أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الجمعة، أبريل 15، 2016

رؤى بصرية متعددة لسينوغرافيا عرض "الخرتيتRhinoceros" ليونسكو / د. راندا طه

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 15, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

    آمن يوجين يونيسكو [1]Eugène Ionesco, وزملاؤه من كتاب مسرح العبث، ومنهم صموئيل بيكيت، وفرناندو ارابال، وآدمون، وغيرهم، بأن الذين وقفوا مع هذا العالم بشكل جاد لم ينجحوا كثيرا ، كما رأى أن التعامل الأمثل معه بالسخرية، والعبث. فالعالم فى وجهه نظر يونيسكو لا يمكن أن نأخذه بشكل جدي. فهو يوشك فرط ما به من سخف أن يثير الضحك والسخرية ، لذا اعتمدت نصوص يونسكو بشكل عام علي المفارقة اللغوية التي تتم عبرها تعرية الواقع في محاولة لجر المتلقي الي عملية مواجهة مباشرة مع القيم الفاسدة والمستهلكة التي أخذت تحاصره وتفرض عليه أنماطا خاصة من السلوك والتفاعل.و تنتمي نصوص يونسكو في عوالمها وتصوراتها الي عالم وتيار( اللامعقول), ولكنها في معالجاتها وأطروحاتها تنتقي نماذج متنوعة من هموم وتداعيات الإنسان المعاصر بأزماته وغربته الذاتية والاجتماعية.[2]

  ومن عالم اللامعقول وُلدت فكرة مسرحية " وحيد القرن" أو "الخرتيت" من خلال خطاب تلقاه "يونسكو" من صديق له يعيش فى ألمانيا النازية ، حيث تزاحم  الناس لرؤية هتلر ، فوقع عدد من الحوادث كأصطدام سيارة رجل عجوز بطفل صغير واللذى مات فى الحال ، وسقوط سارية علم شرفة بها أسرة كاملة فماتت الأم والخادمة وكلب صغير .....وغيرها من الحوادث ،وفى نفس الليلة رقص أهل المدينه وشربوا وتشاجروا حتى مات أربعون شخصاً من العربدة . وهذه هى الحوادث التى أدت لولادة مسرحية الخرتيت والتى وقعت أحداثها فى ميونيخ بألمانيا عام 1938 م .[3] فمن هذه الحوادث استوحى يوجين يونسكو قصته القصيرة التى تحولت فيما بعد لمسرحيته "الخرتيت"، وهى مسرحية واقعية استخدم فيها الرمز ، وهى مكونه من ثلاث فصول مبنية على بداية ووسط ونهاية .

     و تجري احداث هذه الكوميديا المرعبة والتى كتبها يونسكو عام  1959م  في مدينة فرنسية صغيرة مغمورة هي في طريقها إلي الجنون, يشهد سكانها عددا من الخراتيت تتجول في شوارع مدينتهم, تعطي انطباعا بأنها هاربة من حديقة حيوانات, لكن الحقيقة التي سنتعرف عليها لاحقا, أن سكان هذه المدينة أنفسهم كان قد نمت علي جباههم فجأة قرون طويلة, وتصلبت جلودهم واستحالت سحنة بشرتهم إلي لون أخضر داكن, ومسخوا جميعا, في الآخر, إلي قطيع من الخراتيت, صار يعبث في شوارع المدينة وبيوتها محيلا إياها إلي دمار.لكن, من بين جميع سكنة هذه المدينة, يصمد شخص واحد فقط اسمه بيرانجية, يبقي محتفظا بآدميته, لأنه لم يكن قادرا علي أن يتحول إلي خرتيت, ولأنه يرفض, في نفس الوقت, الانصياع لمذهب الامتثال للتقاليد وتبلـد المشاعر.[4]


       يبدأ العرض بموقف غير واقعى إلى حد الاستحالة ،وفيه يدور حوار بين (جان)و(بيرانجيه) ويبدو من الحوار أن (جان) غير راضى عن (بيرتنجيه) وأثناء الحوار تُسمع ضجة يُحدثها خرتيت ضخم مندفع للمكان قاتلاً قطة فى طريقه ، ويصاب الناس بالفزع وتدور أحاديثهم حوله دون أى رد فعل مضاد ، وعلى الرغم من استحالة الموقف إلا أن المؤلف يستمر فى تنسيقه وتطويره بما يزيد من استحالته ، وفى الجانب الأخر تجلس فتاه تبكى قطتها التى داسها الخرتيت فماتت ويشاركها أهل المدينه البكاء وتقام جنازة مهيبة للقطة وتدفن، ويستكمل (جان) و(بيرانجيه) حديثهما حتى يثور (بيرانجيه) ويعود لكأسه وينصرف (جان) غاضباً ، والبدايه عنيفة تصيب المشاهد بالصدمة المفاجئة وتتوالى الأحداث وذلك من داخل المكتب حيث يعمل (بيرانجيه) –الشخصية الرئيسية- ومعه عدد من الزملاء ، ونعرف من حديثهم أن خرتيتاً حطم سلالم المبنى ، ونكتشف كونه زوج لإحدى الموظفات بالمكاتب وتُدعى (السيدة بويف).

    ويتحول المشهد لحجرة (جان) وهو يشكو الحمى ويتحول شيئاً فشيئاً لخرتيت ويحاول صديقه (بيرانجيه) الهرب إلا أنه يكتشف أ، الخرتيت فى كل مكان ، ويستبد الفزع بـبيرانجيه وتتركه (ديزى )حبيبته وتعلن إنضمامها للخراتيت ، ويبقى (بيرانجيه) – رمز الإنسان فى مواجهه التدهور الإنسانى معلناً مقاومته لكل الخراتيت.[5]

    اعتبر الكاتب الروماني الأصل الفرنسي اللغة "يوجين يونسكو" مبدعًا عندما كتب مسرحيته "الخرتيت " عن مجتمع من  فاقدي الحس والذوق والعقل والشعور، تتحول فيه خِلَقُ البشر إلى ملامح خرتيتية.[6]
وتحرر فيها يونسكو من كل القيود فى تتابع الأحداث ، وقام بشحن العواطف المختلفة تجاه (بيرانجيه) ومن حوله شحناً مطرداً ليصل لنقطة الذروة وهى تحول كل من حوله إلى خراتيت – رمز كل ماهو فاسد- وفى النهاية التى يمكن أن تعتبر الحل وهو اتخاذ (بيرانجيه) القرار بمواجهه الخراتيت . وتمتاز الشخصيات بتطورها من خلال أفعال وقرارات تتخذها ، والإيقاع المسرحى يمتاز بالتدرج من البطء المنتظم ويزداد فى النمو حتى يصل لإيقاع جنونى.[7]

      يشير "يوجين اونسكو"  فى مسرحيته "الختيت" إلى النازية دون أن يذكرها بالإسم. وهو يرمز ليس فقط للنازية إنما إلى أية فكرة طارئة فاشية أو دكتاتورية أو أية حركة تسير بعكس اتجاه حركة الواقع والتي لن يوقفها عن النخر في المجتمع سوى الوعي . وقد استخدم يونسكو الخرتيت كمجاز شعري للوحشية المتأصلة في الكائن البشري, وأيضا بمثابة استعارة للتعبير عن لامعني الكون, إن الخرتيت يمثل معا, طغيان الاستبداد وبربريته, ولامعقولية الواقع الذي يستطيع أن ينتج مثل هذه المسوخ  .وقد وصف يونسكو مسرحيته هذه بأنها مسرحية مضادة للنازية, وقد قيل إنها تجسد مشاعره قبيل مغادرته رومانيا عام1938, حين أعلن الكثير من معارفه من المثقفين عن ولائهم واستسلامهم للحركة الفاشية والنازية قبل وبعد الحرب العالمية الثانية, إلا أن السبب الذي دفعه حقا لكتابتها, هو ببساطة, ليس نقداً مباشرا لرعب النازي, بقدر ما هو الكشف عن ذهنية أولئك الذين استسلموا لذلك النازي واستجابوا لأفكاره وقيمه, لذا فإن وباء الخرتتة إذا جاز لنا أن نستخدم هذا التعبير, يستغل هنا كنوع من الترميز المناسب للتعبير عن تلك الجمهرة التي أنتجها ظهور النازية والفاشية علي حد سواء.[8]


     ففى عرض "الخرتيت" للمخرجة آمى شامبرج Amy Shamburg ،واللذى أقيم عام 1999 م  ويميل للعبثية ، يبدو المكتب وقد عُلقت كراسيه ومكاتبه فى وضع غير طبيعى . ولقد تأثرت المخرجة بعبثية النص ولا معقوليته ، وعبرت عنها بهذا المشهد العجيب اللذى انقلبت فيه المعايير تماماً كإنقلاب المكاتب ، وشكلت هذه الكتل المعلقة والمائله فيما بينها العديد من المستويات المتقاطعة فى تكوينات أقرب للتكعيبية تتصارع وتتلاحم وكأن الهدف هو تحليل الكتل المختلفة وإعاده النظر لها من جديد بتجميعها مرة أخرى بشكل جديد فى المنظر المسرحى .أما الإضاءة فتتراوح بين الأبيض وتدريجات الرمادى الشاحب .
    
  كما نلحظ اختلاف طرز المقاعد والمناضد دلاله على محاولة المخرجة كسر مفهوم المكان والزمان ، فما يحدث فى العرض يحدث فى كل زمان ومكان . أما المشهد الثانى نلاحظ أن المخرجة حولت المكاتب إلى سرير فى مشهد حجرة (بيرانجيه) ، والأزياء عبارة عن خليط من الطرز المختلفة لتأكيد عالمية المعاناة التى يلاقيها الإنسان – (بيرانجيه) فى العرض- أمام الفساد بكل صوره وأشكاله.

     أما المخرج "إيمانويل ديمارسى  Emmanuel Demarcy " فقدم فى عام 2004 معالجة للعرض ، وأقام فيها  جسر فى حاله الإنهيار يعلوه مكتب ، وانهيار الجسر بسبب ما أحدثه الخرتيت من دمار للمكتب- رمز للعالم المتحضر – ودلاله على انهيار القيم من وجهه نظر مخرج العرض . وتزاحم الممثلون للهرب فى حاله من الفوضى وعدم الإتزان ومحاوله منهم فى مقاومة الإنهيار بصعوبة . والمنظر فى مجمله أقرب للإتجاه البنائى اللذى يركز على التركيبات المعقدة والكتل الموحية بالصدام والتصارع ، كما استخدم الإضاءة المركزة والشاحبة والتى تزيد من التوتر فى المشهد مع إظلام خشبة المسرح بحيث لا تظهر الحدود بين الخلفية والمنظر دلاله على اللامكان ، كما ألغى الإحساس بالزمن للتأكيد على عالمية الحدث فى أى زمان وأى مكان ، مؤكداً على ذلك الإحساس بالإزياء المتنوعة وغير محددة الطرز.

     أما المخرج "تيرى دونوفن سميث Terry Donovan Smith" فبدأ فى معالجته البصرية للعرض بظهور مقهى فى المشهد الأول ْ يدور فيه الحوار بين (جان ) و(بيرانجيه) وعدد من الشخصيات مثل المتفلسف بأقوال جوفاء (المنطقى) بالإضافة لرجل أنيق ، ثم نجد فتاه تبكى على مقتل قطتها بسبب الخرتيت. ولم يحدد المخرج زمان أو مكان للعرض وهو مايعد أحد سمات الإتجاه العبثى ، وإنما أحدث تغيراً بسيط فى إضاءه السيكلوراما دلاله على تغير الحدث دون تحديد زمنه ، أما المبانى فى الخلفية فقد ابتعدت عن تحديد طراز خاص بها لنفس السبب ، والإضاءة تتدرج فى خلفية المشهد باللون البرتقالى دلالة على  بدايه حدوث توتر وقلق من ذلك الخرتيت المجهول اللذى يقتل ويدمر ماحوله ، ولقد إلتزم المخرج إلى حد ما بطرز الأزياء الأوروبية الخاصة بمنتصف القرن العشرين .


     بالمشهد الثانى يظهر (بيرانجيه) فى حجرة المكتب مع زملاءه ثم نرى الموظفون عند اندفاعهم لرؤية الخرتيت من خلال بئر السلم (الفتحة بإرضية المسرح) اللذى أثار رعب زميلتهم السيدة"بويف" ودمر سلالم المبنى ، وفى المنظر التالى تتعرف السيدة بويف عليه بإعتباره زوجها اللذى تحول لخرتيت وتُلقى بنفسها إليه. والتصميم رمزى بسيط حيث ثُبت المكتب فى منتصف المشهد على إرتفاع عالِ –رمزاً لتحكم رئيس العمل (بابيون) فى موظفيه – واستخدم الإضاءه الزرقاء بكثافة تخيم على المشهد لتعطى الإحساس بقرب وقوع الكارثة . والإضاءة تُحدث تقاطعات ومستويات متداخلة من الأشكال والخيالات لإعطاء الاحساس بالتوتر والقلق من هجوم الخرتيت على المكتب. وتسرح الشخصيات المساعدة الموجودة فى المشهد فى الظلال فيما يمثل تأثراً بتقنيات الإتجاه التعبيرى.

