أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

السبت، مايو 07، 2016

عرض مسرحية "النمرود" في العاصمة الإسبانية مدريد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, مايو 07, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

شهدت العاصمة الاسبانية "مدريد" أمس عرض مسرحية "النمرود" لمؤلفها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حيث قامت فرقة مسرح الشارقة الوطني بتقديم عرض مميز لهذا العمل المسرحي على خشبة مسرح "لا لاتينا" بالعاصمة الإسبانية، والذي كان قد تم عرضه قبل أيام على مسرح مؤسسة الثقافات الثلاث بمدينة إشبيلية جنوب إسبانيا.

وقد لاقى العرض نجاحاً وإقبالاً كبيرا من قبل الجمهور الإسباني وأبناء الجالية العربية المتواجدة في إسبانيا لما يتضمنه هذا العمل المسرحي من رسائل ومعاني وقيم تدعو جميعها إلى العدل والمحبة والسلام والمساواة.

تجدر الإشارة إلى أن سفراء دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية وغيرهم من سفراء الدول الأجنبية المعتمدين لدى مملكة اسبانيا، وكذلك عدد كبير من المسؤولين في وزارة التعليم والثقافة الإسبانية، ولفيف من الشخصيات الأكاديمية والدارسين المهتمين بالمسرح والثقافة العربية، قد حضروا هذا العرض المتألق لـ "النمرود".

وأكدت سعادة الدكتورة حصة عبدالله أحمد العتيبة سفيرة الدولة لدى المملكة الإسبانية أن عرض مسرحية "النمرود" لمؤلفها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في مدريد، ومن قبلها بمدينة إشبيلية يعطي صورة حية للشعب الإسباني عن الحركة المسرحية والإبداع المسرحي في دولة الإمارات، مشيرة إلى ان هذا العرض يعتبر بمثابة نقطة انطلاق للتبادل المسرحي بين الثقافة المسرحية في كل من دولة الإمارات والمملكة الإسبانية، مبرزة في هذا السياق أن الفن عامة والفن المسرحي خاصة يعدان وسيلة حضارية حية للتقارب والتفاعل بين الحضارات والثقافات وكذلك تعزيز القواسم المشتركة بين الشعوب.

وفي سياق متصل ثمنت سعادة الدكتورة حصة العتيبة الجهود التي تبذلها دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة ومسرح الشارقة الوطني وأعضاء فرقته المسرحية والتي تكللت بإنجاح هذا العمل المسرحي الأكثر من رائع وإيصاله إلى الجمهور الإسباني.

وأعرب الفنان أحمد الجسمي عن امتنانه وشكره لدعم سفارة الدولة في مدريد لهذا العمل المسرحي وإيصاله إلى الجمهور الإسباني الذي تربطنا به روابط إنسانية وثقافية، عبر مراحل تاريخية عميقة بعد أن تم عرض هذه المسرحية في عدة دول عربية وأوروبية منذ عام 2008.

يذكر أن مسرحية "النمرود" هي الخامسة من بين أعمال أدبية كثيرة في مسيرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بعد مسرحيات "عودة هولاكو" و"القضية" و"الواقع صورة طبق الأصل" و"الإسكندر الأكبر"، وهي من إنتاج مسرح الشارقة الوطني ومن إخراج المخرج التونسي المعروف المنصف السويسي.

------------------------------
المصدر : الشارقة 24
تابع القراءة→

"قفصة للفرجة الحية": مسرح خارج الجدران

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, مايو 07, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

منذ انطلاقه في 2013، يحاول "مهرجان قفصة للفرجة الحية"، في تونس، إخراج المسرح من نخبويته الضيّقة، والوصول إلى جمهور أوسع. وتمثّلت أفضل طريقة لتحقيق ذلك في عدم انتظار مجيئه، بل الذهاب إليه في عددٍ من مدن الحوض المنجمي في الجنوب التونسي، والتي عاشت التهميش والبطالة طويلاً، وكانت مهد الثورة التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي في 2011.
اليوم، تنطلق فعاليات الدورة الرابعة من المهرجان الذي ينظّمه "مركز الفنون الدرامية والركحية" في قفصة، وتستمر إلى غاية الثاني عشر من أيار/ مايو الجاري، حيث تتوزّع عروضها ونشاطاتها بين قفصة ومدن الحوض المنجمي الأخرى: المتلوي والرديف وأم العرايس والمظيلة.
تكمن خصوصية التظاهرة في تجاور الأمكنة الرسمية للعروض، والذهاب بها إلى الفضاءات الخارجية. وابتداءً من الدورة الحالية، تكتسي طابعاً عربياً؛ إذ تُشارك فيها، إضافةً إلى تونس، عروض من المغرب والجزائر ومصر؛ هي: "البحر بيضحك ليه" لـ "مركز الحرية وللإبداع" من الإسكندرية، و"ريق الشيطان" لـ "فرقة الناقوس للمسرح" من الأغواط في الجزائر، و"يا ليل يا عين" لـ "فرقة محترف فاس لفنون العرض" من المغرب.
أمّا العروض التونسية، فهي: "سوس " لـ "مركز الفنون الدرامية" في قفصة، و"عنف" لـ "المسرح الوطني التونسي"، و"أرض الفراشات" لـ "مركز الفنون الدرامية والركحية" في الكاف، و"المعاهدة" لـ "مركز الفنون الدرامية" في صفاقس، و"عروق الرمل" لـ "مركز الفنون الدرامية والركحية" في مدنين.
إضافةً إلى العروض، ينظّم المهرجان عدداً من الندوات الفكرية لباحثين ومسرحيين من الدول المشاركة، ويتعلّق الأمر بـ "تجربة المسرح الجزائري في العقد الأخير" لـ عمر فطموش من الجزائر، و"تجربة مركز الهناغر في دعم المسرح المستقل" لـ محمد دسوقي من مصر، و"المسرح الاحتفالي: واقعه وآفاقه" لـ عبد الكريم برشيد من المغرب، و"بين المسرح العمومي والمسرح الخاص" وهي شهادة شخصية لفاضل الجعايبي من تونس.

------------------------------------
المصدر : تونس - العربي الجديد

تابع القراءة→

الجمعة، مايو 06، 2016

أوغستو بوال يتحدث عن مسرحي المنتدى و المقهورين وقوس قزح الرغبة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, مايو 06, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


حدثنا عن مسرح المنتدى Forum Theatre ؟
ظهر مسرح المنتدى إلى الحياة في بيرو وبالطبع آنذاك أنجزته قليلاً. حين جئت إلى أوربا فإن أول شيء أخبروني به كان " أوه نعم ذلك يليق جداً بأمريكا اللاتينية لكن هنا الموقف مختلف". ثم رأينا بأنه لا يختلف كثيرا مطلقا. إن آلية المسرح المنتدى هي لكل شخص ولا تقتصر على الناس في بيرو، إنها للناس في أوربا أيضاً. هنا في أوربا بدأت أطور سلسلة "قوس قزح الرغبة Rainbow of Desire". والآن لدينا خمس عشرة تقنية من قوس قزح الرغبة. التقنية الأساسية تطورت في أوربا وبالأخص في أسكندنافيا. ثم رجعت إلى البرازيل إذ بقيت أطور التقنيات الأخرى. والآن نحن نعمل قوس قزح الرغبة في كل أنحاء العالم. وابني جوليان يمثله في الهند أيضاً. لا اعتقد بأنك ما إن تكتشف شيء فإنه يصلح فقط لذلك الشيء. إذا ما حدث ذلك فإنه طارئ وسوف يختفي في الحال لأن الواقع سوف يتغير. إن التقنيات التي طورناها لن تموت مستقبلاً لأننا لن نصبح محددين بالظروف المحددة في بيرو واسكندنافيا. إنها تأتي كبناء وأنت تناقشها في مجموعة مع من يستخدمها. مثلاً في البرازيل لم أر المخدرات من قبل ولم أتكلم حولها أو حول عنف عصابات المخدرات لكن الآن في الريو إذا ما مثلت أربع مسرحيات ففي الأقل أحداها ستكون حول المخدرات وفي الأقل أحداها ستكون حول عنف الشرطة. لذا فإن الثيمات تتغير لكن الآليات هي نفسها. مثلا حين أتعلم الإنكليزية فأستطيع التكلم حول أي شيء. أستطيع التكلم عن الميتافيزيقيا وعن التاريخ وعن العلم لأني لدي اللغة. الخطاب، الكلام الذي تريد أن تخلقه، يحتاج إلى لغة. لذا تتعلم هذه اللغة وتستعملها لحاجات مجموعتك. 
*بعض الناس سيقولون بأن اتجاه قوس قزح الرغبة في أعمالك قريب إلى العلاج كيف تعلق على ذلك؟ 
*تعليقي أن المسرح وسيلة علاجية. إنه ليس علاجاً بل وسيلة علاجية. إن مسرح المقهورين هو مسرح ديناميكي وليس ساكناً. فهو يسمح للناس أن يذهبوا ويحاولوا ويحاولوا مرة أخرى للمرة الثالثة والرابعة وهذا هو في المطاف الأخير وسيلة علاجية. مسرح المنتدى أيضاً علاجي. حين تأتي هنا وتبذل نفسك له فإن علاجي. أنه جيد لك لأن حقيقة أنك ترتكب التجاوز وتشترك فيه يجعلك أقوى. إنه يجعلك شخصاً لا يقبل خيال الحقيقة هنا وذلك شيء جيد. إنه علاجي لكنه ليس علاجاً. العلاج يتطلب أن لديك مشكلة سيكولوجية وحاجة للعلاج. ويفترض العلاج أن هناك معالجاً أي شخص يعلم أفضل منا.
*أين تكمن الحدود ما بين التعليمي والعلاجي؟ 
* لا أؤمن بوجود حدود هناك. أعتقد أن هناك تداخلاً. أظن أنك إذا ما مثلت هاملت بصدق وبشكل جيد فإن ذلك سيكون علاجياً لك كممثل. كذلك ممكن أن يجعلك مريضاً إذا لم تؤدِّ الدور بشكل جيد لكنه علاجي. 
* هل هناك اختلاف مسرحي ما بين "قوس قزح الرغبة" و مسرح المقهورين The Oppressed Theatre؟ 
*اعتقد أن تقنية "قوس قزح الرغبة" أكثر تعقيداً. في الواقع إذا نظرت إلى مسرح المنتدى فسترى البساطة فيه. تصنع مشهداً مع بطل وتظهر ما تفعله؛ في الأساس هذا هو جوهره. تستطيع مثلاً أن تكوّن أفكاراً عن كيفية الاستفادة من الموسيقى لكن الأمر لا يزال بسيطاً نسبياً. ومع ذلك إذا ما أخذت تقنيات من قوس قزح الرغبة فإن الأمر يصبح أكثر تعقيداً ويتطلب وقتا طويلاً كي تنجزه. ذلك لأنه من الصعب كثيراً أن تصنع مسرحاً مما هو خافِ في عقلك، وربما مخفٍ أيضاً عنك. إنك لا تعلم لذا يتوجب عليك أن تدخل المناطق داخل رأسك والتي هي غير واضحة لك. لذا فإن الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً، لكنه المسرح. دائماً أًصرّ: أنا رجل المسرح أنا لست معالجاً أنا لست معلماً لكن بالطبع إن المسرح علاجي. بالطبع المسرح تعليمي، بالطبع المسرح سياسي. سياسي بمعنى إنه مهما فعلت هنا فإنك لن تبقى هنا. مهما فعلنا هنا فسوف نخرج ونفعله في الحياة الواقعية. مهما تعلمنا هنا فسيكون تخمينياً. أن تكون مواطناً يعني أن تغير المجتمع. أن تكون مواطناً يعني أن تجعل المجتمع بصورة أفضل. إن مسرح المقهورين بإمكانه أن يساعد في ذلك. اعتقد أن كل الأشكال الموجودة في قوس قزح الرغبة يجب أن تذهب إلى مسرح المنتدى وينقلها بدوره إلى العالم الواقعي. أنّ ما نفعله هنا هو أيضاً حياة حقيقية لكني أعني الحياة خارج المنتدى. كل أشكال قوس قزح الرغبة هي طرق تجسيد المقهورين الذين تم تهميشهم. لكن من الضروري أن تحاول خارج الواقع أيضاً. لا لكي تعالج نفسك بل لتعلم نفسك ما منعه عنك التعليم الفاشستي. أقول أنّ في أنفسنا ثمة قتلة وهنا يكمن السبب في أننا نستطيع أن نؤدي دور "مكبث". داخل أنفسنا كآبة (سويداء) وهنا يكمن السبب في أننا نستطيع أن نؤدي دور "هاملت، لكن لدينا من الأمور الطيبة داخل أنفسنا أيضا التي بإمكانها أن تساعدنا. إن التعليم الفاشستي يخنق هذه الأمور، لكنها ما زالت حية داخلنا. بعض المميزات التي من الممكن أن تكون مفيدة لنا نائمة هناك. ومسرح المقهورين يستطيع أن يظهر تلك المميزات. 
*ما هي أهم التحديات بالنسبة للجوكر Joker؟ 
* أن للجوكر مسؤولية كبيرة في التنسيق بين المبدعين لأن كل فرد عليه أن ينخرط في الإبداع. كونك جوكراً عليك مسؤولية التنسيق بين كل الإبداعات والمبدعين. لكن أيضاً يتوجب عليك أن تتخذ الحذر من أن تفرض رأيك الخاص فأنت لا تتفوق على أحد. لديك رأيك ، لديك ذكاؤك تستطيع أن توظف كل الميزات لديك. لكن لا تقل أني مثل هذا أو أني أكثر معرفة من ذاك؛ ذلك هو المبدأ في ذلك. لماذا يسمى الجوكر بهذا الاسم؟ في البرتغال يسمى " كورنيغا gorniga" في الأسباني "كوميدان comidan" لكن لسوء الحظ في الإنكليزية مرتبط بالمزاح (Joking) نحن نقول "Jokering" لا "Joking" لأنه يعني الكارت الأبيض. إن الجوكر الحقيقي هو شخص يستطيع أن يساعد الناس كي يكتبوا مسرحية، ويساعد الناس كي يعيقوا المسرحية ويساعد الناس بالموسيقى وبالنص وبكل شيء. ذلك هو الكارت الأبيض لذا فإن المسؤولية هو أن تتعلم أكثر فأكثر وأن تعرف أكثر فأكثر كي تستطيع أن تتعلم بالعديد من الطرق. تلك هي مسؤولية كبرى. لكن عليك أن تتعلم بطريقة ديمقراطية وأن تحترم الآخرين. حين يريد الجمهور أن تناقش ما يفكرون به فإن مسؤولية الجوكر تكون مسؤولية أخلاقية مع ذلك. من المهم أن تستخدم هذا الامتياز كي تفرض الأفكار لأنه موقع ذو امتياز. يشبه الأمر أني في موقع ذي امتياز هنا وجوليان في موقع امتياز هنا لأنك دعوتنا. لذا جئنا هنا ويفترض أننا نعلم شيئاً. ربما نعرفه وربما لا نعرفه، لكن من المفترض أننا نعلم كل شيء عن فوائد أشكال مسرحنا- وهذا شيء ليس صحيحاً. اليوم علمت هنا في النرويج أنكم تستخدمون مسرح المنتدى للأطفال بعمر 4 و5 سنوات. ولم أسمع عن ذلك من قبل: كيف تستخدم مسرح المنتدى مع أطفال يافعين جداً؟ كيف لهم أن يستجيبوا أود أن أرى فيلماً حول استعمال مسرح المنتدى للأطفال بعمر 4 إلى 5 سنوات. لم أر ذلك. لكنكم فعلتموه هنا. الآن أستطيع أن أخبر كل شخص: انظر أنا متأكد بأنك أن تستطيع أن تستخدم مسرح المنتدى للأطفال بعمر 4 سنوات. إذا ما كان الأمر ممكناً في النرويج فمن الممكن عمله في البرازيل أيضاً. لذا سأتبنى هذه الفكرة وأنقلها إلى البرازيل. ش
شكرا لكم..
-----------------------------
المصدر :  ترجمة: نجاح الجبيلي - المدى
تابع القراءة→

أسئلة الحداثة في المسرح السوداني،دراسة في خطاب القيم والتحوُّل الإجتماعي / راشد مصطفي بخيت

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, مايو 06, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

