أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الأربعاء، يونيو 15، 2016

مسرحية يا رب : المقدس بين سلطتي الدين والعقل / صميم حسب الله

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, يونيو 15, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


تنتمي فكرة المقدس إلى ذلك الصراع الممتد عبر العصور بين الإنسان ومخاوفه التي كان يختار مواجهتها عن طريق تحويلها إلى رسومات على جدران الكهوف في محاولة للسيطرة عليها ، أو عبر إنتاج طقوس دينية يؤكد فيها على خضوعه للغيبي بوصفه مقدساً ، الامر الذي دفع به في مراحل لاحقة إلى إنتاج مقدسه المادي في محاولة منه للإفادة من قدرات ذلك المقدس تحت مسمى (الطوطم) الذي إكتسب هو الآخر بمرور الزمن صفة (التابو/ المحرم)، إذ بدا واضحاً أن الإنسان قد تحول بسببه من مواجهة المخاوف إلى إنتاجها ، ويعود ذلك إلى تنوع اشكال ومضامين (التابو) الذي بات مقدساً ، مما دفع بالإنسان إلى البحث عن معتقدات وطقوس وشعائر تسهم في إضفاء تلك القدسية وتعميقها ، وقد خلص من ذلك كله إلى إنتاج فكرة الأديان التي بدا فيها الإنسان خاضعاً لسلطة الدين الغيبي ، ويعود ذلك إلى أن فكرة الخضوع قد تجذرت في العقل البشري ، وقد أفاد منها على نحو خاص أولئك الذين يعتقدون “أن الله لم يهدِ سواهم” بحسب قول (أبن سينا) .

وقد افرزت هيمنة السلطة الدينية ثقافة مضادة إكتسبت مشروعيتها من المجتمعات الإنسانية نفسها ، الامر الذي دفع بها إلى إنتاج مشروع الحداثة التنويري والثورة على تلك الثوابت الدينية التي تحول المقدس فيها إلى (تابو) لايملك الإنسان القدرة على مواجهته من دون ان يكون خاضعاً لمنظومة معقدة من الطقوس التي أسهمت في تحويل المقدس إلى سلطة ، بات من الضروي إيجاد الحلول العقلية في مواجهتها بدلاً من الركون إلى ماتقدمه السلطة الدينية من مقترحات طقوسية تسهم في تعزيز سلطتها على المجتمع.

ولم يكن فن المسرح بمعزل عن المشروع الفكري الذي انتجته الحداثة ، بل على العكس من ذلك إذ يعد ركيزة أساسية في ترجمة أفكار الحداثة وتحويلها إلى سلوك اجتماعي يؤمن بحرية العقل وقدرته على الجدل .

موقف عقلي

وتأتي مسرحية (يارب ) تأليف (علي عبد النبي الزيدي)، إخراج (مصطفى الركابي)، تمثيل (فلاح إبراهيم ، سهى سالم ، زمن الربيعي) ، والتي عرضت مؤخراً على قاعة المسرح الوطني في بغداد ، في حدود تلك الإشتغالات التي إختار فيها المؤلف التعاطي مع المقدس بوصفه موقفاً عقلياً.

المقدس في النص الدرامي :

تعد مرجعيات المقدس في النص المسرحي العراقي واحدة من الفرضيات الدرامية التي افاد منها عدد من كتاب المسرح في العقد الماضي ، وقد تنوعت تلك الإشتغالات التي إشتمل بعضها على توظيف المقدس الذي إرتبط ببعض الشخوص الدينية كما في شخصية (الامام الحسين عليه السلام) وغيرها ، اما البعض الآخر فقد إختار الركون إلى توظيف المضامين الطقوسية التي لا تكون حاضرة على المستوى المادي ، وقد بدا ذلك واضحاً في نصوص الكاتب (فلاح شاكر ) وتأتي مسرحيته (في أعالي الحب) بوصفها مثالاً واضحاً على توظيف المقدس الذي يتكشف على نحو واضح في شخصية (الجني) بما فيه من مرجعيات في الوعي الجمعي، أو في مسرحيته ( اكتب بإسم ربك) التي يتجسد فيها المقدس على نحو أساس في العلاقة بين الخالق والمخلوق الذي يسعى لطلب الشفاعة .وقد إختار المؤلف(علي عبد النبي الزيدي) التعاطي مع فكرة المقدس التي قد تبدو للوهلة الأولى عاطفية ، بوصفها تعبيراً عن سلوك إجتماعي تركن إليه المجتمعات التي تتعرض للعديد من الإنتهاكات التي يقف الإنسان عاجزاً أمامها، ولا يمتلك القدرة على مواجهتها ، الأمر الذي دفع به إلى طلب الشفاعة والرحمة من المقدس بوصفه سلطة غيبية تمتلك القدرة على تخليصه من اوجاعه المزمنة ، وقد تحولت تلك المظاهر الإجتماعية إلى طقوس جماعية تمارس في الأماكن المقدسة واكتسبت مضامين عاطفية واساليب تعبيرية تعود إلى البيئة الإجتماعية التي تنتمي إليها، وتبدو فرضيات النص متقاربة مع ماذهب إليه (فلاح شاكر) في نصوصه السابقة ، إلا ان المؤلف أختار تهشيم العلاقة بين (الخالق / المخلوق) التي كانت مبنية على طلب الطاعة ، والعمل على تأسيس علاقة جدلية قائمة على مبدأ الإحتجاج على (الله)، وهي فكرة إكتسبت أهميتها عن طريق بناء صراع درامي بين المادي (الأم) وما تحمله من أحزان واوجاع متراكمة تمثلت بفقدها لأولادها من جهة وبوصفها رسولاً مفاوضاً بالنيابة عن امهات البلاد اللواتي فقدن ابنائهن في حروب وقتل وتهجير طائفي وعرقي لا ذنب لهم فيها من جهة اخرى ، الامر الذي دفع بهن إلى إرسال (الأم) الأكثر فجيعة لتكون هي المفاوض ، أما الطرف الآخر والمتمثل بالغيبي (الله) فقد بدا واضحاً ان المؤلف لم يكن قادراً على تجسيد ذلك الصراع على نحو متكافئ ، الأمر الذي دفع به إلى إيجاد بديل موضوعي ينسجم مع فكرة التفويض التي إعتمدها مع (الامهات) ، لذلك إختار أن يكون النبي (موسى) طرف التفاوض الآخر الذي أرسله (الله) لمعرفة أسباب الإحتجاج، وقد إستطاع المؤلف بذلك الخلاص من فكرة غير قابلة للتجسيد إذا ما أراد الركون إلى تجسيد شخصية (الله) ، ويحيلنا ذلك إلى نصوص الكاتب الإغريقي (يوربيدس) الذي أفاد من المقدس المتمثل (بالآلهة اليونانية) وعمل على توظيفها في النص الدرامي ، وذلك عن طريق إدخال الآلهة في المشاهد الافتتاحية حتى يكتسب بذلك شرعية العرض المسرحي ذو الطابع الديني ، وما ان تغادر الآلهة المسرح حتى ينتفي المقدس من النص الدرامي متحولاً إلى معالجة القضايا الاجتماعية ، ويأتي نص (الزيدي) على نحو محايث لما ذهب إليه (يوربيديس) وذلك عن طريق تهشيم فكرة المقدس المتمثل بالنبي (موسى ) الذي بدا عاجزاً أمام (الأم) الأم :من أرسلك ؟

موسى :الله تعالى !

الأم : الله ؟ وتتفاوض معي ؟ ولكنني لم أطلب نبيا .. أريد الله – فقط – أن يسمع طلبات الأمهات ، وأنا مخولةٌ منهن .. هذا كلُّ شيء .

ولم يركن المؤلف إلى فكرة المقدس، بل راح يعمل على تهشيم الفكرة الأساسية التي إتكأ النص الدرامي عليها ، وذلك عن طريق تحويل المقدس إلى سلطة ، إذ بدا واضحاً أن المؤلف إختار المزاوجة بين (المقدس /الله) و (المقدس/ النبي موسى) و (المقدس/ السلطة) التي يتكشف بعضها عن تلك السلطة التي يقع على عاتقها حماية الأفراد والجماعات الذين تفرض السيطرة عليهم ، وقد جاءت تلك السلطة في مواضع أخرى للتعبير عن (السلطة الدينية) الحاكمة للبلاد ، والتي أفادت من قدرتها على توظيف المقدس في الهيمنة على المجتمع ، وبذلك فإن (المقدس/ الله) وإن كان حاضراً بوصفه خالق للسماء والأرض ، إلا أن طلب الإحتجاج لم يكن موجهاً إليه ، بل هو إحتجاج (الام) على (السلطة) وممارساتها التي تستغل (المقدس) في إنتاج الصراعات الدينية والطائفية والتي أسهمت في فجيعة الامهات، وعلى الرغم من بناء النص الذي إحتكم على فكرة جدلية ، إلا ان المؤلف ظل محكوماً لتلك الفكرة على نحو افقي ، من دون العمل على تطوير البنية المشهدية على نحو عامودي ، الامر الذي بدا فيه المؤلف منساقاً وراء اللغة والفكرة التي تكشفت في المشهد الاول عبر مونولوج (الام) ، بمعنى آخر فإن بناء الشخصيات ظل على نحو افقي من دون ان تمتلك قدرة على التحول ، الأمر الذي بدت معه الشخوص نمطية غير قادرة على إنتاج دلالات تسهم في صياغة الصراع الذي ظل على نحو أحادي متمثلاً بالأم العاجزة على تغيير مصيرها أمام النبي الذي ظهر عاجزاً هو الآخر عن تغيير مصيره ، وقد بدا واضحاً ان المؤلف تنبه في المشهد الاخير إلى ذلك وعمل على خلخلة الصراع عبر خلق فرضية المفاضلة بين جنة النبي التي عاش فيها ، وبين البقاء مع الأم التي تصارع السلطة من اجل ان توقف القتل، وقد ركن المؤلف إلى المزاوجة بين الإختيار العقلي والعاطفي ، ذلك أن نصرة المظلوم وتحدي السلطة المهيمنة على المجتمع يرتبط بالقدرة على التفكير العقلي ، كما ان الرضوخ لطلبات (الأم/ الأنثى) والعيش معها يعزز من قدرة الإختيار العاطفي ، إذ إعتمد المؤلف فيه على ثنائية (الذكر/ آدم ، الأنثى/ حواء) الذين خالفا أمر (المقدس/ الله) وطردا من الجنة ونعيمها ، وهي ثنائية وإن تأسست على معصية الخالق، إلا انها تسببت في تكوين البشرية، فضلا عن أن المؤلف عمل على إنتاج لغة درامية أفادت من (التراجيكوميديا) بوصفها إسلوباً للتعبير عن الحالة التي تتعرض الأمهات لها ، وذلك عن طريق توظيف بعض المفردات اللغوية التي بدت حاضرة في المجتمع ، ولاسيما تلك التي يتم تداولها عبر القنوات الفضائية بوصفها مفردات تعبيرية دالة على حالة الإضطراب والفوضى التي تصدرها الطبقة السياسية داخل البرلمان وما يرافقها من إصطلاحات، منها (عدم إكتمال النصاب، جمع التواقيع ،المظاهرات، العصيان المدني ، وغيرها) .

الفرضيات الإخراجية للمقدس في العرض المسرحي:

