أخبارنا المسرحية

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الخميس، سبتمبر 22، 2016

المحور الفكرى لمهرجان القاهرة للمسرح المعاصر والتجريبي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, سبتمبر 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية



المحور الأول: ماذا قال؟ المسرح وتكفير الفكر العقلاني:
1- أ. د. أبو الحسن سلام (مصر): المسرح بين المعرفة العقلية والمعرفة الظنية
2- أ.د جميلة مصطفى الزقاي (الجزائر): أرزاء التكفير ودحضه للتفكير بالمسرح الجزائري بين علولة ومجوبي
3- أ. زهراء المنصور (البحرين): المسرح وتكفير التفكير..متى عرف الطغيان الحياة؟ قراءة في أوجه التكفير المتأججة
4- أ.د. عبد الكريم عبود عودة (العراق): خطاب العرض المسرحي العراقي - مسارات التجربة بين سلطة التكفير وتنوع التفكير
5- د.عمر نقرش (الأردن): الخطاب المسرحي بين فطنة التفكير و فتنة التكفير - العلاقة الشائكة بين الفن والدين
6- أ. محسن الميرغنى (مصر): فكر التطهير وفقه التكفير
7- أ. محمد أبو العلا السلاموني (مصر): الخلافة والتكفير .. والمبدعون يمتنعون
8- د. محمد المديوني (تونس): في الحقد على المسرح
المحور الثاني: كيف قال؟ التجريب وتثوير الأبنية الجمالية:
1- أ. أحمد هاشم (مصر): متغيرات البنية الدرامية فى المسرح
2- د. أمنة الربيع (سلطنة عمان): الجمالية المسرحية والتجليات السياسية في المسرح العماني
3- أ. خالد رسلان (مصر): البنية الجمالية وروح الكرنفال
4- د. سكينة مراد (الكويت): جمالية البنية المسرحية في المسرح الكويتي المعاصر
5- د. فضل الله عبد الله (السودان): البحث المتجدد عن الجمال
6- د. مدحت الكاشف (مصر): تثوير الأبنية الجمالية فى العرض المسرحى المعاصر
7- د. نوال بن إبراهيم (المغرب): المسرح وجمالية الأداء: المؤدي وقرينه

المحور الأول: ماذا قال؟ المسرح وتكفير الفكر العقلاني:

 ماذا قال مسرحنا المعاصر لمجتمعاته الآنية؟ متصديا، أو آملا فى التصدي، للمحتويات الفكرية المتضمنة فى بنيات هذا المسرح التجريبية وغير التجريبية، ومفتشا عن أبرز وأخطر القضايا المطروحة اليوم بساحات المجتمعات العربية والدولية معا، وهى قضية التكفير للتفكير، والتى تعد العتبة الأولى التى يرتكز عليها الإرهاب للإطاحة بالآخر المغاير له، وتصفيته جسديا.

أ. د. أبو الحسن سلام (مصر): المسرح بين المعرفة العقلية والمعرفة الظنية

جدل المعاني: فرق شاسع بين مقولة: "إن بعد الظن علم"، ومقولة: "إن بعض الظن إثم"
وما بين المقولتين (نكون أو لا نكون) نفكر أو نتفكر أو نوقف التفكير إكتفاء بالتماهي مع أفلاطونية
أسبقية الماهية على الوجود. المقولة الأولي ترفع راية (الوجود أسبق من الماهية) نوجد أولا ثم نفكر
في تحقيق جوهر وجودنا فينشأ الصراع والتنافس بين الذات والآخرين أو المحيط، أما الثانية فترفع
راية (الماهية أسبق من الوجود) جوهر وجودنا مخلوق غيبا قبل وجودنا، وبعض الظن في صحة
ذلك إثم، ونحن ملزمون فحسب بالتفكر في مظاهر وجودنا وهنا مناط الصراع بين ثقافتين كلتيهما ظنية
.. إلا أن مقولة (إن بعد الظن علم) هي دعوة للتفكير، بينما تقف دعوة (إن بعض الظن إثم) عند حدود التفكر .. وما بين أصحاب التفكير وأصحاب التفكر ينشأ صراع وجودي ، يرفع أصحاب تيار التفكير شعار (أكون أو لا أكون) ويرفع أصحاب التيار الثاني شعار (يكون كما أكون أو لا يكون) والفرق بين التيارين كالفرق بين: قول المعري ((فلا نزلت على ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا )) وقول أبو فراس: ((إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر))
  فالعلاقة إذا بين التفكير والتفكر والتكفير علاقة قديمة / متجددة في مجتمعات التخلف الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي التي تنشط فيها التيارات الأصولية والسلفية في ظل أنظمة التسلط الفردي والتبعية، حيث بنعكس حكمها بالسلب على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وتؤثر تأثيرا بالغ السوء على الحراك العلمي والتعليمي وتهمش الحراك الثقافي والفني، وهذا واقع تعيشه مصر بدون مواربة، حيث يشتعل هوس الفتاوى ونعيق التكفير، الذي كان محصورا بين التفكير والتفكر بما يتيح للإبداع الأدبي والفني إمكان المراوحة بينهما من مدخل (إن بعد الظن علم) فينشط العلماء و (إن بعض الظن فن) فينشط الأدب والفن (المسرح والسينما والتصوير والتشكيل) فما البال ومصر تعيش الحاضر التكفيري الذي ينبذ مجرد التفكر.  
لعبة الحروف في جدل المعني: أليس من الغريب تطابق حروف كلمتي تفكير وتكفير، مع اختلاف المعني وتنافره بينهما ..
مع أن مادة الكلمتين واحدة - خمسة حروف: إلا أن لعبة تقديم حرف وتأخير حرف في صياغة الحروف الخمسة نفسها، تعطي معنى نقيضا؛ بل إنك لو تلاعبت بالحروف فصدرت كل حرف منها في بداية تشكيل مجموع الحروف الخمسة لأنتجت نحو خمس عشرة كلمة، لا تجد لها معنى في كلام العرب إلا في كلمتين هما (تفكير، تكفير) ولو رجعنا لجذر كل منهما سنجد جذر تفكير هو (فكر) ومعناها المعجمي: دبر. أما جذر كلمة تكفير هو (كفر) ومعناها: (غطى، أنكر).
 أما الفرق بين دلالة المعنيين فكبير وعميق، فالتدبر بحث مستمر متوالد عن جديد يستبدل به القديم أو يطوع مستجدات الواقع المعيش، بحث في قيمة الموجود وسبب ثباته على حاله لعصور ممتدة، وماهية السلطة التي تستميت في الدفاع عن ثباته، لتفكيك مرتكزات جمودها وتحجرها مع تغير كل ما يحيط بنا من مستحدثات يعيد التطور العلمي والبحث المستمر تجديد ما ينفع حاضر الأمم ومستقبل حيواتها، إعمارا للأرض واستمرارا للحياة الإنسانية.
   والتدبر بهذه الكيفية بحثا عن جديد مغاير لمنهج حياة أفضل لعالمنا الفعلي، هو في ذاته إنكار لمظاهر ثبات الموجود، ثبات حياتنا على نمط واحد متكلس صدئ جامد لا حياة فيه.
 إذن فالتفكير بمعني التدبر والبحث عن جديد مغاير للقديم والموجود فيه إنكار للموجود إما من حيث جوهر وجوده، وإما من حيث مظهره، وإما من حيث طرق توظيفه لغاية مغايرة أو منحرفة عن جوهره. والتكفير بمعني رفض التدبر والبحث والتغير هو إنكار لمجرد التفكير في كيفية التفكير في تغيير الموجود. ومع اختلاف مصدري إنكار كل منهما للآخر، إلا أن أصحاب التفكير يتميزون إنسانيا وعقليا عن أصحاب التكفير، بقصر إنكارهم على الظاهرة، أو على المظهر - مظهر وجود الشئ أو مظهر التعامل معه بما يحط من كرامة الإنسان، أي على الفعل نفسه - بينما يمتد إنكار أصحاب الفكر التكفيري لوجود المفكر نفسه، أي نفيه عن الحياة!
   فإذا وقفنا على منبع عملية التفكير وعملية التكفير، نكتشف أن كليهما (التفكير والتكفير) ينبعان من المنبع الظني، وينتميان إلى المعرفة الظنية، غير أن المفكر لا يتوقف مكتفيا بمحصلة ظنونه وإنما يتجاوزها بترقية ظنونه حول المسألة أو الظاهرة أو المظهر الذي أوقفه مندهشا من كيفية وجوده ؛ بحثا عن سببية وجود تلك الظاهرة أو ذلك المظهر، على الكيفية التي رأي فيها غرابة أدهتشته ​​ودفعته إلى التحري والتحقق وصولا إلى حقيقتها، بينما يتجمد ظن المكفر ويتكلس حول ظنه، أو يتوقف عند تفسير فقيه أو أكثر من فقيه عبر تلق سمعي تلقينا.
  ومع أن عملية التفسير منبعها التفكير، إلا أنه تفكير منغلق على نص ديني لا يستعين المفسر في فهمه له على جديد علوم عصره، ولا يعتد بمتغيرات وجوده الإنساني المتوالد المعارف، وبذلك ينكر مستحدثات العلم، وإن أدار حياته بمنجزات إنتاج الآخر العلماني للمعرفة ولوسائلها، مؤمنا بمقولة أحد المشايخ المعاصرين بأن "الله قد سخر الغرب لينتج لنا ما نحتاجه" مما أوقع أصحاب المعرفة الظنية في حالة إنفصام. بين إنكارهم لكل جديد مبتدع، مع الانتفاع بمنجزاته بإعتباره بدعة وضلالة صاحبها في النار يقينا - إنتهازية واضحة -
  وبما أن الفنون تأسست على المعرفة الظنية بالتخييل والإيهام، مشتبكا مع المعرفة العقلية، والعلمية اليقينية، فلن يقابل من أصحاب التيارات التكفيرية سوى الاستنكار والتكفير، الذي بدى فاشيا في الحياة الاجتماعية المصرية متسللا في جنح ليل الثمانينيات وما فتئ يميط لثامه ليظهر عكرة وجهه الظلامي عاما بعد عام لينشر جرثومة التخلف عبر النوافذ التي غضت الدولة عنها (زوايا أو جمعيات سلفية، وإخوانية تتخفي خلف عمل الخير، وتغول في المؤسسات التعليمية في مراحلها الأولية عن طريق آلاف المدارس في قري مصر، وتركت المنابر سداح مداح أمام وهاببيين مفوهين تكفيريين ينكرون على غير تابع لمسيرهم ليس حقه في الحياة

أ / د جميلة مصطفى الزقاي (الجزائر) أرزاء التكفير ودحضه للتفكير بالمسرح الجزائري بين علولة ومجوبي

  