مفهوم الحداثة:
درج معظم الباحثين المهتمين بوضع تعريف معين لماهية ، ومفهوم الحداثة كمصطلح فلسفي إلى تتبع مسار ونشأة ظاهرة الحداثة كما تجلت تاريخياً في نهاية القرن التاسع عشر بوصفه المرحلة التاريخية التي قامت أعقاب "عصر الأنوار" (القرن الثامن عشر) هذا العصر الذي جاء هو نفسه في أعقاب "عصر النهضة" (القرن السادس عشر ..([1])) وهم بذلك يتحركون من فريضة مؤداها أن الحداثة ظاهرة تاريخية وهي ككل الظواهر التاريخية مشروطة بظروفها ومحدودة بحدود زمنية ترسمها الصيرورة علي خط التطور وتختلف من مكان لآخر ومن تجربة تاريخية إلى أخرى.([2])
هذا عندما يتعلق الأمر بتحديد الإطار الزماني الذي تخلقت بداخله أنوية الحداثة كواحدة من النواميس الفلسفية التي استولدت من رحم المجتمع الأوروبي وعبر مخاض المجاهدة الذهنية والإنكفاء علي دراسة التراث اليوناني القديم في ذلك الوقت .. أما عن الحداثة كمفهوم "قيمي" مستمر ومتجاوز لذاته باستمرار فقد يختلف الوضع قليلاً عند محاولتنا وضع أسس معرفية واحدة نحتكم لها بالضرورة لتحديد هذا المفهوم المتوالد تراكمياً عبر كل الحقب والمنعطفات التاريخية التي مرَّ بها خصوصاً عندما ترتبط ظاهرة الحداثة وتستحيل من كونها سؤال تاريخي محض ، إلى سؤال مرتبط بالوعي الحداثي نفسه ، الذي يبدأ حسب جابر عصفور من إنقسام الوعي المتمرد علي ذاته ليصبح ذاتاً فاعلة وموضوعاً منفعلاً رافضاً لفكرة الإتباع ، وهو بهذا يتعامل مع الجانب الفردي للحداثة الشيء الذي يكون أكثر وضوحاً مع كمال أبو ديب في دراسته كثيفة الجهد والتي عنوانها (الحداثة – السلطة - النص) والتي يقول فيها عن الحداثة بأنها إختراق لهذا السلام مع النفس ، مع العالم ، وطرح للأسئلة القلقة التي لا تطمح إلى الحصول علي إجابات نهائية بقدر ما يفتنها قلق التساؤل وحمى البحث . الحداثة هي جرثومة الإكتناه الدائب ، القلق المتوتر ، إنها حمى الإنفتاح. ([3])
وكل هذه المحاولات التي سعت إلى فض التباسات مفهوم الحداثة القيمي إنما تمثل اتجاهات متباينة في جسر الحداثة الأم والتي يمكن حصر بداياتها مع نزعات ديكارت الشكية ثم عبرت متصلة تتجاوز ذاتها باستمرار عبر سيرورة منتظمة شملت كل الفلسفات اللاحقة والتي يمكن وضع نهاية لها مع بداية بروز اتجاهات ما بعد الحداثة النقدية.
تجليات قيم الحداثة في الفن:
إن أشد ما يميز الفنون بشكل عام عن كافة أشكال التعبير الأخرى احتواءها علي تلك الخواص البنيوية الطابع التي تجعل منها المعبر الأساسي عن القيم والأفكار الفلسفية المرتبطة بتحولات مجتمع ما ، فما من فكر فلسفي منذ ما قبل التاريخ وحتى راهننا المعاصر إلا وكان له أثره الواضح في نسيج الأشكال الفنية المختلفة ، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإرتباط قيم ومضامين الحداثة في الفن ، حيث تبرز إلى السطح مجموعة من الإحداثيات القيمية التي تميز الحداثة وقيمها عن ما عداها من القيم الأخرى والتي يمكن تقصيها وإكتشاف كنهها بوضوح في كافة التعبيرات الفنية.
ومن هذه الملامح ما يتصل بالإنسان أولاً وأخيراً ، فالإنسان الحداثي هو مصدر المعايير بعد أن كان خاضعاً لمعايير تقع خارجه . ومنها ما يتصل بالإنسان وموروثه فالفنان الحداثي يجرب ويعيد التجريب في تراثه بشروط محدودة منها أن يمتلك هذا التراث وينزع الخواص الأسطورية عنه كذلك يملك حق إعادة النظر في القداسة التي إمتلكها التراث ونزع الخواص الأسطورية الموجودة بداخله ويجعله موضوعاً للبحث العلمي([4]) . ومنها ما يتصل بكيفيات المعالجة التي يتبعها تجاه موضوع أو مادة العمل الذي يعتزم الخوض في غماره مثلما كتب سارتر في مقدمته لمسرحية "الطرواديات" للكاتب اليوناني القديم (يوربيدس) قائلاً: إننا ندرك في هذه المسرحية أن الشاعر يستخدم الموروث الشعبي والعقائد التقليدية والأعراف السائدة لا ليكرسها بل ليسخر منها ويكشف زيفها([5]) أي يضعها موضع الفحص والتحليل والمساءلة محاولاً بذلك إدراك ما هو إيجابي ومواءم لمقولات العصر الذي يعيش فيه . ذلك لأن معتقدات الإنسان وطقوسه وثقافته الدينية والاجتماعية وغير ذلك مما نسميه بالذاكرة الثقافية للإنسان هي إمتداد لهوية الإنسان التي لابد من نقدها لمواجهتها أو تجاوزها ، وهكذا يصبح إبداع الفنان الحداثي مسرحاً لإنقسام الذات بل إلى تعدد الأنا ، وهذا يعني أن الصوت الفردي الإحادي المعين الواضح يتوارى في الإبداع الحداثي لصالح صوت مبهم يجمع في آن ما بين الشخصي واللاشخصي ، المحدد والمجرد ، الذاتي والموضوعي ، الفردي والجمعي([6]) أي أن تتسم المعالجة التي يتناولها المبدع الحداثي بالإنحياز الكامل للقيم والمنظومات الفكرية العلمية الطابع والتي تتميز بمحاولة هدم التقاليد البالية وإحلال ما عداها من قيم معاصرة.
وقد تتعدد قيم الحداثة وتجلياتها في الفن بحيث يصعب حصرها بدقة وشمول فهي تشتمل في أحد وجهها علي المفهوم الدال علي تصدع الصورة المعرفية القديمة للفنان وإسقاط عصمة المطلقات والقطيعة مع المرجعيات الدينية والتراثية المحنطة واستبدال ذلك بالتجربة والكشف والاستفادة من العلوم الإنسانية في تلك التجارب. ([7])
إن الحداثة كمفهوم فلسفي يمكن أن تتحول أبنتيتها إلى أشكال وكيفيات نقدية مختلفة بحكم منطقها في تجاوز نفسها بإستمرار ضمن صيرورة متصلة إستجابة لشرطيات السياق الذي تتحرك بداخله . وعلي ذلك فإن الحداثة كما شملت في أوعيتها العديد من الأفكار الفلسفية المتجانسة حيناً والمتصارعة حيناً آخر – كالماركسية والبنيوية والوجودية – مثلاً تستطيع بنفس القدر أن تنفتح علي عدد لا نهائي من المفاهيم المختلفة التي بالضرورة تنهض علي أرضية التشابه الكبير وبين أسسها العلمية والمنهجية والمنفتحة علي كافة المعارف الإنسانية وعبر حقول وميادين متباينة ومتعددة مثل إرتباطها بحقول المجتمع والسياسة ونقد السلطة وفضح المفاهيم المتعلقة العنف والعنف الرمزي في قضايا المرأة وتصدع الأبنية الاجتماعية في فترات التحولات التاريخية التي تتخلل حياة الشعوب وإشكالات التمييز العرقي والتراتبية الاجتماعية القائمة علي دونية الآخر.
إذن فالحداثة وتجلياتها في الفن وفي جميع الصيغ والنبرات والاجتراحات لا تكون بنت تاريخها فقط ولا بنت ذاتها ولا صنيعة واقعها فحسب ، بل وإلي كل ذلك نتيجة الخروج من الذات إلى ما هو مختلف عنها . فكل حداثة هي بمعنى من المعاني مصاهرة مع الآخر ، وعلي هذا الأساس ، ومن المنطلق ذاته حرَّكت الرومانطيقية والرمزية وجهتها نحو مصادر أوربية أخرى لاسيما شكسبير لتتجاوز الكلاسيكية المسرحية وهكذا كان لفكتور هوجو أن يحطم إنماط المسرح الأغريقي ويفتح النص علي حداثية أخرى لا تعترف لا بالوحدات الزمانية ولا المكانية . وفي الإتجاه الأول – أي الرومانطيقية – برزت في المسرح ككتابه مجمل قوانين الرومانطيقية التي تشكل رد فعل علي الكلاسيكية في المسرح وفي الشعر فالمسرح صار جزء من منظومة حداثية شاملة وكذلك الرمزية التي لم تفصل بين مفهومها للشعر ومفهومها للنص والخشبة والمسرح ([8]). إلى أن استعاضت نهائياً عن طرح هذه الإشكاليات المرتبطة في حينها بطرق الكتابة وسيطرة النص المسرحي علي ما عداه من عناصر ضمن منظومة العرض المسرحي . ومع نهايات القرن الثامن عشر برز فلاسفة مثل (هيردر) ادركو الحاجة إلى إعادة اكتشاف الثقافات التي تجاهلتها المادة المكتوبة أو طمستها وذلك في صورتها المبتورة وغير المنقحة بداية من الأغنية الشعبية إلى العروض المسرحية لنصوص شكسبير كما أن هؤلاء الفلاسفة لم يضعوا المعايير الخاصة بدراسة المعاني الكامنة في نص ما وحسب ولكنهم تطرقوا إلى دراسة كيفية تغير هذا المعنى وتطوره من خلال ما يعرف اليوم بعملية التلقي – الأوسع تأثيراً في المسرح وأكثر إرتباطاً به – ومعنى هذا أن النص في حد ذاته لم يعد موضوع إهتمامنا وإنما كيفية توليد هذا النص وتأويله وكيفية أدائه سواء علي خشبة المسرح أو حتى في ذهن القارئ ، هو الذي أصبح يشكل موضوع الاهتمام.([9]) ذلك لأن العرض المسرحي لا يمكن أن يقدم خطاباً مسرحياً . إذا لم يعتمد علي الواقع والحياة الاجتماعية والتاريخية التي تسهم في إخراجه ، كما أن العرض المسرحي الذي يسعى إلى إلغاء الواقع والحياة الاجتماعية لا يمكن أن يجد صدى أو قدرة علي صياغة التأويل الذي هو جزء مهم من عناصر الخطاب المسرحي([10]) والمسرح الحي هو ذلك المسرح الذي لا ينفصل عن واقعة بأي شكل كان بحيث يرتبط بالقضايا الفكرية والسياسة والاجتماعية للمجتمع الذي يعيش بداخله ويقدم ما يساهم في حل إشكالات وتناقضات ذاك المجتمع حتى يتسنى له تحقيق دوره الرسالي والتربوي بفعالية والتصاق تام بالوجدان الجماعي للمجتمع.
أسئلة الحداثة في المسرح السوداني:
قبل أن نخوض في غمار ما نعتزم القيام به نود أن نلفت الإنتباه أولاً إلى واحدة من أكبر الإشكالات الملازمة لتاريخ المسرح السوداني عبر مسيرته الطويلة ولا زالت كذلك إلى يومنا هذا وهي إشكالية غياب التوثيق للعروض المسرحية التي تقدم في أنشطة المسرح السوداني بشكل كتابي نقدي مما يجعل من مهمة الدراسات التطبيقية التي تنهض علي المقاربات واستخلاص القضايا محل الدراسة أمراً غاية في الصعوبة . خصوصاً لو أمعنا النظر في واقع الكتابات النقدية السودانية مقارنة بالكتابة النقدية في مسارح أخرى من العالم ، ليتضح لنا ودونما حوجه إلى التدقيق وجود فارق كمي ونوعي ربما لا تقيسه السنوات الضوئية خصوصاً في جوانبها التطبيقية المرتبطة بمفاهيم ومقولات نظرية / معرفية تطبق علي متن العرض المسرحي . فمثلاً تراودنا الرغبة في كثير من الأحيان في عقد مقارنات نقدية بين ماضي وحاضر المسرح السوداني لنستشف عبر ذلك أين نحن الآن وما هو واقع المسرح في فترات تاريخية سابقة وهل تخلص من إشكالات الماضي أم لا زالت مستمرة تكبل خطاة . وسرعان ما نواجه بخيبة أمل كبيرة سببها الأول والأخير هو عدم توفر مادة توثيقية أو مصادر مكتوبة تطبق أو تجري عليها هذه المقارنات . وينطبق هذا الحديث حتى علي الفترات التي شهد فيها المسرح السوداني تطوراً ملحوظاً أو نهضة – حسب التعبير لبعض منا – في عدم وجود مصادر توثق لهذه النهضة أو تحللها نوعياً لا كمياً علي شاكلة المحاولات التوثيقية الموجودة في الدراسات المسرحية السودانية والتي لا تفيد في إجراء الدراسات التطبيقية بشيء خصوصاً إذا كانت هذه الدراسات تنهض علي محاكمة الشكل أو المحتوى المسرحي لا عناونيه أو أن تحاول تبيئة بهض المفاهيم النظرية المأخوذة من حقول معرفية أخرى في حقل المسرح مثل علم الاجتماع والإنثربولوجيا والفلسفة وغيرها . فهنا وفي هذه الحالة بالضبط يستحيل القيام بهذه المحاولات إلا بالاعتماد علي ذاكرة بعض الأجيال التي عاصرت حقب مختلفة من تاريخ المسرح في السودان مما يعني التمركز حول وجهة نظر واحدة هي التي تمليها علينا تلك الذاكرة!! فمن منا مثلاً انتابه شك ولو للحظة في أن المسرح السوداني لم يشهد نهضة في تاريخه؟! وكيف ندلل علي صحة هذه الفرضية أو عكسها؟! بالإحصاءات التي توثق لعدد المسرحيات في تلك الفترة !! وماذا لو علمنا أن ما قدمته فعالية الخرطوم عاصمة للثقافة يتجاوز عدد تلك الإحصاءات بكثير وفي عام واحد فقط؟! هل شهد المسرح السوداني (نهضة) في هذا العام؟؟ لا أظن أن أحداً منا يستطيع الإجابة!! فهنا بالضبط لا تستطيع عمل شيء سوى أن تعود مجرجراً أذيال الخيبة النظرية التي أصبحت قدراً يطوق الحركة المسرحية ولا فكاك منه . إلى متى سيستمر هذا الحال حتى بين الأجيال الجديدة من النقاد وإلي متى ستظل المؤسسات المسئولة عن أداء هذه المهام لا تحرك ساكناً ولا تنتبه إلى خطورة هذه الأشياء والتي هي بالأساس مهام إدارية وتخطيطية لا غير . ربما يعتقد البعض أنني استطردت في الحديث عن مشكلة لا تمس موضوع الدراسة وفي هذا خروج واضح علي أسس الكتابة المنهجية ولكن بقليل من التأني يتكشف لنا أن ما أستطردت فيه من حديث هو من ضمن نسيج المبحث الذي نتحدث عنه بإعتبار أن سؤال الحداثة في أحد أهم جوانبه يفترض وجود تراث مكتوب يجب العودة إليه ودراسته دراسة متأنية بغرض تجاوزه واستخلاص ما به من قيم إيجابية وإعادة إنتاجها بما يتواءم مع مقتضيات العصر الذي نعيش فيه وهذا بالضبط ما يتعذر تحقيقه في عدم وجود مادة مكتوبة وعقل رافض لسلطة المشافهة القاتلة . وأن التغيير الحداثي الذي ننشده أو نتحدث عنه لا يمكن بالضرورة أن يقوم به المسرح السوداني وهو لا يستطيع تغيير أو معالجة إشكالاته نفسها!! وربما ما دعاني إلى الإستطراد في هذا الموضوع هو أن الحديث عن المسرح السوداني وقيم الحداثة لا يمكن أن يكون حديثاً شاملاً بسبب غياب المادة التي تستخلص منها هذه القيم أي أنه سيتقتصر علي نماذج جزئية إنتقائية في أغلب الأحوال.
إرتبط المسرح السوداني في بواكيره الأولي بالحداثة وقيمها الفكرية والاجتماعية فما لا خلاف عليه أن الدراما السودانية والتي بدأت بالمسرح أولاً في مطلع القرن الماضي علي يد الشيخ بابكر بدري كان لها منذ البداية إرتباطها بالهموم الاجتماعية والنضالية ، فقد ساهمت عن طريق المسرح في قضايا التعليم والنضال ضد الاستعمار ومحاربة العادات الضارة بل ما يذكره التاريخ لها وقوفها مع تعليم المرأة([11]) في سياق تاريخي كانت تحكمه علاقات السيطرة الذكورية وتنقسم فيه طبقات المجتمع بناءً علي تراتبية تعتمد التمييز النوعي أساساً لتصنيفها منفصلة بذلك عن تاريخ حضاري ضارب بجذوره في تكوين المجتمع السوداني في ممالكه القديمة حيث شهدت تلك الممالك تعاليم وقيم كانت المرأة فيها ذات وضع اجتماعي متميز وصل حد أن تعتلي قامات العرش حاكمة لبني أهلها فيما عرف بظاهرة الملكات الكنداكات والشاهد علي تعظيم النساء عموماً بين المرويين أن لوحات القرابين المكتوبة باللغة المروية لغير الملوك كشفت عن حرص أصحابها علي الإنتساب للأم قبل الأب وكان الواحد منهم يعرف نفسه بأنه فلان بن فلانه بن فلان ويبدو أن أول ملكة تبوأت ذلك المنصب هي الملكة (برتاي) (280. ق.م) المدفونة في الهرم العاشر في مقبرة البجراوية الجنوبية وبعدها بقرن جلست (شنادخيتي) علي عرش المملكة أيضاً وما حل القرن الأول قبل الميلاد حتى تعاقب علي مركز الصدارة عدد من النساء الشهيرات وتحقق لبعضهن – (أماني رينيس) و (أماني شاخيتي) – وربما أماني توري الجلوس علي العرش وتركن بصماتهن علي آثار المملكة([12]) مما يفيد بأن التوجه المسرحي ومنذ بواكيره الأولي لم ينشا معزولاً عن تربته الثاقية وإنما ارتبط بالقيم الحداثية التي كانت إرثاً طويلاً وتاريخاً مستمراً عبر الوعي متعلقاً بحنين العودة إلى ما هو إيجابي في ذلك التراث ، وليس بالضرورة أن يكون ذلك التوجه واعياً في كل الأحوال فقد يظل خفياً غير مدرك علي مستوى العقل ولكنه يظل موجهاً ودافعاً لعدد من السلوكيات اللاواعية والتي تحددها استجابات الفرد التلقائية إذا ما يعتريه من مواقف.
