أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الجمعة، أبريل 08، 2016

قضايا المسرح العربي عند يعقوب لنداو المسرح في مصر نموذجاً

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

قضايا المسرح العربي عند يعقوب لنداو

المسرح في مصر نموذجاً

ـــــــــ

 د. سيد علي إسماعيل



أولاً : الإطار العام

1 – الموضوع :-

يتناول هذا البحث موضوع " قضايا المسرح العربي عند يعقوب لنداو: المسرح في مصر نموذجاً". ويُقصد بقضايا المسرح العربي تلك الموضوعات المتعلقة بالمسرح العربي، من حيث عوامل النشأة والتطور والازدهار، والظروف المهيئة لكل مرحلة وسماتها. وكذلك الفرق المسرحية وطبيعة تشكلها، والمؤثرات خلف نجاحها أو تفككها، أو تأثيرها في خلق أشكال فنية محورة أو مكررة أو مبتكرة. وكذلك الموضوعات التي عالجها المسرح العربي في فتراته المختلفة، من حيث مضمونها أو تصنيفها، بين الإبداع والتعريب أو الاقتباس. وذلك في إطار رؤية المستشرق يعقوب لنداو Jacob M. Landau في دراسته لقضايا المسرح العربي بصفة عامة، وفي في مصر بصفة خاصة. تلك القضايا التي تناولها لنداو في كتابه الضخم (STUDIES IN THE ARAB THEATER AND CINEMA) الصادر بالإنجليزية عام 1958، الذي ترجمه أحمد المغازي عام 1972، تحت عنوان (دراسات في المسرح والسينما عند العرب). وقد اتخذت الدراسة ثلاث قضايا من قضايا هذا الكتاب، تمثلت في نشأة وتطور وازدهار المسرح العربي في مصر.

واختيار الدراسة لهذه القضايا، جاء من أجل تجلية ومناقشة فكر لنداو في تناوله لهذه القضايا، وفقاً لمنهجه في تناول قضايا المسرح العربي منذ نشأته في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، وحتى منتصف القرن العشرين. وذلك من خلال معايير الدراسة التي يتبناها البحث، والمتمثلة في أمرين، هما: مناقشة الشكل الفني، ومناقشة الموضوعات. وذلك من أجل التحقق من أهداف البحث المرجوة.

2 – أهمية الدراسة وأسباب اختيار الموضوع :-

تُعد دراسة المسرح بصفة عامة من الدراسات الدقيقة في مجال الآداب العالمية والمحلية، خاصة نشأة وتطور وازدهار المسرح العربي في مصر، لكونها تتعلق بتاريخنا الفني والأدبي في الوقت الراهن. خصوصاً بعد هذا الكم الهائل من الدراسات التي نُشرت حديثاً، والتي أضافت الكثير من الأمور المجهولة في هذا الجانب. بالإضافة إلى نشر النصوص التراثية المسرحية، التي أجلت للدارسين موضوعات كانت في طي النسيان([1]). وبناء على ذلك نجد دراسة لنداو للمسرح العربي – موضوع الدراسة – تُعد في نظر الكثيرين أول دراسة نُشرت باللغة الإنجليزية عن المسرح العربي، كما أن نتائجها تُعد – في نظر البعض - أدق النتائج في هذا الموضوع ([2]).

والدراسة ترى أن تناول لنداو للمسرح العربي في كتابه "دراسات في المسرح والسينما عند العرب" - بالإضافة إلى أهميته العلمية – يُعتبر أول مرآة تنعكس على صفحتها صورة المسرح العربي أمام العالم الغربي، باعتباره أول كتاب مكتوب بلغة أجنبية في هذا الموضوع ([3]). وبناء على ذلك تزعم الدراسة إن صورة المسرح العربي المرسومة في هذا الكتاب من وجهة نظر لنداو، هي الصورة الأساسية المطبوعة في أذهان الدارسين الغربيين. ومن المحتمل أن تصور لنداو للمسرح العربي في هذا الكتاب، يمثل ركيزة من الركائز الأساسية في كثير من الدراسات الأجنبية عن المسرح العربي! ويزيد هذا الاحتمال قوة، أن هذا الكتاب – بعد ترجمته ونشره في مصر – أصبح مرجعاً أساسياً في أغلب – إن لم يكن في كل - الدراسات العربية التي تناولت نشأة وتطور المسرح العربي ([4]).

ومن ثم فإن أهمية هذه الدراسة، تتمثل في مناقشة تصور لنداو لنشأة وتطور وازدهار المسرح العربي في مصر، بوصفه نموذجاً من قضايا المسرح العربي المتنوعة في هذا الكتاب. ومن ناحية أخرى تحاول الدراسة أن تلقي الضوء على حقيقة هذه القضايا، من وجهة النظر الاستشراقية. متمثلة في صورة رائد من رواد الاستشراق في هذا المجال، وواحد من الذين شكلوا التصور الغربي لواقع المسرح العربي في مصر، ومن ثم إبرازها في صورتها الواقعية وفي سياقها التاريخي. ومناقشة تصور لنداو لها وحكمه عليها، باعتباره مستشرقاً، لتتفحص الدراسة الحقيقة حول نشأة وتطور وازدهار المسرح العربي في مصر. حتى تكون مرآة صافية تعكس للغرب وللعالم العربي، جانباً آخر من جوانب نهضتنا الفنية العربية. وليطلع القاريء على تصور لنداو في هذه القضايا، مع اطلاعه أيضاً على تصور الرأي الآخر.

3 – الدراسات السابقة :-

لم تُعنَ دراسة عربية سابقة - على حد اطلاعي – بقضايا كتاب يعقوب لنداو "دراسات في المسرح والسينما عند العرب" في مجملها بالنقد أو التفنيد أو المناقشة، ناهيك عن موضوع المسرح بصفة خاصة. ولكن أغلب الدراسات التي اعتمدت على كتاب لنداوكانت تنقل منه أموراً تعتقد في صحتها ([5]). وبالرغم من ذلك، فإن بعض الدراسات الحديثة ناقشت – على استحياء - عدة أسطر من كتاب لنداو ([6]). ومن الجدير بالذكر إن كاتب هذه السطور كانت له وقفة مع هذا الكتاب، فيما يخص ما ذكره لنداو عن مسرح يعقوب صنوع ([7]).

أما فيما يختص بالدراسات الأجنبية، فقد نشر فيليب سادجروف Philip Sadgrove كتاباً باللغة الإنجليزية عام 1996 بعنوان "The Egyptian Theater in the Nineteenth Century"، "المسرح المصري في القرن التاسع عشر" – لم يترجم حتى الآن حسب اطلاعي – اعتمد فيه على كتاب لنداو اعتماداً كبيراً، الأمر الذي حدا بالمؤلف إلى أن يُشيد بلنداو في مقدمته، قائلاً: "لقد لاقت دراسة المسرح العربي في القرن التاسع عشر اهتماماً كبيراً، خاصة في الأربعين سنة الأخيرة، وليس أدل على ذلك من الجزء الذي احتواه العمل الرائد الشامل ليعقوب لنداو في كتابه دراسات في المسرح والسينما عند العرب، الذي طبع عام 1958" ([8]). وهذا القول يعضد مزعم الدراسة من قبل، من أن كتاب لنداو يمثل الصورة الأجنبية الأساسية عن المسرح العربي أمام أعين الدارسين الأجانب، وأن رؤيته الاستشراقية هي الرؤية المعتمدة في نظر الباحثين الأجانب أيضاً.

4 – المادة عينة الدراسة ومعايير الاختيار :-

إذا كان هذا البحث قد حدد لنفسه موضوعاً عاماً يختص بقضايا المسرح العربي عند يعقوب لنداو، على اتساعه وتشعبه. فإنه في الوقت ذاته سيكون أكثر تحديداً، باختياره المسرح في مصر نموذجاً، وذلك من خلال قضايا نشأة وتطور وازدهار المسرح العربي في مصر. لما يعتقده بأن لنداو لم يعكس هذه القضايا في كتابه – السالف الذكر – بالصورة المناسبة لمكانة هذا الفن في مصر، ولمكانة الذين على أكتافهم نشأ المسرح وتطور وازدهر. لذلك فإن مقتضى البحث العلمي يوجب تحديد المادة، التي من خلالها ستتم معالجة الموضوع بصفة عامة، والجزء المحدد بنشأة وتطور وازدهار المسرح العربي في مصر بصفة خاصة؛ وذلك من خلال الحديث عن المؤلف يعقوب لنداو ودراساته بصفة عامة، والمسرحية بصفة خاصة.

أ – المؤلف :-

حصل المستشرق الألماني يعقوب لنداو على درجة الماجستير من الجامعة العبرية في القدس، وعلى درجة الدكتوراه من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية من جامعة لندن. وعمل لنداو بالتدريس في الجامعة العبرية بالقدس، ومحاضراً زائراً في دراسات الشرق الأدنى في جامعات أمريكا، ومحاضراً عن دراسات الشرق الأدنى الحديثة في كلية القانون والاقتصاد بجامعة تل أبيب، وأستاذاً في قسم الدراسات الأدبية واللغوية لبلاد الشرق الأدنى في كلية الآداب بجامعة وين ستيت بمتشجن، وأستاذاً فخرياً للعلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، وزميل مركز القدس للشئون العامة ([9]).

ويُعتبر لنداو واحداً من البارزين ضمن مجموعة المستشرقين المهتمين بالدراسات العربية والشرقية، وذلك بناء على ما أصدره من كتب ودراسات، منها: كتاب "الحياة البرلمانية والحزبية في مصر"، وكتاب "المترادفات وبيانها في النثر العربي الحديث"، وكتاب "الأدب العربي القديم والحديث" بالاشتراك مع البرفسور جب (Gibb)، وكتاب "اليهود في مصر العثمانية"، وكتاب "الأقلية العربية في إسرائيل"، وكتاب "اليهود العرب والأتراك"، ودراسة "أبو نضارة يهودي قومي مصري" ([10]).

ب – دراسات لنداو في مجال المسرح العربي :-

وإذا نظر البحث إلى دراسات يعقوب لنداو الخاصة بالمسرح العربي، سيجدها – لما بين يديه من مراجع – دراستين. الأولى، كتاب "دراسات في المسرح والسينما عند العرب"، والأخرى كتاب "المسرح الشعبي العربي في القاهرة سنة 1909: أحمد الفار ومسرحياته الشعبية"، بالاشتراك مع المستشرق الألماني الهولندي مانفريد فويديش Manfred Woidch، والصادر عام 1993 في بيروت ([11]). وهو كتاب به نصوص محققة لمسرحيات أحمد فهيم الفار، مع مقدمة ودراسة اشترك في كتابتهما المستشرقان لهدفين مختلفين.

فلنداو يُعنى بالجانب المسرحي وبشخصية الفار في إطار توجهه التاريخي والأدبي. أما فويديش فإنه مستشرق لغوي همه اللهجات ورصدها جغرافياً، وتحليلها طبقاً لقواعد مناهج علوم اللغة. ومن ثم فإن كليهما وجد ضالته حسبما يخدم هدفه الخاص في نشر مسرحيات الفار، فهي تخدم اللغة العامية لفويديش وتخدم إبراز شخصية مسرحية بالنسبة للنداو. وعليه فإنها ليست دراسة شاملة للمسرح، هدف وموضوع الدراسة الحالية. وبناء على ذلك، وجد البحث أن الدراسة الأولى - "دراسات في المسرح والسينما عند العرب" - هي المتعلقة بعنوانه العام "قضايا المسرح العربي عند يعقوب لنداو"؛ وتمثل 100% من نتاجه في مناقشة قضايا المسرح العربي.

ومن الجدير بالذكر إن قضايا المسرح العربي في كتاب لنداو "دراسات في المسرح والسينما عند العرب"، والتي تمثل 100% من نتاجه، تنقسم إلى ثلاثة أجزاء، الأول خاص بالسلفيات وتحديداً بمسرح خيال الظل، والثاني خاص بالمسرح العربي، والأخير خاص بالسينما العربية. وبما أن البحث معني بالحديث عن نشأة وتطور وازدهار المسرح العربي في مصر، فإنه سيعالج الجزء الثاني، أي ما يُمثل 35% من نتاج يعقوب لنداوالخاص بقضايا المسرح العربي.

5 – المنهج والأدوات :-

في محاولة حثيثة، توصل البحث إلى اختيار المنهج التاريخي التحليلي، ليصل إلى أهدافه في صورة يسيرة وواضحة، وذلك من أجل دراسة نشأة وتطور وازدهار المسرح العربي في مصر، معتمداً على دراسة – ما يُعرف بـ - الحقائق التاريخية من مصادرها الوثائقية المتوفرة، ثم تحليلها وتفسيرها. وذلك على الرغم من أن المعرفة التاريخية صعب الإحاطة بها من جميع جوانبها بسب وضع مصادرها ومدى مصداقية ما توفر منها. هذا بالإضافة إلى أن استخدام هذا المنهج سيُعين البحث في الحكم على الأعمال المسرحية، التي صاحبت النشأة والتطور والازدهار، في زمنها وعصرها، بناء على الآراء التي نُشرت عنها في الصحف السيارة، ليستدل البحث منها على لون التفكير السائد في عصر من العصور، وليوازن بينها وبين آراء لنداو، وتفسيره للقضية.

ومن هذا المنطلق تأتي قيمة أداة الدوريات – الصحف والمجلات - التي صاحبت نشأة وتطور وازدهار المسرح العربي في مصر، وكذلك النصوص المسرحية المنشورة منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين. وبمعنى آخر، أن البحث سيلتزم في مناقشة قضاياه، بما توفر بين يديه من دوريات ووثائق ونصوص، صدرت قبل صدور كتاب لنداو "دراسات في المسرح والسينما عند العرب" عام 1958. حتى تكون المناقشة موضوعية ومنطقية، يستسيغها عقل القاريء، بقراءة الرأي والرأي الآخر، بناء على المادة العلمية المتاحة للرأيين في الزمن نفسه. حيث لا يوجد كتاب – على حد علمي – صدر في هذا الموضوع قبل كتاب لنداو، إلا كتاب الدكتور محمد يوسف نجم "المسرحية في الأدب العربي الحديث" عام 1956، ولكن لنداو ذكر إنه لم يطلع عليه بصورة دقيقة، ولم يستفد منه إلا في أضيق الحدود ([12]).

6 – أهداف الدراسة :-

بناء على المنطق العلمي، فإن لكل بحث علمي أهدافاً يطمح إلى تحقيقها، لذلك اختار الباحث موضوع "قضايا المسرح العربي عند يعقوب لنداو" واتخذ من "المسرح في مصر نموذجاً"، وعُني بالمنهج والأدوات سالفة الذكر، محاولة الوصول إلى:

أ – الوقوف على معيار التقسيم العام لمراحل المسرح عند لنداو.

1 – إطاره العام.

2 – مصادره في الرصد.

3 – منهجه في الاستنتاج.

ب – توضيح موقف لنداو من نشأة المسرح العربي في مصر.

1 – الشكل الفني.

2 – الموضوعات.

ج – الوقوف على رؤية لنداو لعوامل التطور المسرحي ومظاهره.

1 – الشكل الفني.

2 – الموضوعات.

د – الكشف عن مبررات ازدهار المسرح في مصر ومظاهره عند لنداو.

1 – الشكل الفني.

2 – الموضوعات.

7 – أبعاد الدراسة :-

تقع الدراسة في محورين أساسيين، أولهما يختص بالإطار العام ويشمل ستة نقاط فرعية. تُعنى الأولى بتحديد الموضوع وشرح أبعاده، وتنصرف الثانية إلى بيان أهمية الدراسة وأسباب اختيار الموضوع. وتقف الثالثة أمام الدراسات السابقة للموضوع، حتى يتكشف جانب الجدة في نقطة البحث المتناول. وتتناول الرابعة المادة عينة الدراسة من حيث المؤلف والموضوع المعالج كماً وكيفاً، وكذلك معايير معالجة الموضوع، حتى تُسلم إلى الخامسة التي توضح منهج البحث في معالجة الموضوع بطريق علمي، في ضوء منهج له معاييره وأدواته الأساسية والمعينة، ومن ثم ما يُعين على إنجاز الهدف. أما النقطة السادسة فإنها تقف أمام أهداف الدراسة طبقاً لمعايير ثابتة وواضحة، حيث قسمت الأهداف إلى أربعة رئيسية. يعالج تحت كل هدف فرعان ثابتان – عدا الهدف الأول - كما وُضح في تقسيم الأهداف، بغية أن تتمكن الدراسة من اختبار أهدافها والوصول إلى نتائجها في ضوء محكات واضحة. ثم يأتي الأساس الثاني ليختص بالدراسة التحليلية ويشمل فرعين أساسيين: أولهما دراسة الموضوعات المقترحة للاختبار في أهداف البحث الأربعة بفروعها، وثانيهما يبلور النتائج التي توصل إليها البحث من خلال مناقشة الأهداف في ضوء معاييرها. ثم يأتي بعد ذلك ثبت بهوامش البحث، ثم قائمة المصادر والمراجع.



