أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الخميس، أبريل 28، 2016

المبررات التاريخية لغياب الفعل المسرحي من الأدب العربي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


من الأكيد أن ما نصطلح عليـه في وقتنـا الراهن بـ « الفن المسرحي» لم يكـن قبل قرن من الزمـن، فنا من فنون الآداب التقليدية التي عرفها العرب في تاريخهم القديم والحديث، إذ بقي مجـال المسرح ـ معلقا ـ في الحياة الفكرية العربية لقرون طويلـة بدعوى أن هـذا الفـــــن «المركب »  لا يتفق وعبقريـة العرب الفنية (1).
فالفن المسرحي، بموصفاتـه، وشروطه المتعارف عليهـا لم يفتح في اللغة العربية وآدابها إلا في مصر الحاضر، حيث ولدت «التمثيلية» ووجـدت «التراجيديا» وأنشأت «المسرحية الشعرية» وأصبح في الحيـاة العربية حركـة أدبية مميزة، تسمى «المسرح»  تتسع رقعـة العمل فيهـا يوما بعد آخـر، حتى أمست هذه الرقعـة قاسما مشتركا بين المذاهب والتيارات والمـدارس، شأنها في ذلك شأن رقعـة الشعر، والقصة، والرواية، وفن التشكيل والموسيقى.
وعلى الرغم من أن دراسي الأدب العربي يعتبرون  سنة 1848 بداية لتاريخ المسرح العربي، وهي السنـة التي كون فيهـا مارون النقاش فرقتـه التمثيلية في بيروت، فإن الحديث عن نشأة المسرح العربي، والعوامل التي أثرت فـي  تطوره وأسباب غيابـه كل هذا ما زال من الأمور التي تثير النقاش بين الباحثين العرب والأوربيين والمستشرقين.
فما هـي إذن وجهات نظر الباحثيـن في غياب الفعـل المسرحي عن الآداب العربية؟ وكيف عالج الباحثون العرب هـذا الموضوع الهـام؟.
1 ـ تؤكـد الباحثة السوفياتية تـ أ. بوتينيوفـا في تساؤلاتهـا وآرائها حلو نشـأة المســــرح العربـــــي (2) ، أن الثقافـة العربية وعلومهـا إمتد إلى ما يزيـد على ألفي عام، وأن هـذه الثقافـة كانت قد غزت أوربا عن طريـق الشعر في أدوارهـا الأولى، إذا أعطى الشعر العربي أمثلـة حية لشعراء أوربا، وإستلهم الكثير من أدبائهـا شيئا لا يستهان به من تلك الملاحـم الشعـرية... والتي ظهـرت آثارهـا جلية في الثقـافة  الأوربية. 
كما أن الموسيقى العربيـة في تلك الفتـرة قد تحددت ملامحها وخطوطهـا وأصولها الثابتة، غير أن أحد مجالات الثقافة العربية قد ظل مجهولا، وبشكل ملفت الإنتباه، هذا المجال هو المسرح. فمن المعلوم ـ تقول الباحثة السوفياتية ـ أن العلوم العربية في عصرهـا الذهبي قد فاقت بأشواط عديدة العلـوم الأوربية، لقـد قـدم العربي في تلك الفترة على الخصوص  إنتاجاتهــم في الرياضيات والفلك والفيزياء والطب، والتي كانـت الغذاء، والمصـدر الرئيسي لعلمـاء أوربا حتى القرن السادس عشر.
وفي الوقت الذي لـم يقترب فيه عصـر إزدهـار الحضارة الأوربية كانت الثقافـة العربية الراقيـة قد أعطت نتاجـات كتابها ورياضييهـا، وفلكييهـا، وفلاسفتها ومؤرخيها وأطبائها، وجغرافييهـا وشعرائها.
وتعتبر مؤلفات الفلاسفـة والمؤرخين العرب ـ المغربي إبن خلدون، وإبن رشـد ـ قاعدة أساسية في دراسة تطور المجتمعات، إضافـة إلى علوم اللغة والتراث الشعري والمدونـات التاريخية التي ساهمت في بناء صـرح الحضارة الإنسانيـة.
والآن يطرح السؤال التالي: هل من الممكن في ظـل هذه القرون الثقافية، وتلك القاعـدة التاريخية أن يكون المسرح العربي غير موجـود أساسا ولو بأبسـط صوره وعناصره؟.
إن تاريخ الثقافـة العربية يضعنـا أمام لغز محير، ترى لمـاذا حاول الفلاسفـة والعلماء العرب الذيـن أبدعوا وأضافوا إلى صـرح البشرية الكثير، وأكملوا ما بدأه سابقوهـم من اليونـانيين القدماء في بعض الحقول أن يعزلوا أو يتناسوا بصورة غريبة  نتاجـات أسخيل، سوفوكل، إفريبيرا؟ ومـا السبب الذي دفـع بهم لنسيان وتناسي الأجزاء المتعلقـة بالفن المسرحي أثناء ترجمـة نتاجات أرسطو طاليـس والتي إستند عليهـا كل المسرح الأوربي؟.
2 ـ الباحث المسرحي التونسي محمد عزيـزة، يجيبنا على هذه التساؤلات جميعا من خلال جمعه المحكم لكل التغيرات العربيـة والأجنبية في هـذا الموضوع (3)ليقول أن غياب المسرح في الأدب العربي، ووجـوده في الآداب الأخرى التي عاصرته كالأدب اليوناني حيث ولد المسرح، يعـود بالأساس إلى أن إرادة المسلم هـي جزء من إرادة الله ، لذلك لا يمكـن أن  تواجههـا كما هي حال أبطال المسـرح اليونانـي في مواجهتهم للآلهة، ثم إن الإنتمـاء المطلق من الإنسان المسلم إلى مجموعته? ومفهوم التاريخ الدرامـي عنده لا يمنعان وجـود هـذا الصراع على مستوييه الثنائيين، أي أن الفردية مصدر كل صراع داخلي تبدو مستحيلـة لديه، وبالتالي فإن الصراعات النفسيـة والفرديـة تتجـه نحو الذوبان في بوثقـة التصرفات الجماعية.
ويؤكـد محمد عزيزة أن هـذا الصراع يمكن أن يظهـر في أشكال أربعة:
 ـ الأول:  الصراع الذي يمكن أن نسميـه عموديا، أي الصراع بين الإنسان والحكم الإلهي، ويأتي بمسرحية «برميتوس المقيـد» مثلا لذلك.
ـ الثاني: الصراع الذي يمكـن أن نسميه أفقيـا وهو الذي يجعل الإنسان يصطدم بنظـام المجتمع الذي يعيش فيه ويكون في هـذه الحالة في نزاع المجموعة البشرية التي يعيش وسطهـا، ويأتي الدكتور عزيزة مثالا لهـذا النوع من الصراع بمسرحيـة «أنتيجون».
ـ الثالث: الصراع الذي يمكـن أن نسميه متحركـا، حيث يتصادم الإنسان مـع التاريخ وضد القضاء والقدر، وخير مثال لهذه الحالـة مسرحية « الفرس».
ـ الرابـع: الصراع الذي يجعل الإنسان في صراع مع نفسه، وهـو الصراع الذي يفجـر الخلف المسرحي ومثاله «أوديب».
ويخلص الدكتور محمد عزيزة إلى أن ولادة ونشـوء فن الدرامـا لا يمكن أن يتواجـد لدى أمـة ما إلا في حالة وجود مجموعة من المتناقضات في داخل المجتمع والتي تدفـع بالتالي إلى ظهور فن مسرحي متطور.                                                                  
أمـا هـذه التناقضات والتي يتطلبها ظهـور فن المسرح فترتبط بالصراعات الأربعة الآنفـة الذكر ـ ويعتقد جازمـا ـ أن ظهور مثل هـذه التناقضات والصراعات دفعـة واحدة غير وارد في المجتمعات الإسلامية وبضمنها المجتمع العربي.
ويؤكد محمد عزيزة، أن مثل هـذا التعارض بين المسرح والديـن، لم يكن ظاهرة تميز بها الإسلام فحسب، إنما الديانات التي تقول بإلاه واحـد والتي أقامت حـدا بينها وبين الفعـل المسرحي، إلا أن طبيعـة الديانـة المسيحية التي فصلت بين الأمورالدينية والدنيويـة في المدينـة المسيحية قد خففت من سيطـرة الدين كظاهـرة إجتماعيـة على المسرح.
3 ـ في هـذا الموضوع بالذات، وضع الباحث الدكتور الحجاجي كتابه الهام «العرب وفن المسرح» (4) إذ يؤكـد في فصوله أنه إذا كان المسرح في العهد الجاهلي ـ العربي ـ لم يجـد الأرضية الملائمـة لنموه، فلأن المجتمع العربي في ذلك الوقت لم يكـن في حاجة إليه، لقد تكامـل الشعر العربي الغنائي في العصر الجاهلي، وظهرت القصـة في أخرياته، ولم تنبعـث الملحمة أو المسرح  في ذلك العصر لأن الحاجـة إليهما لم تكن قـد وجدت.
أما عندمـا ظهر الإسلام، فإن الديـن الجديد قـدم تصورا كامـلا للوجود والكون، وجـدد العـلاقات بين الناس بضعهم البعض، وبين علاقتهـم بإلـه واحد، وكان الإسلام عقلانيـا إنسانيا تخطـى بالعرب مرحلـة القوميـة إلى العالميـة وتخطى بدائيـة التفكير الديني إلى الإرتفاع به إلى مستوى العقـل البشري المتحضـر، ولم يكـن تأثير الإسلام مقتصرا على العرب، بل تعداه إلى العالـم أجمـع، وهو لم يحو فكـر العرب فقط، وإنمـا تعداه إلى إحتواء أقوم ما في الفكـر البشري في منطقـة الشرق الأوسط، وكـان واقعيـا في نظرته للإنسان والوجود والكـون، وكانت هـذه النظرة الواقعية ووضوحهـا من أهم العوامـل التي أوقفت النمو الشعائري، وكانت شعائـره في معظمهـا شعائر فردية بين الفـرد وربه، وكان الأداء الجماعي للشعيـرة لا يمثل سيطـرة كهان، وإنما يمثـل عمليـة تجميـع إجتماعي للبشر لترتفـع به العلاقـات بينهم إلى الأخوة المتعاونة.
وهكـذا نجـد أن التحديد الإسلامي لشعيـرة كان من العوامـل الهامـة في عـدم نمو شعيـرة أسطوريـة ينمو المسرح من خلالهـا، وكذلك كانت تصفية الإسلام للإنسان مـن العناصـر البطوليـة الخارقـة للعادة، مانعـا كبيرا واجـه خلق الأسطورة.
ولئـن كانت الأسطورة لم تظهـر في العصور الإسلاميـة فإن الملحمة لم تظهر كذلك، لأن الحاجـة إليهـا لم تكن قـد وجدت، فالبطولـة كانت حية معاشـة ولم تكـن حلمـا يحلم به العربي، وكـان الفارس سيد مجتمعه، وكـان العقـل العربي يقظـا يسجـل البطولـة ولا يبعدهـا عن الواقع، وعدم وجود الملحمة ـ في رأي الباحث ـ يحسب للإسلام، ولا يحسب ضده، وإذا كانت الملحمـة لم توجد، فأثرهـا في خلق المسرح لم يوجـد أيضا في هـذه الفترة.
4 ـ وهناك آراء أخرى شائعـة في تفسير تأخـر ظهور المسرح بالعالم العربي تعتمـد في تحليلها وتأكيدها على أسلوب الحياة لدى العـرب آنذاك، إذ يذكـر هؤلاء أن الفن المسرحـي يتطلب مشاهديـن حضوريين? يعيشون بصورة دائمـة في المدن ويتسمـون بدرجـة من الفهم والواعي للفن المسرحي، ويتمسـك بهذا الرأي الفنان المصري زكي طليعـات، وهو يؤكـد أن حياة العرب التي كانـوا يعيشونها في الماضي، والتي تتطلب الرحيل من مكان إلى آخر ، والــذي يحول دون  وجـود كثافـة سكانية تؤدي بالضـرورة إلى تأكيد وتطور المسرح.
                                                   * * *
وهكذا نـرى من خلال هـذه الآراء أن العديد مـن الباحثيـن يعزون تأخـر ظهور المسرح عند العرب إلى تأثيـر الإسلام وبعض المؤرخيـن الأوربيين والمستشرقيـن يذهبون إلى أبعد من ذلـك أن الإسلام قد منـع عمل ما يشابه الإشكال البشري وأن الممثل والرسـام أو كـل من يحاول عمل ما جـاز لله وحده، سوف يلقـى أشد العذاب يوم الحساب لتجـاوزه حدود الله،غير أن من الملاحـظ أن مثل هـذه الأحكام لم تؤخـذ من القرآن، وليس هناك أي نص محدد بذلك.
فالملاحـظ أن وجـود الأديان، وتأثيرهـا على المجتمعات يتفاعل ويتواجـد في كل زمان ومكان، ولدى جميع الأمم بدون إستثناء ومنذ القدم، ومن الصعوبـة القول أن تلك الأديان وقفت حائلا أمـام ظهور الفنون وتطور الآداب (5).من هنـا يتضح أن محمد عزيزة في نظريتـه السالفة الذكر، لم يضع المقومـات الصحيحة في تحليل لطليعـة المسرح العربي، وذلك بإعتماده على العوامـل الدينية علما أن تلك الأديان تمد جذورهـا وتترك بصماتها في ثقافـات لكل الشعـوب والأمم وهو يعـزل بالتالي رغبـة الشعب بتطويـر ثقافته في فـن الظهور والعرض ويرفـض تأثيرهـا بذلك على المسرح نفسه وتطوره (6).
إن حـل مجمل الألغاز حـول الفن المسرحي يجب أن ينطلق من النظرة الشمولية للثقافـة العربية، وأن لا يعـزل هـذا الفن المتطور عن المنظور العام عنـد تحليل تلك الثقافـة. 
                                                   * * *
إنطلاقـا من هذه الفكـرة تجدنـا مع الدكتور الحجاجـي مع رأيه الذي يقول: أن إنعدام فن ما في أمـة من الأمم لا يعني قصورا في هـذه الأمة? بقدر ما يعني أن هذه الأمة  ليست في حاجـة إلى هـذا الفن، فالفن حاجـة، ولم يوجـد فن من الفنون في مجتمع من المجتمعـات إلا كان ذلك نابعـا من حاجتها إليه، ولقد ولد العرب فنونهم تبعا لحاجتهـم، فوجـد لديهـم فن الشعر الغنائي نتيجـة لهذه الحاجـة وعندمـا وجدت ظروف أخرى أدت إلى إحتياجهـم إلى فن الحكايـة ولد هـذا الفـــــن(7) .
وهكذا نجـد أن المسرح لا ينشأ من فـراغ ولا ينمو من عدم، فهو يولد تلبيـة لإحتياج، فالمسـرح حاجة أولا وأخيرا وكل التجارب الثابتـة في تاريخ المسرح العالمـي، تؤكـد أن الظاهـرة المسرحيـة، لم تنشأ من عـدم وإنمـا نشأت تلبيـة لحاجة الجماهير.
فهناك طريقان ـ يقول الدكتور الحجاجي ـ يؤديان لظهور فن مـا في أمة ما، الطريق الأول هـو النمو الذاتي لهـذا الفن داخل الأمة نفسها، كمـا حدث لفن الشعر الغنائي العربي وكمـا حدث لفن المسرح اليونانـي، والطريق الثاني هو الإنتقـال، فإن الفنون كنتاج إنسانـي تنتقل من أمـة إلى امة، ومن مكان إلى مكان، ولكـن ليس عن طريق النقل الحرفي المباشر، وإنمـا عن طريق الإنتقال المستجـاب له داخـل الأمة الناقلة، فلكي ينتقـل فن من الفنون إلى أمـة من الأمم فإنمـا نرى أن جميع ظروفهـا تكون مهيأة لنقبـل هـذا الفن، مستجيبة له، متأثـرة به? تضع فيه سماتهـا ومكوناتها، فيكون هـذا الفن جزءا من تراثها (Cool.
حقيقة أن الفكر البشري سلسلـة متصلـة الحلقات? ووحـدة متكاملـة، إلا أن هناك حقيقـة لا يمكن التغاضي عنها، وهي أن دور الولادة للمسرح قد قام بها المسرح الإغريقي عن طريـق تطويـر الأسطورة، وتوظيفها، إلا أن عمليـة إنتقال المسرح مـن بلاد اليـونان إلى بـلاد العرب، كان أمرا مستحيلا في تاريـخ العرب القدماء، لأن عملية اللإنتقال نفسها، كانت تحتـاج على مستوى حضاري كبير، حتـى يتم هـذا الإنتقال على أسس قويـة متينة، وكـان لا بد أن تتم عمليـة إنتقال للمجتمع العربي قبل أن تتم عملية إنتقال المسرح.
ونعتقد أن ظهـور المسرح في الحيـاة العربية، في منتصـف القرن الماضي قد جـاء بعد أن تهيأت الأسباب للمجتمع العربي لهذا الظهور، وهي أسباب إقتصادية وإجتماعيـة، سياسية وثقافية، ساهمت فيهـا أحداث تاريخية متعددة تبتدئ بالحملـة الصليبية على العالـم العربي وتنتهي بالحملة الإستعمارية الأوربية في القرن الماضي.
                                                   * * *
بقي بعـد هذا أن نتساءل، هـل كانت للثقافـة العربية أشكال للفرجـة، يمكن إعتبارهـا أشكالا مسرحية؟.   
1 ـ إذا ما تجاوزنـا الإسلام قليلا إلى الديانـات التي سبقته في الجزيـرة العربية، فإن مصادر التاريخ العربي، المختلفـة تشهـد على غياب كل شواهـد النشاط التمثيلي، على الرغـم من أن الدكتور محمد يوسف نجم يفترض أن «وثنيـة العرب لم تكن بدائيـة ضعيفـة الصلة بنفوس أصحابها، بل كانت وثنيـة لعقدة ضربت جذورهـا في أعماق النفوس، وإتصلت غاياتهـا ومظاهرها بدورة الطبيعـة ومواسمها، وتمثلت في شعائرهـا إماتة الجسد وقهره، ثم شعائـر التطهير وشعائر البعث والإخصـاب، وأخيرا شعائر البهجـة، وما يتصل بها من مآدب وحفلات، وقد كانـت هذه الوثنيـة معقدة تقـوم على معبـد وصنم وسادن وقرابيـن وطقوس، وشعائـر تمثيلية... » (9) ، إلا أن ذلك لا يمكـن أن يذهب بنا إلى أن عرب الجاهليـة قد عرفوا فن التمثيل أو مارسوه في عبادتهـم، ولا نظن أنه سيختلف إثنان في أن ذلك النشاط الديني القائـم على الطقوس الوثنيـة لم يتطور ليكون لـدى عرب الجاهليـة مسرح أو طقوس تمثيليـة منفصلة عن غاياتها الدينية (10). 