يمكن أيضاً أن نستخلص عدد من السمات الحداثية في نماذج لكتابات مسرحية سودانية منها كتابات (حمدنا الله عبد القادر) ، ففي مسرحية (خطوبة سهير) التي تميزت بمناقشتها وطرحها للعديد من القيم الاجتماعية مثل إشكالية الإغتراب عن الواقع أو الفصام الاجتماعي الذي تجلى في شخصية والدة سهير بتفاخرها وتظاهرها بغير حقيقتها الاجتماعية وإشكاليات التفكك الأسري الذي سببه الأول (خليل) والد (سهير) والذي تتجلى عبر إشارة واضحة أغفلها كل من تناول المسرحية بالدراسة والتحليل تحاول توضيح أثر الصدمة التي عاشها رهط غير قليل من الأجيال السودانية التي عاصرت فترة الاستعمار البريطاني وانخرطت في معركة التحرر الوطني وهي ممتلئة بآمال البحث عن غدٍ أفضل فوهبت كل طاقاتها لمحاربة ذلك الشبح الجاثم علي صدرها ومن ثم عاصرت الفترة التي تلت خروج الإنجليز من السودان والتي تسببت هي الأخرى في فضح الأنظمة الوطنية التي تلتها ولم تقدم شيئاً لذلك الإنسان الذي عقد آمالاً عليها ومن ثم تحول بموجب تلك الصدمة وذلك الفشل الذريع إلى شخصية مصابة بحالة إنفصام ذاتي ورفض لواقع يحس بأنه لم يكن يتمناه كذلك فبدأ ذلك النموذج يتجلى في شخصية (خليل) ابن الأزمة نفسها بأن أصبح مدمن لتعاطي الخمور بديلاً عن الوعي الذي ربما يقلقه بتلك الأسئلة . وقد صوَّر المؤلف مدى التطور الذي أحرزته المرأة المعاصرة "سهير" قياساً بأمها "سكينة" بل جاءت شخصية سهير المرأة أكثر وعياً وعقلانية من الرجل المتمثل في خليل أو حسنين ، بل أن تأمل المسرحية من هذه الزاوية يبين أن سهير الفتاة أقوى شخصية من "عاصم" خطيبها ولعل في ذلك تطوراً هاماً من نظر المسرح للمرأة([13]) وتعكس المسرحية واحدة من أهم القضايا الاجتماعية المرتبطة بتدخل وسيطرة الوالدة سكينة في أدق خصوصيات بناتها ومحاولة توجيه نظرها إلى ما هو مادي في مسالة اختيارها لزوجها: "ما ياهو عوسك وما يا هو عزلك من البنات ، قبيل وكت عملتي ليك ريده مع عاصم ده!! الساكنين في الامتداد كانوا من عدمهم؟! ولا التامين الجامعة مارقين في بعثة كانوا من قلتهم؟! ما تشوفي البنات الفالحات المازيك قدرن بي شدتن ولضتن يعزلن وينقن وجن مارقات بالدكاترة والمهندسين والضباط والمقاولين .. إلا إنتي الجيتي تنقذي لي بي كاتب"([14]).
كما تناول الكاتب أيضاً العديد من قضايا العادات والتقاليد بشكل أوسع في مسرحيته "المنضرة" مثل عادة النميمة لدى النساء ومشاكل استقرار العلاقات الزوجية . ويحاول المؤلف من خلالها الانتصار لقضية المرأة التي تحكمها التقاليد للحد الذي يجعل الرجل يسمح لنفسه بممارسة الخيانة الزوجية مع زوجة جاره ويحاول تجسيد البنية النفسية لممارسة هذا السلوك بحيث يتم طرحه كمتشكك في كل من حوله . وقد كانت هذه المسرحية وجميع مسرحيات حمدنا الله عبد القادر جميعها بمثابة النبؤه الباكرة لتفكك الطبقة الوسطى وزوالها من تركيبة المجتمع السوداني وهذا ما نظنه قد تحقق فعلياً في راهننا المعاصر.
أما النوذج الآخر والذي نستعرض من خلاله أهم مفاهيم ومقومات الحداثة وتجلياتها الفكرية هو مسرحيات عبد الله علي إبراهيم والتي لم تخرج جميعها من عكس الإشكاليات الاجتماعية والسياسية للمجتمع السوداني من خلال رؤية تغييرية عرف بها عبد الله علي إبراهيم من خلال كتاباته القصصية والفكرية والسياسية في السودان وكثيراً ما عبرت مسرحياته جميعها عن إشكالات ما في التاريخ والثقافة والعرق والطبقة والنوع تمثلت في عجز المشروع الحداثي السوداني عن صناعة التغيير الذي من شانه أن يخلق القدرة علي إدارة التنوع بأشكاله المختلفة وإلي بناء المؤسسات وبسط العدالة الاجتماعية ، في عدم قدرته للحد من تغول المدينة علي الريف([15]) وقدمت مسرحياته أيضاً الكثير من القضايا الاجتماعية الأخرى التي يطرح المؤلف من خلالها أفكاره التنويرية والإصلاحية المرتبطة في جزء منها بمعالجة وإكتشاف التراث السوداني كما تميزت مسرحياته بالإضافة إلى ذلك بفرادة التناول وحق السبق في طرح مشكلات اجتماعية مترسخه بشدة في خارطة المجتمع السوداني مثل إشكالية الهوية الثقافية للسودان والصراع العنصري والنزوح والهجرة المتصلة بابناء الريف ففي مسرحية (الجرح والقرنوف) يطرح المؤلف قضايا حول ملكية الأرض وما يستتبعها من تداعيات وفقاً لمرجعية العرق . ففي المسرحية نجد أن العلاقات والحقوق تترتب وفقاً للأصل العرقي ونجد تعبيرات مثل حر وحلبي وبقاري وعبيد وكذلك نجد تراتبات أخرى علي مستوى النوع فنجد رجل وإمراة وما يستتبع هذا أيضاً من تمييز في الحقوق([16]) . وقد تناول المؤلف واحدة من أهم القضايا السياسية في تاريخ السودان وهي حادثة اغتيال عدد من المزارعين السودانيين الذين تم حبسهم في مخزن يحوي بداخلة عدد وفير من المبيدات السامة حتى اصيبوا جميعهم باختناق أدى إلى موتهم جميعاً عبر مسرحيته (عنبر جوده) مشاركة منه في نقد السلطة السياسية والارتباط بالقضايا الاجتماعية في كافة أوجهها.
ويمكن أيضاً أن نلمح بعض النزوع الحداثي المتجسد في مسرحيات هاشم صديق المختلفة فقد بدت مسرحية (وجه الضحك المحظور) وكأنها محاكمة إنكارية لقيم التعسف البيروقراطي و اسقاطات الايدلوجيا الدينية علي المجالات الفنية وكشف بنيات الفساد والجهل المرتبطة بهذا النوع من الإسقاط . وهي بذلك – أي المسرحية – تحاول أن تضع يدها علي الضغوط السياسية التي يتعرض لها الفنان/ المثقف من قبل السلطة التي ترى أن أفكاره خطر علي المجتمع الذي يعيش بداخله بحيث أن نظرة الفنان الأكثر عمقاً ، تستطيع أن تنفذ إلى ما تحت السطح وتدق أجراس الخطر منبهه إلى مكمن الخلل العضوي في جسد الحياة والمجتمع. والمسرحية من هذا الجانب تبرز الوجه الآخر لإشكالية المثقف والسلطة أو الفنان والمجتمع من حيث كونها تضعه أمام مسئوليته الاجتماعية ودوره في إيقاظ وعي المجتمع والدفاع عن المثل العليا مهما كانت الضغوط التي تفرض عليه.
أما مسرحية (نبته حبيبتي) والتي بالإضافة لكونها غاصت عميقاً في أغوار التاريخ السوداني في محاولة واعية لفرز مكوناته الفكرية والثقافية وتلمس ما يجوس بداخلها من قيم إيجابية واستبدادية في آن نجد المؤلف يجعل التغيير الإيجابي يأتي علي يد الفتاة (سالي) يساعدها الفنان (فارماس) فهي التي تحمل الأفكار المتقدمة وهي التي تعلن الثورة علي التقاليد – عادة قتل الملوك – وتقود شعبها([17]) كأنما أراد الكاتب بذلك الإشارة إلى قضية كثر تداولها في أدبيات النهضة الفكرية العالمية والعربية علي حدٍ سواء وهي القضية التي تعكس عدم سلبية المرأة بوصفها نوع أنثوي كما يتجلى في كثير من الكتابات الذكورية الطابع بل علي العكس من ذلك يمكن لها ليس أن تشارك في عمليات التغيير والتحول الاجتماعي بل تقودها أيضاً . كما يضع المؤلف الفنان (فارماس) حاملاً وداعماً للواء التغيير الاجتماعي والفكري . وهو بهذا إنما قصد وضع الفنان في المقابل النقيض للثنائية المتعارضة بين الفنان/ السياسي الذي لا يستطيع أن يضطلع بمهام التحول الاجتماعي وتموجاته الخافية . خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار أن تاريخ كتابة هذه المسرحية يقع في العام 1973 والذي كان السودان السياسي واقعاً تحت قبضة ديكتاتورية الرئيس (جعفر نميري) وسيطرته التامة علي مقاليد الحكم وبإنفراده بالسلطة السياسية وبداية إنقلابه علي الشيوعيون وأحداث مجزرة الشجرة التي اصدر فيها قرار بإعدام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني.
وكذلك الحال بالنسبة لمسرح الفاضل سعيد الذي إرتبط قالبه الكوميدي بالتعرض لنقد وتحليل الكثير من القيم والعادات البالية ضمن تركيبة الثقافة السودانية وهو إذن يستجيب بذلك لشروط الحداثة بما هي تجاوز للهياكل القديمة وتأسيس هياكل ورؤى جديدة تساير روح العصر وتستجيب لمتطلبات العصر وتساهم في بناء الثقافة الفاعلة([18]) التي يزول التعارض بينها وبين قيم ومتطلبات العصر أو السياق الذي تتحرك بداخله . وقد إرتبط مسرح الفاضل سعيد منذ نشأته بتناول القضايا الاجتماعية والسياسية التي يستنبطها من نسيج المجتمع السوداني ويعيد بناءها باستمرار عبر جدلية الهدم والبناء المستخدمة في تأليفه الإرتجالي للمسرح لتتواءم مع طبيعة السياق الاجتماعي المرسلة إليه ، فليس من قبيل المصادفة أن فرقة الفاضل سعيد المسرحية تكونت في العام 1956م نفس العم الذي أعلن فيه استقلال السودان وبدأ الجميع يتخفذون للإسهام في تشييد صرح الوطن الذي ولد من جديد ، نفس العم الذي طرح فيه السؤال التاريخي: هل يعني خروج الاستعمار نهاية كل المشاكل؟! أم أن صراعاً جديداً سينشب بين السودانيين أنفسهم؟! فقبل عام 1956م كانت كل الاتجاهات السياسية رغم اختلافها تضع واجب النضال ضد الاستعمار في المرتبة الأولي . أما بعد عام 1956 فقد بدأ التناحر حول إتجاه السودان المستقبلي ، حول خط سيرة إلى أين([19]) . بل ربما استشعر ذلك الرجل المسكون بالمسرح ضرورة أن يقف بفنه جنباً إلى جنب مع مجتمعه في الإضطلاع بمهام بناء الوطن منحازاً بذلك وعبر كل ما قدمه إلى قيم الحداثة والتنوير والتغيير الاجتماعي. وقد ظل الفاضل سعيد في كل أعماله يصور مشاكل المجتمع السوداني والتغييرات التي تطرأ عليه تصويراً إيجابياً وأنه إرتبط بنضال الشعب ضد الحكم العسكري الغاشم حينما قال في مسرحيته (حسن مشغول) التي قدمت يوم 21 أكتوبر 1964 علي شاشة التلفزيون: "البني آدمين في الأرض والكلاب في الكراسي" . وعبر مسرحيته "أكل عيش" التي قدمت في العام 1968م تناول الفاضل سعيد عدداً من القيم الاجتماعية والثقافية بشكل إيجابي وظفت في محاربة الفساد الإداري في المكاتب والدواوين الحكومية وصورت المسرحية المجتمع السوداني الحديث ووجهت هجوماً حاداً ولاذعاً نحو كل مظاهر الفساد فيه ونزعت عنه ثوب الوقار الكاذب وجعلته يقف عارياً علي خشبة المسرح بطريقة لم يسبق لها مثيل في أي عمل مسرحي من قبل ، وتناولت قضايا المحسوبية والرشوة وفساد كبار الموظفين وتعرضت للمتاعب التي تعانيها المرأة العاملة بوصفها ظاهرة حديثة في المجتمع السوداني ، فصوت "محاسن" العاملة كان هو صوت كل الموظفات السودانيات حينما ردعت الشاب الهلفوت وقالت أن الجميع يضعوا أعينهم علي كل فتاة تعمل([20]) . كل ذلك عبر شخصية العجب الذي يوظفه الفاضل سعيد ويبني أبعاد شخصيته في إرتباط وتحيز واضح لقضايا المقهورين فالبعد الاجتماعي لشخصية العجب قد تلاحظ أنه دائماً ما ينتمي إلى الطبقات الفقيرة أو الطبقة الوسطى ، من عائلة محافظة يتيم الأب ، مسئولاً عن أمه تربي تربية سودانية أصيلة لم تشبها شائبة من قيم دخيلة وأعزب من طائفة صغار الموظفين (المراسلات) فهو المراسلة في (أكل عيش) والموظف الصغير في (نحن كده) و (النصف الحلو).([21])
أما مسرحية بت الحلال فقد تناولت قضية التسلط الاجتماعي في بنية الأسرة وما يستتبعه من إشكالات في عدم الإستقرار المؤدي إلى تفكك الأسرة وتحللها .كما تناولت المسرحية ووجهت نقداً للعرف السائد والمتمثل في (غلاء المهور) في مراسم الزواج السوداني التي يقدمها المؤلف كواحدة من التقاليد البالية التي يجب الإستغناء عنها في محاولة لفرز مكونات القيم والعادات السودانية السالبة المتوارثة عبر أجيال عديدة بحسبانها جزء من التراث الثقافي للمجتمع السوداني . وتعتبر هذه المراجعة الدءوبة لمقولات التراث الثقافي واحد من أهم مرتكزات الحداثة ، إذ تعمد إلى التراث وتجرده من المحمولات المترسبة في أذهاننا عنه والمرتبطة بعمره ، وتعطيه أبعاداً تمكنه من أن يرحل عبر الزمان والمكان ليعيش فينا ومعنا محملاً بقضايانا ومثقلاً بهموم المجتمع([22]) وقد عالجت مسرحية "الناس في شنو" مقولة التسلط في سياق اجتماعي أوسع . وهناك نماذج مسرحية سودانية أخرى تتناول في مضمونها قضايا إجتماعية وسياسية الطابع توجهها بشكل أو بآخر لطرح جزء من إشكالات هذا المجتمع فها هو المسرحي الشاب (مجدي النور) تتناول مسرحياته قضايا إجتماعية هامة وملحة ومرتبطة بالصراع الآني للمجتمع مركزه في أحد جوانبها علي صراعات السلطة السياسية وتقسيم السودان إلى مركز ذو توجه عروبي إسلامي وهامش لا حول له ولا قوة يتكبد عناء الهجرة والنزوح والاستعلاء العرقي والنزاعات الأهلية وإشكالات التنمية بكافة أشكالها خصوصاً عبر مسرحياته (لمة نقاره) و (الحلة القامت هسع) و (الجاروف) و (عجلة جادين الترزي) التي تعالج قضايا الإنسان المهمش ثقافيا واجتماعياً بذات المنهج الذي يتبعه المؤلف في كافة أعماله.
كما قدمت جماعة مسرح السودان الواحد عرضاً مسرحياً بعنوان (صور للتعايش والسلام) علي شرف مهرجان أيام البقعة المسرحية والتي تناولت قضايا النزاع الأهلي في السودان خصوصاً في نموذجها الأطول عمراً – حرب الجنوب – وكذلك إشكالات التمييز والاضطهاد الثقافي والاقتصادي والسياسي الذي يعانيه ذلك الإنسان ضمن دائرة الشمال السوداني / الثقافي. فقد حمل العرض في داخله نبؤه باكرة لواحدة من أهم الإشكاليات السياسية في تاريخ السودان منذ الاستقلال إلى الآن وهي مشكلة وحدة السودان وتجزأته ويبدو أن المخرج وبشكل غير متعمد ركز علي مناقشة المشكلة في مستواها السياسي رغماً عن أن لها عدداً من الامتدادات الأخرى يقع جزء منها في جذور ثقافة الشمال التي لم يتطرق لها العرض بشيء وكأنما أراد بذلك رد المشكلة بكاملها إلي كيفيات المعالجة السياسية بمعزل عن البعد الاجتماعي([23]) وهو بهذا يوجه سياط النقد والتحذير لمن يهمهم الأمر بأن لا يغفلوا ذلك البعد الغائب في حل هذه الإشكالات الاجتماعية وربما تشير مآلات الواقع وحركته السياسية إلى صدق مقولة ذلك العرض وبصيرته بعيدة المدى.
وكذلك قدمت فرقة (ود حبوبة) المسرحية عرضاً تناول محاور مختلفة لقضايا اجتماعية سياسية ودلل علي كيفية تأثير السلطة السياسية في قناعات الفرد وإحالته إلى مجرد مسخ مشوه بمجرد وصوله إليها . كما تناولت الترسبات القبلية التي توجه مسار التقسيم السياسي في السودان أو ما يصطلح علي تسميته بالموازنة القبلية التي بدت جليه ضمن مشهد الاستعداد للمعركة الانتخابية في سياق العرض الذي تناول واحدة من أهم القضايا المحورية في التاريخ السياسي للمجتمع السوداني والتي تناولها كتاب المسرح من قبل في فترات طويلة([24]) إلى أن وصلت إلى الحد الذي وضعها الكاتب (سعد الله ونوس) في أولويات اهتماماته الفكرية السياسية.
وأخيراً بقي أن نشير إلى أن تناولنا لهذه النماذج لا ينهض بالضرورة علي محاكمة تلك الأعمال من منظور درامي ، هذا لأن بعض هذه المسرحات خصوصاً مسرحيات عبد الله علي إبراهيم تعاني مشكلات عديدة في بناءها الدرامي وكيفية بناء الشخصيات ومستويات الحوار التي عادةً ما تكون أعلى من مستوى الشخصية وما نقوم به نحن لا يحتم علينا إجراء محاكمة بنائية كما ذكرنا وإنما تعتمد في ذلك علي المضمون القيمي الذي تقدمه المسرحيات وعلاقتها بقيم الحداثة الفكرية والفلسفية محل الدراسة.

