أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الجمعة، أغسطس 05، 2016

مسرح عالمي : مشاكل الراهن في مسرحية 'الوساطة' تتناوب بين هزل وجد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أغسطس 05, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

من بين المسرحيات المسلّية “الوساطة” للفرنسية كلووي لامبير التي تعرض الآن في مسرح الجيب بمونبرناس، أحد الأحياء الفنية التاريخية بباريس، رغم أنها تتناول موضوعا أبعد ما يكون عن التسلية، وهو اختيار مَن يرعى الأطفال عند الطلاق، ولكن المؤلفة استطاعت أن تقدمه في شكل يجمع بين الهزل والجد، لتطرح القضية من عدة زوايا تجعل المتزوجين يفكرون أكثر من مرة قبل الإقدام على الخطوة الحرجة.

عرفنا كلووي لامبير (المولودة عام 1976 بمرسيليا) ممثلة تقمصت أدورا في عدة مسرحيات لكبار المؤلفين كألفريد دو موسيه وماريفو وأوسكار وايلد وشكسبير، توجتها بجائزة سوزان بيانكيتي عن دورها في مسرحية “الآخر” لفلوريان زيلر.
وعرفناها أيضا مخرجة لنصوص هامة مثل “الغرب المنفرد” للأيرلندي مارتن ماكدوناف و”الرابط” للفرنسية أماندا ستير، وبعد أن قدمت على أمواج فرنسا الثقافية، إعدادا وتمثيلا، مراسلات أناييس نن وهنري ميلر، ها هي تقترح “الوساطة”، وهو نص من تأليفها وإخراج جوليان بواسولييه، وتقوم فيه أيضا بدور “أنّا” الزوجة والأم.


الحل في الحوار

اختارت لامبير ثيمة الوساطة العائلية لتبني مسرحية تستكشف مواضيع جدية بأسلوب مفعم بالنشاط، حيث الشخوص مضخمة الملامح، والنسق سريع، والتقلبات حاضرة عند كل منعطف، والفكاهة تتناوب بين اللين والشدة، وتجعل المتفرج موزعا بين المرح والتفكير.

على الخشبة أربعة أفراد يشخصون بأنظارهم إلى أرخميدس، طفل في سن الثالثة، هو مدار المسرحية دون أن يكون حاضرا سوى من خلال كرسيّ شاغر يرمز إليه، ولوح في الخلفية كتب عليه اسمه، وكأنه جعل كحدّ فاصل بين الأب من جهة والأم من جهة ثانية، وفيما تتولى وسيطتان الحديث

باسمه، والدفاع عن مصلحته وطيب عيشه، يكشف الوالدان، رغم إلحاحهما على راحة ابنيهما، عن مدى إحساسهما بالضيق وعدم الأمان.

بيير، والد الطفل، يبدو أكثر الأربعة غلوّا، وأقلهم واقعية، فهو رجل صبيانيّ، زير نساء، وباحث مهووس بالديناصورات، ولا يقدّم صورة أب مثالي تطمئن إليه الأسرة، ولو أنه يضفي على المسرحية طابعها الهزلي، بفضل كلامه المنمق، وتعاليه المتكلف، وحركاته التي يحرص أن تجري بحسبان.

أما أنّا، طليقته وأمّ ولده، فلها هي أيضا بُعد عبثي، حيث تبدو في الظاهر أمّا رؤوما تحبو ابنها من العطف ما يجعلها تدافع عن مصلحته بشراسة، ولكنّ عواطفها النبيلة تلك تتكشف شيئا فشيئا عن شخصية امرأة تريد أن تتحكم في كل شيء، ما يترك انطباعا بأننا لا يمكن أن نثق في نزاهتها.

وبما أن الوساطة ناجمة عن خلاف، تبدو الأنفس حامية ومرتبكة، ويكثر التنقل على الخشبة للدلالة على حدة الخلاف بين المواقف، ومدى الأنانية التي تسيطر على هذا الطرف أو ذاك، إلى حين تدخل وسيطة رصينة تؤمن بأن النزاع يمكن أن يُحلّ عن طريق التحاور والإقناع.

الديكور في المسرحية ظل ثابتا لا يتغير، لكن الشخصيات تتطور وتنتهي إلى التخلص من الحزن المشوب باليأس والغضب الحانق
ولئن استعصى على أنّا وبيير أن يتفاهما، فليسمع كلّ منهما الآخر، لأنهما جاءا إلى هذه الشقة المؤجرة من أجل ذلك، ولكنهما لا يتوجهان إلى بعضهما بعضا، بل يصرّان على المرور عبر شخص آخر، ولتقريب وجهتي النظر، لا بدّ للوساطة أن تنجح، وذلك في الظاهر عصيّ المنال، فكلاهما يحمل ضغينة على الطرف المقابل. أنّا تحقد على زوجها لأنه خانها ثم هجرها ولم يكمل الرضيع شهره السادس، ووجدت صعوبة في تحمل أعباء تربيته بمفردها.

أما بيير، فيحقد عليها لأنه يحس أنها تضطهده وتخنق أنفاسه، وإذا كانت حياته تحوم حول الديناصورات، فهو يحلم بأن يشاركه ابنه فيها.

ورغم ذلك لا بدّ للوساطة أن تنجح، لأن للزوجين ثلاث حصص (هي فصول المسرحية الثلاثة) كي يتفقا على حلّ يقترحانه على القاضي، غير أن الوسيطتين مختلفتان هما أيضا، وتجدان صعوبة في الالتقاء حول حلّ مُرْضٍ.

وإزاء هذه الشخصيات، لا يملك المتفرج إلاّ أن ينساق مع هذا الجانب أو ذاك، فالوساطة، رغم ما يراد لها من حياد، تقيم الدليل على أن من الصعب في مثل هذه المسائل أن يحتفظ المرء بموضوعيته.


جدل عنيف

إن ظل الديكور ثابتا لا يتغير، فإن الشخصيات تتطور وتنتهي إلى التخلص من الحزن المشوب باليأس والغضب الحانق، أما المتفرج، فيخرج من هذه “الوساطة” مفرغا، ولكن مرتاح البال، وكأن الأبطال حملوا وزره في حل مشكلة قد يكون عاشها أو بصدد التخبط في شراكها.

من وضعية مؤلمة، استطاعت كلووي لامبير أن تستخلص كوميديا أخلاقية حديثة، تحيل على تطور المجتمع المعاصر، وبين التوتر الدرامي للجدل الصاخب إلى حدّ العنف، وضغينة المتحاورين ضد بعضهم البعض، تتوسل المسرحية بالطرافة والانفعالات التي تكشف عن أشياء حميمة من جهة، وعن عدم الإحساس بالأمان بين الأزواج من جهة أخرى، لأن كل شيء قابل للقطيعة في أي لحظة، بسبب تضخم أنا الزوج أو الزوجة أو كليهما.

هذه المسرحية الخفيفة تسلّينا، وتحملنا أيضا على التفكير، وسلوك أبطالها يبدو لنا مضحكا، لأننا ننظر إليه من الخارج، ولكن لو نظرنا إلى أنفسنا في المرآة في مثل تلك المواقف، لبدونا نحن أنفسنا مثيرين للضحك، بسبب تعصبنا في اتخاذ مواقف، لا نريد أن نتراجع عنها ولو كنّا مخطئين.
--------------------------------------------
المصدر : أبو بكر العيادي - العرب

تابع القراءة→

مسرحية 'نايضة' مغامرة مغربية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أغسطس 05, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

المسرحية تحكي أحداث الحياة المتسارعة واللهاث اليومي للعائلات لمواكبة آخر صرخات التكنولوجيا الحديثة التي شغلت المجتمع.

قدمت فرقة ستيلكوم المغربية مسرحية” نايضة ” وهي من إخراج أمين الناسور وتأليف عبدو جلال، وهي أول تجربة إخراجية احترافيّة للمخرج الناسور. وقد نالت المسرحية إعجاب الجمهور في عدة مدن مغربية عرضت فيها، وآخر عروضها كان على خشبة مسرح محمد الخامس بمدينة الرباط.
وقد فازت المسرحية في نهاية العام الماضي بالجائزة الكبرى للدورة السابعة عشرة للمهرجان الوطني للمسرح، التي نظمتها وزارة الثقافة المغربية بمدينة تطوان.

مثل أدوارها، فريد الركراكي وزهير بنجدي. وقدمت الفنانتان وسيلة صبحي التي أجادت تمثيل دور الحماة النكدية، وهاجر الشركي التي قدمت دور الفتاة المتبرمة، وقد حصلتا على جائزتي “أحسن تشخيص إناث”. وكذلك حصل زهير بنجدي على جائزة “أحسن تشخيص رجالي” فيها. وحصلت الفنانة نورا إسماعيل على جائزة توظيب الملابس للممثلين. وحصل مؤلفها عبدو جلال على جائزة أفضل تأليف، ونال مخرجها أمين الناسور جائزة الإخراج في الدورة السابعة عشرة للمسرح للمهرجان الوطني للمسرح المغربي.


التغريب واللامعقول

بالرغم من الإقبال الجماهيري لمشاهدة مسرحية “نايضة” وحصولها على جائزة كبرى من بين العديد من العروض المسرحية المغربية الأخرى، إلا أنها تبقى تجربة فيها خروج على المألوف المسرحي المغربي. فالتغريب طال النص المسرحي، وكذلك هيمن على المعالجة الدرامية للنص.

ومن يشاهد المسرحية يستطيع بقليل من الملاحظة أن يرى تأثيرات مسرح العبث (اللامعقول) على النص والمعالجة. و”نايضة” ذكّرتنا بمسرحيات يوجين يونسكو، مثل “الملك يحتضر” (1962) و”المغنية الصلعاء” (1963) ومسرحيات صموئيل بيكيت، مثل “اللعبة” (1963) و”بانتظار جودو” (1968).

وطبعاً ثمة فارق الكبير بين ما قدمه الفيلسوفان والمسرحيان الكبيران، يونسكو وبيكيت، وما قدمه المخرج المغربي الشاب أمين الناسور.

وقد جاء تأثر الأخير واضحاً في عمله الإخراجي الأول بهذا النوع من المسرح، من خلال السينوغرافيا والملابس والديكور الرمزي، وحركات الممثلين، وتأدية الممثلين لحركات المهرجين، والمؤثرات الصوتية، وتقديم اللوحات الراقصة الرمزية، واعتماد النص السخرية من عبثية أوضاع الحياة، وبذات الطريقة، المستخدمة في مسرح اللامعقول. وتناول النص شخوصاً يعيشون فردانية حقيقية، وقلقاً لا حدَّ له في عائلة متصارعة لا رحمة في قلوب أفرادها.

(نايضة) تقول كل شيء عن العائلة، وهي تعلن من خلال أحداثها تشرذم العائلة المغربية، وفوضى حياة الناس الحديثة

حركات إيمائية

تحكي أحداث المسرحية أحداث الحياة المتسارعة واللهاث اليومي للعائلات لمواكبة آخر صرخات التكنولوجيا الحديثة، التي شغلت المجتمع. والمسرحية تبدأ برقصة سريعة جداً للممثلين، وهم يؤدون حركات مهرجي السيرك. حركات فوضوية لا لياقة بدنية فيها، لنساء ورجال، كأنما تحكي عن الحركات المكررة اليومية للإنسان الحديث وهو يمارس عاداته وطقوسه من أكل وكلام وركض دائم للحاق بالآخرين.

كما أن اسم المسرحية “نايضة” وهي مفردة متداولة في اللهجة الدارجة المغربية، وتعني الحماسة الشديدة لتحقيق أمر ما، والحركة الدائمة التي لا تهدأ لحظة. ولذلك ظهر الممثلون في بداية المسرحية يؤدون حركات راقصة في غاية الرداءة والفوضوية والسرعة، وقد أظهروا على وجوههم أسوأ أنواع التَّكشِيرات البشرية الغاضبة.

كما أن العازف على الغيتار ياسين الترجماني، الذي ظهر في بداية المسرح، كان يردد بلسان ملتو كلمات ساخرة، وأبياتاً شعرية للمتنبي قال فيها “الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفُني/ والسيف والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ”.

وطبعاً لا علاقة جوهرية لهذه الأبيات بما يدور في المسرحية من أحداث، لكنه الإغراق في اللامعقول الذي تبناه المؤلف والمخرج في مسرحية “نايضة”، وهي محاولة للتمهيد لمواقف عبثية تدور أحداثها من خلال عائلة السيد علي، وما يدور فيها من صراعات لقيادة العائلة.

وإظهار معاناة الجدّين مع كل جديد لا يفهمانه فيها، وصراع الأجيال، وصراع الإنسان مع نفسه، وصراع الأب والأم وإظهارهما وهما يتبادلان الشتائم أمام الأبناء. وزوجة الابن التي تعمل المكائد للآخرين، لتفرض نفسها وتقمع الآخرين، ولا يتورع الأب عن صفع الأم، والابن المشاكس لا يتورع عن التحرش بنساء العائلة.

و”نايضة” تقول كل شيء عن العائلة، وهي تعلن من خلال أحداثها تشرذم العائلة المغربية، وفوضى حياة الناس الحديثة من خلال أحاديث فوضوية لا رابط لها، وأحيانا تتحول الكلمات إلى أصوات لا معنى لها. وتتحول بعد ذلك إلى حركات إيمائية تذكرنا بعصر السينما غير الناطقة، التي يتم فيها جمع الصور للممثلين عبر العديد من اللقطات لخلق الحركة المطلوبة عند تحريك الصور بسرعة أمام الناظر.