ولا شك أن السر في ذلك يعـود إلى أن ـ الدرامـا ـ تعتمد في جوهرهـا على الصراع بين الآلهة أنفسهم، وبين الآلهة والأفراد، وبين الفـرد والآخر، وبما أن الحياة العربية في العصور السابقة للإسلام، قد أذابت الفرد في الجماعـة فخلقت تصورا جماعيـا للعالم، ورأيا عاما مشتركا في الكون، فقـد ترتب ذلك غياب الصراع داخـل المجتمع أو إختفاء حدثه على الأقل، فلم تكـن مثل تلك الحال تستدعـي الدرامـا قدر ما تستدعي التغني بالجماعـة (القببلة) والترنم بمآثرهـا (11) ، وذلك مـا قام به الشعر الجاهلي خير قيـام، إذ كان الصراع ممـا يدور بين القبائـل نفسها، أمـا الصراع الذي يدور داخـل القبيلة نسفها، فيحل ـ في أسوأ الأحوال ـ بإنقسام القبيلـة جماعيا، وليس فرديـا، فالفرد الخارج على القبيلة مخلوع منهـا، فهـو خليع لا يعتـد به، ولا يسـأل عنه، ومعنى هـذا أن الصراع الفردي لا قيمة له في حياة الجماعة (12).
إلا أن هذه الحقائق وغيرهـا لا يمكن أن تمنعنـا من البحث عن أشكال مسرحيـة في الحياة العربية ـ قبل وبعـد الإسلام ـ يقينا منـا بأن الشعب العربي، في المشرق والمغرب، وعبر فنونه، وتقاليده، وطقوسه، قد تأثـر بما حملت الحضارات الواردة عليه من آسيا، وإفريقيا، وأوربا فقدس الشعر والأهازيج  ومـزج الحكايـة والأمثولة بالرقص، وربط التقاليـد المتوارثـة بالغناء، وأصبح « الإحتفال عنده يرتبط بالكيان القومي، وبالمعتقـد الديني».
وفي هذا الإطـار يضعنـا الدكتور محمد حسين الأعرجي (13) أمـام عدة صور من التمثيـل عند العرب في صميم تقاليدهـم المتوارثـة، فيعتبر «الكـرج»  و «الحكايـة» ألعابا تمثيلية لها جـذور جاهلية عريقة.
«فالكرج» تماثيل خيل مسرحيـة من الخشب معلقة بأطراف يلبسهـا النسوان ويحاكين بها إمتطاء الخيل، فيـكرون ويفرون ويناقفون بها، وفي الأصـل كانت اللعبة مقصورة على النسوة، إذ تعلق بها «الجلاجـل» والكرج في أصله رقص ولعب يعده العرب للولائـم والأعراس، ومجالس الفراغ واللهو والحكاية فنـا مسرحيا عريق الجذور في الحيـاة العربية القديمة.
قال إبن منظور: «الحكايـة كقولك حكيت فلانـا وحاكيته، فعلت مثل فعله... وقلت مثل قوله سواء لم أجاوره...» (14) ومثـل هذا القول المعجمي يدل دلالـة واضحة على التمثيل، ولعله هو المعنى الأصلي في الكلمة العربية.     
وإذن، فالأصل في الحكايـة عند الأعرجي أن تكون تقليـد الآخرين وإعادتهـا مما يقرب أن تكون تقمصا لشخصياتهم، إذا شئنـا أن نستعمل المصطلح الشائع لدى أهل المسرح اليوم، وقـد أورد الباحث العراقي صورا لهذه الحكاية في العصـر العباسي، مؤكـدا أن هدفنـا كان  هو المحاكـاة والإضحاك، ثم تطـور هذا الهدف فإكتسب صيغـة إجتماعية وجهته إنتقاص الخصوم من خـلال الضحك بهم.
وقد أورد الباحـث عدة نصوص تؤكد على أن «الحاكي» كـان ممثلا? يستعمل اللباس المناسب للحكاية، ويستعين بالماكياج، والأكسوار المسرحي، ومن الأماكن المعهودة التي كـان يؤدي فيها أدواره الهزليـة الأسواق العربية الكبرى، ومنهـا «الميدان الأخضر» بدمشق، ومجالس الخلفاء والأكابر.
وأكيـد أن الأستاذ الأعرجي في هـذا الموضوع، قد فتح الباب على مصراعيـه للذيـن يؤدون إستنباط الأشكال المسرحيـة العربية العريقـة في بطون الكتب والمراجع التراثيـة، كمـا أن مثل هذا البحث نبه إلى مختلف أشكال «الإحتفال» العربي، التي لا تختلف في رسمهـا الفني عن الأشكال المسرحيـة المعاصرة.
2 ـ ويخلص الباحث محمد عزيـزة في أطروحته «الإسلام والمسرح» إلى أن الإستثنـاء الوحيد لقاعدة الغياب المسرحي في الإسلام، بدأت مع مقتل الحسين، فكانت التعازي الشيعية في بلادنـا فارس هي الشكل الدرامي الوحيد الذي إنتقل بعد ذلك إلى البـلاد العربية بإسم «عاشوراء».
إن الشيعـة إكتشفت المسرح ـ في نظره ـ لأنها مرت بتجربة الإنفصال عن الدين فقد نسبت إليهـا جريمة مقتل عثمان، وكانت تعانـي من الندم العميق لأنها مسؤولـة في شكل ما عن مصرع علي، ثم الحسين لذلك إكتشفت الشيعـة الشعور بالذنب ووخزات الضمير..
ولأنها وضعت خارج المدينة السنيـة، فإنها إكتشفت بذلك قوانين الإنتماء القاسية  في الوقت الذي أحست بالقوة المحررة في الخروج عن القواعـد، وإغراء اللعنات الكبرى أمام جدران المدينة... وفقد التاريخ ـ من وجهة نظر الشيعـة ـ براءة الأصلية، وتلوث الميثاق الذي يربـط بين الله وعباده بدم علي وحسين.
ويمكن إعتبار مقاطـع ـ التعازي الشيعية ـ إنطلاقة للعمل المسرحي في الإسلام، إذ عن طريقهـا عرفت العربية أولى الأشكال المسرحية، ولكنها لم تتطـور، ولم تعرف أي تقدم على المستوى الشعري أو الإبداعـي إذ بقيت الثقافـة العربية، ولمدة طويلـة خالية من أي إبداع مسرحي يمكن إعتمـاده كمؤثر لحركة أو نهضـة، ومن ثمة كانت هـذه الثقافة سكوتية حسية لا أثر فيهـا للصراع الدرامي..
3 ـ ويتناول الدكتور الحجاجي في كتابه الهـام «العرب والمسرح» هـذا الموضوع فيؤكـد أن مرحلـة صدر الإسلام وعصر بني أمية، والعصر العباسي، تمثـل كتلة فكرية موحدة الجوانب من حيث التطـور الفني إرتفاعا وهبوطـا حتى عصر الحروب الصليبية، إذ واجـه العرب الغزو الخارجي، وكـان أول إختبار واجهه العرب، ثم تلاه الغـزو التتري، وعلى الرغـم من أن العرب صمدوا أمام الغزوين إلا أن ذلك إستنفذ، منهم أكبـر الجهد، وكشف عن الخلل الـذي أصاب مجتمعهم.
ولقد ظهـر واضحا منذ أن غزا الصليبيـون الأرض العربية، أن القوة السياسية والإجتماعيـة والإقتصادية للعرب أخذت في الإضمحلال والتدهـور يوما بعد يوم، حتى وصلت الحضيض من النواحي الثقافيـة، فأخـذ فن الشعر الغنائي في الإنحطاط وفقد فن الكتابـة القصصية ـ المقامات ـ  مقدماته الفنية وركدت الحركـة الفكرية ودهم الجهل أبناء الشعب العربي. 
ولم يكـن في واقـع  العرب ما يدعو إلى التفاؤل، فلجأوا إلى الحلم ـ كما يقول الباحث ـ وكانت أحلامهـم منصبة حول البطـل المخلص، وإتخذ ذلك عـدة مظاهـر فنية منها الغنائية، ومنها الدارميـة، وهي التي إتجهت نحو البطل الفرد للخـلاص على يديه، وكـان شكلها الفني الذي عبرت بـه عن  وجدانها هو فن السيرة.
وفي فن السيرة لم يتجـه العرب نحو أبطال تاريخهم كخالد إبن الوليد وعقبـة بن نافع، وموسى إبن نصير، وغيرهم من الأبطـال الفاتحين، وإنمـا إتجهوا في معظم سيرهم إلى أبطال ذكروا في التاريخ، ولكـن دون تعزيز دقيق لأحـداث حياتهم مثل سيف بن ذي يزن، وأبي زيـد الهلالـي وأبي حمزة البهلوان وسواهم.
 ولقد أفادت السيرة ـ حسب قول الباحث ـ في أنهـا قدمت صورة حضاريـة مجموعات من المتلقين، كانت السيرة بالنسبة لهم معلمهم الوحيد، وكانت السيرة تبتلع بذلك جميع المفاهيم الحضارية المتبقيـة لهم من عصور إزدهارهم السابقة. 
وإلى جانب هذا، ساهمـت السيرة بدور المتعة لجماهيرها، وخلقت ما يسمى بفن الممثل، وبذلك مهـدت لفن المسرح، فالقاص الشعبي، وهو يقص السيرة يقـوم بدور أشبه بدور الممثل، حيث يؤدي حركـات الأبطال، ويلون صوته حسب المواقف والإنفعالات، فلحظات الحرب يختلف فيها الصوت عن لحظات الحب وصوت أحد أفراد العدو يختلف عن صوت البطل العربي وكلما إزدادت قدرة الممثل على التمثيل إزداد معجبـوه أو العكس، وكثيرا مـا كان أسلوب السيرة معتمـدا على الحوار.
لهذا كـان هذا العصر هـو عصر السيرة، لأن العرب عاشوا على أمل الخلاص بالفرد البطل، فالسيرة إنعكاس لأحلامهم حول بطلهـم، وهي تمثل حاجتهم إلى هـذا الفن. 
وبذلك يكون المسرح قد سـار في غدره الطبيعي في المجتمع العربي، فظهرت السيـرة أولا كبديل للملحمة، ومن خـلال رواية السيرة وتقدمهـا في شكل تمثيلي برز فن التمثيل، وكان هناك تمهيد لميلاد مسرح عربي.
                                                   * * *
إن هذه الحقائق التي تؤكـد في عمقهـا على أن العالم العربي ـ وفي غياب الفصل المسرحي ـ عرف بعض الأشكـال المسرحية المرتبطة بالسيرة، والحكايـة والأسطـورة والألعاب الإحتفاليـة الأخرى، والتي أفرزت فنونـا هي أشبه ما تكون بفنون التمثيل? إن هـذه الحقائق لم  تمنـع الشعب العربي في المشرق والمغرب عبر فنونـه وتقاليده، وآدابه من إلتقائـه بما حملته الحضارات الواردة عليه من آسيا، وأوربا وإفريقيـة، فقدس الشعر والأهازيج، ومزج الحكايـة والأمثولة بالرقص، وربط التقاليد الإجتماعية المتوارثة بالغنـاء، وأصبح الإحتفال عنده يرتبط بالكيـان القومي وبالمعتقد الديني.
وعليه، فيمكن إعتبار كل حركـات الرقص والإيماء، وأنواع الإحتفالات الإجتماعيـة والدينية والألعاب الموسمية والرياضية والمهرجانـات التقليدية للقبائل العربيـة وغيرها من تعابيـر الحضارة الشفويـة، أشكالا بدائيـة لفنون المسرح في صورته المعاصرة.
إن الرقص الجماعي، والغنـاء المتعدد الأصوات الرجالية والنسائيـة، وحلقات المداحين في الأسواق العربية، ومواكب الصوفية، والمواكب الدينية، إضافة إلى الألعاب، خيال الظل والحكواتي، وسلطان الطلبة، كلها أشكال لإحتفالات مسرحيـة في صورتها الحديثة، لا يمكـن نكران أهميتها، لأنها ترتبط أساسا بعلم عادات الشعـوب العربية، ولأنها تقـدم بديلا مباشـرا للعمل المسرحي قبل ظهـور هذا العمل بالوطـن العربي نهاية القرن الماضي.
لقد  كانت الساحـات العمومية والأسواق الكبرى في المـدن العربية «مسارح» للرواة وللمداحين الذيـن يجمعون حولهم في حلقات دائريـة عشرات المستمعين المتلهفيـن لسماع نوادر جحا، وملاحـم سيف ذي يزن، وبطولات عنتر بن شداد، وغراميات قيـس وليلى، وقصص ألف ليلة وليلة وغيرهـا من المواضيع التي تخلق أمام المشاهدين شخصيات عديدة غنيـة بالإبداع والإيثار.
وقـد كان هؤلاء الرواة والمداحـون والحكواتيون، يستخدمـون جميع الحيل الفنية، من إشـارة وتشويق لشد المشاهدين إليهم، ولأحداث إنسجام تام بين الملقي والمتلقي، في ذلك المسرح الدائـري، حيث يصبح التواصـل بين الجمهور والممثلين أكثـر أهمية من التواصل في المسارح المصنوعـة على الطريقة الإيطالية الحديثة (15). 
إلا أنه يجب الإعتراف في هـذا الموضوع أنه رغم الأهمية القصوى التي تحتلها هذه الفنون ـ  إما قبل  المسرحيةـ في الحياة الشعبية العربية، سواء مـا يتصل منها «بالإحتفالية الشعبية» أو«الإحتفالية الشعبية العربية»، فإنهـا لم تستطع أن تخلق لنا أدبـا مسرحيـا يمكن الإعتماد عليه في أي دراسـة منهجيـة أو تاريخية، إذ كانت هـذه الفنون جميعا، فنونا إرتجالية لا اثر فيهـا للنص ولا تقوم على التدوين، مثلهـا مثل باقي الفنون الشعبية الأخرى، معتمـدة على الحركة والإيماء فقط، ومن ثمـة لا يمكن إعتبارهـا «مسرحـا» بالمعنى العلمي للكلمة،على الرغم من أنها تشكل قاعـدة هامة لأعمال مسرحيـة مستقلة في الوطـن العربي.
من هـذه الزاوية نجد أنفسنـا أمام حقيقـة ثابتة، وهي: أن ما يمكن أن نصطلح عليه بـ « الأدب المسرحي» لم يتوفـر للحياة الثقافيـة العربية، إلا بعـد ظهور«النص المسرحي» بالمفهوم اللغوي المتعارف عليه.
ومن الناحيـة التاريخية، فإن ظهور هـذا النوع من الأدب إقترن بظهـور الكوميدايا التي إقتبسهـا مارون الناقش من أكثـر المسرحيـات العالمية شعبية وهي بخيل موليير سنة 1948، حيث كانت الإنطلاقـة الإنجابية للمسرح العربي (16) في عصرنـا الحاضر.
ومن خـلال مسيرة هـذه الحركـة التي إنطبعت بصماتها قوية على الفكر العربي المعاصـر، إكتسب الأدب العربي أعلامـا وروادا مبدعيـن في الكتابة المسرحيـة النثريـة والشعرية إلى جانب إكتسابه لعدد من المخرجين والتقنيين والممثليـن، الشيء الذي أعطـى لحركة المسرح عموما، مركزا هامـا في الحياة الفكريـة العربية المعاصرة.
وإذا ما أردنا أن نتعرف على السمات الأساسية التي تطبـع هـذه الحركة حتى نضعها في إطارهـا التاريخي والفكـري، ونتعرف على واقعها الأدبي والفني فسنجـد أنفسنـا أمـام جملة من الحقائق الهامة (17).
1 ـ بإعتبار أن التأليف المسرحي عمل صعب، يفوق بصعوبته بقيـة أنواع التأليف الأدبي والعلمي، إذ يتطلب قدرة فائقـة ومواهب نادرة، وخصائص ذهنيـة معينة، فقد أثبتت التجـارب أن مؤلفي المسرحيـات العرب، ما زالت تنقصهم على أنساب متفاوتـة هذه المؤهلات، ممـا جعل المسرح العربي في حالـة طويلة من التلمس والمحاولات، والإنتظار والنزوع نحو التأمل (18).
2 ـ إن المسرح العربي بكل عطاءاتـه ومكتسباته الأدبية والفنية، هو مسرح أمـة تنتمي للعالم الثالث، يناضل بشتى الوسائل من أجل تحريره، وتجذيره في الطموحـات والتقاليـد الشعبية العربية، وتأصيلـه في الموروث الأدبي للأمـة العربية.  
3 ـ إن هـذا المسرح يتطلع بوجه عام، إلى تحديد موقع العالم العربي ينشـد العدل، والحرية، وكرامـة الإنسان، ويؤكد على ذلك من خلال صيغ فكرية، وفلسفية وسياسيـة مختلفة.
4 ـ ولأن هـذا المسرح ينبع من مجتمـع محكوم عليه بالتخلف، فإنه ينطلـق عنـد العديد من رواده من النقـد الذاتي، لينشد واقعا أفضل وأحسن. 
5 ـ إن هـذا المسرح وفي حدود إمكاناته الفكرية، يتميز برغبـة أكيدة وحارة في تحديد ماهيـة وجوده، بإستلهام التراث التاريخي، والحضـاري والشعبي للأمة العربية، ولإستنباط صورة مشرقة للشخصيـة الوطنية والعلاقات العربية الحضارية.
6 ـ ومن خلال الممارسـة الفعلية للعمل التراثي في المسرح العربي إزدادت عـلاقة هذا المسرح عمقـا بالفكر العربي، ذلك لأن علاقته بالتراث، كانت وما تزال علاقـة إستلهام وإيجـاد الخـط الرابط بين الماضي والحاضر والمستقبل. 
7 ـ وإن المسرح العربي، وهو يمثـل وحدة عضويـة، كانت وما زالت رؤاه موجـودة للإنسان العربي في المشرق والمغرب، بإعتبار أن هـذه الرقعـة من العالم يتواجـد عليها تاريخ وحضـارة، لا يمكن إنفصامهـا أو تجزي، رؤاهـا. 
8 ـ إن رجـال المسرح في الوطن الربي كانوا أو ما زالوا ينظرون إلى علاقـة المسرح بالسلطة بالكثير من الحذر، ذلك لأنهم كطليعـة واعية وملتزمة يقفون في مواجهـة الظلم، والإستبداد في شتى أنواعه وأشكاله، وفي مختلف النقط الجغرافية المتصلة بالعالم العربي. 
وأعتقد أن هـذه السمات وغيرها، جعلت حركة المسرح العربي، تفـوق خلال هـذا القرن من الزمن أي حركـة فنية أو أدبيـة أخرى، لا من حيث إستيعابهـا للجماهير الواسعة، بل من حيث طروحاتهـا الثقافية + الإجتماعية + السياسية كذلك، إلا أن هـذا الإستيعاب من جهـة ثانية لم يكن مرجعه أصالـة الشخصيـة المسرحية العربية، بقدر ما كـان مرجعه، إرتباط الإنسان العربي بالفرجـة والإحتفال.
 