المصادر :

[1]- د. محمد عابد الجابري – التراث والحداثة دراسات ومناقشات – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – الطبعة الأولي 1991 ص 16.
[2]- المرجع نفسه – ص 16.
[3]- فيصل دراج – الحداثة العربية بين زمنيين – مجلة الكرمل – العدد 80 – صيف 2004 – ص 153.
[4]- رأفت الدويري – المسرح العربي المعاصر ما بين التراث والحداثة – مجلة فصول – المجلد الرابع عشر - العدد الأول – ربيع 1995 – ص 93.
[5]- فيصل دراج – الحداثة العربية بين زمنيين – مجلة الكرمل – العدد 80 – صيف 2004 – ص 153.
[6]- رأفت الدويري – المسرح العربي المعاصر بين التراث والحداثة – مرجع سابق – ص 93.
[7]- المرجع سابق – ص 93.
[8]- بول شاؤول – الإطاحة بالتقاليد ، مسرح الحداثة مسرح مؤلف أم مسرح مخرج – مهرجان المسرح التجريبي القاهرة – الندوة الرئيسية – دورة 2005م.
[9]- جوليات هيلتون – إتجاهات جديدة في المسرح – ترجمة أمين الرباط – سامح فكري – مركز اللغات والترجمة – أكاديمية الفنون - القاهرة – ص 14.
[10]- عوني كرومي – المسرح والتغيير الاجتماعي – دراسة في مفهوم العرض المسرحي وعلاقته بالواقع الاجتماعي – مجلة فصول – المجلد الرابع عشر – العدد الأول ربيع 1995 – الهيئة العامة المصرية للكتاب – ص .
[11]- السر السيد – دوائر لم تكتمل كتابات حول الدراما السودانية – مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان – ص 147.
[12]- د. عمر حاج الزامي – الآلة آمون في مملكة مروي. 750.ق.م – 350.ق.م – مطبوعات كلية الدراسات العليا جامعة الخرطوم – بحث رقم (5) الطبعة الأولي 1983 – ص 126.
[13]- د. سعد يوسف – أوراق في قضايا الدراما السودانية – مؤسسة أروقه للثقافة والعلوم – الخرطوم – الطبعة الأولي 2002 – ص 64.
[14]- حمدنا الله عبد القادر – مسرحية خطوبة سهير - بدون.
[15]- السر السيد – مسرح عبد الله علي إبراهيم – صحيفة الأيام – السبت 24 ديسمبر 2005 – العدد (8307).
[16]- السر السيد – المرجع نفسه.
[17]- د. سعد يوسف – أوراق في قضايا الدراما السودانية – مصدر سابق – ص 65.
[18]- د. محمد دخاي – الحداثة في المسرح المغربي ، أساس التشكل والمكونات في الخطاب المسرحي – مجلة الرافد دائرة الثقافة والإعلام – العدد 79 – مارس 2004 ، ص 66.
[19]- د. خالد المبارك – حرف ونقطة – المطبعة الحكومية – الخرطوم – ص 29.
[20]- المصدر نفسه – ص 31.
[21]- د. سعد يوسف – الصورة المسرحية عند الفاضل سعيد ومكي سنادة – رسالة ماجستير – مكتبة كلية الموسيقى والدراما – ص 103.
[22]- د. محمد الدخاي – الحداثة في المسرح المغربي – مرجع سابق - 68.
[23]- راشد مصطفى بخيت – صور التعايش والسلام ، فكرة داوية عبر أداء صامت – صحيفة البقعة – نشره يومية بمناسبة مهرجان البقعة المسرحي – العدد الثالث أ الثلاثاء – 29/3 – ص 2.
[24]- راشد مصطفى بخيت – ود سمعريت نائب برلماني ، مشكل خصب وعالجه أقل خصوبة – صحيفة الصحافة – الثلاثاء أول مارس 2005 – العدد (4216).

تابع القراءة→

الأربعاء، مايو 04، 2016

هناء محمد والتواصل مع المسرح الجاد / محسن النصار

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 04, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

فبعد هجرة طويلة تعود الفنانة هناء محمد  الى خشبة المسرح في مسرحية "مطر صيف" حيث امتزجت فيها الدراما بالكوميديا وهي من تأليف علي عبد النبي واخراج كاظم النصار.
ومطر صيف هي عمل مسرحي تحدث عن امرأة غادرها زوجها منذ ثلاثين عاما لأسباب مجهولة، هذا الأمر وضع الزوجة في لحظة يأس وجعلها تطلب استنساخ زوجها، ومع توافد المستنسخين اليها عاد زوجها الحقيقي لكن الحيرة في التمييز بين الحقيقي والمستنسخ تسيطر على الزوجة وتدفعها الى اجراء اختبارات كثيرة من ضمنها الحديث عن الذكريات لاكتشاف الزوج الحقيقي.

وتتواصل هناء محمد بعد الانحسار الذي  يكاد ان يكون شاملا بالابتعاد عن المسرح من قبل العنصر النسائي ... وخاصة المسرح الجاد تتواصل بمسرحية  " نورية "هي عمل مونودراما، تمثيل المبدعة هناء محمد،وأخراج ليلى محمد  والمسرحية باللغة الفصحى و تتحدث المسرحية عن واقع الشارع العراقي والانساني بشكل عام، هي فكرة فلسفية تتحدث عن ما هية الموت والحياة لماذا ننتظر ان نموت او نعيش ما الهدف من وجودنا  ... وهي ايضا ليس بالجديد ان تمثل في مسرحية  ذات الشخصية الواحدة .
وتعد الفنانة هناء محمد  من الفنانات اللواتي أثبتن حضورهن في المشهد الفني العراقي.. حيث قدمت عبر مسيرتها الفنية التي بدأتها  بالعديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية المميزة. وهي من مواليد منطقة الكرخ هوت الانضمام إلى دائرة الاذاعة والتلفزيون ولصغر سنها بعد تقديم طلب لانتمائها للدائرة نسبت إلى قسم برامج الأطفال ( اذاعيا ) قام باحتضان موهبتها الفنان المخرج الاذاعي (صبري الرماحي) وبمرور الزمن نمت موهبتها واصبحت شابة ونجمة تلفزيونية وسينمائية عراقية إلى جانب قريناتها (شذى سالم) - (افراح عباس) - (سهى سالم) - (ليلى محمد) - (هند كامل) - وغيرهن . واستمرت في العطاء للمسرح فقدمت مسرحية (حرم صاحب المعالي) واعمال كثيرة اخرى منها  خيط البريسم 1980 - إخراج: عدنان إبراهيم
الحلاق 1981 - مسرحية كويتية إخراج: مبارك سويد.
القضية خارج الملف"1989 - مسرحية لفرقة المسرح العربي وهي من تأليف مصطفي الحلاج وإخراج فؤاد الشطي.
واهم الجوائز الت حصلت عليها  الفنانة العراقية هناء محمد  جائزة افضل ممثلة في مهرجان "الطقوس المسرحي" الذي أقيم عام 2012 في عمان.
والذي  شاركت فيه فرق مسرحية من مختلف دول العالم، بينها العراق ومصر وقطر والمغرب والنمسا وإيطاليا".وأن "فوزها جاء عن دورها في مسرحية "مطر صيف".

تابع القراءة→

الثلاثاء، مايو 03، 2016

مخطوطة جديدة تؤرخ المسرح العراقي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 03, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

أربع  مسرحيات جديدة تؤرخ بداية المسرح العراقي تجاوز عمرهـا القرن بخمسة وعشرين عامـاً، فبعـد المسرحيات الخمس الأول التي اعتبرها المؤرخون بداية المسرح العراقي، يطل علينا الدكتور علي محمد هادي الربيعي  في كتابه الصادر عن دار الشؤون الثقافيـة هـذا العام" مسرحيات نعوم فتح الله سحار، المفقودة - دراسة ونصوص"  باكتشاف جديد، نتيجة بحث في مكتبات العـراق وأديرته وكنائسه، بمخطوطة وجدها في كنيسة مريم  العذراء في بغداد، والتي زارها في العام 2009 وتعرف على راعيها الأب الدكتور بطرس حداد، الذي أهداه مخطوطة محفوظة لديه تضم خمس مسرحيات، لم تنشر أربع منها  لنشرها والتعريف بها. فكانت خمس مسرحيات يعود تأريخها للعام 1890 وهي: "إياك ومعاشرة الأشرار"، " لطيف وخوشابا" وهذه طبعت في مطبعة الدومنيكان في الموصل في العام ،1893 وهي مترجمة عـن نـص مسرحي فرنسي كـما يقـول مؤلفـها. 
" الفتيان الأسيران"، " الرأس الأسود"، " الدراهم الحمراء" . 
صاحب المسرحيات الخمس هو نعوم فتح الله سحار، الذي بحث الربيعي عن سيرته فلـم يجد غير ما موجـود فـي كتاب " تاريـخ الموصـل" للأب سليمـان الصائـغ المطبـوع سنة 1928. 
لم يذكر سحار وهو شاعر أيضا، مصادر مسرحياته الأربع الأخرى  وأماكن أحداثها، ما عدا مسرحية "اياك ومعاشرة الأشرار"  التي دارت أحداثها في لبنان. 
تقلبت لغة المسرحيات بين الفصحى والعامية أو الخلط بينهما. الكتاب وثيقة مهمة لكل دارسي المسرح العراقي، وهي فرصة مهمة لشمول هذه المسرحيات بالتحليل الأدبي والقراءة النقدية ومستويات الخطاب الفني، للانطلاق منها نحو فهم بدايات المسرح العراقي واتجاهاته.

تابع القراءة→

شكسبير في ضوء النقد الثقافي:مسرحية -العاصفة- - نموذجا / هشام بن الهاشمي*

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 03, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