ثانياً : الدراسة التحليلية

أ – الوقوف على معيار التقسيم العام لمراحل المسرح عند لنداو.

1 – أ – إطاره العام

قسم لنداو معالجته لنشأة المسرح العربي في مصر وتطورها وازدهارها إلى قسمين. تناول في القسم الأول، الذي يمتد من الثلث الأخير للقرن التاسع عشر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، المعنون بـ "مصر في أيام إسماعيل"، تناول دور سليم خليل النقاش وأديب إسحاق ويوسف الخياط في نشأة المسرح العربي في مصر عام 1876. ثم تحدث بعد ذلك عن جهود يعقوب صنوع المسرحية ابتداءً من عام 1870 إلى عام 1872، مخالفاً بذلك التسلسل التاريخي – وذلك في حالة إثبات أن لصنوع نشاطاً مسرحياً عربياً في مصر – حيث يأتي ترتيب صنوع في بداية النشأة المسرحية عام 1870، قبل سليم النقاش عام 1876، وقبل يوسف الخياط عام 1877. وهذا الأمر سيبينه البحث في حينه. ثم جاء حديث لنداو بعد ذلك عن مرحلة التطور المسرحي في مصر، على يد سليمان القرداحي وإسكندر فرح والشيخ سلامة حجازي.

والبحث يرى أن لا غبار على التقسيم الموضوعي والتاريخي لهذه الشخصيات - من قبل لنداو– رغم مخالفته لترتيب الشخصيات تاريخياً إلا في أمر مهم للغاية، وهو عدم اشتمال هذا التقسيم على شخصيات مسرحية عربية، تُعد من أهم الشخصيات الفنية في تلك الفترة، والتي أثرت إيجابياً في مسيرة تطور المسرح العربي في مصر. مثل شخصية أحمد أبو خليل القباني، تلك الشخصية التي استمر عطاؤها الفني في مصر منذ عام 1884 إلى عام 1900 ([13]). وشخصية سليمان الحداد، الذي استمر نشاطه المسرحي في مصر من عام 1881 إلى عام 1912 ([14]). وأخيراً شخصية ميخائيل جرجس صاحب جوق السرور - الذي يُعتبر أول مصري يُكوّن أول فرقة مسرحية مصرية في تاريخ مصر - تلك الفرقة التي استمر إسهامها الفني في مصر اثنتي عشرة سنة من 1887 إلى 1899([15]).

أما القسم الثاني - والذي امتد منذ الحرب العالمية الأولى حتى منتصف القرن العشرين، والذي جاء تحت عنوان "سنوات ما بعد الحرب وممثلوها" – فقد تحدث فيه لنداو عن بعض الرموز المسرحية التي كان لها بصمات واضحة في تطور وازدهار المسرح في مصر، أمثال: جورج أبيض، وفاطمة رشدي، ويوسف وهبي، وعزيز عيد، ونجيب الريحاني، وعلي الكسار. والمُلاحظ أن هذا التقسيم لم يأتِ طبقاً للتسلسل التاريخي. حيث يأتي نشاط فرقة يوسف وهبي عام 1923، قبل نشاط فرقة فاطمة رشدي عام 1927، ونشاط فرقة عزيز عيد عام 1908، يأتي قبل نشاط فرقة جورج أبيض عام 1910، ونشاط علي الكسار عام 1914، يأتي قبل نشاط نجيب الريحاني عام 1915.

وعلى الرغم من ذلك، فلم يشمل هذا التقسيم رموزاً مسرحية، من الصعب تجاهلها في مرحلة تطور وازدهار المسرح العربي في مصر، مثل فرقة أولاد عكاشة التي استمر نشاطها المسرحي في مصر منذ عام 1909 وحتى عام 1928 ([16]). وكذلك فرقة منيرة المهدية التي استمرت في عملها المسرحي الغنائي في مصر منذ عام 1915 وحتى عام 1938 ([17]). وإذا كان المعيار التاريخي مضطرباً عند لنداو، فإن معيار التنميط الفني لم يسلم أيضاً من الاضطراب، حيث إن بدهيات المنهج العلمي تقوم على ثبات المعيار في اختبار الظاهرة للوصول إلى نتائج دقيقة.

ومن مظاهر عدم ثبات المعيار التقسيمي عند لنداو، تقسيمه المسرح إلى كلاسيكي وموسيقي وشعبي، وكل قسم لا يدخل تحت معيار مثيله! إذ الكلاسيكي لا يقابله الموسيقي أو الشعبي، ولكن يقابله الحديث، لو اعتبرنا المعيار يقوم على شكل أو موضوع. والشعبي لا يقابله الغنائي أو الكلاسيكي، إنما يقابله على معيار الموضوع أو المتلقي الخاص أو الفئة المثقفة. ليس هذا فقط وإنما من جانب آخر، يجب أن يكون المعيار واضحاً ومبرراً، في تناسبه مع المادة المنمطة. إذ التقسيم قد يقوم على حكم من جهة الموضوعات أو من جهة المشاهد. فمثلاً هل الشعبي لأنه يجذب القاعدة العريضة من الشعب، كما هو قصد لنداو، إذن سيكون في المقابل، طبقاً للمعيار أن هناك مسرحاً خاصاً كان موجوداً. وقس على ذلك باقي التقسيمات، وما يندرج تحتها من السمت الفني لتوزيع الفرق.

ومن ثم قد لوحظ أن لنداو في تقسيمه الموضوعي لهذا الجزء، لم يلتزم بمعيار منهجي علمي. فقد تحدث عن جورج أبيض من خلال تصنيف موضوعاته المسرحية إلى النوع الكلاسيكي. وفي المقابل لم يأتِ لنداو بفرق مثيلة أو مضادة لهذا النوع، حتى يقف القاريء على قيمة كلاسيكيات جورج أبيض. وربما هذا الأمر من قبللنداو كان مقصوداً، حتى تكون نتائجه عن جورج أبيض نتائج نهائية. والأمر نفسه قام بهلنداو عندما وضع فاطمة رشدي ويوسف وهبي ضمن المسرح الموسيقي، علماً بأن مسرحهما يُصنف ضمن مسرح الميلودراما Melodrama، بمفهومه الحديث المعتمد على الأحداث المفزعة والانفعالات المبالغ فيها والمصادفات المُتعمدة من أجل الإثارة والتوتر، وليس الميلودراما بمفهومها القديم ذات العلاقة بالمسرحية الغنائية ([18]).

كذلك كان الأمر مع المسرح الشعبي، الذي قصد به لنداو المسرح الذي يجذب الطبقات الشعبية من الناس، ولم يلتزم بمفهوم المسرح الشعبي بمعناه الاصطلاحي المعروف، الذي يعتمد على المأثورات الشعبية ([19]). ورغم ذلك لم يأتِ لنداو بمسرح شبيه أو مضاد لذلك المسرح، حتى يصح معياره، ويستطيع القاريء الوقوف على قيمة هذا المسرح بمقارنته بغيره أو بما يقابله. وبسبب ذلك اضطرب التقسيم الموضوعي عند لنداو، عندما ضم فيه عزيز عيد والريحاني والكسار. فكل مسرح من هذه المسارح له لون يختلف عن الآخر. فمثلاً عزيز عيد قدم الفودفيل Vaudeville، كما قدم الريحاني الفرانكوآراب Franco-Arabe، أما الكسار فقدم المسرحية الكوميدية الغنائية الشعبية. ومن خلال ذلك يتضح أن لنداو لم يلتزم معياراً موحداً في التقسيم، وهي خطوة في المنهج العلمي مبدئية لتحقيق شرعية أية دراسة.

2 – أ – مصادره في الرصد

ذكر أحمد المغازي – مترجم الكتاب – أن لنداو وضع أكثر من سبعمائة هامش في كتابه، تنوعت مراجعها بين الألمانية والفرنسية والإيطالية والعبرية والتركية والعربية والإنجليزية. وقد أثنى البروفسور "جب Gibb" على ذلك موضحاً أن لنداو كان يقرأ كل شيء بنفسه، وكان دقيقاً بدرجة متناهية ([20]). والبحث يرى أن لنداو استخدم بالفعل مراجع كثيرة ومتنوعة، ولكنها في الوقت نفسه لا تعتبر مراجع أصيلة ومباشرة، يستطيع الباحث الاعتماد عليها في استخلاص المعلومات الدقيقة التي تفيد موضوعه المعني.

فعلى سبيل المثال اعتمد لنداو في حديثه عن يعقوب صنوع، على كتابين حديثين طُبعا بعد عام 1953، ولم يأتِ بمرجع واحد معاصر لنشاط صنوع المسرحي – إن صح وجود هذا النشاط – في عام 1870 أو بعده ([21]). كما أنه اعتمد على كتب أدبية عامة - مثل تاريخ الأدب العربي لبروكلمان Brockelmann، وتاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان، وتاريخ الأدب العربي لأحمد حسن الزيات ([22]) - في مواضع تحتاج إلى كتب دقيقة ومتخصصة في المسرح العربي، أو إلى دوريات معاصرة للأحداث. كما أنه نقل أسماء كتب، ربما لم يطلع عليها، فكتب أسماء مؤلفيها بصورة غير دقيقة، مثل كتاب "بغية الممثلين" لسليمان حسن القباني، الذي ذكره (سليمان حسن القرداحي) ([23]).

والملاحظ أن لنداو تحدث عن نشاط مسرحي لكثير من الشخصيات والفرق المسرحية بصورة تاريخية، إلا أنه لم يعتمد في ذلك على الدوريات العربية والمصرية المصاحبة لتاريخ هذا النشاط يوماً بيوم. علماً بأن هذه الدوريات تمثل المصدر الأساسي للنشاط المسرحي في مصر بصفة عامة. وإذا كان لنداو اعتمد على بعض هذه الدوريات، إلا أن البحث يظن أنه اعتمد عليها بصورة غير مباشرة، عن طريق ذكرها في بعض الدراسات الأخرى، دون أن يطلع عليها بنفسه. ومثال على ذلك جريدة الشعب التي نقل عنها من خلال مرجع أجنبي ([24]). كما لاحظ البحث أن المواضع القليلة التي ربما يُفهم منها أنلنداو اطلع على أصل الدورية، كان اطلاعه عليها بصورة انتقائية، أو ربما اطلع على المتوفر منها خارج مصر، لأنه اعتمد على دوريات مهمة في سنوات لا علاقة لها بالنشاط المعاصر للفرق المسرحية في وقتها. فمثلاً نجده اعتمد على مجلة المصور عام 1947 عندما تحدث عن المسرح في مصر عام 1882، واعتمد على مجلة روز اليوسف عام 1954، عند حديثه عن المسرح في مصر عام 1905 وهكذا ([25]).

كما يُلاحظ أيضاً أن لنداو اعتمد على دوريات صدرت – تقريباً - في النصف الثاني من القرن العشرين، رغم أنه تحدث عن نشاط مسرحي بدأ في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وانتهى في النصف الأول من القرن العشرين. ومن هذه الدوريات في مصر: الكاتب، الكاتب المصري، آخر ساعة، أخبار اليوم. وفي خارج مصر: جريدة الشرق الأدنى، مجلة الشرق الجديد، الجريدة العبرية (الأرض)، جريدة الجزائر الحرة. وفي مقابل ذلك لاحظ البحث أن لنداو اعتمد بصورة أساسية على النشرات والدوريات الأجنبية الصادرة خارج مصر، أكثر من أية نشرة أو دورية صدرت داخل مصر. ومن ذلك: جريدة الدراسات اليهودية، نشرة كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن، جريدة العالم الإسلامي الفرنسية، نشرات معهد برلين للغات الشرقية، نشرة مجلة مكتب الدراسات المصرية بلندن، مجلة الشرق الحديث الإيطالية ([26]).

3 – أ – منهجه في الاستنتاج

منهج يعقوب لنداو في كتابه "دراسات في المسرح والسينما عند العرب" - كما أوضحه أحمد المغازي مُترجم الكتاب – هو المنهج العلمي للبحث الفني، الذي يتمثيل في ذكر الأسباب التي تمهد للنتائج الخاصة بقضايا الكتاب، أو ما يطلق عليه منهج الاستقراء من المقدمات للوصول إلى النتائج، بحيث يكون رأيه واضحاً بلا مواربة. وينتهي المترجم إلى خلاصة مفادها، أن لنداو قدم عملاً يتصف بالكمال كله، أو عملاً لا يؤاخذ ([27]). وفي مقابل ذلك، يرى البحث أن عدم اعتماد لنداو على مراجع ومصادر ودوريات معاصرة لأحداث المسرح العربي، كان له نتائج غير دقيقة في كتابه، واضطراب في الأحداث ونقص شديد فيها. وهذا الأمر سيتضح بصفة خاصة في مرحلة نشأة المسرح العربي في مصر. كما أن عدم اعتماد لنداو على الدوريات العربية في مقابل الدرويات الأجنبية، جعل أحكامه ونتائجه تميل إلى الرؤية الغربية للمسرح العربي، مما نتج عن ذلك التزامه بفكرة ثابتة، بأن كل تطور أو ازدهار للمسرح العربي في مصر، كان الفضل فيه يعود إلى الأجانب.

كما أن قيام لنداو بانتقاء شخصيات دون أخرى، تبعاً لمعايير غير واضحة، أثر بلا شك على نتائجه، كما أعطى انطباعاً لدى القاريء بأن الصورة الموجودة عن المسرح العربي في كتاب لنداو، هي الصورة الحقيقية لهذا المسرح. وهذا الأمر غير صحيح، حيث إن لنداو رسم صورة مختلفة تماماً عن الصورة الحقيقية. وربما كان الانتقاء من قبل لنداومقصوداً، لتشويه الصورة الحقيقية للمسرح العربي. هذا بالإضافة إلى وقوع لنداو في اختلافات كثيرة في التسلسل التاريخي للشخصيات أو في الأحداث، حيث قدم أشخاصاً على آخرين، وجاء بأحداث قبل أحداث. وهذا الأمر ربما أيضاً كان مقصوداً لأغراض أخرى، سيبينها البحث في حينها.

وأخيراً لاحظ البحث في نتائج لنداو، بناء على عدم اعتماده الدقيق على مراجع معاصرة للأحداث، وقيامه بحذف أحداث وشخصيات، وتقديم وتأخير لبعض الأمور، وتقسيماته التاريخية والموضوعية المبنية على معايير مضطربة غير واضحة، لاحظ البحث أن لنداو ربما قام بذلك قصداً من أجل أهداف معينه في ذهنه، ترمي إلى إبراز الديانة اليهودية في حالة وجودها بين الأديان السماوية الأخرى مثل الإسلامية والمسيحية. وإذا كان الأمر يخص الإسلام والمسيحية، فلابد أن تتقدم المسيحية أولاً. وإذا تحدد الأمر في الإسلام فقط، فلابد أن يصوره بصورة غير لائقة. وإذا تنافست الجنسيات في أمر من الأمور، فلابد أن يكون الأجنبي متفوقاً وماهراً على العربي. وإذا كان الأمر يخص الجنسيات العربية، فالسوريون لهم السبق عن المصريين. وإذا تحدد الأمر للسوريين فقط، فلابد أن يقلل من شأنهم. وإذا تحدد الأمر في المصريين فقط، فلابد أن يهمش دورهم.

ب – موقف لنداو من نشأة المسرح العربي في مصر.

1 - ب – الشكل الفني.