مسرحية (نايضة) هي تجربة أولى للمخرج الشاب أمين الناسور وتعتبر قفزة في الهواء لا يمكن معرفة نتائجها المستقبلية عليه

نايضة ثانية

مسرحية “نايضة”، هي تجربة أولى للمخرج الشاب أمين الناسور وتعتبر قفزة في الهواء لا يمكن معرفة نتائجها المستقبلية عليه كمسرحي تخرّج من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالمغرب ليمارس عمله الاحترافي. وكذلك فهي خروج على المألوف المسرحي المغربي، والناسور معنيّ قبل غيره من المسرحيين بتقديم مسرح ينتمي إلى جذوره المسرحية المغربية أولاً، وأنْ لا يهوّم بعيداً مستلهماً مدارس مسرحية غربيّة، كان لنشوئها ظروف موضوعية وتأريخية معروفة في المجتمعات الأوربية ولا علاقة لها بالمجتمع والأسرة المغربية.

والغريب أن المؤلف عبدو جلال اختار لنصه عنوان “نايضة” وهو اسم لمسرحية مغربية أخرى من تأليف أحمد أمل وإخراج إدريس السبتي، قدمتها فرقة مسرح نادي الأضواء في العام 2013 ونالت الدعم المالي لها من صندوق الدعم التابع لوزارة الثقافة المغربية. وقدمها التلفزيون المغربي في القناة العمومية قبل شهور قليلة. وتشابه الأسماء بين المسرحيتين يثير الكثير من اللّبس لدى الناس والمهتمين، فهل عدم المؤلف أنْ يجد اسماً آخر لمسرحيته؟

وقد أُهدي العرض الأخير للفرقة الذي تم تقديمه على خشبة مسرح محمد الخامس في مدينة الرباط نهاية مارس 2016 إلى روح، الممثلة لبنى فايسكي التي أُصيبت بغيبوبة بسبب مرض الربو، الذي كانت تعاني منه منذ طفولتها. وقد توفيت بعد أيام قليلة من غيبوبتها في أحد مشافي مراكش. وقد كانت الفقيدة من أبرز ممثلات مسرحية “نايضة” وقدمت الدور بدلاً عنها الفنانة هاجر الشركي.

-----------------------------------------------------
المصدر : فيصل عبدالحسن - العرب

تابع القراءة→

مسرحية "ستربتيز" عرت الواقع العراقي وناقشت تحولاته

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أغسطس 05, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 اثارت  مسرحية ستربتيز (striptease) على خشبة المسرح الوطني ببغداد اعجابا الكثير من المتلقين على اختلاف مستوياتهم الثقافية لانها استطاعت ان تعري الواقع العراقي باسلوب جميل.

 على مدى خمسة ايام متتالية ، قدمت فرقة مسرح بغداد للتمثيل ،وبالتعاون مع دائرة السينما والمسرح مسرحية (ستربتيز)  تاليف مخلد راسم وفكرة واخراج الفنان علاء قحطان. سينوغرافيا علي محمود السوداني. ومن تمثيل احمد شرجي وياسر قاسم ووسام عدنان وهند نزار وعامر نافع ،التاليف الموسيقى للفنان زيدون حسين . والإدارة المسرحية لمحمد سامي والفوتوغراف للففنانين الحسن فهمي ونبيل الاسمر .وتصميم البوستر للفنان سيف مضاء .
تناولت المسرحية حكاية عائلة عراقية تعاني من تفكك افرادها ، فالعلاقات الاجتماعية فيما بينهم سيئة جدا وكل فرد لديه طموح خارج حدود الجماعة فيما الاب غير قادر على ان يفعل شيئا لاعادة الاسرة الى ارتباطها ، ومن خلال ذلك وعبر الحوارات التي تجري بين الاب والاولاد الثلاثة والبنت يجري التطرق الى الواقع الحياتي للانسان العراقي على مختلف الاصعدة لاسيما تأثيرات الحروب والفساد والسياسة التي ادت الى ان يتحول الانساني العراقي الى وحش !!، وحيث تجتهد المسرحية في تعرية الذين تصدوا للحكم بعد عام 2003 والذين خذلوا الناس واوصلوهم الى اسوأ الاحوال.
يجب الاشارة الى الاداء الرائع للممثلين الذين اجتهدوا في تقديم ادوارهم لاسيما الفنان الكبير احمد شرجي الذي تألق في تجسيد شخصية الاب الحائر المشتت المرتبك الذي لا يقوى على ان يلم شمل اولاده او يجعلهم ينصتون الى ما يقوله وان كان في مصلحتهم .

نمط جديد 
 فقد اكد الفنان سنان العزاوي ان موضوع المسرحية مهم واختيار المخرج له جريء، وقال : العمل بمثابة مواكبة لتفاصيل العائلة العراقية غير المعلنة في الشارع العراقي ،فهناك الكثير من العوائل العراقية اصابها التفسخ باعتبارنا مجتمع اسلامي منغلق احيانا ولا نستطيع طرح هكذا مواضيع بشكل مباشر.
واضاف: هذا التفسخ لم يأت بشكل اعتباطي بسبب ما مر به الشعب العراقي من حروب كثيرة وحصار اقتصادي تركت تبعاتها وهذا لا يزول بليلة وضحاها ، والاهم من هذا اننا نواجه قضية خطرة جدا في المجتمع العراقي وهي هبوط نسبة الانسنة عند الفرد العراقي وصعود نسبة الحيونة ، وبالتالي كل شعوب العالم تأكل لكي تفكر بينما نحن نفكر كيف نأكل وهذا ما ادى الى تفسخ العلاقات الاجتماعية حتى في داخل البيت الواحد حيث كل واحد انشغل بهمومه ويفكر بيوم غد لكي يحصل على لقمة عيشه منه، هذا من الجانب الفكري .
وتابع:اما على صعيد الاشتغال المسرحي فأنا متابع للعرض خلال ايامه الخمسة، وأود ان اقول ان المتلقي العراقي لم يتعود على هكذا لا نمط بل متعود على تلقي نمطي ومتعود على مفهومية الاداء الجاهزي الانفعالي، هنا توجد قراءة ما بين السطور في الاداء والتمثيل وهناك رؤية مغايرة في تأسيس الصورة المشهدية على صعيد ايقاع المشهد وحركة المشهد ،فالايقاع ليس حركة (ميزانسية) وايقاع حركي ولا هو ايقاع صوتي لدى الممثل ، فالاشتغال كان مغايرا ،وبالتالي اصبح اختلال بين المرسل والمرسل اليه  ،اي قلت المسافة الجمالية بين العرض والمتلقي ، فالمتلقي العراقي غير متآلف مع هكذا نمط ،وعلينا ان نثقفه على هكذا عروض بشكل مستمر وليس على مستوى تجربة او تجربتين .

كشفت الحرية والارادة
اما الفنان والناقد سعد عزيز عبد الصاحب فقد حيا ملاك عمل المسرحية لروعة ما قدموه ،وقال :يشي مدلول العنوان بأننا سنكون امام عرض مسرحي تسكنه (الفضيحة) بوصفها عنصرا مهيمنا يكتسي به المضمون والشكل المبنى والمعنى على حد سواء ، طالما نحن امام تجرد وتعر مطلق كما يعبر العنوان ، فكل شئ مباح يغري التلقي بتوقعه منشدا اليه بطريقة العرض show واليات تمسرحية (تقديمية) وليس (ايهامية)، فجاء المتن الحكائي منفتحا على (الاسرة) وعلاقاتها التي تختزل تاريخية المجتمع ، والتي دعى اليها (هيغل) في قراءته للميراث الدرامي الاغريقي ،بوصفها تجمعا صغيرا متاثرا بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعصف بالمجتمعات ومعيارا لقياس هذه التغيرات .
واضاف: ان هيكل المبنى المسرحي الذي تأسس في نص /عرض مسرحية (ستربتيز) يقوم على تكرارية لالبومات لنصوص سابقة خاصة على صعيد الحكاية ، تحاول جاهدة ان تحيط وتصور مجريات الاحداث السياسية والاجتماعية ومتغيراتها بعد عام 2003 بشكل عام شمولي بانورامي دون الاخذ بمقطع عرضي واحد على الاقل لهذا الزمن الواسع بتحولاته السسيوـ ثقافية المتسارعة وسبر اغواره لفضحه والكشف عن مضمراته .. ولا اجد ضيرا في ذلك فشكسبير يضغط حقب وسنوات مديدة في نصه المسرحي ولكن الاهم هو كيفية ادخال الزمن الواسع في حبكة محكمة البناء . وعلى الرغم من كل الملاحظات اشر العرض بشجاعة بالغة للكثير من المشكلات والعلل الاجتماعية كمشكلة (الحرية) و(الارادة) ووجهة النظر الواحدة ، والراديكالية الدينية المتطرفة ، وقبول الاخر مهما كان توجهه الايديولوجي ولونه وجنسه ودينه ...انها بحق علل ومشكلات عضوية حقيقية تغزو وتنخر جسد مجتمعنا وحواضن دافئة تفقس افكار الارهاب والتطرف والعنف..
وتابع:احيي بشدة الممثلين جميعا لوثوقهم بان المسرحية لا تنتهي بنهاية العرض الاول فهي فضاء لا نهائي مفتوح على الحوار والاقتراح والاخذ والرد والهدم والبناء ، وصولا لصيغة مقبولة من الجميع ، اشد على يد المثلين احمد شرجي لوضوح صوته وثباته على الخشبة وضبطه لكاركتر الشخصية الصوتي والحركي وكذلك ياسر قاسم لحضوره اللافت في اداءه لدور الابن الراديكالي ووسام عدنان في اداءه للابن الرومانسي العلماني ، وهند نزار لحركتها الرشيقة ووضوح جملها المنطوقة وصمتها المعبر واخيرا اخر العنقود في العائلة عامر نافع لسلاسة حضوره وفهمه لابعاد دوره وتبنيه مهما كان قصيرا .

حبكة مسرحية مرموقة
من جانبه قال الناقد المسرحي طه رشيد: المسرحية جملة وتفصيلا ليس لها علاقة بالعري الجسدي إلا انها تغوص عميقا في الواقع العراقي وتخرجه إلى العلن بحبكة مسرحية مرموقة وتنشره على حبل غسيل، بطريقة إخراجية فيها من التألق والإبداع الكثير، أمام الجميع من خلال كشف العلاقات المتشابكة داخل العائلة العراقية بين الأب ( الفنان د. أحمد شرجي يقوم بدور الأب بعد انقطاع عقدين عن خشبة المسرح الوطني بسبب غربته التي أثمرت عن شهادة عليا في الفنون المسرحية) وأبنائه الأربعة: الفنانون الشباب ياسر قاسم وهند نزار وعماد نافع ووسام عدنان.
واضاف: هذه المجموعة من الشباب تأليفا واخراجا وتمثيلا وسينوغرافيا ( المبدع علي السوداني ) آمنت بالدور التثقيفي للمسرح، وامنت بأن للمسرح رسالة إنسانية لا بد من إيصالها إلى الآخر، وأن المسرح هو اهم وسائل إعادة إنتاج الوعي إلى المتلقي وليس ساحة للعب او التطهير فقط. وبان المسرح، اخيرا، يستطيع ان يشكل سلاحا مرادفا للبندقية التي يحملها أبناء القوات المسلحة وابطال الحشد الشعبي ومقاتلو البيشمركة وكل الغيارى على هذا الوطن، الذين يقاتلون قوى الإرهاب الظلامية سواء كانت المدججة بالمفخخات مثل داعش، او من تلبس فكرها ولا يريد للحياة ان تورق عن حدائق وزهور.

 تعرية الواقع
الى ذلك اكد مخرج العمل علاء قحطان وقال : ببساطة شديدة لمن لا يعرف (ستربتيز) هو يعني الرقص حد التعري ، انا فككت المصطلح ، ونحن انطلاقا من مفهوم التعري ، انا اعتقد اليوم ان نسمي الاشياء بمسمياتها، اي ان نعري كل الاشياء، فليس من المنطقي ان الوضع العراقي لم يستقر منذ 2003 الى هذه اللحظة ولا لدقيقة واحدة ، وعليه يجب ان نعري .
واضاف: ستربتيز .. كانت تعرية على جميع المستويات ،للسياسة، للثقافة، للدين، للفكر ، للانسان نفسه ، ستربتيز تناقش الوحش الموجود داخل كل انسان ، هذا الوحش الذي ظهر بعد 2003 ،فكانت الاسئلة كبيرة مجسدة في هذه العائلة المفككة والتي توجد التقاطعات بين افرادها وام .. تخرج من البيت ولم تعد.
وتابع: ما اردنا ان نقوله ان هذه العائلة هي الوطن لكن الرسالة المهمة التي اردنا ان نقولها ان بغداد لن تتعرى والعراق لن يتعرى بل ان من يحكمون العراق هم الذين سيتعرون.
وختم بالقول: خلال ايام العرض الخمسة كنت سعيدا بحضور الجمهور الكبير لمشاهدة العرض وهو جمهور مفرح حقا وكنت اتمنى ان اقدم العرض لعشرة ايام او 15 يوما كي نعوّد الجمهور  بدل العرض ليوم واحد او يومين .

-------------------------------------------------
المصدر :عبد الجبار العتابي - أيلاف

تابع القراءة→

الخميس، أغسطس 04، 2016

عبدالعزيز المسلم: «البيت المسكون 3» ... تعود في «الأضحى»

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أغسطس 04, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

أكد  الفنان عبدالعزيز المسلم التوقف المؤقت لمسرحية الرعب الكوميدية «البيت المسكون 3» والتي تختتم عروضها الأسبوع الجاري على خشبة مسرح نادي القادسية الرياضي، بعد سلسلة عروض جماهيرية متواصلة منذ عيد الفطر الماضي، لافتا إلى أنه بناء على طلب ورغبة الجمهور فقد قرر إعادة عروض المسرحية خلال عيد الأضحى المبارك المقبل.