رؤية اخراجية

تكتسب الرؤية الإخراجية فاعليتها من لحظة إختيار النص الدرامي ، إذ يتأسس على ذلك الإختيار الكشف عن قدرة المخرج على التعاطي مع الفرضيات التي يكشف عنها النص ، وقد بدا واضحاً ان المخرج إمتلك القدرة على الإختيار والعمل على محاولة تكييف النص بما يتوافق مع المقترح الإخراجي ، فقد تكشف إشتغال المخرج على النص إبتداءاً عن طريق إضافة شخصية (عصا موسى) التي لم تكن متوافرة في نص المؤلف ، الأمر الذي كشف عن تغيير في المفهوم التقليدي للمقدس المتمثل بشخصية (النبي موسى) الذي شكل مع (عصا موسى) ثنائية المقدس، كما هو معلوم في الكتب المقدسة، إذ عمل المخرج على تحويل العصا إلى (إمراة/ انثى) وفي ذلك تأسيس لعلاقة تضادية مع المتن المقدس على مستويات عدة منها ما يتعارض مع النص القرآني المقدس (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى? غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى? – طه 18 ) وفي الآية القرآنية تعبير واضح عن صلابة العصا التي تساعد النبي على القيام بأفعال معلومة (الاتكاء عليها ، هش الغنم) وأخرى غير معلومة (مآرب أخرى) وهو ما يرتبط بقدرتها الغيبية/الإعجازية التي مكنت موسى من شق البحر؛ ويأتي ذلك كله مناقضاً لصفات الأنثى التي ظهرت في العرض ، إلا أن المخرج لم يكن غافلاً عن تلك التناقضات ، بل على العكس بدا مدركاً لماذهب إليه ، ذلك أنه أراد إنتاج فرضياته الخاصة بمعزل عن مرجعيات العصا الدينية ، الأمر الذي جعل من العصا تملك غريزة المرأة التي ترفض أن تتشارك معها أنثى أخرى حتى وإن كانت مفجوعة كما هي (الأم) ، وهي إشارة واضحة للكشف عن سلطة (النبي/ الذكر) الذي أراد الجمع بين (الأنثى / العصا) بما تمتلك من قدرة على إثارة المآرب الأخرى لديه ، وبين (الأنثى / الأم) التي أثارت عاطفته بأوجاعها.فضلا عن ذلك فإن المخرج إختار التعبير عن شخصية (النبي موسى) في المشهد الأول على نحو مغاير لما تمتلكه تلك الشخصية في الذاكرة الجمعية ، إذ ظهر على سرير المرض عاجزاً عن تلبية حاجاته الأساسية ومستعيناً بقدرة (العصا/ الأنثى) على تلبية إحتياجاته ، وفي ذلك علامة دالة على تهشيم المقدس ، وتحويل النبي إلى كائن عاجز عن القيام بمعجزاته التي توافرت في النص الديني ، وقد أسهمت تلك الإلتماعة الإخراجية في الكشف عن فكرة فلسفية محايثة لما ذهب إليه الفيلسوف الألماني (فريدريك نيتشه) في طروحاته حول (موت الإله) ، والتي بدت حاضرة في عجز النبي وإنتهاء عصر المعجزات. إن إمتلاك المخرج القدرة على إنتاج فرضيات إخراجية لم يجعله قادراً على تحويل الكثير منها إلى رؤية إخراجية فاعلة ، إذ بدا واضحاً أنه لم يكن قادراً على إختيار الفضاء المسرحي المناسب لفرضياته ، بل على العكس إنساق وراء مقترحات المؤلف في التعبير عن (الوادي) الذي لم يتمكن المخرج من تجاوزه على مستوى (الملفوظ النصي) على الرغم من قدرته على تجاوزه في تأسيس فضاء العرض المعاصر، بمعنى آخر فإن فكرة التعبير عن (الوادي المقدس) إرتبطت عند المخرج بضرورة أن يكون الفضاء المسرحي واسعاً من دون ان يدرك أن ذلك لن يكون ملائماً لمقترحات العرض البصرية، لاسيما وأنه عمل على تجريد الفضاء من المفردات الديكورية التي كشف عنها في المشاهد الأولى والتي تمثلت (طاولتين ، سرير المرضى) ، فضلا عن ان توظيفه لتقنيات (الداتاشو) التي جاءت غير منسجمة مع الملفوظ النصي ، وبخاصة التأكيد على لفظة (الوادي المقدس) على العكس مما تم عرضه على شاشة (الداتاشو) والمتمثل بالشباك والامطار الغزيرة خارج المكان ، إذ حولت تلك الصورة المكان الذي إفترض المخرج جدلاً انه وادي من دون ان يدرك ان الصورة غيرت البيئة لتجعل من فضاء المسرح المجرد تعبيراً عن البيت الذي هجرته الحياة ، وهو تعبير دال على بيت (الأم) نفسها، وقد بدا ذلك واضحاً عن طريق تفاعلها مع بعض مفرداته كما في تأكيدها على (شرب الشاي)، وهي إشارة نابهة من المخرج إلا أنه لم يتمكن من الخلاص من بيئة النص المتمثلة بالتأكيد على (الوادي المقدس) في أماكن عدة من العرض.إن الإعتماد على تقنيات (الداتاشو) عن طريق كتابة (الملاحظات) للتعبير عن الاحداث والزمن ومقترحات المفردات الديكورية (الطاولة تبدو أكبر مما هي عليه) لا تنسجم مع بنية العرض المسرحي الذي لا يعتمد الوصف اللفظي ، وإلا كانت الملاحظات التي يسطرها كتاب المسرح في نصوصهم الدرامية قد إكتسبت حضورها في العرض ، إذ بدا واضحاً أن الركون إلى تلك التقنية لم يسهم في تحويل الفرضيات إلى رؤية أخراجية ، كما ان إعتماد المخرج على مشهد سينمائي من فلم (هلأ لوين) للمخرجة اللبنانية (نادين لبكي) لم يمتلك خصوصية في التعبير عن الرؤية الأخراجية ، ذلك أن الفلم هو متن حكائي منجز ، كان على المخرج صناعة مشهده الخاص سواء عن طريق تأسيس مشهد إستهلالي على خشبة المسرح، أو إن أراد المزاوجة بين الصورة في المسرح والسينما فذلك يفرض عليه تصوير مشهده الخاص من دون الركون إلى مشهد سينمائي جاهز حتى وإن كان موفقاً في الإختيار. من جهة اخرى فإن محاولات المخرج في توظيف التقنيات خارج العرض المسرحي والتي تمثلت في المشهد التمثيلي الذي عرض على (الشاشة) في ممرات المسرح الوطني والذي جسّده الفنان (سنان العزاوي)، لم تجد صداها عند المتلقي على الرغم من أن المخرج كان يبتغي من ورائها تحقيق مفهوم التشاركية في العرض المسرحي إلا ان ذلك لم يكن فاعلاً ،كذلك هو الحال مع الأقراص الليزرية (سي دي) والتي تم توزيعها على الجمهور قبل العرض في محاولة منه للتأكيد على الفعل التشاركي خارج العرض المسرحي، إلا ان المشاهد التي تم تصويرها في القرص لم تكن مغايرة لما تم تقديمه على خشبة المسرح سواء على مستوى الاداء التمثيلي أو فرضيات الإخراج ذلك أنها ظلت ملازمة للمتن النصي ، فضلا عن أن الفرضية التي أراد المخرج التصدي لها في هذا المقترح لم تكن موفقة ، إذ كان على المخرج أن يعتمد المشهد الذي جسده ( سنان العزاوي) بوصفه أسلوباً مغايراً للأداء الذي إعتمده في العرض، فضلا عن ان فكرة المشهد نفسه التي إفترض المخرج وقوعها بعد زمن طويل من العرض وليس قبل العرض، الأمر الذي لم يكن المخرج موفقاً في تحقيقه على وفق مبدأ التشاركية في العرض المسرحي، إذ بدت المقترحات التقنية عاجزة عن إنتاج علاقات مع المتلقي يمكن التأسيس عليها في مرحلة مابعد العرض التي كان المخرج يمني النفس في أن تكون فاعلة في وعي المتلقي كما هو العرض إلا أن الأمنيات اختارت الإبحار في سفينة التقنية بأشرعة مكسورة .

الإيقاع المسرحي وجماليات الضبط الأدائي :

يعد فعل المزاوجة بين المنطوق العاطفي الذي توافر في نص المؤلف من جهة ، والمناقشة العقلية الذي تكشف عن طريق علاقة الجدل بين (الام)من جهة و ( المقدس / الله / النبي) من جهة اخرى ، الامر الذي أسهم في الكشف عن الأداء التمثيلي الذي إعتمد المخرج فيه على منظومة الاداء (المحايد/ العقلي) ، وهو منظومة إشتغال إعتمدها المخرج الروسي ( مايرخولد) في الخلاص من طريقة المخرج الروسي (ستانسلافسكي) التقمصية أو العاطفية، بمعنى أن هذه المنظومة الادائية تميل إلى تقديم الشخصيات بمعزل عن تبني ملفوظها النصي، وقد افاد المخرج الألماني (برتولد بريخت) منها في مراحل لاحقة في التأسيس (للمسرح الملحمي) ، كما ان هذه المنظومة تختلف على نحو كلي في الكشف عن الإيقاع المسرحي الذي يتم بناؤه على نحو تصاعدي يراد به إثارة عاطفة المتلقي، إذ ان هذه المنظومة تحتكم على إيقاعها الخاص الذي ينمو على نحو أفقي مستفيداً من قدرة الممثل على تقديم موقفه العقلي والسيطرة على أفعاله العاطفية التي كانت تهيمن على الملفوظ النصي، وقد كشف المخرج عن قدرة في إقناع الممثلين في تبني هذه المنظومة الأدائية، إذ أستطاعت الفنانة( سهى سالم) والتي جسدت شخصية ( الأم) الإنضباط في سلوك أدائي ينسجم مع المنهج التقديمي في التمثيل على الرغم من إنقطاعها عن المسرح إلا انها ظلت حاضرة في التعبير عن الشخصية من دون الرضوخ للملفوظ النصي الذي كان يمكن ان يمنحها تفاعلاً أكبر مع المتلقي (العاطفي) إلا أنها ظلت حريصة على تطبيق الاداء العقلي ، ولم يكن الفنان (فلاح إبراهيم) الذي جسد شخصية النبي ( موسى) بمعزل عن ذلك الضبط الأداء على الرغم من المرجعيات الدينية التي تحكم شخصية النبي (موسى) إلا أن الركون إلى المنظومة العقلية أسهم في التعبير عن الفكرة التي عمل المخرج عليها ، وتجدر الإشارة إلى اننا قمنا بمشاهدة العرض مرتين للكشف عن حقيقة المشهد الكوميدي الذي غادر فيه الممثلان ( فلاح إبراهيم ، وسهى سالم ) منظومة الضبط الادائي ، وقد تبين أن العرض الأول كان يراد به تقديم (فاصل ساخر) هو أشبه بالترويح الشكسبيري، إلا ان الممثلان إنساقا وراء (تصفيق) المتلقي ، الأمر الذي دفع بالممثل (فلاح إبراهيم) إلى تبني ملفوظ يومي (شعبي ) مغاير للملفوظ النصي، فضلا عن خروجه من شخصية النبي (موسى) والعودة إلى شخصية (فلاح إبراهيم) ، وقد نجح في إشراك الممثلة ( سهى سالم ) في ذلك عن طريق الضحك ومغازلة المتفرجين والإشارة إلى أسماء بعضهم، كل هذا لم يكن منسجماً مع منظومة الاداء التمثيلي، الأمر الذي بدا فيه نشازاً عن العرض ، اما في العرض الثاني فإن المشهد الكوميدي إتخذ أسلوباً آخر، إعتمد فيه (فلاح إبراهيم) على (الترويح الشكسبيري) الفعلي الذي لا ينساق فيه الممثل وراء (تصفيق المتلقي) بقدر التزامه وانضباطه في سلوك الشخصية، فضلا عن ان المشهد جاء تعبيراً عن تجريد الانبياء من قداستهم وسلطاتهم .

اداء تمثيلي

وقد جاء أداء الممثلة (زمن الربيعي) منسجماً مع المنظومة الادائية فضلاً عن مزاوجتها في تجسيد شخصية (العصا / الأنثى) إذ انها ظلت حريصة على السلوك الادائي المحايد مع إستثناءات قليلة جاءت لضرورات إخراجية اكثر من ان تكون سلوكاً أدائياً ، كما في مشهد رفضها لسلوك النبي موسى الذي يتعاطى الادوية من دون ان تسمح له بذلك.

المؤثر السمعي وفاعلية الضوء على خشبة المسرح:

لم يكن إشتغال المخرج على توظيف المؤثرات السمعية بعيداً عن الفعل المحايث الذي إعتمده المؤلف في التعاطي مع فكرة المقدس وعلاقتها بالمؤلف (يوربيديس) ، إذ إختار المخرج الإعتماد على نص قرآني ليكون مؤثراً صوتياً يكون بداية للعرض المسرحي ، إلا أن ذلك المؤثر الصوتي لم يمتلك خصوصيته في مضمون العرض ، الأمر الذي دفع بنا للإشارة إلى مقترح (يوربيديس) في ضبط المتلقي ومحاولة التأكيد على أن ما يقدم على خشبة المسرح لا يتعارض مع المقدس ،بل هي محاولة لإنتاج حوار عقلي مع المقدس من دون الركون إلى الأسلوب العاطفي في شكل العلاقة بين الخالق والمخلوق، إلا أن عدم تكرار المؤثر الصوتي جعله بمعزل عن العرض ، من جهة أخرى فإن إختيار موثر صوتي ممتد على طول زمن العرض من دون ان يؤثر على الاداء التمثيلي كانت فكرة موفقة ذلك ان المؤثر الصوتي أسهم على نحو واضح في ضبط الإيقاع المسرحي الذي قد يبدو للوهلة الأولى رتيباً ، إلا ان فعل الاستمرار والتأكيد الصوتي المرافق له جعل منه أيقاعاً خاصاً ومنسجماً مع منظومة الاداء العقلي.وقد بدا واضحاً أن إشتغال الضوء في العرض المسرحي لم يكن في مستوى يرتقي إلى الإنسجام مع منظومة العرض ، إذ ان المخرج لم يعتمد بناء نظام ضوئي ينسجم مع فرضيات العرض ، الامر الذي كشف عن عيوب الفضاء المفتوح امام المتلقي.

---------------------------
المصدر : جريدة الزمان 
تابع القراءة→

في البحث عن نص مسرحي عربي جديد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, يونيو 15, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

خصصت مجلة “الجديد” اللندنية عددها لشهر يونيو الجاري للكتابة المسرحية. ننشر هنا افتتاحية العدد الذي اعتبر هدية للحياة المسرحية العربية. وجاء في كلمة العدد: هذا العدد هو الثاني الخاص الذي تكرسه “الجديد” خلال عام ونصف العام، بكامل صفحاته، لجنس أدبي. هذه المرة للكتابة المسرحية، شارك فيه بنصوصهم 17 كاتبا عربياً. وكانت “الجديد” كرست العام الماضي خامس أعدادها للقصة العربية القصيرة. ومن بين أهداف هذا العدد، كما أشارت “الجديد”، “تقصّي حال الكتابة المسرحية العربية ومآلاتها بعد قرن ونصف القرن من التأليف المسرحي في الثقافة العربية، وتشجيع الكتّاب العرب على الكتابة في جنس أدبي يتيح لأصوات المجتمع الحضور مباشرة في قلب السؤال الأدبي والفني في الثقافة العربية المنهكة من فكرة الصوت الواحد والميول الفردية الطاغية في الأدب، ومن شأنه أن يتيح للقرّاء وأهل المسرح على نحو خاص الاطّلاع على نصوص مسرحية عربية ألّفها كتّاب ومسرحيون من العراق، مصر، سوريا، فلسطين الأردن، السعودية، تونس، المغرب، اليمن. والتعرف على نصوص تغطي انشغالات وهموم وموضوعات وقضايا راهنة اجتماعية وسياسية وجمالية تغلب عليها الرغبة في توليد نص مسرحي عربي معاصر”، وتكشف في الوقت نفسه عن هموم متباينة وأخرى مختلفة داخل مجتمعات الكتابة. أخيرا، نعتقد أن نصوص هذا العدد ستمكن النقاد العرب الأدبيين والسوسيولوجيين من استكشاف فضاءات الجدل والحوار داخل هذه النصوص القادمة من جغرافيات عربية مشتعلة وأخرى تعتمل فيها الصراعات الفكرية والسياسية والاجتماعية.