إن دراسة الأدب المسرحي باعتباره جانبا إستيتيقيا وفنيا فحسب، قد أفضى إلى تهميش وجهة النظر الإمبريالية الكامنة خلف إضفاء طابع العالمية على النموذج المسرحي الغربي، وتعني الإمبريالية ¬كما يوظفها "إدوارد سعيد" «الممارسة والنظرية ووجهات النظر التي يملكها مركز حواضري مسيطر، يحكم بقعة من الأرض قصية: أما الاستعمار الذي هو دائما من عقابيل الإمبريالية، فهو زرع مستوطنات في بقاع من الأرض قصية»(1).
وإذا كان يفترض في الأعمال المسرحية أن تكون زاخرة بالقيم الإنسانية الجليلة، وحافلة بمبادئ الحرية والعدالة، فإنها على النقيض تماما قد تضمنت جوانب قبيحة ومرعبة تجسدت في دعم رغبة المجتمع الغربي في التوسع الإمبريالي، إذ مثلت معادلة قوامها أفضلية الذات الغربية تفكيرا وفنا، ودونية الآخر ثقافة وعرقا، لتصوغ بذلك صورة للآخر وفق رؤية خاصة توافق المنظور الغربي المتمركز على ذاته ثقافيا وفنيا، وهي صورة "الخامل ذهنيا"، و"الوحشي"، و"الدوني"، و"المتخلف فنيا". وفي إضفاء طابع العالمية وسمة الكونية على النموذج المسرحي الغربي، وذيوع مقولات وشيوع وجهات نظر من قبيل "إن شكسبير كاتب درامي لكل الأزمنة والعصور"، لمتضمن لرغبة غربية في التوسع الإمبريالي الفني على حساب تقاليد فرجوية لشعوب أخرى اعتبرت من المنظور الغربي خاملة وخاضعة وعالما مسيطرا عليه «عالم صامت بإرادة منه أو دونما إرادة، ثمة اشتمالية، ثمة احتوائية، ثمة حكم مباشر، ثمة إرغام وقسر، لكن ليس ثمة إقرار إلا في النادر بأن الشعوب المستعمرة ينبغي أن يسمع منها وأن يعرف ما لديها من أفكار»(2).
ولا غرابة إن تجاوزت التجربة الإمبريالية البواعث الاقتصادية والدوافع السياسية لتطال الحياة الفنية/ المسرحية الغربية ذلك «أن إغفال بسط الإمبريالية لذاتها عبر الدين والعلم والفن والأدب سيكون قراءة خاطئة للثقافة ولرنينها الإمبراطوري»(3).
إن الكشف عن الرنين الإمبراطوري في الأعمال المسرحية الغربية بوصفه نسقا ثقافيا مضمرا قبيحا ومرعبا، يفترض ضرورة تجاوز الاهتمام المفرط بالجانب الإستيتيقي الذي حفل به النقد المسرحي ولزمن طويل، وتوجيه العناية البالغة بالإشكاليات الأيديولوجية والأنساق الفكرية الكامنة خلف الخطاب المسرحي.
ولاشك أن رحلة فكرية ¬تلك هي طبيعتها¬ تتطلب الحفر في تضاريس التاريخ المسرحي الغربي وقراءته قراءة تأويلية خاصة وبوعي نقدي متفجر ولا مهادن، يتقاطع فيه الفني بالأدبي والسياسي والتاريخي والاجتماعي عبر الربط بين الإمبريالية باعتبارها وجهات نظر وتمثيلا خاطئا للآخر، والأعمال المسرحية كشكل ثقافي وصوت فكري بارز في المجتمع الغربي، إذ بإمكان هذا الترابط أن يثري قراءة النصوص المسرحية ويغنيها ويغير زاوية النظر إليها.
وقد جسدت مسرحية "العاصفة" لـ"وليام شكسبير"، ارتباطا وتلازما بين الظاهرة الإمبريالية والظاهرة المسرحية، إذ لم يكن شكسبير بمعزل عن السياق الثقافي الغربي العام الممجد للحضارة الأوربية والمشيء للساكن الأصلي للبلاد المستعمرة كما بلورته تقارير المستكشفين والرحالة الأوربيين.
يرتبط النص الشكسبيري ¬من هذا المنظور¬ بواقع تاريخي/ سياسي شكل خلفيته، ولعل إغفال هذا الواقع من شأنه أن يجعل استقبالنا للنص ناقصا، سيما وأنه «لم يعد ممكنا ومقبولا بتر الأدب عن التاريخ، فالاستقلال الذاتي المزعوم للأعمال الفنية، يقتضي نوعا من الفصل يفرض محدودية مضجرة تأبى الأعمال الأدبية نفسها أن تقوم بفرضها»(4). إنه مفهوم "التأويلية الدنيوية"، الذي شكل حجر الزاوية في المشروع النقدي ذي البعد الثقافي لـ"إدوارد سعيد"، ويقصد به علاقة النصوص بشروطها المكانية والزمانية، وتطورها في شبكة العلاقات الاجتماعية والتاريخية والسياسية المعقدة.
وبذلك فإن إستراتيجيتنا في تحليل مسرحية "العاصفة"، سيكون هدفها الأساس تبيان ما كان مغيبا وناقصا في القراءات السابقة. إنها ليست مجرد قصة أمير له قدرات خارقة فقد إمارته ثم استعادها، بل إنها مسرحية سفر، واستكشاف، وانتشاء بالمغامرة في العالم المستعمر، وتحتل شخصية "بروسبيرو" البؤرة فيها، فهو «دوق ميلانو وأمير ذو سلطان»(5)، انهمك في دراسته، حيث ثمن كتبه أكثر مما ثمن مملكته، فكان أن أقدم أخوه ملك نابولي بالاستيلاء عليها وطرده، فوجد "بروسبيرو" نفسه رفقة ابنته "ميراندا" في «زورق لم يبق منه سوى هيكل متفسخ، لا حبال ولا أشرعة، ولا قلوع، ولا سواري، حتى الجردان كانت بالغريزة قد هجرته»(6).
هكذا ترك "بروسبير"، عالمه المتمدن، وشد الرحال مكرها إلى عالم آخر، عالم الجزيرة الغريب، وقد شكل ذلك منعطفا بارزا في مسيرة حياته، فلم يعد يحمل من عالمه الأول سوى قيمه ومثله لتغدو وظيفته الأساس تحويل العالم الغريب إلى وطن خاص به بعد بنائه وفق القيم التي يؤمن بها والمبادئ التي يحملها عن النموذج الغربي الذي غادره.
ولأن غرس القيم، وبناء النماذج يحتاج إلى موضوع، فقد ظهرت في نسيج النص الدرامي شخصيتا "آريال" وهو "روح من هواء"، و"كاليبان" وهو "عبد وحشي ممسوخ"، إنه الساكن الأصلي للجزيرة الذي اغتصبت أرضه، فأضحى عبدا بعد أن كان سيدا، يقول في غضب مخاطبا "بروسبيرو" المغتصب:
هذه الجزيرة لي، ورثتها عن سايكوراكس والدتي،
وأنت أخذتها مني، عندما جئتنا أول مرة
مسدتني ودللتني كنت تعطيني
ماء فيه توت، وتعلمني كيف
أسمي النور الأكبر، والنور الأصغر ... (7)
لقد فقد "كاليبان"/ الساكن الأصلي أرضه، المغتصبة من قبل "بروسبيرو"/الإنسان المستعمر، وغذت العلاقة بينهما علاقة تبعية وتلقين للقيم والنظم الثقافية الغربية (النور)، لنكون بذلك أمام ثقافتين: ثقافة حداثية تعني التمدن وتتسم بالكلية وتختزن مبادئ لابد من استلهامها، وثقافة دونية صغرى يمثلها "كاليبان"/ المستعمر، ليصبح من حق الثقافة الكلية المتمدنة التي يمثلها "برسبيرو" «التدخل في تلك الثقافات الصغرى ... باسم العمل من أجدل خير تلك الثقافات وليس باسم العمل من أجل خير ما هي»(Cool.
يمثل "كاليبان" الساكن الأصلي للجزيرة، الذي تحول إلى خادم وعبد، لكن عندما يصرخ بالحقيقة التالية «الحرية يا هو! الحرية يا هو! الحرية يا هو !» (9)، فهل ثمة إمكانية لتوحد جمهور شكسبير وتعاطفه معه؟.
الجواب، بالنفي، فليس في استغلال السكان الأصليين والاستيلاء على أراضيين ما يشين، ما دام هؤلاء ليسوا سوى متوحشين وعبيد، فـ"كاليبان" ¬في منطق النص الشكسبيري¬ لا حقوق له، فهو من منظور "بروسبيرو" عبد، وفي رؤية "ميراندا" نذل قبيح.
وليست تلك هي الصفات الوحيدة التي اتسم بها "كاليبان"، بل ثمة رزمة من الصفات المشيئة له من قبيل: غبي نطفة شيطان سلحفاة نذل كذاب مخلوق الظلام جاهل خسيس قذر شهواني وحشي دنيء عرقيا بذيء لا يجدي فيه لطف ...
إنها الرؤية الإمبريالية التي ترسخت في الفكر الغربي ووشمت وعيه، والقائمة على ثنائية ضدية أساسها: الطرف الغربي/ "بيرسبيرو" صاحب رسالة التمدن والتحديث، ومصدر كل الحقائق الثقافية في هذا العالم، والطرف المستعمَر/ "كاليبان"، البدائي التوحش ورجل الكهف والغابة الذي يقتضي وصاية ثقافية غريبة ليلج عالم التمدن ودنيا الحضارة.
على هذا الأساس، تقدم مسرحية "العاصفة" علاقات مثيرة ومستفزة، تحتل فيها شخصية "كاليبان" المركز، فهو عبد، ومتوحش وبدائي ... و"برسبيرو" سيد وحكيم وذو سطوة، وهو أيضا نقيض "ميراندا"؛ فهو قبيح وشرير، وهي جميلة وبريئة، و"فرديناند" وسيم ونبيل، تجري في عروقه دماء النبلاء وأخلاقهم، و«ما من شر يستطيع السكن في هيكل كهذا»(10)، و"كالبيان" عبد مقيت و«لا يقبـل أن يطبـع فيه خيـر، لأنه مطبوع على كل شر»(11)، فهو حيواني وشهواني ولذلك حاول اغتصاب "ميراندا"، ليبقى الفارق بين "كاليبان" وباقي الشخصيات الأخرى ثابتا، فهم بالبداهة نبلاء عكس "كاليبان" الأدنى والمنحط.
لقد اختزل "كاليبان"/ المستعمَر، ثقافيا وفنيا واجتماعيا وعرقيا، وهي الصورة الشائعة في المدونات الاستشراقية والسرديات الاستعمارية. إنها النظرة الاستعلائية الغربية التي شيَّأت اللاأوربي وسلعته ونظرت إليه بوصفه مجرد "شيء" و"دوني" و"ذات لا ثقافية"، وبذلك فقد احتل الإنسان المستعمَر مكانة ثانوية، مكانة شكلت مفارقة ضدية جوهرية بالنسبة للأوربي، إذ تبرز تفوقه وغطرسته، وسوغت سيطرته على شعوب ينبغي أن تخضع، ليغدو الاستعمار، في الفكر والوعي الغربيين، واجبا محتما لحكم شعوب أدنى مرتبة وأقل تقدما. إن الجزيرة في مسرحية "العاصفة"، ليست فردوسا أرضيا مكتشفا، بل إفصاح عن الرغبة الغربية في السيطرة والهيمنة على عالم جديد، تبذل فيه جهود لإضفاء طابع الإنسانية على المتوحشين لكن دون جدوى، وهي الحقيقة التي أعرب عنها "بروسبيرو" بلسانه في خضم حديثه عن "كاليبان" المتوحش:
بروسبيرو: شيطان وولد شيطان وفي طبيعته لن يستقر أي تطبع وجهودي التي أنفقتها عليه إنسانية راحت سدى كلها.
وكلما كبر سنا ازداد جسمه قبحا، وذهنه نخرا وسوسا ...(12)
والحال أن "شكسبير"، مشارك في سياسة التوسع الإمبريالي والنزوع الإمبراطوري، من خلال سوء تمثيله للآخر/ غير الغربي، إذ يمكن معاينة مسرحية العاصفة بوصفها مفعمة بحساسية استعمارية، وتقوم بأداء حركة إمبريالية.
لاشك أن هذه القراءة الجديدة المستندة على مشروع نقدي ذي بعد ثقافي، تضيف بعدا جديدا. إنها مسرحية تنطوي على عنصرية الغرب الكامنة والملثمة، إذ توحي بوجود ثنائية ضدية حيث الشمال والجنوب، والسيد والعبد، والثقافة واللاثقافة، ليكون النسق الثقافي المضمر فيها: تعزيز إقرار المجتمع للتوسع الإمبريالي. نسق أغفل في النقد المسرحي لاعتماده المفرط على المنهج الوصفي السطحي واهتمامه المبالغ فيه بالجماليات والفنيات في وقت أضحى فيه من الضروري إدراج المسرح ضمن الأنساق الثقافية الكبرى وتحطيم هالة نصوص اكتسبت طابع القدسية.
وفي الأخير نؤكد أننا لا نروم إدانة "شكسبير"، ولا قذف الأدب المسرحي من خلال الربط بين التجربة المسرحية وانتشار الإمبريالية، وإنما تحديد الكيفية التي حدثت بها العملية الإمبريالية بشكل يتجاوز البواعث السياسية والاقتصادية لتمس الحياة الثقافية/ الفنية للغرب، إذ يمكن للنصوص الدرامية «أن تكون أعمالا عظيمة من إبداع الخيال، وأن تضم في الوقت نفسه وجهات نظر سياسية ظاهرة البشاعة والقبح، وجهات نظر تسلخ الإنسانية عن غير الأوربيين، وتبرز شعوبا وأصقاعا بأسرها خاضعة ودونية جاعلة إياها مقتضبة حكم الأوربيين»(13).

الهوامش:

* - أستاذ بنيابة سيدي قاسم، باحث بوحدة الدراماتورجيا والنقد المسرحي (القنيطرة).
1 – إدوارد سعيد "الثقافة والإمبريالية" ترجمة كمال أبو ديب، دار بيروت، ط3، 2003، ص: 80.
2 – المرجع نفسه، ص: 118.
3 - المرجع نفسه، ص: 185.
4 - المرجع نفسه، ص: 142.
5 – وليام شكسبير "العاصفة" ترجمة إبراهيم جبر، وزارة الإعلام، الكويت، 1989، ص: 130.
6 – المصدر نفسه، ص: 134.
7 – المصدر نفسه، ص: 144.
8 – صلاح رزق "علامات في النقد" العدد (13)، الجزء 51 "إشكالية المنهج في النقد الثقافي"، ص: 85.
9 - شكسبير "العاصفة" مصدر سابق، ص: 130.
10 - المصدر نفسه، ص: 151.
11 - المصدر نفسه، ص: 145.
12 - المصدر نفسه، ص: 213.
13 - إدوارد سعيد "الثقافة والإمبريالية"، مرجع سابق، ص: 8


تابع القراءة→

الحكاية روح الدراما - كيته ريلكه - فايلر/ ترجمة: قيس الزبيدي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 03, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

اعتبر بريشت الدرامية أرسطية، حينما يتم بوسطاتها إحداث "التماهي" في العروض المسرحية "بغض النظر عن استعمال قواعد أرسطو لهذا الغرض أو عدم استعمالها. وعلى هذا يمكن حسب تعريف بريشت اعتبار كل الأصول الدرامية - باستثناء دراميته– ارسطوية، لأن "التماهي" يحدث بوساطة كل وسائل الفن المركبة، حتى إذا حدث في أوقات مختلفة وبأساليب مختلفة ولأغراض متباينة. وإنه لمن الصحيح حقاً أن يتم بحث "التماهي" و"التغريب" وفقاً لبناء الأعمال المسرحية: غير أن "التماهي" و"التغريب" وحدهما لا ينتجان هذا البناء مع ذلك.
ثمة عنصر جوهري آخر في كل درامية مجتمع الطبقات هو مفهوم القدر الذي ينتمي إلى العناصر المركبة للدراما وإن اختلفت طريقته – ونسمي هنا مفهوم القدر عند أرسطو ومثله عند شكسبير كقواعد لنوعين من الأصول الدرامية المختلفة فعند الإغريق عينت (المويرا) "ربة القدر" سير الحكاية بشكل قسري مثلما فعلت المعاناة الحتمية عند شخصيات شكسبير العظيمة، أما عند بريشت فيختلف الأمر لأنه لا يحدد "القدر" الوافد إلى الناس من قبل قوى خارجية أو بوساطة فعل الشخصيات نفسها وعبر مجريات الأحداث، إنما يحددها قوانين المجتمع الاقتصادية – الاجتماعية الواقعية. 
لم يدخل بريشت بالدرجة الأولى في التناقض مع القواعد التي وضعها أرسطو في "فن الشعر" - وهي مدهشة لزمنه مثلما هي اليوم – إنما مع وظيفة المسرح في فترة الرأسمالية المتأخرة. وان ما يرتبط بالغرض النهائي للمأساة الارسطوية هو من جهة "التماهي" في العرض المسرحي، ومن جهة أخرى مفهوم القدر الذي يحدد الحدث. كما أن "التماهي"، وفق وجهة نظر بريشت، يحول دون نقد المجتمع المعروض – أن هذين المفهومين مصاغان من قبل أرسطو ولو أنهما اليوم يستعملان وفق صيغة معدلة، لكنهما ما يزالان فاعلان  لأن المأساة بهذا تثير " الشفقة والخوف (…) ويؤدي التطهير الخاص فيها He Catharsis إلى مثل هذه الانفعالات". 
كما أن التفاوت واضح بين هدف الأصول الدرامية الارسطوية وبين تلك الخاصة ببريشت، إذ إن الأخير يريد أن يضع المتفرج من خلال مجرى كل الحكاية في مجال السيطرة على الواقع المصور. وواضح كذلك، أنه لا يمكن بلوغ الهدف ذي الأساليب المختلفة بمعزل عن سياق الحكاية. ومن أجل إظهار وظيفة "التماهي" العميقة والمحددة للمعرفة، يجب بحث ارتباط هذه الوظيفة بسياق الحكاية، التي تنتظم مواقفها المنفردة بطريقة تقود إلى الغرض النهائي الأرسطي. وفي حال بلوغه، يحدد نتيجة العمل.
يمكن تطوير التفاوت في آراء بريشت وأرسطو من خلال التطابق (عندهما) في الجوهري. كتب أرسطو: "روح المأساة هي الحكاية" وكتب بريشت: "أن الحكاية عند أرسطو ونحن هنا نفكر مثله – هي روح الدراما".(...)
لم بعاصر أرسطو، الذي عاش من 384 إلى 322 قبل الميلاد، كتابَ المأساة، الذين  يمكن لنا وفق أعمالهم فحص مضمون قواعده: فقد ولد أرسطو بعد أشيلوس بمائة وأربعين سنة وبعد موت يوربيدس بثلاثين سنة. وتضم في تاريخ اليونان المائتان سنة – من ولادة أشيلوس إلى موت أرسطو تطوراً اجتماعياً تاريخياً عظيماً. وان انعكاس (هذا التطور) في أعمال كتّاب المأساة، الذين يقيمهم أرسطو، أدى إلى تكوين أساطير تنتمي إلى بيئات أساطير مختلفة من أجيال السادة القدامى، وكان هذا (التكوين) يختلف بعضه عن بعض إلى حد كبير، سواء على الصعيد الفلسفي التاريخي أو على صعيد الوسائل الفنية.
ويبدأ طومسون دراسته ذات الدلالة الخبيرة (اشيلوس وأثينا) بجملة: "أن المأساة اليونانية كانت واحدة من الوظائف الخاصة للديمقراطية الأثينية. وكانت ترتبط في شكلها وفي مضمونها، في صيرورتها وفي انهيارها بتطور العضوية الاجتماعية، التي انتمت إليها".
والآن فإن من بين أكثر من /300/ مأساة كتبها اشيلوس وسوفوكل ويوربيديس وأعمال لا تحصى لمؤلفين آخرين فقدت، لكنها كانت جميعها معروفة من أرسطو ومنها استنتج قواعده، وصلنا فقط /32/ مسرحية. ولا تتوفر في أي من الدراما المعروفة لدينا كل المعالم المثالية المطلوبة من أرسطو، وهذا لم يكن ممكناً، بسبب ارتباطها بعلاقات اجتماعية متباينة، أثرت بدورها في مضمون وبناء هذه الأعمال وميزت بينها.
ويعقب بريشت على هذه الدرامية: "إذا ما أحيط المرء علماً بمادة الفنون السردية والعرضية، فانه يكشف كيف أن المواضيع العظيمة كالحرب والمال والبترول وسكك الحديد والبرلمان وأجور العمل والأرض هي نادرة نسبياً، وغالباً ما تقتصر على خلفية زخرفيه أو تكون باعثاً للتأملات".(...) ولا تجد حقيقة الاستلاب (تقلصات النفس، وانحراف الحياة الداخلية) بتأثير من الحرب والمال والبترول وما إلى ذلك، لا تجد أي عرض لها في مثل هذه الأعمال، كما تستمر فيها العلاقات الإنسانية الغيبية.
وتفقد ردود فعل الأبطال تأثيرها الاجتماعي لأنها تتطابق والمغزى الاجتماعي بشكل واه. ولا تحتل الأحداث الشكل الأرسطي، إما انعكاساتها في حياة الأفراد الداخلية، كما يعكس سياق الحكاية تلك المواقف الخاصة بالحياة الداخلية للبطل. والنماذج هي غالباً يائسة ووحيدة، ويرتبط أفق نظر المتفرج بأفقها. ويقدم سترندبرغ مسرحية "الآنسة "جولي" قائلاً: "كون المأساة التي كتبتها تترك تأثيراً حزيناً على الكثيرين، فهذا ذنب هؤلاء أنفسهم". ويعتبر مضمون المسرحية، الذي تقيم فيه بنت النبيل علاقة مع خادم"مشكلة صعود أو طلوع اجتماعي". فالعالم هنا لا يعرف التقدم إلا بالنسبة للأفراد، ولا يكون بوسع ناس هذه الدرامية تغيير المجتمع ونجدهم عند أبسن يخافون العالم، حتى ولو بدا هذا العالم بصورة ماض يتسلل إلى الحاضر أو حتى ولو حلم فرد في حياة أفضل في أحسن الأحوال، كما عند تشيخوف فان تنظيم مواقف الحكاية يحجب مع هذا أية استنتاجات اجتماعية.
ويوضح الممثل في مسرحية بريشت "ابتياع النحاس": "بودي أن أنبه، إلى أن كل العجلات ستتعطل، إذا ما أرادت يد البروليتاريا ذلك"، لكنه يتابع "غير أنه في هذه اللحظة يسير ملايين العمال بدون عمل. أما العجلات فتتعطل، رغم أن هذه اليد القوية لا تريد ذلك أبداً".   