عرض لنداو - في حديثه عن نشأة المسرح العربي في مصر - لأول مجموعة قامت بالتمثيل المسرحي، وهي فرقة سليم خليل النقاش الشامية، الذي قدم إلى مصر مصطحباً معه الكاتب المسرحي أديب إسحاق والممثل يوسف الخياط. ويُفسر لنداو قدومهم إلى مصر، بأنهم هاجروا من الشام عام 1876 هرباً من الاضطهاد الديني في بلادهم. ولكون مصر كانت مستقرة آنذاك، وقاطعة بخطى نحو الحداثة. فقد جعلوها قبلتهم ومتنفس طموحهم الفني، وفي الوقت ذاته طمعاً في سخاء الخديوي إسماعيل ([28]). ولم يعرجلنداو على كيفية تشكل هذه الفرقة وتكوينها الفني، كل ما هنالك أنه توقف مع الفرقة في أول ظهورها بمصر.

ونشأة المسرح العربي في مصر بهذه الصورة التي نقلها لنداو، تظهر لنا أن أول جماعة قامت بذلك كانت جماعة مضطهدة دينياً في وطنها، التي هجرته إلى وطن آخر أملاً في الأمان، وطمعاً في مال الخديوي. وكأنها جماعة مغلوبة على أمرها، أرادت العمل في أي مجال خارج وطنها، من أجل البقاء. وهذه الصورة لها وجه آخر، نقلته لنا بعض الدوريات والنصوص المسرحية المطبوعة، التي صاحبت نشأة هذه الجماعة في الشام وفي مصر.

وهذا الوجه يقول: إن سليم خليل النقاش زار مصر في أواخر عام 1874، وشاهد أوبرا (عائدة) باللغة الإيطالية على مسرح الأوبرا الخديوية. كما لاحظ اهتمام الخديوي إسماعيل بهذه الأوبرا على وجه الخصوص، فلما عاد إلى بيروت قام بتعريبها وطبعها عام 1875، وصدّرها بقصيدة مدح للخديوي إسماعيل، تلتها مقدمة نثرية أفاض فيها الشكر والامتنان لذات الخديوي ([29]). وهذا التصرف من قبل سليم النقاش، يدل على حُسن تفكيره وتصرفه العملي والعلمي، اللائق بكرامة الأدباء والكُتاب. فقد استطاع أن يبرهن للخديوي إسماعيل بأنه كفؤٌ لتحمل مسئولية إدخال المسرح العربي إلى مصر، بتعريبه لهذه المسرحية.

ونتج عن ذلك قيام الخديوي بتكليف سليم النقاش بمهمة إدخال المسرح العربي إلى مصر. فقام النقاش بطبع مسرحيته الثانية (ميّ) عام 1875 أيضاً - وقبل قدومه إلى مصر - وفي مقدمتها أقرّ بأنه عرض على الخديوي أمر إدخال المسرح العربي إلى مصر، ومن ثم وافق الخديوي ([30]). وربما هذا يفسر لنا أن سليم النقاش لم يكن خالي الوفاض فنياً حين قدم مصر، وإلا لما كان الخديوي قبل تكليفه بالمهمة. ولكن سليم النقاش يعود إلى أسرة لها تاريخها الفني، الذي يعني وعي سليم النقاش وخبرته في تشكيل فرقة مسرحية. وليس أدل على ذلك من أنه قدم، مُشكلاً فرقته ومختاراً موضوعه المعرب، الأمر الذي يعني وعيه بالاختيار الفني.

وإذا كان تصور لنداو صحيحاً عن هجرة جماعة سليم خليل النقاش من الشام إلى مصر، فهذا يعني أنهم قاموا بإنشاء المسرح العربي في مصر دون استعداد كافٍ لهذه المهمة، بدليل قوله: "وتدلنا السجلات المتناثرة التي تتحدث عن سيرتهم وتقدمهم في مصر، بصفة عامة، أنهم شرعوا في الحال، في تأليف المسرحيات وعرضها" ([31]). وبناء على ما أورده البحث - فيما سبق - يتضح أن كتابة المسرحيات من قبل سليم النقاش لم تكن في مصر، بل كانت في بيروت وقبل عام من قدوم جماعته إلى مصر عندما عرّب أوبرا (عائدة) وطبع مسرحية (ميّ). وهذا الأمر ينطبق أيضاً على أديب إسحاق، الذي ترجم مسرحية (أندروماك) لراسين عام 1875، قبل قدومه إلى مصر ([32]).

أما شروع هذه الجماعة في عرض المسرحيات في الحال – بناءً على قول لنداو – فهذا الأمر له وجه آخر أيضاً، يقول: إن سليم النقاش بعد حصوله على موافقة الخديوي إسماعيل بإدخال المسرح العربي إلى مصر، قام في بيروت بتحضير وتدريب مجموعة متكاملة للعمل المسرحي، وكان مقرراً لها الوصول إلى مصر لمباشرة عملها في أكتوبر 1875، لكن ظهور وباء الكوليرا في الشام أجلّ وصولهم إلى العام التالي. فاستغل سليم هذه الفترة في صقل تدريب جماعته، وقام بعرض مسرحيتي (ميّ) و(البخيل) في قاعة بطرس ببيروت ([33]). وبعد انتهاء الوباء، وصلت الجماعة إلى ميناء الإسكندرية في نوفمبر 1876 ([34]). وبناء على ذلك، تزعم الدراسة بأن نشأة المسرح العربي في مصر على يد سليم خليل النقاش، كانت نشأة منظمة. تم التحضير لها بصورة لائقة بأحد الكُتاب المسرحيين، وتتوافق مع مكانة مصر الفنية والأدبية. ولم تكن ناتجة عن جماعة مهاجرة، تبحث لها عن أي دور من أجل استمرار الحياة، كما تصورها لنداو.

وإذا تخطى البحث هذه النقطة، إلى بداية عمل الفرقة في مصر، سيلاحظ أن لنداوصورها كبداية متعثرة، قائلاً عنها: "لم تستطع الفرقة أن تقف فوق أرض ثابتة أو تنهض على قدم المساواة في منافستها للفرق المحلية ذات الخبرة" ([35]). والبحث يظن أن لنداوكان يقصد منافسة الفرق الأجنبية لا الفرق المحلية. لأن الفرق المحلية تعني الفرق المسرحية المصرية. وهذا الأمر يعتقد البحث أنه لم يحدث تاريخياً، حيث إن جماعة سليم النقاش كانت أول فرقة مسرحية عربية في مصر ([36])، والمنافس لها في ذلك الوقت كان الفرق الأجنبية التي كانت تعرض أعمالها على مسارح الأوبرا والكوميدي الفرنسي والأزبكية ([37]). وهكذا يقوى احتمال أن لنداو – في قوله السابق – كان يقصد الفرق الأجنبية لا الفرق المحلية. ومن الممكن إيعاز هذا الأمر إلى المُترجم لا إلى لنداو. حيث أكدلنداو في موضع آخر أن جماعة سليم النقاش وقت وجودها في مصر، كانت الفرقة الوحيدة، وقد أخذت تكافح ظروفها من أجل بقائها ([38]).

لكن ذلك يكشف لنا من جانب آخر أن البناء الفني الخاص بتكنيكات الفرقة للقيام بعملها كان على درجة عالية من الوعي الفني، الأمر الذي لم يلحظه لنداو طبقاً لمنهجه الاستقرائي، حيث إنه لو طبق المنهج الاستقرائي بشكل دقيق لوصل إلى نتيجة عكس ذلك، فإذا كانت الفرقة تعلم أنها قادمة إلى ساحة نشطت فيها الفرق الأجنبية المسرحية، فكيف تجرؤ هذه الفرقة على العرض أو القدوم أصلاً دون أن ترى في نفسها الاستعداد الفني الكافي واللائق؟ ولو أنها جاءت مطرودة وهاربة كما صورها لنداو لما جرؤت – أيضاً – على عرض أمرها على الخديوي معلنة التحدي والمنافسة، غير أن تصور لنداو لهذه الفرقة بتلك الطريقة يخدم استنتاجه من حيث كونها فرقة بادئة وضعيفة التشكيل ولم تقوَ بعد على المنافسة وسط الزخم الفني الكبير.

ومهما يكن من أمر نشاط هذه الفرقة، إلا أن عمرها كان قصيراً. ويفسر لنداو ذلك بسبب سقوط جميع مسرحياتها، مما جعل قطباها سليم النقاش وأديب إسحاق يتجهان إلى الصحافة، ليتولى أمر الفرقة بعد ذلك يوسف الخياط ([39]). وعلى الرغم من صدق هذا القول في الشكل، إلا أن هناك رأياً يخالفه في المضمون. فلم تسقط جميع مسرحيات فرقة سليم النقاش، بل العكس هو الصحيح، حيث استمر عرضها من قبل فرق أخرى عقوداً طويلة – كما سيتبين لاحقاً – هذا بالإضاف

------------------------------------------------------------------------------------------
المصدر: بحث قُدم في المؤتمر الدولي الثاني (المستشرقون والدراسات العربية والإسلامية)، الذي أقامته كلية دار العلوم جامعة المنيا، بالاشتراك مع رابطة الجامعات الإسلامية في الفترة 4-6/3/2006.

تابع القراءة→

الدلالة التعبيرية للإيقاع في الموسيقى

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

تشكل الموسيقى اتجاهاً نحو بلورة دوراً واضحاً في تنمية النفس البشرية، عبر تنمية مشاعر وعواطف المتلقي، الذي يتحسس ما هية الفكرة الجمالية في الفعالية الموسيقية بشكل فطري متناغم، وهذا ما يعكس استجابة سريعة تجعله يميل إلى القراءات الفكرية واسترجاع الذاكرة الصورية التي تكشف المعنى الذهني.

إذ أكد ” فكتور ارتيغ “، على أنها المحرك الرئيس الذي يحافظ على المتغيرات والتحولات الصادرة من المعنى الكلي. وهذا ما يؤكد قدرة الإيقاع بنظمه كافة على تجسيد حسٍ صوري وسمعي، فضلاً عن وصفه بــــ (الجرس الموسيقي) الذي يؤثر تأثيراً مباشراً على الإنسان، بخطوط تشكل شعوراً متناغماً ومحركاً للمخيلة وللحس الوجداني. ومن هنا يتكون الإيقاع حسب طبيعة الأشياء، فــ (المتناغم) هو الذي يخلق انسجاماً متجانساً، أما (غير المتناغم) فهو ذلك الإيقاع الذي لا يكون منسجماً ومتجانساً .. الإيقاع الآن يتكون من قسمين: “إيقاع سمعي” كــ[الموسيقى والغناء والكلام] و”إيقاع بصري” كـ [الضوء والظلام والحركة والرقص] .

هناك عمل مشترك بين السمعي والبصري يرتكز على عنصر “الموسيقى” التي تساهم في أنتاج الدراما والعرض المسرحي، عبر المسافة الحركية والمسافة الحسية كما أكد عليها “كاسير” بأن الإحساس يتحول إلى شكل مغاير، قد يمتلك مدلولاً حسياً من مختلف أنواع التجربة الحسية، والذي يشعر عبره المتلقي براحة ذهنية تساعده على استرجاع عدد من الصور والمواقف المؤثرة في حياته، يعد الإيقاع عنصراً مهماً في عملية تكوين البناء الموسيقي، وإن أي خلل فيه يؤثر على انسيابية اللحن ومن ثم يحدث تشظياً في الصوت لدى السامع .

في الموسيقي نظم متعددة من الإيقاع منها: “المتعاقب” أو “المتكرر”، وتعمل هذه النظم بـــ (حركات) متساوية الأزمنة، ومحركات القيم الزمنية في القطعة الموسيقية تعمل بتعاقب أنغامها فيما بينها بنسب مختلفة، لتشكل زمناً معيناً قد يكون متغيراً ومتجدداً، يخلق صوراً تحاكي الخيال بوساطة المسافة الجمالية .

يعتبر (أدولف آبيا) أول من أعطى للإيقاع دلالة معرفية في العرض المسرحي معتبراً إياه بالنسبة للعناصر البصرية العنصر المقابل للموسيقى، لهذا ربط (آبيا) الصورة بالموسيقى عبر الإيقاع الذي يؤثر على المتغيرات الصوتية أو الصوتية البصرية التي يستجيب لها، الموسيقى تتكلم عن المأساة والفرح وكل شيء، فهي انتقال من الواقع الى الدلالات الخاصة واللصيقة بمعنى الأعراف الواقعية .

الموسيقى لها شكل دلالي يتم توظيفه كــ (لوحة) تعبيرية أمتزج بها اللحن والإلقاء، فضلاً عن الآلات الخاصة التي تعبر من خلالها عن غاياتها. لذا نرى أن إي عمل فني موسيقي هو عبارة عن حزمة توليفه من الأفكار والرؤى الجمالية التي تصطف بعضها ببعضٍ في بنية شكلية تمتلك شيء من التناغم المتبادل بين عناصر البناء ووظائف التعبير، بتبادلية إيقاعية حسية تتجدد حسب طبيعة العلاقات فيما بينها، أذن الإيقاع هو الركيزة الأساسية التي تبنى عليها جميع الفنون بنسقها واستمرارها حتى تندرج معه ليتفاعلا معاً، ويعبرا عن أحاسيس الفنان الإنسانية التي تؤدّي دورها إزاء الحياة والطبيعة فضلاً عن المشاعر العاطفية، التي تعيد تجديد خطواتهم ومختلف حواسهم في شكل معبر عن ذواتهم الخاصة والواقع الجمالي، الذي يكشف سمات وثوابت الإيقاع الخاصة في الموسيقى.

------------------------------------
المصدر : صدى 
تابع القراءة→

الأغاني والموسيقى .. في مسرح الطفل / ‎د. عزيز جبر الساعدي‎

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


البهجة والسرور والفرح الغامر الذي يستقبل جمهور المشاهدين من الأطفال وهم يدخلون قاعة المسرح.. الأغاني.. الموسيقى يشكلان عاملين مهمين في الدخول إلى حكاية المسرحية.. ترى إلى أي حد تستطيع الأغاني والموسيقى أن تداعب وجدان الطفل؟ وهل لهما فعل يقوي حالة الترقب والتشويق في هكذا مسرح؟ يذكر المربون ان الموسيقى أداة من أدوات التربية الخلقية والحسية والعاطفية ووسيلة من وسائل التعليم.. والأغنية مظهر من مظاهر الموسيقى تستعين عادة بالشعر إلى جانب الأنغام (كما يعبر نعمان الهيتي في كتابه أدب الأطفال) ومن المعروف ان الأطفال يجدون لذة في تقليدهم لبعض الأصوات، ومن النادر أيضا ان تجد طفلا لا يمتلك القدرة على التأثر بالموسيقى، ذلك لان الأطفال منذ أيام المهد الأولى يطرق آذانهم الغناء عن طريق ما يسمى بأغاني المهد أو أغاني الترقيص حيث ينصت الأطفال إلى أصوات الأمهات اللواتي يغنين أغنيات وأهازيج ذات إيقاع رتيب لتهدئتهم وبث الطمأنينة في نفوسهم ليداعب النعاس أجفانهم.

فالإيقاعات وترديد بعض الأغاني التي يمارسها الطفل تعتبر لونا من ألوان اللعب، واللعب في حد ذاته حاجة من حاجاته الأساسية التي تلعب دورا رائدا في إثراء عالمه المادي والخيالي وهو وسيلة للنمو وهو رمز للصحة النفسية إضافة إلى كونه نوعا من أنواع العلاج النفسي.

المتعارف عليه ان أطفالنا الصغار غالبا ما يرددون أغاني الكبار رغم ما فيها من مساويء وايجابيات في الأفكار والعواطف لأنهم لن يجدوا أغانيهم الخاصة وهذا ما يزيد من فقرهم في التخيل والتذوق والاستماع.

إذا ما علمنا ان أنغام الموسيقى هي عبارات لحنية تنطوي على كلمات ذات معاني وهي بناء أدبي يخاطب عقول الناس ومشاعرهم فتتحرك له وتتاثر به، تدرك أهميتها في الفعل المسرحي الموجه للطفل وطريقة استقباله لها كمؤثر مساعد لفعل الشخصيات والمواقف، نجد ان سوء استعمال الموسيقى والتي تأتي غالبا من تجميع فواصل أو معزوفات، هذا الهجين الغربي الغريب غير المتجانس لا يمكن ان يتكيف معه الطفل ولا يستطيع ان يصل به إلى مرحلة نمو شخصيته الموسيقية في الوقت الذي يسعى المسرح لإيجاد قاعدة أساسية لتربية الحاسة الموسيقية الكامنة في الطفل من اجل إنضاج شخصيته وعلى إنضاج الجانب الوجداني، فكما نعمل على تنمية الجانب العقلي وتنمية الجانب الاجتماعي فيها، يتعين ان ننمي الجانب الوجداني (لان الجوانب الثلاثة مرتبطة ومتكاملة وإذا ما حدث تخلف في واحد منها تأثر الجانبان الآخران واختل توازن الشخصية ).

