أخبارنا المسرحية

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الأربعاء، سبتمبر 28، 2016

محسن العزاوي - التنوع والتعددية في الاخراج

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, سبتمبر 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية
 
د. فاضل خليل 

أترقب أعماله  ممثلا ولن أنساه أبدا في مسرحية (البيك والسائق)، ومخرجا، أعتنيه بلهفة  وشوق، فهو دائما يدهشني، فهو في كليهما قل نظيره ـ ممثل مجتهد ومخرج مشاكس،  ذو خيال يقظ، اسطوري، لخياله قدرة اقتراح الحكايات المغايرة والمماثلة  لحكايات نصوصه التي يختار – مهما كانت غرائبيتها العجائبية – وبذات القيمة  وأحيانا بقيم أعلى،

 أو بحال قريب من أفكار غيره التي يشتغل عليها وكأنه استقاها من ارث مجتمعه لا من تراث مغاير. له رأي لا يدعو للنقاش عن المسرح اليوم مفاده: بأن عروضه الآن سيئة اذا ما قورنت بعروض الأمس والماضي القريب، لقد فقد المسرح – فيرأيه – الكثيرمن واجباته، لقد فقد بريقه ووظيفته الاجتماعية التي تمكنه من إدراك وسطه الاجتماعي، لابد للمسرح اذا ما اراد اللحاق بالناس ومسرح العالم المتقدم، أن يقابل خمول الناس بمنشطات جديدة على الدوام. وهذا يستحيل من غير ما توفير المال والقيادة والخزين المعرفي النشط، والمحفزات التي تعرف طريقها الى ما هو معرفي وثقافي. يقول : الوسط الفني اليوم منقسم الى مجاميع مبعثرة ومنقسمة. هناك شحة في نساءه، شحة في مؤلفيه وهي عائق غير طريق تقدمه وانطلاقته، رغم ذلك لو خيروني قبل أن أختار طريق الفن لما اخترت غير طريقه. ومهنة الاخراج بالتحديد رغم غياب المواهب وغياب الوعي والالتزام، وشيوع ظاهرة
الغرور، وكره المسرح.
هذا هو محسن أحمد العزاوي الذي عرفته منذ أكثر من أربعين عاماً. وقبل أن ألتقيه، التقى والدانا بمهنة الحلاقة، لقد أكد محسن العزاوي في بعض لقاءاته على أنه ابن حلاّق انتقَّل من شمال ديالى بعد الحرب العالمية الأولى، واستقرّ في مدينة الناصرية التابعة إلى لواء المنتفك آنذاك. وعن طريق مجايليه من اقرانه وعارفيه في مدينة الناصرية، كان أسمه يتردد كثيرا على السنة مثقفيها وادباءها وفنانيها من معارفه ومجايليه الداعمين لتوجهاته الفنية من أمثال الأخوين نعمة وعبد الرزاق رشيد الناصري، و نزار عباس، ولطيف أطيمش، ويحيى عبد المجيد، واسماعيل فتاح الترك، والقائمة تطول لتضم عزيز عبد الصاحب، والروائي – ضائع الصيت – عبدالرحمن مجيد الربيعي – فلقد كانت له محاولات مسرحية ناجحة -ولأنه ينتمي الى عائلة متوسطة الحال او تقل، صار يزاول اعمالا لسد احتياجاته الخاصة فتنقل من بائع للصحف، وعامل للبناء، و( صانع حلاق ) مع أخيه عدنان. وصف مرحلة الحلاقة التي امدته بالمادة الروائية المستقاة من أحاديث الزبائن الجالسين بين يديه للتزين والحلاقة التي الهمته بالافكار التي تدور في رؤوس زبائنه، تلك الرواية التي أشاد بها أساتذته وقتها. وكيف أنها سرقت منه وتم نشرها بعد سرقتها في احدى الصحف مما اضطر السارق الى تعويضه مبلغ دينار واحد نقله من الناصرية الى بغداد حيث التقديم طالبا في معهد الفنون الجميلة. ولتمسكه بكلمة ( الاشتراكية ) انتمى الى أكثر من حزب. كل هذا وغيره رسخ في ذاكرتي حتى اليوم اسما مهما هو (محسن أحمد العزاوي) الذي التقيته فيما بعد في ذات البناية، عندما كنت انتظر دوري للمثول امام لجنة قبول المتقدمين لدراسة الفنون في اكاديمية الفنون الجميلة. 