التفكير والتكفير مصطلحان لا يصطلحان يتضادان ويتغالبان، لكنهما يتعايشان بحكم ما يشتملان عليه
من دلالات متناقضة تخص كل واحد منهما، لكن لطالما يكون التكفير هو عقاب التفكير وهذا ما عم حدوثه
في الكثير من الحقب التاريخية التي دفع فيها ثمن ذلك الكثير من الفلاسفة وذوي الفكر المتوهج الذين
اتهموا بالتكفير والزندقة فبقي تكفيرهم وصمة عار في تاريخ البشرية.
  هذا من جهة ومن جهة أخرى كثيرا ما استغل مصطلح التكفير بنوايا ودسائس مفضوحة على غرار أن
يسخر التكفير تهمة ليس للذود عن الدين الإسلامي وإنما ذريعة مبتذلة للحفاظ على كراسي مزورة
ومصالح دنيوية بخسة. ويبقى التفكير بالرغم مما يحاك ضده من ألاعيب ومكائد من ذوي النفوس الضعيفة آلتي لا تقوى على إدراك مستواه آو إنهآ ولجت مكامنه وفتقت أكمامه وأدركت خطورته على مخططاتها الماكرة الهدامة، وعلى مصالحها المذعنة في الأنانية، فتسخر كل ما بوسعها من أجل تقويض هذا التفكير الذي يشكل خطرا على مصالحها الموضوعة بالمقدمة على الدوام، تنشد تجسيدها ولو بإراقة الدماء وحصد أرواح الأبرياء الذين لا ذنب لهم غير حملهم لفكر متقد يستشرف جرائمهم الشنعاء ...
  ستسعى هذه الورقة إلى معاينة مصطلحي "التفكير" و "التكفير" بصورة عامة مع إجلاء أنماط التفكير ثم رصد ظاهرة التكفير ومسارها وأثرها في المسرح الجزائري خلال العشرية السوداء، وما طال رجال المسرح الذين اتهموا بالتكفير والعلمانية والإلحاد لا لشيء إلا لكونهم اختلفوا بتفكيرهم وأيديولوجياتهم فبدت هذه التغييرات والاختلافات بأعمالهم المسرحية فكانت وبالا عليهم على غرار عبد القادر علولة وعز الدين مجوبي اللذين سيكونا نموذجين للمثقفين الذين صفتهم يد الإرهاب التكفيري على الرغم من التصاقهم بهموم المجتمع وأرزائه ومحاولتهم تجديد الوعي العام بجرأة واحترافية وجمالية انطلقت من التراث وفككت أبجدياته محاولة إضفاء مسحة تجديدية أزعجت ودلت، مقوضة الزيف والدجل الذي من شأنه أن يشد الفرد إلى ماض لا يبقي ولا يذر ما لم يستلهم لتأمين المستقبل، وعقيدة مؤدلجة ومسيسة تتخذ مطية لتحقيق المصالح الدنيوية لفئة مارست التكفير مجهرة سيفه في وجه التفكير النقدي الإبداعي البناء ..

أ. زهراء المنصور (البحرين) المسرح وتكفير التفكير .. متى عرف الطغيان الحياة؟


حول مصطلح التكفير ذو الصورة الذهنية الواحدة، والمعاني المتعددة، تناقش الورقة "المسرح
وتكفير التفكير..متى عرف الطغيان الحياة؟ قراءة في أوجه التكفير المتأججة "، ضمن محور
المسرح وتكفير التفكير، وتطويع استخدامه من قبل السلطة الدينية لصالح رجال الدولة منذ وقت
مبكر من نشأة الإسلام، وتأتي أيضا على حصر بعض الأشكال المنضوية تحت التكفير بوصفه رفض
الآخر، تحت أقنعة اجتماعية وبقانون عرفي مطبق ومسكوت عنه، كالتمايز في لون البشرة باعتبار
أنها أشهر أشكال التكفير / إقصاء الآخر، وما يتبع ذلك من عصبية قبلية، طبقية، طائفية تزدهر
بالتأييد الخفي الذي يدفع به المجتمع، فيزيد اشتغال هذا المصطلح في التقسيم الديني والمذهبي
تحديدا، الذي يجعل من تصنيف الهويات حسب الأسماء / المناطق / اللهجات أمرا محسوما بمعنى المع والضد، ولكل ذريعته بالحرص على مظاهر الدين الإسلامي الذي تمثله طائفته بوصفها الطائفة (المختارة) وفي المضمون أسباب أخرى غالبا ما تكون تأجيجا سياسيا وتجييشا دينيا يؤيده .. فجاءت نتيجة التقسيم أن تشتعل فتنة التكفير، ورغم أن المسرح البحريني / الخليجي لم يعتبر هذه المسألة ظاهرة تستحق الطرح في العروض المسرحية- على الأقل فيما يتعلق بمستجدات نشرات الأخبار لمصطلح التكفير-، إلا أنه تناول المعنى بأشكاله المرعية والنابعة من خصوصية مجتمع الخليج المستمدة من الترابط في النسب وتشابك العائلات ببعضها من خلال منهج "التكافؤ"، لا يجعل من الآية القرآنية "..إن أكرمكم عن الله أتقاكم .." مبدأ اسلاميا مفعلا حسب التعاليم لتنفضح وجوه التكفير غير المعلنة، كذلك تأتي الورقة على المسرح الحسيني / التعازي بوصفه يمثل طائفة معينة تفعل طقوسه في موسم سنوي حيوي، على الرغم من أن موضوعه إسلامي لابد من الخلاف من التفاصيل التي تقود إلى نتائج مختلفة..كالمعتاد!
ثم..هل حقيقة الاحصائيات غير المحسومة بتفجير مسارح حول العالم، وتبني جهات متشددة وإرهابية من سلالة الشيخ سعيد الغبرا مناهض تجربة القباني، ميتات بشعة لأبرياء، هي إشارة قلق منهم في قدرة المسرح على التغيير والنهوض الحضاري على غير رغبتهم؟ وتأتي الورقة أخيرا على نماذج لعروض مسرحية تناولت ثيمات التكفير بصيغته الذهنية المعروفة، في تشريح شخصية المتطرف ودوافعه النابعة من اختلاف الآخر / الكافر معه، عبر نموذج للخطاب الأفقي، وعرض آخر للخطاب الرأسي عبر أم ثكلى تخاطب الله عز وجل برسالة أوكلتها الأمهات الأخريات بإيصالها، ليثار السؤال: لم لا نكفر هذا التكفير ؟؟
أ. زهراء المنصور (البحرين) المسرح وتكفير التفكير .. متى عرف الطغيان الحياة؟

أ.د. عبد الكريم عبود عودة (العراق): خطاب العرض المسرحي العراقي - مسارات التجربة بين سلطة التكفير وتنوع التفكير

مسارات التجربة المسرحية العراقية منذ عام 2003-2016 نزع المعنى اللغوي المتداول في
اللسانيات لمصطلح الخطاب وتبني لها مفهوما أكثر شمولية مستندة في مرجعيات تنظيرها
واستعمالها لمفهوم جديد على مجموعة من الكتاب والنقاد المعاصرين أمثال "ميشيل فوكو"
([1]) و "إدوارد سعيد" ([2]) ليتحول معنى المصطلح إلى "شبكة معقدة من العلاقات
الاجتماعية والسياسية والثقافية التي برز فيها الكيفية التي ينتج فيها الكلام كخطاب ينطوي على
الهيمنة والمخاطر "([3]).
وعليه فان خطاب العرض المسرحي عابر للقارات وقادر بمنظومته البنائية وأنساقه الثقافية أن
يعلن عن تأسيس دلالة متنوعة الأغراض والأهداف .. دلالة ذات معنى قريب جدا من الإنسانية وبعيد عن وصفها بدائرة صغيرة للوعي .. دائرة مفتوحة لا تنتمي لحس طائفي أو ديني أو عرقي أو قومي أو إلى مسميات أخرى أفرزتها السلطة والتسلط من أجل أن تمارس جنون الظلم والقمع والتكفير. ولهذا فإن خطاب العرض المسرحي خالد بموضوعاته وافكاره وتحيده في إعادة خلق الواقع وصياغته فنيا بأشكال رؤيوية متعددة تنتج وظائف خلاقة ينطلق بناؤها من مسلمات هذا الخطاب الذي يمتلك زمن متحول ترتبط آلياته بمجموعة من الأنساق الثقافية التي تعطي للرسالة مستويات خطابها الموحد باعتبار أن رسالة المسرح فنية فكرية مزدوجة وفاعلة بحضورها العياني والروحي والفعلي .. حضور حي لعناصر وجود هذا الخطاب التكوينية والتشكيلية والبنائية.
في ظل مرحلة تاريخية الحاسمة للتحول، ثم تغير البنى الشاملة لتشكيل المجتمع في العراق أثر حدث مهول اسمه زمن الاحتلال، إنه اجتياح من قبل القوة المهيمنة سياسيا وعسكريا على عالمنا اليوم، دخلت الجيوش عام 2003 ..
عاش المسرح العراقي باعتباره جزء من الثقافة العراقية - حيرة المثقف - أنه بين نارين الأولى سلطة السياسة التي تمنعه ​​من البوح وكشف الحقيقة اللعينة القادرة على التحكم بمصائر الناس. والثانية سلطة الدين الذي تكبل عقله وتمنعه ​​من كشف إسقاط الوهم العالق بأذهان الجهلة، وما بين النارين، يتغلب المثقف حائرا هل يجد له طريق أمثل في اختراق وتجاوز هذه الصعوبات المهينة للحياة والتي حولت أفكاره وعنوان تحضره إلى مقاومة غير مجدية.
خطاب المسرح يزيح المركز ويكشف عن الهامش، وهو خطاب يأخذ من البوح عن المسكوت - الذي يبدأ بالتفكير وينتهي بالموقف والتحدي الذي ينتج تكفيرا في ظل حركة وجدلية هذه الخطابات السلطوية (الخطاب الديني - الخطاب السياسي) من قلق الحيرة وتناقضات السلطات مبتدأ بقراءة العقل المهيمن على مسارات الإبداع المسرحي الذي ينتقل في أطره الفلسفية والفكرية من التكفير الى تفكير وبالعكس، وعي يسطر لنا هذه المتناقضات بسرد دراماتيكي فالمحيط الثقافي عبر هذه السنوات (2003-2016) لا يمتلك سوى ذاكرة المحو التي ساهمت وتساهم في تغييب الثبات وتتعامل مع التأرجح بما يحقق لسلطات الخطاب المهيمنة ووجودها في انتاج الفكر، ويبعد خطاب العرض المسرحي عن فضاءات الاكتشاف والبحث عن الحقيقة العقلية الموضوعية التي تميز مساراته.
ومما تقدم فإن دراستنا تسعى للكشف عن محاولات المسرحيين العراقيين في إعطاء وإغناء خطابهم المسرحي مساحات من التفكير المتنوع الذي ينتج انجاز فني يعبر عن حقيقة ما يمر به المجتمع من محنة ليتحدى ويتجاوز ويخلق البدائل الموضوعية والعقلية في الرؤيا والتجسيد الممثلة لهذا الخطاب الابداعي.
كما يسعى البحث التعرف على التأثيرات ذات الأثر السلبي التي تحققت نتيجة هيمنة الخطاب الديني والخطاب السياسي بمنظور (الإسلام السياسي) ليكفر ويمحو وجود التفكير العلمي الساعي للتغيير في الخطاب المسرحي.
وعليه فقد تضمن البحث مقدمة ومبحثين أساسيين الأول نظري يستند في منطوقه اللغوي والنقدي في الكشف عن آليات التحليل الأيديولوجي والأبستمولوجي لطبيعة الإبداع في هذه الفترة التأريخية الحرجة من تاريخ العراق وكيفية تمظهر الوعي السياسي والديني بخطابهما وكشف سلطتهما في التأثير على الثقافة والحياة الاجتماعية في العراق.
أما المبحث الثاني فهو تطبيقي يعرفنا على طبيعة وسمات المسارات الخاصة بالخطاب المسرحي لهذه الفترة التأريخية والذي تشكل بثلاث محاور في انجازه وتواصله وتأثيره واشتغالاته وهذه المحاور هي:
1-مسرح المواجهة (نتاجات المسرحيين العراقيين في دائرة المحاولة والتجريب)
2-المسرح الشعائري والطقسي (مسرح التعازي الحسينية والشعائر الدينية)
3-المسرح التجاري (محاولات لكوميديا ​​المتذلة)
وقد تضمن هذا المبحث نماذج لعينات تطبيقية على مستوى عناصر الخطاب للعرض المسرحي العراقي حقق الباحث فيها وناقشها وصولا الى النتائج التالية:
نتائج البحث
ان سلطات الخطاب الديني والسياسي اخذت لها مديات في التأثير على طبيعة الخطاب المسرحي لتنتج ثلاث مسارات مهمة عبر تاريخ هذه الفترة وهي:
1-تجارب المسرحيين العراقيين ضمن المؤسسة الرسمية والاكاديمية والفرق المسرحية الخاصة، هي عبارة عن محاولات التحدي والتصدي الفكري والاجتماعي الذي اخذت من عمق تنوع الانفتاح في التفكير لتنتج تجارب ناجحة تكشف عن حقيقة المجتمع في هذه الفترة المحتدمة الصراع فهي تجارب ومسار للتفكير ضد التكفير.
2-المسرح الشعائري او الطقسي لم يتخلص خطاب العرض المسرحي في هذا المسار رغم تعدد مسمياته (مسرح التعازي، المسرح الحسيني، المسرح الاسقاطي .. الخ) من ارتباطه الروحي والديني من الشعائر الحسينية التي تقيمها طائفة معينة من المسلمين العراقيين في العراق .. ولهذا بقى هذا المسار شعائريا يأخذ علامات العرض السمعية والبصرية والحركية من اطار منظومة مرتبطة بهذه الطائفة وعليه فهو خطاب شبه مسرحي ملتزم بالعقيدة ولا يتحرر منها وهذا القيد لا يعطي مساحات للتفكير الابداعي في صناعة المنجز والخطاب المسرحي الجديد.
3- الخطاب المسرحي التجاري أخذ من الكوميديا ​​والضحك الذي لا يستند على علمية في كشف المفارقة في الحدث او الحوار او الشخصية .. بل هو خطاب يركز على الرقص والغناء الفاضح طريقا لكسب المال ..جمهور هذا الخطاب يتشوقون لمشاهدة اجساد من النساء تتحرك على المسرح ونكات باذخة المعاني، انه خطاب يؤسس للجهل طريقا ولهذا فهو اسس للتكفير من خلال تعميق مستويات الجهل وانحدار الذوق الفني الرفيع.