(1)  محمد مندور، فنون الأدب العربي صفحة 17.
(2)  فصل من كتاب «المسرح العربي في ألف عام »، ترجمـة طارق عبد المجيد عمر، مجلة آفاق عربيـة (بغداد) السنة الخامسة عدد 4 ديسمبر 1979.
(3)  الإسلام والمسرح، ترجمة الدكتور رفيق العيان، دار الهلال، القاهرة.
(4)  سلسلة المكتبة الثقافيـة المصرية العامـة للكتاب( القاهرة) عرض عبد الحرمان شلش، مجلة الأقلام، (بغداد) ، العدد الخامس ، ابريل 1970.
(5) تـ أ بوتينيو فا، تساؤلات حول نشـأة المسرح العربي ، مجلة آفاق عربية، (بغداد) السنة الخامسة، عدد 4 ديسمبر 1979.
(6)  المرجع السابق
(7) الدكتور الحجاجي:  العرب وفن المسرح الهيئة المصرية للكتاب، القاهـرة. 
(Cool المرجـع السابق.
(9) مجلة آفاق عربية (عراقية) صور من التمثيل في الحضارة العربية من الجرح حتى المقامات ع2، س3، نوفمبر 1977، ص 59.
(10) الدكتور محمد حسين الاعرجي في التمثيل عند العرب الموسوعة الصغيرة، (عراقية) العدد 28.
(11) المرجع السابق (عن مقدمـة في دراسة المسرح العربي للدكتور جميل نعيف)
(12) المرجع السابق
(13) المرجع السابق
(14) لسان العرب.
(15) عبد الله الستوكي، إلى أي يسير المسرح المغربي، مجلة اللواء (مغربية) العدد الأول 1679.
(16) راجع دراسة رشيد بنشنب  في أكسلوبيديا العروض المسرحية عن المسرح العربي ومعجم المسرحيات العربية والمصرية ليوسف اسعد (بغداد) 1978.
(17) فيمـا يخص تاريخ المسرح العربي ، يمكن مراجعة الكتاب القيم للدكتور محمد يوسف نجم (المسرحية في الأدب العربي الحديث)، دار الثقافـة بيوت، 1953.
(18) الدكتور إبراهيم كيلاني،  مجلة المعرفة، (سورية) عدد خاص بالمسرح.
------------------------------------
  المصدر : مجلة دعوة الحق - العدد227 
تابع القراءة→