قرب تمثال اغريقي كان يزين مدخل البناية التقيته. ومنه عرفت مقدار حبه وامتنانه لسنوات دراسته في معهد الفنون الجميلة، الذي يصف سنواته بل ايامه فيه فهو على أنها كانت من أجمل أيام حياته. حيث اساتذته، ذوو المزايا الخاصّة والنادرة، والبناية التي تشرف على البلاط الملكي حيث ملك العراق يمارس فيه اعماله، يقول «تخرّجت منه و قد أدّيت فيه خلال السنوات الثلاث – وهي مدة الدراسة فيه أنذاك – ما لا يقل عن 200 مشهد مسرحي، ابتداءا من العام 1957م وحتى تخرجي منه نهاية العام 1960م «. حدثته عن سابق معرفتي به عندما كنت أقطن مدينته الناصرية. فتحمس لي وعرض علي وساطته لدى اعضاء لجنة الاختبار،ولا أتذكر وقتها هل وافقته ام لا. واستمرت لقاءآتنا بعدها في الفضاءآت الفنية المتعددة التي يلتقي فيها الفنانين عادة. ولم يكن من طبع محسن العزاوي التعالي على الوجوه الجديدة امثالنا، وهو الذي شجعني مثلما شجع اقراني على تكرار اللقاءات به، ومعه تعرفنا على ما تبقى من اساتذة معهد الفنون الجميلة من امثال: فاضل قزاز، محسن سعدون، خالد سعيد، عبدالوهاب الدايني.. وسواهم
في الإخراج العربي المعاصر، هناك نزعتان أساسيتان هما: المقلدة للمسرح الأجنبي، والتي نقلت التجربة حرفيا وقلدتها في أدق تفاصيلها والتي تبدأ من النقاش وتأثيرات (البخيل لـ - مولير) التي نقلها عن المسرح الفرنسي بحذافيرها نصا واخراجا وتمثيلا،باختصار مضمونا وشكلا. وهذه النزعة لا تشمل محسن العزاوي  التي تخلصت من التأثيرات الأجنبية فاستعانت  بالرجوع إلى مخزون بلدانها المعرفي في مضامينه وأشكاله ومنها التراث العربي التي تبعدهم بعض الشيء عن التأثيرات الأجنبية. وعليه فان الكتابة عنه ليست بالمهمة السهلة لذلك كنت قد أجلتها كثيرا،بسبب أن الكثير من تجاربه استوقفني بدهشة وذهول، ربما لأنها كانت تحمل المشاكسة والتحدي والتنوع، وهذا ما يوافقني فيه (يوسف العاني) الذي يصف تجاربه مع محسن العزاوي : على انها محاولات تميزت باثبات التعددية ابتغاء التنوع في الاختيار الذي ميز عمله في الفرق المسرحية التي تعامل معها. وأقول حتى في النصوص التي كان يختارها بما يتفق وامكانات وتوجهات وسياسة الوقت والحالة مع توجهات وسياسة كل واحدة من الفرق التي تعامل معها. لقد تميزت بالتنوع الذي يصل حد التناقض الذي لا تجمعه وحدة اسلوبية أو فنية. الأمر الذي جعل من غير الممكن التصدي له بمعزل عن جيله الذي تبلور نضوجه مع ستينات وسبعينات القرن الماضي. ذلك الجيل الذي امتاز بالاقدام واتيان التجارب الذكية. الجيل الذي عاش