[1] - ميشيل فوكو 1926-1984: فيلسوف ومفكر فرنسي .. درس الجنون من خلال تحليله للتاريخ في كتابه تاريخ الجنون .. ابتكر مصطلح (اركيولوجية المعرفة) .. نشرت افكاره حول السلطة والخطاب وعلاقتهما بتاريخ الفكر الانساني.
[2] - ادورد سعيد 1935-2003: مفكر ادبي فلسطيني وحامل للجنسية الامريكية استاذ في جامعة كولومبيافي الولايات المتحدة الامريكية ومن الشخصيات المفكرة المؤسسة لدراسات ما بعد الكولونيالية.
[3] - تنوعت مصادر البحث ولم تنحصر على ادبيات الفن المسرحي بل تعدت في الخوض باعادة قراءة التداخل المعرفي المجاور في اختصاصات انثربولوجية وايدولوجية ودينية لتنتقي من سياقات التفكير والوعي جدل لكشف ستراتيجية انتاج الخطاب المسرحي ومستويات جسدية البصري والسمعي والحركي لتحقق من هذا التداخل بعد جمالي في دراسة الظاهرة المسرحية اليوم.

د.عمر نقرش (الأردن): الخطاب المسرحي بين فطنة التفكير و فتنة التكفير - العلاقة الشائكة بين الفن والدين


توصف العلاقة الجذرية بين الفن والدين من حيث المبدأ والغايات بالعلاقة المتوترة والغامضة تاريخيا
على إمتداد حضارة الإسلام حيث حكمها الجدال المتصاعد بين الذاتية والموضوعية، والكراهة
و التحريم، ولا يخفى على المتبصر أن الدين والفن يشتركان في الوحدة المبدئية لجذورهما بوصفهما
ناظمين لمجمل التجربة البشرية في كل أبعادها، والفصل بينهما يقع في باب سوء الفهم لحقيقة التجربة
الفنية وتهميش لقدرة الفن على إعادة إنتاج المقدس خصوصا أن الدراما في أصلها وجذرها دينية
المنبت، ومن هنا بدت مسائل التكفير من أصعب وأدق المسائل، وهي مظنة مزلة للأقدام، تحتاج قبل
التصدر لها إلى علم كبير ووعي وفير، خصوصا أن القران الكريم والسنة النبوية الشريفة تحذر بشده
من إطلاق حكم التكفير في حق الإنسان المسلم. مع مراعاة إن الفتاوى التكفيرية عادة ما تحمل دوافع سياسية خوفا من الفكر والوعي المسرحي، لكنها تؤطرها بجانب ديني وقدسي حيث لا يمكن أن تصارح الناس بدوافعها السياسية.
      ومن هنا يظهر الجدال بين الفنان المسرحي والفقيه، الذي يريد احتكار فهم (النص / العرض) وتأويله، ولذلك لا زالت فتاوى التكفير تطارد الفنانين نتيجة تسلط الأحزاب الدينية المتطرفة ومرجعياتها، وخير مثال على ذلك ما يحصل في بعض الدول العربية من الدعوة إلى إغلاق المسارح وتصويرها كأنها أماكن للفساد والمجون وإثارة الفتن. مما يشعل ماكينة التكفير كرد فعل دفاعي، وبالتالي المتلقي لا يثق فيما تم إنتاجه وإبداعه فتمسي علاقة المتلقي بالعرض المسرحي علاقة متشنجة متوترة بحجة التكفير. هذه السيطرة التي تهدف ان يبقى المتلقي رهين لمقدسين مفترضين، المقدس السياسي والمقدس الديني فيتملكه الخوف منهما، بدلا من التعمق في معرفتهما، فيصيبه الانكسار الفكري ويتم تخديره بشعارات السياسي وطقوس رجل الدين، وعبر هذه الأدوات يتحول المتلقي إلى آلة مستلبة تدار بإرهاب مزدوج، ويصبح هو الأطوع لتلقي الخطاب السياسي والديني بكل تناقضاته وتسطيحاته بوصفه الجمهور الأمي ثقافيا وفنيا، وبعد فوات الأوان يكتشف المتلقي بأن رجال الدين ليسوا فقهاء ولا علماء دين - إلا من بقي منهم خارج نياط السلطة السياسية- وأن رجال السياسية ما هم إلا عبيد السلطان، وأن الفنان صوره من صور وتمثلات الشيطان الرجيم الذي يقدم له الرجس من الأعمال، والاتهام له لا يكون بوصفه معارض بقدر ما هو مرتد وهنا وجب شرعيا وسياسيا تكفيره وزندقته، وباسم هذه التوصيفات له يهيج الجمهور عليه ويرفض منتجه المسرحي وتصدر فتاوى التكفير والاغتيال والنفي دون ان يكلفوا أنفسهم مشقة التساؤل العقلي ، والنتيجة أنهم بذلك أسسوا لجمهور من الواعظين المتعطشين للتكفير والإرهاب بدلا من الجمهور المتذوق والمتعطش للفن والجمال، فيصبح الجمهور يفاخر بأميته وجهله متحاشيا الإقتراب من العقل النقدي على قاعدة أنه يعيش في الدنيا ولكن عقله مشغول بالآخرة، وهذا المخطط صاغه رجل السياسة بالاتكاء على عكازه رجل الدين للكشف والنبش عن عورات الفن لدس السم في العسل ولإقصاء الجمهور عنها أكثر فأكثر.
    وبالمقابل وحتى نكون منصفين في تشخيص هذه الظاهرة لابد من الإعتراف أنه هناك شريحة من الجمهور أوجده أدعياء الفن المسرحي ضمن منظومة علاقة البائع بالزبون. علاقة يحكمها الربح والخسارة والترويج بأساليب رخيصة مما زاد من حدة العلاقة المتشنجة بين الفن والدين وأصبحت الفجوة أكبر. وبقي رجل الدين يستمد قدسيته وقوته من زيه الديني وبقي أدعياء المسرح يستمرون في مناجاة جمهورهم بأسمالهم الحداثية ومساحيقهم الملونة التي تخفي زيفهم وخداعهم لترويج بضاعتهم الفاسدة على الجمهور المستباح الذي تمادى كل من السياسي والديني في استباحته وافتراسه، فكيف للخطاب المسرحي أن يزدهر في ظل هكذا مخطط خبيث غاب عنه فطنة التكفير مقابل فتنة التكفير.

أ. محسن الميرغنى (مصر): فكر التطهير وفقه التكفير

في مواجهة كافة صور التكفير والقمع والقهر والمصادرة باسم السلطة -أي سلطة- سياسية
أودينية أو إجتماعية، يبقى المسرح بقدرته التطهيرية حائط صد رئيسي للمجتمعات المتحضرة ضد
كل محاولات الترهيب والتخريب باسم التعصب أو العنصرية والرجعية.
فالفن المسرحي يعتبر مدخلا رئيسيا لساحة الفكر الإنساني وعنصرا فاعلا من مكونات الحضارة
والثقافة، كما أنه واحد من أهم وسائل التغيير الإيجابي في المجتمع الحديث، حيث يسعى
المسرحيون الجادون في عملهم لتحرير وعي الكائن البشري المعاصر من القيود المتوارثة
والمتراكمة على العقل والوجدان الإنساني.
ويمثل التطهير المنشود من العمل الدرامي موقفا جماليا نفسيا يعارض موقف التكفير حيث يدفع المشاهد لقبول حالة الصراع بين مختلف الآراء التي تعرضها الأحداث الدرامية في حوار الشخصيات مع بعضها أو تجاه أفعالهم المرئية، مما يؤدي إلى تكوين وجهة نظر حرة تحدث تغييرا في الوعي الإنساني ليصبح مشاهد الدراما ذا وعي فاعل يمتد أثره إلى ما بعد التلقي والإدراك المباشر.
أما فقه التكفير فيمكن رؤيته في ممارسات وتصرفات بعض السياسيين ورجال السلطة من ذوي التصورات الأحادية المطلقةتماما كما نجده عند المتعصبين الدينيين، وهؤلاء منتشرون في العصر الحديث بين أفراد الفئات المهنية النظامية من حراس النظم الاستبدادية وكذا ممثلو الطبقات الاجتماعية ذات الميول التسلطية والنزعات التعصبية وممثلو النظام المتصلبين، ممن يرفضون وجود أي تنوع واختلاف في الرأي بدعوى أن التعبير عن الرأي المختلف أصل كل تخريب محتمل وسبب أي تدمير يحدث في بنية العالم المستقرة الراسخة.
ولا يختلف صاحب المنصب الرسمي الاستبدادي في مجتمع ظلامي فاسد القيم، عن شخص جاهل غير متعلم من أتباع منطق التكفير في محاولته وسعيه لردع خصومه والنيل منهم للتغلب عليهم بقوة السلاح والجبر المادي بالعنف، فهذا سبيله إلى تحقيق شعوره بالتفوق عليهم عن طريق استخدام قوة التكفير ممثلة في إرهاب التخوين والخروج على الجماعة دون حجة عقلية مقنعة تؤكد مزاعمه أو تؤيد رؤاه.
النظم الرقابية على الإبداع والفنون نشأت واستمرت في المجتمعات الحديثة لتحقيق هدفين الأول التنظيم والثاني المراقبة وتقليم أظافر العمل الفني غير المرغوب في مقولاته وهو هدف يتقارب مع المسعى الذي يطلبه التكفيريون والمتعصبون.
ويؤدي إستعمال الرقابة على الفنون للقوانين والتشريعات الجامدة التي تخالف سنن التطور والتقدم الاجتماعي الحديثة إلى فرض وصايتها الأخلاقية المثالية أو الدينية الرجعية أو السياسية الاستبدادية على العمل الفني المنتمي إلى واقع متغير ومتجدد دائما وأبدا، مما يسمح بتدمير بنية العمل الفني الذهنية والجمالية في اتساقها مع أسلوبها المنتمي إلى عالم الخيال والافتراض في الأصل، وإجبارها على اتباع شكل محدد واضح في تناول القضايا والفكر بأسلوب جامد متزمت يشبه الأساليب التكفيرية في إرغامها للآخر المختلف على اتباع منهجها التعسفي، الذي يخضع لمعايير ومحاذير تصلح فقط للتأييد والتوافق مع رؤية المستبد والتكفيري والجاهل دون أن تجاوزها أو تتخطاها .