الفنانة زهرة الربيعي ..“ابتعدت بقرار جريء “

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

لقبت بزهرة العراق لحضورها الدائم في ذاكرة المشهد الفني العراقي ، فمنذ طفولتها وهي تتهجى المسرح دروسا مع اعمدة المسرح والسينما العراقية ، بيد ان الفنان الرائد خليل شوقي اسند لها دور البطولة في السهرة التلفزيونية «صبرية»  وعمرها لايتجاوز الـ « 12» سنة ، وهكذا شقت طريقها نحو النجومية بكل جدارة ، وكانت حصيلتها الفنية تتجاوز الـ « 115» مسرحية ، ومئات المسلسلات والسهرات التلفزيونية ، ولكن تبقى الاعمال المسرحية «الوهم ، نديمكم هذا المساء   ، البيك والسائق ، الطوفان ، كلهم اولادي، الدونجوان،  باب الفتوح  والحصار»  من اهم الاعمال الخالدة في ذاكرة المسرح العراقي ..انها الفنانة القديرة  زهرة الربيعي . بشأن ابتعادها عن الساحة الفنية قالت الربيعي : «نعم ابتعدت بقرار جريء بعد ان وصل الفن الى حالة يرثى لها ، فالكثير من الفنانين او المحسوبين على الفن ركبوا موجة الفساد ، وتآمروا على المنجز الفني العراقي والتأريخ الطويل له والحضور الذي حققه الرواد بكل جدارة واخلاص ووفاء لفنهم وشعبهم ، نعم اقولها بمرارة تحول الفن الى مهنة رخيصة ، يتاجر بها كل من هب ودب ، وغابت قدسية الفن وغاب سلوكه الجميل» . وبشأن دور الرواد اضافت: «الرواد وقعوا بين المطرقة والسندان ، بين الاهمال الحكومي المقصود لعدم احترامهم للفن والفنانين وبين الموجة الرهيبة التي اكتسحت كل شيء جميل من بعض الادعياء والمحسوبين على الفن زورا ،  فضلا عن التعب والمرض والعوز المادي الذي أخذ مأخذا كبيرا من اغلبهم ، فبعضهم يتعذب من الفراق في المنافي ، والاخر يعاني الاهمال وعدم الاحترام في الداخل ، واخر آثر الاعتزال على ركب موجة القبح الفني» . واصلت الفنانة الربيعي حديثها عن معاناة نقابة الفنانين قائلة: «في كل دول العالم والمنطقة تجد مبنى نقابة الفنانين من اجمل واكبر الابنية في عواصمهم لانهم ببساطة يقدسون الفنان ، اما في العراق فلا تجد للفنان مقرا يستحق الذكر ، فمقرنا منذ فترة ليست بالقصيرة في شقة صغيرة جدا وحالتها رثة في السطوح في عمارة قديمة ،يخجل حتى الفنان ان يراجعها ، ولاتجد في النقابة دينارا واحدا لتمشية انشطة النقابة ، او لمساعدة الفنانين المتعبين والمرضى والمحتاجين ، حتى اننا لانستطيع ان نشتري باقة زهور لنقدمها للفنان يوم افتتاحه لنشاطه الفني ! مايحدث لنا لايصدق . فماذا تتوقعون ان يكون دور النقابة ؟ . واشارت الربيعي الى دور النقابة بتفقد الفنانين مضيفة: أقسم لم نبخل بجهد قط ، لاسيما نقيب الفنانين صباح المندلاوي ، الذي طرق جميع الابواب دون جدوى ، ليس من اجل نفسه وذاته بل انه يسعى لتحقيق شيء ولو بسيط للفنانين ، في بلد الفن والثقافة ، لكن السياسيين اغلقوا عيونهم واسماعهم لنداءاتنا المتكررة.

------------------------------------------------
المصدر :  شذى فرج - الصباح
تابع القراءة→

الملاحم.. مصدر إلهام للأعمال الفنية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

الملحمة
قصيدة سردية موسعة ذات لغة عالية كثيرة الأحداث والشخصيات مليئة بالأساطير والخرافات والشخصيات البطولية، ينسب بعضها إلى مؤلف (مثل الإلياذة والأوديسا التي تنسب للشاعر هوميرويس) لكن بعض الباحثين ينفون ذلك، فالكاتب الحقيقي للملحمة هو الشعب، لذلك نجد أشكالاً ونصوصاً متعددة للملحمة الواحدة.
كانت الملاحم تروى وتنقل شفهياً من جيل إلى آخر، وقد حظي معظمها باهتمام كبير على مر العصور وصار جزءاً من التراث الإنساني، فتمت ترجمته إلى مختلف اللغات وأدرجته منظمة اليونسكو ضمن التراث العالمي، وقد تحول عدد منها إلى أعمال فنية مسرحية وسينمائية وتلفزيونية حققت نجاحاً كبيراً لما تحتويه هذه الملاحم من أفكار وقيم إنسانية خالدة على مر العصور، ولتعدد شخصياتها وخطوط البناء الدرامي فيها، إضافة لقيمتها التاريخية والجمالية وارتباط بعضها (الملاحم الهندية) بحياة شعوبها حتى يومنا هذا. وقد تناولت العديد من الافلام ملاحم معروفة فكانت سببا في شهرة هذه الافلام وديمومتها.

الإلياذة
الإلياذة ملحمة شعرية تحكي قصة حرب طروادة وتعد أهم ملحمة شعرية إغريقية، وتاريخها يعود إلى القرن التاسع أو الثامن ق. م، وهي عبارة عن نص شعري طويل، جمع عام 700 ق.م، وتدور الملحمة حول أخيل الذي أبحر لطروادة من بلاد الإغريق لينتقم من باريس الذي قام بغواية هيلين ومن ثم هرب معها إلى طروادة، فقام الإغريق بتجريد حملة ضخمة للثأر بقيادة (اجاممنون) واشتعلت الحرب بين اليونانيين والطرواديين وانقسمت الآلهة إلى فريقين مع طرفي النزاع، وفي نهاية الملحمة ينهزم الطرواديون لكن بعد مصرع أبطال اليونانيين واحداً تلو الآخر. وفي الملحمة وصف دقيق ليس للمعارك فحسب، بل لمشاعر الأبطال النبيلة تارة، والعنيفة الوحشية تارة أخرى، ووصف لمشاعر الحب والأمومة والواجب الوطني والعشرات من القيم الفكرية والعاطفية وكذلك الاجتماعية، التي تصور لنا عادات وتقاليد الناس ومعتقداتهم الدينية. أما أبرز الأعمال التي جسدت هذه الملحمة (فيلم(TROY وهو فيلم طروادة أنتج سنة 2004 من بطولة شون بين وبراد بيت، إخراج فولفغانغ بيترسون، وهو إنتاج مشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا ومالطا، حطم الفيلم شباك التذاكر وترشح للعديد من الجوائز وفاز بجائزة الأوسكار عن فئة أفضل تصميم أزياء.

