظي مقتضب جدا فضلا عن الاختزال المكاني وألزماني الذي وصل حد تغيبهما بغياب المستدلات البصرية الزمكانية .
كما ظهر في العرض تكرار في الانتقال الحركي للممثلتين لاسيما في لحظات التحدي بينهما مع ما يرافقهما من تكرار لمفردة التواجد هنا وفي تفاوت زمني متناغم ، إذ التزمت الممثلتان بإيقاع واحد بل كان تكرار الجملة يتم عند كل ممثلة وفق نسق يتقارب مع الممثلة الأخرى مما سبب إيقاع لفظي متتابع لكن ضمن سياق التحدي بينهما . 
بينما همش العرض النظام الدقيق والشكل الهندسي إذ لم يتبين في أداء الممثلتين اهتمام دقيق بجزئيات التواجد المكاني المقسم زمنيا فكلاهما تواجدت على مساحة العرض،إلا انه ظهر اهتمام بتواجد مفردات ديكورية هندسية تعاملت كل ممثلة مع بعضها بين الحين والآخر .
في حين جاء التجريد والتبسيط الشكلي من خلال الأداء التمثيلي المبسط والتعامل مع مفردات عرض متقشفة للغاية بحيث استند أداء كل ممثلة على تعبير اقرب للواقعية مع تنقلات مكانية متزامنة عززت تطور علاقات كل ممثلة مع الأخرى مع تطور الحدث المسرحي الذي سار بتصاعد مبسط مبتدأ من حالة ترقب الفتاتين باتجاه المتلقين لينتهي بالحزن لانتهاء العرض وضرورة المغادرة الذي ظهر على إحدى الفتاتين لينتهي العرض بوداعها للمتلقين بلهفه .
بينما اتخذ تهميش الترابط الكلي على مستوى الأداء جانباً اقل بسبب اهتمام أداء كل ممثلة في إظهار الترابط الأدائي بينهما ومع باقي مفردات العرض المسرحي،إذ اتخذ الأداء ميلاً واضحاً نحو التسلسل المنطقي للإحداث رغم قصرها إلا أنها اتخذت أسلوباً أدائياً قارب الاتجاه الواقعي في رسم وتطور الفعل الأدائي المقدم للحدث المسرحي .
بينما عزز العرض من هوية المسرح الذاتية وذلك باستناده على ما هو مسرحي بأبسط أسسه دون الاستعانة بأي تقنيات مبهرجة أو دخيلة على المسرح بل تطرف العرض في تأكيد هوية المسرح بتغييب حتى العناصر المألوفة المستخدمة في اغلب العروض المسرحية مثل الزي والديكور...
في حين همش العرض التمويه بالغموض المنشود بفعل وضوح الأداء ومتطلباته على الرغم من وجود حالة الترقب في بداية العرض وما قدم من كل ممثلة من أداء يوحي بوجود شيء حدث من جهة المتلقين مما جعل المتلقين في ترقب مستمر في بداية العرض .
عينة (3) عرض مسرحية (  One, Two, Three)
                                                                          ماليزيا 2013
تبين الاختزال والتقشف والتكثيف والاقتصاد في أداء الممثلين الثلاثة عبر الاقتصاد في الأداء الجسدي حيث اقتصر على جلوس الممثلين الثلاث طيلة العرض بمستويات متفاوتة الارتفاع فضلا عن الاقتصاد في الحوار اللفظي بينهم،كما شهد العرض اختزالاً زمنياً ، إذ لم يستغرق العرض سوى (ست دقائق) فضلاً عن التقشف في استخدام مفردات العرض الأخرى ، إذ اقتصرت على التوظيف الدرامي لكرسيين متفاوتين بالارتفاع،في حين تم ملئ باقي الفضاء المسرحي ببعض القطع هندسية الشكل (مصاطب أرضية) وستارة سوداء للخلفية ومصابيح أرضية على جانبي المسرح .
بينما ظهر التكرار في هذا العرض من خلال أداء الممثل الثالث الذي ركز على تكرار جملة (أعلى – أعلى- السماء) والتي كررها عدة مرات للتركيز على موضوع التفاوت الطبقي ، كما ان الجلوس الدائم للممثلين خلال العرض دون تغيير الحركة الانتقالية إلا في نهاية العرض شكل حالة تكرار . كما تعزز التكرار بالزي من خلال ارتداء كل الممثلين قميص ابيض وبنطلون اسود .
أما النظام الدقيق والشكل الهندسي فقد تبين في التوزيع لمستويات جلوس كل ممثل مع الآخر لتأكيد مستويات القيادة والتنفيذ والمحكوم إضافة ، فضلاً عن وجود مفردات ديكورية هندسية الشكل تمثلت بمصاطب أرضية توزعت أفقياً وعمودياً . 
في حين ظهر التجريد والتبسيط الشكلي في أداء الممثل عبر بساطة التكوين بالأداء البصري والصوتي فضلا عن البساطة في تعامل كل ممثل مع مفردات العرض،إذ اقتصر الأمر على الجلوس فقط واعتماد ألفاظ مقتضبة واعتماد أرضية المصطبة وكرسيين كموقع رئيس ووحيد لكل الفعل الدرامي . 
أما بخصوص  تهميش الترابط الكلي في أداء الممثل فلم يظهر في هذا العرض بسبب اهتمام كل ممثل في إيجاد الترابط مع الآخر بغية إظهار تسلسل تتابعي لمجريات الفعل المسرحي بحيث اتجه العرض نحو الأسلوب التقليدي لإبانة العلاقات الترابطية في الأداء الجسدي واللفظي. 
بينما تعززت هوية المسرح الذاتية عبر استناد أداء كل ممثل ومنظومة العرض إلى ما هو صلب الفن المسرحي دون بهرجة أو توظيف لتقنيات خارج جنس الفن المسرحي بل تم الاهتمام بإبراز إمكانية الخطاب المسرحي بأبسط التكوينات الممكنة مع الحفاظ على قدرة العرض لإيصال خطابه الفكري والجمالي.
في حين لم يظهر اهتمام بالتمويه بالغموض في أداء الممثل في هذا العرض إلا في حدود جزئية بالترميز الشكلي للتفاوت الطبقي أو في الإيحاء بإمكانية توقع المزيد من التغيير في تطور الفعل الدرامي دون حدوث ذلك فعلاً ، إلا في نهاية العرض حيث يقف كل ممثل ليعطي الجميع ظهرهم بإتجاه المتلقي . 
النتائج
1) ظهر الاختزال والتقشف والتكثيف والاقتصاد في العينات الثلاث على صعيد أداء الممثل وعناصر العرض التي تعامل معها أو شكلت خلفية لأحداث أدائه المسرحي . 
2) تبين التكرار في أداء الممثل في العينات الثلاث ففي العينة (1) والعينة (2) ظهر في الإيماءة الجسدية التكرارية  ووجود مكعبين على جانبيه . أما العينة (3) فقد برز في التكرار لجملة لفظية معينة . 
3) تكشف النظام الدقيق والشكل الهندسي بمستويات متباينة في العينات الثلاث إذ ظهر الاهتمام في العينة (1) بالشكل الهندسي لوجود مفردات العرض الديكورية والتي شكلت خلفية لأداء الممثل المتمركز بينها ، بينما فلي العينة (2) لم يتكشف ذلك إلا في حدود بعض العناصر الديكورية ، أما العينة (3) فقد حظيت بتوزيعات مكانية متتالية لمواقع الممثلين ضمن صف أفقي واحد مع مرافقها من أشكال ديكورية هندسية الشكل .
4) حظي التجريد والتبسيط الشكلي بمكانة أساسية في العينات الثلاث فقد تميزت العينة الأولى بوجود مبسط لممثل واحد استند الأداء الجسدي المقتضب مع غياب للأداء اللفظي إلا في حدود كلمة واحدة نهاية العرض مع تبسيط لعناصر العرض في أشكال تجريدية مقتصدة،أما العينة (2) فقد اهتمت أيضاً في إظهار التبسيط الشكلي على صعيد أداء الممثلتين وكذلك عناصر العرض المسرحي،وكذلك العينة (3) فعلى الرغم من تواجد ثلاثة ممثلين فيها إلا ان التبسيط الشكلي في الأداء مع عناصر العرض كان واضحا فيها .
5) تبين تهميش الترابط الكلي في العينات الثلاث بمستويات مختلفة إذ لم يظهر اهتمام واضح في تجاوز الترابط الكلي في أداء الممثل البصري والصوتي في العينات الثلاث ، إذ ظهر حرص الممثل على تقديم أداء مترابط على صعيد الأداء الذاتي بينما ظهر عدم الترابط أكثر على مستوى عناصر العرض لاسيما في العينتين (1 ، 2 ) .
6) تعززت هوية المسرح الذاتية في العينات الثلاث بعدم توظيف أداء الممثل ما هو خارج جنس الفن المسرحي فضلاً عن تعاطيه مع عناصر عرض تمتعت بخلوها من أي بهرجه تقنية أو مبالغات إنتاجية وغياب واضح لكل ما من شانه الاستناد لما هو دخيل على المسرح .
7) ظهر التمويه بالغموض في العينات الثلاث وفق أسس إيحائية تستند طبيعة الحدث المسرحي الذي يجسده الممثل بحيث يغدو تطور الفعل سبيلا للإيحاء بوجود الغموض لاسيما العينة (1)بينما اضمحل ذلك في العينتين                  (2 ،3). 