أ. محمد أبو العلا السلاموني (مصر): الخلافة والتكفير .. والمبدعون يمتنعون


في كتابه "الحقيقة الغائبة" الذي كتبه الدكتور فرج فودة كمفكر وباحث فى حقائق التاريخ
الإسلامي استطاع أن يميط اللثام عن الأوهام والأكاذيب التي تروج لها جماعات الإسلام
السياسي ودعاة التطرف والتكفير حول مفهوم "الخلافة" باعتبارها الهدف النهائي الذي
يسعون إليه، فكان جزاؤه التكفير والقتل. وفكرة "الخلافة" هي القاسم المشترك والغاية
التي تنادت بها كل جماعات الإسلام السياسي القديم والمعاصر، ومن ثم فإن تفنيد هذه الفكر
ة وكشف الأوهام والأساطير التي تكتنفها هذه الوسيلة المثلى التي تقوض فكر هؤلاء
الجماعات ومن هنا تأتي الخطورة التي مثلها المفكر فرج ضدهم حين كشف أن فكرة الخلافة لا علاقة لها بالدين وإنما هي ذريعة اتخذوها للوصول إلى السلطة والحكم المستبد باسم الدين، وهكذا كفروا المجتمع واتهموه بالجاهلية لأنه مجتمع بلا خليفة ومن ثم يمكن استحلال دمه وأمواله وأعراضه.
وبالعودة إلى أصل الفكرة باعتبارها ذريعة دينية للوصول إلى السلطة نرجع إلى أسطورة قديمة أو واقعة ربما كانت خرافة ولكن دلالاتها الفكرية فيما حدث بعد ذلك، أنها تراجيديا الصراع بين الهاشميين والأمويين، وكما بدأت تراجيديا أوديب منذ مولده بدأت أيضا هذه التراجيديا عندما ولد لعبد مناف في الجاهلية توأمان (هاشم وعبد شمس) ولدا ملتصقين من عقبيهما، و إذا هذا الدم يؤوله العرافون شرا مستطيرا يثور بين أعقاب بنى هاشم وأعقاب بنى عبد شمس. وكان من أعقاب بنى هاشم (العلويون) نسبة إلى على بن أبي طالب، ومن أعقاب عبد شمس (الأمويون) نسبة إلى معاوية بن أمية، وتحققت النبوءة حين ثارت الحرب بينهما فيما عرف بالفتنة الكبرى وأدت إلى مقتل علي و ولده الحسين وانتصار معاوية وولده يزيد ثم قيام الدولة الأموية.
واستمر الصراع بين شيعة علي وأتباع معاوية إلى أن تحالف شيعة علي مع العباس من أبناء عمومتهم ليستردوا الخلافة من الأمويين، واشتد الصراع بين الجانبين إلى أن استطاع العباسيون أبناء عمومة الشيعة أن يهزموا الأمويين ويقيموا دولتهم العباسية وحدهم دون حلفائهم الشيعة العلويين، وهكذا انتقل الصراع ضد الأمويين ليصبح بين أبناء العمومة الهاشمية، أي بين الشيعة العلويين وبين العباسيين، مما أعطى الفرصة للفرنجة الصليبيين للاستيلاء على القدس وفلسطين، وهكذا ظل الصراع بينهما على السلطة والخلافة عدة قرون إلى أن استطاع الشيعة العلويون أن يقيموا دولتهم الفاطمية فى مصر والمغرب العربي، واشتد الصراع والأطماع بين الخلافتين العباسية والفاطمية إلى أن سقطت الخلافة الفاطمية في مصر ونشأت في أعقابها أخطر فرقة إرهابية في التاريخ وهى فرقة الحشاشين التي أسسها (حسن الصباح) اعتمادا على أن الخلافة لنزار أحد أبناء الفاطميين، وكانت وسيلة النزاريين أو الحشاشين هي نظرية الاغتيال السياسي والعمليات الانتحارية الإرهابية التي تتبناها الجماعات المتطرفة حتى الآن في وقتنا المعاصر. وجاء المغول وقضوا على الخلافة العباسية في بغداد، إلا أن المماليك فى مصر انتهزوها فرصة للحكم واستدعوا أحد أبناء العباسيين ليعيدوا به شكل الخلافة ويكون ذريعة لشرعية حكمهم الذي اغتصبوه من الأيوبيين، وهكذا إلى أن ظهر الأتراك العثمانيون وهزموا المماليك وتولى سليم الأول العثماني الخلافة بعد أن نزعها من الخليفة العباسي ليكون أيضا ذريعة لشرعية حكمهم، وظل الحال هكذا إلى أن أسقط كمال أتاتورك فى تركيا نظام الخلافة عام 1924.
إلا أن فكرة الخلافة أخذت تراود الطامعين في الحكم في العصر الحديث، وكان على رأس هؤلاء الطامعين (جماعة الإخوان المسلمين) ومؤسسها (حسن البنا) الذي عاصر الثورة الكمالية التي أسقطت الخلافة ورأى أن هذه فرصة ليرثها وجعلها ذريعته وهدفه عندما أنشأ جماعته وتنظيمها السري الإرهابي على غرار جماعة (حسن الصباح) التي تعتمد على القتل والاغتيال والتي ألهمت كل جماعات الإسلام السياسي ودعاة التطرف والإرهاب والتكفير في كل أنحاء العالم، وكان من ضمن الطامعين في (الخلافة) العديد من الحكام العرب والمسلمين منهم الملك فؤاد وابنه الملك فاروق الذي إدعى نسبه إلى البيت الهاشمي وكأنه كان يريد إحياء أسطورة الصراع القديم وينافس أطماع الشيعة في إيران التي تنسب إلى أئمتها التقديس بانتسابهم إلى أبناء علي من الهاشميين، ثم يظهر فيما بعد خلفاء آخرون ليسوا من الشيعة ويدعون الانتساب إلى السنة لمناوأة الشيعة واقتناص الحكم والسلطة أمثال خليفة طالبان في أفغانستان وخليفة داعش في العراق والشام فضلا عن أطماع (أردوغان) في تركيا لاستعادة عصر حريم السلطان بتدعيم من التنظيم الدولي للأخوان المسلمين تحت رعاية المخابرات المركزية الأمريكية التي تسعى لاستنساخ الفتنة الكبرى القديمة فى صورة جديدة وهى نظرية الفوضى الخلاقة التي تشتعل الآن بين الطامعين في تجزئة المنطقة وتقسيمها وتوزيع غنائمها بين الفرس الشيعة (إيران) والروم السنة (تركيا) والفرنجة الغرب (أمريكا وإسرائيل) والجماعات المتطرفة (الأخوان والقاعدة و داعش وغيرها من جماعات الذئاب المنفردة).
والنتيجة هي ما نحن عليه الآن من فوضى مدمرة حيث نعاني من أسطورة هذا الوهم المدعو (الخلافة) وما نشأ عنه من عنف وإرهاب وتكفير باسم الدين و الدين منه براء. والسؤال الذي نطرحه الآن فى هذه الدراسة، ترى ماذا فعل المبدعون إزاء هذا الهم الثقيل؟ .. الحقيقة أن المفكرين عانوا الكثير من هذا الخطب العظيم مما أدى إلى قتل الكثير منهم بدعاوى التكفير منذ عصر الخوارج حتى الآن. أما عن الإبداع ففي رأيي أنه لم تكن على مستوى المسؤولية التاريخية وكان مقصرا إلى حد كبير خصوصا منذ فترة سقوط الخلافة العثمانية في تركيا وبداية بزوغ الجماعات الإرهابية المعاصرة.
ورفق هذا نموذج لخطاب التكفير والتحريض على قتل المفكرين من قبل أحد علماء الأزهر يحرض فيه على قتل الدكتور جابر عصفور والمفكرين بالسيف وقطع الرقاب حيث يقول في آخر مقالته المنشورة بجريدة الأخبار الأحد 10 يوليو عام 2016:
إن الأزهر (لم يكن سيفا مصلطا إلا على رقاب المرجفين في المدينة ممن يرجون زعزعة الأمن الفكرى في البلاد باسم التنوير)، هذا في الوقت الذي لا يجرؤ فيه الأزهر أن يكفر القتلة الإرهابيين .. يا للعجب .. هو يحرض على قتل المفكرين المسالمين، بينما الأزهر وشيخه الأكبر لا يكفر القتلة الإرهابيين .. أهذا هو تجديد الخطاب الديني الذي يطالبنا به رئيس الجمهورية؟! .

