أخبارنا المسرحية

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الثلاثاء، أبريل 12، 2016

قاسم محمد .. وعمق البساطة في مسرح الواقع : د. فاضل خليل

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أبريل 12, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية
الفنان المرحوم ىقاسم محمد 

حين يكون الفنان زاهدا متقشفا، قريب من التواضع والتصوف، ساعيا من غناه الدفين في الداخل وهو يحقق عرضا يظل محفورا في الذاكرة، بامكانات اكتمال الموهبة لأن وـ حسب كونفوسيوش" الرجل العظيم يحزنه عدم اكثراث الآخرين بموهبته ". فما بالك بواحد مثل قاسم محمد الذي حقق اكثر من تميز في المسرح وعلى المستويين المحلي وغير المحلي. له من الخصوصية والتفرد في التعامل ابتداءا من الممثلين وليس انتهاء بالمتفرج، وما يتركه ذلك ألأثر من الاختلاف والتوافق، وصولا الى التجسيد الذي تحققه بقية عناصر العرض فائقة الاهمية والتي لا تقل أهميتها مع تقشفها وفقرها عن العمل مع الممثل فلا يظهر غناها الا في تحقيق العرض الكبير القادم الينا من التفكير السليم في القاعدة الهامة القائلة في أن ( العمق في البساطة ). أن المغالاة في احترام العناصر بعيدا عن جهد التمثيل سيضعف الفعالية الديناميكية المحركة لكل مكونات العرض المسرحي. وفي مسرح قاسم محمد كل المكونات لها ذات الاهمية وذات الوزن والاهتمام التي يحملها الممثل. فالموسيقى لها أهمية الازياء، وأهمية اللون توازي اهمية الحركة، وهكذا في بقية المستلزمات التي تحقق الوحدة الفنية والاسلوبية المنسجمة في كل لا يتجزأ في حسابات العرض الواحد وصولا الى التكامل الفني في العرض المسرحي.
إن قاسم محمد يدعو إلى الاهتمام بالنص المحلي ولا يرى في تقديم النصوص الأجنبية الا تطويراً لذائقة المتفرج، علماً بأننا حين نبحث عن العمل الأجنبي في مسرح قاسم محمد – التي تربو على الستين عملاً – سوف لن نجد فيه سوى بضعة مسرحيات – وغالباً ما يكون قد ادخل عليها مشرطه، وعالجها اعدادا أو اقتباسا أو تناصا. كان يحترم الجهود التي يبذلها بها ويعتبرها مسؤولية كبيرة فيها احترام وامانة لجهد كاتبها. الا أنها ليست كالنصوص التي يكتبها هو والتي يقول عنها "إنني اسمعها وأراها جيداً، وأستخدم لتنفيذها كُل ما هو منجز، ما عدى الناحية التكنولوجية لأن مسرحنا في العراق يفتقر إلى هذا"(1). لأنها تتميز بالمكونات الفكرية المدعومة بالتقنيات التنفيذية غير الباذخة، ولكنها تتسم بالحيوي المؤثر و" المحرك لأكبر قدر ممكن من خلايا الدماغ، وتحويلها إلى خلايا نشطة مفكرة "(3) من خلال الاهتمام الكامل للديناميكي الدائر في الحياة، وفق واحدة من اهم الوصاياـ حسب أستاذه زافادسكي(*) ـ في: [ أن لا يمر من جانب الحياة بلا مبالاة، فلأصغر ما فيها أهمية ولأكبر ما فيها أهمية "، ويستمر في وصاياه : " كن مباليا وتفاعل مع الإنساني، وتذوق وتعايش مع المحلي". وهذا الذي جعله لا يتعامل مع كل مؤلف، ولا يتعامل مع نص لا يضيف له. دعى الى الابتعاد عن المسرحيات المكتوبة، وعمل على خلق السيناريوهات الخاصة بكل نص. جعل الممثل يصل إلى كل ذلك بالاعتماد على البساطة التي اعتمدها في التعامل مع المستلزمات المسرحية والاستخدامات البسيطة للأدوات المختزلة والضرورية جدا. التي تلغي كل ما ليس له ضرورة. انه يصل إلى الضروري من خلال تحفيز ذهن الممثل، وتفجير طاقاته، سعيا منه للوصول الى [فكر الشخصية] وسلوكها، واندماجها مع الجو العام. يستفزه دائما الناس الشعبيين، يحاول ويجتهد أن يأخذ منهم ويكتب لهم وعنهم، عن أثرهم الروحي، والعقلي، من مخزون مخيلتهم كان يستخرج