الاستنتاجات
1) الاتجاه نحو المينيمالية يأتي بسبب شحت الإنتاج المادي ومحاولة لتقديم العرض المسرحي وفق الممكنات المادية القليلة المتاحة .
2) ان تمتع المينيمالية بقصر وقت العرض المسرحي يتيح للممثل جهد اقل في تقديم أداءه فضلاً عما يتيحه للمتلقي من حكاية مسرحية معمقة بجرعة سريعة، إضافة لإمكانية مشاهدة عدة عروض مثلاً في ساعة واحدة .
3) التجريد الشكلي لاسيما لعناصر العرض يسهل عملية توظيفها لأكثر من عرض مسرحي بسبب إمكانية التحولات الدلالية التي تمنحها الأشكال المجردة .
التوصيات 
1) إقامة دورات مسرحية للتعريف بفوائد المينيمالية في تقديم العروض المسرحية بأبسط الإمكانيات المادية واعتماد أداء الممثل وطبيعة الحدث وسيلة لتعميق تأثير العرض المسرحي .
2) الاهتمام بإقامة مهرجانات مسرحية تعنى بالعروض المينيمالية تحديداً . 
المقترحات
1) دراسة المينيمالية في سينوغرافيا العرض المسرحي .
2) دراسة المينيمالية في النص المسرحي .