المسلم كشف عن أن فريق المسرحية سيقضي فترة من الراحة لمدة أسبوع، قبل أن يبدأ جولة عروض خليجية تشمل أكثر من بلد خليجي، لإتاحة الفرصة للجمهور هناك لمشاهدة عروض العمل، خصوصا أن هناك اتصالات جرت خلال الفترة الماضية أثمرت عن تلك الجولة.

واعتبر المسلم «البيت المسكون 3» عرضاً فريداً، لافتاً إلى تطوير كافة الأدوات المسرحية وعناصر الفرجة في العمل، ومشيراً إلى أن هذا الجزء يواكب الأحداث السياسية والاجتماعية التي تمر بها المنطقة العربية بالتحديد، وكشف ماهية الأشباح التي تريد النيل من تلك المنطقة. وقال أن إقبال الجمهور على العمل بكثافة طوال فترات العروض جعله يتوقف ويتأمل كثيراً في تفاعل أهل الكويت مع ما يقدم على خشبة المسرح، حيث شعر أن الجمهور يكرمه على مشواره معه من خلال الأصداء والحضور والتفاعل.

وعبر المسلم عن الفخر بالمسرح والجمهور في الكويت، قائلاً: «هناك نهضة كبيرة بدأها الرواد، ونحن اليوم نكملها مع الجيل الجديد الذي يمتلك الحضور وهذا يؤكد الريادة المسرحية»، مشيداً بدور وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود الصباح، والقائمين على المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لإتاحتهم هذه المساحة من الحرية.

وتمنى المسلم من جميع المسرحيين العمل على إبراز الروح الوطنية في كل عمل فني، إلى جانب العمل في توصيات مجلسي الأمة والوزراء في كل ما يتعلق بالتنمية البشرية والنهضة الشاملة، وخلق فرصة لإبداعات الجيل الجديد مع الحفاظ على قوام المسرح وجرأته، وأيضا على أهدافه كواجهة للترفيه واسعاد الناس.

وعما يتردد عن أنه يصرف ببذخ على إنتاج أعماله المسرحية، قال المسلم: «نحن نقول أنه من الصعب أن نتراجع عن استقطاب النجوم أو نتقشف على حساب جودة المسرح، لأننا ملتزمون بالجودة، ونعمل على إبراز الرسائل والأهداف والقيم الوطنية والاجتماعية»، معتبراً أن مجموعة «السلام» أول شركة إنتاج فني وإعلامي تحصل على شهادة جودة «الأيزو» العالمية التي تُمنح للمؤسسات والشركات التي تقدم أعمالاً فنية متميزة تحمل رسائل وأهداف في المجتمع.

يُذكر أن مسرحية «البيت المسكون 3»، من تأليف وإخراج وبطولة عبدالعزيز المسلم، باسمة حمادة، أحمد السلمان، هاني الطباخ، هيا الشعيبي، سعيد الملا، عبدالله المسلم، عبدالله الرميان، ثامر الشعيبي، من إنتاج مجموعة السلام الإعلامية. وهي تعتبر استكمالا للجزأين الأول والثاني، وتتناول العديد من القضايا الراهنة التي تهم المجتمع والمنطقة من خلال رؤية ذكية، مشوقة، وبأسلوب مسرحي مختلف وفي إطار كوميدي.

---------------------------------------
المصدر : الرأي 

تابع القراءة→

«قلوب شجاعة»أبكت جمهور مسرح الدسمة!

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أغسطس 04, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

جمال الردهان أبكى جمهور مسرح الدسمة!

ففي ليلة أرادها مكتب الشهيد التابع للديوان الأميري تخليداً لشهداء الكويت الأبرار، انهمرت دموع الجمهور الذي حضر العرض المونودرامي «قلوب شجاعة» وذلك على مسرح الدسمة، وهو من بطولة وإخراج الفنان جمال الردهان، وتأليف الراحل عبد الله الفريح، فيما كان الإشراف الفني للمخرج علي العلي.

شهد العرض الذي نكأ جراح الغزو الغاشم وحمل تحية لأرواح شهداء الكويت الأبرار حضور كلٍ من نقيب الفنانين الفنان القدير عبد الحسين عبد الرضا، والوكيلة المساعدة والمديرة العامة لمكتب الشهيد فاطمة الأمير، ومدير إدارة مكتب المدير العام لمكتب الشهيد صلاح العوفان، وجمهور غفير ملأ المسرح بأكمله، فيما رفرفت الأعلام الوطنية لتضفي إلى المشهد رهبة مضاعفة.

قدمت الحفل المذيعة سودابة علي التي وجهت التحية للحضور في هذه الليلة الاستثنائية، ثم انطلق العرض المسرحي بصوت انفجار دلالة على الغزو العراقي الغاشم، فيما توسط المسرح سرير أبيض عليه أكفان تخرج منها أصوات الشهيد «خالد» الذي يتبادل الحديث مع والده الفنان جمال الردهان عن بطولاته وتضحياته التي قدمها للوطن.

وتطرق الردهان من خلال العرض إلى دور مكتب الشهيد في تخليد الشهداء، واختيار الكويت بلداً للإنسانية، وعرّج على سنة «الهدامة» التي تعرضت لها الكويت عام 1954. وخاطب الردهان الذي أدى دوره باحترافية وإبداع ونال بهما إعجاب الجمهور، قائلاً: «اعطوا الكويت... فهي تستاهل»، داعياً أهل الديرة إلى المحافظة على وطنهم. وساهم الديكور والإضاءة والموسيقى التصويرية باحترافية وتقنيات عالية في دمج الجمهور مع الأحداث وخصوصا في مشهد سنة «الهدامة».

ومع نهاية العرض الذي شكّل ملحمة وطنية حقيقية جسد بطولات شهداء الكويت، بدا الجمهور أكثر تفاعلا مع عرضه الثاني بعد أن كان قد مثّل مكتب الشهيد في مهرجان الكويت الدولي للمونودراما في أبريل الماضي.

ودعت عريفة الحفل سودابة علي بالرحمة لشهدائنا الأبرار، ثم دعت الفنان عبدالحسين عبدالرضا وفاطمة الأمير وصلاح العوفان إلى الصعود على خشبة المسرح لتكريم فريق عمل المسرحية، حيث كانت البداية مع الفنان جمال الردهان الذي تحدث قائلا: «تكريمي من نقيب الفنانين والهرم الكبير بوعدنان شرف لي»، وأناب جمال اللهو لاستلام التكريم عن طاقم العمل. بعد ذلك تم تكريم وسائل الإعلام، وقدمت الوكيلة المساعدة والمديرة العامة لمكتب الشهيد فاطمة الأمير، ومدير إدارة مكتب المدير العام لمكتب الشهيد صلاح العوفان درعا تذكارية إلى «بوعدنان».

--------------------------------------------------
المصدر : حسين خليل - الرأي 
تابع القراءة→

الأربعاء، أغسطس 03، 2016

كوميديا المسرح العراقي إلى أين؟

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, أغسطس 03, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

عندما تريد الطبقة الثقافية أن تنهض بمجتمع ما فلن يمنعها أحد عن فعل ذلك لأنها على يقين تام بأنها مسؤولة تماما عن رسم الشكل المستقبلي لذلك المجتمع، و خلق مساحات من الوعي الانساني عبر أدوات متقنة، و هي في منتهى الثقة بأن مقود عجلة التطور و الرقي سيكون بيدها هي، لا بيد الفاشلين و النفعيين لدى طرفي عملية البناء ( المنتج – الجمهور )، و لو أخذنا مثالا ك ( تياترو مصر ) او ( مسرح مصر )، الذي سبب ضجة في عالم المسرح عبر الكوميديا الرصينة و الهادفة ‘ لإستطعنا أن نضع يدنا على جرح غائر يزداد بشاعة في كل يوم عبر ( المسرح الكوميدي العراقي )، الذي فشل في طرحه، بعد أن كان في يوم ما نافذة واسعة أطلت علينا من خلالها العديد من التجارب الهادفة و الرصينة ‘ و اتجه بسرعة نحو اسوأ درجات الوعي على خارطة الخط البياني الفكري و الابداعي فتحول من مسرح هادف يحتوي كل افراد العائلة العراقية و لا يخدش الحياء العام، الى مسرح تجاري ربحي لا يرتقي الى رسم ملامح واضحة لغد فني تتشكل من خلاله رؤية نموذجية قابلة للتطور، بالعكس من المستوى المتصاعد للفن المسرحي المصري الذي لم ينفك يوما في أن يكون متصدر لذائقة العديد من المجتمعات، و المحبب لها .. و اخر تجربة حداثوية، هي التي شكل ملامحها الممثل القدير و الفذ أشرف عبد الباقي، عندما برهن للعالم بأسره بأن مصر قادرة على ان تلد في كل يوم مسارحا و افكارا و ممثلين جدد.
فقد استطاع و بطريقة متقنة ‘ ان يوظف إبداع جيل جديد من الشباب الذين ابهروا الجمهور بقدراتهم و طاقاتهم، و جذبهم لجمهور واسع في كل انحاء العالم، و قد زاد من هذه الشهرة العقد الذي ابرمته قناة الحياة معهم اولا، و من ثم قناة mbc مصر، و المبهر في الأمر، بأن لهذا الجيل من الشباب قدرات فائقة على اداء متنوع للادوار و لم يؤثر عليهم التنقل السريع بين مسرحية و أخرى.
مما سبب بالتالي ضجة إعلامية كبيرة جعلت منهم نجوما في وقت قياسي، و ارتقت بالفن المسرحي المصري إلى تصدر الذائقة الجمعية لدى الجمهور، على العكس من اغلب القائمين على المسرح الكوميدي العراقي ‘ الذين اكتفوا بمتاجرتهم بالافكار الهزيلة و غير الهادفة، و اقتصار الادوار على فئة و جيل معين، دون الأخذ بنظر الاعتبار مدى خطورة الموقف على مستقبل الواقع المسرحي العراقي و جمهوره، الذي بدوره هو الاخر، تشكل بغالبه وفق ما يطرح عبر هذا المسرح، فأصبحت الذائقة الجماهيرية باهتة و مليئة بالفراغات الفكرية ‘ بل هي اقرب الى ان تكون فوضوية الطرح، و بقيت أجيال كاملة من الشباب و قدراتهم المسرحية، رهينة بقبول فكرة الانخراط بهكذا مسارح، أو تدمير مواهبهم عبر ماكنة الزمن.
و هنا كان لابد ان نعي بان المسرح، كان و لا يزال، هو النافذة الفكرية و الثقافية الاقوى، التي تتسرب من خلالها سمات اي كيان مجتمعي، عبر تصدير الافكار بشكل مباشر نحو بؤرة التلقي، لكن و للأسف، فإن سوء ما يطرح في الساحة، قد سمح للكثير من المزيفين و المواهب البائسة بتصدر المشهد المسرحي، و تصديقهم لكذبة صنعتها لهم الآلة الاعلامية الفاشلة، بانهم ابطال هذا المشهد الذي لن يتكرر.
لذلك أدعو كل المبدعين من عمالقة المسرح العراقي و اساتذة الفن و المؤسسات المسرحية الرصينة، الى انقاذ ما تبقى من كوميديا المسرح العراقي، و عدم اخذ موقف الحياد او المجاملة مما يحصل. كي يستعيد المسرح عافيته و تتاح الفرصة امام جيش من الشباب المسرحي الكوميدي في ان يساهم ببناء مسرح كوميدي، يرتقي الى مستوى ما يطرح في العالمين العربي و الغربي …

------------------------------------
المصدر : مهند صلاح - الصباح الجديد 


تابع القراءة→

الثلاثاء، أغسطس 02، 2016

حياة الراحلة مارلين ديتريش... مسرحية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أغسطس 02, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

تشهد باريس حالياً استعراضاً  فريداً يُقدّم فوق مركب في نهر السين يحمل اسم «أوبرا» ويستقبل الحفلات  الخاصة وعروض الموضة، ولكنه هذه المرة تحول الى مسرح لتقديم عرض «لا  ديتريك» من بطولة الفنانة كارولين نين التي تقدم شخصية نجمة السينما  والمسرح والغناء الألمانية الراحلة مارلين ديتريش التي نشأت في برلين قبل  أن تستقر في هوليوود وتنال الجنسية الأميركية.