الكثير ومن ذاكرتهم الوقادة يعدهم بالأكثر. كرس وقتا تستحقه الذخائر المخزونة في ذاكرة الناس الشعبين، جربها جميعا عن قرب ولم ينقلها له وسيط، عايشها بصدق فحملت له الفرح والمرارة، ولسان حاله يفصح عن دواخله التي تقول: " أنا مسكون بهؤلاء الناس، هم هاجسي الأول والأخير"(3). وفعلا تفنن في تنويعاته وتأرجح لاعبا ماهرا بين كل الأنواع والأصناف المسرحية. وسلسلة هامة من العروض التي قاربتها في الهم وحاكتها أو تراوحت في الإبداع، لكنها ابتعدت عنها شكلا ومضمونا فكانت إبداعا من نوع آخر، وهو امتياز في مسرح قاسم محمد حين يحاكي الواقع حد [الوجع]. لقد قارب بين الأمس واليوم في الأحداث وقارب بين القوانين الجمعية والشخصيات والأفكار والفلسفة، قدم الأمس بمحلية اليوم وخطابه، كما العيارين ببغداد حين ثاروا" عند اجتماع العساكر بها، وفتكوا في البلد، ونهبوا الأموال ظاهرا وكثر الشر[.....] فثار عليه أهل المحال الغربية، فقاتلهم، واحرق الشارع، فاحترق فيه خلق كثير"(4). وكأنه [ درد ] حاكاه قبل ما يزيد على الثلاثين عاما. حين تناول العيارين وثورتهم على السلاجقة التي قصها [ ابن الأثير ]، وكيف أن فقراء بغداد تعاطفوا مع العيارين فقاتلوا معهم.
إن أعمال قاسم محمد تنوعت بين الحكاية والحدوته والقصيدة، واستخدم الكولاج حين اختار اشعارا بتوليف ذكي " لقصائد متعددة ولشعراء فلسطينيين وغير فلسطينين خلق منها موقفا دراميا عالي النبرة استطاع المشاهد أن يخرج بين رواية الشاعر للموقف ورؤية المتفرج السياسية للقضية فكانت المسرحية تقدم هذين الموقفين عبرتنامي المواقف والشخوص والاحداث في الواقع والتصوير"(5). أو قضايا الناس ضحايا القمع الأمريكي كما في مسرحية [ إنها أمريكا ] وحين راهن على الكم الهائل من الموروثات القريبة من المسرح فقدم [ مقامات الحريري]. هذا التنوع بين التجميع والتوليف والتأليف ألغى ما ساد من اعتقاد بشحة النص المسرحي وغيابه. هو من أطلق على هذا النوع من الكتابة بـ [الحالة المسرحية] وأخضعها لقوانينه وقال عنها: " إن عدم خضوع هذه الحالة المسرحية – نصاً وعرضاً – للأساليب التقليدية لا يعني أنها لا تخضع كلها أو بعض منها لقانون ما، إن الشيء الأكيد هو إن هذه الحالة المسرحية تخضع لقوانينها الخاصة"(6). هو يلخص كل ما تقدم من حالات مسرحية ونسبها إلى مصادرها، ومصادرها حسب قاسم محمد:" الواقع، الحلم، طيف المنام، الناس، الكتاب، اللوحة، الشعر، التأريخ، الأسطورة، سماعي للغة أجنبية لا أعرفها ولا أفهمها ، ومحاولتي الخيالية في ترجمتها (...) أضف إلى ّذلك الأدب .. والرواية بشكل خاص"(7).
الهوامش:
1) قاسم محمد: لقاء، المختبرية والتجريب أقصر الطرق لمعالجة أزمات المسرح، مجلة الطليعة العربية، العدد179، 13/10/1986، ص46.
2) ياسين النصير: ثلاث نماذج من الإخراج المسرحي المحلي، مجلة السينما والمسرح،
*) يوري زافادسكي: واحد من أهم الفنانين المسرحين الروس ، مخرج ومربي وباحث مهم، وهو واحد من طلاب ستانسلافسكي.
3) ج. مايكل والتون: المفهوم الاغريقي للمسرح، اصدارات المجلس الاعلى للثقافة، القاهرة 1998، ص72.
4) قاسم محمد: لقاء، رحلة الكتابة والتمثيل والإخراج، مجلة حراس الوطن، بغداد – 1/11/1986، ص 46.
5) ابن الاثير: الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت – 1966.
6) عزيز عبد الصاحب: لاترسم عصفورا ناقصا، يوميات مسرحية، مجلة الأقلام، العدد9، السنة 15، بغداد – حزيران 1980، ص 46.
7) ياسين النصير: بقعة ضوء بقعة ظل، دار الشؤون الثقافية، بغداد – 1988، ص146.


0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9