      المشهد الثالث عبارة عن حجرة نوم (جان) واللذى يعانى فيه من الحمى ويبدأ فى التحول للخرتيت أثناء سماع الأصوات والحركات الغير إنسانية – تقنيه تعبيرية الإتجاه- وإلى جواره صديقه (بيرانجيه) ورغم واقعية المكان إلا أنه تخيم على المكان إضاءة برتقاليه لتوحى بالتغير والتحول الحادث فى شخصية (جان). وبالمشهد الاخير يتحدث (بيرانجيه) فى مونولوج داخلى ليخبرنا بكونه سيتصدى للخراتيت ، ويميل المشهد للاتجاه للاتجاه التعبيرى ، كما أظهر التصميم والإضاءة الصراع الباطنى فى نفس(بيرانجيه) –رمز الانسان السوى. والتصميم عبارة عن منظور من الحوائط المائلة والمسددة بقوة لأعلى ولداخل المشهد فى جوانبه للدلالة على احاطة الفساد والضغوط بالإنسان ،. وتتداخل الخلفية مع الحجرة  بدون حدود فاصة، ورُكزت الإضاءة على البطل دون إظلام لمنصة المسرح ، وتدرجت الإضاءة من مساحة لإخرى تعبيراً عن تنوع البشر وتدرجهم فى القرب أو البعد عن الفساد.

[1] -   يوجين يونسكو (1909 -  1994 ) ولد يونسكو في رومانيا لأب روماني وأم فرنسية وتنقل بحياته بين رومانيا وفرنساوهو مؤلف مسرحي روماني-فرنسي يعد من أبرز مسرحيي مسرح اللامعقول، بالإضافة إلى السخرية من عبثية أوضاع الحياة فإن مسرحيات يونسكو تصف وحدة الإنسان وانعدام الغاية في الوجود الإنساني ,   ومن اهم اعماله المغنية الصلعاء والخرتيت وماكبث وغيرها من الاعمال المسرحية.

تابع القراءة→

الخميس، أبريل 14، 2016

الجينات السينمية في الرؤى القصبية/ د. يوسف رشيد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 14, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


ينفتح الخطاب الفلسفي عند (صلاح القصب) على منظومة بصرية متشابكة الرؤى لشدة ما تضج به من محمولات علامية تتدفق أحيانا وتنفجر أحيانا أخرى  لتفضي إلى رواق ابستمولوجي ينم لك عن حس جمالي كلما توافرت على ذائقة فعالة المجسات وكلما توافرت على أفق تأويلي لهذا الحلم الإبداعي الأجمل. فسيناريوهات (القصب) صور وأحلام (سينمائية) ينضدها نساج رؤية جمالية , بخيوط هلامية وعالم جمال ظاهراتي عرف كيف يخترق اللامنطق بالحدس , وشاعر بصري يتأمل في بحر متلاطم من صور وفضاءات يكتنفها الغموض الذي يتأسس على رعب من الانفجارات الكونية في قوتها الجمالية حيث يرى القصب (إن أسلوبه الذي يتحرك في رأسه كالزئبق هو الجغرافيا اللانهائية القادرة على اكتساح كل شيء بقوة الموسيقى).
لذا فأن سيناريوهات القصب هي بوصلة فريدة تشير باتجاه متاهات التأمل عبر حوار راق وصور, عسيرةٍ على من يريد الإمساك بتفاصيلها المثيرة لمفاجئات  التأويل والتوقع التي تنطوي على درجة عالية من التفعيل للمخيلة.
أنها المتاهات التي بلا شك (تخترق الزمن لتشكل زمنها الخاص بها وتضيء بتجلياتها أعماق الروح)  ..
إنه وحده الذي يرى أسرابا من الشخصيات تحلق حينما يرسم قصيدته ففي كل منها حلم , ولكل منها حلم يشارك روح القصب إذ يراها كأشرعة في فضاءات لا نهاية لها.
من هنا صار التمثيل عنده حركة ولون وطقس في بودقة التجريب , تلك التي يعترف أحيانا بأن تشكلاتها لا يدري ما الذي ستفضي إليه ,لأنها في حالة تشكل دائم تحكمه الاستقبالات الطبيعية ولحظة التدفق الجمالي، فالتمثيل عند (القصب)  يرتبط بالزمن ، فهو حركة الكتلة واللون والظلال والضوء والممثل في حركته الداخلية التي تفسر ظاهرة الوجود الإنساني التي تدخل ضمن حركة الحضارة بكاملها.
فهو يتمتع بقدرة كبيرة على التراسل الكوني في فضاءات تتسع لكل اللحظات بامتلاك حقيقتين, إحداهما قادمة من الداخل, والأخرى قادمة من الخارج.
ففي سيناريو (مصحات الذاكرة) مثل تجدً “موتى وبحر ظلمات و بروفسور وغوص في محيطات الذاكرة وسقوط الدقائق في عينيه قبل إن تحمل نبأ موته”. وغيره من السيناريوهات في مغايرةٍ لمنطوق افتراضي تأويلي وشبكة من التكوينات والإشكال والأنسجة التركيبية الغامضة بقصدية أو بعفوية. إنه المهرجان الصوري المؤسس على مغايرة البناءات المنطقية – فالتوابيت الزجاجية المملوءة بالمياه وجوق من الموسيقيين العميان وجنرالات حرب مهزومين , نجدها وغيرها , في حقول من الانثيالات الدلالية , كأجساد عارية تقود دراجات نارية, وطقوس سحرة, ومهرجون, وجنيات جميلات في الجزر المسحورة، كلها أرواح يبثها القصب في سيناريوهاته عبر عملية تصيد لكل اللحظات الهاربة التي قد تبدو في مظهرها الخارجي عشوائية, إلا إن جوهر المكون الجمالي يرتب قصديات هذا التصيد ويجدوله كلما تمعن النظر في شخوصه التي لا تشخص نفسها وإنما يشخصنها وجودها في هيئة الحلم (القصدي).
ففي عوالم (القصب) مباحة كل الأسفار حيث خلخلة الثوابت ونسفها القصدي الذي يستحث على التأمل لفرضيات دائمة الحركة ومضامين جمالية لبحث دائم عن معنى المعنى في التشكلات.
إذا إن الصورة التي ينشدها (القصب) تعتمد شعر الفضاء ,الذي يصبح قادراً على خلق أنواع من الصور المادية التي تساوي صور الكلمات.
و من هنا يكون للايديولوجيا الجمالية (للقصب) حضوراً يستحث الآخرين أن يترسموا خطاه, رغم إن أكثرهم قد بقي في حدود خلق المجابهة مع المتلقي لتحريك آليات الوعي الذاتي , إلا إن هذه الصور تبقى قاصرة لدى متبعيه, لأنه (هو الذي رأى) بأن الصورة تعتمد الشعر الصعب المركب لذا فهي تستبدل شعر الحوار بشعر الفضاء. عبر استحضار (الروحية السرية) أو (الروح غير الظاهرة)، فالكلمة عنده (تموت بعد نطقها لكن الصورة هي التي تفسر أو توضح المنطوق السمعي لهذه الحوارات إلى لغة بصرية متحركة) وأن الشكل عنده هو:–لغة- نبض- روح مطلقة غير محددة, وأن العرض المسرحي لديه، كلمة تعادلها حركة في فضاء ملون مضاء بشبكة الإشارات والدلالات غير القصدية والقصدية معاً في حركة مستمرة. ومن الجدير بالذكر أنه استطاع أن يوضب الحالة البصرية لمتلقي عروضه, حيث اتسمت أعماله الأولى بإعطاء المشاهد فرصة أن يكون في حالة استرخاء وكان الذهن بعدها يركب , إلا أنه في (مراحل أخرى) صار التفاعل بين المشاهد والعرض مشتت جداً إذا بدأت عند عمليات صعبة كما هي المعادلات الجبرية واكتشاف مفردات وحروف أبجدية لغة منسية , لذا فإن المراحل الأخيرة صارت تستدعي من المشاهد تفعيل آليات التلقي بجهد غير اعتيادي للتواصل مع هذا التدفق المستمر لاشتغالات الخطاب البصري.
أخيرا لابد أن نقول إن النتاج الإبداعي لهذا المهذار الجمالي الذي لا يجيد البوح دائماً إلا بما هو أجمل هو إبداع  , يمكن لمن يتأمله عبر مسافة جمالية أن يجد (تعرضناته) أو تداخل عروضه في أسس نوجز بعضاً منها هنا.
* أولا :
– إن شخوصه هي ملتقى لهم جمعي للإنسان المقدس أينما كان في حضرة الثقافة البصرية التي تشيدها عروضه مثل – مثقف في محنة النظر إلى العالم- عازف متوحد- فيلسوف مستلب- محنة المتسلط راكب الدراجة البخارية- ساحرات. جموع المتسكعين والمجانين والعميان وغيرهم من الشخوص. التي اقتبس منها الكثير ليعيد تشكيلها من عرض لآخر, فيما يسمى باليات التناص (بالاستدعاء القصدي المتغاير).
* ثانيا ً:
– قصدية البحث عن المفردة الأكثر ادهاشاً والعمل على استثارة الطاقة الوظيفية لتلك المفردة –الآلات الموسيقية مقطعة الأوتار –عربات قمامة – سيارات – معاول – ومصابيح إضاءة- (قطع قماش وأشرطة سللويد فلمية وربما كومبيوترات مستقبلا).
* ثالثاً:
– وحدة غياب النص وتماهي المضمون الصريح في وحدة الشكل أو تنوعاته بالجنوح صوب التعبير بالضوء, ولسينوغرافيا العرض واشتغال اللون بوظيفة تعبيرية مفتوحة مجاورة , تجافي المألوف أحيانا في أنفتحها بالضوء والزي والشكل والسينوغرافيا والجو العام.
ذلك هو (صلاح القصب) أيدلوجيته في التحريض هي التحريض الجمالي واستثارة عوالم الجمال والتصدي لا بشع الأهوال التي تواجه البشرية في هذا الكون المتلاطم سلاحه ريشة رسام وروح نقية قل نظيرها.

تابع القراءة→

الأربعاء، أبريل 13، 2016

اكتشاف بقايا مسرح شكسبير بلندن

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, أبريل 13, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

اكتشف علماء آثار في العاصمة البريطانية لندن آثار مسرح عرضت عليه مسرحية "هنري الخامس" لوليام شكسبير للمرة الأولى أواخر القرن السادس عشر، بحسب ما أعلنت متحدثة باسم متحف لندن الأربعاء.
وعثر على آثار مسرح "كورتن" وهي عبارة عن جدران وباحة على عمق ثلاثة أمتار تحت الأرض في موقع ورشة بناء في حي شورديتش شرق لندن.
وافتتح مسرح "كورتن" سنة 1577 وكان تابعا لفرقة "لورد تشيمبرلينز من" التي عمل شكسبير معها في بداية مسيرته، وكان أيضا المسرح الرئيسي الذي عرضت عليه أعمال شكسبير من سنة 1597 حتى افتتاح مسرح "غلوب ثياتر" في لندن سنة 1599.
وقالت متحدثة باسم متحف لندن لوكالة فرانس برس إن "كورتن" في حال جيدة جدا وأفضل حالا من مسارح شكسبير الأخرى، ونظرا إلى أهمية هذا الاكتشاف، سيفعل المروجون العقاريون ما في وسعهم لإبقاء المسرح في مكانه.
وبعد انتقال فرقة "لورد شيمبرلينز من" إلى مسرح "غلوب ثياتر"، استمرت فرق أخرى في عرض أعمالها على مسرح "كورتن"، ومع أن النص المكتوب الأخير الذي يشير إلى وجود المسرح يعود إلى العام 1622، إلا أن المؤرخين يقدرون أنه بقي يستعمل طوال السنوات العشرين التالية.
وتعتزم شركة "بلاو يارد ديفيلبمنت" التي تملك الموقع إعادة تصميم مشروعها العقاري كي يكون المسرح في وسطه.
وقال متحدث باسم الشركة "كنا نعلم أن المسرح موجود في هذا الحي لكننا لم نكن نعرف موقعه بالتحديد".
وأضاف أن "نوعية الآثار مذهلة، ونتوق للعمل مع متحف لندن والمتخصصين في أعمال شكسبير على مشروع يتيح للعامة النفاذ إلى آثار المسرح

تابع القراءة→

الفنانة العراقية زهور علاء: طموحي الوصول الى الجمهور العربي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, أبريل 13, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

ليس الفن بالأمر اليسير، فالفن ساحة للاجتهاد والموهبة، قبل أن يكون من محرك الدراسة والتعليم، وهذا ما جعل الفن يكتسي رداء المهنة وكسب العيش، وصحيح أن الهواية عامل في ولوج الفن واقتحام ميدانه، بيد أن تطورها لا يكون إلا بالاستمرار والديناميكية، وهذا الأمر لا يتم أو يتحقق إلا من خلال المهنة والالتزام والحرص على الاختيار الموفق. 