ننجز هذا العدد الخاص عن المسرح لنعيد تعريف الظاهرة المسرحية في المجتمع، فقد وقع في أذهان القراء العرب معنى المسرح مرارا من خلال تأريخ ودراسات ومقدمات وكلمات كثيرة قصدت تقديم المسرح للناس.
وظيفة هذا العدد ببساطة أن يتقصّى حال الكتابة المسرحية بعد قرن ونصف القرن من التأليف المسرحي في الثقافة العربية، وأن يتيح للقراء العرب وأهل المسرح على نحو خاص الاطّلاع على نصوص مسرحية عربية ألّفها كتّاب مسرحيون من العراق، مصر، سوريا، فلسطين، الأردن، السعودية، تونس والمغرب. وهي نصوص تغطي انشغالات وهموم وموضوعات وقضايا راهنة اجتماعية وسياسية وجمالية تغلب عليها الرغبة في توليد نص مسرحي عربي معاصر في لغة عربية فصيحة، وقد استبعدت هيئة التحرير نصوصا كتبت بالعاميات التونسية والمصرية والشامية؛ هي بحق نصوص ممتازة، لكنها لا تدخل في منظور هذا العدد ولا في توجهات “الجديد”، ويمكن في المستقبل تناول مثل تلك النصوص وتسليط الضوء عليها ولكن في إطار بحث وتقصّ يخصّان أدب العاميات العربية.

***
تنتمي النّصوص المسرحية التي يضمّها هذا العدد إلى أنماط مختلفة تتراوح ما بين المسرح الدرامي الحديث، ومسرح اللامعقول ومسرح ما بعد الحداثة، ومسرحيات المونودراما التي تتداخل فيها عناصر السرد والشعر والوثيقة والتشكيل عبر المونولوجات الدرامية للشخصية، وقد استقطبت الأخيرة طيفا واسعا من الكتّاب العرب الذين وجدوا فيها عملا تجريبيا يتيح فرصا معقولة لعدد من المخرجين المسرحيين والفرق الصغيرة، التي طالما أعياها البحث عن مساندين ومموّلين للأعمال المسرحية التي تتطلع إلى إنجازها على خشبات المسارح.


***

جلّ رواد المسرح والمهتمين بظاهرته يعلمون أن العرب عرفوا المسرح منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر مع تجارب مارون نقاش وأبوخليل القباني ويعقوب صنوع وجورج أبيض، وغيرهم، لكن الكتابة المسرحية لم تولد داخل الثقافة العربية وتتحوّل إلى نصوص وآثار ذات ميزات مطبوعة باللغة والهموم والأفكار والتطلعات العربية إلا مع النصف الأول من القرن العشرين، عندما تبلورت الأصوات والتجارب الأدبية الحديثة لجيل أدبي عربي تأثّر بالغرب، كتوفيق الحكيم وعلي أحمد باكثير وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقبلهم إبراهيم رمزي الذي كتب المسرحيات التاريخية والغنائية.

تعتبر تجربة مارون نقاش ابن صيدا هي الأبكر بين تجارب التأليف المسرحي بالعربية في النصف الأول من القرن التاسع عشر؛ “أبوالحسن المغفل وهارون الرشيد” و”الحسود السليط”، وغيرها. ويليه تاريخيا أبوخليل القباني الدمشقي الذي كتب “قهوة الدانوب” و”أنس الجليس″ و”نفح الربى” و”عفة المحبين” أو “ولادة” و”عنترة” و”ناكر الجميل” و”الأمير محمود وزهر الرياض” و”الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح”، ويعتبر النقاش مؤسس مسرح الأوبريت في الثقافة العربية. ويعاصره يعقوب صنوع في الربع الأخير من القرن العشرين، وقد ألف الكثير من المسرحيات التي ضاعت ولم يبق منها حتى منتصف القرن العشر ين إلا “موليير مصر وما يقاسيه”، لكن الباحثين العرب اكتشفوا بعد ذلك عددا من مسرحياته القصيرة ونشروها في ستينات القرن العشرين، وخصوصا الباحث محمد يوسف نجم.

بطبيعة الحال شكلت النصوص الحكائية الكبرى في العربية مرجعا ملهماً للمسرحيين العرب مثل “ألف ليلة وليلة”، “كليلة ودمنة”، “قصص الأنبياء”، “رسالة التوابع والزوابع″ لابن شهيد، “حي بن يقظان” لابن طفيل، كتاب “البخلاء” للجاحظ و”رسالة الغفران” لأبي العلاء المعري وغيرها.


إعادة تعريف الظاهرة المسرحية في المجتمع
ولا يمكن أن نهمل نصوص خيال الظل في كونها مرجعا مهما للمسرحيين مخرجين وكتابا منذ مطالع القرن التاسع عشر.

على أن نصا جزائريا اطّلعت عليه خلال إحدى رحلاتي إلى الجزائر في نهايات القرن الماضي لا بدّ لنا أن نعدّه أحد أبكر النصوص المسرحية المكتوبة بالعربية، وأعني به “نزاهة المشتاق وغصة العشاق في مدينة طرياق في العراق”، والذي كتبه ونشره في الجزائر سنة 1847 كاتب لم يدوّن اسمه على أيّ نص آخر هو أبراهام دنينوس، وكان موظفا في المحكمة الجزائرية. المسرحية تقوم على 22 شخصية بينها 8 أدوار نسائية، وكلها تنتمي إلى البيئة الجزائرية، وتتحدث عن قصة حبّ تدور أحداثها في مدينة متخيّلة، والعصر غير محدّد، وتقوم على حكايتين متوازيتين تستغرقان العرض المسرحي، وهي ذات نهاية سعيدة. وقد سبق لي أن كتبت مقالة استعرضت فيها هذا النص وعرّفت به لدى القراء العرب.

ظل السؤال عن قيمة التجارب المشار إليها وما عاصرها من تجارب قائما في النقاش حول تاريخ المسرح العربي وتاريخ الكتابة المسرحية. وقد اختلفت الآراء في جملة من القضايا المتصلة بتاريخ الظاهرة المسرحية وظواهر الفرجة في المجتمع العربي، ولكنّ الذي يعنينا خصوصا، هنا، مع هذا العدد، ليس السؤال حول تاريخ المسرح أو تاريخ العرض المسرحي، وإنما تقصّي تاريخ الكتابة المسرحية بالعربية، والواضح أنها بدأت من خلال التّماس مع نصوص موليير والمسرحيين الفرنسيين والإيطاليين خصوصا، ثم مسرح شكسبير في مرحلة لاحقة، وتأثرت بالنصوص الأصلية وبالترجمة التي قام بها رواد المسرح للأعمال المكتوبة بالفرنسية والإيطالية، ثمّ الإنكليزية.


***

لن نطيل في الاستعراض لكن يجدر بنا أن نشير إلى أن النصف الثاني من القرن العشرين هو زمن التأليف المسرحي ومعه ظهرت الأعمال التي يعتدّ بها كنصوص ألفرد فرج ومحمود دياب وصلاح عبدالصبور ونجيب سرور وعصام محفوظ ومحمد الماغوط ومعين بسيسو وسعدالله ونوس والعشرات غيرهم من كتاب المسرح الذين معهم فقط بدأنا نتعرف على نصوص مسرحية عربية معاصرة وعلى نضج فكري ووعي بجماليات التأليف المسرحي في العالم. ولعبت نصوص المسرح الشعري دورا مهما في التأسيس للمسرح العربي الحديث، على رغم الشروط الخاصة ذات الطابع النخبوي والأدبي، أساساً، التي حكمت تطلعات هذه النصوص وانعكست على صيغ العرض المسرحي ونوعية جمهوره.

ولكن هل صار لدينا مسرح عربي؟ هل تمكّنت الكتابة المسرحية العربية من التأسيس لمسرح عربي يمكن أن يضاهي بجمالياته وخصوصياته التجارب المسرحية في العالم؟ وهل يمكن الحديث عن نصّ مسرحي عربيّ معاصر يمكن أن يعالج ويعرض في العالم؟ وهل يسمح لنا هذا العدد، أولا وأخيرا، بأن نعثر في النصوص المنشورة هنا على تجارب جديدة تثري الحركة المسرحية العربية برؤى وأفكار ولغات فنية تعكس التموّجات الكبرى للمجتمعات العربية، والتحوّلات الجارية، وبعضها عنيف عنفا مذهلا ويشكّل، بالتالي، تحديّا للنصوص والمخيلات معا، وهو وينتمي بوقائعه إلى أرض التراجيديا الإنسانية؟

سؤال صعب. لكن هذا العدد من «الجديد» وهو الثاني الذي نفرده لظاهرة أدبية بعد عدد القصة القصيرة الذي قدّمناه العام الماضي، إنما هو خطوة أخرى في مغامرة البحث عن النص الجديد وفي رحلة تقصّي الأحوال الراهنة للظواهر والأجناس الأدبية في الثقافة العربية الجديدة.

---------------------------------------------------------
المصدر :  نوري الجراح -العرب-  العدد: 10304، ص11


تابع القراءة→

الثلاثاء، يونيو 14، 2016

رقصة المستوطن في "أرشيف" أركادي زايدس عرض إسرائيلي في علاقة العنف والجسد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يونيو 14, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

ضمن مهرجان مسرح نيويورك للفنون الحيّة، افتتح الكريوغرافر أركادي زايدس برنامج العام بعمله التفاعلي "أرشيف". وصل العرض أخيراً إلى ساحل الأطلسي بعد أن أثار الصخب والعنف من القدس وتل أبيب إلى طولوز وباريس.
كان أركادي قد انطلق في تقديم عرضه بدايات العام الماضي رغم محاولات عديدة لمنع ظهوره لأنه "يشيطن جنودنا" ويساهم "بنشر معاداة السامية" حسبما هتف حفنة من المتظاهرين هنا وهناك. في كانون الثاني ٢٠١٥، قدم أركادي ثمانية عروض متتالية لقاعة ممتلئة بالحضور في باريس بعد أيام من أحداث شارلي ابدو.

في هذا العمل، نجد محاولة فنية لاستعراض الواقع عبر الوساطة المريبة للصورة حيث يبني أركادي شريطه المرئي والجسدي بالتنقيب في تسجيلات الفيديو التي يمتلكها "مركز بتسيلم". يهرب الفن الإسرائيلي مرة أخرى إلى "بتسيلم" وكأنه معبد للحقيقة فهنالك يقبع أرشيف طويل صورته كامرات المركز بأيدي “متطوعين” فلسطينيين ضمن مشروع توثيقي أسموه “shooting back”. يذكرنا أركادي في بداية العرض بأنه إسرائيلي وأن الأبطال-الأشرار ممن يظهرون على شاشة عرضه إسرائيليون مثله. يسير العمل دون أن ننسى من جاء بتلك الكامرات ومن يمسك بجهاز التحكم. 

يصحبنا أركادي في رحلة مفصلة عبر مشاهد متعددة ومكررة لعنف المستوطن في نابلس والخليل وغيرها. يمسك بيده جهاز تحكم صغير يقتصر على زر للعب وآخر للتوقف. تغلب الصور الواقع في حضورها. نتفرج على المواجهة المباشرة حين يتداخل الفنان مع المستوطن ويتشابك معه، أو يرتدي جسده وإيماءاته، ليحاول عبثاً أن يلغي النهايات. تركز كل المقاطع على اللحظات الأخيرة قبل وقوع الجريمة عندما يمتلئ الجسد بالعنف إلى نهاية أطرافه. يدخلنا أركادي إلى مختبره المشتعل لنشاهد تصنيعه البطيء لرقصة العرض التي يلتقطها من أجساد المستوطنين الهائجة والعنيدة. 

تركز اختيارات أركادي على أجساد الأطفال والمراهقين من المستوطنين. يشرح لي بعد العرض أنه يرى في هذا العنف الممنهج ما هو أبعد من الأيديولوجيا- بل أنه أسلوب حياة. قضى أركادي مئات الساعات يتتبع ويقلد الأجساد التي تقف خلفه على الشاشة. مقاطع لأطفال يتدربون على رمي الحجارة، أخرى لجنود يتباطأون في قنص أهدافهم، أيد تهش الغنم بعيداً عن المستوطنة. يستخدم الفنان جهاز التحكم لنشاهد بضيق انتفاخ الجسد المستعد للهجوم: نرى الاندفاع، التريث، التماهل، التراجع، الترنح، التأرجح، التردد، التخفي، ثم الطيران لوهلة خاطفة. يستخدم أركادي الإيماءات ليسكتشف الأبعاد الحادة لهذه الأجساد. كيف تتنامى وتتداخل لتخلق تلك الضوضاء الجارحة. يقلدهم تماماً أو يمط حركاتهم إلى سياق متقارب ثم يقف في الضفة الأخرى كأنه مرآة شرسة أو أخرى مظلمة. لا يحاول أبداً أن يحتفظ بالمسافة ذاتها عنهم. 

بعد الانتهاء من تشكيل رقصة المستوطن، يدخل أركادي في مهمة جديدة لاستكشاف المكان ومشهدية الفرد ضمن جماعته. يظهر الفلسطيني ممثلاً بالغنم المطرود والشجر المحروق أو من خلال صوته خلف الكامرا حيث يتمتم لعناته على رب المستوطن. نشاهد حقولاً مشتعلة وشوارع خالية ونوافذ يشغرها جنود. يكثف الراقص لعبة التكرار ليضغط إيماءات العنف في لوحة ختامية تتداخل فيها أصوات المستوطنين وكأنها حالة متفجرة من العواء. نصبح أمام مشهد تفاعلي عن القوى المدمرة لهاته الأجساد بشتى حالاتها.