وكم من مسرحية تناولت حتى الآن حياة وأغنيات ديتريش، إلا أن نين تتميز كونها لا تكتفي بترديد الكلمات فوق الألحان التي صنعت شهرة النجمة الراحلة مثل «ليلي مارلين» و «الوقوع في الغرام"و «لولا»، ولكنها تروي بمزيج رومانسي درامي، فترة شبه مجهولة من حياة الراحلة وهي تلك التي تخص فترة الحرب العالمية الثانية حينما عبّرت عن رفضها للنازية وقررت الهجرة إلى هوليوود وطلب الجنسية الأميركية مضيفة إلى ذلك رحلات عديدة إلى جبهة القتال في أوروبا لتسلية جنود قوات الحلفاء والرفع من معنوياتهم بالكلام والغناء والرقص.
وتمثل نين دور ديتريش معبرة عن التقلبات العديدة التي ميزتها لا سيما الكرم والسخاء والروح الوطنية والعدالة من ناحية، وثم الأنانية المطلقة وتسخيرها الغير كلما استطاعت فعل ذلك، في خدمة مصلحتها الشخصية. وقورنت آنذاك من قبل الأديب والشاعر الفرنسي الراحل جان كوكتو بوحش متخف وراء ملامح ملائكية. ونجحت نين في ترجمة الناحيتين المتناقضتين في شخصية ديتريش فنالت النجاح والتصفيق الحاد في ختام كل عرض.
ويعتبر نجاح كارولين نين الباريسي بمثابة تكملة طبيعية للشهرة التي نالتها عام 2007 في دار أوبرا سيدني بأستراليا وفوق أحد أكبر المسارح اللندنية وفي نيويورك وطوكيو وشنغهاي وبروكسل وروما وأثينا وإسطنبول وبرلين (مسقط رأس مارلين ديتريش) وفي مهرجان إدنبره في إسكتلندا.
وقبل أن تخوض تجربة استعراض «لا ديتريك» تخصصت في غناء الجاز من طريق ترديد أشهر أغنيات عمالقة هذا اللون الموسيقي ووضعت أيضاً كلماتها الخاصة فوق ألحان ألفتها في صحبة عازف البيانو كريستوفر كولبو الذي رافقها في وصلاتها وشارك في مسرحيتها.
وأحيت  نين في السنوات الماضية سهرات في أكبر نوادي الجاز الأوروبية وفي نيويورك. ويتوقع بعد نجاح مسرحية نين ان ينتقل عرضها الى أشهر الدور الباريسية، خصوصاً بعد النقد الايجابي الذي لاقاه العمل من قبل المتخصصين، كما ان استضافتها في برامج حوارية تلفزيونية وغناءها أشهر أغنيات ديتريش وايديث بياف، قربها من الجمهور وأوصلها الى شريحة كبيرة من الفرنسيين.
ولدى سؤالها عن سبب اهتمامها الخاص بمارلين ديتريش تحديداً أجابت: «كنت أعاني من صدمة عاطفية قوية بعد انفصالي عن خطيبي ولم أعثر على ما يضمد جراحي سوى أغنياتها، فبقيت اسمعها عشرات المرات يومياً إلى أن أتتني فكرة كتابة حكاية تدور حول فترة معينة من حياتها وتحويلها في ما بعد إلى استعراض أتقمص فيه شخصية هذه المرأة التي ساعدتني في الخروج من أزمتي العاطفية».


-----------------------------------------------------
المصدر:  ملاحق جريدة المدى اليومية 

تابع القراءة→

مسرح عالمي : بودابست شهدت فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان ماداتش الدولي للمسرح

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أغسطس 02, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

العاصمة المجرية بودابست،  شهدت فعاليات مهرجان ماداتش الدولي للمسرح. تخلل المهرجان تقديم 22 عرضاً مسرحياً بمشاركةٍ من 13 دولة . تتنوع العروض بين الأعمال المعاصرة والكلاسيكية، وتخبرنا منظمة المهرجان: “يمكننا أن نرى تحولاً في العروض المسرحية، فالأعمال المعاصرة كثيراً ما تستخدم جوقة غنائية، وهذه أقدم طريقة أداء مسرحي. إنها حل جيد لتمثيل الجماهير الكبيرة على المسرح في زمن أزمة المهاجرين.كما أن الفرد يصبح أكثر تواضعا، وكثير من الناس يدركون أن المجتمع هو محط الاهتمام. عكست الأعمال الدرامية الكلاسيكية هذه الظاهرة بشكل أفضل في النصوص القديمة”.

وخيرُ مثالٍ هو هذا التأويل الجديد للملحمة الشعرية الإلياذة التي تحكي قصة حرب طروادة، وكان الشاعر الإغريقي هوميروس قد كتبها بين العامين 1260-1180 قبل الميلاد. ويقول مدير المسرح الوطني اليوناني: “جاءت الإليادة قبل هذه الأزمة المتعلقة بالهجرة واللاجئين والتي اندلعت هذا العام والعام الماضي. لكنها تُظهر أن هوميروس تنبأ بهذا أيضاً، لأنه تعامل كثيرا مع الحرب، والتدمير، ومع هذا الدور الكريه الذي يلعبه الناس عندما يدمرون بعضهم البعض. وماذا يتبقى في النهاية؟ التفاهم فقط والمصالحة بين الأجيال. والأهم من هذا، مصالحة المرء مع ذاته”.

عددٌ قليلٌ جداً من المخرجين تجرأ على عرض هذه المسرحية على خشبة المسرح. منهم الكاتب الإسباني لوركا. ولعل هذا العمل هو أكثر أعماله غموضاً وسريالية وثوريةً. فقد هاجم لوركا القواعد الاعتيادية والفكر الضيق الأفق، والفن والمسرح المكبلان بالأعراف والتقاليد. ويحدثنا آليكس ريغول مدير مركز تيترو أباديا: “إن الحب الذي يتحدث عن لوركا في هذه الدراما، هو حبٌ مستحيل لا بل حباً غريباً، غير اعتيادي. في الواقع، عرضُ لوركا يضع موضوع المثلية الجنسية على الطاولة، موضوع مثليته شخصياً. قد نعتقد أنها ليست قضيةً خطيرةً في الوقت الحاضر، ولكن لابد لنا أن نتذكر بأنه في بعض بلدان العالم لا يزال هناك عقوبة الإعدام للمثليين، وأن المساواة لا تزال مساواة زائفة، لأنه لا يزال هناك العديد من البلدان التي لا يمكن فيها لمثليين جنسياً أن يتزوجا”.
في دورته الثالثة، قدمُ مهرجان ماداتش الدولي للمسرح  العديد من العروض المحلية والأجنبية قدمت العروض جميعها في مبنى المسرح الوطني المجري، في بودابست.

-------------------------------------------------------
المصدر : euronews

تابع القراءة→

معالجة الجوقة بين تقاليد المسرح الاغريقي والرؤية الاخراجية المعاصرة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أغسطس 02, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

معالجة الجوقة بين تقاليد المسرح الاغريقي والرؤية الاخراجية المعاصرة
د.عادل كريم سالم
جامعة بغداد/كلية الفنون الجميلة