المصادر 
1- ينظر : كاي ، نك : ما بعد الحداثية والفنون الأدائية، ت:نهاد صليحة،ط2،(القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب،1999م) ، ص 33.
2- المشهداني ، ثائر سامي هاشم رشيد  : المفاهيم الفكرية والجمالية لتوظيف الخامات في فن مابعد الحداثة (أطروحة دكتوراه : جامعة بابل – كلية التربية الفنية ، 2003م)، ص 178.   
3- نهرا ، هالة : عمــر الرحبانــي وميــض فــي تجربــة ،  (  جريدة السفير  - العدد 12427   في  11/3/ 2013م) www.assafir.com،ص1. 
4 - كاي ، نك: مصدر سابق ، ص 33.
5 - امهز ، محمود : الفن التشكيلي المعاصر ،(لبنان – بيروت : دار المثلث للتصميم والطباعة والنشر ، 1981م)، ص295.
6 - كاي ، نك: مصدر سابق ، ص 38.
7- امهز ، محمود : مصدر سابق ، ص296.
8- كاي ، نك: مصدر سابق ، ص 38.
9 - امهز ، محمود : مصدر سابق ، ص295.
10- المشهداني ، ثائر سامي هاشم رشيد : مصدر سابق ، ص 180.     
11 - ينظر : امهز ، محمود : مصدر سابق ، ص296.
12- المشهداني ، ثائر سامي هاشم رشيد : مصدر سابق ، ص 180.    
13 - امهز ، محمود : مصدر سابق ، ص296.
14 - امهز ، محمود : مصدر سابق ، ص296.
15 - امهز ، محمود : مصدر سابق ، ص296.
16- ينظر : رايسر ، دولف : بين العلم والفن ، ت : سلمان الواسطي ، دار المأمون للترجمة والنشر ، بغداد ، 1986 . ص42-46.
17 - امهز ، محمود : مصدر سابق ، ص296- 297.
18 - نهرا ، هالة : عمــر الرحبانــي وميــض فــي تجربــة ،  (  جريدة السفير  - العدد 12427   في  11/3/ 2013م) www.assafir.com،ص1.
19- المشهداني ، ثائر سامي هاشم رشيد : مصدر سابق ، ص 179.  
20 - كاي ، نك: مصدر سابق ،  ص 69.
21 -ينظر : كارلون ، مارفن : فن الأداء ، ت: منى سلام ، مراجعة :نبيل راغب،(مصر:وزارة الثقافة –مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي "11")،ص224.
22- قلعه جي ، عبد الفتاح: المسرح واتجاهات ما بعد التجريب ، جريدة الأسبوع الأدبي، العدد 958–21/5/2005م ، دمشق ، (E- MAIL: ARU@NET.SY ).
23- كاي ، نك: مصدر سابق ، ص 74. 
24 - كاي ، نك: مصدر سابق ، ص 77-78.
  - قلعه جي ، عبد الفتاح : مصدر سابق. صفحة جريدة الأسبوع الأدبي.
26 - كاي ، نك: مصدر سابق ، ص 72.
27 - ينظر : أينز ، كريستوفر: المسرح الطليعي(من 1892 حتى 1992م) ، ت: سامح فكري ،(القاهرة : مركز اللغات والترجمة- أكاديمية الفنون ،" سنة نشر الكتاب الأصلي – لندن / نيويورك،1994م " )، ص 397 -399.
28 - ينظر:  هبنر ، زيجمونت : جماليات فن الإخراج ، ت: هناء عبد الفتاح ،(القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م )، ص 248 - 249 .
29 - هبنر ، زيجمونت : مصدر سابق ، ص 251 .
30 - كاي ، نك: مصدر سابق ، ص97.
  -ينظر : أينز ، كريستوفر: مصدر سابق ، ص388 ،390 -391،393-394 .
32 - كاي ، نك: مصدر سابق ، ص 87-88 .
33- كاي ، نك: مصدر سابق  ، ص 88.
34 - كاي ، نك: مصدر سابق  ، ص 88.  

 - للمزيد ينظر : Ethos! Minimalist Theatre - YouTube[via torchbrowser.com] ]
الملاحق
ملحق رقم (1) مجتمع البحث
ت اسم العرض المسرحي السنة
1. Black and White        ( الأسود والأبيض ) 2013
2. GTG                       (جي تي جي) 2013
3. The Perfect Two        ( المثالي اثنان) 2013
4. Lost                        (مفقود) 2013
5. Mirrors                     (المرايا) 2013
6. Blaine's Bane            (هلاك بلين) 2013
7. One, Two, Three       ( واحد , اثنان ، ثلاثة ) 2013
8. Absurd                    (سخيف) 2013
9. Trailer 1،2،3           ( المقطورة 1 ، 2 ، 3 ) 2013
10. Closing Performance     ( إنهاء الأداء ) 2013

---------------------------------------------------
المصدر : مجلة جامعة بابل للعلوم الأنسانية 
تابع القراءة→

الجمعة، أغسطس 05، 2016

مسرح عالمي : مشاكل الراهن في مسرحية 'الوساطة' تتناوب بين هزل وجد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أغسطس 05, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

من بين المسرحيات المسلّية “الوساطة” للفرنسية كلووي لامبير التي تعرض الآن في مسرح الجيب بمونبرناس، أحد الأحياء الفنية التاريخية بباريس، رغم أنها تتناول موضوعا أبعد ما يكون عن التسلية، وهو اختيار مَن يرعى الأطفال عند الطلاق، ولكن المؤلفة استطاعت أن تقدمه في شكل يجمع بين الهزل والجد، لتطرح القضية من عدة زوايا تجعل المتزوجين يفكرون أكثر من مرة قبل الإقدام على الخطوة الحرجة.