د. محمد المديوني (تونس): في الحقد على المسرح

يبدو الموضوع المحدد في هذه الندوة أقرب ما يكون إلى رجع الصدى، لما تواتر في أجهزة الإعلام وفي
عدد كبير من البلدان، من تعابير مرتبطة بالكفر والتكفير ما انفكت ترد تبريرا، لما من وجوه البشاعة
والهمجية ما عرفت المجتمعات العربية والإسلامية شبيها لها في العصور الحديثة. وهو كذلك شكل من
أشكال التفاعل مع ذلك كله.
وتبدو من وراء ربط "المسرح" ب "تكفير التفكير فرضيات ومساءلات وانتظارات الفرضية.
الأساسية هي الإقرار بوضع قائم يكفر فيه التفكير، أما السؤال فيتجلى في عطف "المسرح" على
"تكفير التفكير" عطفا يعبر عن تساؤل حول موقعه من هذا الوضع وحول الدور الذي لعبه أو لم يلعبه فيه. ويعبر، كذلك، عن رغبة في معرفة ما يمكن أن يقوم به هذا الفن في هذه العلاقة غير السوية التي تضع بعدا من أبعاد الإنسان وإنسانيته موضع ما هو محرم ومشين.
ولكن في هذا العطف، حصرا لمجال "التكفير" في ما يتعلق ب "التفكير" وحده و [سكوتا] عن "التكفير" الموجه إلى أشكال السلوك الفردي والجمعي ولأنماط المجتمعات وتنظيماتها. فهل يعود ذلك إلى اعتبار "التفكير" الأساس الذي تقوم عليه أنماط المجتمعات، فيكون الخوض في مسألة "تكفير التفكير" مفتوحا، بالضرورة على مواضيع التكفير بصورة أشمل؟ أم يعود الأمر إلى اعتبار "المسرح" نتاجا للتفكير وموضوعا له، وهو، من ثمة، منطلق من الفكر والتفكير، متفاعل معهما وفاعل فيهما؟
ورد "المسرح" في صيغة المفرد وهو المتعدد المتنوع، فهل يعني ذلك أن الأمر يتعلق بجوهر هذا الفن ولا يتعلق بتفاصيله ولا يرتبط بنتاجاته في مكان بذاته ولا زمان بعينه؟ لكن ألا تفرض الصيغة العربية للتعبير وارتباطها بهذه الفترة بالذات عدم الاقتصار على المسرح في صورته المطلقة وحدها؟
بعد هذه استقراء دواعي الاختيار والتفاعل مع الانتظارات الكامنة وراءه، ننطلق في معالجة المسألة من خلال ثلاث مراحل:
"التكفير" و "التفكير" ومفارقات المعجم العربي:
عدنا إلى المعاجم العربية فوقفنا على أن بين عبارتي "التكفير" و "التفكير" صلات عضوية. إنهما يشكلان "جناسا تصحيفيا" (Anagramme) فجذرا العبارتين تنويعتان لجذر ثلاثي واحد (ر ف ك). وما يلفت الانتباه هو البون الشاسع في نسبة تداول الألفاظ المشتقة من مادة (ك ف ر) قياسا بما اشتق من مادة (ف ك ر). احتل الأول نصف عمود (اللسان 5، 65 ب). وامتد الثاني على 15 عمودا (نفسه، 144 \ أ -151 أ). أي 30 مرة أكثر من الجذر الأول. وفي هذا مؤشر على غلبة ثقافة التكفير مقارنة بثقافة التفكير في لغة العرب وثقافتهم. وما ظهر من صوره، هذه الأيام، إنما هو عودة المكبوت.
في الحقد على المسرح:
لقد كان المسرح موضوع حقد، منذ نشأته، في البلاد الأوروبية واختلفت تجليات هذا الحقد بين العصور وتنوعت منطلقاته لقد كانت الكنيسة صاحبة سلطة "التكفير" المنطلق والمرجع فنشأت نصوص كثيرة وجدت صداها في عوالم الفكر والتفكير في أوروبا عصر النهضة ليست أعمال بوسويي [1] ودي كونتي [2] أقلها شأنا ولكن لم يقتصر الأمر على الكنيسة وحدها يكفي أن ننظر في الرسالة التي وجهها روسو إلى دالمبير في خصوص دعوته إلى إنشاء مسرح في مدينة جونيف [3] لنرى مقولات دي كونتي المنطلق من تعاليم الكنيسة تلبست بلبوس لايكي دون أن تزول عنها كراهية المسرح والدعوة إلى تركه. ولكننا نعثر على نصوص أخرى صادرة هي الأخرى عن الكنيسة تمتدح هذا الفن دفاعا عنه من خلال الإلحاح على التمييز بين الرفيع من نتاجاته والدنيء [4]، وحتى عندما ننظر في ما عبر عنه ب "مفارقة سينو" [5] التي تؤكد عمق هذا الحقد وتبرز الوعي الشديد بما يقوم عليه جوهر هذا الفن من إحراج للسائد، مقدسا كان أو دنيويا فإننا لا يمكن أن لا نرى في ذلك كله صورا من الجدل ناجمة عن علوية الفكر والتفكير، لا يمكن إلا أن تفتح آفاق هذا الفن وتبرز موقعه من جهود الفكر والتفكير.
المواطنة شرطا للمسرح وملاذا للفكر والتفكير:
ليس غريبا أن يكون المسرح من بين أول ما استهدفه التكفيريون عندما هاجم بعضهم عروضا مسرحية كانت تقدم في بعض قرى البلاد التونسية. لم يكن يزعجهم موضوع المسرحية أو نوعها لأنهم لا علم لهم بها. ما كان يزعجهم هو المسرح في ذاته، هو المسرح باعتبارها لقاء بين مجموعتين إحداهما تعيد بناء العالم من خلال فعل التخييل، وأخرى راغبة في أن تشاطرها فعل التخيل والتخييل ذاك. وليس غريبا أن تتجند قوى المجتمع المدني في تلك القرى لتدافع على العرض والفنانين. وليس ذلك إلا صور من الاعتراف للمسرح في إسهامه في بناء ذلك المجتمع المدني. لكن هل يمكن أن نقيس ما وقع في تونس وفي بعض البلدان العربية الأخرى بما قام واستقر في المجتمعات التي ترسخت فيها المواطنة ومقتضياتها؟ هل يمكن أن نتكلم عن صور من الجدل الذي رأينا صورا عنه في أوروبا عصر النهضة وما زال مستمرا؟ الجواب مرتبط بدرجة تحقق حياة مسرحية فعلية يتحول فيها المسرح إلى حاجة حقيقية لدى أهل تلك البلدان.

المحور الثاني: كيف قال؟ التجريب وتثوير الأبنية الجمالية:

كيف عبر مسرحنا عن طموحاته فى تغيير الواقع بتثوير أبنيته الجمالية؟ بحثا عن هذه العلاقة المتفاعلة بين البناء الجمالي والمحتوى الفكرى من جهة، وعن هذه العلاقة بين أبنيته الجمالية المتثورة والواقع المجتمعى الثائر تأسيسا على أيديولوجية فكرية محددة، أو دون إيديولوجية قادرة على التحقق علي أرض الواقع.

أ. أحمد هاشم (مصر): متغيرات البنية الدرامية فى المسرح


تأسست البنية الدرامية فى المسرح وفقا لما ارتآه الأغارقة المسرحيون وحددها "أرسطو" مرتئيا نموذجها فى 
"(أوديب ملكا) لسوفوكليس، وتتمحور فى فعل يقوم به شخص عظيم، فيتغير مصيره لحماقة يرتكبها،
فيستوجب عقابه وفقا للنظام السياسي الديمقراطى السائد زمنذاك، وتتناول فعلا واحدا تاما فى كليته، ومما
يؤخذ عليها تسخيره التلك المنظومة، ومن وجهة النظر السوسيولوجية لم يكن ذلك المجتمع مثاليا يقوم على
العدل والمساواة بين البشر، وتعمل تلك البنية فى أعلى تجلياتها بالتطهير على ترسيخ ذلك النظام، الذي كان
من السهل العصف به من داخله على يد "بريخت" فى القرن العشرين.
وقد حدثت حلحلة لتلك البنية، مع توهجات عصر النهضة فى انجلترا
(شكسبير وكريستوفر مارلو وفطناء الجامعة)، وفرنسا (راسين وكورنى وبومارشيه بصورة أساسية "، وأسبانيا (ثيربانتس وكالدرون دى لا باركا)، وتخلت عن صراع إرادة الآلهة مع إرادة البطل ليحل محلها التنازع بين قيم بعضها إنسانى، وبعضها تفرضه التقاليد الإجتماعية، ليصبح البطل حر فى تحديد مصيره، إنها حرية الاختيار ليصبح "هاملت" حرا فى الثأر لأبيه، ويصبح "عطيل" حرا فى قتله ل "ديدمونة"، و "دون رودريج" فى "السيد" ل "كورنى" حرا فى الثأر لشرف أبيه، أو التهاون من أجل محبوته، وأصبحت أيلولة المصير رهنا بخيارات البطل، أصبح التشكيل البصرى يلعب دورا جعل مخرجى الواقعية والطبيعية يغالون فى المشابهة بين مناظرهم المسرحية والواقع، وأصبح المؤلف يسهب فى وصف المنظر المسرحى، ووصف أبعاد الشخصيات، وقصرت والتراجيديا مداها "على زمن مقداره دورة شمسية واحدة، أو تجاوز ذلك بقليل "وهى جملة غامضة، ويعود أمر صياغتها كقانون درامى الى" جيرالدى سنشيو "حين يقول" التراجيديا والكوميديا ​​تتفقان ضمن ما تتفقان فيه من عناصر أخرى هو قصر الفعل على يوم واحد، أو أطول من ذلك بقليل "، فحول عبارة أرسطو الى قانون درامى لا ينتهك، ولم يشر أرسطوأيضا الى وحدة المكان، وإنما أخذ بها تساوقا مع وحدة الزمن، وتعتبران آخر ما أسهمت به إيطاليا فى النقد، وعرفتهما فرنسا وإنجلترا بعد ذلك، وظلتا كقانونين دراميين طوال سيادة الكلاسيكية الحديثة والرومانسية، حتى جاءت طبيعية ابسن وسترندبرج متخلية عن بعض ملامح تلك البنية، إذ لم يعد الفعل بالضرورة عظيما، ولم تعد الأفعال حكرا على العظماء، وانصرف الاهتمام إلى الموضوعات الإجتماعية، وأصبحت النفس البشرية مجالا للاهتمام والتحليل، حتى أحدث "برنارد شو" نتوءا فى التحول بمسرحياته المهاجمة للقوانين الإجتماعية المعرقلة لرغبات البشر، فناقش فى مسرحية "الزواج" حق المرأة فى ممارسة أمومتها دون زواجها حيث كانت تمنع القوانين ذلك، كما أولتا اهتماما بالمؤثر الصوتى، إذ جعل "ابسن" صوت صفق "نورا" للباب فى "بيت الدمية" يحتل مكانا كبيرا على مستوى الفعل والرمز، كما يجعل "برنارد شو" المؤثر الصوتى يضفى مدلولا بمسرحيته "الزواج" إذ يشير الى صوت عصفور يغنى فى الحديقة "من خارج المنظر المرئى"، كما يولى اهتماما بالمساقط الضوئية للشمس. والقفزة الحقيقية فى البنية الدرامية هى ما حدث فى مسرح "بريخت" استنادا الى رؤيته لدور المسرح فى المجتمع، مستخدما العناصر الملحمية للإنفلات من الإيهام، لاستبقاء وعى المتفرج يقظا، ليصبح قادرا على المباعدة بين شخصه، وبين ما يشاهده، ليكون قادرا على اتخاذ موقف تغييرى .
وإذا كان العرب قد عرفوا المسرح فى كلاسيكيته الحديثة ثم الواقعية، فى تبنيه لهموم المجتمع المصرى، بعد ثورة يوليو 1952، منعكسا فى أعمال "نعمان عاشور" و "سعد وهبة"، واحتل المجتمع بهمومه محل الفرد، حتى اتخذ منحنى آخر مع هزيمة يونيو 1967 وما أحدثته من شرخ لدى الكافة فسعى بعض من المسرحيين للبحث فى التراث العربى، ​​طارحين عبره هموم الوطن وقضاياه، دون الوقوع تحت الطائلة الرقابية، فعرفت الرمزية طريقها إلى البنية الدرامية عبر الكلمة والصورة والأداءات، ولا مقارنة بين رمزية "ميترلنك"، الذى تخلى عنده الواقع الخارجى فى البنية للواقع الداخلى فى النفس البشرية، أما مسرحنا العربى إلتجأ للرمز للإنفكاك من رقابة السلطة، وتلك كانت البذور لمسرح الكباريه السياسى الذى انتشر طوال الفترة الساداتية، وجزء من فترة "مبارك"، وبدايته الحقيقية واكبت الحقبة الناصرية، مع عروض مهرجان القاهرة للمسرح التجريبى تركت أثرا بالغا على بنية عروضنا بحيث أصبح الآداء الحركى يشكل جزءا من بنية الكثير من العروض والصورة تختزل الكلمة، واستطاعت تلك البنية أن تغزو عروضنا المسرحية فى الأقاليم، مما أحدث حالة إغترابية، ونوعا من التعالى الزائف بين لتلك العروض وصناعها، ومشاهديها، وهو ما يثير قضية ملحة حول الصياغات الشكلية المبتدعة لذاتها، والهموم الاجتماعية التى تمس العصب العارى للجمهور.