فقيمة الموسيقى كما يؤكد أرسطو بقوله (بأنها وسيلة للاستمتاع العقلي وان لها مع ذلك مزايا خلقية) وكما يؤكد أفلاطون أيضا بقوله (ان الموسيقى علم تجب معالجته كالرياضة البدنية، فالأولى تهذب النفس وتصلح ما فسد منها والأخرى تقوي الجسد) أو (الموسيقى غذاء النفس، ومبعث الاتزان وهي منحة آلهة الفنون الحرة… ).

ما نريد قوله ان الكثير من المسرحيات المقدمة للأطفال لم يأخذ مصمموها أو منفذوها الاهتمام الجدي بتأثير الموسيقى في العمل المسرحي وهي في اغلب الأحيان تخضع لمزاج ونفسية وثقافة ذلك المعد أو المصمم، لأنها لا تستهدف تربية الأذن ذلك لان التذوق الموسيقي يعتمد على خبرة حاسة السمع. ورحم الله (فاضل الصفار) حين يقول من المناسب إيجاد مقطوعات موسيقية خاصة بالأطفال وان تتلاءم ألحان الأغاني وأذواق جمهور الأطفال، وبالفعل نجد ان الكثير من الأطفال يرددون أغان ذات ألحان جميلة رغم انهم لا يفهمون معاني كلماتها..

من الممكن القول في هذا المجال ان تهذيب بعض الأغاني الشعبية والاستفادة من ألحانها بحيث تحمل معاني صادقة تجسم الحياة بكلام جميل عذب وان تكون الأصوات المؤدية للغناء ساحرة وجذابة وتفيض بكلماتها وألحانها بالمرح والتفاؤل..

ان تنمية ذوق الطفل تبدأ منذ عمر مبكر ويمكن ان نعوده من خلال المسرح وهو في مرحلة (الواقعية والخيال المحدود بالبيئة) من خلال التأثير النفسي للعرض الموجه له.

-----------------------
المصدر / صدى
تابع القراءة→

مسرحية "ثورة دون كيشوت": بين فكَّي كمّاشة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

في "فضاء التياترو"، بتونس العاصمة، عرضت  سلسة عروض مسرحية "ثورة دون كيشوت" للمخرج وليد الدغسني.
تدور أحداث العرض، الذي أُنتجته "فرقة كلندستينو للإنتاج المسرحي" بدعم من وزارة الثقافة التونسية، في عالم غرائبي؛ حيث تستيقظ المدينةُ فجأةً على وقع كائنات غامضة تخرج من النفايات وتتمدّد بسرعة، لتبسط سيطرتها على كامل المدينة وتحتل مناطق حيويةً فيها.
تواجه الكائنات مقاومةً من سكّان المدينة. لكن ذلك لا يكفي للوقوف في وجهها؛ إذ تُواصل بسط سلطتها على الفضاء العام والخاص، وتخريب كلّ ما يمتّ إلى الحياة والجمال بصلة، مستعينةً بشبكة من أصحاب المال والنفوذ، ومؤسّسةً بذلك لواقع جديد مرعب.
من خلال هذه الحكاية، يبدو العرضُ بمثابة مساءلة للواقع السياسي والاجتماعي في تونس اليوم؛ حيثُ تعبّر الكائنات الغامضة والغريبة التي تخرج من مكبّ النفايات عن ظواهر استجدّت في المجتمع كالتطرّف والإرهاب. إنها الكائنات التي يتحالف معها رجال المال والنفوذ، الذين يبدون مستعدّين للتحالف مع أية جهة تفرض منطقها.

في تقديمه للعرض، يقول الدغسني إنه استوحى فكرة مسرحيته من رواية "دون كيشوت"، مضيفاً أنه وظّف هذا الإرث الأدبي العالمي حسب معطيات الحالة التونسية، ليقدّم "طرحاً فكرياً وفلسفياً للواقع السياسي والاجتماعي والنفسي الذي يشهد تحوّلات كثيرةً ومعقّدة".
يعتبر الدغسني أن وظيفة المسرح لا تقتصر على نقل الواقع، بل تتجاوز ذلك إلى "التفكير فيه وتأسيس رؤية تُعلي صوت الفنان المتنبّئ والقادر على تحليل الواقع وتقديمه في أشكال جمالية مضبوطة ومنظّمة، وتعتمد على رؤية فلسفية".
في هذا العرض، حافظت "فرقة كلندستينو" على فريقها الذي شارك في عدد من أعمالها السابقة التي حازت صدىً إيجابياً؛ مثل: "انفلات" و"التفاف" و"الماكينة". لكنها طعّمته بعناصر جديدة.
من الممثّلين الذين يشاركون في المسرحية: يحيى الهملاجي، وأماني بالعج، ومنى التلمودي، ومنير العماري، ويحيى الفايدي، ونتاجي قنواتي.

----------------------
المصدر : العربي الجديد 

تابع القراءة→

المصداقية في العرض المسرحي / سامي عبد الحميد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

لكي نحكم على قيمة أي عرض مسرحي عراقي او اجنبي لابد لنا أن نتلمس مقدار الصدقية او مدى الأحقية في أي عنصر من عناصر ذلك العرض. وهنا أقصد بالصدقية التبرير الحياتي او التبرير الفني لكل كلمة تقال ولكل حركة تنفذ ولكل خط وشكل وكتلة ولون وملمس وفراغ في الصورة المسرحية التي نشاهدها او في الحدث المسرحي الذي يفعله الممثلون بأدائهم الصوتي والجسماني وهم يرتدون ازياء معينة ويحيط بهم منظر معين وتسلط عليهم اضاءة معينة. واقصد بالتبرير الحياتي احتمالية الفعل او الحدث في الحياة اليومية وانعكاسها في فضاء المسرح . فالمادة المسرحية يقتبسها مؤلف المسرحية من المادة الحياتية ثم يأتي المخرج ليصوغها بالصيغة المسرحية المؤثرة في الجمهور والتي قد لا تكون المادة الحياتية تمر عابرة من غير تأثير او قد تكون لها تأثيرات مختلفة بالنسبة للشخوص العابرين. وتعتمد صياغة المخرج على التبرير الفني وهو كفنان لابد ان يضيف من ابداعه شيئاً الى كل عنصر من عناصر العرض.
العنصر الأول من عناصر العرض هو الشخصية المسرحية والتي يلتقطها مؤلف النص مما يمر به من شخصيات في حياته اليومية ويضيف لها من خياله شيئاً وعلى وفق رؤيته وفلسفته او قد يعّدل او يغيّر من صفاتها وفقاً لذلك، ويأتي المخرج ووفقاً لرؤيته وتبريره الفني يحدث عليها تغييرات او اضافات ليجعلها اكثر  تأثيراً في عقول ونفوس المتفرجين وبشرط ان لا تفقد اضافاته وتغيّراتها صدقية اقوال وافعال تلك الشخصية، بمعنى ان تكون الشخصية المسرحية المعروضة مقنعة لغالبية المتفرجين.وبحيث تكون أقوالها وأفعالها مناسبة لصفاتها . وفي مجال تمثيل الممثل للشخصية قد يستدعي التبرير الفني ان يبالغ الممثل في تعبيره الصوتي والجسماني الى الدرجة التي لا يكون فيها ذلك التعبير كاذباً او مصطنعاً ولايتناسب مع صفات الشخصية، ولكي يكون الممثل مقنعاً في ادائه لا بد ان يكون مؤمناً بالشخصية التي يمثلها متبنياً لصفاتها وافعالها واهدافها وعلاقاتها بالشخصيات الأخرى. وأضرب مثلاً على الاداء الصوتي الصادق والكاذب يدعمهما من تبرير فني، في ممثل يمثل شخصية تتحدث باللغة الفصحى واذا به في لحظة من لحظات العرض يتحدث بلغة عامية فلا بد ان يعطينا المخرج تبريراً حياتياً لمثل هذا التغيير في اللغة ونوعها ويكون عندئذ قد برره فنياً. اما اذا لم يكن هناك مثل هذا التبرير كأن يخاطب الممثل كشخصية مسرحية مجموعة من الناس البسطاء ،الذين لا يتعاملون باللغة الفصحى، بلغة عامية بعد ان كان يخاطب شخصيات من طبقته ومن حاملي ثقافته وعندئذ تكون اللغة العامية مبررة. ومن ناحية حركة الممثل على خشبة المسرح فان التبرير الفني لها لا يختلف الا قليلاً عن التبرير الحياتي . فالانسان يتحرك نتيجة لدافع يدفعه لذلك فعندما يعطش الانسان يدفعه العطش الى التوجه نحو مصدر الماء ليرتوي منه. وعندما يواجه الانسان خطرا معينا فانه يبتعد عنه بحركة معينة بجسمه وقد تكون حركة موضعية او حركة انتقالية. وقد يضيف المخرج بعض الحركات يؤديها الممثل قد لا يكون من ورائها دافع وانما هناك تبرير فني هو اضفاء الحيوية على المشهد المسرحي . اما اذا تحرك الممثل كثيراً او قليلاً ومن غير دافع او من غير مبرر فلن يكون صادقاً ومقنعاً في حركته. نعم جيب ان تكون جميع التعبيرات الجسمانية والصوتية للممثل في العرض المسرحي مبررة او منطقية اما حياتياً او فنياً وإلا فانها زائفة وغير مقنعة.
وعند التطرق الى الزي الذي يرتديه الممثل ، وهو عنصر آخر من عناصر العرض، فلا بد ان يكون طراز الزي مستعملاً في الحياة ولا بد ان يكون مناسباً للشخصية إلا اذا كان هناك مبرر لخلاف ذلك فليس من المعقول ان يرتدي استاذ جامعة (دشداشة) اللّهم إلا اذا كان هناك مبرر لهذا اللباس. وهنا يدخل مبدأ (الدقة التاريخية) في المسرحيات التي تتناول شخوصاً من الماضي ومن اماكن غير مكان المتفرج او اذا كانت المسرحية تتعرض لأحداث تاريخية، فلا بد عندئذٍ من ان يكون طراز الأزياء المسرحية مشابهاً لطراز الملابس في زمانها ومكانها وليس في زمان ومكان مؤلف النص او في زمان ومكان العرض، إلا اذا اراد المخرج ان يفرض رؤيته الخاصة المبررة.
وهناك عدد من المخرجين يستعملون ما يسمى (الازياء الوظيفية) وهي التي يؤدي الممثلون بواسطتها وظيفتهم من غير التزام بمبدأ المطابقة وهنا فأن التبرير الفني هو التجريد.
ويسري مبدأ (التجريد) على المنظر المسرحي ايضاً فهناك عدد من المخرجين لا يهتمون بان يكون المنظر ممثلاً لمكان وبيئة الاحداث المسرحية بعناصرها المختلفة، وبما فيها العناصر المعمارية ، او ان يمثل المنظر مجرد خلفية يمثل امامها الممثلون ادوارهم فلا يتعاملون مع مفردات هذه الخلفية وكأنها عناصر بيئية بل مجرد عناصر جمالية.
 يستطيع المخرج ان يجرّد المنظر المسرحي الواقعي من تفاصيله مبرراً ذلك فنياً ويستطيع المخرج في المسرحية التاريخية التي يخرجها ان يطلب من مصمم المنظر تحقيق الدقة التاريخية أي ان تكون معمارية المكان مطابقة لمعمارية مكان وزمان الأحداث المسرحية وليس معمارية زمان ومكان مؤلف المسرحية او معمارية زمان ومكان المصمم والمخرج، والمهم هنا ان يكون التجريد في المنظر مقنعاً للمتفرج.
ما نلاحظه هذه الأيام ان عدداً من المخرجين ليس في بلدنا وحسب بل في بلاد اخرى لا يهتمون بالصدقية ولا يلتزمون بمطابقة الشكل للمضمون، او تناسبها ولا يفكرون بالتبرير ويحملون العشوائية معتقدين وهماً بأن مخيلتهم قد قادتهم الى مثل تلك العشوائية، وان الفن لا منطق فيه وان وحدة العمل الفني مبدأ اكل الدهر عليه وشرب، وقد يكون ذلك صحيحاً لدى اصحاب التيارات غير الواقعية كالتعبيرية والسوريالية والتي يعتقد اصحابها ان الحقيقة كامنة في العقل الباطن وفي لا وعي الانسان وان المظهر الخارجي لا يمثل الا جزءاً صغيراً من الحقيقة، وبناءً عليه يبررون الاشكال الغريبة والظواهر المتناقضة التي يعتمدونها في مادتهم الفنية ومثل هذا التبرير الفني ليس الا انعكاساً للتبرير الحياتي فاللاوعي والصور الحلمية الغريب جزء من حياة الانسان وعالمه الداخلي.
نعم هناك عدد من الفنانين ومنهم المسرحيون يلجأون الى العشوائية والغموض والفوضى والتشظي كوسائل للتعبير الفني معتقدين انهم بذلك انما يعكسون واقع الحياة في هذا العصر الذي يخلو من المنطق والتبرير احياناً ولكنهم يفعلون ذلك عن خبرة ودراسة لا عن جهل وسذاجة.

-----------------------
المصدر : جريدة المدى 


تابع القراءة→

ماذا عن الميتا مسرح؟! / سامي عبد الحميد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 08, 2016  | لا يوجد تعليقات



مجلة الفنون المسرحية
طلع علينا أحد المخرجين الشباب والذي اتخذ من الحركات الراقصة وحركات المايم او البانتومايم  مادة لاعماله المسرحية ، وراح يطوف بها في بلدان مختلفة ويقيم ورشا لهواة المسرح هنا وهناك، اقول طلع علينا بفكرته عن التحول من المسرح الى ما سماه (الميتا مسرح) وهذا هو الذي دفعني لان اتحرى عن معنى هذا المصطلح وما وراءه من تداعيات – مضامين واشكال.
كلمة (ميتا Meta) الانكليزية تعني (ما بعد) وقد بحثت في جميع المصادر والمعاجم المتوفرة لدي فلم اجد تعريفاً لهذا المصطلح ، وقد وجدت تفسيراً له في مقالة منسوبة الى الدكتورة (نهى الدرويش) لا اعرف اين نشرت ومتى وقد اعتقدت (الدكتورة نهى) ان مسرحية (حلم في بغداد) لأنس عبد الصمد نموذج للميتا مسرح.
نحن نعرف ان (ما قبل المسرح) هو تلك الطقوس الدينية لدى الاغريق القدماء مثل (الديثيرامب) الممهدة للتراجيديا و(الناليفوريا) الممهدة للكوميديا وكذلك الطقس المصري (مسرحية ابيدوس العاطفية) والتي تتعرض لعلاقة الآلهة الفراعنة ابرتيس وازوريس وحورس، وربما ملحمة كلكامش الاكدية وافعالها من ملاحم واساطير وادي الرافدين. اما (ما بعد المسرح) فلا ندري لحد الان ماذا يكون واذا كانت مسرحية (حلم في بغداد) و(حلم في كركوك) و(حلم في الديوانية) و(حلم في السماوة) هي امثلة له، اي للميتا مسرح، فلم اصل بعد الى تفسير واضح للمصطلح، وما قدمته (الدكتورة نهى) من تفسير فإنه لا يختلف عن تفسير للكثير من العروض التي تنتمي الى مصطلح (المسرح). وهي تقول ان الهدف الفلسفي والضمني للميتا مسرح "ان لا يمنح سمكة لجائع وانما ان يعلم الجياع كيف ان يصطادون السمك". وهذا ما اراده الالماني الكبير (برتولد بريخت) في مسرحه الملحمي ، لقد اراد من المتفرج ان يكون واعياً لا منجرفاً مع عاطفته وان يكون ناقداً لاوجه التناقض في العلاقات الاجتماعية وللظواهر الاقتصادية والسياسية المخالفة لما يجب ان يكون وبالتالي ان يفكر بتغيير ما هو كائن الى الافضل .
وتدعي (الدكتور نهى) ان (الميتا مسرح) يدعو الى مشاركة المتلقي في الفعل الدرامي وهذا الادعاء لا يختلف عن طروحات عدد من اصحاب (المسرح التجريبي) والتي تقتضي مشاركة الجمهور فعلياً في الحدث المسرحي كما فعلت فرقة (المسرح الحي) الاميركية في مسرحيتها (الجنة الان) وكما فعل (هو زيت شايكن) في مسرحه المفتوح وفي مسرحية (فان ايتالي) (الافعى) حيث يستدعى الجمهور لمشاركة الممثلين في افعالهم. وتعتقد الكاتبة (نهى) ان تنوّع اشكال ومعمار بنايات المسرح باعتماد المسرح الدائري حيث يحيط الجمهور بمنطقة التمثيل والمسرح الاهليلجي والدوّار حيث تدور عليه المناظر المسرحية المتعددة و"المسرح المصمم على شكل حرف (T) المستعار من خشبة عروض الازياء وغيرها، كانت تهدف الى عدم فصل الجمهور عن الممثلين كما هو الحال في مسرح العلبة الايطالي. وهذه الظاهرة ليست جديدة في تاريخ المسرح العالمي وانما هي استعادة لما هو قديم – المسرح الاغريقي والمسرح الأليزابيثي. ونذكر هنا ان المخرجين الانتقائيين امثال (ماكس راينهارت) طبقوا فرضية ان لكل مسرحية مسرحها المناسب لعرضها فالمسرحية الكلاسيكية الاغريقية يناسبها المسرح الدائري والمسرحية الشكسبيرية يناسبها المسرح اللساني، والمسرحية الواقعية يناسبها مسرح العلبة.. وهكذا.

