أخبارنا المسرحية

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الجمعة، ديسمبر 26، 2014

وفرة العروض وتميز الممثلين العجائز سمتا المسرح العالمي في 2014

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, ديسمبر 26, 2014  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 أعمال مسرحية وتجارب متجددة تنبني على نصوص متنوعة برزت في 2014 منها الاحتفاء بمرغريت دوراس من خلال عشرة عروض تحكي عنها.

جاور المسرح اليوناني القديم (سوفوكليس، أريستوفان، أوفيد) ومسرح العصر الوسيط (شكسبير، راسين، موليير) والمسرح الكلاسيكي (فكتور هوغو، فون كليست، تشيخوف) بمسرح أعلام القرن الماضي (كامو، جنيه، دورنمات، بريخت، إدواردو فيليبو، دوراس) والتجارب المسرحية الجديدة (جويل بوميرا، سيلفان كروزفو، بوب ويلسن).
كيف نخرج عملا مسرحيا بمقاربة ركحية حديثة؟ ذلك هو السؤال الذي لا يزال يشغل رجال المسرح منذ أعوام، حتى أولئك الذين يقدمون أعمالا كلاسيكية، فهم عادة ما يسقطونها على الواقع الراهن (كما فعل جاك فانساي في مسرحية “إيفونا أميرة بورغونيا” لفيتولد غمبروفيتش)، أو يضيفون عليها عناصر أخرى (شأن أوليفييه مانتاي وأوليفييه بوبيل في “مضار التدخين” لتشيخوف)، أو يخضعون النص لمؤثرات تقنية عصرية (على غرار بوب ويلسن في “زنوج” جان جينيه)..


الباحثون عن مقاربات جديدة، كل ما يشغلهم هو موقع النص من العمل المسرحي، فقد درج أغلبهم من جويل بوميرا في فرنسا وتوماس أوسترماير في ألمانيا ورودريغو غارثيا في أسبانيا إلى آلان بلاتيل في بلجيكا وروميو كاستلّوتشي في إيطاليا، على تفكيك النص الأصلي وإعادة تركيبه، أو كسر الحواجز والدمج بين مختلف الأنماط الفنية، أي الاستغناء عن النص وتحويل العمل المسرحي إلى عرض يحوي الرقص والغناء والموسيقى والفن التشكيلي والسينما والفيديو.

يقول الألماني نيكولاس ستيمان في تفسير مقاربته: “بريخت حطم الجدار الرابع، جدار الوهم، أما أنا فأريد تحطيم كل جدران المسرح. لا أريد أن أترك العالم ومشاكله خارج الخشبة”.

ويقول كورسيتي في هذا المعنى: “وضعنا مسألة وجود المخرج موضع مساءلة، وأقمنا بدلا عنها مجموعات من ممثلين ورسامين وراقصين وعازفين وسينمائيين، تبتكر لغتها انطلاقا من أنماط التعبير الخاصة بكل فئة، وهي في نظرنا الطريقة الأمثل”.
"رأس المال وقرده" تجربة شابة لمسرحية تثير الضحك والمرح رغم ألمها، في تحطيم للقواعد المسرحية المعروفة


وقد حوى عام 2014 كل هذه الألوان من المسرح، ولقيت عروضها نجاحات متفاوتة، بعضها عامله النص وحده، وبعضها نتيجة إخراج مبتكر، والبعض الآخر بفضل تضافر عبقرية المؤلف وموهبة الممثل.


تجارب متجددة

كثيرة هي الأعمال المسرحية التي تنبني على نصّ قصصي (كما هو الشأن في مسرحية “ليلة سهد” عن قصة للياباني هاروكو موراكامي)، أو روائي (رجل نائم عن رواية لجورج بيريك)، أو سيرة أحد الأعلام (مثل “دوراس، الحياة التي تمضي” عن سيرة الأديبة مرغريت دوراس)، أو حدث تاريخي (غضبة النمر عن العلاقات المتوترة بين كلود مونيه وكليمانصو).

ولكن أن يتحوّل “رأس المال” لماركس إلى عمل مسرحي، فذلك حدث بارز صنعته مجموعة من الشباب الطامحين إلى تحطيم كل القواعد المسرحية المعروفة، وساهمت به في مهرجان الخريف بباريس.

هذا الكتاب الذي يعتبره ماركس نفسه “أخطر صاروخ ألقي على رأس البورجوازية”، كان مادة مسرحية بعنوان “رأسُ المال وقردُه”، أنتجتها الفرقة الوطنية بمدينة أنجي، وتمّ عرضها بمسرح “الهضبة” بباريس. وإخراجها بالأسلوب الذي درج عليه الشاب الموهوب سيلفان كروزفو، مرجع كل الممثلين الراغبين في ابتكار طريقة مشتركة للاشتغال على مسرح اليوم.