د. أمنة الربيع (سلطنة عمان): الجمالية المسرحية والتجليات السياسية في المسرح العماني


تسعى هذه المداخلة إلى قراءة الجماليات المسرحية والتجليات السياسية في المسرح العماني عبر اقتراح تأسيسين
متلازمين، يتصل التأسيس الأول بإنطلاق دورة مهرجان المسرح العماني السادس في (نزوى) 2015 م
والكتابات المسرحية والاشتغالات الإخراجية لدى المسرحيين الشباب.
وإذا كان المهرجان في دورته قد شهد إقبالا كبيرا من المتفرجين، فقد تعزز ذلك الإقبال بإثارة القضايا المتصلة
بالشأنين المحلي والعربي، وهنا لاحظت أن التراكم المسرحي الجيد قد ولد أسئلته وتطوره على صعيد الكتابة
والتقانة والابتكار في أساليب لغة الإخراج، وكان للثورة العربية في تونس ومصر حافزا خصبا ليقدم الكتاب
مسرحياتهم المتسمة بالقلق والشعور بالخيبات من مآلات الربيع العربي. وأهدف من ذلك التأكيد على الصلة العضوية
بين إفرازات الثورات العربية (ثورة الياسمين في تونس وثورة 25 يناير في مصر) وبين تمظهرات الكتابة
والفرجة المسرحية ما بعد الملحمية، وتشديد مناداتها على حرية التعبير والصحافة والعدالة الاجتماعية في نتاج المسرح العماني.
وأما التأسيس الثاني فينطلق من محاولة لتأطير مفهوم الجماليات المسرحية وجذورها وتشعباتها، التي أرستها اجتهادات المشتغلين بالفكر الفلسفي والمعرفي عند الغرب وفي الشرق القديم. ومن نافلة القول، قولنا: إن الفنون تتطور بتطور العلوم وتغير المجتمعات. وفي هذا السياق، فإن الغرب الذي سبقنا إلى تقعيد علومه ومعارفه بوقت مبكر، جعلوا بذلك منطقة البحث في الجماليات المسرحية تنتقل من التوجهين الأساسيين: المعياري والوصفي إلى جماليات الإنتاج والتلقي، فإعارة الاهتمام للعلاقة بين الجمالية والدراماتورجيا.
ولأن المداخلة تتمظهر في إشكالية تتعلق بخصائص الكتابة المسرحية ومضامينها من جهة، ثم البحث في عناصر تثوير جماليات الأبنية المسرحية التقليدية في المسرح العماني، كان لا بد من تمثيل ذلك بعدد من المسرحيات، بها من حساسية الراهن السياسي والسؤال الفني السند الذي يجعلها صامدة للتحليل. فوقع اختياري على ثلاثة مسرحيات للكاتب المسرحي بدر الحمداني (فكرة، والعيد، والجحدول)، ومسرحية (قرن الجارية) للمخرج والكاتب المسرحي محمد خلفان الهنائي، ومسرحية (صحراء وقمر) للكاتبة وفاء الشامسية.
لقد عبرت المسرحيات عن توهج مرحلة سياسية عربية متأزمة، وانطلق الكتاب من مواقع ثقافية واجتماعية مختلفة، لكنهم يتحلقون في دائرة المعايشة والمساءلة لخطابات الديمقراطية التي عجزت الأنظمة السياسية عن ايصالها إلى بر الأمان. وينبغي الإشارة هنا، بالقول، أن الاهتمام بالشأن العربي السياسي بوجه عام، في المسرح العماني لم يكن وليد الثورات العربية الأخيرة، فتاريخيا، وبالعودة إلى مغامرة الفعل المسرحي في عمان يسجل للنادي الأهلي في سبعينيات القرن الماضي تفاعله مع الحركة المسرحية العربية، فتناول المؤسسون بالنادي مسرحيات ذات مضامين تاريخية، وأخلاقية، واجتماعية، وسياسية عربية تتصل بهموم الإنسان العربي وبمصيره التاريخي (توفيق الحكيم قدم له بوجه عام (12) مسرحية، وألفريد فرج (4) مسرحيات).
واستنادا على ذلك التفاعل نظرت في هذه المداخلة إلى تلكم المغامرة كخلفية (تأصيلية) لتكوين مسار ما عنونته ب (تركيب وتحرير) وعبر ذلك المسار توصلت إلى توفر عدد (7) ملامح لخصائص الكتابة المسرحية وفضاءات الجماليات الملحمية وما بعد الملحمية.
وأخيرا: إلى أي حد نجحنا في تثوير جماليات الأبنية المسرحية في المسرح العماني؟ إن محاولتنا المتواضعة التي قدمناها في هذه المداخلة إذ تنطلق من مسؤوليتها النقدية والثقافية والوطنية، تدرك أن المعطى السياسي في مجتمعات ما زالت تناقش أسئلة الحداثة هو المحرك الأوضح، ولا أقول الأقوى أو الأفضل. فكل منا كما يقول عز الدين بونيت: "كل منا يجبالدولة قبل أن يجر بالحرية". واتمنى، تكون الإجابة موفقة إلى حد معقول ..

أ. خالد رسلان (مصر): البنية الجمالية وروح الكرنفال

زعزعة الخطاب السائد الذي يصدره المركز، وتعرض له المجتمع المصري إبان الثورة بعد سقوط البنية كاملة
، ونسقها -أي النظام- الذي كان يفرض سيطرته على الفضاء الاجتماعي، وكانت بداية تلك الزعزعة بالتحديد
في ميدان التحرير الذي سادته الخطابات الهامشية المسكوت عنها لقرون طويلة والمناهضة للمركز وخطابه
المهيمن. وبذلك أعيد إنتاج هذا الفضاء وطبيعة العلاقة بين الأفراد فيه بعيدا عن المحددات التي تفرضها
المؤسسة الاجتماعية، خاصة وأن الميدان يمثل مركزية إدارية على أغلب مؤسسات الدولة وهيكلها التنظيمي
(وزارة الداخلية- مجلس الشعب - مجمع التحرير - المجمع العلمي - المقر الرئيسي للحزب الحاكم).
تلك الآلية السابقة المتمثلة في مناهضة الخطابات الهامشية للخطاب المهيمن لمركزية الدولة يفسر لنا بروز
شكل الكرنفال كطابع فني وممارسة ثورية داخل الميدان، لما يمتلكه من قدرة على هدم بناء القوى الاجتماعية حيث "يكمن جوهر الكرنفال في جمعه للناس باعتبارهم كلا واحدا وجعلهم واعين بجماعتهم ووحدتهم الحسية والمادية والجسدية هذا بالإضافة إلى جعلهم واعين بأنهم يوجدون خارج كل الأشكال القسرية للهيئة الاجتماعية / الاقتصادية / السياسية والتي يتم تعطيل فاعليتها طوال مدة الاحتفال "، فغالبا ما يعبر الكرنفال" عن رفض محددات التصنيف الاجتماعي بل ويعد علامة على الغياب وشكلا من أشكال تجاوز الحدود في الوقت ذاته عندما يخفي القناع هوية الفرد فإنه يخاطب إدراك الجمهور من خلال رؤية بصرية مركزة " ومن هنا يتضح لنا دور الملابس والأقنعة حيث يتم التأكيد على الروح الجماعية المخترقة للأنساق الاجتماعية والتي تذوب بالفرد داخل إطار المجموع الساعي ناحية تأكيد ذاته عبر كل ما هو مناقض للثقافة السائدة طارحا الثقافة المتنحية والهامشية كعنصر فاعل يحمل داخله كل المتناقضات والأضداد. وذلك نابع من السمة الرئيسة المميزة للكرنفال في كونه طقسا دنيويا، فهو يستخدم الشكل الطقسي وينزل به إلى مستوى الواقع الحسي الذي يتسم بالفوضى والنسبية، وهو ما يجعل الكرنفال يقدم الطقس منزوعا عنه قدسيته في ذات اللحظة، وذلك عبر سيادة العناصر الأدائية الخالية بشكل مبالغ فيه من الطاقات الروحية والجسدية التي يتميز بها الطقس في مقابل اعتماد أكبر على الطاقة الحركية المفعمة بالحياة للأجساد الطليقة الحرة "، لذلك يقوم الكرنفال على بناء الطقس وهدمه، فهو يصنع بنيته المنتظمة المغلقة ويعمل على تفكيكها في تدمير هيراركيتها. كما يظهر أيضا بوضوح أثر الطابع الجروتسكي الجامع للعناصر المتناقضة والمتنافرة على فاعلية الكرنفال، حيث ينسج واقعا حالما شديد الخصوصية وغير مرتبط بالقيم السائدة أو منطق الواقع، ولكن مع الوضع في عين الاعتبار أنه يقدم واقعا مخالفا، ويلخص باختين تلك الفكرة عن الكرنفال في كونه معبرا عن "البشرية جمعاء الداعر منهم والتقي" وهذا يضع الكرنفال في صورته الحقيقية التي تؤكد على الأصوات المتعددة بل والمتناقضة والتي تتحقق في إطار وحدة عضوية مع الشكل العام للكرنفال الذي يذيب الفواصل بين المؤدي والمشارك وذلك لكونه يقوم بعملية تثويرية متعددة الاتجاهات والمذاهب والوظائف داخل إطار موحد يستوعب كل تلك التناقضات في تداخل بيلوفوني متعدد الأصوات وليس داخل إطار أحادي الصوت والذي يفرضه الخطاب المهيمن القديم.

د. سكينة مراد (الكويت): جمالية البنية المسرحية في المسرح الكويتي المعاصر


اتخذت الكاتبات، في المسرح الكويتي، جديدا مغايرا للشكل شكلا التقليدي آلذي اعتمده أغلب كتاب المسرح في
المراحل السابقة، وقد ساعد على ذلك الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في تلك الفترة، والتي شكلت
عاملا مساعدا على بروز هذا الاتجاه، والذي جعل الكاتبات يجسدن رؤاهن عن الأوضاع القائمة في المجتمع،
إذ سعين إلى التعبير عن انتمائهن إلى الوطن ونقل هموم الجيل المعاصر عبر فكر جديد ومن خلال شكل جديد
يمزج بين أساليب متنوعة.
بيد أن الكاتبات لم يعتمدن بشكل كلي على نهج معين واحد، كما لم يعتمدن على أساليب ما بعد الحداثة بشكل
مطلق، ولم يتخلين عن الشكل التقليدي في الكتابة، بل أوجدن للمسرح الكويتي بنية جمالية خاصة في الكتابة
ا لمسرحية، مبنية على ظروف المجتمع ومناسبة لتفكير المتلقي.
ومن خلال ما يقدمه البحث من دراسة لتقنية الكتابة لدى الكاتبات الكويتيات، يمكن تلخيص النتائج التي توصلنا إليها بما يلي:
-اعتماد بعض الكاتبات على الأسلوب التهكمي الساخر في أثناء طرح القضايا الإنسانية، ومواقف مأساوية بشكل ساخر وتهكمي، للكشف عن الواقع الزائف، وفضح بعض المظاهر التي تكشف أشكال التناقض، وذلك عبر تقديم جانب كوميدي، ما يؤدي ذلك إلى تحريك مشاعر المتلقي واستفزازه (عملية تثوير للمتفرج).
-هناك إشارات واضحة في النصوص المسرحية إلى ممارسة عملية النقد ومحاولة فعل التغيير، وذلك عبر تصوير معاناة وهموم الإنسان الذي يشكو من حال مجتمعه ويسخر من طريقة معيشته، وذلك للتأكيد على كشف الحقيقة ومعرفة الواقع، وهذا التأكيد على المعنى يختلف عن سمات مسرح ما بعد الحداثة الذي يغيب المعنى.
-اعتمدت الكاتبات على اللغة السريعة والابتعاد عن المونولوجات الطويلة، فالنص بالنسبة إليهن لم يكن نصا أدبيا كالنص الكلاسيكي الذي كان يعتمد على الكلمة والسرد، بل كان النص أقرب إلى السيناريو، لذا فإنهن لم يعتمدن على اللغة الحوارية المنطوقة فقط بل أدخلن معها الإشارات والدلالات والرموز والإرشادات استكمالا للمعنى.
كما كانت بعض الكاتبات يطرحن قضاياهن أحيانا بشكل مباشر، وأحيانا أخرى كن يبتعدن عن المباشرة عبر بعض الرموز والتلميحات السياسية.
-بنت بعض الكاتبات المشاهد على أساس تقليدي من بداية ووسط ونهاية، والبعضالآخر ابتعدن عن الترتيب المنطقي بالاعتماد على تقطيع الحدث بشكل لوحات منفصلة في التسلسل ومتصلة في الفكرة.
-تناولت الكاتبات في نصوصهن قضايا وهموما عامة مشتركة: كالصراعات الإنسانية، والصراع النفسي القائم بين الواقع والوهم، وبين صراع الأفكار بين القديم والحديث، ومن الأفكار القائمة أيضا فكرة العزلة والانتظار للخلاص من المعاناة.
-كانت كتاباتهن كانت هادفة تحمل المعنى على الرغم من أن الأحداث غالبا ما تتسم بالغموض، بسبب النظرة السوداوية إلى العالم وعدم وضوحه بشكل عام، وربما كان هناك سبب آخر لعدم تماسك بنية الأحداث أحيانا فالغموض جاء بشكل عفوي.
-تعددت الرغبات الدرامية في بعض النصوص المسرحية ما أدى إل تشابك في أحداثها بحيث أصبح لكل شخصية حدث معين.
-المزج بين الواقع والخيال والتداخل بين الماضي والحاضر كان واضحا عند بعض الكاتبات فمنهن من عبرت عن ذلك عبر الأفكار ك (تغريد الداوود، فاطمة المسلم) وبعضهن الآخر عبر التداخل الزمني والمكان ك (فطامي العطار).
-اعتمدت الكاتبات على تقنية جعل المألوف غريبا بإدخال أحداث أو شخصيات غريبة في البنية، ما أدى إلى تغريب الصورة، وكان الهدف من ذلك إثارة المتلقي أو لفت انتباهه إلى معاناة الإنسان والصراعات التي تصاحبه، وذلك بهدف الاستفزاز، أو ربما كان الهدف منه هو التشويق.