عرفنا كلووي لامبير (المولودة عام 1976 بمرسيليا) ممثلة تقمصت أدورا في عدة مسرحيات لكبار المؤلفين كألفريد دو موسيه وماريفو وأوسكار وايلد وشكسبير، توجتها بجائزة سوزان بيانكيتي عن دورها في مسرحية “الآخر” لفلوريان زيلر.
وعرفناها أيضا مخرجة لنصوص هامة مثل “الغرب المنفرد” للأيرلندي مارتن ماكدوناف و”الرابط” للفرنسية أماندا ستير، وبعد أن قدمت على أمواج فرنسا الثقافية، إعدادا وتمثيلا، مراسلات أناييس نن وهنري ميلر، ها هي تقترح “الوساطة”، وهو نص من تأليفها وإخراج جوليان بواسولييه، وتقوم فيه أيضا بدور “أنّا” الزوجة والأم.


الحل في الحوار

اختارت لامبير ثيمة الوساطة العائلية لتبني مسرحية تستكشف مواضيع جدية بأسلوب مفعم بالنشاط، حيث الشخوص مضخمة الملامح، والنسق سريع، والتقلبات حاضرة عند كل منعطف، والفكاهة تتناوب بين اللين والشدة، وتجعل المتفرج موزعا بين المرح والتفكير.

على الخشبة أربعة أفراد يشخصون بأنظارهم إلى أرخميدس، طفل في سن الثالثة، هو مدار المسرحية دون أن يكون حاضرا سوى من خلال كرسيّ شاغر يرمز إليه، ولوح في الخلفية كتب عليه اسمه، وكأنه جعل كحدّ فاصل بين الأب من جهة والأم من جهة ثانية، وفيما تتولى وسيطتان الحديث

باسمه، والدفاع عن مصلحته وطيب عيشه، يكشف الوالدان، رغم إلحاحهما على راحة ابنيهما، عن مدى إحساسهما بالضيق وعدم الأمان.

بيير، والد الطفل، يبدو أكثر الأربعة غلوّا، وأقلهم واقعية، فهو رجل صبيانيّ، زير نساء، وباحث مهووس بالديناصورات، ولا يقدّم صورة أب مثالي تطمئن إليه الأسرة، ولو أنه يضفي على المسرحية طابعها الهزلي، بفضل كلامه المنمق، وتعاليه المتكلف، وحركاته التي يحرص أن تجري بحسبان.

أما أنّا، طليقته وأمّ ولده، فلها هي أيضا بُعد عبثي، حيث تبدو في الظاهر أمّا رؤوما تحبو ابنها من العطف ما يجعلها تدافع عن مصلحته بشراسة، ولكنّ عواطفها النبيلة تلك تتكشف شيئا فشيئا عن شخصية امرأة تريد أن تتحكم في كل شيء، ما يترك انطباعا بأننا لا يمكن أن نثق في نزاهتها.

وبما أن الوساطة ناجمة عن خلاف، تبدو الأنفس حامية ومرتبكة، ويكثر التنقل على الخشبة للدلالة على حدة الخلاف بين المواقف، ومدى الأنانية التي تسيطر على هذا الطرف أو ذاك، إلى حين تدخل وسيطة رصينة تؤمن بأن النزاع يمكن أن يُحلّ عن طريق التحاور والإقناع.

الديكور في المسرحية ظل ثابتا لا يتغير، لكن الشخصيات تتطور وتنتهي إلى التخلص من الحزن المشوب باليأس والغضب الحانق
ولئن استعصى على أنّا وبيير أن يتفاهما، فليسمع كلّ منهما الآخر، لأنهما جاءا إلى هذه الشقة المؤجرة من أجل ذلك، ولكنهما لا يتوجهان إلى بعضهما بعضا، بل يصرّان على المرور عبر شخص آخر، ولتقريب وجهتي النظر، لا بدّ للوساطة أن تنجح، وذلك في الظاهر عصيّ المنال، فكلاهما يحمل ضغينة على الطرف المقابل. أنّا تحقد على زوجها لأنه خانها ثم هجرها ولم يكمل الرضيع شهره السادس، ووجدت صعوبة في تحمل أعباء تربيته بمفردها.

أما بيير، فيحقد عليها لأنه يحس أنها تضطهده وتخنق أنفاسه، وإذا كانت حياته تحوم حول الديناصورات، فهو يحلم بأن يشاركه ابنه فيها.

ورغم ذلك لا بدّ للوساطة أن تنجح، لأن للزوجين ثلاث حصص (هي فصول المسرحية الثلاثة) كي يتفقا على حلّ يقترحانه على القاضي، غير أن الوسيطتين مختلفتان هما أيضا، وتجدان صعوبة في الالتقاء حول حلّ مُرْضٍ.

وإزاء هذه الشخصيات، لا يملك المتفرج إلاّ أن ينساق مع هذا الجانب أو ذاك، فالوساطة، رغم ما يراد لها من حياد، تقيم الدليل على أن من الصعب في مثل هذه المسائل أن يحتفظ المرء بموضوعيته.