نصوص مكرسة

لقيت عروض 2014 نجاحات متفاوتة، بعضها عامله النص وحده، وبعضها نتيجة إخراج مبتكر
“أمير همبورغ” للألماني هاينريخ فون كليست مسرحية ذات منحى سياسي، عدّها النقاد منذ عرضها الأول رسالة من المؤلف إلى أسرة الهوهنزوليرن البروسية، لحثها على إعلان الحرب على نابليون وتحرير الأراضي الألمانية، ولكن كورسيتي لم يلتزم بهذا الجانب التاريخي، وفضل عليه أبعادا أخرى، لأن المسرحية في رأيه لغز دائم. فهي في رأيه تراجيديا تتخللها تجليات خاطفة ومواقف متشظية ولحظات تتراوح بين الضوء والعتمة.

“الأصوات الداخلية” مسرحية ينهض بإخراجها وأدائها توني سرفيلّو، وله شبه كبير بمؤلفها إدواردو دي فيليبو، من حيث جمعه بين الفنين المسرحي والسينمائي، تأليفا وتمثيلا وإخراجا.

وقد أجاد سيرفيلّو الذي تقاسم دور البطولة مع أخيه بيبّي في إبراز جنون ألبرتو، شخصية تقمصها كاستعارة للدراماتورجيا وجعل ممثليه يتبادلون الأدوار على طريقة بيرانديلو.
لذلك لم يكن نجاح التمثل التخييلي رهن منظومة المسرحة، بقدر ما كان وليد حضور أشخاص حقيقيين قادرين على ترجمته ونقل أطواره. خصوصا عندما وقفوا صامتين على خشبة المسرح يتطلعون إلى الجمهور كأنهم “يبحثون عن مؤلف”، ليؤكدوا مأساة كل كوميديا ترتهن لأشخاصها.

في مئوية مولدها، حظيت مرغريت دوراس بعشرة عروض مستوحاة من أعمالها السينمائية أو من سيرتها، أو مستخلصة من حوارات كانت أجرتها مع بعض الأعلام، أو من تأليفها مثل “خليج سافانا”، التي تدور فكرتها حول الحب كجريمة، كحرقة، كما يتبدّى على صفحة مرآة الجمال والشيخوخة.

"الأم شجاعة وأبناؤها" حازت إعجاب الجمهور من حيث فكرة الاحتفاء

هي لقاء يجمع مادلين العجوز التي كانت ممثلة مسرح، وامرأة في مقتبل العمر لا اسم لها غير “المرأة الشابة”، تتجاذبان الحديث بلغة شعرية وتستدعيان أشباح الحب والموت التي سكنت ذاكرتيهما، خصوصا ذاكرة مادلين، التي تروي قصة حب انتهت بموت امرأة شابة، وهي تضع مولودها، قبل عشرين عاما، على ضفاف خليج سافانا.

“الزنوج” لجان جنيه تستمد شكلها من الحفل الشعائري، وتقوم على بنية متوالدة، يصنعها ثلاثة عشر ممثلا، سود كلهم، يجتمعون للتدرب على مسرحية “مقتل البيضاء”. المسرحية يمكن مقاربتها سياسيا، ويمكن أيضا تناولها من زاوية الحماسة المسرحية.

ولكن بوب ويلسن اختار مقاربة لا تتقيد بتأويل فكري أو مفهومي سابق عن النص، يستخلص منه تعبيرا ركحيا يصوره. فهو يرسم دون تفسير، ويضبط الإيقاع والكوريغرافيا وفق منهجه الذي عرف به، حيث الحركات والإيماءات والكلمات والحضور لديه عناصر متساوية، تتمفصل في خطة شكلية مشتركة، تدعم بعضها بعضا حسب قواعد أسلوبية صارمة، للوصول إلى تجانس في الأبعاد الصوتية والتشكيلية للعرض، دون أن يلتزم بالمسرحيات التي دوّنها المؤلف.

كلاسيكيات معاصرة

“لوكريس بورجيا” بطلة فكتور هوغو، شخصية حقيقية كانت تعيش في جو من الفضائح والخيانات الزوجية وزنا المحارم والجرائم غير مبالية بالأحقاد التي تثيرها. ولكن فكتور هوغو يقدّمها في هيئة عاشقة تحنو على جندي شاب يغط في النوم.

ثم نكتشف أن علائق الحب التي تربطهما هي من نوع لا نتوقعه، ما يساهم في حل العقدة الدرامية واكتشاف أكثر سمات البطلة إنسانية في الوقت ذاته. هذا العمل المشبع بإحالات كثيرة على التراجيديا اليونانية يحتل مكانة خاصة في مسرح هوغو.

حيث وقع الاعتماد على القالب النثري بدل الشعر الإسكندري، والاستعاضة عن العقد المتقاطعة والحديث المنفرد والاستبطان السيكولوجي بالنسق اللاهث للتصعيد الدرامي حتى لحظة التنوير العنيفة، ليقدم في دراما من ثلاثة فصول امرأة يتنازعها العشق والأمومة، وتجد نفسها في قبضة قدر محتوم يهدّد ابنها.

