أخبارنا المسرحية

المشاركة على المواقع الأجتماعية

السبت، يونيو 18، 2016

العراقي علي الزيدي: تشابهت أوضاعنا العربية حتى بات المواطن مستنسخا كاتب مسرحي «يبحث عن الهم الإنساني أينما كان»

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يونيو 18, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 شكَّل الكاتب المسرحي العراقي علي عبد النبي الزيدي حالة جديدة في الكتابة المسرحية، فلم تمنعه التابوات من التحدث عن موضوعات حرجة وممنوعة على مدى عشرات السنين في العراق، بل كان يدخل في صلب موضوعات السياسة والدين والجنس، كلما ضاق عليه الخناق، حتى وصل الأمر به إلى مناقشة قضايا مسكوت عنها في أعماله الأخيرة، مثل مسرحية «تحوير» و»بتول» اللتين عرضتا في أكثر من مكان، فضلا عن عمله الأخير «يا رب» الذي انتهى عرضه على المسرح الوطني في بغداد قبل أيام، وما زال مثار نقاش حاد بين المساندين للعرض والمعارضين له، لأنه أدخل فيه شخصيات دينية مثل النبي موسى، وجعله يتحدث مع الإله ويجادله، مسقطا هذا الأمر على الراهن العراقي وما يحدث فيه.
مشوار الزيدي بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي كقاص، لكنه سرعان ما اتجه لكتابة المسرح، وحصل على جوائز عدة حتى سمي بـ»صائد الجوائز»، كان آخرها حصوله على جائزة هيئة المسرح العربي في الإمارات. عن رؤيته الكتابية، والمسرح العراقي، كان لنا معه هذا الحوار:

■ تسعى دائما لخرق التابوات، فالجنس والسياسة والدين تحضر دائما في أعمالك، لماذا هذا الخرق المتعمد؟ وما الذي تريد إيصاله من خلال وضوح فكرتك إحيانا، وتلغيزها في أحايين أخرى؟
□ قد يسميه البعض (خرقا) في حين لا أجدني (قصديا) أو متعمدا في هذا الخرق، أنا (حكّاء) وباحث عن الهم الإنساني، وأحاول جاهدا إيجاد أفكار تتناسب وحجم الدمار الذي لحق بالإنسان بغض النظر عن مكانه وزمانه، وأجد أن هذا (الثالوث) الذي ذكرته كان هو المحور على طول خط الكتابة عربيا وعالميا منذ سنوات طويلة جدا، لكنني هنا أتناول اليومي وأضع معه المفترض، المفترض (التابو) فيتحولان إلى خطين متوازيين: أحدهما يثير الأسئلة ويكشف ويعري ما يحدث للإنسان، والآخر (المقدس) يصغي ويحاول أن يجد إجابات مقنعة للأول، قد تنهزم إجاباته أمام هول الأسئلة العظيمة التي يَطلق من وقع عليه الظلم والقهر ويقف معه ويتمرد ربما، ولكن كل هذا ليس انتصارا قصديا أريد أن يفهمه البعض هكذا، على الإطلاق، نحن نحتاج إلى فهم أوسع من تلك الدوائر المغلقة التي يصنعها الآخر لنفسه ويضع نفسه في حدود (المعتقدات والأديان والمقدسات) ويرمي منتج الخطاب الأدبي بالزندقة… الآراء – كما أرى- تحتاج إلى هدوء واسترخاء ونفس عميق، ما يهمني هو قراءة هذا الواقع من وجهات نظر أراها جديدة في نصوصي، لذلك هي محط اهتمام المشهد المسرحي العراقي والعربي. مثلا في نص «إطفائيثيوس» لم أكن أريد ان أشير إلى أن لا جهنم هناك في السماء مثلما يؤمن البعض، هذه ليست منطقة اشتغالي، كل ما أريده أن أنقله تصور لما يحدث ولكن من زوايا نظر مختلفة، إيمان (الإطفائي) أن إطفاء نار جهنم في السماء هي وجهة نظره وليست بالضرورة وجهة نظري، هذا إيمانه الذي انطلق من صلب عمله كإطفائي ملّ من عمليات إطفاء حرائق الانفجارات والعبوات الناسفة. أما الفهم (المتعمد) عند البعض وفي سياق سؤالك، أعتقد بأنه يحتاج قدرة أبعد لقراءة هذه النصوص بعيدا عن الانتماءات والمعتقدات ضيقة الأفق… ربما يجدني البعض غاضبا في الكتابة، نعم.. وهذا مصدره الحياة التي أعيش في وسطها عنوة، والجوع والعوز الذي عشته في العراق لعقود من الزمن وما زال قائما، ومناظر القتل والزنزانات والطغيان المستمرة في وطني.. كل ذلك المزيج بالتأكيد أثر في أفكاري بشكل كبير وجعلني غاضبا من كل شيء.
■ قدمت أكثر من عمل عراقي، والكثير من هذه الأعمال أعيد تقديمها عربيا، ما الاختلاف الذي تشتغل عليه بين عمل عراقي وعمل عربي؟ وكيف يتلقى العربي أعمالك العراقية البحتة؟
□ هذا أمر مهم بالنسبة لي بالتأكيد، ربما الأهم هنا أن تكتب عن الإنسان في كل مكان، أي تعطي مساحة أوسع للأفكار التي يمكن لها أن تعبّر عن هموم وتطلعات الإنسان العربي والإنساني عموما، وهناك الكثير من المخرجين العرب الذين قدموا نصوصي وجدوا ضالتهم فيها، أي أنهم عثروا على مادة أدبية تعبر عن واقعهم أو تقترب من ذلك، لذلك لم أستغرب عندما قدم لي العشرات من العرب نصوصي على خشبات مسارحهم، وراحوا يمثلون بلدانهم في المحافل الدولية والعربية، لأنهم شعروا بأن هذه الأفكار يمكن لها أن تكون صوتا مهما في أوطانهم وتعبر عن قلقهم المستمر في هذه الحياة.. ولم أجد الفارق واسعا بين مخرج عراقي وآخر عربي قدم النصوص نفسها لأنني أرى أن مشكلاتنا وقضايانا الكبرى واحدة، والإنسان العربي واقع في مناطق القهر والديكتاتورية ونزيف الدماء المستمر… الأوطان باتت اليوم تتشابه تماما، وتجد المواطن مستنسخا في بلدان عربية متعددة، يشعر بالظلم ومواضيع أخرى مهمة كالإرهاب مثلا، ولكن يظل المخرج العراقي هو الأقرب إلى نصوصي، خاصة أننا نعيش واقعا مشتركا معا، ويدرك الكثير من المناطق في أفكاري وتصوراتي التي قد تغيب عن المخرج العربي.
■ بدأت قاصا ومن ثم اتجهت لكتابة المسرح، ما الذي أضافته لك القصة في بناء النص المسرحي؟ وكيف تمكنت من تجــاوز النص القصير والمكثف والمليء بالاستعارات إلى نص مفتوح يتلقاه المشاهد مباشرة؟
□ أعتقد أن القصة هي لحظة عابرة في حياتي، بتعبير أدق كنت في الوقت نفسه الذي أكتب فيه القصة كتبت النص المسرحي، واستفدت كثيرا من قراءاتي في هذا المجال ورحت أستعير من القصة الكثير من آليات كتابتها، وفي الوقت نفسه كان هاجسي أن أكون مغايرا جاء من كتابتي للقصة القصيرة، ومن ثمَّ انتقل للمسرح في ما بعد… النص المسرحي له اشتراطاته بعيدا عن جنس القصة، وله روحه وشخصياته ولغته وبناؤه، ولكن في الوقت نفسه أجدني مهتما بشكل بالغ في صناعة (حكاية) صادمة، أو فيها الكثير من المناخ الغرائبي، على الرغم من أنها تنهل من الواقع اليومي، وبالتأكيد القصة فعل خاص على مستوى القراءة، أي أنك تتلقى القصة كقارئ لوحدك في حين تشارك المئات أو الآلاف مسرحية تعرض على خشبة المسرح، وهنا جوهر اختلاف المسرح على أجناس الأدب والفنون الاخرى.