جدل عنيف

إن ظل الديكور ثابتا لا يتغير، فإن الشخصيات تتطور وتنتهي إلى التخلص من الحزن المشوب باليأس والغضب الحانق، أما المتفرج، فيخرج من هذه “الوساطة” مفرغا، ولكن مرتاح البال، وكأن الأبطال حملوا وزره في حل مشكلة قد يكون عاشها أو بصدد التخبط في شراكها.

من وضعية مؤلمة، استطاعت كلووي لامبير أن تستخلص كوميديا أخلاقية حديثة، تحيل على تطور المجتمع المعاصر، وبين التوتر الدرامي للجدل الصاخب إلى حدّ العنف، وضغينة المتحاورين ضد بعضهم البعض، تتوسل المسرحية بالطرافة والانفعالات التي تكشف عن أشياء حميمة من جهة، وعن عدم الإحساس بالأمان بين الأزواج من جهة أخرى، لأن كل شيء قابل للقطيعة في أي لحظة، بسبب تضخم أنا الزوج أو الزوجة أو كليهما.

هذه المسرحية الخفيفة تسلّينا، وتحملنا أيضا على التفكير، وسلوك أبطالها يبدو لنا مضحكا، لأننا ننظر إليه من الخارج، ولكن لو نظرنا إلى أنفسنا في المرآة في مثل تلك المواقف، لبدونا نحن أنفسنا مثيرين للضحك، بسبب تعصبنا في اتخاذ مواقف، لا نريد أن نتراجع عنها ولو كنّا مخطئين.
--------------------------------------------
المصدر : أبو بكر العيادي - العرب

تابع القراءة→

مسرحية 'نايضة' مغامرة مغربية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أغسطس 05, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

المسرحية تحكي أحداث الحياة المتسارعة واللهاث اليومي للعائلات لمواكبة آخر صرخات التكنولوجيا الحديثة التي شغلت المجتمع.

قدمت فرقة ستيلكوم المغربية مسرحية” نايضة ” وهي من إخراج أمين الناسور وتأليف عبدو جلال، وهي أول تجربة إخراجية احترافيّة للمخرج الناسور. وقد نالت المسرحية إعجاب الجمهور في عدة مدن مغربية عرضت فيها، وآخر عروضها كان على خشبة مسرح محمد الخامس بمدينة الرباط.
وقد فازت المسرحية في نهاية العام الماضي بالجائزة الكبرى للدورة السابعة عشرة للمهرجان الوطني للمسرح، التي نظمتها وزارة الثقافة المغربية بمدينة تطوان.

مثل أدوارها، فريد الركراكي وزهير بنجدي. وقدمت الفنانتان وسيلة صبحي التي أجادت تمثيل دور الحماة النكدية، وهاجر الشركي التي قدمت دور الفتاة المتبرمة، وقد حصلتا على جائزتي “أحسن تشخيص إناث”. وكذلك حصل زهير بنجدي على جائزة “أحسن تشخيص رجالي” فيها. وحصلت الفنانة نورا إسماعيل على جائزة توظيب الملابس للممثلين. وحصل مؤلفها عبدو جلال على جائزة أفضل تأليف، ونال مخرجها أمين الناسور جائزة الإخراج في الدورة السابعة عشرة للمسرح للمهرجان الوطني للمسرح المغربي.


التغريب واللامعقول

بالرغم من الإقبال الجماهيري لمشاهدة مسرحية “نايضة” وحصولها على جائزة كبرى من بين العديد من العروض المسرحية المغربية الأخرى، إلا أنها تبقى تجربة فيها خروج على المألوف المسرحي المغربي. فالتغريب طال النص المسرحي، وكذلك هيمن على المعالجة الدرامية للنص.

ومن يشاهد المسرحية يستطيع بقليل من الملاحظة أن يرى تأثيرات مسرح العبث (اللامعقول) على النص والمعالجة. و”نايضة” ذكّرتنا بمسرحيات يوجين يونسكو، مثل “الملك يحتضر” (1962) و”المغنية الصلعاء” (1963) ومسرحيات صموئيل بيكيت، مثل “اللعبة” (1963) و”بانتظار جودو” (1968).

وطبعاً ثمة فارق الكبير بين ما قدمه الفيلسوفان والمسرحيان الكبيران، يونسكو وبيكيت، وما قدمه المخرج المغربي الشاب أمين الناسور.

وقد جاء تأثر الأخير واضحاً في عمله الإخراجي الأول بهذا النوع من المسرح، من خلال السينوغرافيا والملابس والديكور الرمزي، وحركات الممثلين، وتأدية الممثلين لحركات المهرجين، والمؤثرات الصوتية، وتقديم اللوحات الراقصة الرمزية، واعتماد النص السخرية من عبثية أوضاع الحياة، وبذات الطريقة، المستخدمة في مسرح اللامعقول. وتناول النص شخوصاً يعيشون فردانية حقيقية، وقلقاً لا حدَّ له في عائلة متصارعة لا رحمة في قلوب أفرادها.