سألت أركادي عن استخدام الشاشة وأهمية العودة إلى الأرشيف. قد يترك الأرشيف انطباعاً أن الصورة منتهية أو حتى مجردة، لكنه يجد أن تموضع جسده ضمن هذا الأرشيف يخرجه من الصورة إلى العين، أي يبث الروح فيه. “فعل المشاهدة هنا لا يقتصر على جسد المستوطن بل أيضاً على عدسة الفلسطيني باعتبارها استعارة وسائطية للتعامل مع اليومي". وفي ذات السياق يرى أن جهاز التحكم في يده هو "الوسيط المتاح للفنان بين الصورة والحدث". 

وعن حاجة الراقص إلى الصورة يقول أركادي بأن الجسد "لا يحتاج إلى تصميم راقص فالعالم من حوله يقدم كل هذه الحركات التي تتنظر منا أن نزورها ونفكر فيها" لنخلق بذلك "قاموساً حركياً" يسمح بحضور سياقات الواقع. ولكن ماذا عن المسافة المتفاوتة التي تفصله عن الصورة؟ يجيب "أحاول أن أنقد هذا البعد فعملي يقف في صلب العلاقة بين الصورة والعنف التي تحدد هويتي ضمن الحدث المطروح.” 

كان عرض أركادي العمل الوحيد غير العربي ضمن برنامج المهرجان والذي جاءت ثيمته بعنوان "الشرق الأوسط/مستقبل". سألته كيف يأتي حضوره في هذا السياق وعن أي مستقبل يتحدثون في نيويورك. "المستقبل سيحدث على أي حال. لا أظن أننا نحتاج لهذه المناسبة للتحاور فهنالك علاقات صادقة بين فناني الشرق الأوسط. لا أريد التفوه بكلام عاطفي عن وحدة ساذجة تجمعنا لكنني أرى في أعمالنا  مساءلات جادة عن قيم ورغبات سياسية. هذا لا يعني أن التحاور بحد ذاته هو الحل بل هو فرصة مشتركة للتفكير.”

بالتوازي مع عروض المهرجان، نجد أركادي في قاعة أخرى في غرب المدينة حيث شاشة ضخمة تعرض فيديوهات المستوطنين التي اختارها وأخرى لبروفاته في الاستوديو. في مدخل المعرض نشاهد فيديو  للمظاهرات الهزلية التي نظمت ضد العمل. كان "أرشيف" من بين ٢٠ عملا فنيا في إسرائيل هددت بالمنع أو وقف الدعم. تقف مشاركته هذه إلى جانب عمل قصير من صنع إسرائيلي آخر هو دانيل لاندو الذي قام بتصوير معبر قلنديا بزواية ٣٦٠ درجة خلال مروره من وإلى فلسطين. ارتديت نظارات غوغل خاصتهم ودرت حول نفسي أتفرج على نقطة الحاجز عبر جسد لاندو. لحظت حينها وجوهاً فلسطينية تنتظر وتحدق بتململ.

-----------------------------------------------
المصدر : نيويورك- منى كريم  - جريدة تاتوو

تابع القراءة→

الرقـص وتطبيقاته في المسرح

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يونيو 14, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

يعتبر الرقص من الفنون الإنسانية الأولى للتعبير عن فكرة وعقله ونفسيته قبل أن يخترع الكتابة واللغة وهو اللغة الأولى التي تكلّم بها الإنسان، فقد عبّر بأعضائه وجسده قبل أن ينطق، حيث يأتي الرقص ملازماً للموسيقى أو مقدماً لها، كأن يكون بتصفيق اليدين أو ضرب الأرض بالأقدام لتكوين الإيقاع.
وربما ابتدأ الرقص ليعبّر عن الفرح، إحتفاء بالربيع أو نزول المطر أو وفرة المحصول أو أي شيء جديد مكتشف بالصدفة وهو قديم قدم الحب والجنس وهو جزء لا يتجزأ من الإحتفالات الشعبية، حتى أن الحيوانات والطيور والأسماك، تؤدّي رقصات الإغواء في أوقات التزاوج. وقد حاكى الإنسان البدائي الطير والحيوان في الرقص فالرقص إذا هو لغة الحرية الكبيرة لغة الشمولية البشرية وهو لغة عالمية كالموسيقى تماماً، وهو من اللغات المعترف بها عالمياً وقد اعتبر الرقص عموماً من أقدم الفنون وأعرقها، فهو تعبير عن عادات الشعوب وحياتها اليومية، يُعرف الرقص بـوصفه لغة الجسد وهو تعبير إيمائي يقوم على تشكيل جسماني بشري حركي بجميع أعضاء الجسد الإنساني، ولا سيّما الرقبة والأطراف، تلازمه الموسيقى اليدوية، أو الاّلات، أوالغناء، فيتفاعل معها وتتفاعل معه، و يعبّر الرقص بالحركة عن أحاسيس اللشخصية الإنسانية التي تؤدّي دورها الراقصة، أو الراقص، إزاء الحياة والطبيعة أو المشاعر العاطفية لفرد أو مجموعة، وقد يكون شكلا من أشكال الشعائر الدينية أو الإجتماعية أو السياسية أو يتخذ مظهرو مواقف تعبيرية أو عرضا كاملا لوقائع قصة مقترنة بموسيقى تصويرية من بدايتها حتى نهايتها. 
ويصنّف الرقص إلى عدة أنواع مختلفة أهمها: 
1.الرقص الديني. إبتداء من رقص الشعائر الدينية القديمة كما في مصر والعراق وبلاد الشام تقديم القربان للاّلهة أسطورة إيزيس وأوزيريس، الإحتفالات بعودة تمّوز الخ وانتهاء بالرقص الصوفي كرقص الدراويش.  
2.الرقص الشعبي. لكل شعب في العالم رقصاته القومية المحلية الخاصة بألوانها وحركاتها مثال رقص  الفلامنكو الأسباني والسامبا البرازيلية والرقص الأفريقي.
3.رقص الإثارة، كرقص هز البطن.
4.رقص الباليه.
5.الرقص الكلاسيكي الحديث. 
يعد الرقص من أقدم الوسائل التي كان الإنسان ينفس بها عن انفعالاته بسبب بداية اللغة المنطوقة وقصورها حيث كانت الوسيلة الشائعة في التعبير عن أعمق مشاعره: الحركة الرتيبة الموزونة (الرقص). فبها يتحدث إلى الآلهة ويصلي لها ويشكرها ويثني عليها بلغة حركاته الإيقاعية الراقصة، لأن أولئك المؤدون كانوا قد نادوا إلى الرقص متى ما الكلمات بدت مانعة لهدف المؤدين، و الرقص هو الطريقة المهمة في إظهار الشعوب الهمجية مشاعر المحبة والتقديس نحو الآلهة في الرقص المقدس (الديني)، ومشاعر الحماس والكره نحو القبائل المعادية في صراعاتها التنافسية (التنازعية) في الرقص المعركي (الحربي)، أو طرد الأرواح الشريرة أو مواسم القحط والفيضان في الرقص السحري  الديني، وكان للإنسان دوافعه العديدة التي دعته إلى الرقص، فلقد " رقص ليفرغ شحنة طاقة، ورقص ليجسد بطولته، ورقص ليحتفل بقنص، ورقص لان غريزته الجنسية تطلبت منه المشاركة الجنسية في الحركة، ورقص ليعبر عن حادثة أو فكرة أو شعور، كما رقص لكي يجعل السحر قادرا على السيطرة على قوى الطبيعة الغامضةفي حركات طقسية إيقاعية (رمزية، وتعبيرية)، أسست ما يمكن أن نطلق عليه بالرقص المسرحي (الرقص الدرامي) في شكله البدائي (المبكر) فجميع القبائل البدائية تمارس رقصات حربية، ويهدفون بها غرضين: أن يكسبوا الآلهة إلى صفهم في المعركة القادمة، وإثارة الحماس والشجاعة والإقدام في قلوب المحاربين ونرى مثلا في رقصة من الرقصات الحربية لدى قبائل (الناجا) في الشمال الشرقي من الهند: التي تبدأ بعرض المحاربين مع أسلحتهم، ثم حركات الكر والفر، قاذفين بالحراب كأنهم في حرب حقيقية، ويزحفون على الأرض مع عدتهم الحربية، حتى إذا ما اقتربوا من العدو الوهمي وثبوا عليه وهاجموه. وبعد قتلهم –إيمائيا- لعدوهم، يحملون خصلاً من الحشائش ترمز إلى رؤوس القتلى وفي عودتهم إلى الديار يحملون أكياسا كأنها رؤوس أناس حقيقيين، وإذ وصلوا، تلقتهم النساء واشتركن معهم في الغناء والرقص احتفالا بالنصر وهذا يروي مشهدا إيمائيا راقصا لمعركة وهمية متخيلة تقدم في الطقوس الحربية الاحتفالية عند الأقوام البدائية فترة النزاعات والحروب، يستخدم فيها الحركة والرقص والغناء.
كان الانسان يمارس عدد من الرقصات لغرض السيطرة على مصاعب الحياة، وكان يعدها الوسيلة الصحيحة لتذليل الصعاب  فكانت مجرد حركات لم يفهم مدلولاتها واصبحت فيما بعد لغة متفق عليها تطورت تدريجياً ليستثمرها الاغريق في احتفالاتهم الدينية التي لم تكن اهدافها بعيدة عن اهداف الانسان الاول ففي المسرحية الساتيرية التي كانت مصحوبة بالرقص والغناءكانت الطقوس الدينية التي كانت تقدم للالهة غايتها التقرب منها حتى تستدر عطفها وبركتها، فالرقصات عند اليونان تمتلك عدة آليات ومفاهيم لان الانسان منذ ولد ولدت معه البذرة الاولى للدراما بوصفها فن بدائي.
وفي بلاد الرافدين القديمة، فان الرقص يتمثل فيما عثر عليه في النقوش، حيث اكدت تلك النقوش وجود الرقص كظاهرة ارتبطت بظواهر اخرى تحيط بها في الطقس الذي كان يمارس في الطقوس، اما الرقص عند قدامى المصريين فقد اثبتت الحفريات والاثار وجود رقص شعبي، فيما عرف الفينيقيين من خلال الههم " بعل مركوس " اله الرقص والطرب حيث كان الكهنة يرقصون حول مذبح هذا الاله، اما الهنود فقد اشتهر عندهم الرقص الطقوسي حتى الاله يتصورون انها ترقص. 
وقد عرف قدامى الصينيين الرقص، حيث كانوا شغوفين جداً به، لان الرقص عندهم في الممارسات الدينية يرجع الى الخرافة والاسطورة، وفي اليابان كانت عروض "النو" و "الكابوكي" حافلة بانواع عديدة من الرقص، ويطلق اصطلاحاً على الرقص الشرقي بـ(هز البطن) المعروف بين افراد المجتمع والذي يمارس في الحفلات العامة والخاصة وحتى العائلية لذا فأن الرقص الشرقي لا يقتصر على اداء الانثى له بشكل منفرد حيث تدخل عناصر مزاجية وتنكر في الازياء ولهو بريء وتمثيل ساذج لدور الجنس المعاكس من خلال وضعيات وحركات خاصة من الغنج والمداعبة والغزل ومن خلال حركات الاكتاف والميلان على الاطراف واللعب بالحواجز والترميز في الايادي ووضعيات الجذع، وقد يكون هز البطن ذا معنى في الرقصة التي تؤديها الراقصة، حيث يقول خبراء الرقص ان هذا الفن قادر على التعبير ليس فقط عن الانفعالات والمشاعر وحركات النفس والفكر بل عن دنيا الاحلام والاواقع التي لا تحدها حدود، ومما تجدر الاشارة اليه ان المجتمع الاسلامي خلال ايام الحكم العباسي، قد شهد ازدهاراً للرقص يعكس الحياة المترفة ونوع من اهتمام الارستقراطية والاغنياء المترفين بشكل من الثقافة والحياة الانسية التي يحيط بها الطرب والرقص والغناء، ومع بدايات عصر النهضة في ايطاليا نما فن البالية، وهو على انواع منها، رقص منفرد ورقص ثنائي ورقص جماعي.
ان الرقص الحديث يعتمد على اساليب وانماط مختلفة بعيدة تماماً عن انواع الرقص السابقة فهو يعتمد على حرية حركة الرقص وعدم تقيّد بالاوضاع والاشكال الكلاسيكية بل ان لغته الخاصة في الاداء التي اسسها بعض مشاهير الراقصين المصممين والمبتكرين لهذا الفن منهم:
1.الامريكية سان دنيس روث.
2.الامريكية ايزادورا دانكان.
3.لابان رودولف فون.
4.ماراتا جراهام.
لكن الفرنسي " موريس بيجار "، يُعد من أشهر مُنتجي الرقص الحديث في العالم، ففي عام 1955 فاجأ " بيجار " العالم بتصميه الابداعي لباليه " سمفونية لشخص واحد "، ويقوا عن مجمل نتاجاته الراقصة: " ان التراث الحقيقي هو ان تعيش وتخلق ايقاع عصرك، وليس العصر السابق فلغة الرقص لا تختلف عن اي لغة فنية لذا فهي تتجدد او تموت " وعندما استكمل " بيجار " رؤيته لفن الباليه المعاصر، اسس مركزاً للتعليم باسم " مودرا " اي الحركة، ويقول في هذا الصدد: " راقصي اليوم يجب ان يتمتعوا بالاضافة الى موهبة الرقص بثقافة عالية بحيث تكون هي التي توحد خطواتهم ونظراتهم ومختلف حواسهم في شكل باهر "، ان بيجار، ما كان له ان يحقق ما وصل اليه لولا دراسته الفلسفية وخاصة الفلسفة الهندية التي تعتمد تطويع الجسد للوصول الى الاشراق بحيث تتوازى داخل الانسان لغتان داخلية وكونية.