المترجم في سطور :
قيس الزبيدي: مخرج ومصوّر وباحث سينمائي مقيم بين برلين. تخرّج من معهد السينما في بابلسبورغ (ألمانيا الديموقراطية) عام 1969 حيث درس التصوير والمونتاج. رائد من رواد السينما التسجيلية العربية، من أفلامه التسجيلية: "بعيداً عن الوطن"، و"فلسطين سجل شعب"، و"شهادة للأطفال الفلسطينيين زمن الحرب"، و"وطن الأسلاك الشائكة". وقدّم روائياً "الزيارة" 1970 وهو فيلم تجريبي قصير، و"اليازرلي" 1974 فيلم روائي تجريبي طويل عانى من لعنة الرقابة أينما عرض،  ولم يعرض كاملاً إلا عام 2010. له العديد من المؤلفات النقدية والبحثية منها: "فلسطين في السينما"، و"المرئي والمسموع في السينما"، و"مونوغرافيات في تاريخ ونظرية الفيلم"، و"مونوغرافيات في الثقافة السينمائية".

---------------------------------------
المصدر : مجلة أوكسجين 
تابع القراءة→

حول المسرح التجريبي - برتولت بريشت / ترجمة: قيس الزبيدي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 03, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

في عالم "دينامي" سريع كعالمنا تستنفذ فيه بسرعة تلك الجاذبية، المتعلقة بالتسلية. ويجب أن يقابل خمود الجمهور المتزايد بمؤثرات جديدة على الدوام. ولكي يشتت الجمهور المشتت يتعين على المسرح أولاً أن يحمله على التركيز. عليه أن يجذبه من المحيط الصاخب إلى دائرة نفوذه. فالمسرح يتعامل مع متفرج متعب ومنهك من أيام عمل معقلنة ومستفز من احتكاكات اجتماعية متعددة الأنواع. وهو هارب من عالمه الصغير الخاص،  ويجلس هنا مثل هارب، وهو هارب حقاً، لكنه أيضاً زبون. إنه يستطيع أن يهرب إلى هنا أو إلى مكان آخر، كما أن منافسة المسرح مع المسرح ومنافسة المسرح مع السينما تفرض دائماً اجتهادات جديدة. وإذا ما تأملنا التجارب التي قام بها أنطوان وبرام وستانسلافسكي وغوردون كريغ وراينهاردت وييسنر وماير هولد وفاختا نغوف وبيسكاتور، نجدهم قاموا بإغناء إمكانات تعبير المسرح بشكل مدهش تماماً. كما نمت قدرة المسرح على الإمتاع بالضرورة. وخلق فن الفرقة مثلاً جسم مسرح مرن وشديد الحساسية بشكل بالغ. وأصبح من الممكن تصوير البيئة الاجتماعية بأدق تفاصيلها. كما استعار فاختانغوف ومايرهولد من المسرح الآسيوي أشكالاً راقصة معينة وابتكرا كوريوغرافية تامة للدراما. وأنجز مايرهولد بنائية جذرية، بينما استعمل راينهاردت مسرح ما يدعى بالأماكن الأصلية للمشاهد: قدم "كل إنسان" و"فاوست" في أماكن عامة. وقدمت مسارح الهواء الطلق "حلم ليلة صيف" في وسط الغابة. أما في الاتحاد السوفييتي فقد جرت محاولة إعادة اقتحام قصر الشتاء مع استعمال البارجة الحربية "أورورا". وأزيلت الحواجز بين المسرح والجمهور. وفي عرض "دانتون" لراينهاردت في بيت التمثيل الكبير جلس الممثلون في صالة المتفرجين، أما أوخلوبكوف في فقد أجلس الجمهور على المسرح  موسكو، واستخدم راينهاردت طريق زهور المسرح الصيني وخرج إلى ساحة السيرك، ليمثل مباشرة وسط الناس. وبلغ إخراج مشاهد الجماهير عند ستانسلافسكي وراينهاردت وييسنر حد الكمال، على أن الأخير كسب للمسرح بعداً ثالثاً ببنائه المدرج. وتم اختراع المسرح الدوار والأفق المقبب، كما اكتشف الضوء. وسمح البروجكتور بإنارة عظيمة. كما سمحت مفاتيح الضوء الكهربائية بإبراز سحري لأجواء رامبرانتية. ويستطيع المرء أن يطلق اسم "رامبراندت" على بعض المؤثرات الضوئية المعينة، مثلما يطلق اسم "تريندلنبورغ" على عملية قلب معينة في تاريخ الطب. وظهرت طريقة عرض جديدة تستند على تجربة "شفتان : مرايا عاكسة تجمع عناصر مختلفة في تركيب واحد" إضافة إلى طريقة جديدة في إخراج المؤثرات. وفي فن التمثيل أزيلت الحواجز بين الكباريه والمسرح وبين الاستعراض الموسيقي والمسرح. وأجريت تجارب استعملت فيها الأقنعة والأحذية العالية والتمثيل الإيمائي. وعنيت تجارب أكثر بالبرنامج الكلاسيكي. وأعيد تفصيل شكسبير واستعماله. واستغل المرء صفحات كثيرة من الكلاسيكيين لدرجة لم يعودوا فيها هم يحتفظون بشيء من أعمالهم.  تم التعرف على هاملت بالسموكنك وعلى يوليوس قيصر بالبذلة، وقد ربحت السموكنك والبذلة واكتسبتا وقاراً على الأقل. وكما ترون فإن التجارب متفاوتة القيمة جداً، وأن أكثرها إثارة للاهتمام هو ليس دائماً أكثرها قيمة، كما أن أقلها قيمة هو ليس بدون قيمة تماماً. ففيما يتعلق الأمر مثلاً بهاملت بالسموكنك فهو ليس أكثر تدنيساً لشكسبير من هاملت التقليدي بجوارب الحرير، حيث يبقى المرء هنا في إطار مسرحية الملابس. 

إنني أقترب الآن من مرحلة المسرح التجريبي، التي وصلت فيها كل الجهود المذكورة حتى الآن إلى أعلى مستوى لها ووصلت بهذا إلى أزمتها. وظهرت في هذه المرحلة كل مظاهر العملية الكبيرة، سلباً وإيجاباً. وبشكل كبير: القيمة التعليمية وانهيار الذوق الفني. 
أما المحاولة الجذرية في إعطاء السمة التعليمية للمسرح فقد قام بها بيسكاتور. وأنا شخصياً ساهمت في جميع تجاربه، التي ليس فيها أية تجربة لم يكن هدفها رفع القيمة التعليمية للمسرح. وكانت المسألة تنحصر مباشرة في السيطرة على مركبات مواضيع معاصرة وكبيرة على المسرح مثل الصراع من أجل البترول والحرب والثورة والعدالة والتعصب العنصري وما إلى ذلك. وترتب على ذلك ضرورة إعادة بناء المسرح كلية، وأنه من غير الممكن هنا، أن نحصر كل الاعتبارات والتجديدات التي استخدمها سوية تقريباً مع كل الإنجازات التقنية الجديدة، من أجل حمل المواضيع المعاصرة الكبيرة إلى المسرح. وربما تعرفون بعضاً منها، مثل استخدام الفيلم، الذي صنع من المنظر الثابت مشاركاً جديداً شبيهاً بالجوقة الإغريقية، ومثل الناقل الآلي، الذي جعل أرض المسرح متحركة. بحيث جرت عليها حوادث ملحمية مثل مسيرة الجندي الشجاع شفيك في الحرب. ولم تستخدم هذه الابتكارات من قبل المسرح العالمي حتى الآن، وأصبحت كهربة المسرح اليوم منسية تقريباً، وصدأت كل الآلية المبتكرة ونما عليها العشب. 

غير أننا نود الآن أن نقصر حديثنا على تطور أزمة المسرح في ميدان علم الجمال. في البداية سببت التجارب البيسكاتورية فوضى شاملة على المسرح. وإذا ما حولت المسرح إلى قاعة آلات، فإنها حولت قاعة الجمهور إلى قاعة اجتماعات. وبالنسبة إلى بيسكاتور كان المسرح برلماناً، والجمهور هيئة تشريعية. وقد عرضت أمام هذا البرلمان بوضوح المسائل العامة الكبيرة التي هي بحاجة إلى قرار. وبدلاً من خطبة النائب حول ظروف اجتماعية لا يمكن تفاديها ظهرت نسخة فنية لهذه الظروف. وطمع المسرح بدفع البرلمان، الجمهور، استناداً إلى الصور المسرحية والإحصائيات والشعارات، إلى اتخاذ قرارات سياسية. ولم يستغن مسرح بيسكاتورعن التصفيق، لكنه طمع أكثر من ذلك بالنقاش. ولم يهدف فقط إلى تقديم معايشة  لمشاهده، إنما، إضافة إلى ذلك، دفعه إلى اتخاذ قرار عملي بالتدخل في الحياة بنشاط. ومن أجل الوصول إلى ذلك، كانت بالنسبة له  كل الوسائل مشروعة. 
وحينما قدم القيصر الألماني احتجاجه بوساطة خمسة محامين لأن بيسكاتور أراد تجسيد شخصيته على المسرح، اكتفى بيسكاتور بتوجيه سؤاله إلى القيصر عن مدى استعداده للظهور شخصياً على مسرحه وعرض عليه  ما يشبه عقد عمل.
وفجرت التجارب البيسكاتورية كل التقاليد تقريباً، وغيرت من طريقة الخلق عند الدراميين، ومن طريقة التمثيل عند الممثلين، كما غيرت من عمل مصمم الديكور. وتوخت هذه التجارب،  بشكل عام، وظيفة اجتماعية جديدة للمسرح تماماً. 

وإذا ما نظرنا إلى المسرح في عصرنا فسنجد أن عنصري بناء الدراما والمسرح، أي الإمتاع والتعليم، يقعان باستمرار في مشكلة حادة. وينشأ اليوم تناقض في هذا المجال. وقادت الطبيعة بجهودها في "علمنة الفن"، والتي جعلت له تأثيراً اجتماعياً، إلى الإضرار بقوى فنية جوهرية، خصوصاً بالخيال وبالدافع الفطري للتمثيل وعلى الأخص بما هو شعري حقا. كما أضرت العناصر التعليمية بشكل واضح بالعناصر الفنية. 