وتدعي (الدكتور نهى) ان (الميتا مسرح) يدعو الى مشاركة المتلقي في الفعل الدرامي وهذا الادعاء لا يختلف عن طروحات عدد من اصحاب (المسرح التجريبي) والتي تقتضي مشاركة الجمهور فعلياً في الحدث المسرحي كما فعلت فرقة (المسرح الحي) الاميركية في مسرحيتها (الجنة الان) وكما فعل (هو زيت شايكن) في مسرحه المفتوح وفي مسرحية (فان ايتالي) (الافعى) حيث يستدعى الجمهور لمشاركة الممثلين في افعالهم. وتعتقد الكاتبة (نهى) ان تنوّع اشكال ومعمار بنايات المسرح باعتماد المسرح الدائري حيث يحيط الجمهور بمنطقة التمثيل والمسرح الاهليلجي والدوّار حيث تدور عليه المناظر المسرحية المتعددة و"المسرح المصمم على شكل حرف (T) المستعار من خشبة عروض الازياء وغيرها، كانت تهدف الى عدم فصل الجمهور عن الممثلين كما هو الحال في مسرح العلبة الايطالي. وهذه الظاهرة ليست جديدة في تاريخ المسرح العالمي وانما هي استعادة لما هو قديم – المسرح الاغريقي والمسرح الأليزابيثي. ونذكر هنا ان المخرجين الانتقائيين امثال (ماكس راينهارت) طبقوا فرضية ان لكل مسرحية مسرحها المناسب لعرضها فالمسرحية الكلاسيكية الاغريقية يناسبها المسرح الدائري والمسرحية الشكسبيرية يناسبها المسرح اللساني، والمسرحية الواقعية يناسبها مسرح العلبة.. وهكذا. 
تقول (الدكتورة نهى) ان "الميتا مسرح" يعني بقضية المتلقي – لانسان – الفرد في كينونته بأنساقها الجمعية الانسانية وليس جمهور المتلقين زمكانيا في وجودهم الاني امام العرض المسرحي، ولكي يتحقق هذا فلابد ان يخرج النص المسرحي من اسر الاطر الذاتية والمحلية الى شخصية النموذج الانساني في محدداته الحالية وملامحه المرتقبة. وكأنها لا تدري ان (المسرح) قد اخذ برأيها منذ القدم وحتى اليوم وان اغلب النصوص المسرحية والعروض تاريخيا تنطلق من الخاص الى العام ومن الذاتي الى الشمولي. فعندما يتعرض (بوجين اونيل) في مسرحيته (القرد الكثيف الشعر) الى معاناه بطلها (يانغ) فانما قصد الانسانية جمعاً، عندما تتعرض الى الظلم والقهر. وعندما يتعرض (برتولد بريخت) في مسرحيته (ارتورو اوي) للدكتاتور هتلر فانما قصد التنديد بجميع السلطات الغاشمة المتعصبة، وعندما يتعرض (يوسف العاني في مسرحيته (المفتاح) لايمان الشخصيتين (حيرة وحيران) بالخرافة التي قد يولد عن طريقها لهما وليد فانما اراد ان يكشف عن زيف ذلك الوهم لدى فئات كبيرة من الناس. 
كلا ياسيدتي (نهى) لم يبق المسرح كما هو رمزه الان: القناع الضاحك والقناع الباكي بل تجاوزهما الى رموز اخرى اعمق، الى دواخل الانسان والى لاوعيه الذاتي والجمعي والى فكر الانسان وايديولوجياته، لا ياسيدتي لم يعد المسرح هذه الايام يقدم للمتفرجين افكاراً مفضوحة على طبق من ذهب بل راح المسرح يحرك مخيلتهم ويثير ادمغتهم ويجعلهم يتأملون ويفكرون ويبحثون عن بدائل لكل ما هو سلبي في مجتمعاتهم ولكن من دون ان يغلق عليهم كل الابواب للوصول الى الحقيقة وذلك باللجوء الى الغموض والابهام والتشويش ، وحتى هذه يقدمها المسرح المسرح ليدفع المتفرجين لرفعها ولإزالتها والتعرف على المقاصد المختفية خلفها.
واذا اعتقدت يا سيدتي (نهى) ان الكلمة قد فقدت اهميتها في العرض المسرحي ليحل محلها التعبير بالجسد، فان (انطونين ارتو) وبزمن طويل قبل مدعي الميتا مسرح قد اكد على فقدان اللغة المألوفة في المسرح اهميتها وفاعليتها وراح يبحث عن لغة اخرى اكثر تأثيراً في الجمهور، لغة شبيهة بالطاعون الذي يعدي ويدمر ليحل الجديد محل القديم. واذا اعتقدتِ ان ما يسمى (دراما الجسد) او (الرقص الدرامي) هو نموذج للميتا مسرح فإن هذا النموذج ليس جديداً على المسرح المسرح بل انه قديم قدم الطقوس ورقصات جوقة (الديثيرامب) قبل 500 سنة قبل الميلاد.
بعد كل هذا يبقى مصطلح (الميتا مسرح) بحاجة الى تفسير والى تبرير والى كيفية فصله عن (المسرح المسرح) او تفضيله عليه وبحاجة الى اثبات ضرورته والى اجتذابه لجمهور اوسع من جمهور (المسرح المسرح).

--------------------------------
المصدر : جريدة المدى 
تابع القراءة→

العلاقة بين الجمهور و المسرح/ فيصل فائق صبري

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 08, 2016  | لا يوجد تعليقات