الرقص في المسرح:
ظلت علاقة التداخل والتلازم بين الرقص والمسرح موجودة بنسب مختلفة عبر تأريخ المسرح، فهناك عاملان لعبا دورهما في تحديد هذه العلاقة هما وجود العنصر اللغوي من جهة ودرجة الالتصاق بالاصول الطقسية من جهة اخرى. حيث تعد اتجاهات المسرح الراقص محصلة للتيارات الطليعية التي سادت في اوروبا واميركا فيما بعد الحرب العالمية الاولى بداية من التغبيرية حتى مسرح العبث، وتتميز بنية العرض الدرامي الراقص المعاصر- بعد تأثره بتلك المستجدات التقنية الحاصلة في مجمل مكوناته: التمرين، الأداء الراقص، التنظيم، الهيكلية، الاختيار-  هو  ذلك التواشج الفريد والغريب بين مختلف عناصره المختلفة  والمنتمية أصلا إلى أجناس فنية متعددة لا تجتمع عادة في فضاء الحداثة الذي مهد لذلك الانفتاح الواسع (ما بعد الحداثة)على الأجناس ويجد فيه نوعا من الفوضى غير المنهجية أو غموض الرؤية المعرفية والجمالية لطرق إنتاج الفن، وبالمقابل احتفظ العمل الفني (الراقص) بوحدته الفنية النمطية وتكامله البنيوي الخاص في فترة الحداثة وان كان ذلك على حساب المضمون المراد كشف أسراره وجوهره وأبعاده المختلفة، وليبقى العرض أسيرا لقيود التجنيس الحداثوية المتداولة ذات الإطار الشكلي المحدد والمكشوف سلفا لدى المتلقي. فبطء الحداثة عن الانفتاح الفني والتقني على الإشكاليات الحياتية ذات القضايا الوجودية الهامة والمتعددة للإنسان المعاصر ومنها بروز مفهومي العولمة والاستهلاك الثقافي، وكذلك بسبب التقيد بالأساليب المنهجية والمدرسية والتنميط، أتاحت الفرصة لجيل جديد من الراقصين والمصممين (الكيروكراف) المعاصرين أن يطرحوا قضايا أكثر أهمية وعمقا بشتى الوسائل الفنية والتقنية المتاحة لهم وبشتى السبل المغايرة لأساليب الحداثة، من غير قيد أو شرط (فني، أو تقني، أو معرفي) لخلق عرض جمالي حر لا يتسيد فيه عنصر واحد مهم، بل المغايرة في بنية العرض التقليدية ومنها أماكن العرض أيضا.
هؤلاء المجددين ثاروا على الثوار الأوائل المؤسسين للرقص الحديث في النصف الأول من القرن العشرين (كريهام، دنكان، دينيس، لابان...) وأسسوا ما يطلق عليه برقصات ما بعد الحداثة، بعد أن استشعروا عجز الحداثة في المواجه والإصلاح، وغرقها في محيط الذاتية واللاشعور، ليصبح النتاج الفني الحداثوي أكثر عزلة اجتماعية وثقافية، لأنه نشاطا للنفس وصدا لها وغير مكترث بالمجموع وقضاياه المتغيرة، لذا كانت الأعمال المنتمية لفنون ما بعد الحداثة ردة فعل رافضة ومستنكره لضعف الحداثة، وقوة فعل ديمقراطية حرة تسمح لكل العناصر الأساسية الفنية، ومن كل الأجناس والأنماط، أن تشترك بشكل فعال في إنشاء الخطاب الفني الشامل كنشاط تجريبي تفاعلي، كما تسمح بحرية كاملة لحركة القراءة والمشاركة والمشاكسة الدينامية مع بنية العرض الغرائبية المفتوحة وباتجاه قراءاتي من الداخل والى الخارج وبالعكس. فالتغيير في العرض لم يكن حاجة طارئة، بل حاجة ملحة في الصور الحيوية للجسد، وفي العاطفة الملتهبة والقسوة النارية، والألم والتوق إلى الحب والضعف، كل ذلك يتم استحضاره على خشبة المسرح. فهم يأملون في تحفيز التأمل الذهني وإثارة اللاشعور الذي يولد التأثير العاطفي لدى المتلقي. 
ومما تجدر الإشارة الى أن الدراما مع البدايات الآولى لظهورها عند الآغريق، قد أتصفت بالحركة والديناميكة المتولدة من مشهدية الآحداث على خشبة المسرح مع اشتغال كامل لمنظومتي العرض البصرية والسمعية. وما يحدثه عملها في تكوين صورتين للمتلقي، 
الآولى تتكون أمامه وتحدثها شخوص العرض عبر أدائها وتجسيدها للنص, والثانيه تكونها آليات 
تلقيه عبر أستيعاب ماهية خطاب النص. وهذه الديناميكية والحركةحالة مكرسة في الفن المسرحي بجميع صوره وصيروراته، كونه فنآ مرئيآ ـ صوريآ ـ لحظويآ ـ تحكمه مرحلة معينة هي مرحلة العرض المسرحي للنص الذي كتبه مؤلف، وأخرجه مخرج وجسدته مجموعة من الممثلين ليقدموا لنا عرضآ مسرحيآ في مرحلة زمنية محدده ومتفق عليها تبدأ من لحظة رفع الستار وتنتهي بأسداله. 
على أن هذه الديناميكية تمثلت في عدة صور بالآعتماد على أهم مفرده في العرض ألا وهي (الممثل). والممثل لا يملك سوى جسده وصوته، ومن ماهية عمل الممثل بمنظومتيه الصوتية والجسدية تنفتح مقاربتنا هذه على فن حداثوي دخل مسرحنا بغية بث روح التجديد فيه والعمل على توظيفه في عروضنا المسرحيه ألا وهو فن(الكيروكراف).
بدءآ هناك ألوان من الفنون التي دخلت المسرح سابقة للكيروكراف ألا وهي (البانتومايم)التمثيل الصامت (pantomime) / والرقص التعبيري (drama dance). فالبانتومايم هو فن التمثيل بلا كلام ـ (هنا ينتهي التعريف) أي أنه، العرض المسرحي الذي يتضمن كل شيء ألا الملفوظ الحواري  فهو يعني أستخدام الموسيقى والصوت والمؤثرات الصوتية وحتى لحظات الصمت تعد ذا قصدية، كذلك أستخدام الآهات. أما الرقص التعبيري ـ فيعني الرقص المعبر عن حالة ما و الذي ترافقه موسيقى تعبيرية بعيدة عن أي حالة تطريب وهو أقرب ما يكون الى فن الباليه. 
ومن المعروف أن المسرح يستخدم هذا الفن في عروضه للتعبير عن حالة ما يتطلبها العرض. وقد جاء فن(الكيروكراف) الذي يعني (الآنطباع الذي تتركه الحركة الراقصة ذات ألانساق التعبيرية و  المتآلفة مع درامية الموسيقى المستخدمة,في ذهن المتلقي. وهذا الآنطباع متولد مما يبصره من صورة مسرحية متشكلة من حركة +/موسيقى=photo) ـ ليحقق وحدة مترابطة ما بين هذه الفنون (البانتومايم ـ الرقص التعبيري) ليطرح لنا حالة جديدة من الحداثة في التقديم المتمسرح وأعتماد (الموسيقى التعبيرية ـ مؤثرات صوتية ـ أصوات مختلفة) كأساس في أشتغالات أنساق العرض المسرحي (الكيروكرافي بالآعتماد على (شاهدة) الجسد أولآ وأخيرآ وتطويعها وتمرحلها من حالتها الآيقونية المألوفة وأسلبتها بالكامل لصالح مفردات النص وتفكيكها بما يتماهى مع معطيات خطابه النهائي. وبرغم وجود بوادر لهذا الفن في السابق، ألا أن الفنان العراقي المغترب (طلعة السماوي) له الريادة والسبق في طرح هذا اللون المسرحي كشكل أكثر حداثة من الآلوان الآخرى يقول الفنان (السماوي) عن هذا الفن (أنه  أوروبي المنشأ والصيروره والتوجه، ألا أني أعمل جاهدآ على توظيفه محليآ بالآفاده من الموروث التأريخي العراقي (القديم والمعاصر). وقدم هذا الفنان عروضآ كيروكرافيه على مسارح بغداد خلال الفتره الماضية كما قام بتأليف فرقه خاصه حملت أسم (مردوخ) مكونة’ من مجموعة من المسرحيين الشباب الساعي نحو الجديد. حيث تخصصت هذه الفرقة بتقديم الرقص الدرامي الحديث والعمل على تكريسه وأشاعته في وسطنا المسرحي، ومن ثم قدمت أول نتاجاتها (نار من السماء) فكانت فرصة لهذا الوسط كي يتعرف عن قرب الى هذا الفن الحديث. وكانت الخطوة الثاني، العمل المسرحي (أسطورة زوو). وفي السياق نفسه، يعمل الفنان (د. أحمد محمد عبد الآمير) مع طلابه (بوصفه تدريسيآ في كلية الفنون الجميله / جامعة بابل) على مزاولة فن الكيروكراف في أعماله التي قدمها على خشبة مسرح الكلية.
وفي تجربة الفنان (طلعت السماوي) نقرأ صورة ذلك الإنسان بأسلوب فني يعبر عن هويته العراقية كنموذج فريد يمثل البشرية جمعاء بمحنتها وصراعها وصبرها وإبداعها وعطائها – النموذج الأسطوري والواقعي  المثالي ويسعى طلعت إلى تقديم شكل فني خاص بالأداء الإيمائي الدرامي الراقص بصورته العربية / الشرقية  أي الرقص الدرامي وفق الهوية العربية العراقية: بثيماته، وإيماءاته، ورقصاته، وإيقاعه، وتشكيله البصري.
ففي  (خطوات إنسان) الذي عرض في بغداد عام (1999) قارب فيه (السماوي) بين شعرية الجسد المونو درامي مع قصيدة السياب. وفي (فضاء الروح) عام (2003) ادخل التجانس بين أنماط الأداء (التمثيلي، والتقديمي، والراقص)، و بين الموضوعات المعاصرة والتاريخية، وفي (بعد الطوفان) عام (2005) زاوج بين التقنيات المعاصرة والمختلفة في تكوين صورة العرض، كالعارضة الفيلمية والظل والضوء فضلا عن استخدام قوانين الجشتالت التي تخص الإدراك الجمالي من مثل (قانون الصغر، والشكل والأرضية ، الكل والأجزاء)، والتجريد في الديكور، والتي مكنته من طرح عدة ثيمات متباينة: تاريخ العراق القديم، والعصر الذهبي للفكر الصوفي، احتلال بغداد، وسجن أبو غريب، لتجعل من الموضوع التاريخي صورة لقراء الحاضر المشحون بالاضطرابات، وكذلك للربط المنطقي بين الأحداث المهمة. فما يسعى إليه طلعت من تجديد لتناول التاريخ، هو لإعادة قراءته ومحاكمته من جديد وفق رؤية معاصرة تختلط فيها الصراعات وتنكشف النتائج المترتبة عنها من هموم وقتل وتشريد واحتلال (عسكرية، وفكرية، وسلطوية)، ضحيتها الإنسان، الثيمة المركزية لأعماله، مستخدما لأجل ذلك كل الوسائل المتاحة والتي وجدت في أساليب ما بعد الحداثة حضنا تتفاعل فيها الأحداث بشكل فعال ومرن ومن غير اعتراض على الاختيار الحر لها التي تجعل من العرض شكلا غرائبيا، ومن جانب آخر مثير لقوى العقل والحس والوجدان لكلى الطرفين.
 
-----------------------------------------
المصدر :  بشار عليوي - جريدة تاتوو
تابع القراءة→

الاثنين، يونيو 13، 2016

المسرح البرازيلي المعاصر / ملك مصطفى

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, يونيو 13, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 رحلة روميو و جولييت في شوارع مريرة


في الأيام الأخيرة شهدت العاصمة الإسبانية نشاطاً متميزاً قادم من القارة الأمريكية الجنوبية؛ ومن بين ما أتيح لنا رؤيته  و قراءة ما كتب عنه ، عرضين مسرحيين للمسرح البرازيلي الحديث ورغم إنهما تناولا موضوعين مختلفين تماماً في الرؤية أو في التقنيات المتاحة ،فقد كانا ممثلين جيدين لمسرح نفتقد لمثله ،بل إن العالم العربي على قطيعة مع نتاجاته، هذا مع العلم إن هناك وشائح ورؤى متشابهة ما بين المجتمعين وطريقة التفكير أو العمل الذي يخلق عادة بإمكانيات بسيطة تقترن أغلبها بتجارب شبابية وبمستويات عروض تنتمي لما يطلق عليه بمسرح الفرجة أو مسرح الفكرة الفقير.

العرض الأول الذي حمل عنوان “الشارع المرير” فإنه طرح بحلة جديدة عن حياة المسيح، ولعلها خطوة مكملة لطروحات سينمائية سابقة إعتمدت المعالجة الحرة و غير المتكلفة في النظر لإنسان صنع عالمه وإقترن بفكرة اللقاء الرباني. مع الشارع المرير فإننا سننتقل بتفاصيل حياة النبي ،مشاهد حياتية أولية تمر على الخشبة سريعة مفعمة بإضاءة بسيطة  كانت تبتعد قدر الأمكان عن أن تكون مهرجانية باذخة لمنح الشخصية بعدها الإنساني القريب من الأرض البشرية. وهذا التتابع سيطول مع فكرة صلبه التي تتحول إلى نشيد مفعم بالأصوات المتداخلة في رثائه تتخللها العديد من الأغاني الشعبية البرازيلية والموسيقى التراثية والحديثة منها على وجه الخصوص، إذ تبلغ قمتها في البروز وإظهار قسمات حلة العرض وتفاصيله التي ستختم مع بعثه وإلتقائه بشخوص المسرحية في نشيد طويل ومتتابع مع نزول الستار مما يوحي بصلة الرحلة مع رحلة أي إنسان آخر . إن هذا النص هو إعادة لفكرة كتبها المؤلف إدواردو غاريدو مع بداية القرن وكانت بعنوان شهيد كلافاريو، وما حاول عمله المخرج غابرييل بييلا هو تعميق الجانب الرثائي فيه، مركزاً على بعده الدرامي من خلال حشود الأصوات الأوبرالية والغناء الإيحائي المستل من القراءات الكنائسية الزنجية. من هذا كان الجانب السينوغرافي أكثر حيوية من خلال التمازج الكلي لما ذكرنا مع الألوان والأضوية التي كانت توحي بإحدى إحتفاليات أعياد الميلاد حقيقةً. ولكن ما بين الحس الميلودرامي للعرض، كان هناك خيط خفي من التأمل والبِشر وهو ما أوضحه المخرج قائلاً بأن الفكرة كانت في الأساس ليست إحتفالية عزائية بشخص المسيح فحسب، بقدر ما هو تأكيد على السمة البرازيلية الخالصة، ودعماً لإظهار ثقافتها وتراثها الشعبي المتعلق بمسألة الدين ونظرتها للمقدس والشخوص اللاهوتية. لقد كانت مسرحية: الشارع المرير بحق نوع من التأثير السمعبصري الذي عبر عنه النص من خلال الوصول للمتفرج عن طريق الحركة والتمثيل العفوي المباشر وكأنها طريقة كسب لكائن آخر يسير معك في الشارع وتنتقل له عدوى الفرح أو الحزن والمشاركة بواسطة الحث والفرجة الممكنة و التي لا تبني سلماتها التوضيحية من فكرة غامضة فتقع أسيرة المداورة والتلكؤ. لقد حازت المسرحية سواء في البرازيل أو مهرجانات عالمية أخرى على عدة جوائز مثل: ريو دي جانيرو ، شارب لأفضل عرض لعام 1998 وجائزتي موليير و شيل .