د. فضل الله عبد الله (السودان): البحث المتجدد عن الجمال



في مناقشتنا هذه، ينظر المرء أولا، إلى أن المسرح والجمال لا يختلفان، إحداهما وعلاقة بالآخر هي علاقة
وجود بالأصل.
وعلى هذا الأساس كان التجريب أصل في المسرح، وعرف المسرح اليوناني القديم في مسارات التجريب بحثا
عن الصيغ الجديدة - دائما - وانجز رواده وقتها تحولات جديدة للمسرح شكلا ومضمونا.
هكذا كان البدء - ولايزال - يتجدد ويجدد متحديا الواقع بالخيال والحلم والرؤية المغايرة التى لا تعطي إلا مواقفا
مغايرة.
وعلى هذا الأساس جاء حديثا أنطوان آرتو رمز الثورة الجمالية في المسرح والذي أحدث فتحا عظيما بتجربة
(مسرح القسوة) ،،، خارجا عن دائرة الإتباع إلى الأفق المفتوح للإبداع متجاوزا المتفق عليه إلى المختلف فيه
ملتمسا أبنية تقوم على أنقاض الماضي.
ومن التجارب التي نقف عليها في مداخلتنا هذه، وبالنظر إلى التعاقب الزمني (التاريخي) للمسرح وبوصفها سلسلة لا تتجزأ في تجاربها الإنسانية، ينظر الدارس للمسرح في السودان منتقيا بعض التجارب الباحثة عن صيغ جديدة للتعبير عن المسرح، وهنا ملتمسا تجربة المسرحي السوداني يوسف عيدابي في كتابته المسرحية ذات الأبنية الباحثة عن القيم الجمالية التي تتشابك مع منظورات الوجدان والرؤى الكلية في إتجاه (مسرح لعموم أهل السودان)
تلك الدعوة التى أثرت بشكل كبير وقوي في تشكيل إتجاهات ثورية لبعض المسرحيين السودانيين ومنهم (علي مهدي) الذي دخل دائرة التثوير من باب الاحتفالية أو ما يعرف بالفرجة المسرحية سعيا إلى خطاب يرتكز بناؤه الجمالي على مخيال المأثور الشعبي المتجذر في الثقافة العربية الإسلامية.