المهابهاراتا
ملحمة الهند الكبرى.. يحدد الباحثون الفترة التي كتبت بها بين (القرن الرابع ق.م – القرن الرابع بعد الميلاد) لا يعرف لها مؤلف ولها عدة نصوص غير متكاملة بالسنسكريتية، ونصوص بلغات هندية مختلفة أشهرها النص المكتوب بالتاميلية، والذي ترجم إلى معظم اللغات العالمية والأمر الذي جعل المهابهاراتا الأكثر شهرة بين ملاحم الشرق هو ارتباطها بالمعتقدات الهندوسية وعادات وتقاليد المجتمع الهندي حتى يومنا هذا على خلاف الملاحم الأخرى التي صارت جزءاً من تراث الشعوب منفصلاً عن حاضرها.
وفكرة المهابهاراتا الرئيسة هي الصراع الدائر بين أبناء العمومة (أسرة الباندافا) و(أسرة الكورافا) والقسم الأهم منها هو الحرب الطاحنة التي دارت بين الأسرتين وحلفاء كل منهم وانتهت بانتصار الباندافا بعد أن قتل معظم أفراد الأسرتين.
ولكن المهابهاراتا تحتوي خطوطاً درامية متوازية أخرى مليئة بالعبر نتعلم منها قيماً عظيمة كالوفاء والتضحية والصبر، ونتعلم أيضاً دروساً مريرة في الحب المهووس للسلطة وانهيار المبادئ والقيم الإنسانية في أوقات الحرب والمحن. وقد تجسدت في فيلم المهابهاراتا: أنتج سنة 1965 أخرجه (بابوباي مستري) وقام ببطولته (براديب كومار) و(دارا سينغ)، حقق الفيلم نجاحاً جيداً في شباك التذاكر وحافظ على روح النص الملحمي وأفكاره الرئيسة مضيفاً لها مجموعة جميلة من الأغاني والرقصات الفنية. ثم اعيد انتاجه في العام حيث أخرجه المخرج العبقري (بيتر بروك) قام ببطولته مجموعة كبيرة من النجوم منهم روبرت لانجتون وبروس ماير، وهو إنتاج ضخم اشتركت فيه الولايات المتحدة مع عدة دول منها أستراليا وأيرلندا والسويد، وقد حقق الفيلم نجاحاً كبيراً وحصل على جائزة الـ(إيمي) كأفضل عمل إبداعي، وقد حافظ أيضاً على النص الأصلي للملحمة.

ملحمة الرامايانا
ثاني أكبر ملحمة هندية بعد الماهابهاراتا، ينسب جزء كبير منها إلى الشاعر (فالميكي) لها عدة نصوص باللغات التاميلية والنيبالية والبورمية، لكن أهم نصوصها وأكثرها دقة النص القديم المدون باللغة السنسكريتية المكون من ما يقارب ألف صفحة مقسمة إلى سبعة فصول يحدد المؤرخون تاريخ كتابته بنحو1500 ق.م.
والفكرة الأساسية للملحمة هي صراع الخير والشر.. وفي كل سنة تقام احتفالات في الهند تسمى (أعياد دوشيرا) تستمر عدة أيام وكلمة دوشيرا تعني (هزيمة الشيطان ذو الرؤوس العشرة) تقدم أجزاء من ملحمة الرامايانا في مشاهد مسرحية مليئة بالأغاني والرقصات تقدمها الفرق المسرحية العريقة في المدن الكبيرة والفرق الجوالة في القرى والمدن الصغيرة، وتقدم الرامايانا كذلك في عروض مسرحية في الدول المجاورة للهند مثل بنغلاديش وبورما وبوتان.

ملحمة جلجامش
الملحمة القادمة من عمق حضارة وادي الرافدين وتحديداً من العهد السومري، وأقدم الملاحم المعروفة في العالم؛ إذ تشير المصادر أنها كتبت في القرن السابع عشر ق.م، وعثر على الألواح التي تحتوي نصوصها سنة 1853 وهي محفوظة الآن في المتحف البريطاني تحكي سيرة الملك جلجامش الذي كان ثلثاه إله وثلثه الباقي من البشر، ولأن البشر محكوم بالفناء أصبح جلجامش يبحث عن الخلود الموجود في عشبة سحرية، ويبدأ رحلته للعثور عليها وبعد سلسلة من الأحداث يعثر عليها لكنه يفقدها في طريق عودته لكنه يكتشف أن الخلود الحقيقي للإنسان يكون في أعماله لا في بقائه على قيد الحياة.
وقد حازت الملحمة على شهرة عالمية وعرضت على مختلف مسارح العالم بشكل مسرحية أو أوبرا أو باليه وقدمت في العراق غير مرة: قدمها المخرج الراحل إبراهيم جلال سنة 1966 عن نص كتبه الأستاذ عادل كاظم بعنوان (الطوفان) مع الفرقة القومية برؤية جمعت بين الحداثة وروح النص التاشريخية. ثم قدمها المبدع الراحل عوني كرومي في مسرحية (رثاء أور ) برؤية متميزة ناقش فيها فكرة قيام المدن والحضارات ثم اندثارها فيما بعد. وايضا قدمها الأستاذ سامي عبد الحميد 6 مرات برؤى مختلفة بعد دراسة مستفيضة لنص الملحمة بل وحتى موقعها الجغرافي العراقي اعتماداً على النص الأصلي أو النص المعد عنه أو النص الذي كتبته الأستاذة لطفية الدليمي وبمشاركة نخبة كبيرة من نجوم المسرح العراقي.
الجدير بالذكر أن هناك ملاحم أخرى لم تحظ بنفس الاهتمام العالمي لسبب أو لآخر مثل ملحمة (الملك جيسار) التيبتية التي رفض شعب التيبت اعتبار اليونسكو لها جزءاً من التراث الصيني.
وملحمة (ماناس) القرغيزية التي تطالب الصين باعتبارها من التراث الصيني لوجود جالية قرغيزية في الصين تعود بنسبها إلى بطل الملحمة ماناس.

--------------------------------------------
المصدر : جريدة الصباح الجديد 
تابع القراءة→

المبدع عوني كرومي / سلام الاعرجي *

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 28, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

( مسرح الديالكتيك وديالكتيك المسرح )
لم ولن تدرج يوما تحت ايما عنوان الا عنوانك المقدس, العراق, ولا شيء سوى العراق... لعلك تذكر يوم انتهينا من محاضرة مشتركة في قسم الفنون المسرحية كلية الاداب جامعة اليرموك - المخرج المسرحي العراقي والمنهج البرشتي - ونحن نلملم ما تبعثر من قصاصات ورق أثقلتها الهموم والأحلام والطموحات ازدحمت بالملاحضات والمشاكسات واشياء اخرى , قلت لك يا معلمي شتان بين فرق الوعي وفرق العملة , ابتسمت كعادتك , وقلت تمنى الساعة اني طوعك , فصرخت بأعلى صوتي : أتمنى ارضا تتلضى , جزرا تتشهى لكن لايذبح فيها الانسان فدى مولاي الفاتك باسم الله ومولاي المستحلم بسم الله .... نم سعيدا في ارض أختارتك ولا تقلق على عوالمك الجميلة السابحة في سماوات القاهرة وعمان والكويت وتونس والمنامة وبرلين وستوكهولم وترنيمة كرسيك الهزاز في بغداد الحبيبة تقاوم التفخيخ وطيف الموت يطوف البيت ويذبح احلى الازهارواحلى الاطفال . كنت تقول المنجز الابداعي وحدة ابداعية لايمكن تجزئتها , والآن سأقرئك على الوفق ألآتي :

عوني كرومي وكيفية الاشتغال على المستوى الاسلوبي في النص 
من تساؤل يقلقه دائما , يؤسس (كرومي) أسلوبه القرائي للنص , وأن كان تساؤلا ينال بنية النص بشكل عام , فالنص وحدة أبداعية تقنية تقاليدية أنتاجية طرازية ونوعية تجعله من حيث الدلالة وثيقة تاريخية أو ( بيان ) كما يعتقد ( برشت ) .