المستخلص
يتناول البحث معالجة الجوقة بين تقاليدالمسرح الاغريقي والرؤية الاخراجية المعاصرة في محاولة من المخرج الكشف عن الرؤية الاخراجية المعاصرة في معالجة الجوقةفي عرض مسرحية (أوديب) ملكاً لمؤلفه لـ(سوفوكلس) وقد أحتوى البحث نظرة عامة عن نشأة الجوقة، خواصها،وظائفها وتقاليدها وكذلك تحليل عرض مسرحية (أوديب) ملكاً كنموذج للنصوص الاغريقية, وتوصل الباحثا لى مجموعة من النتائج ومنها: 
1.أظهرت التجربة امكانية تقديم قراءات اخراجية جديدة للنص الاغريقي بما فيها الجوقة وفق منطق العصرالحالي وليس وفق منطق العصرالذي كتبت فيه .
2.اضاف المخرج بعداً جديدا ًللجوقة لمتعهد همنقبلكسر به بعض التقاليداوالثوابتفي المسرح الاغريقي، فقداشركها في الاحد اثالدرامية فأصبحت طرفا ًمناطرا فالصراع،وبهذه الوظيفةالجديدة تكون الجوقةقدخرجت عن المألوف التقليدي لطبيعتها الذي ينص على التزامها الحياد. 
Abstract
     The research addressing the choir between the traditions of Greek theater and vision purine contemporary attempt by the director to detect vision purine contemporary treatment of the chorus in a play (Oedipus) the property of the author 's (Sofokls) has consisted Find an overview of the genesis of the choir,properties , functions and traditions , as well as analysis a play ( Oedipus ) king as a model for the Greek texts.
The  researcher  found  a  set  of  results, including:
1. Experience has shown the possibility of providing new directorial readings of the text, including the Greek chorus in accordance with the logic of the current era and not according to the logic of the era in which I wrote it.
2. Added a new dimension to the director of the choir did not break his pledge by tradition or by some constants in the Greek theater , the dramatic events intobecame a party of the parties to the conflict , and this new functionality, the choir may be out of the ordinary traditional nature which states its commitment to neutrality .
المقدمة:
ان الحاجة الى التجمع لم تكن وليدة مجتمعات اليوم وانما هي من تفكير المجتمعات قديماً لشعورها بان ذلك يمنحهم قوة وصلابة في القرار الذي يتخذونه وبشكل افضل مما لو انهم كانوا على شكل افراد، وكما في قوله تعالى: "وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله..."( ) صدق الله العظيم.
وبما ان التجمع هو شكل من اشكال التعبير الانساني برزت الحاجة اليه ايضاً لاداء بعض الطقوس الدينية، فأخذت مجاميع من الناس تؤديها بشكل احتفال جماعي يصاحبها تقديم بعض الهدايا والقرابين الى الالهة، لتجلب لهم الخير وتدفع عنهم الشر.وبمرور الوقت اخذت تلك الطقوس بالتبلور والتطور حتى انبثقت من رحمها الدراما التي اعتمدت في ظهورها بالدرجة الاساس على الاداء الجماعي ثم تطور هذا التجمع تدريجياً حتى اطلق عليه فيما بعد اسم (الجوقة) التي سبقت ظهور الشخصيات الرئيسة في الدراما بوقت ليس بالقليل والتي كانت مهمتها الاساسية اداء بعض الطقوس الدينية بشكل تعبيري وذلك تمجيداً للاله (ديونيسيوس) كبير الالهة عند الاغريق القدماء.
لقد كانت هذه الجوقة تتكون من عدد من الافراد يقودهم شخص يعرف باسم (رئيس الجوقة) وكانت وظيفتها محددة بتقديم الاناشيد والاغاني والرقصات، اذ كانت هذه الفعاليات بمجموعها تشكل اهم جزء في اداء تلك الطقوس، ونتيجة للاضافات العديدة التي ادخلها الشعراء المسرحين القدماء على اداء تلك الطقوس، والتي كان ابرزها اضافة الممثل الاول الذي تم على يد (ثيسبس) ليصبح العدد فيما بعد على يد (سوفوكلس) ثلاثة ممثلين مما كان لهذا الانجاز الاثر بارساء ملامح تقليدية للمأساة بشكل عام والجوقة بشكل خاص.
لقد اصبح التعامل مع الجوقة كضرورة لا يمكن الاستغناء عنها في المسرح الاغريقي، ولابد من التعامل معها على اعتبار انها تمثل تقليد ينبغي احترامه وتوظيفه داخل الاطار الدرامي. ونظراً لما تثيره الجوقة من تباين في الدور والوظيفة من جهة، ومن تراكم الوظائف والدلالات في تكوين الجوقة في العرض المسرحي من جهة اخرى، اخذ التكوين الفني للجوقة الذي يكونه المخرج يتباين احياناً بين انسجامه مع الدور والوظيفة التي يمكن بها ان يتم التشكيل الجمالي والفكري، ومن هنا برزت مشكلة البحث التي تقود الى السؤال الاتي:
كيف عالج المخرج (عادل) اداء الجوقة في عرض مسرحية (اوديب ملكا) لمؤلفها (سوفوكلس) وهل حافظ على اطرها التقليدية المحددة لها في المسرحية ام غادرها في تجربته الاخراجية المعاصرة؟
اهمية البحث:تكمن اهمية هذا البحث في تقديمه مثال لطريقة التعامل مع الجوقة الاغريقية في العرض المسرحي يمكن للعاملين في مجال الاخراج المسرحي الاستفادة منه في تقديم معالجات اخراجية لاحقة في الاتجاه ذاته، لها رؤيتها الخاصة بها.
هدف البحث:الكشف عن الرؤية الإخراجية المعاصرة في معالجة الجوقة في تجربة المخرج (عادل كريم) وتوثيقاً للجهود المسرحية الفردية بما يؤسس تقاليد معتمدة في توثيق الحركة المسرحية العراقية لاسيما في مجال الإخراج المسرحي.
حدود البحث:تنحصر حدود البحث على النحو الاتي:
1- الحد المكاني: خشبة المسرح الدائري في اكاديمية الفنون الجميلة- بغداد.
2- الحد الزماني: عام (1989).
3- الحد الموضوعي: دراسة اداء الجوقة في عرض مسرحية (اوديب ملكا) لمؤلفها (سوفوكلس).
مفهوم الجوقة: بعد اطلاع الباحث على بعض الدراسات التي تناولت موضوع الجوقة وجد هناك تقارب في اغلب وجهات نظرها حول تحديد مفهوم الجوقة ومنها:
1- "جوقة، أجواق، جماعة من الناس او فريق من الناس يؤدون عملاً فنياً غنائياً موسيقيا مشتركاً"( ).
2- "مجموعة من الممثلين يمثلون دوراً اساسياً في المسرحية، مواطنون او نساء وظيفتهم التعليق على الحبكة ويشتركون في تطويرها"( ).
3- "مجموعة من المغنين او الراقصين او الصامتين او المعلقين تؤدي وظيفتها مجتمعة او تفاريق، وتشترك في التمثيل بتعليقاتها على الاحداث او بتحاورها مع الممثلين او بصمتها"( ).
4- "تلك الجماعة المغفلة التي تحيط بالشخصية التمثيلية الاساسية وتكون صدى لها في تراتيلها وانشاداتها الغنائية ونزعتها الحميمية، واهوائها كما انها الشاهد الرسمي للجمهور ولسان حاله"( ).
5- "مجموعة من الممثلين كانوا المؤدين الاساسيين عندما كانت المأساة تتالف في البدء من سلسلة قصائد جوقية مع فصول اضافية يتحدث فيها ممثل واحد مع الجوقة، ثم اصبح اعضاؤها تدريجياً يؤدون دور المعلقين وهم يقفون جانباً معظم الوقت الا انهم يمثلون سكان المدينة"( ).
ويقصد الباحث بالجوقة في مجال دراسته هذه:
مجموعة من الممثلين، تشكل جزءاً من الكل العام، ولها مشاركة فعالة في الفعل الدرامي ويمكن عن طريقها تجسيد تكوينات بصرية ذات دلالات يمكنها ان تعبر وتكشف عن جماليات العرض والرؤية الفنية.
الجوقة الاغريقية- نظرة عامة في النشأة والخواص والوظائف والتقاليد
تعددت الاراء والنظريات حول نشأة التراجيديا، الا ان نظرية (ارسطو) تعد من المصادر الموثوقة في ذلك الشأن، ففي كتابه (فن الشعر) يرجع اصل التراجيديا الى (الديثرامبوس) وهو نوع من الرقصات الغنائية التي كانت تقدم للاله (ديونيسوس) كبير الالهة عند الاغريقيين القدماء،اذ كانت تقام له اعياد تتخللها مهرجانات تجري في ايام معلومة من السنة تكون على شكل استعراضات تنكرية اذ اعتاد الاغريقيين ان ينشدوا اناشيد (ديثرامبية) بشكل جماعي تؤديها (جوقة) مؤلفة من خمسين فرداً من كهنة معبد الالة (ابولون) تعبيراً عن مشاركتهم في تلك الطقوس التي كانت تدور حول مغامرات ذلك الاله، وكان افراد الجوقة يرتدون اثناء قيامهم بالاداء الغنائي الراقص جلود الماعز (تراجوس) تشبهاً باتباع الاله (ديونيسيوس) الذين كانوا يسمون (ساتيروي)ومن هنا اصبح يطلق على افراد (الجوقة) اسم (تراجودي) أي الاغنية العنزية وهي الاصل في كلمة (تراجيدي)"( )، ويمكن ايجاز اهم ما يميز هذه الحقبة التي سبقت ظهور التراجيديا وعلى النحو الاتي:
1- كانت الجوقة وحدها التي تقوم باداء الطقوس الدينية تكريماً للاله (ديونيسيوس).
2- الاناشيد والاغاني والرقصات تتسيد تلك الاستعراضات.
3- الاستعراضات التي كانت تقوم بها الجوقة كانت بدائية.
4- طغيان طابع السرد الذي كان يجري على لسان الجوقة.
5- الاغاني الراقصة التي كانت تؤديها الجوقة في باديء الامر كانت تلقى ارتجالاً.وعندما جاء الشاعر (اريون الكورنثي- 625 ق.م) اهتم بالدرجة الاساس بتطوير اناشيد واغاني الجوقة، فهو يعد اول من صاغها بصورتها الادبية، اذ شكلت هذه الخطوة الاساس الذي تطورت عنه التراجيديا، واضافة الى ما تقدم فان هذا الشاعر كان هو "اول من طلب من (رئيس الجوقة) ان يصعد الى مائدة القرابين ليلقى على المستمعين في صورة سرد قصة تتعلق بالاله (ديونيسيوس) مشيداً بمغامراته ورحلاته العجيبة بينما يعلق افراد الجوقة على هذه القصة من حين لاخر ببعض الابيات التي تناسب المقام"( ).
ورغم هذا التطور المهم الذي حصل على يد (اريون الكورنثي) الا ان مرحلة السرد لم تنتقل الى مرحلة الحوار والتمثيل الا على يد الشاعر المسرحي (ثيسبس) في (القرن السادس ق.م) والذي يتلخص عمله بالنقاط الاتية:
1. اوجد فكرة الممثل بعد ان كانت الاحداث تروى على لسان (رئيس الجوقة)، اذ كانت مهمته الاساسية ان يعبر عن اراء غيره،لقد اعطى هذا العنصر الجديد الفواصل الحوارية تاثير مهماً في الاحداث كون ان الحوار يشكل جوهر الدراما الاساس، اذ اصبح لزاماً على هذا الممثل ان يؤدي جميع الشخصيات التي يقوم عليها الحدث الدرامي.
2. لاول مرة في التاريخ الدرامي اصبح الاهتمام منصباً على الحدث وعلى نحو تشخيصي عن طريق الحوار الذي يجري بين الممثل والجوقة بدلاً عن السرد الذي كان يجري على لسان الجوقة بشكل منفرد.
ان التغيير الذي ادخله (ثيسبس) قد ادى الى تحقيق ما يأتي:
1. ظهور التراجيديا بالصورة التي نعرفها اليوم.
2. مساحة التمثيل توسعت، اذ اخذ الممثل يؤدي جميع الادوار التي يكلف بها.
3. نتيجة قيام الممثل باداء عدة شخصيات تم تخصيص مكان خاص لغرض تغيير الازياء والاقنعة بما يتفق مع سمات الشخصية المراد تمثيلها.
4. زيادة العنصر الدرامي.
5. اصبح من الممكن التعبير عن المواقف بتصويرها وتنويعها.
6. الحركة توسعت نتيجة توسع الافعال التي يقوم بها هذا الممثل.
7. ظهور فكرة الحوار الذي يشكل احد العناصر الاساسية للمسرحية بدلاً عن السرد الذي كان يجري على لسان الجوقة منفرداً.
8. اخذت الجوقة تفقد من مساحتها التي كانت تتمتع بها من قبل.
9. اصبحت اجزاء المسرحية اما ان تتكون من مقطوعات شعرية جماعية طويلة او محاورات بين الممثل والجوقة.
ورغم ان التراجيديا استطاعت على يد (ثيسبس) ان تتخذ شكلاً خاصاً بها الا انها في نفس الوقت كانت لا تزال بحاجة الى من ينميها ويصقلها ويدخل عليها افكاراً فلسفية حتى يتحقق لها الخلود، وقد تم هذا فعلاً على يد المؤلف المسرحي (اسخيلوس) الذي كان له الاثر البالغ في وجود التراجيديا بالصورة المعروفة بها الان. ويتلخص عمله بالنقاط الاتية:
1. اضاف الممثل الثاني.
2. وسع مساحة الصراع درامي بين وجهات النظر المختلفة.
3. وسع منصة التمثيل.
4. قلل مساحة الغناء والانشاد مع زيادة عنصر الحوار.
5. تخلت الجوقة نتيجة زيادة عدد الممثلين عن مواقعها التي كانت تتمتع بها لتحل محلها نغمة درامية اساسها المحاورات بين شخصين يتولد بينهما الصراع الدرامي.
6. فسح المجال لادخال خواطر فلسفية وخاصة بعض الافكار الدينية التي تعبر عن علاقة الانسان بالالهة في جو مليء بالروعة والجلال يبعث في النفوس الرهبة مصدرؤها الغموض.
ورغم هذه المساحة الكبيرة التي اعطيت للممثل الاول والثاني الا ان الجوقة ظلت تشغل حيزاً ومكانة بارزة وتتقاسم البطولة او تاخذ دوراً من ادوار الشخصيات الرئيسة فهي مثلاً في مسرحيتي (اجاممنون) و(حاملات القرابين) كانت تتمتع باهمية استثنائية حتى باتت اغانيها تشكل الاساس الذي يتطور عنه الحدث الدرامي على الرغم من انها لا تاخذ على عاتقها مهمة شخصية من الشخصيات المسرحية بالمعنى الدقيق.
وبعد (اسخيلوس) اخذت الجوقة بالانحسار على يد المؤلف المسرحي (سوفوكلس) الذي ادخل الممثل الثالث مما ترتب على هذه الزيادة توسع في رقعة الحدث الدرامي على حساب مساحة الجوقة رغم زيادة عدد افرادها من قبله اذ جعلها تتكون من خمسة عشر فرداً بعد ان كانت على يد (اسخيلوس) اثنى عشر.
ان اضافة الممثل الثالث تعد من الخطوات الكبيرة والمهمة جداً في تطوير التراجيديا، فقد ادى هذا الانجاز الى:
1- وصول التراجيديا الى مرحلة الكمال.
2- اتساع مساحة الحدث الدرامي.
3- زياده الصراع الدرامي بين الاطراف المتصارعة.
4- تقلصت الاغاني والاناشيد والسرد الذي كانت تقوم به الجوقة.
5- زيادة الحوار الذي يعتبر الاساس في تصوير الاحداث الدرامية.
بعد ذلك اخذت الجوقة بمرور الوقت تفقد الكثير من مساحتها ومواقعها وخاصة على يد المؤلف المسرحي (يوربيدس) الذي ضيق الخناق عليها وحجم من دورها اذ اصبحت عنده:
1- تمثل جزء من اجزاء المنظر المسرحي أي انها اصبحت لا تمثل اكثر من كونها قطع ديكورية تزينية.
2- اصبح وجودها من وجهة نظره يشكل عائقاً امام سير وتنامي الاحداث الدرامية، كما انها تنأى بالازمة عن مسارها.
3- اصبح وجودها في مسرحياته يشكل عادة مالوفة وتقليداً جارياً، أي ان وجودها اصبح هامشياً مرتكنة على هامش الموضوع.
4- اصبحت عبارة عن فواصل تربط اجزاء المسرحية وهي اذا ما ازيحت من المسرحية فانها سوف لا تحدث أي خلخلة في منظومة الاحداث الدرامية.
5- اغانيها اصبحت منفصلة عن مواضيع مسرحياته انفصالاً تاماً باستثناء بعض المسرحيات ومنها (الباخوسيات).
يخلص الباحث من هذا العرض الموجز الى القول ان التراجيديا قد انبثقت عن طريق الارهاصات التمثيلية التي كانت تقوم بها الجوقة في الاحتفالات الدينية ثم استمر تاثيرها على يد كلاً من (اسخيلوس) و(سوفوكلس) لتصبح اخيراً على يد (يوربيدس) مجرد تقليد لابد منه.
خصائص الجوقة: لغرض توضيح موقف الجوقة وتحديده على صعيد النص التراجيدي الاغريقي، وجد الباحث من الضروري تسليط الضوء على طبيعة وخصائص ووظائف الجوقة في النص الدرامي لانه سيفيد الباحث في كشف مستجدات المعالجة الاخراجية التي قام بها المخرج بما اسند اليها من وظائف جديدة وجدها في حركتها وما يحقق له من افادة في اغناء العرض فكرياً وجمالياً واستجابة من قبل المتفرج المعاصر لهذه النصوص الطرازية، وبعد اطلاع الباحث على نماذج من هذه المسرحيات لاحظ ان وجود الجوقة فيها يشير الى الحقائق الاتية:
1- انها تتالف من كبار السن سواء كانوا رجالاً ام نساءاً، ويمكن ان نتلمس ذلك بوضوح في حوار (الجوقة) مع الملك (كريون) في مسرحية (انتكونا) على سبيل المثال لا الحصر.
الجوقة: "اما نحن فاذا لم تكن السن قد اضعفت عقولنا، فانا نرى كلامك صواباً"( ).
2- انها تتصف بالحكمة والرزانة مركزه نصائحها وحكمتها في خدمة البطل التراجيدي، كما هو واضح في العديد من هذه المسرحيات ومنها مسرحية (اوديب ملكاً).
الجوقة: "اني ارى نفسي احمق جاهلاً ان اعرضت عنك او قصرت في ذلك"( ).
3- التعاطف مع شخصية البطل، اذ تلعب دور الصديق المخلص، فجوقات (اسخيلوس وسوفوكلس) في مسرحية (الكترا) قمن بدور الناصحات والصديقات والمخلصات للبطلة (الكترا) والمحرضات على الانتقام من قاتل ابيها (اجاممنون). اما (يوربيدس) فهو الاخر لم يهمل هذه الخاصية، ففي مسرحيات (ميديا، فيدرا، اندروماخي) مثلاً جعل الجوقة في كل واحدة من هذه المسرحيات تصطف الى جانب البطلة، ففي مسرحية (اندروماخي) تالفت الجوقة من النساء اللائي يشعرن من خلال تقلبات مصير البطلة بكل قسوة، مصير المراة وفضاعته"( ).
4- عدم المشاركة في اعمال العنف حتى وان تطلبها الموقف الدرامي، ومن اجل التقيد بهذا الشرط فان المؤلف المسرحي يجعلها تختلق اسباباً كثيرة تمنعها من اللجوء الى العنف والاشتباك بالايدي وغير ذلك، "ان الجوقة لا تشترك في الصراع الدائر بين الشخصيات على خشبة المسرح بل تلتزم الحياد التام وتبقى في مكانها على الاوركسترا حيث مراقبة الفعل"( ).
وظائف الجوقة:سيحاول الباحث استعراض اهم الوظائف التي اسندت الى الجوقة في المسرحيات الاغريقية القديمة وهي على النحو الاتي:
1- تزويد المتفرج بمعلومات تسبق وقوع الاحداث الدرامية الجارية والتعليق عليها والاعلان عن مغزاها فانها تقوم "بتفسير اقوال الممثلين او التعليق على الاحداث الجارية او مساعدة المتفرجين على ادراك بواعث الحدث"( ).
2- تقوم بتهيئة الجو العام في الجزء الذي ياتي بعد المقدمة وهي تدخل المسرح لاول مرة، وهي تنشد بمصاحبة (الناي).
3- متابعة سير الاحداث وتبادل الحوار من وقت لاخر مع اشخاص المسرحية اساسه تقديم النصح والحكمه، وقد تاخذ احياناً دوراً رئيساً في المسرحية كما في المسرحية  (الضارعات) لمؤلفها (اسخيلوس).
4- تقوم بدور الوسيط بين ابطال المسرحية، كما انها تقوم بطرح بعض الاسئلة التي تتعلق بمصير الانسان وعلاقته بالكون.
5- كانت اغاني واناشيد ورقصات الجوقة عاملاً ملطفاً ومهدئاً لبصر المشاهد وعقله فيما بين المشاهد التمثيلية"( )، حينما تبلغ ضغوط الاحداث الدرامية قمة ذروتها.
6- تعد اداة ربط، اذ تقوم بربط كل مشهد بالمشهد يليه عن طريق اغانيها واناشيدها ورقصاتها.
7- من وظائفها انها تؤدي دور المتفرج المثالي الذي يستجيب للاحداث الدرامية التي تجري في المسرحية.
8- كانت اغانيها واناشيدها ورقصاتها تضفي على المسرحية جاذبية.
9- تكون "شاهد على افعال البطل باتزانها واعتدالها وتواضعها، أي انها تظهر تهور البطل وغطرسته وطموحه اللامحدود"( ).
10- تساعد في خلق الجو العام للمسرحية ككل. كما انها تساعد في زيادة وتصعيد التاثيرات الدرامية في المسرحية"( ).
وظيفة الجوقة في العرض المسرحي الاغريقي القديم:كانت العروض تقدم على خشبة المسرح الدائم الذي يعرف باسم (مسرح ديونيسيوس)، وقد ذكر ان عدد المتفرجين الذين كانوا يحضرون تلك العروض كان يصل الى خمسة عشر الف او سبعة عشر الفا متفرجا والمعروف ان هذا المسرح يتكون من (الاوركسترا)، ولعل اهم ما يميز هذا المسرح هو مكان الرقص، فكانت الجوقة ترقص وتغني فيه او تقف فيه اثناء الحوار، أي انها كانت تبقى في العادة في هذا المكان طوال مدة التمثيل كلها.
لقد كانت وسائل الاخراج محدودة جداً، فكان العرض قبل مجيء (اسخيلوس) يتسم باغلبيته بالانشاد والغناء وحركات الرقص حتى تطور بشكل ملحوظ على يد (اسخيلوس) الذي ادخل بعض التعديلات حيث ابتدع شخوص راقصة وايماءات واشارات تعبيرية صامتة جديدة للجوقة.
ولعل اهم ما يميز العرض في هذه المرحلة شكله البسيط الذي كان يعتمد بالدرجة الاساس على:
1- " الخطابة والانشاد والغناء على صعيد الاداء الصوتي.
2- الحركات الواسعة القليلة في الاداء الجسماني.
3- الاعتماد على الاقنعة في تعبيرات الوجه"( ).
كما اعتمدت جماليات العرض على قوة الصوت وجمال موسيقى الشعر، وقد اتخذ الاداء الصوتي ثلاث اشكال وهي الالقاء الخطابي والترتيل والغناء و"كانت حركات الجوقة في المأساة بطيئة فخمة مروعة، اما العرض الصامت فكان وقوراً مهيباً،ورقصة من هذا النوع حيث الاستجابة الحساسة من الجسد كله لافكار معينة من المسرحية وليس التحريك الايقاعي الالي من القدمين، هي ابعد ما تكون عن احداث البلبلة بل انها تساعد على زيادة اثر القصة المحزنة التي تعرض على خشبة المسرح"( ).
لم يكن الرقص في المسرح الاغريقي مجرد حركات وانما كان يعد تعبيراً عن الافكار بواسطة الجسد شأنه في ذلك شان الموسيقى كتعبير عن الافكار ومن القواعد التي كانت متبعة هي دخول الجوقة بمسيرة منتظمة واحياناً "يدخل افراد الجوقة الى خشبة المسرح منفردين او مجموعات صغيرة ومن جهات مختلفة، وكانت المقاطع التي تخص الجوقة تتسم بالرقص والغناء الموحد واحيانا كانت الجوقة تقسم الى مجموعتين تتناوبان الاداء وفي بعض الاحيان تتبادل افراد الجوقة المقاطع الحوارية مع الشخصيات وفي حالات نادرة يتفوه افراد الجوقة بجمل معينة. اما عن تشكيلاتهم لا توجد أي معلومات كافية كيف تتغير خلال المقاطع الغنائية"( ).