والفنانة زهور علاء.. شقت طريقها الى عالم التمثيل بخطوات تمهيدية، تمثلت بتقديم الإعلانات والمشاركة في الكليبات الغنائية، إلا أن دخلت التمثيل عبر مسرحية (رحلة حمدان)، فكانت باكورة مشجعة للارتقاء الى الدراما عبر أعمال كثيرة وعلى سبيل المثال لا الحصر: الدهانة، طائر الجنوب، البنفسج الأحمر، رازقية، وادي السلام، حرائق الرماد، حفيظ، أنا والمجنون. 

لنبدأ من المعاناة.. فما هي المعاناة التي تواجهينها يا زهور؟
ترد قائلة: «الاجور مع الاسف جداً قليلة... ويعاني منها الكثيرون من الفنانين، والسبب هو ان المنتج لا يقيّم الفنان العراقي وعمله بشكل صحيح«.

وانا شخصياً أحصل على الاجر الذي اراه مناسباً لي، وعلى الفنانين ان يضعوا الاجر الذي يناسب اسمهم وقيمة عملهم، وبإمكانهم ان يرفضوا العمل اذا لم يمنح لهم الأجر المطلوب، والذي يتناسب مع أدائهم وجهدهم.

[ لقد سنحت لك الفرصة في أداء الكثير من الشخصيات.. ما الشخصية التي تتمنين تأديتها وتجسيدها؟ 
ـ كل الشخصيات اديتها، لكن احب ان اجسد شخصية المجنونة والخرساء، وهذه الادوار التي اتمنى ان تعرض عليّ.

[ وماذا عن تجربتك مع الدراما العربية؟ 

ـ شاركت بأعمال سورية، وكان من أهمها بالنسبة لي (سحابة صيف) للمخرج مروان بركات، وأكيد أن الفنان العراقي إجمالاً، يطمح في تقديم الأفضل، الذي يستطيع من خلاله تحقيق الانتشار واكتساب الشهرة، لذلك ينصب طموحي على الأداء المناسب، والذي يوصلني الى الجمهور العربي، وهذا ما أعمل لأجله.

وعن تجربتها في السينما، تقول: لديّ ثلاثة افلام، والحمد الله هي حصة جيدة في السينما، حيث شاركت في فلم بعنوان (احلام اليقظة) للمخرج صلاح كرم، الذي تدور احداثه عن التهجير بعد عام 2007، وكيفية التعرف على الاشخاص المهاجرين، وكل شخص يشرح كيف تم تهجيره، وهذا الفلم يمثل دعوة لكل المهاجرين كي يعودوا الى العراق، كما شاركت ايضاً في فلم بعنوان (حنين) للمخرج اكرم كامل، والعمل الثالث كان بعنوان (قسطرة).

[الى أي سبب ترجعين قلة العنصر النسوي في الدراما العراقية؟
ـ أعتقد أن ذلك بسبب الأوضاع الأمنية والعادات والتقاليد التي تحكم المجتمع العراقي.

[ لقد كانت لديك مشاركات عدة في ما يسمى بالمسرح التجاري، فما هو جديدك في هذا الجانب؟
ـ حاليا أنا متوقفة عن العمل في المسرح التجاري، لأنه أصبح يسيء، حيث وجدنا في الفترة الأخيرة، أن هناك مجموعة من الفتيات، بدأن بصعود خشبة المسرح دون مؤهلات، حيث أنهن لا يعرفن أبجديات التمثيل، وهذا الأمر بدأ يسيء جدا لهذا المسرح.

[ وفي الختام أسألها عن الانتقادات الموجهة للفنان العراقي، والتي تتعلق بمشاركته في أكثر من عمل، وفي آن واحد؟ 
ـ ما تقوله صحيح، ولكن ليس امامنا سوى ان نعمل لان اعمالنا لا تنفذ خلال السنة كلها، بل تكون محصورة في الايام التي تسبق شهر رمضان المبارك.

ومع ذلك اسعى بالتنسيق والتعاون مع العاملين في المسلسلات، من اجل تسهيل المهمة حتى يتم انجاز جميع الاعمال في اوقاتها، لكني اعترف انها مهمة صعبة جداً، وهي بمثابة تحدٍ أمام الفنان، وهو مجبر عليها وليس من خيار آخر.

--------------------------------------------
المصدر : عبدالزهرة الركابي- المستقبل 

تابع القراءة→

التجريب في المسرح الإسباني في مطلع القرن العشرين: بايي إنكلان وغارسيا لوركا ورافائيل ألبيرتي / إيزابيل نيجرينا "باحثة إسبانية "

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, أبريل 13, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

ثلاثة أعمال قد اخترتها كمثال معبّر عن التحريب في مسرح الأطفال الاسباني. وتعود الأعمال الثلاثة الى مطلع القرن العشرين، إلا أن كل منهم يرجع الى حقبة مختلفة تاريخياً وأدبياً: فالأولى هي مسرحية "رأس التنين" الهزلية للأطفال لكاتبها بايي إنكلان والذي يعد لدى كثير من النقاد، الكاتب المسرحي الاسباني الأكثر نبوغاً في القرن العشرين، وكذلك أحد الأعضاء الأكثر جدلاً في ما يطلق عليه "جيل 1898". أما العملان الابداعيان الآخران، فينتميان الى اثنين من أبرز شعراء وكتاب المسرح في الجيل التالي لذلك الجيل مباشرة، ألا وهو "جيل 1927"، والعملان هما "الطفلة التي تروي الحبق والأمير المسؤول" لغارسيا لوركا و"العصفورة المزركشة" لرافائيل ألبيرتي.

وسنتناول بإيجاز الاتجاه التجريبي في هذه الأعمال الدرامية التي أبدعتها لنا هذه الرموز التي كان لها تأثيرها الكبير على الأدب الاسباني نظراً لقدرتها التجديدية في اللغة الأدبية وفي نقد الأفكار السابقة. وسنتعرض لهذا الاتجاه على صعيد النص الدرامي، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا ليس سوى مستوى واحد من بين العديد من الأوجه التي يمتلئ بها عالم لغة المسرح الثري.

كما ساهمت هذه الأعمال ـ على الرغم من كونها مهملة نسبياً وسط الانتاج الابداعي لهؤلاء الكتّاب ـ في التطوّر الأولي لمسرح الأطفال ذي القيمة الأدبية العالية.

* * * 

الأدب المسرحي في مجال أدب الأطفال الاسباني:

يكتسب أدب الأطفال المسرحي أهمية خاصة وسط مجال أدب الأطفال الواسع. وتعود أصول هذا الاتجاه الأدبي الى أواخر القرن التاسع عشر، كما أنه يحظى حالياً باهتمام ملحوظ في كل أنحاء العالم كمجال ثري للابداع. ويرتبط أساس تطوره وتقدمه بالاحتياجات الجديدة للنظام الرأسمالي الباحث عن ثقافة فنية تجديدية متمثلة في توجيه الاهتمام الى الطفولة في النطاق الاجتماعي التربوي في المجتمعات البرجوازية، إضافة الى العديد من الأسباب الأخرى المتعلقة بمصالح السوق والمستهلك في الدول المتقدمة.

ويعتبر الأدب الروائي من قصص أو ألبومات هو النوع الأدبي الأكثر شيوعاً بين قوائم المؤلفين وبين الكميات الهائلة من كتب الأطفال التي يتم نشرها سنوياً والتي يبلغ عددها 6000 كتاب تقريباً وفقاً للاحصائيات الأخيرة. بينما يعد المسرح النوع الأدبي الأقل تناولاً إضافة الى الشعر الذي يمكننا أن نطلق عليه اسم "شقيقه المظلوم".

وعلى الرغم من كل شيء، فلقد أوضحت دراسة حديثة أن هناك كثيراً من الأعمال ذات كيان خاص مخصصة للأطفال متوفرة في سوق النشر ويبلغ عددها 489 قطعة درامية لـ209 كتاب، على الرغم من أنها تعاني من سوء توزيع. هذه الدراسة أجريت حول طبيعة أدب الأطفال الدرامي الاسباني باللغة القشتالية منذ بداياته وحتى الآن، بغض النظر عن الانتاج الأدبي الخاص بلغات رسمية أخرى يتم التحدث بها في شبه الجزيرة الاسبانية... (بوتينيا، مونيوث، يورينتي 2002).

ظهرت وسط هذه البانوراما الابداعية على مدار القرن العشرين كثير من الأعمال ما بين القيمة ومنعدمة القيمة الأدبية، وفي نفس الوقت خرج الى النور كثير من محاولات التجديد والتي دفعت إليها أهداف تقليدية (تيخيرينا 2000، 1998، 1993). ومما لا شك فيه أن الأعمال الدرامية الثلاثة التي نعرضها في هذه المناسبة كتطبيق لدراستنا تنتمي الى ذلك الجانب المضيء الباحث عن التجديد من أجل تحقيق المتعة للطفل كقارئ ومشاهد.

بايي إنكلان: مسرحية "رأس التنين"

الهزلية للأطفال (1910)

تم عرض مسرحية "رأس التنين" الهزلية للأطفال لكاتبها بايي إنكلان للمرة الأولى في مدريد في الخامس من مارس لعام 1910 في مسرح الأطفال الذي كان قد أسس قبل هذا الحدث ببضع شهور على يد أديبنا خاثينتو بينابيتي الحائز على جائزة نوبل للآداب.

وجدير بالذكر أن مسرح الأطفال الاسباني قد ظهرت أصوله متأخراً كما هي الحال في بقية دول العالم الغربي، فمنذ العصر الوسيط وحتى أواخر القرن التاسع عشر، لم يكن الأطفال يشكلون جمهوراً في حد ذاتهم، بل كانوا يحضرون عروض الكبار الخاصة بالاتجاه الديني والتعليمي للمسرح.

وكان لـ"مسرح الأطفال" الذي افتتح في مدريد في كانون الأول عام 1909 الفضل في ظهور الخطوات الأولى لوعي أدبي وأخلاقي جديد في مستهل القرن العشرين، حيث كانت هذه المرة الأولى التي يخصص فيها مسرح للمشاهدين من الأطفال. ولكن برغم انطلاق هذا المشروع بقوة، إلا أنه لم يلقَ الدعم التأسيسي أو الاستحسان المرجو من قبل الجمهور. حال هذا دون نمو المشروع الذي كان لا يمكن دعمه مادياً على الرغم من مثابرة بينابيتي ومهارة الفرقة التي كان يقودها الفنان فيرناندو بوريدون.

كان "رأس التنين" هو العمل الذي ساهم به بايي إنكلان في تلك المبادرة الجديدة المتمثلة في تخصيص مسرح للأطفال بدعم رسمي، والذي عرضت فيه أعمال لكتّاب آخرين في ذلك العصر إضافة الى ثلاثة أعمال للأطفال ألفها بينابيتي نفسه وكذلك مسرحية بايي إنكلان الهزلية. من هذه الأعمال نذكر "عصافير الشارع" للوبي مارتين والمستوحاة من إحدى قصص الأخوان جريم، و"الأخير على الفصل" لفيليبي ساسوني، وهي معالجة لجزء من رواية "قلب" إدموندو دي أميثيس، و"الدمية غير القابلة للكسر" وهي قطعة درامية للأطفال ألفها إدواردو ماركينا.

كان كل من افتتاح وعرض هذا العمل من قبل فرقة بوريدون على "مسرح الملهاة" الذي يحل في تلك المناسبة محل مسرح "الأمير ألفونسو" الذي اتخذه بينابيتي مقراً لمبادرته يعد بمثابة الأخيرة لمسرح الأطفال بعد أربعة أشهر فقط من افتتاح هذا المشروع المرجو. واليوم، وبعد قرابة قرن من هذا الابداع، يظل هذا العمل محتفظاً بقوته وتحقيقه للمتعة سواء من خلال القراءة أو العرض المسرحي.

وللأسف، لم يبدع لنا بايي إنكلان في مجال أدب الأطفال سوى هذا العمل البعيد تمام البعد عن مسرح الأطفال التقليدي الساذج والسطحي. فلقد نجح إنكلان في تقديم رواياته السابقة لعصرها مدرجاً فيها الخصائص المميزة للقصص الشعبي من خلال لغة متطورة، مع معالجتها من خلال جماليات تقنيته التجديدية التي أطلق عليها اسم (El Esperpento) أو (نوع الأمور غير المعقولة) والتي كان يهدف منها الى تقبيح واقع يراه مشوّهاً في حد ذاته.

ترتكز هذه الجمالية الحديثة على التشويه الساخر بغرض نقد المجتمع الاسباني في عصره نقداً لاذعاً، ذلك المجتمع الذي كان يعاني من أزمة شديدة بسبب ضياع المستوطنات الأخيرة المتبقية من امبراطوريته القديمة في ما يطلق عليه "كارثة 1898" وهو التاريخ الذي اقتبس منه رواد جيل 98 اسمهم.