مجلة الفنون المسرحية


بدايةً أود أن ألفت النظر إلى موضوع هذا البحث المختص، المبني على أسس فلسفية و رؤى بحثية تعالج الشأن المسرحي بالاستعانة بخبرات فلاسفة وباحثين معروفين وتجاريبهم من جانب؛ و تأسيسا على وجهة نظر الباحث وما تفرضه من مواقف بشأن ما أورده بعض الكتاب و النقاد من دراسات و بحوث تتعلق بصميم جهد الفنان المسرحي من جانب آخر.
في هذي القراءة البحثية تتم الإشارة إلى إشكالية العلاقة بين الجمهور و المسرح منذ بداية الوجود البشري و أداءات علاقته مع الطبيعة و البيئة بحدود ما حُكِم بمستويات الوعي و الفكر.. ومن أشكال التمظهر التي رصدها البحث ما ارتبط بفكرة الآلهة و أماكن العبادة وممارسة الطقوس ضمن التحولات التي جرت في طبيعة الإنسان ومكونات إدراكه ووعيه الأمر الذي كان يحاول التعبير عنه من خلال ثورات و انتفاضات عارمة شهد لها التاريخ القديم...
لقد لمع في الذهن البشري الوعي الذي حاول أن يقوم بتفسير ما كان يدور حوله من أمور طبيعية فيزيقية أو دنيوية وأخرى ميتافيزيقية انتسبت لخياله ومعطيات تفكيره من السحر مرورا بالأسطورة وليس انتهاء بالديانات.. كل ذلك في محاولات من الإنسان الأول للوصول إلى حال من الفهم لمفهوم الوجود البشري في هذا الكون و أسلوب توفير التعايش مع القضايا الخفية عليه...
وتم له في بعض أدائه المعرفي والتعبيري توظيف المسرح ما يسمح لنا بهذه الحال أن نقرأ تلك القضايا المتعلقة بالإنسان وجهوده داخل جغرافية الجمهور الذي كان له الدور الفعال في صيرورة المسرح الذي ما زال ينبض بالحياة حتى يومنا هذا. 
ويمكننا البدء بالقول: إنّه لا يمكن أن نعرف المسرح من دون ممثل، كذلك لا يمكن أن نعرف المسرح من دون الجمهور، ذلك لأن الممثل والجمهور هما العمودان المؤسسان تاريخيا للمسرح ظاهرة فنية تعبيرية وفلسفية مضمونية، تنعكس في ارتباطتها وآليات اشتغالها من خلال الصالة و الخشبة...
ففي السابق أو في بدء التحضير لولادة الظاهرة المسرحية لم تكن الخشبة معروفة أو حتى الصالة، فكانت هناك ممارسات دينية لأجل الإله تطلبت أماكن خاصة للعبادة وممارسة الطقوس، حيث كان يلتقي الكهنة مع جمع الناس في المكان المخصص للاحتفال أو العبادة، وكان هناك تقسيم بين مكان الكهنة والإله من جهة و مكان المحتفلين أو المصلين من جهة أخرى.
وفي أعياد رأس السنة الجديدة عند العراقيين القدماء كانت هناك احتفالات متنوعة من الناحية الدينية والاجتماعية، بحيث كانوا يقومون بتمثيل [أسطورة الخليقة، حوادث من ملحمة كلكامش، موت وبعث مردوخ، تمثيل الزواج المقدس]، فضلا عن نزول عشتار إلى العالم السفلي وإقامة الطقوس الخاصة في فترة الاعتدال الخريفي(1)، وهذا ما أتاح واجب وجود مجموعة من الفعاليات التي تتضمن إجراء بعض التدريبات وتوزيع الأدوار وتحضيرات أماكن العرض[التمثيل] و أماكن الجمهور الأمر الذي يعدّ عنصرا أساسا لمكونات العرض، وقد أطلق العراقيون القدماء على المبنى الخاص أو المكان الطقسي، الذي عادة ما كان يقع خارج المدينة اسم [دار الاحتفالات/بيت اكيتو](2)، وشُـيـِّد هذا المبنى لغرض استخدامه لنوع خاص من الاحتفالات تختلف عن تلك التي تقام في المعابد أو في ساحات أخرى كبيرة في المدينة.
بيت أكيتو، ذاك، كان مخصصاً للحفلات التمثيلية حصرا، و الدليل على ذلك و جود ساحة تحيط بها مقاعد للجلوس، و وجود أشخاص يمثلون دور كلكامش و أنكيدو، وخمبابا... إلخ من شخوص الملحمة المعروفة. صحيح كان هذا الدار خارج المدينة لكنه لم يكن بعيدا عن المعبد، وذلك كي يذكر المتفرجين بقدسية المكان التي يجلسون فيه وكذلك كي لا ينسى المتفرج الأهمية الدينية أو الاجتماعية لهذه للمناسبات المحتفى بها هنا في المسرح خارج المعبد وجدرانه وسلطته(3) وهناك ما يدلنا على أن الجمهور يحضر إلى بيت أكيتو لأجل عرض خاص يتلقى فيه قصصا عن التاريخ وعن تجاريب تجيب بخصوص علاقته ببيئته من خلال هكذا نوع من الاحتفالات ذات الطابع الاجتماعي المختلط بقدسية الديني أو الطهري هذا من جانب، ومن جانب ثان جاء هنا ليعطي لنفسه قسطا من الراحة و المتعة، بعد إجهاد ما كان يقوم به طوال يومه وسنته من صيد و زراعة وجمع القوت وترويض الطبيعة الصعبة المتوحشة وكانت الاحتفال أو العرض بالنسبة له مجال للترفيه و الاستمتاع في بعض أبعاده.
أما في مصر الفرعونية(4) فلم تكن العلاقة بين المسرح والجمهور لتختلف كثيراً عن سليلتها في العراق، فنجد المسرح عند مصر الفروعونية عبارة عن ظاهرة احتفالية طقسية جماهيرية عامة، إذ تتم المشاركة بين جموع الناس والكهنة لاحتضان الطقس الديني بحيث تأخذ شكلاً تمثيلياً متنوعأ بالرقص الديني والدنيوي، و الغناء و الموسيقا التي تتضمن الايقاع، وفي هذه الفعاليات كانت هناك مشاركة من قبل الجمهور في أداء الفعل المسرحي بشكل حي و فعال، وكان معظم المشاركين من الذكور.. 
وتختلف الظاهرة المسرحية هنا نسبيا من حيث الأداء و المهام و الدور في أثناء تقديم العرض الذي كان يبدأ من المعبد و ينتهي بالمقابرعلى الشاطيء الغربي للنيل مروراً بالشوارع و الساحات، فكان يقدم في الساحات وعلى مقربة من المعابد مسرحيات التتويج(5)، وكان انفعال الجمهور واضحأ مع تلك العروض خاصة حيث يظهر التأثر حزنا عندما ينتصر الشر على الخير، والتأثر فرحا ومسرات عندما ينتصر الخير وكان هذا عصب الدراما عند الجمهور، الأمر الذي يبرز آثار التطهير في نفوسهم في أثناء العرض وبعده.
أما الجمهور والمسرح الإغريقي فقد اختلف كثيراً عما هو موجود في العراق السومري ومصر الفرعونية، فكانت أيضا هناك احتفالات و طقوس ديونوزوسية أو باخوسية(6)، تلك التي كانت كذلك عبارة عن احتفالات دينية تتأقلم و تنسجم مع عقيدة اليوناني القديم المقدمة للآلهة ديونيسوس عبر شعائر العبادة ومن ثم تحويلها إلى تمثيلية طقسية تنشدها الجوقة تكريما لديونيسوس حيث كان الموت والبعث موضوع احتفال و تفاؤل يؤخذ به على وفق إيقاع فصلي ينطلق من الشتاء و الربيع ومن جني العنب وموت النبات إلى تجسيد الحياة و الخصب فيه بقوة الشمس. 
والمسرح الإغريقي لم يكن في بداياته مستقلاً عن المعبد، حيث كان المسرح بجوار معبد ديونيسوس(7)، ليذكر المتفرجين بأهمية هذا المكان المقدس وألا ينسوا أيضاً أهميته الدينية، وقد رافق الإمتاع الجمهور الإغريقي نحو التطهير ثم تلازمت التسلية مع الفائدة، لنقل خبرة إنسانية هادفة في إطار فني، الغاية منها تعميق و تطوير نظرة الإنسان إلى الواقع و معطيات الوجود، والسعي والمحاولة إلى تغييره، وذلك عبر تغير الذات بفعل المسرح و فنونه و وجود جمهور يواكب العرض منذ بدايته و حتى نهايته.
إن العنصر الدينى كان واضحاً في أذهان الجمهور الإغريقي، وكان للكهنة مكان مهم و بارز في المسرح ممثلا في معبد ديونيسوس، لذا كانت حبكة المسرحية تحتوي دائماً على عقدة دينية مألوفة، لاسيما ظهور الآلهة على خشبة المسرح، التي كانت موضوع معظم المآسي.. وكما نلمسها في مسرحيات أسخيلوس ذات الطابع الديني، ففي هذا النوع من المسرحيات لم يكن الجمهور ضعيفا أو لا يمتلك ذائقة فنية، بل كان له بعد نقدي وجمالي، فالممثل السيء كان يقابل تمثيله في بعض الأحيان بالصفير والرجم بالحجارة حتى يخرج من المسرح، وكانت هناك علامة لاستياء الجمهور الأثيني التي تتمثل بضربهم بكعوب نعالهم الجزء الأمامي من المقاعد الحجرية(Cool، ولو ضرب ثلاثين ألف نعل بهذه الطريقة لأحدث خلخلة في أذني الممثل ما يؤدي إلى الخطأ في أثناء قيامه بالدور، ولذا من الأفضل له أن يترك المسرح، وهذا دليل على أن المتلقي الإغريقي كان يمتلك ذائقة فنية وجمالية بحيث يستطيع أن يميز بين الممثل الجيد و الممثل الردئ.. وهذا يعني أن المتلقي الإغريقي كان ينتج المعنى وكان له تصوراته الخاصة وله خبرة في ميدان التمثيل والنصوص الشعرية. 
ولا ننسى أن المسرح الإغريقي هو بداية لجمهور فعلي حيث برز وتميز برأي نقدي وإن جاء عفويا وبسليقة الذائقة وما يمتلك من تصورات بشأن التعبير الجمالي وبعامة فقد كان الجمهور من نوع خاص بالتحديد في أثناء مسابقات المسرحيات الدرامية التي كان يقدم فيها ثلاثة أعمال تراجيدية و واحدة ساتورية ويعقبها تقديم الهدايا أو وسام شرف للفائز بمثل هذه المسابقة.
ولو انتقلنا انتقالة سريعة إلى جمهور المسرح في العصر الأليزابثي الذين كانوا متأثرين في ما يكتبه الكتاب من مسرحيات مختلفة عن مسرحيات الإغريق، فإنّنا سنلاحظ اختلافا في ذائقة الجمهور عن جماهير المسارح الأخرى، لتغير المرحلة والظروف ومستويات وعي الظاهرة جماليا مضمونيا. وكان من أبرز خصائص هذا الجمهور هو تعطشه الشديد للمسرحيات. فقد تم بناء أربعة عشر مسرحاً في ذلك العصر (9) في مدينة يترواح عدد سكانها ما بين مائة ألف ومائة وخمسين ألف نسمة. إن إجمالي عدد المسارح يبلغ خمسة أو ستة أضعاف في أحدث المدن والتي كانت من نفس الحجم.
في العصر الأليزابثي لم يكن هناك جمهور من المتفرجين يمثل جميع طبقات المجتمع في حضوره الدائم، مثل هذا الجمهور، ولكن يمكن أن نستثني الجمهور الأثني من هذه المقارنة. فلقد توافد الجمهور اللندني بشكل كبير إلى مسرح شكسبير والذي كان يضم [النبلاء/المتسولين/نساء البلاط الملكي/البغايا/الجنود/الشعراء، وحتى تلاميذ الحرف الذين يسرقون الوقت من سيدهم ويذهبون لمشاهدة المسرحية]، ويدل هذا على أن المسرح بالفعل هو ظاهرة إنسانية اجتماعية مشتركة بين الجميع تلزمنا بعلاقة بين المسرح وجمهوره.
ومثل هذا الجمهور المتنوع في الثقافات و الأيديولوجيات يجعل ويطلب من الكاتب المسرحي خطابات مختلفة في مسرحية واحدة، كأن يتضمن الشعر أو المشاهد الهزلية أو الرومانسية أو مشاهد تتعلق بمصير البطل كما في مسرحيات شكسبير... و إلخ من أمور تتعلق بجمهور ذي ثقافات مختلفة.
إن من إحدى مطالب الجمهور الأليزابثي هو الحدث المقدم في إطار المآسي التاريخية(10) حتى ولو كان في إطار مسرحية جديدة الطراز، ومطلب آخر لهذا الجمهور يتضمن المواقف والمشاهد الهزلية في المسرحية، فإذا لم يتم ذلك فان الجمهور يغضب، بطريقة السخرية أو التصفير و قذف قشور الجوز على شباك التذاكر، كما حصل عند تعرض مسرح جلوب أو مسرح فورتشون لهذه الحال وهذا التفاعل الاحتجاجي. 
ومن طقوس أو أجواء الجمهور الأليزابثي في أثناء ذهابهم لمشاهدة مسرحية هو الاهتمام بالملابس الفخمة التي يستخدم فيها الحرير الغالي الثمن، وكان عندهم ولع بالألوان والاستعراض وكان هذا الطقس موجودا عند كلا الجنسين، وانعكس هذا الذوق في الملابس و الألوان على المسرح الأليزابثي، ما أدى بمن عُني بالاخراح المسرحي لأن يدفع أثماناً باهضة للخياط من أجل خياطة بدلة ذات مستوى رفيع للبطل(11)، وهذا يعني إشارة واضحة لأثر أو دور الجمهور في توجيه أحد مكونات العرض المسرحي وليجعل الاخراج يواكب ذائقة وأسلوب المتفرج في أبعد الأشياء تفصيلا، كما هو الحال مع الملابس والأزياء.
أما فيما يخص جمهور المأساة الكلاسية الجديدة في فرنسا وفي عهد لويس الرابع عشر الذي كان يلقب بملك الشمس، فكان هذا الجمهور يفوق الجمهور الحديث المتوسط في تطلعه الفكري وفي عربدته معاً، ما أدى عند هذا الجمهور إلى التشبع في وصف التحليلات الدقيقة لمشاكل السلوك البشري أو في تنحية وتوجيه الحالات العاطفية في المسرحية الكلاسية الجديدة وكان له رؤية حول المفهوم الاجتماعي للملهاة كما تجسدعند مولير غذا ما أردنا متابعة ملموسة(12).
إن العربدة من طرف الجمهور وعدم السماح لهم بالدخول إلى المسرح كانت تؤدي إلى خلق جو من الاضطرابات الشديدة في المسارح، ما تطلب أحيانا إلى استخدام القسوة والضرب الشديد ووصل في بعض الاحيان الإخرى إلى الطعن بالسكين أو الرمي بالرصاص من قبل النبلاء أو الضباط في أثناء تأديتهم الواجب(13).. ويدل هذا على مدى تعطش الجمهور للعرض المسرحي، وقد عدّ جمهور المسرح الملكي ذاك جمهورا غير مؤدب.
ومعظم الجمهور في المسرح الكلاسي الجديد في فرنسا كان يتألف من مواطني باريـس، وهم من طبقة متوسطة و ميسورة الحال، وكانوا يهتمون بالمسرح و المتعة المسرحية، و أدى هذا الاهتمام لدعم ست فرق مسرحية مختلفة عام 1661 تقدم كل واحدة منها ثلاثة أو أربعة عروض بعد الظهر من كل أسبوع(14)، وهذا ما استفاد منه كتاب المسرح واستثمروه.
إن ذوق هذا الجمهور لم يكن محصورأ في شكل واحد من الأشكال المسرحية، حيث هو الذي رأى لأول مرة مآسي كورنيه و راسـين، و أروع ملاهي موليير وفرقته المسرحية، وإن أرقى المتفرجين في تاريخ المسرحية و المسارح، هو الجمهور الأثني بالدرجة الأولى ومن ثم جمهور لندن في أثناء العهد الأليزابثي و عهد جيمس الأول ومن ثم الجمهور الباريسي في عهد لويس الرابع عشر(15).
هناك كثير من المتفرجين في التاريخ المسرحي ضمن العصر الذي عاشوا وتربوا فيه أصبح لديهم الذائقة والفهم الخاص للمسرحية، بحيث في كل عصر نجد جمهورا خاصا به وبتأثيراته، وهذا يعني ذائقة مختلفة لكل عصر وبطبيعة الحال فهذا الكلام منطقي جداً من وجهة نظري، و الأهم من كل ذلك السلوك و الوعي عند المتفرج أو المتلقي في كل عصر وأسلوب أو كيفية تلقيه المعنى ومشاركته في العرض المسرحي أو تأثير الكاتب الدرامي بالمتلقي كما هو الحال عند العصر الأليزابثي، ما يؤدي إلى وجود علاقة جدلية بين الفنان المسرحي و الجمهور، وباعتقادي فإن النص المسرحي يكتب في ضوء الجمهور المسرحي وأثره وبالارتباط بما يتعلق بالعصر الذي يعيشه فضلا عن بعض الفنتازيا...الذي يكون يتحدد ايضا بمفاهيم العصر، كيما يستطيع المتلقي الوصول إلى معنى وتفسيره للعرض الذي شاهده طوال العرض المسرحي.
إن ذائقة المتلقي تعتمد على البيئة و العمق التاريخي من طرف وعلى الخلفية الثقافية و المعرفية من طرف آخر وهما اللذان يكونان الوعي الإنساني "للمتلقي" وهذا يعتمد على نتائج بحث مجموعة دراسات تحليلية فلسفية تطبيقية، فمثل هذه الدراسات تكتشف دور المتفرج/المتلقي وطبيعته وعلاقته بالحدث المسرحي التي تعيِّن أو تشترط حدود العرض المسرحي، و كذلك لغة النص الأدبي(الدرامي) في نطاق العرض أو لغة نص العرض، التي تقع على عاتق المخرج بالدرجة الأولى وبخلفية تعود إلى المؤلف و يليهما الممثل الذي يحمل هذا الخطاب للمتلقي. يقول أ.د. فوزي فهمي حول المخرج ودوره في العرض المسرحي على [إن بروز دور المخرج و النظر إلى العرض باعتباره [كذا] الحيز الفعلي الذي يظهر فيه المعنى وليس مجرد ترجمة أو زخرفة للنص، ليس إلا مرحلة أولية في تطور فن المسرح يمكن تسميتها التحرر المطرد لعناصر العرض المسرحي](16). 
إن الحيز الفعلي الذي يتكلم عنه الدكتور فهمي يعتمد على نظرية الإرسال والتلقي اللتان تعتمدان على وجود طرفين الأول هو الفنان المسرحي(الممثل/المخرج/المؤلف/السينوغراف) إذ لكل واحد منهم أسلوب خاص والثاني هو المتفاعل و الذي له أسلوبه الخاص في فهم رسالة ولغة المرسل، حيث أن دور الفنان المسرحي يعتمد على نقاط جوهرية تتمثل بالتجسيد على الخشبة ضمن الفضاء المسرحي ودلالاته، كذلك قدرة التخيل لدى الفنان المسرحي الذي يساعده على توسيع ذاكرته الانفعالية، وأخيرا التعبير عن أيديولوجية النص الذي يصب في ذهن المتلقي الذي يبحث عن تفسيرات و معاني عديدة، وهذه النقاط تصب كلها في العرض المسرحي الذي يتناول موضوعة أو فكرة ما، والذي يكون العلاقة بين المرسل(الفنان المسرحي) و المتلقي(الجمهور/المتفاعل).
أما دور المتلقي(المتفاعل) فهو تفسير الإشارات و الشفرات التي يبعثها المرسل من خلال ما يجسده الممثل على الخشبة، ثم يقوم المتفاعل بتفكيك الإشارات أو الرموز باحثاً عن معنى. وبرأي الباحث هنا فإن العلاقة بين المرسل و المتلقي تعتمد على التأويل و التفسير، حيث أن التأويل عائد للفنان المسرحي وخاصة المخرج. ويعدّ التأويل جزءا مهما من العملية الإخراجية و الذي يعبر عن رؤية المخرج للنص وأسلوب العرض، وهو أيضاً الجزء من عمل الممثل في إعداد الدور و تفسير الشخصية لأجل تشخيصها.
إن الوظيفة الأساس للتأويل تصب في عملية التلقي وتلقي المتفرج للعرض المسرحي، خاصة أن العرض المسرحي متكون من مجموعة نظم علاماتية دلالية، وهذه الأنظمة تعتمد على الفضاءات المفتوحة فتأخذ فكر و ذهن المتلقي إلى عالم خارج المسرح مرتبطة بالواقع المعاش والحالات النفسية و الاجتماعية و السياسية.....إلخ، وهذا يعتمد على مدى ثقافة المتلقي وخلفيته التاريخية.
المتلقي ينتظر ما يقدمه له العرض المسرحي، حيث تتدخل عمليات عديدة مثل الإدراك و الإحساس ومن ثم المعنى والخزن في ذاكرة المتلقي، المتأثرة بالجو العام للمسرحية من خلال اللغة التي تكون إحدى وسائل الاتصال بين المرسل و المتلقي بحيث يكون لها طابع اختزالي مكثف .
إن تنظيرات السيميولوجيا حسب قول باتريـس بافيس تنطبق أساسا على اللغة وذلك لتأثرها البالغ بالبنيوية، التي تسعى إلى توصيف الوحدات الأساس التي تكوِّن نصا ما و التي تكون ضمن مجموعة تحاليل لتنظيم هرمية العرض المسرحي المتمثلة بوحدة الزمان و المكان المتطورة على يد مبدعيه، وحيث المتفرج يتجاهل بنية هذه الهرمية على الرغم من أنه الشخص الوحيد القادر على إدراك البنية الهرمية و عملية إنتاج المعنى و إرساله.
إن الفنان المسرحي هو الذي يجعل المتفرج يفكر بالمعنى و يدفعه كي ينهض بتفسيره، ذلك لأن دور الإرسال يقع بشكل كبير على عاتق الفنان المسرحي الذي يدير اللعبة ضمن لغة خاصة تحتوي على مجموعة نسق دلالية مركبة في فضاء العرض، وهذا الذي يشكل جدلية العلاقة بين المرسل و المتلقي، وإن المتلقي له جزء قليل لإرسال المعنى وذلك من خلال ردود أفعاله في أثناء العرض المسرحي.
ففي التلفظ المسرحي تتداخل كل العناصر المسرحية و الدراماتورجية التي تساعد على إنتاج المعنى و التلقي، حيث يقول (دوكرو)(17) في التعبير المسرحي و توزيع الأدوار (العلاقة بين المسرح وعلم اللغويات "الخطاب" في الاتجاه المعاكس لتصف استخدام الكلام) وفي الإخراج يقول (الحاجة إلى ماهية المتحدث و المخاطب واعتبار [كذا] الإخراج الدرامي تلفظا مسرحياً شاملاً)، في طبيعة الحال إن الخطاب موجه إلى فرد أو مجموعة ، فمن خلال تفسير نبرات المرسل وحركات جسده (الوجه بالتحديد) يتم تحديد شكل الخطاب فمثلاً أن اقول أين محمد؟ فيمكن قول هذه العبارة التساؤلية بأساليب متعددة في أثناء الخطاب أما بصيغة الترجي أو الأمر أو الاستخفاف....إلخ، ويمكن توظيف عبارة أين محمد بأساليب عديدة ومختلفة كما نلاحظها في فلم الرسالة للمخرج مصطفى العقاد، وعلى المتلقي تفسير العبارة وذلك عبر المشاهد و ربط الأحداث بعضها مع بعض.
إن المثال أعلاه الذي ذكرته يقع ضمن التداولية والتي تعد من أحدث الاتجاهات المتعلقة بدراسة الأدب و الظواهر النفسية بصفة عامة، حيث أن التدوالية تجمع بين مجالات عديدة تتشابك مع بعضها مثل نظرية أفعال الكلام والتي تقوم حسب رأي أرسطو على كل جملة ذات دلالة، أما الفيلسوف الألماني توماس رايد فيطرحها على شكل مجموعة عمليات اجتماعية أو أفعال اجتماعية، وهناك تحليلات و آراء مختلقة حول نظرية الأفعال وأهمها كتاب بوهلر(نظرية اللغة) الذي يسلط الضوء على الوظائف المتعددة للغة منها التمثيل/التعبير/الابتداء(18).
ونظرية التخيل هي الأخرى تقع ضمن التدوالية، كذلك قواعد المحادثة و الحوار التي تستند على المتلقي المستمع المتلقي. أما في المسرح فإن مفهوم التداولية تختلف عما يدرجها اللغويون ضمن تخصصات علم الدلالة مثل(الإحالة و الصيغة ......الخ)، ففي المسرح يكون فهم التدوالية على أنها تحليل الخطاب الدرامي من خلال دراسة معنى و استخدام مفردات الحوار ودراسة ماهية و أسلوب المتحدث أو المخاطب، و للتداولية استخدامات عديدة ضمن البيئة المسرحية* ، آخذةً بنظر الاعتبار النص و طريقة استخدامه و الأفعال المنجزة من خلال النص، واصفا الدراما بأنها جنس أدبي مدروس ضمن معايير نصية متفق عليها مثل الحوار و استخدام ضمير المتكلمين من طرف المتحدثين، كذلك الصراعات المبنية على تصرفات الشخصيات و تطور الفعل الدرامي
إن ما يتعلق بنظرية الإرسال و التلقي كاتجاه جديد في المسرح تقع ضمن قراءات و تطبيقات أدبية فلسفية ومصادرها من جهة و أيديولوجيات مختلفة من جهة أخرى التي تشمل مواضيع عديدة و مختلفة منها ما يتعلق ببنيوية اللغة و الهيكل الدرامي من ناحية التجسيد على الخشبة وإظهار القيم الجمالية لفعل التلقي أو الإرسال ومدى فاعليتها من حيث العلاقة بين النص الدرامي و نص العرض، كذلك رصد وظيفة الدلالات و العلامات داخل العرض المسرحي الذي يتم من خلال الناقد المسرحي و ليس المتلقي العادي في أغلب الأحيان ، حيث أن المتلقي العادي يأتي لمشاهدة العرض المسرحي لمجرد الترفيه أو التعليم أو المتعة.....إلخ، أما بالنسبة للناقد المسرحي فيختلف وجوده في العرض المسرحي و الذي يقوم بتحليل و تفسير النص من جهة وكذلك البحث عن بدائل للفنان المسرحي في حالة وجود خلل في العرض المسرحي أو هو يبحث بشتى الوسائل عن الخلل في الخطة الاخراجية أو أداء الممثل على الخشبة أو نص المؤلف ، ولكن كل هذه الأمور تحصل ضمن إطار فني جمالي لا يمكن الناقد المسرحي تجاوزه، من حيث أن يضع العمل المسرحي لموقف معين بكل ما بذل من جهود و طاقات الى خانة النقد التقني أو الأيديولوجي. 
يقول باتريس بافيس(19) (إن درجة إنقرائية** النص وتوجيه القارئ للنص يعتمدان بدرجة كبيرة على معرفة هذا القارئ بالمعايير الأدبية و الاجتماعية)، ولكن ألا تدل هذه الجملة على بحث عن قارئ خاص له خلفية أدبية ثقافية عالية يختلف عن القارئ ذي الإمكانات المحدودة أو الذي يجهل القراءة ؟ ثم ان مفهوم الانقرائية لها محل ضمن السياق الأدبي للنص ويختفي أثرها حالما يتجسد النص على الخشبة، وخاصة عندما تكون المشاهد الأدبية تترجم إلى مشاهد بصرية (أي لغة درامية بصرية) يخفي فيها آثار القارئ و تظهر آثار المتفاعل الذي يشمل جمهورين لهما خلفية ثقافية عالية وجمهور ذات الامكانيات المحدودة...... ففي مسرحية الفنان قاسم محمد (بغداد الأزل بين الجد و الهزل) يتم المشاركة بين نوعين من الجمهور الذي ذكرته، حيث يخرج النص الأدبي من طوعية الكاتب المؤلف ويدخل النص إلى طوعية المخرج المعد على شكل نص العرض وما يحتوي من مشاهد بصرية تجسد بوساطة (وعبر) الفنان المسرحي بحيث تكون عملية الإرسال و التلقي على شكل ذبذبات متبادلة بين المتفاعل و الممثل.
إذن الإرسال و التلقي يتعلق بمجموعة تطبيقات عملية و نظريات و أيديولوجيات ومجموعة من الأبحاث ضمن دراسة مستقلة تتعلق بجمالية العرض المسرحي و تكويناتها بكل نواحيها التي تتعلق بجمالية الإرسال عند المخرج و جمالية التلقي عند الجمهور الذي يكون ضمن فعل المشاهدة لتحقيق حركة المتلقي و كذلك تفعيل التخيل و البعد الأيديولوجي عند المتلقي من خلال بنية الأفعال اللغوية و أفعال الكلام لصنع خطاب جديد ، بحيث تؤدي إلى قراءة جماعية لها عمق تاريخي و فهم للحاضر و رصد المستقبل، حيث يتم فيها توازن بين العرض و التلقي وكذلك إنتاج معنى للمتلقي/المتفاعل.
يحلل الدكتور فهمي نظرية الهرمنيوطيقيا(20) بمعناها الحديث ويحددها على أنها: نظرية لتأويل رموز لغة أدبية لعناصر ثقافة ما، وبناء شكل العلاقة بين النص و المرجعية، معبرا عنها على شكل معطيات غير اللغوية للخطابات بشروط القراءة و الانتاج مستخدماً سياق سوسيوـــ تاريخي الذي يدرجه ضمن سياق الفهم في محاولة استخلاص معنى متجدد والهدف منها إعادة بناء تصور الأشياء، و إنتاج رؤية للعالم، ويصل إلى فهم قراءة عالمة ترفض[النمذجة] و تحرر الإبداع و النقد من أوهام الحقيقة. وبرأي هذا التحليل، بحسب الدكتور فهمي، الأمر موجه إلى العالم الديني و الإسلامي على وجه التحديد لأولئك الذين يرفضون القراءة التحليلية للكتب السماوية المقدسة و محاولة إنتاج المعنى من جديد على يد فلاسفة و علماء مختصين في هذا المجال، وليس على يد رجال الدين الذين يترجمون النص المقدس ضمن رؤية دينية متعلقة بالفنتازيا و اللاهوت.
إن المنهج الهرمنيوطيقي يتعلق في طرق التفسير المخصوصة بمجال العلوم الإنسانية و الاجتماعية ، ويعد هذا المنهج بمثابة ما بعد الحداثة، على الرغم من أنها ارتبطت بأساليب التفسير الفنية للكتب الدينية أو شرح صفحات منفردة من الإنجيل و الكتب المقدسة و الكتب الكلاسيكة، إلا أنه أخذ مجالا أوسع للعلوم الاجتماعية وإتاحة الفرصة للمسرح من خلال تطوير الفلسفة والأنثروبولوجيا(علم الإنسان)...
ففي الاتجاه الادراكي لتطبيقات العلوم و الفنون يقول إيلينور شافر: (إن الإنجيل ليس نصا منزلا أو موحى به بصورة فريدة ، بل انه ذاته نص له طابع أدبي) فالانجيل و الكتب المقدسة للأديان هي نص أدبي ضمن طقوس وتراتيل دينية غير مفسرة طالما ظلت أسيرة الطقوس هذه، لذا نرى في المسرح تفسيرات و تأويلات لهذه النصوص بلغة دلالية مكثقة ترتبط بالدراما كوسيلة للتفسير و-أو التأويل، وخاصة أن علم الهرمنيوطيقا هو ذلك العلم الذي يسمح بإيضاح الأمور الغامضة المخفية تحت عباءة الدين و التاريخ ، ثم يعمل هذا المنهج على تحديد و تفسير معنى جديد للنصوص القديمة ضمن سياق أدبي جمالي رفيع، والذي بنظري يحتاج إلى جرأة عالية من قبل الباحث، بشكل عام إن الهرمنيوطيقا هي دراسة لتاريخ الأفكار والحالات الاجتماعية و الانسانية و الانتقال من نمط تفكيري إلى نمط آخر مختلف نوعيا.
لقد قدم هيردر(21)الذي هو أحد أعلام التنوير في ألمانيا، تفسيرات و مبررات جديدة لبعض النصوص الشكسبيرية(مسرحية الملك لير)، وكما نقد بشكل جديد روح العصر و الذي يفكر بإعادة الصياغة التاريخية الجديدة بحيث يكون مفهوماً للقارىء الحديث(الجيل الحديث). أما محاولات فريدريك شيللر فهي أيضا تقع ضمن تفسيرات جديدة للكتب الدينية و الميثيولوجيات، أي أن جميع الفلاسفة و الكتاب كانوا يحاولون أن يجدوا تفسيرات و مبررات جديدة تلائم العصر الذي يعيشون فيه وكانت هناك أيضا بعض الرؤى المستقبلية للمجتمع الإنساني في أوروبا وهذا ما أدى إلى التقدم الثقافي في البلدان الأوروبية، على عكس البلدان الشرقية(العربية) فمن الصعب التكلم عن الهرمنيوطيقا في إطار الحديث في النص القرآني وتفسير معاني الكلمات و القصدية من لغة القرآن على وفق هذا العلم.
الهرمنيوطيقا هي في الخلاصة شكل من بناء النص و هدمه وبنائه من جديد ضمن سياق تاريخي فلسفي أدبي ومفهوم العصر الحديث، هو علم لتأويل النص وفهمه، ولقد ركز فيلهيلم ديلثي على البعد التاريخي لتفسير المفاهيم الإنسانية و الاجتماعية المعاشة، ولكن الظن أنه يمكن أن يكون قد نسى البعد النفسي و البعد الطبيعي، وهذان البعدان مرتبطان ارتبطاً وثيقاً بالخيال و كذلك تفسيره للخيال في حقبة زمنية ما، كان فيها الوعي البشري في مستوى بسيط من اللغة و الفكر، وحيث الفن حسب قول استانسلافسكي "هو نتاج الخيال كما ينبغي أن يكون عمل كل كاتب مسرحي ، وينبغي أن يحصر هدف الممثل في استخدامه مهارته الفنية لتحويل الرؤية الى واقع مسرحي"(22)
إن ما أشير إليه من خلال هذه المقولة هو مفهوم الفن بجميع أشكاله وخاصة فن الكتابة المسرحية ضمن السياق التاريخي ويجب ربطها بالبعدين النفسي و الطبيعي ومن ثم ربطها بعلم الهرمنيوطيقي الذي له منحى تأويلي وربطها بالواقع مسرحي.
يذكر إيلينور عن تجربة ديلثي في مجال الهرمنيوطيقا "أن كل مواقف الحياة إذا فهمنا طبيعته فهماً تاماً، يماثل شكلا من الأشكال الفنية. وقد عرف هذا بأنه الصيغة الكامنة في العقل". لكنني أرى بأن هذه المواقف الحياتية تساق ضمن المحاكاة للكلمة/الظرف التاريخي/ للانسان نفسه الذي يعبر عن الاحداث الكبرى ضمن واقع تاريخي معاش،وهذا الواقع تكتشف من خلال تجارب و تحاليل وبحوث،مما يؤدي الى المفهوم الدرامي و البنية الدرامية من خلال الواقع المعاش.
إن الدراما في المسرح هي ذلك الفعل الذي يمكن له تجميع الماضي بالحاضر وبالرؤية المستقبلية في لحظة معينة عبر الأحداث و الصراعات، فيرى هيجل(23) أن اشكال الوعي هو الذي يسيطر على الدراما في الأدب الحديث من خلال منظور تاريخي يصور التتابع الديناميكي لأشكال الوعي، ويرى جورج لوكاش(24) بأن تاريخ الدراما الحديث بالتفصيل في ضوء المبدأ التفسيري الذي نادى به ديلثي، وهو أن الإنسان يعرف نفسه من خلال التاريخ و ليس من خلال الغوص في أعماق ذاته، كما يرى ريموند ويليامز (25)في المأساة الحديثة (إن الأزمة الأعمق في الأدب الحديث هي تقسيم التجربة على فئتين، اجتماعية و شخصية. ///فالمأساة الاجتماعية يتحطم فيها الناس بفعل القوة والفاقة، وتدمر فيها حضارة أو تدمر نفسها، وهناك المأساة الشخصية: حيث يعاني الرجال و النساء ويتدمرون من خلال علاقتهم الأكثر حميمية، ويدرك المرء مصيره في مجتمع بارد حيث الموت و العزلة الروحية المطلقة أشكال بداية للمعاناة و البطولة). 
ولذا نرى آراء و أفكار يبدو كأنها جديدة ، ولكن هي في الأصل موجودة ضمن الوجود البشري في الكون، لكن العملية البحثية و التفسيرية والتأويلية لرسم الأشكال الأدبية هي التي نضَّجت هذه الأفكار من خلال الوعي البشري ضمن دراسة خاصة تسمى الهرمنيوطيقا التي يعرفها شافر (بأنها ذلك العلم الذي يسمح بإيضاح الأمور الغامضة و إزالة التشويهات التي قد تنجم عن تقادم العهد بعبارة ما قيلت في الماضي) وهذا التعريف أثبت صوابه حتى اليوم.
ورداً على فكرة تيرنر(26) عن أنثروبولوجيا العرض على أنها جزءا من أنماط العروض الثقافية* تشمل الطقوس و الاحتفالات، و الكرنفالات، والمسرح و الشعر. فأولا إن المسرح و الدراما لا يقعان في خانة الطقوس و الاحتفالات الدينية، وثانياً إن الطقوس و الاحتفالات و الكرنفالات لها طابع ديني أكثر مما هو ثقافي، والطقوس الدينية المعادة في كل سنة هي مكررة ولا تضيف شيئاً من الثقافة للمتلقي المثقف و حتى غير المثقف، إذا كان ضمن مجتمع مسيحي أو إسلامي أو أي دين لمجتمع آخر. 
أما لو أردنا الحديث عن العروض الثقافية، فهي تلك العروض التي تتمثل بالإبداع وخلق كل ما هو جديد، وغير متعارف عليه من قبل، ومن ثم نتثقف من خلال هكذا نوع من العروض يمكننا التسلح بالثقافة، كما نستطيع القول إنه يمكن توظيف الطقوس و الاحتفالات ضمن الدراما و المسرح ولكن ان وضعنا في العرض قيما جمالية تظيف شيئا جديد للمتلقي على أن نتحرر من شكلها الطقوسي و الكرنفالي.
ولذا أرى أن الهرمنيوطيقا تظل ذلك العلم الذي يتحمل المزيد من البحث و القراءة في مجال العلوم الإنسانية و الاجتماعية. وفي نهاية بحثي الموجز أقول إنني حاولت إضافة شيء للمسرح وللدراسة المسرحية ضمن رؤى و أفكار قد تتفق أو تختلف مع القارئ ، و لربما فاتتني قضايا لم أتطرق إليها بما ينضج ويستكمل جهدي المتواضع بسبب عدم توافر المصادر العربية الكافية هنا في بلدان المهجر ولأسباب أخرى متنوعة. 