أما عرض ” روميو وجولييت” للفرقة ذاتها فإنها تصريح حب وتعلق بأفكار العبقري الإنكليزي شكسبير وهي في آن واحد لفنان شعبي برازيلي يدعى مامبيمبي الذي كان يتخذ من الشارع قاعدة لمسرحه الذي يلقيه بدون تحضير وعلى مسمع الناس دون أي تأثيرات أخرى، الحركة والصوت مع الإيماءة والتدخل والمحاورة مع الناس. ولعل فكرة العرض قد جاءت من كون روميو وجولييت لشكسبير معروفة على نطاق عالمي مما سيتيح لها فرصة النجاح والمشاركة ضمن هذا النمط من المسرح. ولكنه يبقى كذلك عرضاً خالصاً لا علاقة لشكسبير ومسرحيته الذائعة الصيت بالعرض البرازيلي هذا، فقد إعتمد فكرة الهجر والظروف التي تتدخل في عدم إلتقاء الحبيبين ولكن من وجهة نظر شعبية خالصة، أي بمعنى آخر تجريد النص وإحالته إلى نمط فرجة برازيلية شعبية، تتحاور مفاصله مع كل عناصر الشارع البرازيلي من غناء ورقص وطرق تكوينه.

وطالما كانت فكرة النص تعتمد تراجيديا العشق، التحرر والموت الذي سيكون نهاية لقدر الشابين، فإن الفرقة وجدت في الحركة السيركية ومظاهرها الإحتفالية رقعة لتباري الشابين في الدفاع عن أحقية الحب في التواصل والإستمرار. التجديد في النص إنما ينبع تماماً من فكرة فهم فريق العمل للحكاية برمتها على كونها مباراة إظهار لقدرة البشر أي كان على الصمود ومعرفة حقه في التصريح، لذا لم تلتزم أية شخصية بمقياس ثابت لدورها فهي متنقلة ومتغيرة وفقاً للظرف ذاته ولرد فعل المتفرج والشريك معاً. إن الروح المتحررة لنص شكسبير في الوصول لغايته،قد حققت فعلها مصحوبة بدهشة وإنفعال لهذا الزخم من الأفكار والملامسة الواقعية لمعضلة الحب والموت ومعالجتها ببساطة غنية وتجديدية في كل شيء من الإيماءات إلى الملابس ، بل حتى في حركة المتفرج ضمن ساحة شاسعة مفتوحة ومجردة من قيودها هي الأخرى كحال العرض تماماً. إن هذين العرضين لفرقة غالابو المسرحية البرازيلية  التي تراهن على قدرة النص الشعبي و التمثيل الحركي الإيحائي وتعتمد البساطة في التكوين والعمق في الطرح، إنما هما نموذجان دالان على الفهم الكبير لرسالة المسرح وقدرة عالية على المعالجة الواعية والفنية المحترفة .



تابع القراءة→

الأحد، يونيو 12، 2016

مرجعيات الترميز لجسد الممثل في العرض المسرحي / د. راسل كاظم

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, يونيو 12, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

   لكون جسد الممثل يدرك بوصفه ظاهرة بصرية لذا يمكن معرفة لغته كونها وسيطا للاتصال من خلال استخدام رموز ايحائية، تسعى الى بناء فهم مشترك خاضع لثقافة المتفرج وخبرته المكتسبة من الواقع لاجل اكتشاف المعنى ودلالته، فهيئة الممثل كمظهر مادي خارجي متمثلة بجسده هي شكل قائم بحد ذاته يرتبط بدلالة شخصيته، اما اذا اضفنا علاقة اخرى ضمن اشكال جديدة، فأنها تكون لنا دلالة اجتماعية او فكرية، فتتكون الدلالة "حالما كان هناك جزءان او اكثر مجتمعان مع بعضهما لكي يصنعا نسقاً مرئياً"(1)وهنا لا يمكن تجاوز مساحة اشتغال الممثل، كونه يشكل محصلة كل الفضاءات الاخرى للعرض المسرحي وبحسب فرضية (إلين ستون) فان الصورة ومن ضمنها جسد الممثل تعمل في اربعة مستويات "المستوى الوظيفي - السوسيومتري* - خلق الجو العام – الوظيفة الرمزية"(2). وفي حركة العرض تبدأ الاشكال بالتحول الى طاقة تعبيرية فتتنامى الاشكال المرئية وتصبح سلسلة من الرموز المتفاعلة مع دلالات العرض الاخرى، فالحركة تقوم بتفكيك ما هو مركب لاعادة تركيبه من جديد ولإنجاح عملية التواصل، لا بد أن تتوافق الدلالة التي يرسلها الجسد مع الرموز التي تصل إلى ذهن المتلقي، وكما يرى (باربا) ان هناك تقنيات مشتركة لتمظهرات الجسد. وكل ما نسميه بـ"التكنيك ما هو الا استخدام خاص لجسدنا"(3) وليس المقصود من التكنيك هو الجسد الخام المستخدم في الاشكال اليومية وانما المقصود هو الشكل المفعل للحركة ومعنى ذلك ان الجسد يمارس عصيانه ضد الشكل السائد، وفي تحرير طاقته يتحول الجسد من شكله الخامل الى شكله الجديد الناشط. والخطوة الاهم تكمن

في فهم تكنيك الجسد اليومي الذي من الممكن ان يستبدل بعد ذلك بتكنيك اضافي أي تكنيك لا يسير وفق الحالات المعتادة للجسم وهذا التكنيك الاخير هو ما يقوم الممثل باستخدامه في الالفية الثالثة الذي يسير على مبدا اقل المجهود . أي الحصول على افضل النتائج مع اقل مجهود لان المجتمعات الحديثة لا تريد تبديد طاقتها وتحاول ان تستخدم اقل طاقة لاكبر انتاج ، " ولغة جسد الممثل عندما يتم تنشيطها على مستوى ذي فاعلية فأنها تكون بالتالي كثيفة المعاني، وكون الجسد يتمتع بالحياة فأنه يعطي ديناميكية لكل عناصر العرض، ويمثل جسد الممثل ست علامات بصرية من مجموع العلامات البصرية التسع، التي تنتمي الى منظومة العلامات في المسرح المتكونة من ثلاث عشرة علامة، حسب تصنيفات (كوفزان)، لنظم علامات المسرح. وهذا ما يضع الجسد في مقام الصدارة بالنسبة للعلامات البصرية، من خلال تعبير الممثل الذي يتشكل بالجسد والمظهر الخارجي له، وتزداد اهمية جسد الممثل كلما تحررت خشبه المسرح من الاشكال المعمارية الثابتة والتقليدية، ويمكن للجسد ان يفوق في شعره شعر الكلمة المنطوقة، كما حلم (ارتو)، فجسد الممثل يمكن ان يصور افكارا ومواقف ذهنية ولمحات من الطبيعة، بطريقة ملموسة، ان يذكر الاشياء والتفاصيل الطبيعية. فضلاً عن الانماط الكامنة في الاساطير والطقوس والاحلام التي تفصح عن تجليات جدية في البحث عن انماط للتعبير الجسدي والتي تطلبت الانفتاح على الحضارات الشرقية، لهذا كانت رغبة بروك تتوجه الى الجسد لإيمانه الشخصي بان الجسم الانساني يمثل الوعاء الذي يحوي بقية العناصر ويرى (بارت) ان فن المسرح هو "فن ازدهار وتفتح الجسد"(4)، اما (ميرهولد) فانه يرى ان ابداع الممثل ينبثق من الجسد، وهو "ليس ابداع شخصيات، بقدر ما هو ابداع اشكال بلاستيكية جديدة في الفضاء الزماني المكاني للعرض"(5). وقد تطور مفهوم جسد الممثل لدى المسرحيين المعاصرين ومنهم الباحث والمسرحي (باربا)، من خلال ربط المسرح بالانثروبولوجيا، بهدف كشف وظائف غير مألوفة من خلال البحث باشكال الحركة الجسدية للمسرح الشرقي، ان المرسل في العرض هو جسد الممثل وهو يحقق التواصل مع المتلقي "فالتواصل يفترض مرسلا ومستقبلا وعمليتين متقدمتين لا متناظرتين هما عمليتا التشفير والترميز ، أي الشفرات وفك الرموز ، الترميز يمثل المتكلم وفك الرموز المؤول.

ووظيفة جسد الممثل في العرض ليست معنية بنقل المشاعر، بقدر عنايتها بما يرمز اليه هذا الجسد في تشكيلاته التشريحية، لان المشاعر يمكن ان تنقل عن الطريق اللفظي للممثل, لذا لا بد أن توضع قدراته بالحسبان ، بمعنى عدم إغلاق رسالة النتاج على ذاتها ، بل يفترض السعي الى الانفتاح على دور المتلقي وقراءته ، لذا يفترض التنسيق مع كفاءة مدركاته ومعجم شفراته وهذا ما مهدت له السيميائية التي تمحورت بحوثها حول العلامة ، وعنيت بها على مستويين:

المستوى الأول :الانطولوجي : ويعنى بماهية العلامة، أي بوجودها وطبيعتها وعلاقتها بالموجودات الأخرى التي تشبهها والتي تختلف عنها.

المستوى الثاني: البرجماتي : ويعنى بفاعلية العلامة وبتوظيفها في الحياة العملية ، ومن منطلق هذا التقسيم نجد ان السيميوطيقا اتجهت اتجاهين:

الاتجاه ألاول : يحاول تحديد ماهية العلامة ودرس مقوماتها

الاتجاة الثاني : يركز على دراسة توظيف العلامة في عمليات الاتصال ونقل المعلومات.

فاللغة والتفكير والعلم والفن والأدب والأشياء و القيم لابد لها من علامات تتكون بوساطتها او نتيجتها ، فالعلامات ودلالاتها هي عماد الوجود الإنساني وصوره التداولية والتواصلية ، فقد بلغ مجال السيميولوجيا الخاص الى أوسع دوائر المعرفة والى الممارسة الاجتماعية بكافة أبعادها ، تتوخى المعرفة العميقة بمختلف ظواهر الوجود والوعي الاجتماعيين بواسطة البحث عن مظهرها الدال ودلالاتها الممكنة في الماضي والحاضر والمستقبل. ويمكن ان نقسم مرجعيات الترميز لجسد الممثل في العرض المسرحي الى:

اولا/ مرجعيات ثقافية : أن الثقافة هي الحقل الأوسع في الدراسات السيميولوجيه لأنها تتضمن حقولاً عدة مثل الأدب والفن ، والتاريخ والتراث ، والسلوك والعادات وهذه الأنظمة العلاماتية تنتمي الى موضوع يتسم بالتعميم وبالضرورة تنتج بنيه ذاتية تجعل بعضها متمايزا عن البعض الأخر ذلك ان لكل نظام ثقافي/ علاماتي شفراته التي يأتلف منها. فشفرات الطقوس والشعائر لجسد الممثل تختلف عن شفرات العادات . والشعائر تختلف شفراتها من ديانة الى أخرى وهكذا الأمر مع جميع مظاهر الثقافة في عموم المجتمعات ، وهناك الكثير من الاراء التي طرحت بهذا الخصوص، منها الرأي القائل: ان الثقافة بوصفها آليات لتنظيم المعارف وحفظها في وعي الجماعة تثير المشكلة النوعية للتواصل او الاستمرار الثقافي ، وان لهذه الاستمرارية وجهين:(8)

1. استمرارية النصوص المعرفية للذاكرة الجمعية
 2. استمرارية القواعد الشفرية. او النظام الشفري للذاكرة الجمعية.

وفي حالات بعينها يحتمل الا يرتبط احد هذين الوجهين بالأخر ارتباطاً مباشراً وعلى سبيل المثال فقد ينظر الى بعض المعتقدات على أنها عناصر في نص من نصوص ثقافة قديمة في الوقت ذاته الذي فقد فيه النظام الشفري لتلك الثقافة. وتعني هذه الحالة ان النص الثقافي امتد بحياته وعاش بعد حياة النظام الشفري. وقد تحدث الحالة بالعكس فقد تبقى شفرات بعينها في حين تنمحي نصوصها من الذاكرة الجمعية او يبقى بعضها ، كما في حالة الأمثال الشعبية التي تكون شفرة متداولة في حين ان حكايات كثيرة من الأمثال تختفي من التداول او لا يعرفها المستشهد بالمثل، ولما كانت الثقافة تشمل جميع أشكال المعرفة بما فيها التاريخ والتراث ، والآداب والفنون ، وتضم العادات والتقاليد والأعراف ، وحتى تلك التي تبدو تارة وتبيد تارة أخرى ، فان من هذه الأشكال الثقافية/ المعرفية تظهر شفرات جديدة ، بعد ان استعانت هي بشفرات متداولة, من اكثر تلك الأشكال الثقافية هي النصوص الأدبية والفنية على اختلاف أنواعها وتوجهاتها وذلك من خلال توظيف شفرات بعينها في سياقاتها سواء كانت عملية التوظيف هذه قصدية ، ومن اجل أحياء شفرات _تاريخية ، تراثية، او تلقائية حين تبتدىء الشفرات المحورية لنسق ثقافي معين، تفرض نفسها بعدها الخيار الامثل في تقديم مضمون ما. ولما كانت الثقافة في مجملها تتكون من نصوص ، رسائل يتولد بعضها من البعض الأخر ، وبما يكفل لها الديمومة والتواصل ، فان لغة الجسدهي شفرات ثقافية, وان القيام بصياغة رسالة تعني القيام بعملية تشفير الجسد على وفق سياق معين.