ويرى خوان ثيربيرا في دراسته حول تاريخ النقد الوثائقي لمسرح الأطفال الاسباني أن هذا العمل لا يعد بأكمله مخصصاً للأطفال (ثيربيرا، 1982، 366). نعم، تتمتع مسرحية "رأس التنين" الهزلية بمستويين للقراءة، فهي تقدم للجمهور من الصغار والكبار الذين يصطحبونهم الى عروض مسرح الأطفال. وكان إنكلان بهذا العمل سابقاً لعصره، أما الآن، فكثير هم الأدباء الذين يتناولون موضوعات مسرح الأطفال، والتي تتجاوز ذلك الى إثارة اهتمام الأسرة بأكملها. ففي البداية، ينجذب الأطفال الى مغامرات الأمير بيرديمار في إنقاذ الطفولة من شرور التنين وفي الصراع من أجل حبه، حتى الوصول الى النهاية السعيدة.

سوف يستمتع المتفرّج بالشخصيات والمظاهر الساخرة والتهريجية وكذلك سيستوعب بعض الدعابات النقدية والكاريكاتيرية. أما بالنسبة للكبار ـ فعلى الرغم من أنهم سيحتاجون الي الاستعانة بالقاموس مرات عدة نظراً لعمق اللغة الأدبية واحتوائها على العديد من الكلمات المهجورة ـ إلا أنهم سيقدرون سمو القيمة التعبيرية في لغة بايي إنكلان العظيمة وبراعته في تشويه الطبائع الانسانية والمقولبة إضافة الى النقد الاجتماعي والسياسي مديناً بذلك مشكلات عصره ومقتحماً مجالات محظورة كالملكية والنبالة والجيش. ويستخدم بايي في هذا العمل المخصص للأطفال نفس الأساليب المتنوعة التي اتبعها في مسرحيته العالمية "أضواء بوهيميا" التي يظهر فيها بوفرة وجلاء (El Esperpento) أو (نوع الأمور غير المعقولة)، ذلك النوع الأدبي الذي ابتكره. هذه الأساليب هي: الدعابة الساخرة والسخرية الكاريكاتيرية والسخرية اللاذعة والتناقضات القوية وتشويه الواقع من خلال إضفاء خصائص الحيوان والجماد على الانسان (ألباريث نوبوا 1987، تيخيرينا، 2001).

ونستطيع من المثال الآتي، الذي يدين فيه المضايقات التي كان يتعرّض لها المهاجرون الاسبان في أميركا في مطلع القرن، ملاحظة قدرته البارعة على استخدام السخرية ونقد المجتمع.

"الكفيف: لم يوافقوا على ركوب كلبي. كانوا يريدونه أن يدفع تذكرة شخص.

المهرّج: بل الأشخاص هم الذين يجب أن يدفعوا ثمن تذاكر الكلاب، فهم يعاملون معاملتها على سفن المهاجرين هذه". (المشهد الأخير).

إنه لحوار قوي يمكن تطبيقه على العصر الحالي، إلا أن الضحايا في هذه الحالة هم هؤلاء المشردون الذين يعانون الجوع وضياع المستقبل في دول العالم الثالث وينظرون الى اسبانيا على أنها حدود الجنة غير المرئية. آلاف من الأشخاص يجتازون البحر ليلاً في قوارب صغيرة من موانئ افريقيا الى جزر الكاناريا... هذه هي الدراما اليومية للهجرة غير المشروعة.

ونلاحظ في "رأس التنين" تطور نظرية (El Esperpento) أو (نوع الأمور غير المعقولة) التي صاغها من خلال عملية طويلة، وهذا ما يفسره توفر العديد من خصائصه المميزة في هذا العمل. ولنذكر بعض الأمثلة لخصائص هذه النظرية الجديدة:

ـ التشويه النظامي المستمر للواقع

يلجأ إنكلان الى استخدام مرايا مقعرة ومحدبة تشوّه الصور باعتبارها الأداة المناسبة لعرض الواقع الاسباني بشكل كاريكاتيري يراه الكاتب الأكثر ملائمة من وجهة نظره النقدية، فيعرض كل ما هو ساخر وسخيف.

ومثال على هذا:

"نظر الملكان غاضبين الى بعضهما البعض. ثم وضع الملك مانجوثيان يده على السيف وثبت التاج على رأسه، وكذلك فعل الملك ميكوميكون، فصاح رجال الحاشية ثم أصابتهم حالة من الوجوم: الكؤوس في أيديهم وأفواههم مفتوحة". (الهامش الخامس المشهد الأخير).

التناقضات والاختصارات بشكل غير معقول:

يحتاج هذا التشويه الى عرض مواقف متناقضة أو متباينة قد تصل الى الهذيان.

ومثال على هذا:

الجيب الجميل المنسوج بخيط من الذهب المصنوع من صدرة ملساء عرق به سيدي الملك في ثلاثين معركة (الهامش التاسع، المشهد الأول).

طبيعة ما هو فوق العادة:

قد تدهشنا الحياة في كثير من الأحيان لأننا نعتبرها غير معقولة. أما إنكلان، فهو يسير على نهج تقديم الأشياء غير المعقولة وكأنها طبيعية.

ومثال على هذا:

تسلم الطفولة للتنين لما جرت عليه العادة منذ 2000 عام.

السخرية اللاذعة:

ليس استخدام السخرية الماكرة واللاذعة شديداً في هذا العمل كما الحال في أعمال أخرى له، إلا أننا سنقدم بعض الأمثلة لهذا:

المهرج: إن أكثر الأشياء صعوبة في إسبانيا هو أن تجد شخصاً مرحاً. ولكن فقط في المجلس، يمارسون بعض الألعاب البهلوانية.

الاتفاق التشخيصي:

يعد بايي إنكلان في تشويهه للواقع خالقاً لكون مادي يساوي فيه بين جميع شخوصه، محقّراً البشر ومقارنتهم بعالم الحيوان والجماد. ويستخدم إينكلان في نظرية (El Esperpento) أو (نوع الأمور غير المعقولة) أنواع التشخيص المتعددة التي تكسب الحيوانات صفات البشر إضافة الى إضفاء صفة الحركة على الأشياء الجامدة. كما يبدع إنكلان في وصف البشر بصفات الحيوانات وكذلك بصفات الأشياء الجامدة.

ويكثر إنكلان في هذا العمل من استخدام التشخيص ولكن مع الاحتفاظ بالأنواع الجمالية الأخرى أيضاً.

ومثال على هذا:

في التشخيص: تصرّف اللقالق يعلن عن معجبي ريكاردو واجنير (الهامش الثاني المشهد الأول).

في الحركة: الأمير بومبون: يبدو أنها قد جنّت (الكرة، المشهد الأول).

في الحيونة: المهرّج: وماذا عن المقعدين الذين يجرون كالسلاحف؟

التعامل مع الانسان كدمية:

ويكتمل التشويه السابق من خلال التعامل مع الانسان كدمية:

ومثال على هذا:

بعيونه المصنوعة من البورسلان وفوه الصبيانية وما تتمتع به من نسيم خلاب وجوف المانيكان. (الهامش الثاني، المشهد الرابع).

حرية التواصل والاتجاه النقدي:

يتشبع العمل بهدين المظهرين: حرية التعبير وتخطي كل الحدود في الحوار، الى جانب الابتكار؛ كل هذه الأشياء ثابتة في الحوار والهوامش. أما بالنسبة للاتجاه النقدي، فإن أهدافه من هذه السخرية كثيرة ويصيب بها مظاهر مختلفة للمجتمع في تلك الحقبة. فهو يستخدم النقد السياسي والاجتماعي... استهزاء مستمر بالملكية والمحكمة والبرلمان والحكومة والساسة... إلخ فضلاً عن إيماءات عن الفقر الذي يعاني منه الشعب والهجرة والعسكرية والبروتوكول والزواج... إلخ.

وعلى سبيل المثال:

الكفيف: إن الملوك لا يدفعون أبداً لمن يقومون بخدمتهم، ويكلفون حاشيتهم بهذه المهمة، والحاشية تكلف الخدم بها، وعندما تذهب الى الخدم كي تتسلم راتبك، يخرجون إليك رافعي أيديهم بالعصي.

فيديريكو غارسيا لوركا: "الطفلة التي تروي 

الحبق والأمير المسؤول" (1923)

حظي عالم مسرح العرائس باهتمام فائق لدى الطلائع الجمالية في النصف الأول من القرن العشرين. ولقد جذب هذا النوع الأدبي الرواد الإسبان في العشرينات والثلاثينات... تلك الحقبة التي كانت تتسم بالحركة والنشاط. كان الرواد يبحثون في هذا النوع الأدبي عن عالم فني شعبي صغير غير ملوث بالرجعية والرتابة التي سيطرت على المسرح البرجوازي. بايي إنكلان ومانويل دي فاييا وفيديريكو غارسيا لوركا ورافائيل ألبيرتي وسالبادور بارتولوسي وريباس شريف وخاثينتو جراو... كل هؤلاء الرواد سعوا الى التجديد من خلال مسرح العرائس. كما خاض الأديب فرانشيسكو بوراس الاسباني ـ محرّك الدمي بمسرح العرائس والذي تصدى بمسرحه الصغير بحديقة الريتيرو في مدريد للعوامل الخارجية حتى آخر قطرة في دمه ـ هذا المجال الابداعي حالياً وثائق صحفية وفوتوغرافية ذات قيمة عالية لهذا العصر.

والأمر ليس مقتصراً على الأدب الاسباني، فلقد استعان كثير من العارضين الذين يسعون الى التجديد الفني الأوروبي في القرن الماضي بتلك الدمى في عرض فنونهم المسرحية التجديدية. ومن هؤلاء نذكر: ألفريد جاري وجاستون باتي وبيكيت لونيسكو.

ويعتبر فيديريكو غارسيا لوركا أكثر رواد جيل 27 قرباً لقلوب الجماهير التي بكت كثيراً حادثة مقتله البشعة على يد الفاشيين في حربنا الأهلية "اللاأهلية". قدم لوركا للأطفال في يوم الملوك عام 1923 حفلاً لمسرح العرائس أقامه بعناية واحترام فائقين لجمهوره من الأطفال. فلقد استعان في اختيار الدمى والديكور برسام المناظر الشهير إرمينيخيلدو لانث. كما شكل الأوركسترا ـ التي قادها الموسيقار العالمي مانويل دي فاييا ـ من آلات الصنج والكمان والكلارينيت والعود. أما الابداع والاخراج، فقد كانا وظيفة فيديريكو نفسه. جدير بالذكر أيضاً أن لوركا قام بوضع الديكورات، إضافة الى تحريكه لشخصية الأمير في المسرحية، بينما كانت أخته كونتشا تلعب دور الطفلة البطلة إربني (إرنانديث، 1992، 33 ـ 52). كما اتخذ لوركا من بيت عائلته في غرناطة خشبة مسرح لعرض جميل ومؤثر جمع فيه بين ثلاثة أعمال قصيرة هي: مهزلة "الثرثاران" لثيربانتيس وأحد ترجمات "لغز الملوك السحرة" من القرن الثاني عشر، وأخيراً العرض لمسرحيته "الطفلة التي تروي الحبق والأمير المسؤول".

تتمثل المسرحية في قصة أندلسية قديمة مصوغة على شكل حوار ومعالجة لتقدم في مسرح العرائس. فيعبر لنا شاعرنا وكاتبنا المتألق مرة أخرى من خلال نبرته الشعبية ونداءاته للفلكلور الشعبي الطفولي عن الجاذبية الخاصة التي يشعر بها تجاه مسرح العرائس والأطفال، رفقاء للعب والسحر والفكر اللاعقلاني. ويرتبط الفن الشعبي الأندلسي لدى لوركا دائماً بإطار من السحر يضفي مفهوماً آخر على الواقع ـ كما هو الحال في هذا المثال الشهير: مع الفيتو فيتو فيتو، مع الفيتو فيتو يتحرّك ـ وكما يبحث لوركا دائماً عن "جني" الأطفال الذي يبتكر الأسئلة التي تبدو سخيفة، كما نرى في الحوار الآتي:

الأمير: قولي لي أيتها الفتاة التي تروي الحبق، كم عدد أوراق الشجيرة؟

فأجابتها الطفلة الطنانة بسؤال آخر ليست له إجابة؟

الطفلة: كم هو عدد نجوم السماء وعدد رمال البحر؟

يشكل هذا العمل، الذي ظل مهجوراً لعقود عدة ولم يُكتشف ويُدرس إلا على يد الأستاذ جوانثاليث ديل بايي عام 1982، جزءاً من مجموعة لوركا المخصصة لمسرح العرائس، فضلاً عن عملين آخرين غير مخصصين للأطفال ألا وهما: "عرائس الهراوة" و"خشبة مسرح عرائس دون كريستوبال".