فهو ظاهرة على صعيد الادب المسرحي وعلى صعيد بنيته . والسؤال هو : هل يتوفر حاضرنا على قدرة قرائية لتلك البنية بمستوياتها في ضوء معطياته ليخرج بالمنجز الادبي من مفهوم العمل الى مفهوم النص فعلا ؟ - حيث تعتقد البنيوية ان العمل موضوع مغلق ومنجز - ليصبح مجالا منهجيا ينكشف في نشاط القراءة؟ أو أن منظرات الحاضر , لا تنظر للنص ألا في سياقه التاريخي وبذلك تصبح حتى الظواهر المعاصرة أنساقا متماسكة يخضع كل منها الى طابعه الثقافي الخاص ؟ يرى عوني كرومي أن أستراتيجيات المحتل تجيب على تلك التساؤلات , بل يرى ان من ضرورات الاخراج ألمعاصر أن يتعامل مع النص على وفق تلك الاستراتيجيات أي كما يقوول دائما : تعامل مع الخطاب الادبي تعامل الغزاة , أخضعه الى فعل أباحي , مشاعي , أممه لك حتما وباتجاه فكرة أهتدية اليها . ولكي يتجاوز الاخراج مرجعيات النص وعلاقاته الداخلية المنتجة للمعنى , والتي يمكن أن تعترض أمكانية الاشتغال على الفكرة المهتدى اليها داخل النص , على الاخراج أن يحدد منطقة أشتغاله وهي : الحقول الدلالية وعلاقتها بالمعنى الاساس . أي محاولة أختراق مجال ما تؤسسه الصياغات اللغوية من مفاهيم , فتلك الحقول الدلالية تحاول ،أن ترتقي مثلا بكريولان - مسرحية لبرشت أخرجها كرومي للمسرح العراقي - الى مستوى الفرد البطل المنقذ , غافلة لدافعه الشخصي الذي يمكن ان يحيله الى شخصية تراجيدية مؤكدة أغترابه , لذلك لابد ان تشتغل القراءة على التفريق بين مرجع الدلالة ومعناها أي البحث في المعني ذاته , أذا ستكون قرائته للنص ذاته وبذاته , مستقرءة موضوعته وقوانينه النابعة من داخله وليس من الخارج وبذلك سيكون القانون المحرك ل ( شان تي وفلازوفا وكوراج بل حتى أوديب ) - شخصيات مسرحية - تفرضه الموضوعة وعالمها داخل وحدة النص وهو يقيم وضع علاقاتها أيظا .وبما أن تلك العلاقات تنكشف داخل نظام آخر , ألنظام اللغوي , فان علاقات الشخصيات الذاتية والموضوعية مرتبطة ايضا باللغة ذاتها.ان (كرومي)يؤكد , ان عموم الاجزاء العضوية في البنية الكمية والكيفية لايمكن ان تملك هويتها وفاعليتها لاية سمة تعريفية خارج نظام اللغة , وبما أن اللغة نظام من العلاقات وعناصر البنية الاخرى تشكل نظام علاقات ألا أنه مرتبط بها ويتحدد داخلها , أذا داخل ذلك النظام اللغوي ستشكل عناصر البنية مستوياتها الدلالية لتحدد وظيفتها ألا أنها أنية داخل النسق الدلالي وبامكان الاخراج جعل الموجودات المادية أوحركية جسد الممثل بديل مكافئ لما ترمز له العلاقات اللغوية في وحدة النص , بعد أختراق تلك النظم العلائقية التي تفرزها اللغة في خطاب العرض - الاحلال - فالتعريب والتعريق تعني ممارسة عملية الاحلال لكي يتسنى للمخلرج تأسيس علاقاته : بين الفكرة المهتدى اليها وأسلوب المعالجة والشكل الذي يسعى ذلك المخرج لتقديمه - كما يعتقد كرومي - وهذا يعني أن التعريب أو التعريق للنص الاجنبي والتحولات التي تطرء عليه بمختلف هوياته اللغوية هي بمثابة خلخلة أو أزاحة للنظام اللغوي لصالح نظام لغوي آخر من خلال العمل داخل نظامه العلائقي وفرض هويته الجديدة على عناصر البنية من داخل ذلك النظام وليس من خارجه . لقد ظهر أستسلام غاليلو البرشتي حتميا بسبب ضعفه أمام ألات التعذيب ويكشف النص البرشتي عن ذالك وصفا أخباريا من خلال ( أندرية سارتي و الراهب الصغير - شخصيات في المسرحية - ) ألا أن كرومي تجاوز تلك النتيجة جاعلا آثارها مسلمة بديهية ألاأنه أكد على حتمية أستمرار البحث العلمي حيث علا من فعالية لغة الجست - الايماءة ذات الدلالة الاجتماعية , الايحائية وميمياء الوجه مقوضا نظام اللغة , وأسقط العديد من الحوارات لحساب تحقيق البديل المكافئ ونقيض الصورة اللفظية المعبرة عن الفكرة في ذات المشهد , لقد أشتغل مقابله المسرحي على المنطوق اللفظي وصورته ونظم الكلام وهيكلية البنية السطحية للغة بشكل عام , أنه لن يتدخل في حوارات (رئيس الجامعة ) ألا أنه أكد موقفه من غاليلو من خلال خلق التقاطعات الدلالية بين دالات الحوار ودالات الحركة ليؤكد أرتباط رئيس الجامعة بتلك المؤسسة الاحتكارية الارهابية , كذلك (كريولانز )- مسرحية لبرشت أخرجها كرومي للمسرح العراقي - حيث أستعاض عن بعض حواراته بالحركة الواسعة الانتشار في الفضاء والمعبرة عن واقعها الذاتي المناقض فكريا /غائيا للواقع الموضوعي , فبدت حركيا وعبر مشهد راقص رغبته في فرض مفهوم البطولة عبر حركات جسدية محبطة أكدة مفهومها النقيض والمؤكد لضرورة بل حتمية أختفاء عنصر البطولة , لأن اختفاء الابطال من حيث هي كائنات مغتربة من نتاج مجتمع مغترب معناه أيجاد مجتمع صحي . وأذا كان برشت يرى في الحركة من أهم مستلزمات المسرح الملحمي بل هي مادة المسرح , فان كرومي يجد في الحركة أكثر دلائل الحياة وضوحا وهي وسيلتة كذلك لسرد العرض المسرحي في أيصال الحدث الى المتلقي ليؤكد أن المستوى الاسلوبي للنص في جوهره منجز لا يتعلق بذاته حسب أنه مرتبط أرتباطا وثيقا بماهية المعرفة والفكر . ان المعرفة حقل أنفتاح واعي وحصن من السقوط في أحادية الثقافة , والثقافة المهيمنة , الا ان الفكر في النسيج اللغوي يعبر عن البناء الفكري الداخلي وهو مرتبط به ارتباطا عضويا , وهنا يكمن السؤال حول ماهية الفكرة ألا أن هذا السؤال يؤكد حضور المتلقي في عملية الاعداد والتركيب لخطاب العرض . أن كرومي يتسائل فيما أذا كان الفكر المقدم قادر على قراءة الواقع المعاش بحركيته الكلية والجزئية أي تجاوز شكلانية الواقع ليحقق فعلا قرائيا معاصرا في عملية الاختيار يرتقي بوعي المتلقي الى مستوى الجدل او الوعي الجدلي , أذ ذاك تتوحد جميع النصوص وان أنتمت لثقافات وحظارات متعددة ومختلفة وان شكلت أنعكاسا فكريا حتميا لتجارب شعوب أخرى فالقراءة المعاصرة لتلك النصوص تفرض توحدا من وجهة نظره بين موضوعة الاختيار والقراءة والقاسم المشترك بينهما الموقف الاجتماعي بمعنى آخرالاختيار, قراءة جمالية تكشف للاخراج ذاتيا مقومات وبنية العمل الفني الذي أختاره للتعبير عن حداثة العصر وجوهر الواقع , والبنية كل مكونات المسرحية وعناصرها التي يعاد ترتيبها باسلوب ألاخراج اولا وليس الاسلوب الذي يثبت على اساسه , هذا يعني أن المرحلة المقبلة في اطار المعالجة لابد أن تكون أكتشاف علاقة بين الفكرة المهتدى اليها ووأسلوب المعالجة وشكل العرض ولايشكل مفهوم قدسية النص عند كرومي أدنى اهمية , ألنص مؤمم , وهو حتما يخضع للحذف والاضافة واعادة الترتيب لمتتالية الاحداث مع مراعات الابقاء على سماة مهمة كالملحمية والكوميديا الجادة والمتعة والتعليمية بالمفهوم البرشتي والعقدة ذات الاثر الاجتماعي والانساني . أن المبدع الكبير عوني كرومي يلاقي برتولد برشت في سعيه الى تجريد الخطاب من أدبيته والتعامل معه على أنه مجموعة صور فكرية ملموسة ومشخصة فالتعامل مع المفردة يتم على أنها صورة أي أن ثمة الكثير من العناصر الفنية ستساهم في أيصال الفكرة , كالحركة والايماءة الصوتية والصورية الجسدية ذات الدال الاجتماعي , وهي لايمكن أن تخفى أو تزيف بل قادرة على الكشف عن الافكار وتأكيدها أو نفيها ولها قدرة متفردة على الكشف عن طبيعة العلائق الاجتماعية بصورة أبلغ وأوضح . 

عوني كرومي وكيفية أشتغاله على المستوى الدرامي في النص . 
التعارضات الكلية, ألتناقض والجدل المقابلات القائمة على اساس التنافي , كانت سمة مميزة من سمات أعداد حكاية الخطاب الدرامي لتفسير الواقع الاجتماعي وآليات أشتغاله على البنية الكيفية للنص . وان كان هيكل الاحتواء ومنظم عناصره وفعالياته العملياتية - الشكل- سرديا لايصل بحد الصراع الى المستوى الذي تنتظره المادية الديالكتيكية بل يذهب لاكثر من ذلك وهذا ما جعله يبدء مع برشت في ذروة أبداعه النظري والتطبيقي , فكلاهما لايقيمان اي نوع من المهادنة والمصالحة مع وبين الثنائيات ذات التعارض الكلي : العام /الخاص , الفردي الذاتي / الجمعي , التبؤر / الانتشار , بل يعمقان تلك التعارضات دون أدلجتها كشرط قبلي لتحديد طبيعة الاشكالية التي تنفتح على عموم العناصر المؤسسة لماهيتها وكياناتها داخل المجال الايديولوجي لمواجهة أزمات يفرضها التراكم الزمني - التاريخ - ليؤسس بنية متوفرة على جميع العناصر الفاعلة , وهنا يبدء التباعد بين كلمن برشت وعوني كرومي والادلجة المادية التي تدرك أنساقها الرؤيوية والفكرية المتشكلة داخل البنى الفوقية المجتمعية بقصد تاكيدها , ألا أنها تشكل أنعكاسا حتميا لعلاقات الانتاج والنهج الاقتصادي المجتمعي وتؤكد وسائله في ذات الوقت مما يجعلها تنتج وعيا زائفا : ان الجدل الذي يترتب على العلاقة التصادمية القائمة بين الوجود الفردي العضوي الفاعل من جهة والوجود المجتمعي من جهة أخرى ينتج وعيا زائفا , والجدل الذي يقع بين الافراد بوصفهم موجودات اجتماعية وبوصفهم حوامل لاواعية لأنظمة كلية لم تنكشف بعد , يفرز أيضا وعيا زائفا . لذلك يكرس كرومي الوجود الفردي داخل مجموعة شرطية خاصة : الشخصية توجد في ثقافتها ولغتها , وصراعها مع ظرفها المحيط وتكتشف وعيها بالذات والموجودات المحيطة بالممارسة ليصبح الوعي أدراك الواقع والوجود الانساني الواعي مقترنا بالحرية , أي الارادة الحرة والخيار الشخصي وهو بذلك يرتقي فوق مستوى الوعي الذي تحرره التجربة البرشتية . أنه يجسد الذات من خلال تاكيدها أرادتها الحرة وخيارها الشخصي متجاوز الوعي الذي تحرره ثلاثية الاستلاب (أستلاب , أستلاب الاستلاب , أستلاب أيجابي أي تحرير الوعي )أن الوعي الذي يحرره المفهوم الاخر, التغريب , النقيض - المثالي - يصور التاريخ وحركة الشخصيات داخل النص جزءا منه , على أنه حضورا آنيا ومن تفاعل لأبنية عقلية ولا يملك أسباب التكوين ولا التقدم وكاننا أزاء ذاكرة مبرمجة غير قابلة للتاويل ألا أنها التعديل على وفق قانونها الذاتي , فتصادر قدرة التلقي على القراءة الذاتية وتمارس أشبه ما يكون بالصنمية المعرفية المؤكدة لأغتراب الفرد , لقد كانت ترنيمة الكرسي الهزاز - مسرحية أخرجها كرومي للمسرح العراقي - أكثر خطاباته المسرحية بلورة لهذه المفاهيم حيث وضع المتلقي أمام عوالم ثلاث وكانها بوحدتها تكون ( مريم ) الشخصية الرئيسة في المسرحية , مريم المنشطرة الى تلك العوالم , عوالم تجسد مراحل النمو الوجودي القسري , أي أنه أرادي , عالم يعيد انتاج ذاته بعد تاسيسها وتشكيلها في تناقض مع كل التاريخ المستحضر التاريخ الذكرى تاريخ , مدونة حملتها الملامح والجدران وصوت ترهل وشاخ وافل بريقه . تاريخ محمول داخل الشخصية يكشف عن ذاته عبرممارساة عيانية حسية تفرض طقسية تهيمن على الاماكن اشبه بطقوس الاحتظار في رهبتها وخشوعها وبرودتها , فيما شكلة الصفحات المطعمة للنار/ المحراب / ذلك التاريخ التجربة السر / أنه يغير او يستحضر من اجل الاتي الذي احالة اليه كل الاغاني , الاتي عالم انشغل به المتلقي : من هو , ما هو , ماهيته , تفاصيله , سماته , الاانه - المتلقي - الان داخل اللعبة مشاركا غير متماه . لقد شكلت الأغاني احالة أخرى ,الموت الجسدي , أنها تمارس أعادة اكتشاف ذاتها في اطار المستجد من الظروف لتدرك وجودها وواقعها وتعيه بحرية وخيار ارادي , أنها تكتشف الواقع وماهية الزمن / العصر فهي تستعيد وعيها لأنها تدرك ليس أنعكاسا للواقع لذلك ترفض ان تعيش القانون المدجن للحياة , قانون يحيلها الى ذات العمليات المتكررة دائما بمناهج عملية أخرى لتصبح ذاتا سلبية , أنها تتعلم حريتها عن طريق علاقاتها بالاشياء أو كما يقول ( سارتر ) : أن الانسان أذا أكتشف حريته في عمله بوصفه علاقة أصيلة بينه والاشياء المادية فانه يفكر في نفسه كشيئ في علاقاته . بالقانون , السلطة , هنا يودع كرومي في البنية الدرامية مفهومين , حرية الاختيار , والارادة الواعية ليمتد جسرا الى متلقيه عبر ممارسات ( مريم ) المعرفية , فيتبناها التلقي على هيئة أسألة باحثة في الوجود , لماذا ؟ عامة هكذا دونما تحديد !لمن نحتاج ؟ - طروحات الاغاني - السلام ؟ الخلاص ؟ المعجزة ؟ القانون ؟ صراع الوعي والا وعي بقصد أكتشاف الذات في تنامي فعلي درامي خطي مغلق لا يمكن ان يؤشر اي تواتر به, أحال ذاكرة المتلقي الى مرجعياتها بفعل الدلالات المحمولة في أغاني ( مريم ) التي أصبحت أشبه بمفاتيح معرفية باحثة عن ماهية الاتي لدى التلقي , فهو حتما ليس ( مازن ) -شخصية في المسرحية , لكنه لايمكن ان ( كودو) .