(نايضة) تقول كل شيء عن العائلة، وهي تعلن من خلال أحداثها تشرذم العائلة المغربية، وفوضى حياة الناس الحديثة

حركات إيمائية

تحكي أحداث المسرحية أحداث الحياة المتسارعة واللهاث اليومي للعائلات لمواكبة آخر صرخات التكنولوجيا الحديثة، التي شغلت المجتمع. والمسرحية تبدأ برقصة سريعة جداً للممثلين، وهم يؤدون حركات مهرجي السيرك. حركات فوضوية لا لياقة بدنية فيها، لنساء ورجال، كأنما تحكي عن الحركات المكررة اليومية للإنسان الحديث وهو يمارس عاداته وطقوسه من أكل وكلام وركض دائم للحاق بالآخرين.

كما أن اسم المسرحية “نايضة” وهي مفردة متداولة في اللهجة الدارجة المغربية، وتعني الحماسة الشديدة لتحقيق أمر ما، والحركة الدائمة التي لا تهدأ لحظة. ولذلك ظهر الممثلون في بداية المسرحية يؤدون حركات راقصة في غاية الرداءة والفوضوية والسرعة، وقد أظهروا على وجوههم أسوأ أنواع التَّكشِيرات البشرية الغاضبة.

كما أن العازف على الغيتار ياسين الترجماني، الذي ظهر في بداية المسرح، كان يردد بلسان ملتو كلمات ساخرة، وأبياتاً شعرية للمتنبي قال فيها “الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفُني/ والسيف والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ”.

وطبعاً لا علاقة جوهرية لهذه الأبيات بما يدور في المسرحية من أحداث، لكنه الإغراق في اللامعقول الذي تبناه المؤلف والمخرج في مسرحية “نايضة”، وهي محاولة للتمهيد لمواقف عبثية تدور أحداثها من خلال عائلة السيد علي، وما يدور فيها من صراعات لقيادة العائلة.

وإظهار معاناة الجدّين مع كل جديد لا يفهمانه فيها، وصراع الأجيال، وصراع الإنسان مع نفسه، وصراع الأب والأم وإظهارهما وهما يتبادلان الشتائم أمام الأبناء. وزوجة الابن التي تعمل المكائد للآخرين، لتفرض نفسها وتقمع الآخرين، ولا يتورع الأب عن صفع الأم، والابن المشاكس لا يتورع عن التحرش بنساء العائلة.

و”نايضة” تقول كل شيء عن العائلة، وهي تعلن من خلال أحداثها تشرذم العائلة المغربية، وفوضى حياة الناس الحديثة من خلال أحاديث فوضوية لا رابط لها، وأحيانا تتحول الكلمات إلى أصوات لا معنى لها. وتتحول بعد ذلك إلى حركات إيمائية تذكرنا بعصر السينما غير الناطقة، التي يتم فيها جمع الصور للممثلين عبر العديد من اللقطات لخلق الحركة المطلوبة عند تحريك الصور بسرعة أمام الناظر.

مسرحية (نايضة) هي تجربة أولى للمخرج الشاب أمين الناسور وتعتبر قفزة في الهواء لا يمكن معرفة نتائجها المستقبلية عليه

نايضة ثانية

مسرحية “نايضة”، هي تجربة أولى للمخرج الشاب أمين الناسور وتعتبر قفزة في الهواء لا يمكن معرفة نتائجها المستقبلية عليه كمسرحي تخرّج من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالمغرب ليمارس عمله الاحترافي. وكذلك فهي خروج على المألوف المسرحي المغربي، والناسور معنيّ قبل غيره من المسرحيين بتقديم مسرح ينتمي إلى جذوره المسرحية المغربية أولاً، وأنْ لا يهوّم بعيداً مستلهماً مدارس مسرحية غربيّة، كان لنشوئها ظروف موضوعية وتأريخية معروفة في المجتمعات الأوربية ولا علاقة لها بالمجتمع والأسرة المغربية.

والغريب أن المؤلف عبدو جلال اختار لنصه عنوان “نايضة” وهو اسم لمسرحية مغربية أخرى من تأليف أحمد أمل وإخراج إدريس السبتي، قدمتها فرقة مسرح نادي الأضواء في العام 2013 ونالت الدعم المالي لها من صندوق الدعم التابع لوزارة الثقافة المغربية. وقدمها التلفزيون المغربي في القناة العمومية قبل شهور قليلة. وتشابه الأسماء بين المسرحيتين يثير الكثير من اللّبس لدى الناس والمهتمين، فهل عدم المؤلف أنْ يجد اسماً آخر لمسرحيته؟

وقد أُهدي العرض الأخير للفرقة الذي تم تقديمه على خشبة مسرح محمد الخامس في مدينة الرباط نهاية مارس 2016 إلى روح، الممثلة لبنى فايسكي التي أُصيبت بغيبوبة بسبب مرض الربو، الذي كانت تعاني منه منذ طفولتها. وقد توفيت بعد أيام قليلة من غيبوبتها في أحد مشافي مراكش. وقد كانت الفقيدة من أبرز ممثلات مسرحية “نايضة” وقدمت الدور بدلاً عنها الفنانة هاجر الشركي.

-----------------------------------------------------
المصدر : فيصل عبدالحسن - العرب

تابع القراءة→

مسرحية "ستربتيز" عرت الواقع العراقي وناقشت تحولاته

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أغسطس 05, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 اثارت  مسرحية ستربتيز (striptease) على خشبة المسرح الوطني ببغداد اعجابا الكثير من المتلقين على اختلاف مستوياتهم الثقافية لانها استطاعت ان تعري الواقع العراقي باسلوب جميل.