المصادر
1- المسرح العراقي القديم/تأليف: محمد صبري صالح/مراجعة وتقديم:د.عبد المرسل الزيدي/مطبعة المعارف/السنة 1991/ص47.
2- المصدر1 نفسه/ص75.
3- المصدر1 نفسه/ص76.
4- الظواهر المسرحية عند العرب/علي عقلة عرسان/الطبعة الثالثة/مطبعة اتحاد الكتاب العرب 1985/ص17.
5- المصدر 4 نفسه/ص18.
6- المصدر 4 نفسه/ص18/19.
7- المصدر1 نفسه/ص75/76.
8- فن المسرحية/فرد ب.مــيليت & جيرالد ايدس بنتلي/ترجمة:صدقي حطاب/مراجعة:د.محمود السمرة/نشر: الاشتراك مع مؤسسة فرنكلين للطباعة و النشر/بيروت-نيويورك/السنة 1966/ص65
9- المصدر 8 نفسه/ص115.
10- المصدر 8 نفسه/ص118.
11- المصدر 8 نفسه/ص120.
12- المصدر 8 نفسه/ص128.
13- المصدر 8 نفسه/ص129.
14- المصدر 8 نفسه/ص130.
15- المصدر 8 نفسه/ص131.
16- جمهورالمسرح نحو نظرية في الانتاج و التلقي المسرحيين/تأليف:سوزان بينيت/ترجمة:سامح فكري/مراجعة:أ.د. نهاد صليحة/تقديم:أ.د. فوزي فهمي/اكاديمية الفنون وحدة الاصدارات مـــسرح (4)/ص40.
17- إتجاهات جديدة في المسرح/تحرير:جوليان هيلتون/ترجمة:د.امين الرباط & سامح فكري/اكاديمية الفنون وحدة الإصدارات مسرح(7)/الطبعة الثانية 1995/ص84.
18- أنترنيت http://www.doroob.com/?p=8069.
19- المصدر 17 نفسه/ص74.
20- المصدر 16 نفسه/ص 12.
21- المصدر 17 نفسه/ص164/165.
22- إعداد الممثل/قسطنطين ستانسلافسكي/ترجمة:د.محمد زكي العشماوي & الفنان محمود مرسي/مراجعة:درني خشبة/دار النهضة العربية للطباعة و النشر –بيروت/ص69.
23- المصدر 17 نفسه/ص175.
24- المصدر 17 نفسه/ص175.
25- المأساة الحديثة/تأليف :ريموند ويليامز/ترجمة:د.سميرة بريك/مطبعة وزارة الثقافة و الارشاد القومي/دمشق-1985/ص193.
26- المصدر 17 نفسه/ص180
الهوامش

* البيئة المسرحية استخدمت هذه المفردة التي بنظري لها منحى فني فكري ثقافي تتعلق بكون العرض المسرحي و لغاته تقع ضمن البيئة المادية الملموسة للعرض المسرحي بعد المشاهدة، وهذا لا يعني بأني أرفض الفضاء المسرحي أو الجو العام للمسرحية.
**الانقرائية:هي التي توجه عملية التلقي من خلال إدراك الآفاق غير المحددة و تلك المحددة، تتمثل في عملية أخرى جدلية تنطوي عل ثنائية التوجيه/اللاتوجيه، ومن ثم يمكن تشبيه مفهوم الانقرائية بأخذ القارئ في نزهة داخل النص و السير في أرض النص ممهدة تعقب بأخرى غير ممهدة وهكذا./ الاتجاهات الجديدة في المسرح/ص 74.