أن تبني التلقي لموقف ( مريم /راجحة ) ليس من باب التماه بل ثمة أكتشاف مفاجئ لما يمكن أن يؤول اليه مصير الفرد أزاء تماثل الظروف . لقد ناقض برشت في علاقته بالمتلقي ألا أن ذلك التناقض جاء في الكيفية لتصبح المسافة بينه وبين برشت في قصدية خطاب العرض ذات المسافة بين حتمية ان تكون وكيف يمكن ان تكون .لقد دعم كرومي موقف (مريم) وخلع عليها سماتها الذاتية من خلال نقيضها الخارج عنها ( راجحة ) حيث التقتا في وحدة تناقضية في ذلك التساؤل المصيري .

وفي كريولانز يبدء كرومي بحثه الجمالي من فرضية الفكر ومبرهنته الازلية , كذلك للحرب أيديولوجيتها الخاصة كما السلام , لقد فرضت أيديولوجيا زمن الحرب نمطا وشكلا علاقاتيا انجز ذلك المجد الاثيلي لكريولانز ومن هنا تبدأ مأساته , لقد حقق ذاته في زمن الحرب في ظل أتحاد النقيضين , مؤسسة الدولة والشعب الروماني , الا انه لا يدرك ان ثمة حتمية ستفرص تغير شكل العلاقات وان كان ذلك اكثر ثباتا واقل حركية موازنة بالتغيرات التي تطرء على المحتوى , لقد جعله موضوع بحث داخل سياق التاريخ , فبدى وعيه وادراكه معطوبا تماما قاده الى تناقض ذي حدين الاول مع المؤسسة الرومانية - الدولة - والثاني مع الشعب , لقد اعلنت السلطة استراتيجها المنسجم واهدافها في زمن الحرب والسلام وادارة اتجاه المعركة من خارج الاسوار الى داخلها , لقد كثف كرومي ذلك بتاسيسه خطا توتريا للاحداث أدخله منعطفات كثيرة متجنبا التوالد والتخارج للفعل , وكشف عن خط بياني تاويلي بدى خلاله كريولان منسجما مع السلطة في الجوهر دون ادراك منه , أنه لم يخلق بينه وبين السلطة تعارضا كليا , فهي التي اعدته لهذا الدور واعدته للدور ايضا - وهذا ما لا تجده في نص برشت - .

لقد بدا كريولانز داخل تطورات الواقع دون ان يدركها لأنه لم يمارسه على اساس معطياته الحركية فهو لايريد التغيير لأنه لا يمكن ان يتغير أنه في تعارض كلي مع الشعب الذي اوجده ذات يوم وللشعب نهجه الحياتي وخبرته وتجربته التي بدت تتمخض عفويا أنطلاقا من التراكمات التي افرزتها تجربة الحرب والدم , هنا ينقل الاحداث الى المتلقي الذي سيقرأ خطاب العرض بمنهج موازي لمنهجية السرد والروي ألا أنه بعيدا عن التامل البرشتي او الانغماس والتورط الارسطي في استهلاك قدرة التلقي , أنه ينتج الحدث بمؤشرات واقعه التي اكتشف بها الواقع المعروض لينتج قانونه البعدي الذي جعله واثقا من أن أنتصار كريولان كان الثمن المدفوع سلفا لهزيمته.

ان القوة التي مكنته من الانتصار هي ذاتها سبب هزيمته .

* أستاذ مساعد دكتور .
أستاذ فلسفة الفن في كلية الاداب جامعة الكوفة 
أستاذ الاخراج المسرحي في الفنون الجميلة جامعة بابل 
سكرتير رابطة بابل للفنانين والكتاب /هولندا 

--------------------------------------------------------
المصدر : الناس

تابع القراءة→

الثلاثاء، أبريل 26، 2016

‬التكنولوجيا في المسرح الجديد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أبريل 26, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