ثانيا/ مرجعيات جمالية : وتنتمي الى الاتجاه الفني ـ الفلسفي، فقد حاول المسرح عبر تاريخه الهرب من رتابة التقاليد وثقلها الصارم حيث يستدعي ذلك ظهور نوازع جمالية جديدة مرتبطة مع اذواق الناس وحاجاتهم الجمالية وهذه بطبيعة الحال سرعان ما تترك مواقعها لاخرى اكثر تقدماً، فلكل زمن جمالياته، ولكل مرحلة سماتها التي قد ترتبط بجماليات الفنون المجاورة او تشترك معها. مما يدفع الممثل للجوء نحو استخدام اسلوب تعبيري معين قد يسهم باضطرار الممثل عبر التأويل لمجاراة هذه النوازع الجمالية، فحركات وايماءات الممثل في العصر الحديث تختلف اختلافاً كبيراً عنه في عصر النهضة، والعلاقات الجمالية بالمقابل اختلفت وتباينت بشكل كبير، مما حتم على الممثل الاهتمام بنوع الاشارة التي يرسلها جسده لايصال البعد الجمالي للمسرحية، فطبيعة الفنان قادرة على التفاعل مع المحيط وبناء علاقات نابعة من اتصاله مع الاشياء، بحيث تكون هذه العلاقة التوليدية مبنية على استجابات الفنان عند تفاعله مع المحيط. إن العمل الفني يتطلب من حيث هو نتاج للروح نشاطية ذاتية خلاقة تجعل منه حينما تصوغه وتشكله موضوعا لحدس الآخرين وتخاطب حساسيتهم ومخيلة الفنان هي التي تمثل هذه النشاطية الذاتية الخلاقة"(9). ان عملية استحضار البنى و النظم والعلاقات التي اكتسبتها الذاكرة بواسطة فاعلية ذهنية (الخيال) و التي التقطها حسيا من العالم المحيط فقد تحدث بشكل عام عن طريق استحضار واع, ان الممثل باستخدامه المطلق لأسرار جسده التعبيرية وعلاقته بالفضاء المادي المحيط به يعد حالة مثيرة واستثنائية أثناء تحقيقه للفعل والرؤيا في العرض. ولهذا فهنالك علاقة بين الكتلة، والمادة ـ الجسد والشيء تنتج معنى دلالياً للتعبير عن الحدث والفكرة من خلال الرؤى والإيقاع الموسيقي المميز لحركة الجسد في علاقته بالمادة. ووفق التيارات المسرحية التي تعاقبت وشكلت بالمقابل مدارس جمالية تغيرت نظرة الفنان الى الجمال من عصر الى عصر، ومن مرحلة الى اخرى، ومن مكان الى اخر.

ثالثا/ مرجعيات ايديولوجية : تستخدم في التعبير عن أفكار تتجاوز على نحو واسع حدود الحكاية التي ترتبط بها، وهي تعكس موقف المخرج إزاء أهم المشاكل الفكرية والسياسية وهنا يكون الفنان حراً في اختياره للصراع الفكري الذي يصطف معه و يجعله مادة لفنه ، ويمكن ان يصبح وثيقة في امكان المتلقي التحاور معها عبر رؤية تاريخية جمالية و اعية . و العامل الفكري مجاور للتاريخي و يستمد منه التشكيلات و المحددات التي تفصل بين الطبقات و الفئات وحتى الاختصاصات في الثقافة و المعرفة و بناء القيم . و المجتمع هو الميدان الذي تجرب فيه كل المبادىء و النظريات ، عبر سلسلة من الثورات الاجتماعية و السياسية و العلمية التي غايتها في الاساس تطوير المجتمع ، و اكتشاف و زرع القيم الجديدة 
رابعا/ مرجعيات اجتماعية: يكتسب الفرد بوصفه (الاساس في تشكيل المجتمعات) خبراته عن طريق الممارسة العلمية والتفكير في المشكلات الحسية المرتبطة بواقع الحياة ، فالمعرفة التي تأتي عن طريق تراكم المعلومات وفهمها ، هي اساس الخبرة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة ، لذا فإن الخبرة تتسع وتتعمق لتوضح حقيقتها بكل جوانبها المختلفة الحسية والعقلية والروحية , الوجود الاجتماعي يرتكز على تشابك طقوس تكمن وظيفتها في ادارة العلاقات بين البشر والعالم، وبين الناس فيما بينهم، فكل انسان عبر مسيرته الخاصة، وباسلوبه الخاص يرمز لعدد كبير من الاوضاع التي يصادفها والحياة اليومية هي المكان المميز لهذه العلاقة، وهذه العلاقة تترك اثرها على الممثل، بطريق تكوين شبكة من المعلومات يستثمرها في سبيل اسقاطها على اداء جسده. ويمكن لهذه المرجعيات ان تختلف باختلاف المجتمعات فما يصح في مجتمع قد لا يصح في اخر كما تختلف زمانياً في المجتمع الواحد، فالقيم كغيرها من الانساق الاجتماعية معرضة للتغيير والتبديل خلال تاريخ المجتمع. ولا يعني هذا ان تغيرها مرهون بعامل التقادم الزمني نفسه، وانما بالاحداث والتقلبات واشكال الاحتكاك الحضاري والتثقيف التي يتعرض لها المجتمع. أن الرسالة المميزة للفن هو ان يرتفع ويحلق بمشاعرنا الى آفاق عالية ولابد أن يسمو الفن على الواقع حتى يحفزنا على إصلاحه أن يكون هذا الفن متصلا بقيم المجتمع الحاضر وأهدافه المستقبلية ، وفهم هذا الفن يعد فهما لهذه القيم والأهداف وذلك لبنائها وتطويرها ، مما يرتقي بالمجتمع الانساني المتحضر.على وفق القيم والأهداف الاجتماعية بل إنه يحرضه على

 قراءتها والحكم عليها ، ويشجعه على التفكير في أهداف الفنان المتجلية في عمله ورسالته وفي رؤيته ، ومعرفة علاقتها بالمجتمع وقيمه.

المراجع:
1. دني هو بسمان :علم الجمال ، ترجمة : ظافر الحسن (باريس : بيروت ، منشورات عويدات ، ط4 ،1983 ، ص106.
* القياس السيوسومتري هو القياس في المستوى الاجتماعي.
2. ألين ستون، جورج سافونا، المسرح والعلامات، تر، سباعي السيد، مهرجان القاهرة الدوري للمسرح التجريبي، وزارة الثقافة ، القاهرة، 1991، ص 203.
3.  باربا ، مسيرة المعاكسين ، انثروبولوجيا المسرح . ترجمة قاسم البياتي ، دار الكنوز الادبية ، الطبعة الاولى ، لبنان ، 1981 ، ص105.
4. رولان بارت، المسرح الاغريقي، ترجمة سهى يشور، (المعهد العالي للفنون المسرحية، 1987)، ص 25.
5. سعد صالح، الانا والاخر.. ازدواجية الفن التمثيلي، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والاداب والفنون، 2001، ص174.
6. جوليا كريستيفا : علم النص ، ترجمة : فريد الزاهي ،ط1 ( الدار البيضاء ،دار توبقال للنشر )1991 ،ص18.
8.  ينظر : اوسينسكي بوريس وزميله : حول الالية السيميوطيقية للثقافة ،ترجمة عبدالمنعم تلميعه، في كتاب 9- مدخل الى السيميوطيقا_مقالات مترجمة ودراسات مصدر سابق ، ص301.
هيغل، فكرة الجمال، تر: جورج طرابيشي، (بيروت, دار الطليعة، )، ج2، ط1،1978, ص 291.

تابع القراءة→

الأربعاء، يونيو 08، 2016

إشكاليات النقد المسرحي في تناول عروض الشباب / حيدر الاسدي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, يونيو 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية



التحولات والتناسلات في المناهج النقدية كلها اسهمت بتعميق الجدليات والاشكاليات في النقد المسرحي واختفاء هوية منهج نقدي (عربي) وشاركت بعملية استيراد اجراءات نقدية (غربية) وتطبيقها على (مسرحنا) والتي تعيش فيه (بيئتنا) دور البطل في اغلب العروض،ولا سيما مسرح الشباب (مسرح التوظيفات) .المتناغمة مع روح الشباب المتجددة ؛هذا الامر خلق هوة فضلا عن عدم وجود ارضية مهيئة للنقد المسرحي بفعل (افتقارنا) له في العروض الاخرى فضلا عن مسرح الشباب!واذ وجد فبنسبة قليلة (خجولة) عبارة عن ( نقد صحافي) وليس نقداً مسرحياً متخصصاً يعتمد على مناهج رصينة.ولعل ابرز ما يميز التناول النقدي لعروض مسرح الشباب ان اولئك الذين تناولوا العروض اهتموا بالنص على حساب العرض وبالتالي فان مؤلف النص يقع  خارج اطار (مرحلة الشباب) فعندما يأتي المخرج ( الشاب) لقراءة نقدٍ ما على عرض لمسرحيته لا يجد شيئاً يذكر يخصه كمخرج!

هذا الامر لاحق على القطيعة الحاصلة بين النقاد (الكبار) والنقاد(الشباب) وهو لا ينافي قولنا بقلة وندرة نقاد المسرح في العراق ،فضلا عن تعالي بعض الفنانين (النجوم والرواد) عن مسرح الشباب وبالتالي عزوف عن قراءة تلك العروض والنشر عنها في الصحف الفنية المتخصصة!فضلاً عن شعرنة الصفحات الثقافية في اغلب صحفنا (المحلية) ،ناهيك عن بعض رواد المسرح لازلوا يعتقدون بمسرح الشباب انه لازال الى الان ( ظاهرة تتنظر التشكيل) فتنشأ عقليتان قائمتان (حب الشباب) ( التخوف من الشباب) على حد تعبير الناقدة الفرنسية (ماريفون سيزون) كما لا بد ان نتجاوز ان مسرح الشباب كتسمية يشير الى دلالة ( عمرية) بل ان المصطلح انبثق بدلالة سياسية خصوصا بعد الثورة الطلابية الفرنسية ،كما يشير لذلك الناقد الفرنسي جون جورداي فقد ظهرت جمعية مسرحية عام 1971 في فرنسيا برعاية الناقد المسرحي بيار توشار مولتها انذاك وزارة الثقافة الفرنسية تهدف الجمعية لدخول ممثلين ومخرجين شباب الى الاحترافية،وما يعاب علينا هنا في الوطن العربي والعراق بالذات قلة اهتمامنا بالنقد كما اسلفنا خصوصا المثقفين والصفحات الثقافية ترى كل قارئ منتج يبغى ان يكون شاعراً او قاصا او روائياً ولا احد يرتكب للنقد وهذا بطبيعة وسيكولوجية المجتمع ونظرته لمفردة ( النقد) الجالبة للمشاكل! ويرى (جورج بولي) ان لقاء (الناقد /القارئ) بالنص هو لقاء وعي بوعي وهما معا يعيدان تشكيل التجربة ليكتمل معناها لذا فان فعل القراءة يقتضي تطابق وعيين وهو ما افتقدناه حيث انه مع قلة القراءات النقدية عن عروض مسرح الشباب( لا يفهمها كل اعضاء العرض المسرحي) بفعل تباين الوعي والادراك الجمالي المسرحي بين( الناقد والفرق الشبابية) والقراءات (القليلة) للشباب العاملين في الحقل المسرحي ، ولعل من ابرز العيوب الماثلة امامنا التي يمكن استقرائها لتراجع الحراك النقدي في عروض مسرح الشاب يكمن بالتالي:

1- تركيز القراءة النقدية(القليلة) على مضامين العروض تاركين عناصر العمل الاخرى.

2- ايراد النقد على شكل انطباعات صحفية مصاحبة للانفعالات والاراء المتكونة من العلاقات الشخصية بعيدا عن الارتكان لمعيار نقد رصين.

3-قلة مصادر النقد المسرحي باغلب المكاتب الاهلية والجامعية.

4-افتقار اكاديمية الفنون الجميلة ومعهد الفنون الجميلة الى فرع متخصص بالنقد المسرحي وهذا الامر تم رفعه عن طريق تأسيس فرع متخصص بالنقد المسرحي في كلية الفنون الجميلة بجـــــامعة البصرة مؤخراً .

5- كل الفرق الشبابية (الاهلية) تفتقر في اعضائها الى عنصر ( الناقد) وقديما كانت اغلب الفرق يصاحبها ناقد منذ التدريبات الاولى للعرض المسرحي وحتى مرحلة العرض.

6-عدم وجود مسابقات للنقد المسرحي للشباب على غرار مسابقات القصة والشعر للشباب.

7- اغفال النقاد مهيمنة واضحة بمسرح الشباب الذي لم ينفك عن اطلاق الاسئلة بدون الاكـــــــــــــــتراث للإجابات.

 8- تجاهل بعض النقاد لعروض مسرح الجسد لان بعضهم لازال لا يؤمن بهذا الاتجاه. وان العديد من الشباب التجأ لهذا النوع من العروض.