رافائيل ألبيرتي: "العصفورة المزركشة" (1925)

تتسم مسرحية "العصفورة المزركشة" بالأصالة. وهي عمل غير معروف كتبها رافائيل ألبيرتي (1902 ـ 1999) لمسرح عرائس فيتوريو بروديكا الشهير ومسرح بيكولي التابع له. تتكون المسرحية من مقدمة وثلاثة فصول لم يكملها ألبيرتي إلا بعد عودته الى اسبانيا من منفاه الذي ظل فيه سنوات عدة. ولقد عرَّف ألبيرتي مسرحيته بأنها "مسرحية غنائية فكاهية يمكن الرقص على نغماتها". ويتكوّن الحوار فيها من أغانٍ وأنغام يرددها الأطفال في ألعابهم التقليدية. كما أن عنوان المسرحية ذاته مستوحى من أغنية شعبية اسبانية تقول: كانت العصفورة المزركشة جالسة على غصن الليمون الأخضر... هذا إضافة الى الأصول شعبية التي تنتمي إليها العديد من الشخصيات، حيث استوحاها من أعمال في عالم التواشيح الشعبية مثل: "العصفورة المزركشة" و"رقصة أنتون بيروليرو" وكذلك من أعمال أحد ضروب الشعر الشعبي الاسباني el romance مثل "الأرملة" و"كونت كابرا". أما من كتب الأمثال، فقد تأثر بـ"الخالة بيايا" و"السيد دييجو كونتربراس"... إلخ. ويضاف الى هذه الأعمال شخصية العرن الجذابة التي ابتكرها الشاعر وجعلها تقوم بدور مقدم العمل. ويصفه ألبيرتي في المسرحية، فيقول: "عرف الديك الكبير وبدلة من الأجراس الصغيرة".

ويبدو التجريب جلياً في هذا العمل المميز الذي خصصه ألبيرتي للأطفال في إعادة تحديد الأهداف الشعبية المرجوة واستغلال مختلف العناصر المرئية التي تظهر من الملابس والأدوات المستخدمة، وبصفة خاصة جداً القدرة على التعبير واستغلال القيم الصوتية والموسيقية في اللغة.

ومما لا شك فيه أن ألبيرتي في هذا العمل الهزلي... في هذا الهتاف الغامض الذي لا يجب فيه البحث عن أي مدلول، قد اخترع لغة ذات قيمة عالية خاصة في الايقاع ومحاكاة الأصوات والتي يستمتع بها الأطفال بشدة، وذلك كما يقول لوبيث تاميس (1985، 154) لأن الطفل الخالي من متطلبات البناء العقلاني الذي يفرض على الانسان البالغ يقترب من اللغة بحواسه المنتبهة وقدرته على التعجب التي لم يستخدمها بعد، فيسمع الطفل الكلمة وينجذب الى الايقاع وتلاعب النغمات قبل أن يفهمها. فيستمتع بكثرة الأسماء وتكرار الحماقات والتركيبات غير المألوفة للمقاطع واستخدام الألفاظ منعدمة المعنى. إنه الاستخدام البسيط والشيّق للغة... فليست هناك ضرورة لملاءمة الأحداث أو الكلمات لأن الطفل لا يزال غير مدرك لهذا. هذه هي حرية وسذاجة الأطفال التي يسعى كثير من الشعراء والفنانين الى استعادتها.

ولكن أكثر ما يثير الدهشة هو عودة الاستمتاع بالهذيان في الكلام وكثرة التحدث. وهكذا يعود ألبيرتي طفلاً مرة أخرى، فيستمتع بلعبة الأصوات الى درجة تفوق استمتاع الأطفال ذاتهم بها. (تيخيرينا، 1993، 123 ـ 127).

ويشرح العرن للجمهور غايته بأسلوب فصيح في مقدمة العمل فيقول: "بيو2 ـ بيو/ بيو ـ بيك، بيردو3 ـ لاري ـ لاري ـ ريو4/ ريو ـ ريك" ويستمر قائلاً "لادون5/ لانديرا/ ديرالون/ دينيرا/ نيديرلين/ نيديرليرا/ روندا6، روندالين، جاندول، فارو، فارالاي/ جيري، جيريجاي/ بول.

إنه الاستمتاع الفلسفي بالنطق متعدد الأطوار... التلاعب بالأصوات دون الاهتمام بالمعنى الدلالي. ونستطيع أن نقوم بتحليل بسيط للرمزية الصوتية في هذا العمل المسرحي، على سبيل المثال:

الضحكة: كيكيريكي/ بيردولاريلاريريو/ ريو ريك/ خيخيخي.

الكوليرا: تارو، تاتارو، تاري، بي/ تيتارو، يتبعه روك كيكيريكو.

(فاستخدامه لحروف الـt والـp والـr والتي تعتبر حروف انسدادية مكتومة أو حروف رنانة ذات تكرار عنيف يجذب الانتباه، فضلاً عن إنهاء المقاطع بحرف الـq وليس الـi الضعيف الحاد. هكذا عبر لنا كاتبنا عن محاكاة صوت الديك في الاسبانية).

أو الغموض الذي تثيره الحروف الأنفية في عمقها، على سبيل المثال:

"ليندو ديراندا دوراندو/ دورادورا بيروليندو".

تعكس الرمزية الصوتية واستخدام الكلمات في هذا التمرين المتعدد الأطوار حاسة السمع الرقيقة لدى الشاعر ولدى قربه من الطفولة. ولربما أراد المبدع هنا أن يعود الى القيمة الطبيعية للألفاظ بعيداً عن تحكمية اللغة، فهو يعتمد فقط على محاكاة الأصوات العاطفية والمعبّرة.

إنه تلاعب لا حصر له بالأصوات والموسيقى والألوان وسعادة الأطفال، كل ذلك يشبه لوحات رافائيل ألبيرتي ذاته؛ كثير من محاكاة الأصوات، كثير من الصياح والزغاريد والهذيان في هيئة أغنية.

ففي "العصفور المزركش"، يستمد ألبيرتي الطفل الذي يلعب في ميناء القديسة ماريا من مسابقات التلاعب الألفاظ مفاتيح لغة الأطفال ثم يقدمها في المسرح. فمتعة التكرار هذه لا يشعر بها الكبار، أما بالنسبة للطفل والشاعر، فهما يستمتعان بصعوبة النطق والجناس في تقاطع الأشكال الهندسية. فهناك مثل اسباني يقول: "الكلمة الجادة الطفولية تشبه الببغاء المصنوع من الورق".

ويكرر العرن صياحه عدة مرات على المسرح فيقول "كيكيريكي". قد نطلق على هذا مصطلح محاكاة الأصوات، برغم ظهور عبودية الثقافة أيضاً في جانب الرمزية اللغوية. ويشير ساوسور الى استمرار الاحتفاظ بالعلامات اللغوية حتى في تقليد الأصوات الطبيعية فيقول مثلاً: "يصبح الديك في المناطق المتحدثة بالاسبانية قائلاً كيكيريكي وفي ألمانيا يقول كيكيريكي، أما في أقفاص الدجاج في فرنسا، فتصيح الديوك قائلة كوكوريكو وفي انكلترا تقول كوكادودلدو".

--------------------------------------------------------------------------------
المصدر : قدّمت هذه المقاربة في الندوة الفكرية التي عقدت على هامش مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي الدورة الثامنة عشر 
تابع القراءة→

اختيار المسرحى غنام غنام شخصية مهرجان فيلادلفيا للمسرح الجامعى العربى

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, أبريل 13, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

اختار مهرجان فيلادلفيا للمسرح الجامعى العربى فى دورته الثانية عشر، المسرحى العربى الفنان غنام غنام ليكون شخصية المهرجان كنموذج للجامعيين فى المركز الثقافى الملكى بقاعة هانى صنوبر بعمان بالأردن. انطلق المهرجان أمس ويستمر لمدة أسبوع بمشاركة 10 جامعات عربية وكان الفنان غنام غنام قد ألقى كلمة فى الافتتاح قال فيها: لأنها مناسبة ذاتُ معنى خاص بالنسبة لى، فقد تلقيت تكريمات عديدةً فى حياتى المسرحية، وإن كنت أعتبر أن احتفاء الجمهور بأعمالى هو أرفع التكريمات، إلا أن تكريمى اليوم باعتبارى شخصية المهرجان، واحترامى وتقديرى لمن فكر من رشحنى وقرر هذا الاختيار، فى رحاب مؤسسة عريقة مثلِ جامعتكم، وبوجود أشخاص بمقامكم، وفى مهرجان كنت ممن آمن بأهميته ووقف معه وقدم فيه وفاز، إضافة إلى وقوفى أمام هذا الأفق الممتد قوسُه من النبتات اليانعة التى تنمو فى حديقة المسرح العربى.. فى ظلال سنديانات العمل الجامعى التى تأخذ على عاتقها رعاية هذه النباتات حتى يشتدَ عودُها يدفعنى إلى خطاب استله من محطات هامة فى تجربتى. وسرد بعدها الفنان غنام محطات من مسيرته الفنية المسرحية استمع لها الحضور بشغف ثم تم تكريمه أمام الحضور وانطلق بعدها المهرجان. 

------------------------------------
المصدر : جمال عبد الناصر - اليوم السابع 

تابع القراءة→

المسرحية الجيدة.. الممثل الجيد / د. فاضل خليل

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, أبريل 13, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

إن من الضروري أن نحصل على ممثلين جيدين، بدلا من الحصول على عرض مسرحي جيد». هكذا اختصر الفيلسوف الألماني [جوته] الطريق على المسرحيين الباحثين عن المجد السريع، في عرض ناجح قد يزول بعد حين. في حين طالبهم بأهمية ان يعملوا على خلق ممثل جيد يقصر لهم الطريق الى العروض الجيدة. فالفوضى التي كانت سائدة هي من دعت الى البحث عمن يعمل على توحيد الأجزاء وليس غير الممثل الجيد، الممتلك لادواته والقادر على امتلاك وسائل الانتاج وتنظيمها باتجاه العرض الجيد. تماما مثل المدرب الجيد لفريق كرة القدم يبحث عن المنتخب لناديه أو لمنتخب بلاده. فالفريق المنتخب والمتكون من جملة من اللاعبين المجربين، كفيل بخلق الانتصار، وليست الصدفة التي احيانا تخلق انتصارا سرعان ما ينسى.
والسؤال: من هو القادر على صنع الممثل الجيد؟ ـ دعوة (جوته) ـ . بالتأكيد لابد أن يكون شخصاً خارقاً بل وأكثر أهمية. انه في لغة المسرح [المخرج]، القادر على التفكير القادر على الادهاش، المتمكن من قيادة فريق العمل وتنظيمه بالشكل الذي يحقق النجاح في خلق الممثل الجيد، وبالتالي العرض الجيد. فكان لظهور {فن الإخراج} أوقل {المخرج}، كصيغه مستقلة كما نعرفها اليوم، والتي تبلورت في صورتها النهائية، في نهائيات القرن الثامن عشر في ألمانيا، في الفترة الواقعة ما بين الأعوام 1826-1914 ( دوقية ساكس مايننغتن ) على يد [الدوق جورج الثاني] الذي احب المسرح وقاد فرقته الناشئة، وقام معها بجولات في عموم ألمانيا, ليعرض معها أول مسرحية ضمن ما عرف بـ [مسرح المخرج] في الأول من أيار (مايو) 1847. تميز هذا المسرح ـ المايننغتن ـ بما يلي: 
1- الشدة بالتزام النظام, لذلك كانت فترة التمرينات فيه طويلة ودقيقة. 
2- امتازت الفرقة بعدم احتوائها على النجوم، لذلك كانت فيها كل الأدوار تعامل بنفس الاهمية وكذلك الفنانون. وهنا نعود الى دعوة [جوته] بخلق الممثل الجيد، لتكون فرقة العروض الجيدة. 
3- كانت المجامع بأهمية أدوار البطولة. 
4- الإضاءة، الملابس، الديكور، الماكياج، تخضع للتخطيط الدقيق. 
ويقال بأن (جوته) هو أول من استخدم مصطلح (المخرج)، ومن أفكاره قوله: « إن من الضروري أن نحصل على ممثلين جيدين ، بدلا من الحصول على عرض مسرحي جيد «، وهو دليل على مناداته بالاهتمام بالممثل في العرض للحصول على عروض مسرحية جيدة باستمرار. كما طالب بالدقة التاريخية في بقية عناصر العرض المسرحي الاخرى كالأزياء، كما وأكد على الاعتناء بالأجواء النفسية بواسطة الضوء. وهو الذي طالب الممثلين باتباع قواعد المحاكاة الارسطية. وفي ألمانيا كان هناك نوعان من المخرجين: 
1ـ الذين توجهوا تماما إلى عقل الممثل، وطالبوه بالتحليل التفصيلي والدقيق للدور. 
1ـ الذين وقفوا على قمة الوجدان الإبداعي للممثل، ورأوا بأن مهمة المخرج الأساسية تنحصر في إيقاظ الحس الإبداعي عند الممثل. 
ومنذ ذلك الوقت تركز عمل المخرج في أنه: المفكر، القائد، المنظم، للمجموعة المسرحية والمؤلف الأول للعرض المسرحي. الذي بدونه تصعب الحياة على المسرح. في ضوء هذا التعريف برزت أسماء مهمة وكبيرة في الإخراج المسرحي سنتناول أهمها من التي أثرت وكان لها دورها البارز في المسرح العالمي. 
اذن فان من أهم أسباب ظهور شخصية المخرج حديثاً كان لضرورة وجود [المفكر و القائد والمنظم] على رأس المجموعة المسرحية، وكذلك بسبب ظهور الفهم الحديث لمكونات عناصر الإنتاج المسرحي في عصرنا. فمن تجارب عصر النهضة وظهور المسرح المرسوم، ومن عقلانية طروحات المسرح في القرن الثامن عشر، وتبلور نظرية الحكمة في القرن التاسع عشر حيث ظهر (مسرح التشبيه) ومن ذاتية ونسبية القرن العشرين المتمثل بظهور المسرح التعبيري. كلها ساعدت في بلورة شخصية المخرج الساعي الى توحيد الجهود المسرحية. التي يصبح معها تعريف فن الإخراج: على أنه الفن الذي ينظم العناصر المكونة لتأسيس العرض المسرحي ابتغاء الوصول إلى التكامل الفني في المسرح. 
وهنا لابد من التذكير بمراحل هذا الفن تاريخيا: ففي اليونان القديمة (الإغريق) مثلا كان (المؤلف) هو من يتولى عملية التنسيق والإعداد والتهيئة والتفسير وغيرها « فالكاتب والشاعر في العصر الإغريقي لم يكن يعلم الرقص للراقصين المنفردين والرقصات الجماعية فحسب، ولكن كان يفسر موضوع الدراما وكان يتدخل في النواحي الفنية الأخرى كأماكن الوقوف وحركة المجموعة وإيقـاعـهـا» (1)،وتعتبـر (هيـليـن.ك.شيـنـوي) في تقديمها للكاتب (مخرجون في جلسات الإخراج) أن (أسخيلوس) من أبرع من قاموا بتجسيد نصوصهم على خشبة المسرح، والا فكيف نفسر ملاحظاته الدقيقة التي وردت في نصوصهِ ، وهي اقرب ما تكون إلى ملاحظات المخرج والمؤلف الموسيقي معا. وفي أحيان كثيره كان (قائد المجموعة) يقوم مقام المؤلف المسرحي. وقد اعتبر المؤرخ الشهير لتاريخ الإخراج المسرحي (أدولف فيندس) أن تنظيم فعل الجوقة وإعطاء السمات الخاصة لها عند تقديم ألعروض المنفذة بالرقص والحركة والتي يتولى مسؤولياتها رئيس الجوقة عمل من مهام المخرج لذلك أطلق على رئيس الجوقة تسمية(المخرج) الذي كانت من مهامه إضافة إلى قيادة الأوركسترا وتدريب الإلقاء والغناء أنه كان يقوم أيضا بتدريب الجوقة اليونانية لأن تتكلم بشكل منغم وتتحرك وتمثل ضمن إيقاع محدد . وفي رأي (فيندس) كذلك، فان رئيس الجوقة في التراجيديات اليونانية كان يحضر كل الأشياء اللازمة لتجهيز العرض المسرحي وكل ما كان ضروريا لأن يظهرعلى المسرح(2)، إلى جانب مجاميع القتال والمعارك مما أدى إلى ضرورة انفصال مهمة منظم العرض المسرحي(المخرج) - كما صار يطلق عليه فيما بعد- عن صلب المجموعة المسرحية. إذن من ضروب السذاجة الاعتقاد بعدم وجود من يدير تلك الفعاليات(العروض الدينية). بل على العكس فقد كان لها يقودها وينظمها ويفكر بشكل العرض ونوعه وطبيعته وما يتطلب ذلك من جهود لتقديمه. كما أن من ضروب المستحيل كذلك أن لا يكون لتلك المواكب الاحتفالية التي تتسم بارتداء الملابس التنكرية من اجل الدعاية للترويج لها من قبل منظميها . ومن المؤكد أن من ينظم كل تلك العمليات هو شخص خبير. إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الجانب النقدي في المسرح الروماني كان المسرح اكثر تعقيدا من حيث إجراءاته من المسرح الإغريقي> فقد كانت عروضه تتطلب من العاملين فيه تهيئة الكثير من المستلزمات من: ديكور، وملابس، والشعر المستعار الذي كانت تحمله تلك العروض للكثير من الظواهر والعادات والتقاليد البالية يتخللها الإثارة و طابع السخرية اللاذعة لتلك المواضيع. أما في فترة القرون الوسطى وما تاخمها من فترات في أوروبا، وعهد تيمور في إنكلترا، وعهد لويس الرابع عشر في فرنسا: كان الممثل الأول في الفرقة المسرحية هو من يقوم بمهمة التنظيم وتوجيه المجموعة.