هكذا كانت الأزمة: تجارب نصف قرن من الزمن قامت في كل البلاد المتحضرة تقريباً، سادت في المسرح معالجة مواد عديدة ومشاكل واسعة جديدة تماماً، وجعلت منه عاملاً مرتبطا بمعنى اجتماعي كبير. لكنها بالمقابل قادت المسرح إلى وضع، أصبح فيه أي توسيع أكبر في دائرة التجارب المعرفية والاجتماعية (السياسية) يهدم من التجربة الفنية. ومن الجهة الثانية تحققت التجربة الفنية دائماً بشكل أقل، بدون توسيع أكبر في عنصر المعرفة.  تم بناء جهاز تقني وأسلوب عرض استطاعا أن ينتجا أوهاماً بدل التجارب ودخاناً بدل التلال وتضليلاً بدل التنوير. 
ماذا تنفع منصة مبنية جداً، إذا لم تكن  بناءة اجتماعياً. وماذا تنفع تجهيزات الإضاءة الجميلة، إذا كانت تنير عروض العالم بشكل طفولي ومعوّج، وماذا ينفع فن تمثيل إيحائي، إذا كان يخدم فقط في تحويل (س) من الناس إلى (ص)؟ وماذا يفعل صندوق السحر بكامله، إذا لم يكن يقدم سوى بديل مفتعل للتجارب الحقيقية؟ ولماذا يسلط هذا الضوء الدائم على مشاكل، تبقى دائماً بدون حل؟ ولماذا دغدغة الأعصاب هذه إضافة إلى دغدغة العقل؟ هنا لم يعد بوسع المرء أن يتحمل.
 (...)
إن إنسان اليوم يعرف القليل عن القوانين الموضوعية التي تتحكم في حياته. وهو يستجيب كجوهر اجتماعي عاطفياً في الغالب، لكن ردة الفعل العاطفية هذه غامضة وغير واضحة وغير مؤثرة، كما أن مصادر عواطفه وانفعالاته قذرة وملوثة مثل مصادر معارفه. إن إنسان اليوم، الذي يعيش في عالم متغير بسرعة ويتغير هو نفسه بسرعة، لا يملك صورة صحيحة عن هذا العالم يستطيع على أساس منها أن يحقق أمله في النجاح. بل يمكن تسمية صورته بأنها غير عملية، أي أن تصوراته عن الحياة المشتركة للناس معوجة وغير دقيقة ومتناقضة وهذا يعني أن الصورة التي أمامه عن العالم والناس لا تمكنه من السيطرة على هذا العالم.  وهو لا يعرف الأشياء التي يخضع لها ولا يعرف مقبض الماكينة الاجتماعية الضروري الذي ينتج عنه التأثير المطلوب. إن معرفة طبيعة الأشياء الكبير التي أصبحت عميقة وموسعة بإبداع كبير، دون معرفة طبيعة الإنسان ومعرفة المجتمع الإنساني بكليته لا يمكنها تحويل السيطرة على الطبيعة إلى مصدر سعادة للإنسانية. إنما هي على العكس ، تصبح  مصدرا للشقاء. وأصبحت الاختراعات والاكتشافات العظيمة تشكل تهديداً مخيفاً دائماً للبشرية، بحيث يتم اليوم تقريباً استقبال كل اختراع جديد فقط بصيحة انتصار، تتحول إلى صيحة خوف. 
عشت قبل الحرب حادثة تاريخية حقيقية أمام جهاز الراديو: تم إجراء مقابلة مع معهد العالم الفيزيائي نيلس بور في كوبنهاغن حول اكتشاف جذري في مجال انفلاق الذرة. وأعلن الفيزيائيون عن اكتشاف مصدر طاقة جديد هائل. وحينما سأل المذيع عن إمكانية الاستفادة العملية من هذا الاكتشاف جاءه الجواب: "كلا، ليس بعد". وفي صوت يعبر عن الارتياح قال المذيع: "الحمد لله! فأنا أعتقد حقاً أن الإنسانية ليست  ناضجة إطلاقا للتحكم بمثل هكذا مصدر للطاقة !".  وكان واضحاً أن فكر المذيع انصرف فوراً إلى صناعة الحرب. ولا يذهب عالم الفيزياء البرت اينشتاين أبعد من ذلك، لكنه يذهب على أية حال إلى ما فيه الكفاية، حيث يكتب في جمل قليلة، هي بمثابة رسالة إلى الأجيال القادمة: "أن عصرنا غني بالعقول المخترعة، التي تستطيع اختراعاتها أن تسهل من حياتنا بشكل ملحوظ. نحن نعبر البحار بوساطة الطاقة الآلية ونستخدم الطاقة الآلية أيضاً في تحرير الناس من العمل العضلي المجهد. تعلمنا الطيران، ونحن قادرون على نشر الرسائل والأخبار الجديدة عبر الأمواج الكهربائية في كل أنحاء العالم. ومع هذا فالإنتاج وتوزيع البضائع لم ينظم أبداً، مما يجعل الإنسان يعيش في خوف من استبعاده عن الدورة الاقتصادية. إضافة إلى ذلك فإن الناس، الذين يعيشون في بلاد مختلفة يقتل بعضهم البعض في فترات زمنية متفاوتة، لدرجة أن كل إنسان يفكر في المستقبل عليه أن يعيش في هلع. وينتج كل هذا من واقع كون ذكاء وطبيعة الجماهير هي أوطأ بما لا يقارن من ذكاء وطبيعة القلة، التي تنتج قيم المجتمع". 
(...)
وعلينا الآن أن نتمعن في مبدأ هذا التماهي (اندماج, تقمص).
إن التماهي هو دعامة علم الجمال السائد. وفي (فن الشعر) الرائع لأرسطو يتم وصف طريقة تحقيق الكاتارسيس، أي التطهير الروحي للمتفرج، بوساطة المحاكاة (Mimesis). فالممثل يحاكي البطل (أوديب أو بروميثيوس). وهو يفعل ذلك بدرجة من الإيحاء والقدرة على التحول، مما يجعل المتفرج يحاكيه بهذا ويضع نفسه في حوزة تجارب البطل. ويشير هيغل، الذي وضع كما اعتقد، آخر علم جمال عظيم، إلى قدرة الإنسان على الإحساس بنفس المشاعر وهو يجابه الواقع المتخيل مثلما يفعل وهو يجابه الواقع نفسه. وأحب أن أشير إلى سلسة من التجارب سعت بوساطة وسائل المسرح إلى إيجاد صورة عالم نافعة قادت إلى مسألة محيرة، طرحت فيها ضرورة التخلي كثيراً أو قليلاً عن التماهي من أجل هذا الهدف. ماذا نكسب من ذلك؟  نكسب من ذلك أن المتفرج لن يعود يرى الناس على المسرح غير متغيرين، ولا يمكن التأثير عليهم، ومستسلمين عاجزين أمام قدرهم، إنما يرى: هذا الإنسان على هذه الشاكلة لأن هذه الظروف على هذه الشاكلة. وإن هذه الظروف على هذه الشاكلة لأن الإنسان على هذه الشاكلة. وإن الإنسان ليس فقط قابلاً للتصور، كما هو، إنما بشكل آخر أيضاً، مثلما يقدر أن يكون، كذلك يمكن للظروف أن تكون قابلة للتصور بشكل مختلف عما هي عليه. نكسب من ذلك، أن المتفرج يظفر بموقف جديد في المسرح. إنه يساوي الآن بين موقفه إزاء صور عالم الناس على المسرح وبين ذات الموقف الذي يتخذه كإنسان هذا القرن تجاه الطبيعة. إنه يستقبل في المسرح أيضاً كالمغيّر العظيم، الذي بوسعه التدخل في عمليات الطبيعة وفي العمليات الاجتماعية، والذي لا يقبل بالعالم كما هو فقط، إنما يسيّره. فالمسرح لا يحاول بعد اليوم أن يسكره، ويزوده بالأوهام، وينسيه عالمه، ويذعنه لقدره. أن المسرح الآن  يضع  في متناول يديه. 
 (...)
هل يعتبر أسلوب العرض الجديد الآن  بمثابة أسلوب جديد ، وهل
هو تقنية شاملة وجاهزة، وهل هو خاتمة كل التجارب الجواب: كلا. إنه طريق واحد. سرنا فيه. وعلى التجارب أن تستمر. وستبقى المشكلة قائمة بالنسبة لكل الفن وهي عملاقة. والحل الذي اخترناه هنا، هو ربما حل من الحلول الممكنة للمشكلة، التي تبين: كيف يمكن للمسرح أن يكون ممتعاً وتعليمياً في ذات الوقت؟  كيف يمكن انتشاله من تجارة المخدرات الروحية وتحويله من مكان للأوهام إلى مكان للتجارب؟  كيف يمكن لإنسان عصرنا غير الحر والجاهل، المتعطش للحرية وللمعرفة، المعذب والمستغل، البطل والمبتكر، المتغير والمغير للعالم، كيف يمكن لإنسان هذا العصر المخيف والعظيم أن ينال مسرحه، الذي يعينه في السيطرة على نفسه وعلى العالم؟ 

المترجم في سطور :
قيس الزبيدي: مخرج ومصوّر وباحث سينمائي مقيم بين برلين. تخرّج من معهد السينما في بابلسبورغ (ألمانيا الديموقراطية) عام 1969 حيث درس التصوير والمونتاج. رائد من رواد السينما التسجيلية العربية، من أفلامه التسجيلية: "بعيداً عن الوطن"، و"فلسطين سجل شعب"، و"شهادة للأطفال الفلسطينيين زمن الحرب"، و"وطن الأسلاك الشائكة". وقدّم روائياً "الزيارة" 1970 وهو فيلم تجريبي قصير، و"اليازرلي" 1974 فيلم روائي تجريبي طويل عانى من لعنة الرقابة أينما عرض،  ولم يعرض كاملاً إلا عام 2010. له العديد من المؤلفات النقدية والبحثية منها: "فلسطين في السينما"، و"المرئي والمسموع في السينما"، و"مونوغرافيات في تاريخ ونظرية الفيلم"، و"مونوغرافيات في الثقافة السينمائية".


------------------------------------------------

المصدر : موقع اوكسجين 
تابع القراءة→

عرض مسرحية "أرض لاتنبت الزهور" ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 03, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

شهد يوم  الأحد العرض المسرحي "أرض لاتنبت الزهور"، برئاسة الفنان مجدي صبحي، ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي في دورته 14 تحت شعار" المسرح العربي حفاظا على الهوية ودفاعا عن الغد"، وذلك علي خشبة المسرح الكوميدي، بحضور مؤسس ومدير المهرجان الدكتور عمرو دواره، والامين العام للمهرجان عصام عبد الله، ولجنة التحكيم ولجنة التحكيم بالمهرجان برئاسة الفنانة نادية رشاد، وعضوية العراق المخرج راسم منصور، والفنان الليبي فتحي كحلول، والمغربي عبدالرحمن زيدان، والأردني ماهر قماش.

وتدور احداث العرض المسرحي حول السلام والحب والحرب ألقى الضوء على صراع طويل الأمد بين مملكتين وبحار من الدم وتوريث الثأر والقتل والحقد بين الشعوب والحكام ومن المستحيل أن تأتي لحظة وتتحول نهر الدم إلى الزهور الذى يرويها الحب".

عرض "ﻻ تنبت الزهور"، تاليف محمود دياب روؤيه واخراج ابراهيم احمد بطولة نانسى نبيل،صابر عادل، اسلام على، فادى ايمن،نادين خالد، نغم محمد، اميره فوزى،ايه شعبان،سلمى صلاح،احمد علاء رئيس الفريق اميره فوزى ديكور احمد فتحى دراما حركيه نادين خالد، اضاءه،محمود طنطتاوى،اعداد موسيقى اسلام على مخرج مساعد رنا ناصر مخرجان منفذان نانسى نبيل،اسلام على مصحح لغوى مصطفى سعيد اكسسورات وملابس ومكياج لبنى المنسى.

------------------------------------------------
المصدر : الفجر الفني 
تابع القراءة→

عبد الستار ناصر مسرحياً / اياد نصار

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 03, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

كتب القاص والروائي العراقي عبد الستار ناصر في إحدى قصصه القصيرة بعنوان دبابيس وأمراض: "على خشبة المسرح كان إمبراطوراً متوّجاً على نصف الكرة الأرضية يصغي إليه ملايين البشر وتخاف من سطوته وقسوته الشعوب. لكنه عندما عاد إلي بيته الفقير كانت زوجته تصرخ به وتسأل عن سبب تأخره كل ليلة؟ فأجابها بصوت منكسر خائف ذليل: لكنك تعرفين يا زوجتي أن الإمبراطور لا يموت إلا بعد الساعة العاشرة ليلاً!" وربما قليلون من يعرفون أن "إمبراطور" القصة العراقية لا يظهر بقناعه المسرحي الا للقلة الذين يعرفون مدى عشقه للمسرح أو لمن قرأ كتابه الذي أصدره عام 2007 بعنوان "مسرحيات عراقية: قراءات في المسرح العراقي المعاصر". وقليلون من يعرفون أنه نفسه قد ألف عدداً من المسرحيات ضمّن منها ثلاثاً في الفصل الخامس الاخير من الكتاب.

منذ أن أصدر مجموعته الاولى في بغداد بعنوان "الرغبة في وقت متأخر" عام 1968، فقد إستمر إبداع عبد الستار ناصر القصصي والروائي والنقدي والسيري منذ ذلك الحين ولم يتوقف حتى بلغ لغاية الان خمسين كتاباً تُرجم العديد منها وخاصة مجموعاته القصصية الى عدة لغات. لقد عرف عنه غزارة الانتاج الذي بلغ معدلاً يصل الى نشر كتاب كل عام رغم أنه أنتج في بعض السنوات ثلاثة كتب. وساهم حضوره السردي والنقدي في المؤتمرات والندوات وكتاباته المنشورة في الصحف والمجلات بتعزيز مكانته الادبية في الساحة الثقافية. لقد عُرف عبدالستار ناصر كأحد أهم الاصوت العراقية وخاصة في القصة في الربع الاخير من القرن العشرين. بل إن مساهماته في الادب العراقي المنفي خلال العشرية الاولى من القرن الواحد والعشرين التي شهدت خروجه من العراق عام 1999 وإنتقاله للاقامة في عمان والتي بلغت سبعة عشر مؤلفاً ما بين مجموعة قصصية ورواية وسيرة ذاتية ونقد لا تقل أهمية عن أعماله الاولى.

تميط هذه المقالة اللثام عن الوجه الاخر لعبد الستار ناصر ذلك العاشق الحقيقي للمسرح الذي تجلى في مداومته على حضور المسرحيات العراقية على خشبة المسرح على امتداد عشرين عاما، والناقد المتأمل بعيون تهتم بتفاصيل العمل المسرحي والغوص في أعماقه، مستنداً الى ثقافة مسرحية، تجلت في كتاباته النقدية بحسٍّ فني وتحليليّ عالٍ وجريء. لقد تابع عبد الستار تطور المسرح العراقي المعاصر تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً عن كثب من خلال لقاءاته ومناقشته للاعمال المسرحية مع فرق العمل من الممثلين والمؤلف والمخرج. وقد توج ذلك بخوضه تجربة الكتابة المسرحية حيث كتب ثلاث مسرحيات قصيرة من فصل واحد.

كتب عبد الستار عن المسرحيات التي كان يحضر عرضها مقالات نقدية قصيرة لا تخلو من النقد اللاذع أحياناً مثل مسرحية (بين المالك والمملوك، ضاع التارك والمتروك) لمؤلفها ومخرجها قاسم محمد الذي أمعن في نقدها وتشريحها ليس بدءاً من العنوان الذي لم يستسغه ولا نهاية بالمضمون الذي قال أنه لم يكن جديداً بل مطروقاً كثيراً من قبل المسرح العالمي أو المصري أو مأخوذاً من مسلسلات وأفلام سينمائية، أو مثل مسرحية (الرهن) لمخرجها عبد الامير شمخي التي يقول أن المخرج ذبحها من الوريد الى الوريد بينما هي تتكيء أصلا على قصة رائعة هي "الوجه الاخر" لفؤاد التكرلي. وهنا يؤكد على ضرورة التفريق بين نص جيد ومسرحية رديئة. كما لم تخل مقالاته من نقده القاسي حينما كانت تبدو له بعض الاخطاء أو السقطات في الاخراج المسرحي أو في اضطراب الرؤية لدى المؤلف وخاصة في المسرح التجريبي. كما تنطوي على نقد لبعض المسرحيات التي تسيطر عليها لغة الخطابة أو يؤثر الديكور سلباً على انطباع المشاهد بحيث لا يتيح له الوصول الى المعنى.

يعرض عبد الستار في هذه المقالات نظرته لمضمون تلك المسرحيات وأنواعها والقضايا التي تناولتها ونجاحها التمثيلي والاخراجي وهموم أبطالها كما ينظر إلى تفاصيل المشهد المسرحي ككل مثل لوحات المشاهد والصوت والمؤثرات والديكور والاضاءة ، ويتحدث عن أداء الممثلين وجوانب الابداع أو القصور فيه! لقد شكلت كتاباته هذه ذاكرة تاريخية تحفظ صفحات تكاد تضيع من مسيرة المسرح العراقي منذ نهاية الحرب العراقية الايرانية في أواخر الثمانينات وحتى نهاية التسعينيات مما حدا به الى نشرها في الكتاب الذي صدر في عمان عن دار ورد للنشر والتوزيع عام 2007.

إشتمل الكتاب الذي جاء في 230 صفحة على مقالات غطت إثنتين وثلاثين مسرحية عراقية طوال عشرين عاماً بالاضافة الى مسرحياته الثلاث في آخر الكتاب وهي: (أول حرب جميلة) عام 1993، و(الخمرة لا تسكر الموتى) عام 1999، و(جمهورية العوانس) عام 1993. وقد قسم الكتاب الى خمسة أقسام. تطرق في القسم الاول الى محاولات التجريب المسرحي العراقي في مقاربات المسرح التعبيري والمسرح الايمائي، وفي القسم الثاني تطرق الى عرض ونقد مسرحيات تركت تأثيراً في الذاكرة، وفي القسم الثالث الى نماذج من المسرح الشعبي، وفي القسم الرابع الى مسرحيات بلا جمهور. أما القسم الخامس فقد إشتمل على مسرحياته.

ويلاحظ أن كثيراً من المقالات في الكتاب تتسم بالقصر والايجاز بحيث لا تتوقف كثيراً عند تقديم عرض أو ملخص لأحداث بعض المسرحيات. وقد يكون ذلك مفهوما بالنسبة له أو لمن حضر تلك المسرحيات في تلك الفترة، وخاصة جمهور المسرح العراقي ولكن أعتقد أنه بالنسبة للقارىء العربي الذي يعتمد على الكتاب كمادة أساسية للتعرف على تلك المسرحيات فسوف يفتقد هذا الجانب، حيث إهتمت المقالات بتناول بعض الجوانب الفنية أو الاخراجية مباشرة دون تمهيد، مما يزيد من صعوبة الامر على القارىء الذي لم يشاهد المسرحيات.

يبدو في القسم الاول إهتمام عبد الستار بوضع القارىء في جو المسرحيات كالحزن والجنون. وهكذا يصبح بطل الحرب هو المجنون الذي يحاول أن يبدو عاقلاً، وكل شيء من حوله هو وهم، كما في مسرحية المونودراما (يا طيور). تقدم المسرحية مشاهد مجنونة من العبث البشري في مصير الانسان. وتصبح الحياة في مسرحية (أحزان مهرج السيرك) لعبة لا يبتسم فيها المهرج بل يبقى يموت ويولد في دورة متواصلة لتجسيد الشقاء الانساني الباحث عن الحرية، ويلعب صوت البيانو وحركات الممثل دورا كبيراً في المسرحية التعبيرية الصامتة. وفي (هاملت) لناجي عبد الامير لم يعد البطل هو هاملت الشكسبيري بقدر ما هو رؤية المخرج لشخصية هاملت كما يريد أن يتخيلها هو، فضاعت ملامح البطل الاساسية بين أكوام من الفوضى والصراخ، كما ضاع النص الشكسبيري الاصلي.