 على مدى خمسة ايام متتالية ، قدمت فرقة مسرح بغداد للتمثيل ،وبالتعاون مع دائرة السينما والمسرح مسرحية (ستربتيز)  تاليف مخلد راسم وفكرة واخراج الفنان علاء قحطان. سينوغرافيا علي محمود السوداني. ومن تمثيل احمد شرجي وياسر قاسم ووسام عدنان وهند نزار وعامر نافع ،التاليف الموسيقى للفنان زيدون حسين . والإدارة المسرحية لمحمد سامي والفوتوغراف للففنانين الحسن فهمي ونبيل الاسمر .وتصميم البوستر للفنان سيف مضاء .
تناولت المسرحية حكاية عائلة عراقية تعاني من تفكك افرادها ، فالعلاقات الاجتماعية فيما بينهم سيئة جدا وكل فرد لديه طموح خارج حدود الجماعة فيما الاب غير قادر على ان يفعل شيئا لاعادة الاسرة الى ارتباطها ، ومن خلال ذلك وعبر الحوارات التي تجري بين الاب والاولاد الثلاثة والبنت يجري التطرق الى الواقع الحياتي للانسان العراقي على مختلف الاصعدة لاسيما تأثيرات الحروب والفساد والسياسة التي ادت الى ان يتحول الانساني العراقي الى وحش !!، وحيث تجتهد المسرحية في تعرية الذين تصدوا للحكم بعد عام 2003 والذين خذلوا الناس واوصلوهم الى اسوأ الاحوال.
يجب الاشارة الى الاداء الرائع للممثلين الذين اجتهدوا في تقديم ادوارهم لاسيما الفنان الكبير احمد شرجي الذي تألق في تجسيد شخصية الاب الحائر المشتت المرتبك الذي لا يقوى على ان يلم شمل اولاده او يجعلهم ينصتون الى ما يقوله وان كان في مصلحتهم .

نمط جديد 
 فقد اكد الفنان سنان العزاوي ان موضوع المسرحية مهم واختيار المخرج له جريء، وقال : العمل بمثابة مواكبة لتفاصيل العائلة العراقية غير المعلنة في الشارع العراقي ،فهناك الكثير من العوائل العراقية اصابها التفسخ باعتبارنا مجتمع اسلامي منغلق احيانا ولا نستطيع طرح هكذا مواضيع بشكل مباشر.
واضاف: هذا التفسخ لم يأت بشكل اعتباطي بسبب ما مر به الشعب العراقي من حروب كثيرة وحصار اقتصادي تركت تبعاتها وهذا لا يزول بليلة وضحاها ، والاهم من هذا اننا نواجه قضية خطرة جدا في المجتمع العراقي وهي هبوط نسبة الانسنة عند الفرد العراقي وصعود نسبة الحيونة ، وبالتالي كل شعوب العالم تأكل لكي تفكر بينما نحن نفكر كيف نأكل وهذا ما ادى الى تفسخ العلاقات الاجتماعية حتى في داخل البيت الواحد حيث كل واحد انشغل بهمومه ويفكر بيوم غد لكي يحصل على لقمة عيشه منه، هذا من الجانب الفكري .
وتابع:اما على صعيد الاشتغال المسرحي فأنا متابع للعرض خلال ايامه الخمسة، وأود ان اقول ان المتلقي العراقي لم يتعود على هكذا لا نمط بل متعود على تلقي نمطي ومتعود على مفهومية الاداء الجاهزي الانفعالي، هنا توجد قراءة ما بين السطور في الاداء والتمثيل وهناك رؤية مغايرة في تأسيس الصورة المشهدية على صعيد ايقاع المشهد وحركة المشهد ،فالايقاع ليس حركة (ميزانسية) وايقاع حركي ولا هو ايقاع صوتي لدى الممثل ، فالاشتغال كان مغايرا ،وبالتالي اصبح اختلال بين المرسل والمرسل اليه  ،اي قلت المسافة الجمالية بين العرض والمتلقي ، فالمتلقي العراقي غير متآلف مع هكذا نمط ،وعلينا ان نثقفه على هكذا عروض بشكل مستمر وليس على مستوى تجربة او تجربتين .