ومن الوظائف التقليدية التي كانت تقوم بها الجوقة في العرض المسرحي:
1- انها كانت تعلن قدوم بعض الشخصيات الى المسرح لكي يتعرف المتفرج على الشخصية التي سوف تظهر امامه.
2- كانت باغنيها ورقصاتها تعطي الفرصة للممثل لتغيير ازياءه والاستعداد للقيام باداء شخصية اخرى غير الشخصية التي كان يقوم بها.
3- كانت الجوقة اداة مهمة لمنع خلو المسرح ولو لفترة ما بين فصول المسرحية، اذ لم يكن في ذلك الوقت الستارة مستخدمة.
4- كان من ابرز وظائفها هي الاسهام في ابراز الصورة الدرامية وان يعكسوا حركات الممثلين وان يعبروا عن كل احاسيسهم وانفعالاتهم بحركات ايقاعية معبرة"( ).
5- "ان غناء الجوقة واناشيدها وحركاتها يساهم في خلق المؤثرات المسرحية.
6- تاسيس الاجواء المناسبة وتصعيد التاثيرات الدرامية"( ).
7- كانت اغاني واناشيد ورقصات الجوقة لها الدور الكبير في تحقيق الايقاع المناسب في العرض.
تقاليد المسرح الاغريقي القديم:
لقد تحددت الدراما الاغريقية ومنها التراجيديا باعراف او تقاليد وعلى مدى سنوات طويلة، فكان لزاما على جميع كتاب المسرحيات التراجيديا وكذلك القائمين على تقديم العروض المسرحية التقيد بها وعدم تجاوزها وهي:
1- ان العرف في التراجيديا الاغريقية كان يقتضي ان تبعد عن العرض المسرحي المشاهد العنيفة كالقتل وسفك الدماء"( ). ووفقاً لهذا التقليد ينبغي ان لا يرى المتفرج مثلا (ميديا) تذبح اولادها امام اعين المتفرجين، فالعرف نص على ان يجري مثل هذا الفعل خلف الكواليس على ان تروى بعد حدوثها على لسان احد الاشخاص المكلفين بهذه المهمة عن طريق السرد، فاوديب مثلا تم فقيء عيونه داخل القصر ثم قام الخادم بسرد الحادثة الى الجوقة.
2- من التقاليد المتبعة ايضا في العرض "ان تبقى الجوقة في الاوركسترا وتؤدي فيه اغانيها، اناشيدها ورقصاتها، اما الممثلون فيقومون باداء ادوارهم على خشبة المسرح التي كانت ترتفع قليلا عن مستوى الاوركسترا"( )، وكان العرف او التقليد في العرض يمنع صعود الجوقة الى خشبة المسرح، اذ كان محضور عليها ان تتدخل في الفعل الدرامي او تغييره لصالح شخصية دون اخرى، لان الجوقة كانت بمثابة جمهور تدور الاحداث الدرامية امامه فيعلق عليها دون ان يقوم بصنعها.
3- ومن التقاليد التي ينبغي على الجوقة التقيد بها وهي "ان لا تفعل شيئاً ذا بال من اجل البطل، انها ترى وتسمع كل شيء دون ان تحرك ساكن"( ). انها تكتفي بذرف الدموع على البطل في محنته دون ان تفعل من اجل شيئاً انها لا تفعل شيئ ما الا اظهار تاثرها واشفاقها على الفاجعة التي تحل بالبطل.