في القسم الثاني (مسرحيات في الذاكرة) يتحدث عن عودة بغداد الى التألق المسرحي بعد فترة الحرب العراقية الايرانية الطويلة وبعد حرب الخليج الاولى من خلال المهرجان المسرحي الثالث عام 1992. يتناول عبد الستار عشر مسرحيات مهمة مثل (ترنيمة الكرسي الهزاز) التي أعادت له الثقة بقدرة المسرح العراقي على تجديد نفسه والتألق بفضل تكامل إبداع فريقها. مسرحية تتحدث عن المجد الذي ضاع والحنين للماضي الذي لا يعود بل يخلف اليأس والانتظار والشوق من خلال قصة إمرأتين: واحدة مطربة مشهورة تحلم بمجد سابق، والاخرى تنتظر حبيباً غائباً لن يعود. ويشيد بشكل خاص بمسرحية رأى فيها انبثاقاً جديداً للمسرح العراقي بفضل الابداع والتكامل بين الكاتب والممثل والمخرج وهي مسرحية (نديمكم هذا المساء) للمخرج محسن العزاوي التي استطاعت أن تضحك الناس في زمن البكاء.

أما مسرحية (الباب) لمخرجها قاسم محمد وشاعرها يوسف الصائغ فقد أثرت فيه كثيراً. إنها مسرحية صراع الحياة مع الموت عبر أجساد مسجونة وآمال مخنوقة وجوع ورغبات عندما دخل البطل الى المقبرة على وعد من المدعي العام أن ينقذه بعد يومين ولكن الوعد بقي كذبة كبرى، حتى جاءت إمرأة ودخلت معه في تجربة القبر لتثبت ان إرادة الحياة أقوى من الموت.

يكتب عبد الستار بلغة نقدية تتناول مدى ارتباط النص كما وضعه المؤلف بالعمل المسرحي ليرى مدى نجاح المخرج في التعبير عن رؤية الكاتب ومدى ما يضيف المخرج من عمق للنص. وتدل مقالاته على الاحاطة بجوانب من تاريخ المسرح العالمي ومقولاته التي يستشهد بالكثير منها، كما تمتاز بالجرأة في النقد والطرح كما فعل في أكثر من مسرحية، ألا أننا نلاحظ أنه يعود ليصف بعض المسرحيات التي أشبعها ذماً واستغراباً لفشلها مثل مسرحية (الرهن) بأنها كانت ممتازة!

يعد الكتاب وثيقة نقدية تاريخية عن مسرحيات تلك الفترة التي تأتي على ذكر أغلب أسماء ممثلي وممثلات المسرح العراقي ومخرجيه. فتراه يشيد بأداء صلاح القصب وعوني كرومي ومقداد عبد الرضا وسامي قفطان وسامي عبد الحميد وعزيز خيون وعواطف نعيم وهناء محمد وسعدية الزيدي وعواطف السلمان وفاضل خليل ومحسن العزاوي وجواد الشكرجي وقاسم محمد وناجي عبد الامير وشفيق المهدي ويوسف العاني وخليل شوقي وغيرهم.

لا يمنع عبد الستار عدم رضاه عن أداء بعض الممثلين المنهك أو الخارج عن سياق الحالة المسرحية وجو المشهد أو التقليدية في موضوع المسرحية أو في اختيار العناوين المكرورة مثل مسرحية (الف حلم وحلم) من الاشادة حينما يجد ذلك لزاماً بمجمل العمل والنص وحرص المخرج على متابعة تفاصيل المسرحية أثناء البروفات. يقول في تأصيل منهج نقدي: "لعل أسوأ ما نفعله في نقدنا المسرحي هو أننا نطمر الاحساس بما رأيناه ونحاول أن نقول كلاماً لا علاقة له بالعمل الفني الذي رأيناه". ويرى أن المسرح العراقي يفتقد للنقاد الحقيقيين وأن كل ما يكتب هو مجرد إنطباعات عابرة وقصاقيص أفكار وحتى مقالاته هو يعتبرها نوعا من الانطباعات الشخصية ليعفي نفسه من أداء دور الناقد المسرحي وتبعاته.

وفي المسرح الشعبي تستوقفه أعمال محسن العلي الذي يضيف حساً ولوناً للوحة الشعبية التي يرسمها البسطاء من عامة الناس. يتحدث بلغة استبشارية عن مسرحياته (بيت وخمس بيبان) و(مقامات أبو سمرة) و(أطراف المدينة). يبحث عبد الستار عن معاني المسرحيات في لغتها ومشاهدها وديكورها ضمن الموروث الشعبي. لكنه يتطرق لهذا الجانب بايجاز سريع، حيث نراه مغرماً أكثر بالحديث عن أداء كل ممثل وممثلة، وفي أغلب المقالات هناك دائما حيز للحديث عن أداء الممثلين وخاصة الذين يشعر أنه يكتشفهم لأول مرة بفضل أدائهم المقنع.

أما في الفصل الرابع فهو يتحدث عن خمسة أعمال مسرحية بلا جمهور وذات قيمة فنية عالية. (الربح والحب) تعكس مدى تعب الممثل في ابراز الدور وإعطائه شيئاً من الروح. تتحدث المسرحية عن الاستغلال وتهريب العملة الى خارج القطر وامتهان كرامة المرأة لاجل الربح. (السيف والطبل) مسرحية تاريخية كبرى عن الصراع العربي- الفارسي أيام الاشوريين، ومسرحية (بيت أبو هيلة) عن الاحتلال الانجليزي للعراق والتطورات السياسية انتهاء بحرب الخليج، ولكنها لسوء الحظ لم تحظ بالوقت ولا بالمكان ولا بالجمهور الذي يناسبها لأنها جادة في خضم إنشغال المسرح بتقليد النماذج الرديئة من المسرح المصري.

سأتوقف عند المسرحيات الثلاث التي ألفها عبد الستار ناصر بشيء من التحليل لمعرفة كيف انعكست الافكار النقدية التي طرحها في كتابه على مسرحياته، نصاً بالطبع لكونها لم تمثّل. تفتتح المسرحية الاولى (أول حرب جميلة) بمشهد قصر أرستقراطي باذخ في نهاية حرب في مكان ما، ويضم كل خدم وحراس القصر وسيدته الوحيدة. يوظف عبد الستار في هذه المسرحية موسيقى الناي الحزينة لخلق الاحساس بالحزن والضياع والتشتت.

يجري الحوار بين شخصيتي المسرحية الاساسيتين وهما المرأة ساكنة القصر في الخمسينات من العمر والرجل الاربعيني الممتزج بالوسامة الغامضة. ويشعر الرجل بحسرة وألم من واقعه وهو يرى فخامة القصر. ولكن تأملاته للقصر ووقوفه قريباً منه تثير حفيظة السيدة وخادمتها. تحاول الخادمة تهديده ليترك المكان ، ولكنه يصر على البقاء. ثم تظهر السيدة وهي تدخن محاولةً إقناعه بذات الشيء. لكنه يبقى صامتا يتأمل في القصر. تحتار السيدة من يكون هذا الغريب الذي ينظر الى بيتها إن كان لصاً أم ماكراً أم تقياً ورعاً. ولكنه يؤكد بكل قوة وثقة إنه بسيط وحكيم. ولكن المرأة تستهجن أن يكون حكيما بملابس رثة. فتقول بلهجة ساخرة إن كان للبيع أم للشراء؟ ولكنه يؤكد أنه انسان طبيعي يكره المواعظ والحكماء. يلاحظ هنا الارتباط بالمكان والنزاع حوله لأنه يشكل قيمة كبيرة لكل منهما. ويلاحظ أسلوب السخرية والمنع من الوصول اليه الذي تقوم به السيدة مما يوحي بارتباط الرجل الروحي بالمكان.

تشعر المرأة بالاستياء لأنها يعاملها بطريقة توحي لها بأنها رخيصة. فهو يؤكد أنه رأى رجالا كثيرين يدخلون ويخرجون من عندها. وفي المقابل يوحي كلامه عن المعاناة أنها لم تعرف أو تعش معاناة كما عاشها واختبرها هو. وفي النهاية تطلب المرأة طرده من المكان لأنه تمادى، بينما هو يؤكد بصوت قوي واثق أن ذلك البيت هو بيت أبيه وجده.

واضح في هذا الحوار فكرة الصراع حول الارض والتمسك بها. فالسيدة في نظره لم تعرف معنى الحرمان ولا تبدد العمر بلا حلم. بل تسخر من أنات الاخرين وهي تنظر اليهم. ويظل الرجل يؤكد أن الارض التي عاش فيها طفولته وصباه له.

يبدو البعد الرمزي السياسي واضحاً في المسرحية في الايحاء باغتصاب فلسطين من قبل اليهود الذين احتلوا القصر الجميل ، والذين جاءوا من مختلف أنحاء الدنيا وأقاموا على الارض المغتصبة دولتهم التي صارت مثل سيدة القصر التي احتلته. يقول الرجل في أحد مقاطع المسرحية في إشارة لتوالي هجرة اليهود الى فلسطين: "رأيت الكثير من الرجال وهم يدخلون". ويؤكد الرجل أنه "يحب الزعتر والزيتون والزعفران" في إشارة للارض الفسطينية ومفردات رموزها. يؤكد بطل المسرحية الذي يرمز الى الشعب الفلسطيني أنه طالب حق: "لا أحب الغزوات .. أنا رجل بسيط " ويقول: "إنه بيتي أنا.. عشت فيه طفولتي وصباي".

وفي حوار يغلب عليه الكلام المؤثر الذي يصل حد البكاء من الحنين يقول الرجل إنه لا يعرف ماذ حل بشجرة الرمان على أيديهم. ويخشى أن يكونوا قد قطعوها في إشارة الى محاولات طمس الهوية الفلسطينية والتهويد والغاء كل ما يجسد علاقة الفلسطيني بأرضه.

تنساق لغة المسرحية أحيانا وراء الخطابة والمباشرة. يقول في هذا المقطع الذي غلبت عليه التقريرية والمعالجة التعبوية "كلا سيدتي في الحرب لا نقتل النساء. إننا نفكر في إعادة الحق الى أهله. إعادة الحق من مغتصبيه. وهذا البيت هو الحق الوحيد الذي أريد. بل وأعطيك الحق في البقاء فيه". في نهاية المسرحية ترمي المرأة المفتاح للرجل لكي يدخل ، ولكنه مندهش لا يصدق وتنتهي المسرحية حينما يضع مفتاح الباب فيه ليكتشف أن المفتاح بدون نتيجة للاشارة الى أن الصراع قائم وأن الحل السلمي مجرد وهم وأن العودة ما تزال غير ممكنة ورهن المستقبل.

في مسرحية (الخمرة لا تسكر الموتى) تبدو الاجواء العراقية الشعبية كالطابوق والشناشيل، ولكن كل شيء في المكان خَرِب مهدّم وممزق. رجال ونساء وأطفال يروحون ويجيئون في ملابس رثة وعلى عكازات خشبية ويبدو عليهم الغضب والخوف ، بينما يقف بينهم جنرال بنياشين وأوسمة وهو يضحك. ومن خلفه تبدو صورة زجاج مهشم وخلفها صورة للجنرال ذاته وهو يضحك وقد بدت أنيابه المفترسة. توحي الحركة والاصوات والانفجارات والحطام بأن حرباً ما تزال دائرة.

(الخمرة لا تسكر الموتى) مسرحية باللغة الشعبية العامية العراقية تنتقد إدعاءات النصر والبطولة والصمود التي لا تقنع أحدا لأن الكل ضحية لم تعد تعنى له النتيجة شيئاً سوى الموت. مسرحية سياسية ناقدة وساخرة وواقعية مباشرة حيث تبدو الاشارة واضحة الى الحرب على العراق في عهد صدام حسين. وقد كتبها عبد الستار عقب خروجه الى الاردن عام 1999. وقد جسد فيها أجواء الديكتاتورية والحرب والمعاناة والحصار والقصف الرهيب الذي عانى منه العراقيون بينما يبدو النظام في نشوة مجدٍ من التسلط.

تظل جميع الشخصيات تنظر بين حين وآخر الى السماء دلالة على الشكوى والمعاناة وغياب أي أمل في انقاذهم من الآخرين فلم يبق سوى انتظار السماء بما يذكرنا بالمسرح العبثي في مسرحية (في انتظار غودو) لبيكيت.

تبدو اللغة الساخرة في المسرحية واضحة ، فحين تسأل احدى النساء رجلاً إن كانوا قد خسروا الحرب أم لا، فيقول لها بسخرية أن النتيجة لم تحسم بعد رغم كل الخراب الذي حل!
هناك دور يقوم به شخص مجنون يرد على الاخرين يحاول نفي الهزيمة! تبدو السخرية والمفارقة واضحة بأن من يدعي النصر والصمود هو المجنون!

تبرز في المسرحية شخصية الحاج محمود الذي فقد أولاده الثلاثة بالحروب ولم يعد لديه أمل بالعيش ولم يعد يصدق كل ما يقوله الاخرون عن التفاؤل والنصر. بل ينتقد صمت الشعب الذي يساق أبناؤه الى الحروب بينما يبقى خانعاً في أجواء من الخوف والبوليسية. ولكن يتحرر الحاج محمود من خوفه وينادي بسقوط الجنرال فيتعبه الاخرون مرددين الشعارات ذاتها ، وهكذا تهتف المدينة بصوت واحد في إشارة الى التفكير بالثورة. ولكن مجموعة من العسكر الذين جاءوا من الخارج يفتحون النار على الجميع فيسقطون جميعهم مضرجين بدمائهم وتسقط صورة الجنرال بينما يُسمع طفل يولد ويأخذ بالصراخ بينما تسدل الستارة.

تفتتح مسرحية (جمهورية العوانس) بمشهد تعبيري جميل يطرح الأمل المنتظر الذي تبحث عنه المرأة العانس وسط ظلام الوحدة ووحشة الحياة. تظهر شمعة وسط ظلام دامس وبجانبها امرأة، يتبعها شمعتان وامرأتان، ثم ثلاث شمعات وثلاث نساء، وهكذا حتى تصبح تسع. ويدل منظر الوجوه على الحيرة والضياع والتيه. تعكس شخصيات النساء العوانس جميع أنماط النساء العوانس فهناك الطبيعية المنطقية، وهناك المرتبكة الخائفة، وهناك الحالمة، والمتسلطة، وصاحبة الصوت الحسن التي تغني وقت الازمات، والمتشائمة والحزينة واللامبالية، والمخطوبة من شهيد. بينما يوجد رجل وسيم أعرج واحد وهو هارب من السجن.

تطرح المسرحية مأساة الحرب وويلاتها التي تبدد النسيج الاجتماعي وتأكل الرجال فلا يبقى غير العوانس المستغرقات بالشكوى وفلسفة القضية. لاتحمل العوانس أسماءً بل أرقاماً تعرف بهن للدلالة على الاغتراب عن المكان وفقدان الاحساس بالذات والضياع وابراز أن المشكلة في جوهرها واحد وان اختلفت الارقام. يشكل قدوم الرجل الاعرج الهارب من السجن فرصة لكل واحدة من النسوة للبوح بمشكلتها. يمثل حضور الرجل إشكالية للنساء بينما يرى هو في ذلك سجناً من نوع آخر:
- من سجن الى سجن، لا فرق بين ما هربت منه وما جئت لأجله، لا فرق كلها سجون.

ولعل العانس رقم (7) تلخص القضية برمتها حين تقول: "دعونا نسأل الشهداء، إنهم يعرفون القضية كلها". تنتاب النساء أحلام يقظة فيتخيلن أن الاعرج قد صار حبيب كل واحدة. ولكن حتى في الاحلام تخطر لهن الخيانة والغدر .

تخرج العوانس من المسرح في إشارة رمزية الى غيابهن عن مسرح الاحداث الى زوايا النسيان، في حين يضاء المسرح ويبقى الرجل وحده الذي يحس أنه لا يستطيع العيش في النور. وفي مشهد رمزي يظهر فراش أبيض يغطي نصف المسرح ويتلوث بالدم وتسقط النساء عليه. ويقول الرجل إنه سيدخل سجنه الاخير وحينها يسمع صوت أطفال يولدون.

تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9