هوامش
1ـ مجلة الحياة المسرحية، العدد9، صيف 1979، ص،56،55.
2ـ ف.تيريشكوفيتش، ترجمة:ريمون بطرس، مجلة (الحياة المسرحية)، العدد9، دمشق، صيف 1979، ص56.

تابع القراءة→

الثلاثاء، أبريل 12، 2016

قاسم محمد .. وعمق البساطة في مسرح الواقع : د. فاضل خليل

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أبريل 12, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية
الفنان المرحوم ىقاسم محمد 

حين يكون الفنان زاهدا متقشفا، قريب من التواضع والتصوف، ساعيا من غناه الدفين في الداخل وهو يحقق عرضا يظل محفورا في الذاكرة، بامكانات اكتمال الموهبة لأن وـ حسب كونفوسيوش" الرجل العظيم يحزنه عدم اكثراث الآخرين بموهبته ". فما بالك بواحد مثل قاسم محمد الذي حقق اكثر من تميز في المسرح وعلى المستويين المحلي وغير المحلي. له من الخصوصية والتفرد في التعامل ابتداءا من الممثلين وليس انتهاء بالمتفرج، وما يتركه ذلك ألأثر من الاختلاف والتوافق، وصولا الى التجسيد الذي تحققه بقية عناصر العرض فائقة الاهمية والتي لا تقل أهميتها مع تقشفها وفقرها عن العمل مع الممثل فلا يظهر غناها الا في تحقيق العرض الكبير القادم الينا من التفكير السليم في القاعدة الهامة القائلة في أن ( العمق في البساطة ). أن المغالاة في احترام العناصر بعيدا عن جهد التمثيل سيضعف الفعالية الديناميكية المحركة لكل مكونات العرض المسرحي. وفي مسرح قاسم محمد كل المكونات لها ذات الاهمية وذات الوزن والاهتمام التي يحملها الممثل. فالموسيقى لها أهمية الازياء، وأهمية اللون توازي اهمية الحركة، وهكذا في بقية المستلزمات التي تحقق الوحدة الفنية والاسلوبية المنسجمة في كل لا يتجزأ في حسابات العرض الواحد وصولا الى التكامل الفني في العرض المسرحي.
إن قاسم محمد يدعو إلى الاهتمام بالنص المحلي ولا يرى في تقديم النصوص الأجنبية الا تطويراً لذائقة المتفرج، علماً بأننا حين نبحث عن العمل الأجنبي في مسرح قاسم محمد – التي تربو على الستين عملاً – سوف لن نجد فيه سوى بضعة مسرحيات – وغالباً ما يكون قد ادخل عليها مشرطه، وعالجها اعدادا أو اقتباسا أو تناصا. كان يحترم الجهود التي يبذلها بها ويعتبرها مسؤولية كبيرة فيها احترام وامانة لجهد كاتبها. الا أنها ليست كالنصوص التي يكتبها هو والتي يقول عنها "إنني اسمعها وأراها جيداً، وأستخدم لتنفيذها كُل ما هو منجز، ما عدى الناحية التكنولوجية لأن مسرحنا في العراق يفتقر إلى هذا"(1). لأنها تتميز بالمكونات الفكرية المدعومة بالتقنيات التنفيذية غير الباذخة، ولكنها تتسم بالحيوي المؤثر و" المحرك لأكبر قدر ممكن من خلايا الدماغ، وتحويلها إلى خلايا نشطة مفكرة "(3) من خلال الاهتمام الكامل للديناميكي الدائر في الحياة، وفق واحدة من اهم الوصاياـ حسب أستاذه زافادسكي(*) ـ في: [ أن لا يمر من جانب الحياة بلا مبالاة، فلأصغر ما فيها أهمية ولأكبر ما فيها أهمية "، ويستمر في وصاياه : " كن مباليا وتفاعل مع الإنساني، وتذوق وتعايش مع المحلي". وهذا الذي جعله لا يتعامل مع كل مؤلف، ولا يتعامل مع نص لا يضيف له. دعى الى الابتعاد عن المسرحيات المكتوبة، وعمل على خلق السيناريوهات الخاصة بكل نص. جعل الممثل يصل إلى كل ذلك بالاعتماد على البساطة التي اعتمدها في التعامل مع المستلزمات المسرحية والاستخدامات البسيطة للأدوات المختزلة والضرورية جدا. التي تلغي كل ما ليس له ضرورة. انه يصل إلى الضروري من خلال تحفيز ذهن الممثل، وتفجير طاقاته، سعيا منه للوصول الى [فكر الشخصية] وسلوكها، واندماجها مع الجو العام. يستفزه دائما الناس الشعبيين، يحاول ويجتهد أن يأخذ منهم ويكتب لهم وعنهم، عن أثرهم الروحي، والعقلي، من مخزون مخيلتهم كان يستخرج الكثير ومن ذاكرتهم الوقادة يعدهم بالأكثر. كرس وقتا تستحقه الذخائر المخزونة في ذاكرة الناس الشعبين، جربها جميعا عن قرب ولم ينقلها له وسيط، عايشها بصدق فحملت له الفرح والمرارة، ولسان حاله يفصح عن دواخله التي تقول: " أنا مسكون بهؤلاء الناس، هم هاجسي الأول والأخير"(3). وفعلا تفنن في تنويعاته وتأرجح لاعبا ماهرا بين كل الأنواع والأصناف المسرحية. وسلسلة هامة من العروض التي قاربتها في الهم وحاكتها أو تراوحت في الإبداع، لكنها ابتعدت عنها شكلا ومضمونا فكانت إبداعا من نوع آخر، وهو امتياز في مسرح قاسم محمد حين يحاكي الواقع حد [الوجع]. لقد قارب بين الأمس واليوم في الأحداث وقارب بين القوانين الجمعية والشخصيات والأفكار والفلسفة، قدم الأمس بمحلية اليوم وخطابه، كما العيارين ببغداد حين ثاروا" عند اجتماع العساكر بها، وفتكوا في البلد، ونهبوا الأموال ظاهرا وكثر الشر[.....] فثار عليه أهل المحال الغربية، فقاتلهم، واحرق الشارع، فاحترق فيه خلق كثير"(4). وكأنه [ درد ] حاكاه قبل ما يزيد على الثلاثين عاما. حين تناول العيارين وثورتهم على السلاجقة التي قصها [ ابن الأثير ]، وكيف أن فقراء بغداد تعاطفوا مع العيارين فقاتلوا معهم.
إن أعمال قاسم محمد تنوعت بين الحكاية والحدوته والقصيدة، واستخدم الكولاج حين اختار اشعارا بتوليف ذكي " لقصائد متعددة ولشعراء فلسطينيين وغير فلسطينين خلق منها موقفا دراميا عالي النبرة استطاع المشاهد أن يخرج بين رواية الشاعر للموقف ورؤية المتفرج السياسية للقضية فكانت المسرحية تقدم هذين الموقفين عبرتنامي المواقف والشخوص والاحداث في الواقع والتصوير"(5). أو قضايا الناس ضحايا القمع الأمريكي كما في مسرحية [ إنها أمريكا ] وحين راهن على الكم الهائل من الموروثات القريبة من المسرح فقدم [ مقامات الحريري]. هذا التنوع بين التجميع والتوليف والتأليف ألغى ما ساد من اعتقاد بشحة النص المسرحي وغيابه. هو من أطلق على هذا النوع من الكتابة بـ [الحالة المسرحية] وأخضعها لقوانينه وقال عنها: " إن عدم خضوع هذه الحالة المسرحية – نصاً وعرضاً – للأساليب التقليدية لا يعني أنها لا تخضع كلها أو بعض منها لقانون ما، إن الشيء الأكيد هو إن هذه الحالة المسرحية تخضع لقوانينها الخاصة"(6). هو يلخص كل ما تقدم من حالات مسرحية ونسبها إلى مصادرها، ومصادرها حسب قاسم محمد:" الواقع، الحلم، طيف المنام، الناس، الكتاب، اللوحة، الشعر، التأريخ، الأسطورة، سماعي للغة أجنبية لا أعرفها ولا أفهمها ، ومحاولتي الخيالية في ترجمتها (...) أضف إلى ّذلك الأدب .. والرواية بشكل خاص"(7).
الهوامش:
1) قاسم محمد: لقاء، المختبرية والتجريب أقصر الطرق لمعالجة أزمات المسرح، مجلة الطليعة العربية، العدد179، 13/10/1986، ص46.
2) ياسين النصير: ثلاث نماذج من الإخراج المسرحي المحلي، مجلة السينما والمسرح،
*) يوري زافادسكي: واحد من أهم الفنانين المسرحين الروس ، مخرج ومربي وباحث مهم، وهو واحد من طلاب ستانسلافسكي.
3) ج. مايكل والتون: المفهوم الاغريقي للمسرح، اصدارات المجلس الاعلى للثقافة، القاهرة 1998، ص72.
4) قاسم محمد: لقاء، رحلة الكتابة والتمثيل والإخراج، مجلة حراس الوطن، بغداد – 1/11/1986، ص 46.
5) ابن الاثير: الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت – 1966.
6) عزيز عبد الصاحب: لاترسم عصفورا ناقصا، يوميات مسرحية، مجلة الأقلام، العدد9، السنة 15، بغداد – حزيران 1980، ص 46.
7) ياسين النصير: بقعة ضوء بقعة ظل، دار الشؤون الثقافية، بغداد – 1988، ص146.