ملخص حكاية مسرحية (اوديب ملكاً): تدور احداث المسرحية حول موضوع انتشار وباء الطاعون في مدينة (طيبة) اليونانية، فيبعث ملكها (اوديب) رسولاً وهو (كريون) شقيق زوجته الملكة (جوكاستا)، لمعرفة الاسباب التي ادت الى انتشار هذا الوباء، وبعد الاستفسار الذي اجراه هذا الرسول مع كهنة المعبد، يعلم ان السبب الحقيقي هو وجود (رجس) في المدينة يجب الخلاص منه لكي يمكن انقاذ المدينة من ذلك الوباء، وبعد رحلة طويلة من البحث والاستفسار التي قادها (اوديب) بنفسه يتوصل عن طريق استجواب كلاً من راعي الملك (لايوس) وراعي ملك مدينة (كورنثة) بانه هو (الرجس) وقاتل ابيه وهو ايضا زوج لامه الملكة (جوكاستا) التي انجبت منه اربعة ابناء هم اخوة له، لتنتهي المسرحية بانتحار الملكة (جوكاستا) وقيام (اوديب) بفقيء عينيه ثم نفي نفسه خارج مدينة طيبة عقاباً للاثم الذي اقترفه.
العرض:لقد حاول المخرج بعد تجاربه السابقه للعروض (انتكونا والكترا) التي قدمها على خشبة المسرح الدائري في (اكاديمية الفنون الجميلة) ان يلحقها بتجربة اخرى وهي عرض مسرحية (اوديب ملكاً) لمؤلفها (سوفوكلس) تواصلاً مع المنهج الذي اختطه في تقديم عروض من المسرحيات الاغريقية القديمة (الطرازية) بثوب معاصر، ومن اجل تحقيق رؤيته المعاصرة قام ببعض الاجراءات التي وجدها ضرورية من اجل ان يجعل العرض قريبا من ذائقة المتلقي الحالي، اذ ان من وظائف المخرج الاساسية في معالجاته للمسرحيات القديمة ان يعمل على تفسيرها ابداعيا الى جمهوره، لذا توجب عليه ان يحقق نوعاً من وحدة المعالجة تنسجم فيها فلسفة النص القديم والمعالجة الاخراجية المعاصرة، ذلك ان المسرحية الاغريقية الطرازية لها شعائريتها التي تتسم بها فضلاً عن تكنيكها القديم الذي لا يمكن للمخرج المعاصر ان يتجاهلها، كما لا يمكن في نفس الوقت ان يقدمها كما لو كان يقدمها من خلال متحف اثري.
واستناداً على ما تقدم من اساسيات، قام المخرج ببعض الاجراءات على بنية النص الاصلي لمسرحية (اوديب ملكا) ومنها الجوقة لغرض تحقيق رؤيته الاخراجية في ملائمة النص القديم لذائقة متلقيه الحالي.
ومن ابرز هذه الاجراءات:
1. تكثيف النص واختزال المقاطع الاستطرادية الطويلة والمملة فمن المعروف ان هذا النوع من المسرحيات قد يستغرق عرضها على خشبة المسرح اكثر من ساعتين ونصف بالصورة التي عليها في النص الاصلي وهو ما يمكن ان يبعث على الرتابة والملل في نفس المتفرج المحلي الذي يختلف ذوقه وايقاعه عن متفرج عصر المسرحية الذي كتبت له. وهي ايضاً محاولة من المخرج تقديم العرض بشكل تحتل فيه الصورة المسرحية المكانة الاولى لتجعل المتفرج يرى الاحداث الدرامية التي تجري امامه بصورة مرئية لا ان يخبر عنها وصفياً، ملتقياً بذلك المخرج مع ما اشار اليه المخرج البولوني (كروتوفسكي) بقوله "ان جمهور المسرح يهفوا الى الرؤية اكثر مما يهفو الى الاستماع ويلم بالاحاسيس العامة للعمل المسرحي من خلال القيم الرمزية لا من خلال الكلمات"( ).
2. اعادة صياغة الحوار وجعله يؤدى بلغة قريبة يسهل تقبلها من قبل المتفرج، اذ ان المسرحية الاغريقية القديمة "يتسم حوارها بايقاعات ونماذج شعائرية متعاقبة واخص مميزاته انه لم يكن حوار اللغة اليومية، بل كان حوار الدراما الشعائرية"( ).
3. اضاف ونقل العديد من المقاطع الحوارية الخاصة ببعض الشخصيات الرئيسة وجعلها تجري على لسان الجوقة وذلك من اجل ابراز سلطتها الجديدة وتفعيل دورها في تحريك الاحداث الدرامية بشكل اعمق، وفضلاً عن ذلك لاعتماد المخرج بالدرجة الاساس على امكانياتها التي يمكن الاستفادة منها في تجسيد الافكار المجردة باسلوب التشكيل عبر صور جمالية دالة تسهم في اغناء العرض المسرحي بما تعطيه من متعة بصرية موحية، مجرباً بها المخرج مفهوم المخرج الانكليزي (كوردن كريك) الذي "يرى ان المسرح ملزم بان يعي حاجات النظارة البصرية اذا ما اراد ان يحصل على قلوبهم، ان خلق الصورة منبع لعملية الخلق الفني وفيها اساس المسرح كفن حي"( ).
4. من اجل ان تحقق التجربة اهدافها المرسومة لها قام المخرج باعادة تركيب الجوقة وذلك باطلاقها من دورها المرسوم لها ومنطلقاً بها من مواقعها الكتلوية الساكنة الى مواقع اكثر ديناميكية فجعلها تتحرك بحرية في بيئة العرض.
5. اضاف مشهدين جديدين هما مشهد (السرير) ومشهد فقيء الجوقة لعيونها، وذلك تعزيزاً لفكرة المخرج الفلسفية للعرض.
لقد ركز المخرج في تجربته الاخراجية لمسرحية (اوديب ملكا) بوعي اجتماعي/تخيلي على حركة الجوقة واسلوب نطقها للحوار، فاهتم باوضاعها التشكيلية المعبرة في وسط المسرح الدائري بينما المتفرجون لازالوا يدخلون مكان العرض وانين وتاوهات الجوقة تستقبله وهي تزدد بعض الحوارات القصيرة التي اخذها من المقطوعات الحوارية الطويلة التي وردت على لسان رئيس الجوقة في المشهد الاستهلالي وكان مجموعها تسعة وعشرون سطراً فاعاد المخرج صياغتها من جديد لتكون على النحو الاتي:
الجوقة: (اواه..اواه،ـ وامصيبتاه لقد اصابنا الطاعون، أصاب نساءنا بالعقم..لقد أهلك ودمر زرعنا، حقولنا وماشيتنا..اي اوديب..اي مليكنا انقذنا.. انقذ مدينتا كما انقذتها من قبل..)
اضافة الى ذلك فقد مزجها المخرج ببعض التنغيمات من مورثنا المحلي في عملية لخلق الجو العام، فجاءت هذه النبرات الصوتية المثيرة للاسى والحزن تكثيفا للمقطوعات الحوارية الطويلة التي ضغطها لمسك ايقاع العرض وجعله يتنامى ويتصاعد، كما جاء التكثيف استجابة معاصرة لطبيعة المتلقي الان، بالاضافة الى جوهر الصورة الطقسية المتشكل من الايماءات والاشارات التي تذكرنا بالاوضاع والاجواء الرثائية والتعزية الحسينية (اللطم على الصدور والرؤوس) التي جسدتها الجوقة بقرع الارض بالايدي،وفضلاً عن ذلك فقد جاء التكثيف ليركز على اهمية الصورة المسرحية بوصفها تعبيراً عن (الوجدان الجمعي) فالاساس في هذا العرض هو الصورة الطقسية التي تم بناؤها من داخل النص نفسه، انها محاولة من المخرج من اجل ايجاد تكوينات فنية من مختلف الاشكال المؤثرة في اللاوعي الجمعي عن طريق مختلف التشكيلات الجسدية للجوقة والتي كانت تميل الى اسلوب (مسرح التعازي)، فالقرع على الارض اعطى صورة معبرة لواقع حال الجوقة وما تعانيه من اسى وحزن من جهة وتصعيد حدة التوتر لدى المتفرج بايقاعات ممزوجة بالدهشة والاستثارة الوجدانية. لقد كان لهذا الطقس اثره في توظيف النص الطرازي ونقله من بيئته الطرازية الى بيئة جديدة اوحت بامكانية تطويع هذه النصوص الى اشكال جديدة على الرغم من محافظته على طرازية الزي والمنظر المسرحي الثابت في جو العرض ودون ان تغيب عنها افكار النص الرئيسة.
اعتمد عرض مسرحية (اوديب ملكا) على نوعين من المناظر المسرحية، منظر ثابت تمثل بقصر الملك (اوديب) المعروف بطرازيته المعهودة والذي تجسد على محيط خشبة المسرح الدائري في الجهة المقابلة لدخول المتفرجين، ومناظر غير ثابتة انيطت مهمة تجسيدها الى الجوقة، فمن المعروف ان المسرح الدائري لا يميل الى استخدام القطع الديكورية ذات الكتل والحجوم الكبيرة على خشبته اطلاقاً، لانها تؤثر بشكل سلبي على الممثل من جهة وتعيق درجة الرؤيا لدى المتفرج من جهة اخرى. ويؤكد المخرج والباحث الاكاديمي (سامي عبد الحميد) ان "الملامح التي ميزت العرض بساطة ديكوره وازياؤه وحركة المجاميع واداء تمثيلهم المعبر وطريقة توزيعهم وتجميعهم مما اعطى العرض ايضا صفته الطرازية"( ).لقد اعتمد المخرج بالدرجة الاساس على الجوقة في تجسيد مناظره الغير ثابتة اذ انها استطاعت ان تجسيد العديد من المناظر التي تظهر وتختفي بسرعة حسب اللحظة الدرامية ومنها (خيمة، عربة/قبور، سور، محكمة، سرير...).
ولعل من ابرز التحولات الجمالية التي شكلها المخرج في تعميق الاجواء السينوغرافية المتاصلة في رحم الاسطورة الاغريقية هي امكانات تحول العلامة (الباب) الموجودة في مدخل القصر التي يدخل ويخرج منها الملك (اوديب) وزوجته الملكة (جوكاستا) التي هي امه الحقيقية، الى سرير جنسي (ايروتيكي) للدلالة على الممارسة الجنسية والرجس القادم من وراء الابواب، لقد لعبت الجوقة دوراً اساسياً في تشكيل هذا السرير اذ اصبحت اجسادها دعامات له. ومن هنا يبدو فعل التغيير في وظائف الجوقة المعلقة على الاحداث الجارية عبر تبادل الادوار والتفاعل معها،فتارة تبدو بانها اشبه بالقاضي وتارة اخرى تبدو انها شهود وتارة تبدو كانها امتداد سماوي بين الارض والسماء تكشف عن بواطن الخطيئة والرجس الهابط الى الارض. لقد مثل السرير الذي ابتكره المخرج استعارة موفقة اذ لعبت دور نواة تنبثق منها حبكة العرض، فقد حاول المخرج بشكل جمالي ان يعبر بعمق عن فكرته بان الشخص الذي يمثل الدنس بكل ثقله والذي يجري البحث عنه انه يقبع خلف بوابة القصر.
لغرض التواصل من حيث التشكيل الصوري ذي الدلالات الموحية في العرض المسرحي، فقد اعتمد المخرج في تحقيق هذه المهمة على الجوقة مع ملحقتها (العصا) التي لازمت افرادها طيلة مدة العرض، فكانت خير وسيلة واسناد للمخرج في تاثيث عرضه المسرحي بالمناظر المسرحية والتكوينات البصرية المعبرة وتزويده بالمؤثرات الصوتية وما قد تعجز عنه العناصر الاخرى تصويره، نظراً لما تتمتع به هذه القطعة الاكسسوارية من خفة تسمح باجراء تغييرات سريعة، اذ صار المنظر المسرحي يظهر ويختفي بسهولة وسرعة دون حدوث ارباك او تاثير على بيئة وفضاء العرض، ويمكن القول انه لا وجود للمنظر في عرض مسرحية (اوديب ملكا) الا في لحظة وجود الجوقة والعصا اذ عن طريقهما شكل المخرج ابعاد هندسية تدلل على (دروع، سهام، قبور، خيمة...الخ) وكثيرا ما يستخدم المخرج الصورة (العصا) باوضاع مختلفة من قبل افراد الجوقة لتحقيق تكوينات تحيل المتفرج الى العديد من المعاني والافكار التي اراد ان يبوح عنها العرض، فضلا عن ذلك فان هذه العصا تصبح مؤثرا صوتياً فاعلاً ومنسجماً مع حوارها المنطوق على ايقاع وارتفاع صوت القاريء الحسيني (رئيس الجوقة) وحين تقرع الجوقة خشبة المسرح بالعصي فانها تجسد لنا اصوات (الضرب على الصدور) كما هو معروف في مسرح التشابيه والتعزية التي تجري طقوسها ايام عاشوراء. ان هذه العلاقات والتركيبات للحركة والصوت والتداخل بين الصورة المرئية والصورة الصوتية هي النوعية المميزة لعروض المخرج (عادل) فهو يشتغل على مساحة (التصور الجماعي للتكوين البصري)، حتى في استخدامه للمواد الاخرى اذ استخدمت الجوقة (الطاسة والطين) وكلاهما مفردات مخزونة في وعي الجماعة- البيئة، لان الصورة هنا ما هي الا (العلاقة المرئية التي تثير فينا انفعالاً لدى مشاهدتها، فكل حركة تقوم بها الجوقة هي صورة رمزية للوجدان الانساني في حالة معينة، فالحركة الواقعة- واصوات الجوقة ذات النبرات المحلية وهي تنطلق بصوت جماعي هارموني فهي تعبير عن تعقيد وثراء الحياة الباطنية للانسان.
كما حاول المخرج عن طريق هذه المفردة انتاج وتوليد العديد من المؤثرات الصوتية دون الاستعانة بالمؤثرات الصوتية المسجلة فانها استطاعت ان تولد اصوات نذير الشؤوم الذي سوف يحل بالمدينة والى جانب ذلك فانها منحت العرض اصوات ونغمات متنوعة كان لها الاثر البالغ في تصعيد حدة التوتر لدى المتفرج بايقاعات ممزوجة بالدهشة والاستثارة العاطفية لما يحدث امامه، وفضلاً عن ذلك فانها منحت الممثل ايقاعاً ونبضاً وشحنا داخلياً وكذلك نبضاً لعالم الخشبة.
وفي مشاهد الصراع الدرامي الحادة التي تجري بين الملك (اوديب) وكلاً من العراف (ترسياس) والامير (كريون) شقيق الملكة (جوكاستا) زوجة الملك (اوديب)، والذي ينتهي بينهما بشجار عنيف اذ يتهم بعضهم البعض بالقتل والتآمر والخيانة كما هو مبين في الحوارات الاتية:
اوديب: اني اتهمك بانك اشتركت في الجريمة، دبرتها وهيئتها ولم تبرأ منها..ولو كنت بصيراً لقلت انك وحدك القاتل.
ترسياس:اذن اسمع مني...انك انت الرجس الذي يدنس هذه المدينة. وانت قاتل هذا هذا الرجل الذي تبحث عنه.
اوديب:اتبلغ بك الجرأة ان تنطق بمثل هذا الكلام..انك لن تستطيع ان تكون بمأمن مما تستحق من عقاب"( ).
لقد قام المخرج عبر هذه الحوارات بزج الجوقة في خضم الاحداث المتازمة فحركها وجعل حركتها مترتبة على منطقية الحدث بعدم حبسها او عزلها كونها شاهد، فالشاهد العصري لابد ان يكون له راي وموقف مما يجري امامه لا ان يكون متفرجاً فقط، فان ذلك لا يستقيم مع منطقية الحياة المعاصرة،لذا فالجوقة في عرض مسرحية (اوديب ملكا) لم تلتزم الموقف الحيادي الذي عرفت به على امتداد المسرحيات الاغريقية القديمة التي شاركت فيها،وكانت وظيفتها محصورة بالتعليق على الاحداث وتبادل الحوار مع الشخصيات الرئيسة، ولا يجوز لها التدخل في مجريات الاحداث الدرامية، غير ان المخرج (عادل) قد اضفى عليها روحية معاصرة تجلت بشكل اساس في دور الجوقة الذي ظهر بعيداً عن وظائفها التقليدية،فجعلها تشترك في الصراع الدائر بين (اوديب) والعراف فاقامت عن طريق اجسادها والعصي التي تمسك بها (سوراً) منيعاً لم يستطع (اوديب) اختراقه وبالتالي لم يتمكن من ان ينال من خصمه (ترسياس).
وفي المشهد الذي تدور احداثه الدرامية بين (اوديب) وكريون والذي ينتهي ايضا بشجار بينهما يؤدي الى الاشتباك بالايدي كما هو مبين في الحوارات الاتية:
اوديب: انك خائن . 
كريون: ان كنت مخطئاً في هذا الراي . 
اوديب: يجب ان تطيع برغم ذلك . 
كريون: كلا، لا طاعة اذا كان كان القاضي جائراً . 
اوديب: يا للمدينة..يا للمدينة . 
كريون: ماذا تريد مني . 
اوديب: اريد موتك"( ).
تندفع الجوقة بكل قوة لفك الاشتباك، ولم تكتفي بذلك فاحاطت (كريون) لحمايته ثم اخذت تقرع خشبة المسرح عن طريق العصي محدثة اصوات احتجاج واعتراضات يضطر (اوديب) على اثرها الانسحاب الى داخل القصر.
حاول المخرج ان يستثمر وجود الجوقة على خشبة المسرح في تجسيد العديد من الاحداث الدرامية التي وردت تفاصيلها في المسرحية على شكل سرد، لاجل ان يراها المتفرج بشكل مرئي عبر اجساد واصوات الممثلين انفسهم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، المشهد الذي يصف فيه الملك (اوديب) حكاية الرجل قتله في الطريق ذات الشعب الثلاث وكما في الحوار الاتي:
اوديب: كنت ماضيا في طريقي فلما قاربت المكان ذا الشعب الثلاث، رايت عجلة يقودها منادٍ وعليها رجل كالذي وصفته لي،وكانت العربة تدنومني، فيدفعني قائد العجلة، ويدفعني الشيخ ايضا بعنف لينحياني عن الطريق فاثور واضرب القائد الذي نحاني، ثم اخذ الشيخ يرفع سطوه ويهوي به على راسي، مما دفعني ذلك ان اصب على راسه عصاي بهذه اليد التي ترين فيهوي صريعا واقتل كل الذين كانوا معه"( ).
لقد قامت الجوقة بتجسيد الحادثة بكل تفاصيلها بشكل مرئي على الخشبة اثناء قيام الملك (اوديب) بوصف المعركة كاملة الى زوجته الملكة (جوكاستا) اذ تحرك بعض افراد الجوقة لاداء شخوص الحادثة وتحرك القسم الاخر لعمل تكوين على شكل ترسيمة مؤسلبة لعربة الملك (لايوس)، وكان لارتداء الكفوف البيضاء من قبل افراد الجوقة، وتغيير زي (العباءة) ذات الوجهين وذات اللونين اذ يتحول في هذا المشهد الى اللون الاسود ليصبح زيا يمثل الحرس الذي كان يرافق الملك (لايوس)، دون الاستعانة بجوقة اخرى، كما كان لاظلام المسرح واستخدام الاشعة فوق البنفسجية الدور الكبير في تجسيد جو المعركة وتمكن المخرج ان ينقل مشاهديه الى ساحة المعركة لغرض الاحساس بالماساة.ان المخرج في تصويره الجمالي للحادثة هذه حاول ان يلامس مفهوم المخرج (مايرهولد) في اعتماده جسم الممثل للدلالة على الاشياء المرئية وتشكيل الصورة الجمالية في العرض فانه يرى "بان المخرج يمد جسراً بين الممثل والمتفرج عن طريق حركات الايدي واوضاع الجسم وتشكيلاته والتي من شانها ان ترغم المتفرج على فهم الحوار بالصورة التي يسمعه بها المخرج عبر اجسام الممثلين انفسهم، اما الصورة فمن اجل العين وهكذا يعمل خيال المتفرج تحت ضغط بصري وسمعي"( ).
لقد اتسعت وظيفة الجوقة وتعمق دورها، ولم تعد مجرد وظيفة تزينية،اذ ان مسار الاحداث في دلالات العرض قد اوجز ما يبلور الوظيفة الجديدة للجوقة في العرض عبر دلالات موحية،اعطت للجوقة قيمة مضافة حاول المخرج تجذيرها عند المتفرج..على الرغم من ان الذروة في العرض تم تحويلها من (اوديب ملكا) الى الجوقة حين كررت عملية فقيء العيون، وبذلك يكون الفعل قد انتقل من (اوديب) الى الجوقة وبدلاً من استخدام ادوات جارحة في عملية الفقيء، استخدم المخرج الطين وهي دلالة اجتماعية متعارف عليها عند المتفرج المحلي، حيث تدلل ان (اوديب) يلطخ بوحل مخازيه. ان فقيء الجوقة لعيونها كان عقاباً لها لانها لم تكن ترى ببصيرتها افعال اوديب المخزيه تلك، وانما كانت ترى بعيونها فقط دون تامل وتفكير بما يجري من حولها ومن اجل ان يبين المخرج تلك الدلالة حمل الجوقة تلك العملية، ولم تكتفي الجوقة بما قامت به بل راحت تلقي العصي التي تمسك بها على الارض، كدلالة عن تخليها عن حاكمها الغير شرعي لتعكس دلالته على المتفرجين لاستقرائها بعين الواقع.
للمخرج (عادل) طريقته الخاصة من تجسيده (الصورة الطقسية الوجدانية) وهذه الطريقة لا تخرج عن كونها رمزية، فهو لا يهدف الى التعبير عن حالات وجدانية خاصة وانما يريد ان ينقل الى المتفرج تلك الحالات الخفية التي لا يمكن ان يعبر عنها الا عن طريق الرمز.
وفي المشهد الختامي نرى (اوديب) وهو عاري من ملابسه الملكية التي اسقطها بنفسه وهي اشارة بعدم شرعيته كملك وكحاكم بعد انكشاف الحقيقة، وتظهر من حوله الجوقة مشكلة ستراً دائرياً عن طريق العباءات التي ترتديها وهي تبكي وتطلق صيحات الحزن وتلطم على الرؤوس باسلوب يقترب من خصوصية مجالس العزاء والمآتم الحسينية. ثم بعد ذلك يتقدم كلاً من (كريون والعراف ترسياس) ويمسك كل واحد منهم بطرف قطعة قماش طويلة بيضاء ويقومان بلفها حول جسد اوديب العاري وهي استعارة لصورة الكفن ورمز للموت.
لقد كانت الجوقة في عرض مسرحية (اوديب ملكا) تمثل ابلغ اداة اذ حاول المخرج عبرها ان ينقل بيئة العرض من بيئة اسطورية طرازية الى بيئة قريبة من ذائقة المتفرج المعاصر، وخاصة انه حملها العديد من المرموزات والدلالات التي تلامس الواقع الراهن.
نتائج البحث
1. كشفت التجربة عن امكانية تحقيق اداء تمثيلي وفق رؤية فنية معاصرة في المسرح الدائري.
2. تمكن المخرج من خلق نوعاً من الانسجام بين فلسفة النص القديم الطرازي والمعالجة الاخراجية في الاداء التمثيلي للجوقة.
3. استطاع المخرج من المزاوجة بين المنظر الثابت الطرازي والمناظر المتحولة والايماءات والاشارات والحركات المعاصرة.
4. كشفت التجربة عن امكانية اعادة صياغة وتركيب الجوقة من دون الاخلال باساسيات وافكار النص الاصلي.
5. كشفت التجربة عن امكانية الاستفادة من اجساد الجوقة في تجسيد الافكار المجردة باسلوب التشكيل المرئي عبر صور جمالية دالة تسمح في اغناء بما تمنحه من متعة بصرية موحية.
6. تمكن المخرج عن طريق الجوقة وملحقتها العصا تقديم صور ايضاحية لبعض الاحداث الدرامية،التي كانت بحاجة لتجسيدها مرئياً على خشبة المسرح بدلاً من نقلها وصفياً وذلك من اجل تحقيق التاثير المطلوب.
7. استفاد المخرج من الحوارات التي نقلها من الشخصيات الرئيسة وايضاً الحوارات التي اضافها الى الجوقة في تجسيد العديد من الانفعالات التي لا تستطيع التعبير عنها، فتؤديها الجوقة بحركات وتكوينات توحي بانفعالات الشخصيات الرئيسة.
8. توسعت مساحة الجوقة الادائية، فلم تعد مجرد وظيفة تزينية شكلية، اذ استطاع المخرج ان ينقلها من وظيفتها التقليدية الساكنة الى وظيفة ديناميكية، لها ثقلها في تفعيل بيئة العرض.
9. تمكن المخرج من ان يوحي بملحقة الجوقة العصا كاداة تؤدي وظيفة المؤثرات الصوتية تفرز وتساند فعل الممثل.
10. استثمر المخرج الجوقة وملحقتها العصا في تجسيد العديد من المناظر المتحولة التي تظهر وتختفي بسرعة حسب اللحظة الدرامية، وفي حالة افتقار العرض لوجودها فان ذلك يحدث خلل في منظومته ويمكن القول لا وجود للمناظر المسرحية في عرض مسرحية (اوديب ملكا) الا في حالة وجود الجوقة.
11. ابتعد الاداء التمثيلي للجوقة في عرض مسرحية (اوديب ملكا) عن الصيغة الخطابية والتمثالية التي تميزت بها العروض الاغريقية القديمة.
12. كشفت التجربة امكانية الاستفادة من الجوقة في استثمار العديد من الموروثات المحلية في اداء التمثيلي وفق رؤية اخراجية معاصرة.
13. افرزت التجربة امكانية ايجاد تكوينات بصرية متعددة ومتنوعة عبر تغيير حركة افراد الجوقة.
14. اضاف المخرج بعداً جديداً للجوقة لم تعهده من قبل، كسر به بعض التقاليد او الثوابت السائدة في المسرح الاغريقي، فقد اشركها في الاحداث الدرامية المتازمة فاصبحت طرفاً من اطراف الصراع، وبهذه الوظيفة الجديدة تكون الجوقة قد خرجت عن المالوف التقليدي لطبيعتها الذي ينص على التزامها جانب الحياد.
15. يمكن النظر الى الجوقة وفق نظام العلامات التي لها القدرة على بث معاني ودلالات تتناسب وذهنية المتفرج الحالي.
16. اظهرت التجربة امكانية تقديم قراءات اخراجية جديدة للنص الاغريقي القديم بما فيها الجوقة، وفق منطق العصر الحالي وليس وفق منطق العصر الذي كتبت فيه.
17. تمكن المخرج من كسر التقليد الذي نص على ابقاء الجوقة خارج خشبة المسرح فجعلها تتحرك على الخشبة طيلة مدة العرض فلم تغادرها وبذلك يكون قد نقلها من واقعها الكتلوي الساكن الى كتلة ديناميكية فاعلة في العرض.