ايام سلاسل الحروب الكثيرة التي بدأت بالحرب العالمية الثانية ولم تنته بعذابات الربع الاخير من القرن العشرين وبدايات الربع الاول من القرن الواحد والعشرين، والتي مازالت عذاباتها ودماراتها مستمرة. لقد تعرف جيله على المسرح من بلدان دراساتهم المختلفة، فامتلكوا قدراتها التقنية من تلك البلدان ووظفوها لأفكارهم ورؤاهم. ولأنهم يتمتعوا بالتنوع والتعددية في سواء في الفكر أو في الاتجاهات، وهو الذي ميزهم عن جيل الريادة. تنوعت تجاربهم في انتماءآتها بين الثقافة الليبرالية والتقليدية، وبين الوطنية القائمة في الغالب على الافكار التقدمية. وهما صفتان لازمتا محسن العزاوي وجيله الستيني، لما اتصفت به من الدقة في اختيار موضوعاتها – وفق مبدأ أن اختيار النص هو نصف النجاح  ولذلك تركزت اهتماماتهم على النصوص التي تجيب عن تساؤلات مجتمعهم بما تناولته من قضايا الواقع المعاش. الأمر الذي اجبر المخرجين وفي مقدمتهم محسن العزاوي على ابتكار الاساليب الأكثر جذبا للمتلقي لامتلاكها التعددية في التأويل والشمولية في الرؤية الانسانية.
ان التنوع بالمضامين والاشكال أخرج عروضهم المسرحية من مسرح العلبة والقاعات المغلقة إلى فضاءآت أكثر رحابة اتسعت لجماهير أواسع فذهبوا من أجلها الى : الساحات، والمقاهي، والمدارس، والمعامل، والمستشفيات وفضاءآت أخرى تنوعت بتنوع الموضوعات التي تناولتها كانت المرحلة تعج بالجديد مما دعى الى استقطاب مريدين متميزين في الاجيال اللاحقة. ولم تقتصر نصوصهم على النصوص المعاصرة وحسب وانما عالجوا كل النصوص بعقلية الحاضر، ولا ننسى تجارب محسن العزاوي في تقديمه للكلاسيكيات ومنها ( روميو وجولييت – لـ شكسبير )، أو الاحتفاليات في تقديمه لـ ( باب الفتوح – لـ محمود ذياب ) أو (الغرباء لا يشربون القهوة ) وسواها على مستوى الاخراج، أو أدواره المتميزة في المسرح ومنها على سبيل المثال دوره في مسرحية ( البيك والسايق – للمخرج ابراهيم جلال ). وهكذا فقد كان للتنوع في التأليف الذي لم يستثني المحليين الى الكتاب العالمين، فقدم مثلما قدم جيله عروضا للعديد من الكتاب الكبار أمثال: (سوفوكلس، وأرستوفان،شكسبير، وموليير، وغوركي، تشيخوف، واونيل، وابسن، ودورينمات، وبيتر فايس، وميكان تيري... وسواهم) من الكتاب  برؤى ومعالجات معاصرة.
ولا يفوتنا التأكيد على ان هذا التميز الذي قاده محسن العزاوي وابناء جيله كان قد أفرز جيلا من القامات في كتابة النص المسرحي ابتداءا من عراب التأليف العراقي يوسف العاني، وليس انتهاءا بـ : عادل كاظم، ونور الدين فارس، وطه سالم، ومحي الدين زنكنه... وصولا الى أجيال لا تقل أهمية مثل : فلاح شاكر، وعباس الحربي، وفاروق محمد، وسعد هدابي، ومثال غازي... وآخرين يتفاوتون بالاهمية. بل أن هناك ظاهرة حققها المسرح العراقي بفعل هذا الجيل، إن كان لكل فرقة مسرحية مؤلفهافلكل مخرج مؤلفه. وكما كان يوسف العاني المؤلف الأهم لـ فرقة المسرح الفني الحديث، كان نور الدين فارس مؤلفا لفرقتي مسرح