تابع القراءة→

نورية.. بين ال ظلمة والضوء / عقيل مهدي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أبريل 12, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

تأليف وإخراج: ليلى محمد
تمثيل: هناء محمد

تجبهنا نافذة في الاعالي ، للمرأة الام ، التي تلهج بحوار من نحيب ، وحشرجات ، وبؤس ، وثمة في الأسفل خمسة انصاب لقبور ، تتلون بين زرقة الحياة ، وحمرة الموت ، وفي الأسفل مستطيل مغطى بالبياض تنزرع فيه وعلى جنباته ما يوحي بانه دكة للموتى ، يغتسلون فيها للمرة الأخيرة وهم يودعون الحياة ، على خلفية موسيقى مضطربة ، مقلقة ، يسدل كفن ابيض ، معادل موضوعي لثنائية الموت مع العباءة السوداء ، التي ترهن الحياة بالعتمة بشكل متعامد من فوق حيث يسكن القدر ممن يرشحهم الملاك القابض على مصائر البشر هؤلاء في قوائم متسلسلة ، بيد القتلة .
المرأة التي يغادرها زوجها الى الغربة تخاف على وليدها من الاعيب الزمان الغادر فلاتدري كيف تتصرف وهي ترى الموت مجسما بابعاد ثلاثة ! تراه شاخصا ، تحاوره وتتخاصم معه ، تارة تخرجه من الباب اليمين ليدخل اليها من الباب الشمال ، تطرده حينا ، ويمحقها ، ويذلها ، ويستعبدها في احايين أخرى كثيرة ، تلاحقه ويلاحقها من أعلى الدكة المريعة التي تتوسط خشبة المسرح ، الى المستوى الأسفل ، تتكوم لائذه في حماه ، او تنسحب متقهقرة ، تجرجر اقدام خيبتها ، واذيال المهانة بعمر بات يتدحرج باتجاه هوة القبر الفاغر اشداقه بصلافة باردة ، محايدة ، تجاه عذابات امثالها من البشر الفانين وما كابدوه من مشقة .مونودراما هذه المرأة المسماة (نورية) تمثيل (هناء محمد) ، التي افتقفت في أدائها ، تداعيات المؤلفة ، والمخرجة (ليلى محمد) لترسم لنا صورة الغربة والتوحد لمرأة مهمشة ، تدخل عالم المقابر ، لعل الموت يمهلها رخصة الضيافة في بيته ، ويترك لها فرصة حياتية من بضعة امتار زمنية ، ثم يطولها كديدنة ليقذفها في عالم الموت السرمدي ، ويقطعها من سرة الحياة حركت المخرجة ، عوالم العرض ، بتناقضات حدية مستقطبة ، اذا تظهر مجموعة تعبيرية ، ترقص مبتهجة بزواج هذه السيدة ، حين شبابها وبعد مرور برهة زمنية ، يدب الموت في مفاصل هذه الطريقة السالكة بين برزخ الفرح ، وبرزخ الحزن ، بين خفة الحياة وثقل موازين الموت .. ولات حين مفر ! من هذا الكابوس ، الذي تشتق منه المرأة كل مفرداتها حزنا واستلابها ومسيرتها الجنائزية .في أطراف وسط المسرح ، تظهر شاشة قماش ابيض ثلاثية في كل جهة ، تقوم بها ظلال ثلاث شخصيات رجالية من هذا الجانب ونسائية من الجانب الاخر وهم يتراقصون بهلع ، وانطفاء واشتعال تبعا لتخاطف الأضواء عليهم ، ليدعموا من (تداعيات ) الممثلة ، وهي تستذكر محطات حياتها ، وتقوم بسردها ، في محاولة لمعادلة غياب الآخر المادي فوق الخشبة باقتناص خياله ، او شبحه او ظله لتشعرنا بالصراع الدرامي (المفترض  (ذلك لان بنية (المونودراما) لا تقوى على تأسيس موضوعي للشخصيات والاحداث ، وتنامي الصراع المحتدم بين هذه الأطراف والعناصر في اطر زمانية ومكانية ملموسة ، ومتضافرة بوحدتها أليس من المفارقة بمكان ، ان تتحدى امرأة بروحها الغنائية الساحرة ، شرور سدنة الموت بأحابيلهم النثرية الخشنة ، وغلظة عقولهم الاجرامية ، وتبجحهم باغتصاب البراءة ، وخنق الطفولة ، وحرق اجنحة الفراشات واحالة ألوان الحياة ، الزاهية الى رماد وعتمة .
تدرك المرأة العراقية ربما اكثر من قرينها الرجل ، وذلك السلك الدموي الذي يختص بأكثر من قناع لتمويه تسلله للغدر والبطش.قد تكون لغريزة الامومة ، وحفظ الحياة ، وروح الانثى المصطبغة بالعطر والالق ، قد يكون لها اثراً واضحاً في ترسيم خارطة الحياة ، بوجه خاطفيها من سدنة الموت ، الذين لاهم لديهم سوى تغييب حضور المرأة ، والافتئات على كرامتها وتشويه مشروعها وتسفيهه ، والتعامل معها وكأنها كائن مختلف ، قد وفر - على حين غرة – الى الأرض من مجرات مجهولة برزت في العرض قدرة المخرجة في تسيير حركة الممثلة ورسم (ميزانسينات) لها . تعبر عن فحوى المنظور البصري ، الذي أجاد تشكيله السينوغرافي (عصام جواد) باطار متوازن تحركت على رقصته العمودية ، والافقية ، البطلة ، وهي تسرد علينا عذاباتها مع الرجل الاب ، وحرصها على الرجل الابن ، وصراعها مع ملاك الموت بصيغة المخاطب الذكوري ، البادي القسوة والعنت ، والموغل بإرهاب حاضر المرآة ومستقبلها ، بمثل ما تركته الذاكرة في روحها من مكابدات وحسرات وكدمات .
حملت (هناء محمد) ما عبأ مواقف ، وحوارات ، لوحدها اذ لم يشاطرها ممثل (شريك) على تقسيم الكلام ، وبادرت هي (لافتراض) هذا الشريك الاخر ، بتصوير سحنته ، وهيأته ، وصوته وايقاع  سلوكه وتلفظه ، وفترات صمته وصراخه ، وتقمص شخصيته .
ولولا حركة المجموعة بحركتها التعبيرية الشابة الديناميكية التي خففت قليلا من ثقل الدور التي أدته (هناء محمد) مكان الحال ثقلا عليها ، وربما شعرت المخرجة (ليلى محمد) ان الخروج على بنية العرض المونودرامي ، من خلال هذه المشاهد التعبيرية ، المضافة ، على المتن والشكل ، الأوحد للممثلة ، ولا من ينتقص (وحدة أداء) الممثلة ، التي استعانت بـ( ريبتوار) – ان صحت التسمية – لأدوارها النسوية التي قامت بأدائها الممثلة (هناء محمد) في رحلتها الفنية السابقة في المسرح او التلفزيون او السينما ..
ومن النادر ان تقنع ممثلة هذا الجمهور المسرحي المتنوع ، والمختلف ، بأذواقه وخبراته وتفضيلاته ، لكن الدعم والاسناد من كادر التأليف الموسيقي للفنان المبدع (سليم سالم)واضاءة (عباس قاسم) وزملاءه ، وتقنيات (عماد صفوك) وماكياج (ستار جبار) كذلك ولايمكن تجاوز الخطة الناعمة للدراماتورج (رشيد) التي ضبطت اتجاهات العرض وتماسكه هذه كلها مجتمعة حققت رضا مقبولا في هذا النمط من العروض الذي تحفه المخاطر لانه مركب صعب ، جازفت المخرجة (ليلى محمد) والممثلة (هناء محمد) في ركوبه ، بقدرات فنية محسوسة ، وفي الغالب مؤثرة عند المتلقي .
يعتبر العرض في جوهره عرضا نسويا بامتياز ، فالدور يخص امرأة اسمها (نورية) وقامت بادائه الممثلة (هناء محمد) اما تأليف النص ، وإخراج العرض فهي (ليلى محمد).. وهما يستحقان الإشادة ، بهذا التوق المسرحي والاصدار على تقديم (موضوعة) مازالت تحرضنا جميعا للتأكيد عليها ، وهي قضية المرأة .. الام حين توجه العنت والجبروت والموت من قبل (الاخر) من خلال (لغة المسرح) الواحدة من بين (لغاته) المتعددة .. حتى ان نفذ ملك الموت الى ازهاق حياتها ، لتقف متلفعة بالكفن ، وهي تقاومه لاخر دمعة تذرفها وجلة على كينونة وليدها الوحيد .. ليحظى بحياة كريمة تليق بالإنسان.


------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 
تابع القراءة→

اتجاهات الـ "ما بعد" وعلاقتها بالتجريب في المسرح المعاصر / د. محمد حسين حبيب

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أبريل 12, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