المخرجة الشابة شارلوت روندليز أعادت الاشتغال على “حصار” كامو لجعله معاصرا، يطرح قضايا تهمّ شباب اليوم
“زيارة السيدة العجوز” لفريدريك دورنمات لاقت النجاح حيثما عرضت، والسبب ليس بنيتها المحكمة فقط، وإنما أيضا صورة تلك المرأة التي لا تريد أن تنسى ولا تكتفي بالمطالبة بالعدل، بل هي تصرّ على ما تسميه “عدالة مطلقة”، لأن ما عانته له في ذهنها من الفظاعة ما يخرج عن الإطار القانوني الجاري به العمل.

في ستينية أول عرض لـ”الأم شجاعة وأبناؤها” بباريس، التقى جمهور مسرح المدينة بفرقة “برلينر أنصمبل”، الفرقة التي أسسها بريخت وقدم معها عرضا كان زلزالا هزّ المسرح الفرنسي، وثورة غيّرت وجهه جذريا لسنوات طويلة، بعد أن اكتشف طريقة أخرى في الكتابة، وكيفية مغايرة في التمثيل والإخراج، تقوم على هدم الجدار الرابع لجعل المتفرج طرفا في العمل المسرحي، وتغريب الأحداث العادية لإثارة الدهشة والحضّ على النظر والتأمل، والمزج بين التحريض السياسي والسخرية، واللجوء إلى مشاهد متفرقة توحّدها فكرة جامعة، فضلا عن المقاطع الغنائية التي تتخلل المشاهد.

العرض الجديد كان بإخراج كلاوس بايمان المدير الحالي لبرلينر أنصمبل، وقد حاز إعجاب الجمهور، من جهة إخراجه وجوقته وأداء ممثليه، ولكن لم يكن له الأثر الذي تركه منذ ستين عاما، بعد أن تنوّعت الأساليب بشكل يبدو معها مسرح بريخت الثائر تقليديا.

المخرجة الشابة شارلوت روندليز أعادت الاشتغال على “حصار” كامو لجعله معاصرا، يطرح قضايا تهمّ شباب اليوم واكتفت بستة ممثلين في عرض لا يدوم أكثر من ساعة وربع الساعة، ولكنها حافظت على صوت كامو وفكره وفلسفته، ورغم الجوّ الطافح بالهزل الدائم، لم تفقد المسرحية توازنها وانسجامها، واستطاع الحوار أن يمزج بمهارة بين تحديثه بما يناسب العصر، والمحافظة على عمق النص الأصلي الناطق بفكر مؤلفه، المعبّر عن فلسفته.

"الزنوج" لجان جنيه تستمد شكلها من الحفل الشعائري


وهو ما شكل وحدة هزلية جذابة تجد صداها في واقع المجتمع الراهن، سواء في بلاد الغرب، أو في أوطاننا بعد ثورات الربيع التي وقع الاستيلاء عليها، وفي أحسن الأحوال تحويلها عن مجراها، للأسباب التي حذّر منها ألبير كامو منذ أكثر من نصف قرن.

لا يكاد يمرّ شهر دون أن يتصدر تشيخوف واجهة أحد المسارح والفرنسية، فهو حاضر دوما بنصوصه من “العم فانيا” و”النورس” و”الأخوات الثلاث” و”بلاتونوف” و”مخاطر التدخين”، ذلك المونولوغ الذي صاغه على لسان العجوز نيوخين، ليعطي تراجيديا حياة خاوية إلاّ من النكد والغبن والتنغيص صبغتها التشيخوفية، الموسومة بالسخرية والروح المرحة حتى في أحرج اللحظات.

مونولوغ عجوز عصامي طيب ترغمه زوجته العكرة المزاج على إلقاء محاضرة حول مضار التدخين، من باب العمل الخيري. محاضرة يستهلها نيوخين بقوله: “سيداتي، ولنقل أيضا سادتي، التبغ هو في الأساس نبتة”، ثم ينزاح عن الموضوع تماما، ولا حديث بعدئذ إلاّ عن حياة الشقاء التي يعيشها مع زوجة فظة، لا تفتأ ترغمه على ما يكره.

الطريف أن أبرز الممثلين الذين يهبّ الجمهور لمشاهدتهم هم عجائز تقارب أعمارهم التسعين، ولكنهم لا يزالون يملؤون الركح ويلامسون الإبداع مثل إمانويل ريفا بطلة “خليج سافانا”، وميشيل روبان في دور العجوز نيوخين، وميشيل بوكيه الذي اقترن اسمه ببيرنجيه بطل “الملك يموت” لصديقه يونسكو.

-----------------------------------------
المصدر : باريس - ابو بكر العيادي 

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9