اليوم والمسرح الشعبي، وطه سالم مؤلفا لـ فرقة مسرح اتحاد الفنانين، وسعدون العبيدي مؤلفا لفرقة مسرح الرسالة، وعلي حسن البياتي مؤلفا لفرقة 14 تموز... وهكذا. وعندما نقول مؤلفون للفرق لابد لنا من الاشارة من أن لكل فرقة مخرجها او مخرجيها. ومخرجي الفرق من تلك الفترة كانوا ابراهيم جلال وسامي عبد الحميد في المسرح الفني الحديث، وجعفر السعدي وبدري حسون فريد وعوني كرومي في المسرح الشعبي، وجعفر علي وقاسم حول في مسرح اليوم واسعد عبد الرزاق في فرقة مسرح 14تموز. أما مخرجوا الفرقة القومية فعلى رأسهم محسن العزاوي – الذي لم يتخصص بمؤلف معين بل أخرج للعديد المؤلفين في فرقته وخارجها، دون استثناء !! فتنوعت « أعماله بين العديدمن النماذج، فتراه تارة يقدم (مسرحية [ الكورة ] و[طنطل ] _ لـ طه سالم ) فيتفوق بهما في (فرقة اتحاد الفنانين) ويجذبنا اليهما ونحن لسنا من الجمهور السهل الذي ينقاد بسهولة الى التجارب الجديدة. ليقدم بعد ذلك (مسرحية [ الغزاة ] _ لـ علي الشوك)  شيئا مغايرا تماما تماما سواء في شكلها أو مضمونها. ومنها الى (مسرحية [ روميو وجولييت _ لـ وليم شكسبير) اللتين قدمتهما فرقة الدولة (الفرقة القومية للتمثيل) وكانتا تحديا اعلن بقوة وصوت عال عن المخرج بتميز محسن العزاوي. ليضيف بعدها لذات الفرقة المسرحيات (نشيد الأرض _ لـ : بدري حسون فريد)، و(مجالس التراث _ لـ قاسم محمد) و(حرم صاحب المعالي _ اعداد : يوسف العاني) و(الوصية _ لـ أجاثا كريستي). ومنها الى (فرقة 14تموز) بمسرحية (مملكة الشحاذين _ لـ علي حسن البياتي) وللمسرح العسكري (المسرحيتان : [جذور الحب] و[ المحلة ] _ لـ ابراهيم البصري). ولـ (فرقة المسرح الفني الحديث، كانت مسرحية [ فرمان الوالي ] _ لـ عادل كاظم). وتلت ذلك مسرحية: (باب الفتوح – لـ محمود دياب) التي قال عنها العزاوي بأنها : هي الأنضج لأنها قالت الكثير مما في النفس والذاكرة. ومسرحية (الشهداء ينهضون _ لـ الطاهر وطار) ومسرحية (ثورة الموتى _ لـ آروين شو) وفي العام 2006 مسرحية (انتبه قد يحدث لكَ هذا).
واستمرت تجاربه في تنوعها فـ محسن العزاوي لا يطيق البقاء _ كما أسلفنا _ على المكان الواحد والزمان الواحد، ولا على الأسلوب والاتجاه الواحد. وهو دليلنا على امتيازه على التأمل في الاختيار والتروي في الرؤى، ونتيجة لتطوره هذا مع جيله، انتعشت حركة المسرح العراقي، فبرزت اسماء هامة من المؤلفين والمخرجين ومن النقاد اللذين يشار اليهم أمثال : علي جواد الطاهر، جميل نصيف، وثامر مهدي، حسب الله يحيى، ياسين النصير... وسلسلة طويلة من الاسماء ظلت حاضرة الى وقت قريب. لكنها تراجعت بتراجع المسرح ما بعد ثمانينات القرن الماضي عندما سادت موجة المسرح السهل الذي أطلقوا عليه بـ ( المسرح التجاري ) بسبب الحروب والاضطرابات المتواصلة وهي شماعة نتعكز عليها باستمرار، رغم ايماني بأنها غير مؤثرة على الاطلاق

-----------------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9