د. مدحت الكاشف (مصر): تثوير الأبنية الجمالية فى العرض المسرحى المعاصر


تندلع الثورات فى المجتمعات الإنسانية لمناهضة النظم الاستبدادية والانتصار للفقراء والمهمشين
والمقهورين، وكذلك الفن المسرحى بطبيعته هو نشاط إبداعى ثورى يحاول الانتصار أيضاً للفقراء
والمهمشين والمقهورين، وتغيير وضعهم للأفضل، والعامل المشترك الوحيد بينهما هو استخدام لفظة
(ثورة) التى تنتمى أصلاً للسياسة، والتى تشير إلى التأثيرات المتبادلة للتغييرات الجذرية والمفاجئة
للظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية، وعليه فمن الضرورى تحديد مفهوم الثورة وفقاً لحدود
سياقية وأهداف لاستخدام ذلك المفهوم، حيث إن ضبط مفهوم للثورة أمر صعب جداً، بسبب تنوع الفهم
للمصطلح وتنوع اقترابات المفكرين منه، كل حسب إيديولوجيته وحسب اختصاصه، ووفقاً لذلك فإن مصطلح ثورة ينسحب على فكرة التغيير فى أى نشاط بشرى، بما فيها الأنشطة الإبداعية، إلا أن المعنى اللغوى والظاهرى للفظة ثورة كما جاء فى معجم المعانى [الجامع] هو: تغيير أساسي في الأوضاع السياسية والاجتماعية يقوم به الشعب في دولة ما، وإن هذا المعنى يتضمن خصائص مثل التمرد والمقاومة ورفض ماهو كائن، والسعى نحو تغييره، وهو ماينسحب أيضاً على كل مجالات الحياة بدءاً من السياسة وصولاً للفنون بكافة أنواعها، ومنها بالطبع المسرح، مما يمكن معه القول إن الفن المسرحى يسهم بل ويؤثر فى بعض الأحيان على الثورات السياسية والاجتماعية ويمهد لها، أو ويحرض عليها من جانب، ثم يترجم أحداثها ويروج لها من جانب آخر، فالمسرح قد يسبق الثورة أو ربما تنعكس الثورة على جماليات المسرح، عندما يلتحم بها ويؤمن بأفكارها ونتائجها، بوصفه فن جماعى يقوم بحشد وتعبئة متفرجيه لتلقى تلك الأفكار، فخلال التاريخ المسرحى نجد أن المسرح والثورة يلتقيان عند نقطة إلتقاء تتعلق بالهدف للتغيير المجتمعى نحو الأفضل، وإذا كانت الثورة لها وسائلها لتحقيق أغراضها، فإن المسرح أيضاً يتوسل بجمالياته لتحقيق نفس الأغراض، إن هذه العلاقة التبادلية أوعلاقة التأثير المتبادل بين الفن المسرحى والثورة تقوم على مستويين متبادلين أيضاً أولهما المستوى الجمالى، وهو مايتجلى فى انعكاس الثورة على المسرح، وثانيهما المستوى الاجتماعى، وهو ما يتجلى فى مدى تأثير التطور الاجتماعى الناتج عن الثورة على الأبنية الجمالية للعرض المسرحى.
ومن خلال رصدنا لتاريخ الفن المسرحى يتبدى أمامنا مدى تفاعله مع كل الحركات السياسية الاجتماعية والفكرية من ثورات وحروب، وفلسفات جديدة، إلا أن المسرح كان لا يتبع خندقاً واحداً من تلك الحركات فحسب، بل كانت تتعدد جمالياته بتعدد وتنوع الفنانين المسرحيين وما يعتنقونه من أفكار وما ينتمون إليه من أيديولوجيات، فقد يثور المسرح على الأعراف والتقاليد والقوانين الاجتماعية، عندما يشن هجومه على على مفاسدها، أو على نظم حكم استبدادية يحاول فضحها، أو نظم اقتصادية تضر بمصالح غالبية المجتمع يحرض الجماهير لتغييرها من أجل إعادة توزيع الثروة، أو يواجه ظروفاً تتعلق بوجود الانسان وماهيته، وعليه يمكننا القول: إنه عندما ينحرف المسرح عن مساره التقليدى لأسباب تاريخية أو فكرية فإنه يقدم رؤية ثورية.
وهنا يقفز سؤال دراستنا هذه: هل المسرح يحتاج إلى ثورة تنعكس عليه ؟؟؟ أم أنه فى حد ذاته وبطبيعته يتضمن أفكاراً ثورية ؟؟؟ ... وهنا لابد من الإشارة إلى مصطلحين يستخدمان كثيراً فى هذا المضمار، وهما المسرح الثورى، ومسرح الثورة، المسرح الثورى أم مسرح الثورة؟ !!، إننا بصدد تعبيرين متباينين ​​تماماً، أولهما وهو المسرح الثورى، كلمة مكونة من مفردتين، (المسرح) ويقصد به فى دراستنا هذه المسرح كعرض أو كفضاء جمالى وليس مجرد نص مكتوب، و (الثورى) فهى صفة مأخوذه أصلاً من مفهوم ذى بعد سياسى كما سبق القول، يمسح على المسرح ُبعداً تحريضياً من أجل تغيير ماهو كائن فى حياة المجتمع، إلى ماهو ممكن وما هو أفضل، حيث بات عنصر التحريض سمة أساسية ومتضمنة فى أى عرض مسرحى، عندما أفرد الفن المسرحى لنفسه مساحة من الديمقراطية والحرية، حيث ُيعد التحريض من الوظائف المهمة التى اضطلع بها المسرح لدى جميع الشعوب التى لاتجد فضاءاً متكاملاً للتفكير الحر، لا بل هو حتى لدى الشعوب التى تتمتع أو تدعى التمتع بفضاء واسع للحرية والديمقراطية، ولعل هذه الوظيفة ليست صنيعة مسرح الآن، إنما هى امتداد لعصور مسرحية موغلة فى القدم، إلا إن مايميز هذه الوظيفة هو المظهر الذى تبدو فيه، إذ أنها محكومة بطبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية وبطبيعة المجتمع نفسه من حيث فاعلية اشتغالها، أما "مسرح الثورة" فإنه يدل على المسرح الذى انعكست عليه نتائج ثورة ما، ومن هنا نجد أن المسرح والثورة صنوان، أو فلنقل وجهان لعملة واحدة، فالمسرح مثل الثورة، حيث يبدأ بفكرة تنتهى إلى نتائج مؤثرة ومغايرة، والثورة مثل المسرح فهى فعل جماعى، والثورة كالمسرح والمسرح كالثورة ينشدان التغيير للأفضل، ويفترض الباحث فى هذه الدراسة أن المسرح والثورة يلتقيان عند مفهومين أساسيين، أولهما مفهوم تثوير الأخلاق والتقاليد فى المجتمع، وثانيهما مفهوم التغيير السياسي، فالتمرد في المسرح ُيعد حالة من حالات إبداع الذات تنزع إلى البحث والتقصي وعدم الرضوخ والاستكانة إلى المألوف والجاهز والمستهلك، وهو الأمر الذى تجلى بشكل حاد خلال القرن العشرين ولا يزال إلى يومنا هذا، من خلال تجارب رجال المسرح من أمثال: "جاك كوبو"، و "ستانسلافسكى"، و "آرتو"، و "بريشت"، و "إدوارد جوردون كريج"، و "جروتوفسكى"، و "بيتربروك"، و "جوان ليتللود "، وآريان منوشكين"، و "أوجستو بوال"، و "إيوجينو باربا"، وغيرهم ممن ثاروا على التقاليد المسرحية، وعلى الأعراف الاجتماعية والأنظمة السياسية من خلال عروضهم التى ناهضت كل مامن شأنه تخدير الجماهير ويجعل حياتهم جميلة، وتحريضهم نحو تغيير واقعهم، وليس ذلك فحسب بل آل المسرح على نفسه مهمة طرح الأسئلة المسكوت عنها اجتماعياً وسياسياً، بغية خلق عالم جديد تسوده العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وغيرها من الأفكار والآمال الثورية التى ينشدها البشر بحثاً عن مكانة أفضل.
ويعتقد الكثير من الناس أن المسرح عبارة عن خشبة مسرح وستائر ومناظر وإضاءات، وممثلون حفظوا أدوارهم عن ظهر قلب، لكن جوهر المسرح منذ نشأته وحتى اليوم هو على العكس من ذلك تماماً، وهو الأمر الذى دفع المسارح المعاصرة إلى البحث فى إعادة تعريف المسرح منطلقة من ضرورة تغيير دور المتفرج فى العرض المسرحى، بل إن منها ما رأت أنه لكى ينجح المسرح فى تغيير المجتمع فعليه أن يغير نفسه أولاً، وكان تغيير المسرح القائم على يد العديد من التيارات المسرحية منذ بزوغ القرن العشرون وهو ما يمكن تسميتها بتيارات ضد المسرح، تلك التى أعادت توزيع الأدوار بين جميع عناصر العرض المسرحى، وأهمها بالطبع دور المتفرج بوصفه الأساس الذى يقوم العرض، فبدون المتفرج لن يقوم العرض، وذلك على اعتبار أن المتفرجين يمثلون المجتمع الأكبر الذى يجرى فيه نشاط مجتمع المسرحيين المصغر، وهناك من يعتقد أن جميع البشر بطبيعتهم وفطرتهم فنانين، أو أن جميعهم يمتلكون القدرة على القيام بدور مسرحى، وأن العالم ماهو إلا خشبة مسرح، وأن الدنيا ما هى إلا مسرح كبير، وانطلاقاً من تلك الاعتقادات أو التصورات ذات الطابع الاجتماعى أو الأنثروبولوجى فإنه يمكن القول أن المسرح يتضمن بين طياته فكرة التثوير التى هى فطرة الإنسان التى ُجبل عليها منذ وجوده على سطح الأرض.
إن ُجل هذه التيارات المسرحية المعاصرة قد أفرزت شكلاً من أشكال تداول السياسة فى المسرح بأساليب جمالية متنوعة ومتعددة ومتباينة، تتلاقى عند نقطة واحدة وهى أنها تعرض صوراً لأحداث الحياة اليومية لجميع أنواع النزاعات والقضايا المجتمعية، بحثاً عن حلول مقترحة من لدن متفرجيهم للثورة على ماهو قائم، وتغييره للأفضل، الأمر الذى تطلب تثويراً للفضاء الجمالى يتأسس على مشاركة المتفرجين مشاركة فعالة حتى فى أداء تلك الصور، فلم يعد الممثلون يؤدون مشاهدهم على منصات وهمية، بل أصبحوا يمثلون وسط جمهورهم، وفى نفس المستوى من الارتفاع، محطمين ذلك الجدار السحرى والايهامى الذى فصلهم عن جمهورهم زمناً طويلاً، من أجل مزيد من التواصل والاتصال المباشر، بل والحقيقى، بينهم وبين مشاهديهم، بين الصالة والمنصة، فى بوتقة انفعالية واحدة، ليتحول الفضاء إلى ساحة للجدال والبحث حول القضايا المطروحة، أوعلى حد تعبير رجل المسرح الإيطالى "داريو فو" تنظيم إجراءات سياسية للمتفرجين، الذين يجدون الفرصة للمشاركة فى الحدث المسرحى ليس بوصفهم متفرجين فحسب، بل بوصفهم ممثلين فاعلين، ومن ثم، ُتفرط هذه النوعية من التيارات المسرحية فى عرض موضوعات تتعلق بشكل مباشر بالمقهورين، والمهمشين، وضحايا النظم السياسية، وما إلى ذلك، والانتقال بتلك الموضوعات من مرحلة العرض إلى مرحلة البحث عن مجموعة من الحلول المقترحة للثورة عليها، من خلال العرض فى نفس اللحظة، وكأن المسرح يقوم بدور تعليمى أو تربوى تثويرى سياسى للمتفرجين، وعندما يجد المتفرجون أنفسهم جنبا إلى جنب مع المؤدين فى فضاء واحد يجمعهما، تم اعداده بأسلوب جمالى مرن قابل للتشكيل، يتغير حسبما تقتضى الحالة أو الموقف الفكرى المطروح، وهو مايمنح المؤدين والمتفرجين فرصة التداعى الإبداعى، بل والفرصة لكل فرد منهم (مؤدياً كان أو متفرجاً) لأن يخلق لنفسه مساحته أو حيزه الخاص، الذى يعبر فيه عن خلجاته ومعاناته لقضاياه الفردية، مستخدماً سلوكياته وتصرفاته وحركاته وإشاراته وإيماءاته، بصور تجذب الآخرين نحو قضيته ليشاركونه الموقف الدرامى المختلق، فهو يجذبهم نحو تصوره الشخصى أو رؤيته الذاتية لقضية ما، ليتحول الموقف إلى تصور جمالى فكرى سواء فى نفس الاتجاه أو فى الاتجاه المعاكس، إن السمة المميزة لذلك الفضاء المختلق أنه يمنح الحرية والديمقراطية لكل الحضور متفرجين ومؤدين، من أجل الوصول إلى حالة مثالية من السلوك والتصرف إزاء موقف ما، والدفاع عن النفس بدلاً من الخضوع للقهر الذى يتعرض له، وبهذا نجد أن التيارات المسرحية التثويرية المعاصرة تحفز إلى إحداث نوع من التطهير يغاير التطهير عند أرسطو، حيث ينشدون منه تغيير الواقع بمنتهى الحدة والعنف، فالخاصية الأساسية لتلك المسارح التثورية أو ذات الطابع الثورى، هى أنها تنطلق من فكرة مؤداها أن كل إنسان هو ممثل فى ذاتيته، وأنه فى حالة الأداء تظهر واقعيته بشكل واع ومدرك، وبالتالى فهو يتعلم كيف يغير الواقع عن طريق التمثيل، مما مسح على هذه النوعية من المسارح طابعها السياسى والثورى، والتى اتخذت من أبنيتها الجمالية وسيلة لإنماء الوعى السياسى لدى الجماهير من جانب، ومناهضة قمع النظم السياسية للمواطنين من جانب آخر، إن أساليب هذه المسارح تتمثل فى دعم ودفع الناس لاستخدام اللغة التى يتحدثون بها بالفعل، فكل تعبير جسدى، ماهو إلا حوار مع الآخرين، إن "أوجستو بوال" صاحب مسرح المقهورين، و "جوان ليتلوود" صاحبة تجربة المسرح التعاونى فى المملكة المتحدة، و "آريان منوشكين" وفرقتها فى مسرح الشمس بباريس، ور "يتشارد شيكنر" وتجاربه فى المسرح البيئى بالولايات المتحدة، و "إيوجينو باربا" وتجاربه فى المسرح الأنثروبولوجى متعدد الثقافات، وأصحاب المسرحى الحى (جوليان بيك- جوديث مالينا)، و تجارب المسرح المفتوح فى أمريكا عند "جو تشيكن"، و "بيتر شومان" صاحب تجارب مسرح الخبز والدمية فى ألمانيا، وغيرهم ممن وظفوا الفعل الثورى من خلال جماليات المسرح يؤمنون بأن عمليات التغيير عن طريق المسرح هو الذى يصنع السياسة، وهو الذى يصنع الثورة على ماهو قائم، وانطلاقاً من إيمانهم بأن المسرح يعتمد على الناس، فهو ينهض على أساس الانسان وليس على عرض القضايا المسحة، وعليه فإن تثوير الأبنية الجمالية فى تلك التيارات المعاصرة قد تجلى فى النظر إلى الفن المسرحى بوصفه:
أولاً: وسيلة للتغيير السياسى.
ثانياً: شكل من أشكال الحوار الديمقراطى للتعبير عن الرأى.
ثالثاً: وسيلة لرصد ردود أفعال المتفرجين إزاء القضايا المطروحة.
وبشكل عام فإن المتفرجين فى تلك المسارح مدعوون بل ومستحثون على المشاركة فى إبداع الأبنية الجمالية المغايرة لماهو فى المسرح التقليدى، وتوظيفها من أجل التغيير، ومن جانبهم فإن فنانى تلك المسارح توسلوا بالسبل الممكنة لايجاد حلول ممكنة من أجل تعزيز القضايا الساخنة فى مجتمعاتهم، ومعالجة مشاكلهم السياسية والاجتماعية، بشكل ينهض على الوعى والادراك، ليتحول العرض على أيديهم وبمشاركة جمهورهم إلى تجربة مادية وحسية تتطابق مع النظرة الحياتية للوصول إلى حياة أكثر حرية.

د. نوال بن إبراهيم (المغرب): المسرح وجمالية الأداء: المؤدي وقرينه.

عرفت جينيالوجيا النظريات الجمالية الحديثة منذ الثورة الاقتصادية مجموعة من التطورات
ارتكزت على أفكار نيتش وهيدجير وادورنو والدادية والسريالية ومدرسة باهاوس وما بعد
الحداثة. ستبدو ملامح هذا التطور في المسرح المعاصر بشكل واضح منذ سبعينيات القرن
ا لماضي لانة سينهج قواعد مغايرة تختلف عن نظيرتها السابقه 
بفضل اعتماد لغات أدائية أخرى مثل بينا باوش
بينا باوش التي محت الحدود بين الرقص والمسرح، أو توظيف فن التصوير مثل روبير ويلسون روبرت ويلسون، أولوباج باج الذي وظف شاشات متعددة تبث صورا مسجلة سابقا وأخرى مباشرة وتستعين بنظام صوتي وآلات تقنية تعيد تركيب الفضاء مع الأداء فوق الخشبة، أو الاستعانة بالفيديو كشريك درامي مثل جورج بانو بانو جورج الذي وسع فضاء الخشبة وفتحه على الخارج، أو توظيف البعد الرقمي الذي اصبح جزءا من الفرجة المسرحية.
استعان المسرح بفنون أداء أخرى، فأصبح حسب هانز ثيز ليمان كوراغرافيا كورا - graphie "أي كتابة بالفضاء والزمن والجسد لا بالنص". وأضحى الفرق واضحا بين المسرحين التقليدي والمعاصر لأن هذا الأخير أدخل تغييرات ألغت الحدود بين الفنون وأعادت تحديد دور الممثل فوق الخشبة في ظل ظروف إبداعية مغايرة. كما استعان من جهة أخرى بالتكنلوجيا والوسائط الحديثة حيث أصبح البعد الرقمي جزءا من الفرجة المسرحية، فتحولت علاقة الممثل بالآلة والوسائط وتوسع داخل عوالمها الافتراضية التي لاتعيد إنتاجه فحسب، بل تتفاعل معه في الزمن الواقعي.
وعليه أضحت الفرجة المسرحية فنا هجينا، الشيء الذي يدفعنا إلى فتح النقاش من جديد حول جوهر المسرح وهويته لأنه لم يعد مقترنا بالمتخيل فقط بل بالتقنية والتكنلوجيا. من هذا المنطلق ستهتم هذه المداخلة بأثر اقتران المسرح بفنون الاداء من جهة، والوسائط الحديثة من جهة أخرى مسطرة الاختلافات بين الفرجتين الحية و الوسائطية من حيث الأداء والتلقي.


--------------------------------------------------------------------------
المصدر : مهرجان القاهرة للمسرح المعاصر والتجريبي 

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9