الهوامش 

( 1)  سورة ال عمران، الاية (159).
( 2)  احمد زكي بدوي، و صديقه يوسف محمود، المعجم العربي الميسر، ط1، القاهرة، دار الكاتب المصري، 1991، ص296.
(3 )  سمير عبد الرحيم الجلبي: معجم المصطلحات المسرحية، بغداد، دار المامون لترجمة والنشر، 1993، ص42-ص43.

( 4)   ابراهيم حمادة: معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية، القاهرة، دار الشعب، 1971، ص 124.
(5 )  ليون شانصويل: تاريخ المسرح، ترجمة شرف الدين نعمان اباظة بيروت، منشورات عويدات، 1960، ص17.
(6 )  جون رسل تيلر: الموسوعة المسرحية، ج1، ترجمة سمير عبد الرحيم جلبي بغداد، دار المامون للترجمة والنشر، 1991، ص119.
(7 )  ابراهيم سكر: الدراما الاغريقية، القاهرة، وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للتاليف والنشر، دار الكاتب العربي، د.ت، ص7.
( 8)  المصدر السابق، ص8.
(9 )  سوفوكلس، من الادب التمثيلي اليوناني، ترجمة طه حسين بيروت، دار العلم للملايين، 1981، ص160.
( 10)  المصدر السابق، ص 219.
( 11)  جميل نصيف، قراءة وتاملات في المسرح الاغريقي بغداد، دار الحرية للطباعة، 1985، ص216.
(12 )  محمد حمدي ابراهيم، دراسة في نظرية الدراما الاغريقية، القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1977، ص 84.
( 13)  عبد المعطي شعراوي: التاثير الدرامي للجوقة عند سوفوكلس، المسرح والسينما، القاهرة، العدد 25 يناير 1966، ص91.
( 14)  محمد حمدي ابراهيم: مصدر سابق، ص84.
( 15)  المصدر السابق، ص 87.
(16 )  سامي عبد الحميد: قديم المسرح جديده وجديد المسرح قديمه، مهرجان بغداد لمسرح الشباب، الدورة الاولى، 2012، ص55.
(17 )  المصدر السابق، ص55
(18 )  فردب ميليت وجيرالدايس بنتلي، فن المسرحية، تر: صدقي خطاب بيروت، دار الثقافة، د.ت، ص71.
(19 ) Brechet, oscar G. History of the Theater, Boston, Allyna Bacon, INC, 1970 , PP.24-25.
( 20)  عبد المعطي شعراوي: مصدر سابق، ص 94.
(21 )  سامي عبد الحميد: مصدر سابق، ص55.
(22 )  محمد حمدي ابراهيم، مصدرسابق، ص80.
(23 )  المصدر السابق، ص84
(24 )  المصدر السابق، ص86.
(25 )  سعد اردش: المخرج في المسرح المعاصر، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، 1977، ص99.
(26 )  احمد زكي: المخرج والتصور المسرحي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988، ص61.
( 27)  سليم الجزائري: مخرجون عالميون، الاقلام بغداد، العدد الاول، 1979، ص 91.
( 28)  سامي عبد الحميد، الكترا واوديب نموذجان للمسرح الاكاديمي، جريدة الجمهورية، بغداد، 5 تموز، 1989.
(29 ) سوفوكلس، مصدر سابق، ص ص 204-205.
(30 )  المصدر السابق، ص 216.
( 31)  سوفوكلس، مصدر سابق، ص 224.
( 32)  عقيل مهدي: نظرات في فن التمثيل بغداد، مطبعة الجامعة، 1988، ص 157.


المصادر: 
1. ابراهيم حمادة:معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية، (القاهرة، دار الشعب، 1971).
2. ابراهيم سكر:الدراما الاغريقية،(القاهرة،وزارة الثقافة،المؤسسة العامة للتاليف والنشر،دار الكاتب العربي، د.ت).
3. احمد زكي:المخرج والتصور المسرحي، (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988).
4. احمد زكي بدوي، وصديقه يوسف محمود، المعجم العربي الميسر، ط1، (القاهرة، دار الكاتب المصري، 1991).
5. بنتلي، جيرالدايس وفردب ميليت، فن المسرحية، ترجمة صدقي خطاب (بيروت، دار الثقافة، د.ت).
6. تيلر،جون رسل:الموسوعة المسرحية، ج1، ترجمة سمير عبد الرحيم جلبي (بغداد،دار المامون للترجمة والنشر،1991).
7. الجلبي، سمير عبد الرحيم:معجم المصطلحات المسرحية، (بغداد، دار المامون لترجمة والنشر، 1993).
8. الجزائري، سليم: مخرجون عالميون، الاقلام (بغداد، العدد الاول، 1979).
9. جميل نصيف، قراءة وتاملات في المسرح الاغريقي (بغداد، دار الحرية للطباعة، 1985).
10. سامي عبد الحميد،الكترا واوديب نموذجان للمسرح الاكاديمي،جريدة الجمهورية،(بغداد،5تموز، 1989).
11. ــــ،ـــــ:قديم المسرح جديده وجديد المسرح قديمه،مهرجان بغداد لمسرح الشباب،الدورة الاولى، 2012.
12. سعد اردش: المخرج في المسرح المعاصر،(الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، 1977).
13. سوفوكلس، من الادب التمثيلي اليوناني، ترجمة طه حسين، (بيروت، دار العلم للملايين، 1981).
14. شانصويل،ليون: تاريخ المسرح، ترجمة شرف الدين نعمان اباظة (بيروت،منشورات عويدات، 1960).
15. عبد المعطي شعراوي:التاثير الدرامي للجوقة عند سوفوكلس،المسرح والسينما،(القاهرة، العدد 25 يناير 1966).
16. عقيل مهدي: نظرات في فن التمثيل (بغداد، مطبعة الجامعة،  1988.)
17. محمد حمدي ابراهيم،دراسة في نظرية الدراما الاغريقية،(القاهرة، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1977).
18. Brechet, oscar G. History of the Theater, Boston, Allyna Bacon, INC, 1970.


تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9