9- تدوير اراء سطحية على مواقع التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة عن عروض مسرح الشباب بأقلام الشباب انفسهم من تلك الفرق المسرحية مما سهل عملية ابداء الراي بالعرض المسرحي وجعله عرضة للمقياس السطحي.

10 – قلة الورش الخاصة بالنقد المسرحي خصوصا في المؤتمرات والمهرجانات الفنية والتي نتمنى ان تكون على غرار ورش العمل التشكيلية والتمثيلية والاخراجية.وهناك تجربة مهمة بهذا المضمار اذ اجتمع مجموعة من الشباب بمكتبة دبي العامة في ورشة عمل خاصة بالنقد المسرحي وذلك في الدورة الثامنة لمهرجان دبي لمسرح الشباب. والهدف من الورشة التفاعل بين اعضائها وابداء آرائهم بالعروض التي تقدم ليأتي بعد ذلك تتــويج الجهد عبر مشاركتهم بتحرير النشرة التي تصدر يوميا عن المهرجان المسرحي.

 نتمنى في الختام الاهتمام بالنقد وخصوصا النقاد الشباب ونطالب بضم اولئك النقاد الشباب وتطوير قابلياتهم بورش عمل متعددة لتلاقح الافكار نحو رؤى منهجية في قراءة العروض المسرحية وتعويد طلبة المسرح في كلية الفنون الجميلة والمعاهد على كتابة ارائهم عن عروض التطبيقات التي تقام داخل الكليات وكذلك عروض المهرجانات التي تقام في المحافظة. متمنياً مزيداً من التألق لكل من يخوض مضمار النقد المسرحي.
  
-----------------------------------
المصدر : جريدة الزمان 
تابع القراءة→

الكاتب والمخرج والممثل د.موسى مرعب :"الدراماالمسرحية لاتقوم إلا بتناغم كل اللغات المشتركة"

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, يونيو 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

تشتد خشبة المسرح وتنقبض أركانه عندما يقبض الكاتب والمخرج والممثل  الدكتور "موسى مرعب" على العناصر الدرامية،  لتتحول اعماله الى صرخة فنية تزلزل أركان المسرح او العمل الدرامي كتابة وتمثيلاً وحتى إخراجاً . في لقائه صرخات استنكار تؤكد على وجوب احترام مادة الدراما المسرحية او التلفزيونية وحتى السينمائية بكافة اشكالها وانواعها ان بالتمثيل او بالاخراج او الكتابة ، فهو لا يحب التفريط بقواعد العمل الدرامية اكاديميا. لتكون بمثابة مادة عالمية يحاكي بها تلاميذه قبل مشاهديه.

اذ اثبت خلال مسيرته الفنية بكافة مضامينها كتابة واخراجا ان العمل الدرامي هو الانضباط مع قوة التعبير الروحي قبل الجسدي ودون تكلف . ربما من يشاهد اعمال "موسى مرعب"  يشعر برعب المشهد الذي يسبغه بقدرات يفجرها من داخل الممثل،  ومن داخله هو لتكون لغة مخاطبة تحفيزية يتأثر بها الكل وليس الجزء،  ليكون ايضا التواصل متينا من خلال العمل،  فتصل الاهداف الى ما يصبو اليه،  ولكن في صرامة اقواله تحديات تجبرك على سماعه رغم انتقاداته التي لا يمكن الانكار انها بناءة وهادفة تقنيا وفعليا ، ولكنها شديدة الانتقاد لأنه يؤمن ان العمل الدرامي هو حبكة قوية في وجه الزمن ولا ادري ان كنت قد اخرجت من هذا الرجل العتيد  كل ما هو مهم في العمل الدرامي ضمن هذا الحوار  الذي اجريته اثناء تكريمه بمناسبة صدور كتابيه "قلم احمر ناشف" و"علّ  صوتك" في الرابطة الثقافية - طرابلس لبنان..
* لغة المسرح الغامضة تحتاج غالبا لقدرة عالية تؤثر على مخيلة المشاهد. هل نتملك هذه القدرات في المسرح اللبناني؟
- هي القدرات موجودة ونحن نصرخ بالصوت العالي اننا نتملك . لكن اين هو المسرح اللبناني بعد المسرح الاختباري الذي كان شرف تأسيسه مع وجود لطيفة وانطوان ملتقى. اين هو المسرح اللبناني بعد رحيل  يعقوب الشدراوي وريمون جبارة واعتكاف جلال خوري وشكيب خوري وروجيه عساف ..لقد انتحر المسرح بعدما هجروه.   وهل يكون هناك ربيع بلا سنونو !!..
*موسى مرعب من انت؟
-بعيداً عن التأليف والتدريس الجامعي انا لبناني منذ اكثر من عشر سنوات، هكذا يقول اخراج القيد..وبناء عليه يوم ولدت زلزلت الدنيا زلزالها...فعشت حياتي ما بين العواصف والرعد والمطر...تعرفت الى كل انواع القهر والتعذيب والجوع والحرمان، فعرفت بعدها ان الحياة  لا تؤخذ الا غلابا...فرحت اصارعها متسلحاً بالقلم والكتاب والدفتر حتى اكون بمستوى "الكلمة" وبناء عليه ايضا قررت ان اكتب وجودي "بالكلمة" وبالقلم الرصاص..وبالقلم الاحمر الناشف..ليسمع من به صمم.ومن يومها اتخذت قراري أن اموت تحت انقاض بيتي علّ الدنيا تزلزل زلزالها الاخير.
*يظهر انك كتبت نهاية مسرحية حياتك مع بداية وجودك؟
-وبالقلم الرصاص كتبتها،  فأنا لا اريد ان اموت ميتة طبيعية، ولا صريع مرض..بل قتلا بالرصاص وعلى فكرة رصاصة واحدة لا تقتلني..ومن تسول له نفسه لقتلي فعليه ان يطلق (30 طلقة).
*النرجسية تطفح من عقلك وقلبك، فهل انت نرجسي ، والى اي حد؟
-الى ابعد من حدود الافق والسماء..هي مفاهيم خاصة اخترتها بنفسي.وتعذبت في تكوينها.واستعذبت عذابي بها وما زلت وسأبقى حتى الرمق الاخير.
*هل تعذبت في بداية تكوينك الفني؟
-كثيراً ..كثيراً استعذبت عذابي به..في البداية ألفت فرقة فنية ورحت اجوب بها المناطق حتى كانت البداية مع تلفزيون لبنان في عام 1959 يومها كلفت بكتاب قصص الاديب ميخائيل نعيمة وتبعتها "برانية" و"هذا الاخير" و "غمرة ورد" وكرت السبحة  ممثلا وكاتبا في معظم المسلسلات ولمعظمها .حتى كان عام( 1968) فالتحقت بالجامعة اللبنانية (معهد الفنون)وتخرجت منه بشهادة دبلوم دراسات عليا..وخلال دراستي احتل اسمي معظم الاعمال المسرحية منها "وصية كلب" الى "البيت الحدود" الى" رقصة الموت" " فالمهرج" و "والمارسيلياز العربي"و "ضاعت الطاسة" وكثيراً ما كانت نرجسيتي تكبر امامي على الصفحات الاولى من الصحف والمجلات..
اثناء دراستي لفن السينما اخرجت فيلما اسميته "الحبل"  نلت على اثره الجائزة الاولى في مهرجان ليبزغ المانيا (1971) وتخرجت في العام )1972( فالتحقت "بمعهد بيكولو تياترا"في ايطاليا ثم الى فرنسا فتخرجت بشهادة الدكتوراه في المسرح.
*ماذا اضافت شهادة  الدكتوراه لمفاهيمك؟
-اشبعتني بثقافتها فالتهمت الكتب التهاما.مكتبتي الان تضم نحو( 4000 )كتاب ومرجع،  وهذا ما جرّدته بعدما احرق المغول والتتر مكتبتي الاولى..
*ملاحظة لا بد منها؟.
-يوم  كنت في المعهد. كتبت ( جريمتكم انكم ابرياء) فقدمت للجمهور التلفزيوني فيها (انطوان كرباج) و(منير معاصيري) و(نبيه ابو الحسن)هذه ومعي كانت بدايتهم ونقطة على السطر .ولا نقاش في ذلك.
*ما هي الاعمال التي قمت بها بعد عودتك من باريس؟
-التحقت في وزارة الاعلام مسؤولا عن وحدة الاخراج والبرامج الثقافية ..الى جانب اعمالي المسرحية  والتلفزيوينة ، فكتبت "السجن الكبير" (للجديد) و"سجن الايام" لتلفزيون لبنان و"العين الثالثة" لاستديو الارز حيث نال الجائزة الاولى في مهرجان مراكز ثم "رحيل الطيور" و"دخان المطر" لتلفزيون المستقبل وغيرها وغيرها .
*كيف تنظر الى الدراما اللبنانية الان؟
-انا لا اعترف ..ولا اعتبر ان ما يقدم على شاشاتنا هو دراما لبنانية لانها لا تقنعني بالفكر والمعالجة والتمثيل.وحتى بالاخراج موضوعها من المسلسلات البرازيلية..كتابها لا حنكة عندهم ولا دراية بفن السناريو والحوار ومعظم النساء اللاتي يكتبنها مثلن معي في مسلسلاتي، وكن يسألنني عن كيفية كتابة السناريو والحوار حتى صرت كاتباً ومعظم الابطال من سوريا ومصر..كم واحد كومبارس من لبنان..وتصور في كل مكان..فهل تكون هكذا الهوية. ويدعين بعد هذا ان كتابتهن فيها الحوار "الواقعي" فاية واقعية هذه في ان تتلفظ الكاتبة بما يقوله اولاد الشوارع وعليه اقول لهن " الكاتب الذي يساير واقعه كاتب تخلف عن واقعه."
*افهم من كلامك انك غاضب لأن "الكاتبات" قد ابعدنك عن الكتابة؟
-الكاتبات لا..انما هناك قرف مما يكتبن ولكن المنتجين الذين يسهرن مع الكاتبات وعفواً  جاء الجمع مؤنثا، فانه يؤنث مع المذكر ويذكر مع المؤنث..هؤلاء يسهرن لمناقشة تعديل الجملة حتى الصباح.مع علمي ان غير ذلك يحصل..والكاتبة لا تكتب واسألي المخرج سمير حبشي واساليني عن الموظفين في ادارة الانتاج في الشركات المصونة. ان كانوا يفهمون ماذا يقرأون.او يعيدون اليك ما تكرمت به عليهم من دون استثناء هم ...
*هدف المسرح  ايصال فكرة بتماثل وليد تناغم بين كافة العناصر، ما صعوبة ذلك بالنسبة لك وما هي الاخطار التي عالجتها انت في مسيرتك المسرحية؟
-لا صعوبة عندي بتماثل التناغم بين النص وليد الفكرة وبقية العناصر. هي الدراما المسرحية لا تقوم  الا بتناغم كل اللغات المشتركة  من همسة وحركة وحرف وكلمة وايماءة..مع الموسيقى والوان الديكور والملابس والضوء وما بين تاثير الجمهور والتفاعل مع العمل..الصالة واحدة من الشارع التي هي فيه حتى غياهب كواليسها، وأنا لا اهمل اي حركة في تشكيل العمارة المسرحية الا وأعمرها بأحساسي ولغتي..
*ما الصعوبة الوحيدة التي صارعتك حتى صرعتها؟.
-كانت على مسرح الرابطة الثقافية في طرابلس  يوم اخرجت مسرحية "بطلة من بلادي" عن سيرة "عائشة البشناتية  فالصعوبة كانت في كيفية تجسيد بطولة عائشة ومن معها في صراعها مع المماليك. والبطولة تحتاج اسلحة بيضاء...ومكانا للحرب..فنهجت نهج الاخراج السينمائي على المسرح واحضرت كل العوامل المؤثرة في تحقيق البطولة التي كانت تدور في الصالة وعلى الخشبة بالسيوف الحادة وجعلت من الديكور حلبة من الاحجار تتساقط على ايقاع قرع الاجراس وصلاة الماذن لدرجة ان حملت الرئيس المغفور له رشيد كرامي للوصول فجأة للمسرح لحضورها..
*هل من صعوبة اخرى كانت بمثابة تحدٍ اكبر ؟
-والصعوبة الثانية كانت في مسرحية" التحدي" الاستعراضية التي كتبتها واخرجتها ايضا على مسرح الرابطة كانت يومها صراع الشعب العربي مع اليهود مغتصبي فلسطين..وما بين بين كان معتقل انصار ..الذي عملت على تفجيره..مع دخول الخيول العربية من سقف الصالة . واقتحام الثوار القاعة من الشارع برشاشاتهم وهم يطلقون النار ..لدرجة ان اختبأ الجمهور ما بين المقاعد. وفي اليوم التالي كانت طرابلس تزحف لحضور حرب حقيقية على مسرح الرابطة ومن بعدها اخرجت عمل طرابلس عاصمة ثقافية. حركت فيها الجموع من مستديرة نهر ابي علي الى الرابطة.. ومن ثم الى الملعب البلدي. في عروض مسرحية متنوعة.وما تبقى كنت اعمل على الناحية الاخراجية بما يفرضه علي مفهوم النص الذي كتبه غيري.
*المسرح الغنائي وجدلية لغة الحياة اليومية هل يتقبل الجمهور ذلك؟ واين نحن اليوم من المسرح الغنائي؟
-بلا طول سيرة ..المسرح الغنائي عندنا راح يوم راح الاخوان رحباني..بكل ما في الكلمة من معنى ولكن هناك بعض المحاولات التي يقوم بها.. ورثة الاخوين رحباني..وروميو لحود تدل على ان المسيرة ستكتمل وستصبح بدراً في سماء لبنان والله يعطيهم الف عافية .لتتأكد اهمية لغة الحياة في المسرح الغنائي هو مع البعض الاخر ..حفلة غنائية ليس اكثر.

----------------------------------
المصدر : المدى - حاورته: ضحى عبد الرؤوف المل 

تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9