تابع القراءة→

الخميس، أبريل 07، 2016

أثر اتجاة الباوهاوس على العروض المسرحية / راندا طه

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 07, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


       الباوهاوس Bauhaus  اسم أطلق على معهد العمارة والفن، و تعني «بيت العمارة» ، أسسه المعمارى فالتر غروبيوس    Valter Gropius في مدينة فايمار Weimar في ألمانيا عام 1919. و حاولت ربط وتوحيد كل أشكال الفن  ، والتى عبَّر عنها جروبيوس  Walter Gropius بقوله "كاتدرائية الاشتراكية cathedral of Socialism " ، قام اتجاه الباوهاوس فى ألمانيا كاستجابة للتغيرات فى التكنولوجيا والحياة المعاصرة ، وتأييداً للتغير فى مشاهد الفن، واحتوى على محترفات فنون الأعمال اليدوية والعمارة والفنون التشكيلية والمسرح واشتهر بإسهاماته الكبيرة في تطوير العمارة والفن التشكيلي وابتكاراته في استخدام مواد البناء مع عنايته بوظيفة البناء أكثر من الزخرفة، وجمعه بين التقنية وجمال التصميم وعدم التفريق بين الفنون الجميلة والفنون التطبيقية، كما كان له إسهامه في تطوير صناعة الأثاث وتجديد مفهومه.   
      تجمع مدرسة الباوهاوس ما بين الاتجاه  التكعيبية والتعبيرية. كما أنها قد تأثرت بأفكار الفنان الإنجليزي وليم موريس من ناحية محاولة الدمج بين الحرفة والفنون الجميلة.فيقول “د. أسعد عرابي” عن أهميّة مدرسة "الباوهاوس"، وتأثيرها على اتجاهات فنية أخرى، و ظهور تعاون الفنون في أعمال أتباع هذه المدرسة، في سياق حديثه عنها: [ترعرعت ما بين الحربين، قبل أن يهاجر بعض أعمدتها إلى الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولتلعب دوراً محرّكاً- بتعاليمها وعقائدها التربويّة- في دفع الاتجاهات الهندسية والاختصارية للإقلالية   (Le Minimalisme)، ثم ترتد موجاتها إلى محترفات الشاطئ الأوروبي من جديد خاصة إلى إنجلترا،و اعتمدت هذه المدرسة على إعادة توحيد الفنون حول العمارة واندماجها في النسيج الحضاري والبيئي .    
درست الباوهاوس العلاقة بين الإنسان والفضاء من خلال عدد من المصممين أمثال" أوسكار شليمر  Oskar Schlemmer"، وشَكَّل ذلك نقطة البدء للرسوم التجريبية والتى أثرت على عناصر المسرح للمصممين والمخرجين والراقصين ، كالفضاء واللون والشكل والضوء والحركة والصوت واللغة . فمثلاً فى عام 1920م قدم "شليمر" عرض "رقصات الباوهاوس" والذى تقلص فيه الشكل الإنسانى ليتحول إلى نموذج مثالى من خلال الأقنعة. ومن رواد الباوهاوس "موهوللى ناجى  Laszlo Moholy-Nagy"  الذى تخيل معماراً مسرحياً ديناميكياً تماماً يعتمد على أساس من الجسور المعلقة والمتحركة نحو الأمام والخلف وأشكال مختلفة فضائية، وأجهزة تتحرك وتدور ومنصات فى كافة أجناب المسرح. كما أثَّر عنصر الحركة على اتجاه "الباوهاوس Bauhaus" فى العروض المسرحية ،  وهَدَفَ اتجاه الباوهاوس لخلق عمارة وفن مرجعهما المشاكل الاقتصادية والاجتماعية فى ذلك الوقت ، وأرادوا وصف سيادة الآلة فى العالم الحديث وانتصارها على الطبيعة ، من خلال أشكالهم الهندسية كالمربع والمستطيل والمواد المختلفة كالألومنيوم والنايلون والأسلاك والبلكسى جلاس والورق المقوى وغيرها  .  

 -  http://www.arab-ency.com/_/details.php?full=1&nid=3078
 -  http://www.marefa.org/index.php/%D8%A8%D8%A7%D9%88%D9%87%D8%A7%D9%88%D8%B3
 - Exploring Movement. The Modern Paradigm & Kinetism. (www.annapujadas.cat/CSIM/context/textos/modern.pdf
تابع القراءة→

السينوغرافيا البنائية للعروض المسرحية للمخرج فسيفولود مايرهولد Vsevolod Meyerho ld / راندا طه

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 07, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 ظهر اتجاه "البنائية  Constructivism " فى روسيا عام  1919م  ، كنتيجة أو تحول من المستقبلية الإيطالية، واعتمد على التكوينات والتركيبات التى تساعد الممثل على أداء دوره[- http://en.wikipedia.org/wiki/Constructivism_(art)] . وتدفقت عروضهم الحركية من خلال تصاميم متماسكة ، وكانت رؤيتهم للمسرح أنه بوتقة crucible تستخدم لتطوير البيئة البصرية الملائمة للتعبيرعن الطريقة الجديدة للحياة. 
ومن أهم روادها " فسيفولود مايرهولد Vsevolod Meyerhold"(1874-1940م) وهو ممثل ومخرج ومدير ومُنظِّر مسرحي روسي - سوڤييتي، وأحد رواد فن الإخراج المسرحي الحديث عالميا، ولد في مدينة بنزا،ومات في المعتقل في موسكو. درس الحقوق في جامعةموسكو مدة عامين (1895- 1896)، ثم انتسب إلى قسم المسرح في المعهد الفيلهارموني . اسس مايرهولد عام 1903 فرقته الخاصة باسم «جمعية المسرح الجديد» وقدم عروضها في عدة مدن روسية، إلى أن عاد عام 1905 إلى موسكو حيث أسس «المحترف التجريبي الأول»في إطار «مسرح الفن»، ثم اخرج للممثلة الشهيرة كوميسارشفسكايا Kommisarshevskaya في عام 1906 أعمال فرقتها المسرحية في بطرسبرغ Petersburg. ، ثم بدأ فى عام 1908 العمل في المسرحين الامبراطوريين ألكسندرينسك  ومارينسكي ،و أخرج مسرحيات كلاسيكية وأعمالاً أوبرالية، وشرع في الوقت نفسه بدراسات معمقة حول تقاليد المسرح العالمي كالصيني والياباني، والفرنسي والإسباني في القرن السابع عشر، إضافة إلى الكوميديا ديلارتِه ومسرح المنوعات ونشر نتيجة دراساته هذه عدة مقالات في (فن المسرح). [-  http://www.arab-ency.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB/%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%AE%D9%88%D9%84%D8%AF-%D9%81%D8%B3%D9%8A%D9%81%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AF-%D8%A5%D9%85%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%81%D9%8A%D8%AA%D8%B4  -
]
منذ بدايات العمل الإخراجي تبدت خصائص الرؤية الإخراجية لمايرهولد في معاداته السافرة للمذهب الطبيعي، وبحثه عن وسائل جديدة للتغلب على الأشكال المسرحية التي تهدف إلى مطابقة الواقع بيئياً، فأخذ يؤكد في أعمال «المحترف التجريبي» مبدأ «الشرطية» ، والتعميم والترميز. فقد رأى: «أن نؤسلب عصراً أو ظاهرة ما يعني أن نبرز بجميع الوسائل تعبيرية التركيب الداخلي لذلك العصر أو تلك الظاهرة، وتصوير سماتها الداخلية المميزة». وطبق الأسلوب الانطباعي Impressionist مستخدماً اللون كنغمة دالة رئيسية، واستغنى عن الستار والأضواء الأمامية، ليحل مكانها البروسينيوم  (مقدمة خشبة المسرح البارزة)، واستخدم الأحجام المجسمة والسرد الملحمي البعيد عن. [-  http://www.arab-ency.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB/%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%AE%D9%88%D9%84%D8%AF-%D9%81%D8%B3%D9%8A%D9%81%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AF-%D8%A5%D9%85%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%81%D9%8A%D8%AA%D8%B4]
كان أول عرض بنائى للمخرج " فسيفولود مايرهولد  "  وتصميم المصممة " ليوبوف بوبوفاLyubov Popova  " بإسم" الديوث السمح The Magnanimous Cuckold " عام1922م ويحكى عن طحان يكتشف أن لزوجته عشيق . والمشهد تصميم بنائى أشبه بماكينة فى حالة حراك ذاتى بما يجبر الممثلين على اتخاذ طريقة أداء ميكانيكية تتفاعل مع حركتها ، وألغى "مايرهولد" فى العرض الستائر الأمامية والمحددات الرأسية والأفقية للمشهد ، وفى المنتصف وضع الهيكل البنائى الأفقى الأشبه بالمطحنة المقسمة لمستويات أفقية متعددة تتصل مع بعضها بسلالم مما سمح بقدر أكبر من توالى المشاهد بدون انقطاع ، واستخدم الأقراص الدوارة وأشرعة طاحونة الهواء والمنحدرات وجسر وأبواب دوارة وسلالم خشبية ، وسقالات وعجلات تدور بسرعات مختلفة فى لحظات محددة بالعرض ، ويقوم الممثلون بالحركة والقفز وسط الإضاءة بشكل أشبه براقصى الأكروبات[- James Roose - Evans, Experimental Theatre from Stanislavsky to Peter Brook, Great Britain, Routledge, 4th edition, 1996, p28-29.] ، وأزياء الشخصيات هى زى العمال overall ، ومزج المخرج بين الأكروبات والإيماءات واستوحى فكرته من حركة الروبوت فيما يسمى بـ"البايوميكانيك biomechanics"[- http://www.moma.org/collection/details.php?theme_id=10955§ion_id=T019195]  . ورؤية "مايرهولد" هى أن حقيقة الإنسان وعلاقاته وسلوكه لا يُعَبَّر عنها بالكلمات ، وإنما بإيماءاته وحركاته المختلفة [- Gunter Berghaus , International Futurism in Arts and Literature, Walter de Gruyter, Sep 2000, Vol.13, p93.].
 واعتُبِر "مايرهولد" واحداً من أوائل المسرحيين في القرن العشرين الذين نادوا بنقل الإضاءة من الخشبة إلى قاعة المشاهدة مع مساواته لأنظمة الإضاءة و أنظمة الصوت في القوة والدرجة، فالضوء- فى نظره -  يمتلك إيقاعاً كما في الموسيقى، وابتكر بناء مساحة مسرحية جديدة تنحو نحو هجر الأنماط التقليدية لمسرح العلبة الإيطالي مع مناداته بإلغاء الجدار الرابع، وركز فى مسرحه غير التقليدى على الحضور الفيزيائى والرمزى فى مشاهده ، وكان من المتحمسين للرمزية فى المسرح- أول الامر- إلا أنه تحول إلى تصميم المشهد بشكل "بنائى Constructivism" واستخدم تأثيرات السيرك فى عروضه [- http://en.wikipedia.org/wiki/Meyerhold ]، وعبَّر عن مفاهيمه بالتقنيات والآليات المبتكرة فى ذلك الوقت كعنصر سينوغرافى فى عروضه بنائية الاتجاه . 
وفى عام 1922 م ، استخدم  "الرافعة " crane  بمسرحية "كفاح وانتصار السوفييت" فى الهواء الطلق ، و فيها قام المصممان "فسنين" و"بوبوفا" بتصميم قلعة رأسمالية ومدينة المستقبل ، وكانت القلعة ذات طابع حربى أما مدينة المستقبل فكانت على هيئة أقواس وهياكل معدنية وعجلات وسيور ،أعمدة وكابلات ورافعات ، كنموذج معمارى مستقبلى لمدينة المستقبل ذات الماكينات المتحركة دائماً ، وظهرت فى العرض فرق للمشاه والطائرات والدبابات والمدافع . كما صممت "بوبوفا" رافعة محمولة على جسر متحرك فى وسط المسرح  فى عرض "الأرض الماعزية" لمايرهولد ، بالإضافة لعناصر سينوغرافية أخرى من شاشات عروض معلقة فى رافعة وسيارة وجهاز عرض وكاميرا سينمائية وأفلام وشرائح ملونة ودراجات هوائية وملصقات معلقة على جرار زراعى[ - روسا دى دييجو.  التكنولوجيا والمسرح . ترجمة خالد سالم . مركز اللغات والترجمة أكاديمية الفنون . مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى .2007 .ص155-156.].و فى عروضه اللاحقة كما فى عرض" Ring Master "حرك "مايرهولد" ممثليه كعرائس الماريونيت ، واستخدم الأبنية المتنقلة والحوائط المتحركة والشاشات والأقراص الدوارة المقسمة لحلقات والتى يمكن لكل حلقة منها التحرك باستقلال ، وأراد من ذلك خلق الإحساس باستمرارالحركة بشكل مقارب للسينما[- James Roose - Evans, Experimental Theatre from Stanislavsky to Peter Brook, Great Britain, Routledge, 4th edition, 1996, p29. ] . 
وفى عرض " المفتش الحكومى The Government Inspector " عام1926م، قام  "مايرهولد" بعمل تغيير فى النص وعَدَّل فى أماكن الحدث ، والمشهد عبارة عن منصة شبه دائرية ، لها خمسة عشر باباً وتدور الحركة الرئيسية فيها فوق أحد المستويات بالمشهد، وأثناء العرض تنفتح الأبواب الخمسة عشر بشكل مفاجىء ويظهر من خلال كل باب ضابط يطلب رشوة ، وبنهاية العرض ينزل ستار أبيض ليعلن بالأحرف الذهبية عن وصول المفتش الحقيقى [- James Roose - Evans, Experimental Theatre from Stanislavsky to Peter Brook, Great Britain, Routledge, 4th edition, 1996, p29. ]. 
وبعام 1922م عُرض أوبريت كوميدى بنائى بإسم" Girofle-Girofla " ويحكى عن سوء فهم يتورط فيه توأم  ، والمشهد عبارة عن سلالم مطوية ومرايا دوارة وفتحات سحرية[- http://en.wikipedia.org/wiki/Alexander_Tairov].كما قُدم عرض بنائى آخر عام  1923م بإسم "الرجل الذى كان الخميس  The Man who Was Thursday" للمصمم المعماري "فسنين Aleksander Vesnin " ، والمشهد عبارة عن تصميم معمارى هيكلى معقد يمثل المدينة الحديثة من خلال عناصرها المميزة كالسقالات والمستويات والمصاعد والإضاءة النيون والملصقات الإعلانية[-http://www.moma.org/collection/details.php?theme_id=10955§ion_id=T019195 ].

- Gunter Berghaus , International Futurism in Arts and Literature, Walter de Gruyter, Sep 2000, Vol.13, p93.
http://en.wikipedia.org/wiki/Meyerhold 
 - روسا دى دييجو.  التكنولوجيا والمسرح . ترجمة خالد سالم . مركز اللغات والترجمة أكاديمية الفنون . مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى .2007 .ص155-156.
- James Roose - Evans, Experimental Theatre from Stanislavsky to Peter Brook, Great Britain, Routledge, 4th edition, 1996, p29. 
- James Roose - Evans, Experimental Theatre from Stanislavsky to Peter Brook, Great Britain, Routledge, 4th edition, 1996, p29. 
http://en.wikipedia.org/wiki/Alexander_Tairov
http://www.moma.org/collection/details.php?theme_id=10955§ion
تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9