" ستكون هناك مسارح بديلة بعدد الشعر الذي في رأسي " .. هكذا افترض الباحث التشيلي اندريث جونثاليت وهو يجتهد في بحثه عن مسرح بديل او مولد مسرح اخر جديد , فتوصل مباشرة الى نتيجة مفادها تكمن في ان مصير المسرح البديل هو استمرارية كونه بديلا , فالمسرح البديل بحسب جونثاليت يعني " الطاقة الكهربائية : متغير و مستمر , يشعل و يضاء و يطفأ " .
كما نجتهد كثيرا في بحثنا المسرحي عن الجديد والوافد والمعاصر شكلا ومضمونا لدرجة التغاضي والتجاهل احيانا كثيرة عن مرجعية اومفهوم هذا الجديد الذي تحول اليوم الى (موضة) نقدية مسرحية , فراح خطابنا المسرحي المعاصر لاهثا وراء الموضة متغافلا ومتجاهلا الاصل والمفهوم المصطلحي والمنهجي الذي ينبغي الاستناد اليه على وفق الدراية والخبرة المعرفية الموسوعية التي ينبغي ان يتحلى بها الناقد والباحث المسرحي . ان البديل الذي يعتمد الاستمرارية كما قدمنا , يرتبط مباشرة بمفهوم التجريب المسرحي والتجريبية ( Experimental ) التي انطلقت عام 1896م مع اول عرض لمسرحية الفريد جاري ( اوبو ملكا ) لانها عدت كسرا واضحا عن كل ما هو سائد ومألوف في المسرح حينها , وبحسب صبري حافظ فان التجريبية تتحدد في المسرح "بفكرة التمرد على المؤسسة المسرحية السائدة والسيطرة على واقع المسرح في واقع ثقافي ما , وبالنزوع الى الخروج على التقاليد الفنية المألوفة والرغبة في ارتياد افاق بكر واستكشاف عوالم مجهولة وبالتوق الى ضخ دماء جديدة , و رؤى جديدة في عروق الحركة المسرحية كلما عراها الشحوب او سيطرت عليها الروح التجارية." ويؤكد حافظ على عدم خضوع التجريب لمفهومات محددة لان التجريب المسرحي ينفي التحديد وينفتح على اللانهائي لانه في النهاية يبدأ من رؤى وتوجهات فردانية . اننا اذا اتفقنا اصطلاحيا واكاديميا على وضع تعريف جامع مانع للتجريب , ذلك يعني نهاية التجريب وموت المسرح وابتكاراته الخلاقة .. ويبدي عبد الفتاح قلعجي نصيحته بالقول : " اذا كنت مخلصا للتجريب في المسرح فعليك ان تؤمن انه ليس هنالك مسرح تجريبي لانه في الوقت الذي تنظم فيه هذا المسرح قواعد وشروط وانظمة فانه لا يعود تجريبيا ." في السنوات الاخيرة من عمر الثقافة المسرحية العربية على صعيدي خطاب النقد والعرض سادت ( موضة ) من المصطلحات التي ارتبطت بالمابعد او المابعديات المسرحية مثل ( ما بعد الدراما , ما بعد الحداثة , ما بعد الكولونيالية ) وغيرها من المابعديات التي جاورت الانساق البنيوية والنقدية المحايثة للثقافة المسرحية , مثلما هي شاعت قبلا في حقول الفلسفة والفن والادب بشكل ابرز وارصن معرفيا واكاديميا فضلا عن مصنفاتها وخواص كل مصنف مفرز بشكل خاص لا لبس فيه ولا ربكة .. الا انها مع الخطاب المسرحي نجد فيها ارتباكا مفاهيميا متأرجحا ميالا الى ركب الموضة حسب , لا الى منهجة هذه (الما بعديات) وفرزها اصطلاحيا ونقديا , اذ هيمن على هذه الاتجاهات (الما بعدية) تداخلا واشتباكا وتشابها مفاهيميا فيما بينها اولا ومع ( التجريب المسرحي ) ثانيا , برغم محاولات الفرز وتبيان الخصائص المرتبطة لكل (ما بعد ) , الا انها في النهاية وجدناها تصب في مفهوم (التجريب المسرحي) , و ما هذا الكم من المسميات المابعدية الا مسايرة للموضة الشائعة في الطروحات الاجنبية والمصطلحات الوافدة وعجالة التاثر بها استعراضيا حسب دون غور المعنى ومعنى المعنى فيها . ولقد بين سعد الله ونوس بقوله عن الجديد " في اوروبا محاولة لانقاذ المسرح الذي يموت او هو محاولة الخروج من الباب المسدود الذي يواجه الثقافة البرجوازية , اما بالنسبة لنا فان التجريب يعني البحث عن مسرح او خلق مسرح اصيل وفاعل في المناخ الاجتماعي والسياسي الراهن . " دراسات مسرحية عديدة حاولت الخوض في تحليل خطاب العرض المسرحي العربي واضفاء ملامح هذه (الما بعد يات ) : ما بعد الحداثة ومابعد الدرامي و مابعد الكولونيالية , دون المرور حتى بالتجريب ومفهومه الواضح , بمعنى ان هذا الكم من الدراسات البحثية والنقدية المسرحية التي سايرت موضة المصطلح الوافد تجاهلت واغفلت ان جميع الملامح التي اظهرتها والسمات التي من المفترض ترتبط حصرا بمسياتها الاصطلاحية , الا انها ظلت ملامح وسمات تجريبية قبل ان تكون ما بعد حداثية او ما بعد درامية او ما بعد كولونيالية .. لقد انفرزت ملامح وسمات هذه المابعديات وغيرها في مجال الفلسفة والنقدالادبي والشعر والرواية واللوحة التشكيلية والنصب النحتية والمعمارية والسينما والرقص بشكل واضح لا اختلاف عليه , الا انها مع خطاب المسرح - بزعمنا - اصبحت ظاهرة ملتبسة على الكثير من الباحثين والنقاد والاكاديميين المسرحيين . مع شيوع مصطلح ما بعد الحداثة اظهر تيري ايغلتون كتابه (اوهام مابعد الحداثة) الذي بين فيه "الروح اللعوب الشعبوية لما بعد الحداثة، وتقليدها الشكل السلعي للسوق، والمجتمع القائم على قصة الاعتماد المصرفي الملفقة وإطلاقها العنان لقوة المحلي ومجانسته كونياً في آن، كذلك إقلاقها ليقينات الأوتوقراطي، وارتيابها حيال القانون وإيمانها بالأسلوب واللذة، وعمرانها بالوصفات الأخلاقية الكونية، مقابل شجبها الكونية كأثر تنويري، ونكرانها إمكانية وصف العالم كما تفعل اللاواقعية الأبستمولوجية." .. وبحسب بوجينا سافيسكا البولندية ان (مسرح ما بعد الحداثة) يرتبط " في معظم الأحوال بظواهر تظهر بعد سنوات الستينيات من القرن العشرين، ظواهر مثل “العبث ـ absurd” و”الوجدية - egzystencgonalizm وغيرها”، فضلاً عن تلك التي ترتبط بالظواهر والصيغ “اللا/مسرحية ـ Parateatralne”، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر: “الهابيننج-ـ Happening”، والبيرفورمانس ـ ”Performance، و”المسرح الراقص”... وهذه الاتجاهات نؤكد انها منضوية ومشتبكة مع التجريب المسرحي ايضا . وكذا الحال مع (ما بعد الدراما او الدرامية) الذي حاول هانز تيز ليمان بيان خصائصه وسماته الاسلوبية منذ اواخر ستينات القرن الماضي بانه : " المسرح الذي لا يركز على الدراما نفسها لكنه يركز على تطور الجماليات الادائية التي تخلق علاقة خاصة بين النص الدرامي وموقف الاداء المادي وخشبة المسرح .. واختفاء الحبكة فيه .. واستجابته الى التقنيات الجديدة فضلا على تركيزه على التفاعل بين الممثلين والجمهور و الى التحول التاريخي من الثقافة التي تستند الى النص الى عصر الميديا الجديدة من الصوت والصورة وهذه الاخيرة من اهم سياقات ما بعد الدرامية . " فاذا ما تمعنا بكل سمة من هذه السمات نجدها منسجمة مع مفهوم التجريب المسرحي تماما . ولقد طرح مسرح ما بعد الكولونيالية قضايا سياسية عديدة ومهمة تتمثل بالسلطة والثقافة الشعبية وللهوية والتراث وتحديد العلاقات الاجتماعية بإسلوب مسرحي على مستوى النص والعرض .وينطبق مفهوم ما بعد الكولونيالية على الحالة التي نتجت مع الاستعمار وتراث أو آثار الاستعمار ذاته , سواء تلك النزعة نحو المزيد من التحرر المادي أو تلك الصورة القائمة للاضطهاد المتواصل في بعض الدول , وعلى غرار الحركات النسوية تستهدف المابعد كولونيالية إعطاء الصوت للجماعة المضطهدة فعلى اثر ذلك جاءت تجربة المخرج البرازيلي اوغستو بوالوه التنظيرية والتطبيقية لمسرح (المقهورين) كنتاج لوعي ما بعد الكولونيالية , عمد للافادة من المنتج الفكري حول رسم ملامح جديدة لمسرح ثوري مسرح تجريبي يخرج عن معادلة الممثل والمتفرج كما يقدمها النموذج الغربي الذي يعمل برأي (بوالوه) على الحد من حافز التغيير الاجتماعي عن الممثل والجمهور على السواء فهو يطهرهم من رغبة التغيير وليس من المشاعر السلبية على حد ما اروده (اثير السادة) في معرض حديثه عن مسرح (اوغستو بوالوه) , والاخير هو مخرج مسرحي تجريبي من الطراز الاول . والحال نفسه مع مخرجين اخرين صنفهم الكثيرون - واهمون- في خانة المابعديات الثلاثة الا انهم مخرجون تجريبيون من الطراز الاول ايضا امثال : ( ريشارد شيشنر , و ريتشارد فورمان , و جوزيف شاينا , و بيتر سالارز , و لي ستراسبرج , و بيتر بروك , و روبرت ولسون , و ييجي ججيجوفسكي , و انجي فايدا , و كاجيمييج دايميك , و ليشيك مونجيك ,و اناتولي ايفروس , وتشايكين , واريانا منوشكين , و هاينر موللر ) وغيرهم من مجايليهم اليوم ومستقبلا . 
ختاما , نصل الى ان المسارح البديلة التي ستظهر مستقبلا وهي بعدد شعرات رأس الباحث التشيلي اندريث جونثاليت كلها ستبقى مسارح تجريبية بلا منازع , ومهما حاولت الموجات والموضات المستقبلية ايجاد مسميات او ما بعديات جديدة ستظهر لنا .. فمان ان ظهرت (الافتراضية) حتى كتب فيليب ريجو كتابه ( ما بعد الافتراضية استكشاف اجتماعي للثقافة المعلوماتية ) , وبدلا من ان يعنون كتابه بـ ( ما بعد النقد ) عنون ( رونان ماكدونالد) كتابه الجديد ( موت الناقد ) معلنا عن حفلة العشاء الاخير للنقد والنقاد الذين يزدروهم الجميع .. والا لماذا لم نر يوما نصبا يقام لناقد على مر العصور ؟

---------------------------------------------
المصدر : ميدل ايست أونلاين 
تابع القراءة→

الاثنين، أبريل 11، 2016

عرض مسرحي نادر لهاملت في أفغانستان

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, أبريل 11, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

وسط صخب طائرات الهليكوبتر المحلقة قرب مقر حلف شمال الأطلسي القريب أوصل الممثل البريطاني نعيم حياة هاملت وصراعه لجمهور مرتعش في كابول.

ونعيم ضمن طاقم عمل أشهر مسرحيات وليام شكسبير التي تعرضها شركة (بريتينز جلوب ثيتر) وتسافر بها لبلدان عديدة حول العالم من رواندا إلى أنتيجوا وحتى ليتوانيا في إطار جولة عالمية لمدة سنتين تهدف لزيارة كل بلدان العالم.

ورغم هذه المواقع الغريبة المحيطة بالمسرح قال السفير البريطاني دومينيك جيريمي إن العمل الذي اُرتجل على خشبة مسرح أقيمت على ملعب تنس السفارة البريطانية في كابول ليلة الأحد كان “أحد أكثر المواقع غير الاعتيادية لتمثيل هاملت”.

ولا تبدو قصة أمير الدنمرك الحزين الغارق في رحلة من الشك والثأر لمقتل والده غير ذات صلة بالبلد الذي أخذ حظه من الاغتيالات والخيانة خلال 30 عاما من الحرب.

ومن الممكن أن يشكل الشعر الخماسي التفعيلة المنظوم منذ 400 عام فضلا عن التقاليد المسرحية الخاصة بدراما شكسبير حائلا حتى أمام الجمهور في البلاد الناطقة باللغة الإنجليزية.

وأضاف عبد القادر فروخ هو ممثل أفغاني معروف”شكسبير لم يكن شخصا عاديا عندما كنت شابا درست شكسبير في المسرح الأفغاني لديه تراث عريق وأنا فخور بأن أقول بأني أديت دور عطيل لشكسبير.”

وسبق العرض المسرحي لهاملت يوم الأحد -والذي كان قرب موقع هجوم صاروخي في الليلة السابقة- تعليمات بشأن ما يجب فعله في حالة حدوث طارئ أمني.

قوبل العرض بترحيب حار من الجمهور الذي كان خليطا من الدبلوماسيين وكبار الشخصيات والطلبة الأفغان.

------------------------
المصدر : كابول - رويترز

تابع القراءة→

الأحد، أبريل 10، 2016

مسرحية "وطن للبيـــع" في مهرجان حقي الشبلي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

ستشارك مسرحية "وطن للبيـــع" في مهرجان حقي الشبلي   بدورته (28) "دورة باسم العزاوي" الذي يقيمه معهد الفنون الجميلة - الكرخ الدراسة الصباحية للمدة من 12- 15 نيسان الحالي والمسرحية من  تأليف واخراج عكاب حمدي  وتمثيل عبد الحكيم عبود ومعاذ عكاب , والموسيقى للفنان وسام صالح .
والمخرج عكاب حمدي قدم في العام الماضي مسرحية ( الوحش ) تأليف الفنان طلال هادي على مسرح الرافدين وادى ادوارها نورة طلال هادي ومعاذ عكاب وحسن عيسى واحمد محمد ضمن المهرجان الاول ضد الارهاب الذي اقامته دائرة السينما والمسرح. وللمخرج مشاركة وحضور فاعل ,في عديد المهرجانات التي أقيمت في بغداد والمحافظات ,خلال السنوات الاخيرة , كمهرجان أيام مسرحية ,الذي أقامه المركز العراقي للمسرح , بالتعاون مع وزارة الثقافة في أيلول 2013 ,ضمن فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية  .
وفي هذا المهرجان قدم  مسرحية (تداعيات) التي جسد أدوارها الفنانون الشباب :سيف عد الرحمن ومحمد الوادي وحسن عيسى ,جنبا الى جنب مع مسرحيات أخرى من محافظات العراق  ,التي كرس المركز مهرجانه لمسرحها ,للمرة الاولى على مدى عقود طويلة, و كان  العرض اضافة متميزة ورائعة , واثار جدلا كبيرا في المهرجان ,وفي الجلسة النقدية التي أدارها الدكتور ميمون الخالدي, وقد عقب على العرض الناقد عباس لطيف , الذي اثنى على العرض المسرحي , وعلى معده ومخرجه.
وفي مهرجان ربيع المسرح العراقي الذي أقامته نقابة الفنانين في الديوانية ,بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح ,قدم  مسرحية (ذلك المدعو جحا)إخراج عكاب حمدي ومن تأليف  طلال هادي والمشارك في تمثيلها , ليحصد جائزة أفضل ممثل في المهرجان ,وكانت أيضا من  وتمثيل الفنانين:عبد الحكيم عبود، محمد وادي، سيف عبد الرحمن ، علي حمدي، بلال محمد، علي الصغير، حسن عيسى.
 وقدم كذلك مسرحية (العرش) ,التي أعدها وأخرجها عن مسرحية بالاسم ذاته, للكاتب الراحل محيي الدين زنكنة ,وتمثيل الفنانين : طلال هادي وحكيم عبود وخلف هويدي ,وتمثل حكاية لها بعد تاريخي ومعاصر, متخذة الطابع الكوميدي وسيلة للتقديم ,ومن اسلوب المسرح السياسي وسيلة , لتقترب أكثر من هموم الناس عامة , وجمهور بغداد خاصة , بكل ما ينطوي عليه هذا الجمهور , من معرفة ودراية باللعبة المسرحية . وعرضت المسرحية على قاعة المسرح الوطني .

--------------------
متابعة :  محسن النصار 
تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9