■ سميت مؤخرا بصائد الجوائز، إذ لم تشارك بمسابقة أو مهرجان إلا وكانت لك إحدى الجوائز، ما الذي أضافته لك هذه الجوائز؟ وما الأسباب التي تجعلها تمنح لك من وجهة نظرك؟
□ حصلت على عشرات الجوائز عراقيا وعربيا، هذا صحيح، وهي تأتي لتؤكد لي بأنني في المسار الصحيح من باب أن هناك (خبراء) في لجان التحكيم، وجلّهم من الأكاديميين والمشتغلين ردحا طويلا في المسرح، هذا جانب مهم، ولكنني في الوقت نفسه لا أكتب من أجل جائزة هنا وجائزة هناك، فالكتابة عندي مشروع حياة متواصل ومتطور، بل يهمني ما سأطرحه من قضايا تعنى بالإنسان وهمومه وأحلامه وتطلعاته، أفكر كثيرا بهذا المشروع وكيف له أن يتحوّل إلى وثائق إبداعية في ما بعد تُدين السلطات القامعة لهذا الكائن، السلطات بشتى تسمياتها وأشكالها وأحجامها. 
أما أسباب منحي لهذه الجوائز ربما للمغايرة التي يجدونها في نصوصي وأفكاري، أو لغة وبناء مختلفا، لا أعرف بالضبط، هناك أشياء أحاول أن أجس النبض في مدى استجابة تلقيها، وفعلت ذلك مع نص «فلك أسود» مثلا، واستغربت كثيرا عندما حصلت على جائزة الهيئة العربية للمسرح في الشارقة مؤخرا عن هذا النص، خاصة أن مناخه وعلاقته بالمقدس ربما لا تنسجم مع المناخ الخليجي الذي يعرفه الجميع، ولكن- وهذا المهم- أن لجان التحكيم تمتلك أفقا ورؤية مسرحية بعيدا عن الاشتراطات والمقاسات، جعلتهم يرشحون هذا النص للفور.
■ ضمن خريطة المسرح العراقي، غالبا ما يقفز اسمك من ضمن أهم الكتاب، ما الذي تقرأه في الراهن المسرحي العراقي؟ والى أين وصلت الكتابة للمسرح؟
□ هذا مصدر اعتزاز وسعادة بالنسبة لي بالتأكيد، المسرح العراقي زاخر بأسماء مهمة في حقل الكتابة للمسرح، ونحن معا نصنع شكل الكتابة في العراق منذ عقود، ولكل واحد منا أسلوبه الخاص في هذا المجال الصعب، مسرحنا قدم عطاءات كبيرة وهو أحد المسارح المهمة عربيا، وحقل التجريب مستمر منذ جيل الرواد الاوائل وصولا إلى جيل الشباب اليوم الذين هم امتداد طبيعي لذلك الجيل المتمرد في وقته… أنا ما زلت أبحــث باستمرار، بحثي متواصل لنص أجده كاملا ولن أصل إليه. المهم أنني أظل أبحث إلى ما لا نهاية، ولن أتوقف عن التواصل مع المسرح في كل لحظة من عمري، وربما عندما أجد نفسي أن مشروعي (الإلهيات) قد وصل إلى نهاية المطاف سأرحل إلى منطقة أخرى تفرضها الظروف التي تحيط بي كشاهد عيان على هذا الواقع المرّ.
■ منذ خمسينيات القرن الماضي برز كتّاب مسرحيون، وتوالت أسماء أخرى وصولا إلى الكتابة الحالية، ما الذي تغير في هذا المسرح؟ وما التحولات التي طرأت عليه خلال تلك العقود؟
□ الكتابة للمسرح تأليفا جاءت في وقت متأخر من القرن الماضي للعراق، بدأت بالاقتباس ومن ثم الإعداد وجاء بعدها التأليف وإن كان بسيطا، ولكنه شكّلَ الدعامة الأولى للكتابة للمسرح… هناك أسماء مهمة كانت في وقتها، كتبوا وجرّبوا وكانوا شهود عيان على ما يحدث في واقعهم المضطرب سياسيا واجتماعيا، ولكن المشكل في أغلب كتابات هؤلاء أنهم ظلوا بحدود المرحلة التي كتبوا فيها.. لذلك نصوصهم لا يمكن أن تقدم الآن على خشبات المسارح. أعتقد أن حجم التحوّلات السياسية المتلاحقة والذي جاء في سؤالك هو الأهم هنا، نحن نعيش زلازل في كل ساعة، ونفكر بطريقة تختلف عنهم، ونعيش عصر المتغيرات السريعة، في حين أن حياتهم كانت ساكنة وبطيئة، على الرغم من أن فيها أحداثا مهمة، ولكنها متباعدة، وهنا لا يمكن أن نقيس أحداثا جرت ما بعد عام 2003 مع أي أحداث أخرى في العراق. لذلك أعتقد أن الكاتب المسرحي العراقي، ومن جيلي، يعيش هذه التحوّلات ويفكر بطريقة أخرى للكتابة عنها مستفيدا من حركة المسرح في العالم والانفتاح الكبير في وسائل الاتصال التي جعلتنا نشاهد ما يقدم في الكون بضغطة زر واحدة، ونرى إلى أين وصل المسرح اليوم، ومن هناك جاء الاختلاف بين تلك الاجيال وجيلنا الذي يعيش وسط النار.

------------------------------------
المصدر : القدس العربي - صفاء ذياب 

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9