كشفت الحرية والارادة
اما الفنان والناقد سعد عزيز عبد الصاحب فقد حيا ملاك عمل المسرحية لروعة ما قدموه ،وقال :يشي مدلول العنوان بأننا سنكون امام عرض مسرحي تسكنه (الفضيحة) بوصفها عنصرا مهيمنا يكتسي به المضمون والشكل المبنى والمعنى على حد سواء ، طالما نحن امام تجرد وتعر مطلق كما يعبر العنوان ، فكل شئ مباح يغري التلقي بتوقعه منشدا اليه بطريقة العرض show واليات تمسرحية (تقديمية) وليس (ايهامية)، فجاء المتن الحكائي منفتحا على (الاسرة) وعلاقاتها التي تختزل تاريخية المجتمع ، والتي دعى اليها (هيغل) في قراءته للميراث الدرامي الاغريقي ،بوصفها تجمعا صغيرا متاثرا بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعصف بالمجتمعات ومعيارا لقياس هذه التغيرات .
واضاف: ان هيكل المبنى المسرحي الذي تأسس في نص /عرض مسرحية (ستربتيز) يقوم على تكرارية لالبومات لنصوص سابقة خاصة على صعيد الحكاية ، تحاول جاهدة ان تحيط وتصور مجريات الاحداث السياسية والاجتماعية ومتغيراتها بعد عام 2003 بشكل عام شمولي بانورامي دون الاخذ بمقطع عرضي واحد على الاقل لهذا الزمن الواسع بتحولاته السسيوـ ثقافية المتسارعة وسبر اغواره لفضحه والكشف عن مضمراته .. ولا اجد ضيرا في ذلك فشكسبير يضغط حقب وسنوات مديدة في نصه المسرحي ولكن الاهم هو كيفية ادخال الزمن الواسع في حبكة محكمة البناء . وعلى الرغم من كل الملاحظات اشر العرض بشجاعة بالغة للكثير من المشكلات والعلل الاجتماعية كمشكلة (الحرية) و(الارادة) ووجهة النظر الواحدة ، والراديكالية الدينية المتطرفة ، وقبول الاخر مهما كان توجهه الايديولوجي ولونه وجنسه ودينه ...انها بحق علل ومشكلات عضوية حقيقية تغزو وتنخر جسد مجتمعنا وحواضن دافئة تفقس افكار الارهاب والتطرف والعنف..
وتابع:احيي بشدة الممثلين جميعا لوثوقهم بان المسرحية لا تنتهي بنهاية العرض الاول فهي فضاء لا نهائي مفتوح على الحوار والاقتراح والاخذ والرد والهدم والبناء ، وصولا لصيغة مقبولة من الجميع ، اشد على يد المثلين احمد شرجي لوضوح صوته وثباته على الخشبة وضبطه لكاركتر الشخصية الصوتي والحركي وكذلك ياسر قاسم لحضوره اللافت في اداءه لدور الابن الراديكالي ووسام عدنان في اداءه للابن الرومانسي العلماني ، وهند نزار لحركتها الرشيقة ووضوح جملها المنطوقة وصمتها المعبر واخيرا اخر العنقود في العائلة عامر نافع لسلاسة حضوره وفهمه لابعاد دوره وتبنيه مهما كان قصيرا .

حبكة مسرحية مرموقة
من جانبه قال الناقد المسرحي طه رشيد: المسرحية جملة وتفصيلا ليس لها علاقة بالعري الجسدي إلا انها تغوص عميقا في الواقع العراقي وتخرجه إلى العلن بحبكة مسرحية مرموقة وتنشره على حبل غسيل، بطريقة إخراجية فيها من التألق والإبداع الكثير، أمام الجميع من خلال كشف العلاقات المتشابكة داخل العائلة العراقية بين الأب ( الفنان د. أحمد شرجي يقوم بدور الأب بعد انقطاع عقدين عن خشبة المسرح الوطني بسبب غربته التي أثمرت عن شهادة عليا في الفنون المسرحية) وأبنائه الأربعة: الفنانون الشباب ياسر قاسم وهند نزار وعماد نافع ووسام عدنان.
واضاف: هذه المجموعة من الشباب تأليفا واخراجا وتمثيلا وسينوغرافيا ( المبدع علي السوداني ) آمنت بالدور التثقيفي للمسرح، وامنت بأن للمسرح رسالة إنسانية لا بد من إيصالها إلى الآخر، وأن المسرح هو اهم وسائل إعادة إنتاج الوعي إلى المتلقي وليس ساحة للعب او التطهير فقط. وبان المسرح، اخيرا، يستطيع ان يشكل سلاحا مرادفا للبندقية التي يحملها أبناء القوات المسلحة وابطال الحشد الشعبي ومقاتلو البيشمركة وكل الغيارى على هذا الوطن، الذين يقاتلون قوى الإرهاب الظلامية سواء كانت المدججة بالمفخخات مثل داعش، او من تلبس فكرها ولا يريد للحياة ان تورق عن حدائق وزهور.

 تعرية الواقع
الى ذلك اكد مخرج العمل علاء قحطان وقال : ببساطة شديدة لمن لا يعرف (ستربتيز) هو يعني الرقص حد التعري ، انا فككت المصطلح ، ونحن انطلاقا من مفهوم التعري ، انا اعتقد اليوم ان نسمي الاشياء بمسمياتها، اي ان نعري كل الاشياء، فليس من المنطقي ان الوضع العراقي لم يستقر منذ 2003 الى هذه اللحظة ولا لدقيقة واحدة ، وعليه يجب ان نعري .
واضاف: ستربتيز .. كانت تعرية على جميع المستويات ،للسياسة، للثقافة، للدين، للفكر ، للانسان نفسه ، ستربتيز تناقش الوحش الموجود داخل كل انسان ، هذا الوحش الذي ظهر بعد 2003 ،فكانت الاسئلة كبيرة مجسدة في هذه العائلة المفككة والتي توجد التقاطعات بين افرادها وام .. تخرج من البيت ولم تعد.
وتابع: ما اردنا ان نقوله ان هذه العائلة هي الوطن لكن الرسالة المهمة التي اردنا ان نقولها ان بغداد لن تتعرى والعراق لن يتعرى بل ان من يحكمون العراق هم الذين سيتعرون.
وختم بالقول: خلال ايام العرض الخمسة كنت سعيدا بحضور الجمهور الكبير لمشاهدة العرض وهو جمهور مفرح حقا وكنت اتمنى ان اقدم العرض لعشرة ايام او 15 يوما كي نعوّد الجمهور  بدل العرض ليوم واحد او يومين .

-------------------------------------------------
المصدر :عبد الجبار العتابي - أيلاف

تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9