‬يقوم ‮ ‬عرض‮ »‬معدل سرعة الهروب‮« ‬الذي‮ ‬قدمته فرقة المسرح الأسترالي‮ ‬في‮ ‬الفراغ،‮ ‬وهذا العرض‮ ‬يخلق حوارا بين مفاهيمنا البصرية والشفاهية والحركية باستخدام الفراغ‮ ‬الحقيقي‮ ‬والفراغ‮ ‬الافتراضي‮ ‬المبتكر بواسطة‮ »‬خدمات الشبكة الرقمية المتكاملة‮ ‬ISDN‮« ‬والفيديو كونفراس‮ (‬أو اللقاء عبر الفيديو‮). ‬وتستخدم الفرقة المفهوم الذي‮ ‬يقول إن الفراغ‮ ‬المسرحي‮ ‬يفهم علي‮ ‬أنه‮ ‬غير مرئي‮ ‬ولا محدود ومرتبط بمستخدميه،‮ ‬وكما‮ ‬يقول‮ »‬باتريس بافيس‮« ‬إن الفراغ‮ ‬لا‮ ‬يمكن ملئه بل‮ ‬يتم توسيعه،‮ ‬ويمكن تجاوز الحقيقة عندما‮ ‬يصحب الممثل الحقيقي‮ ‬ممثلاً‮ ‬افتراضيًا‮ ‬يتم احضاره إلي‮ ‬خشبة المسرح باستخدام وسائل تقنية،‮ ‬ويمكننا أن نصف حقيقتين الفراغ‮ .. ‬الذي‮ ‬يحدث فيه العرض حيث تتم مشاهدة الراقصين بواسطة الكاميرا،‮ ‬وهاتان الحقيقتان تخلقان حقيقة ثالثة مشتركة بين كلا الراقصين‮ (‬الحقيقي‮ ‬والافتراض‮).‬
ويستفسر مسرح‮ »‬الحركة عن بعد‮ ‬Telematic theates‮« ‬عن مفاهيم مثل الهوية والفراغ‮ ‬والزمن،‮ ‬ومفهوم الحقيقة الطبيعية والاصطناعية،‮ ‬وفي‮ ‬عرض‮ »‬جنون الملائكة‮« ‬(1994)‮ ‬لفرقة كوربسندايس الكندية‮ ‬يحظي‮ ‬كل راقص بحضور مزدوج،‮ ‬الأول حقيقي‮ ‬ومباشر،‮ ‬والآخر حضور حركي‮ ‬عند بعده ويمتلك كل راقص إشارة مشفرة علي‮ ‬جسمه تولد البيانات وترسل هذه المعلومات المنظمة إلي‮ ‬موقع آخر وتولد فراغًا موسيقيًا،‮ ‬وفي‮ ‬هذه الدائرة الإبداعية التفاعلية‮ ‬يمكن لكل راقص أن‮ ‬يعي‮ ‬نتيجة أفعاله وحركاته‮ - ‬فالصوت الصادر من مكان له تأثير علي‮ ‬الصوت في‮ ‬مكان آخر،‮ ‬ويضع نظام الفيديو كونفراس‮ ‬(ISDN)‮ ‬الزمن في‮ ‬مركز الأداء ويوسع معانيه،‮ ‬وربما‮ ‬يتصادف أثناء تحول الراقص أن تختلط وحدات الزمن ومناطقه‮ - ‬أو الزمن من حيث تضافر الماضي‮ ‬والمضارع والمستقبل هو الزمن الذي‮ ‬أسميه‮ »‬الزمن الحجمي‮ ‬Dinensional Time‮«. ‬فالمسرح لم‮ ‬يعد‮ ‬يتعامل مع الأشياء بل المادية،‮ ‬بل أصبح‮ ‬يتعامل مع الإشارات الرقمية المتوائمة والمتناسقة مع الزمن الحقيقي‮.‬
والأداء التجسيدي‮ ‬Avatar Performance‮ ‬هو المعمل الذي‮ ‬يلعب فيه الممثل دور فأر التجربة ويلعب فيه المخرج دور العالم،‮ ‬ففي‮ ‬عرض‮ »‬موفاتار‮« ‬الذي‮ ‬قدمته الفرقة الأسترالية‮ »‬ستيلارك‮« ‬هو تجربة‮ ‬يتم من خلالها تحريك الجسم البشري‮ ‬باستخدام كمبيوتر ثلاثي‮ ‬الأبعاد‮ ‬يولد جسما افتراضيا‮. ‬والعرض‮ ‬يقوم علي‮ ‬التحريك العكسي‮ ‬لنظام تحكم،‮ ‬بدلا من التحريك المجسم لجوهر الكمبيوتر،‮ ‬فالنموذج المجسد‮ ‬يمتلك جسما ماديا موجودًا في‮ ‬الفراغ‮ ‬الحقيقي،‮ ‬إذ‮ ‬يمكن التحكم في‮ ‬ذراعي‮ »‬ستيلارك‮« ‬والجزء العلوي‮ ‬من جسمه بواسطة العموض الفقري،‮ ‬بينما تظل رجلاه‮ (‬قدماه‮) ‬حرتي‮ ‬الحركة،‮ ‬وتلامسا الأرضية التي‮ ‬تهدئ من حركته،‮ ‬وهذا العرض‮ ‬يوضح أن التطور التقني‮ ‬أوصلنا إلي‮ ‬نقطة أن خيالنا حول موائمة الإنسان ليست محصورة فقط في‮ ‬استخدامنا العادي‮ ‬للأشكال‮ (‬الملابس‮) ‬والألوان‮ (‬المكياج‮).‬
ويسمح عرض‮ »‬التميز في‮ ‬مساحة السيطرة الآلية‮« ‬الذي‮ ‬قدمته فرقة‮ »‬سايبر ثياتر‮ ‬Cyber theater‮« (‬عام‮ ‬1997‮) ‬للمشاهدين باستخدام‮  ‬الإنترنت والكمبيوتر أن‮ ‬يظلوا في‮ ‬البيوت،‮ ‬فالعرض‮ ‬يعكس الزمن الذي‮ ‬نعيشه‮. ‬إذ‮ ‬يمكننا أن نقابل الذين لم نقابلهم ولم نراهم أبداً‮ ‬عن طريق الإنترنت،‮ ‬ومن خلال النصوص المتبادلة بينهم سوف تولد الشخصيات،‮ ‬ولكن سوف‮ ‬يظل هذا الشخص مجرد معلومات نصية حتي‮ ‬نقابله شخصيا،‮ ‬ومسرح التحكم في‮ ‬الاتصال هو وسيط إدراك المشاهدين‮ - ‬فالحواس الرقابية محدودة،‮ ‬وتحرك خبرة العمليات العصبية في‮ ‬بيوت المشاهدين،‮ ‬ويري‮ »‬جاي‮ ‬ديبور‮« ‬التكنولوجيا ووسائل الاتصال أنها آليات قوية تجعل الأفراد طائعين بلا إحساس‮ ‬يشاهدون ويستهلكون فضلا عن العمل والتفاعل،‮ ‬وأن الأداء عبارة عن ترفيه‮ ‬يسيطر علي‮ ‬المشاهد،‮ ‬مع أنه‮ ‬يوضح من الناحية الأخري‮ ‬أن الحياة ليست في‮ ‬جانب والمسرح في‮ ‬جانب آخر‮.‬
وعرض‮ »‬هامنت‮ ‬Hamnet‮« ‬الذي‮ ‬قدمته فرقة‮ »‬IRC‮ ‬دراما‮« ‬باستخدام الحضور العام للناس والمشاهدين‮ ‬يستعرض فيه المؤلف‮ »‬ستيوارت هاريس‮« ‬مداعباته اللغوية من خلال مزج الشخصيات الأساسية في‮ ‬نص شكسبير مثل‮ »‬هاملت‮« ‬و»أوفيليا‮«... ‬إلخ باستخدام افتتاحية معاصرة،‮ ‬ودور المشاهدين في‮ ‬هذا العرض هو أداء النص وليس المسرحية نفسها،‮ ‬فـ»هامنت‮« ‬يتلاعب باللغة ويبتكر فكاهات لفظية تغير كل شيء‮ - ‬الأنشطة والشخصيات والأصوات‮ - ‬إلي‮ ‬نص،‮ ‬ومن أجل الاستمتاع بالنكات من الضروري‮ ‬نكون ملمين بنص شكسبير واللغة الإنجليزية ولغة الإنترنت المشفرة والأسماء المختصرة وأوامر برنامج‮ ‬IRC‮ ‬جيداً‮. ‬كما‮ ‬يتم إثراء النص بواسطة ارتجالات الممثلين الذين‮ ‬يظهرون براعة في‮ ‬الاستخدام اللغوي‮.‬
ويؤكد‮ »‬هاريس‮« ‬أنه‮ ‬يمكننا أن نمتلك زمام النص عندما تكون موسيقي‮ ‬الممثل فقيرة،‮ ‬لأن النصوص خالدة ولا‮ ‬يهم الزمن التي‮ ‬تقدم فيه‮.‬
وقدمت مؤسسة‮ »‬يلسان‮« ‬الإيطالية نص‮ »‬ماكبث‮« ‬وأضافت له أصواتًا وصورًا عن طريق وسيط جديد هو‮ »‬النص المتوالد‮ ‬hypertext‮« ‬في‮ ‬عرض بعنوان‮ »‬هايبر ماكبث‮« ‬(2001)،‮ ‬يروي‮ ‬القصة بشكل متزامن بالإنجليزية والإيطالية،‮ ‬وتم تزويد المسرح التقليدي‮ ‬بالشخصيات التي‮ ‬وقفت جميعها علي‮ ‬خشبة المسرح معا في‮ ‬وقت واحد وبشكل متساوي،‮ ‬والعرض ترك لكل مشاهد الحرية في‮ ‬ابتكار حكايته،‮ ‬والعمل علي‮ ‬تطويرها حتي‮ ‬تكون فريدة بشتي‮ ‬الوسائل،‮ ‬باعتبارها شبكة احتمالات مماثلة لحياتنا اليومية المليئة بالبدائل والنتائج،‮ ‬والنص المتوالد في‮ ‬عرض‮ »‬هايبر ماكبث‮« ‬هو عرض مميز لأنه مبتكر بواسطة برنامج من تصميم الفرقة‮ ‬يقرر أي‮ ‬الكلمات والرسوم هي‮ ‬التي‮ ‬تصل،‮ ‬رغم أن المشاهدين‮ ‬يصنعون اختيارتهم بأنفسهم‮. ‬وقد ابتكرت الفرقة مسرحًا رمزيًا كاملاً‮ ‬وطبقت الفكرة التي‮ ‬نادي‮ ‬بها‮ »‬آرتو‮« ‬أن الكلمة‮ ‬يجب أن تعامل مثل الشيء الجامد لكي‮ ‬نستخدمها في‮ ‬تحريك الأشياء،‮ ‬فالمسرح مثل الحياة اليومية لا‮ ‬يهتم الناس بالكلمات كثيرا‮.‬
ومن خلال‮ »‬التحكم الآلي‮ ‬في‮ ‬الأداء الثنائي‮ ‬البعد‮ ‬The two dimenstonel cybesformance‮« ‬الذي‮ ‬ابتكرته‮ »‬هيلين فاليري‮ ‬جايمسون‮« ‬لوصف الفعاليات التي‮ ‬تقدمها فرقة‮ »‬سايبر بودي‮ ‬كوليجين‮«‬،‮ ‬إذ قدمت الفرقة أربعة عروض في‮ ‬مدة‮ ‬12‮ ‬ساعة لمسرحية‮ »‬تجميل الأمة‮« ‬(2003)‮ ‬والتي‮ ‬تم ابتكارها من خلال تطبيقات الدردشة‮ ‬Chat Applicatiore‮ ‬القابلة للتحميل،‮ ‬فالقصر المذكور في‮ ‬النص والممثلين والمشاهدين كانوا جميعا حاضرين علي‮ ‬الإنترنت،‮ ‬بأشكال مجسدة ثلاثية الأبعاد،‮ ‬مع أن حوارهم كان مكتوبا بطريقة مجلات الرسوم المتحركة في‮ ‬شكل فقاعات الرسوم الكرتونية‮.‬
وقدمت الفرقة الإنجليزية‮ »‬نظرية الصخب‮« ‬في‮ ‬عرضها‮ »‬اختطاف‮« ‬(1998)‮ ‬لعبة الرقابة اللصيقة،‮ ‬إذ عرضت الفرقة ورقة‮ ‬يانصيب‮ ‬يحصل الفائز بها علي‮ ‬فرصة الاختطاف،‮ ‬ثم‮ ‬يتم اختيار عشرة فائزين للتصفية النهائية بشكل عشوائي‮.‬
وهذه العملية تعرض مباشرة باستخدام كاميرا فيديو داخل المقر للاتصال الحي‮ ‬بالخاطفين،‮ ‬وتعكس لعبة الرقابة الواقعي‮ ‬صورة المجتمع الذي‮ ‬يعامل أفراده كحيوانات تجارب،‮ ‬وجوهر عرض‮ »‬الخطف‮« ‬يقوم علي‮ ‬أسلوب ستانسلافسكي‮ ‬التجريبي،‮ ‬فالعرض له قواعد ثابتة ومؤدين وبداية ونهاية ووسط مرتجل وشكل مفاهيمي‮ ‬وزمن ومهمة محددة‮.‬

تابع القراءة→

مسرح الطفل ملاحظات وحلول / علي حسون لعيبي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أبريل 26, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

الطفل هذا التكوين العمري المهم في بناء المجتمعات ورقيها ،  والشعوب المتحضرة تضع في أولوياتها هذه المهمة الصعبة والعسيرة من خلال خططها المرحلية والستراتجية وترصد الأموال اللازمة لتحقيق هذه الغايات،  ولكن يبدو أننا لم نعِ اهمية اعداد الطفولة بالشكل الصحيح والمنهجي والعلمي من خلال التخبط وضعف الرؤية لمستقبل اجمل وافضل لهم،  ومن وسائل هذا الاهتمام هو مسرح الطفل لأن(مسرح الأطفال أعظم اكتشافات القرن العشرين) كما أكد الكاتب الاميركي مارك توين .. تلك الوسيلة والغاية التي تغني العقول وتهذب النفوس وتخلق جيلا واعيا يستطيع أن يواكب التطور الحياتي السريع الذي يشهده العالم المعاصر .. وفي العالم العربي كانت بداية المسرح جدا متأخرة مقارنة بالعالم في اوربا وامريكا ربما كان هذا لأسباب اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية  .
فكانت حكايات خيال الظل  أول بداية لمسرح الطفل في القرن السابع الهجري ويرجع الفضل في نشأة هذا الفن إلى ابن دانيال الموصلي ..
لقد أصبحت هذه الفنون تقدم مجالا جميلا للضحك والمتعة  والجمال إلى كل من الكبار والصغار وخصوصا الأطفال الذين كانوا ينجذبون إليها فتجعلهم يعيشون كلا العالمين..لكن لم  يصل لغاياته المثلى في خلق النموذج الايجابي للانسان ودوره الانتاجي في الحياة ، وفي لمحة سريعة لتاريخ هذا المسرح .. كان هذا الفن يندرج تحت اسم +مسرح العرائس؛ الذي ظهر قديماً عند الفراعنة، وأيضاً الإغريق الذين كانوا يلقِّنون الجند فن المحاكاة، وتمثيل أدوار تمثيلية تتعلق بالمروءة والفضيلة والشجاعة والدفاع عن الوطن . وكذلك الصينيين الذين تفننوا فى تمثيليات خيال الظل، ونقلها عنهم المغول وحملوها إلى العراق التي غزوها، ثم ظهر هذا الفن على يد الحكيم شمس الدين بن الخزاعي الموصلي الذي نزح إلى القاهرة، ثم وصل هذا الفن إلى تركيا عام 1517م في عهد السلطان سليم الأول، لينتشر لاحقاً في أوربا.
و اليابانيون تلقوا هذا الفن باهتمام شديد، وأعادوا اكتشافه على طريقتهم الخاصة ، وعملوا على تطوير أدواته وأفكاره حتى أصبح له كيان مستقل.يعمل بشكل دؤب لمصلحة الطفل .
 وظل المجتمع العربي غير مهتم بهذه الشريحة اقصد شريحة الطفولة ومناهج تطورها .. ومنها الفن المسرحي وبالتخصيص مسرح الطفل لفترات طويلة.

ولمسرح الطفل وسائله الفريدة للوصول الى عقل الطفل اهمها ..

1-وصول المعلومات التربوية والعلمية بشكل غير مباشر.

2-تجاوز الروتين اليومي المعتاد بما لايتعارض مع سلوكيات ولعب الطفل اليومية

3-خلق عالم التشويق الصوري والسمعي لشد الانتباه.

4- المشاركة الوجدانية وهو كمشاهد ومتلقٍ في فعاليات العمل المسرحي .

من هنا تأتي اهمية مسرح الطفل في الوصول بخيال وعقل الطفل لغايات سامية أو شريرة تبعا للطروحات الفكرية.

لكن أين هو مسرح الطفل في العراق والعالم العربي ..؟ هناك اهمال كبير ويبدو مقصودا وممنهجا لهذا الفن الحيوي .. ونرى ذلك بوضوح من خلال عدم فعالية المؤسسات التربوية الفنية وعدم الاهتمام فيها .

أين درس المسرح في المناهج الدراسية .. ؟وأين قاعات العرض المسرحي..؟ اين هو الملاك الذي يعلم الطفل المبادئ الاولية لفن المسرح ..؟

ومن الغرائب في العراق أن المعلم أو المدرس يجبر أن يدرس فن الرسم وهو اختصاصه مسرح أو اخراج .. وهذا تجني على الاختصاص والطفل .

نحتاج الجدية والمثابرة والتنظير التربوي الصحيح لماهية احتياجات الطفولة والعمل على تفعيلها ونرى ممكن أن يتحقق ذلك من خلال ما يلي:

1- الايمان بقدسية وأهمية مرحلة الطفولة وحقها الانساني علينا في مراعاتها والاهتمام بها .

2-على دائرة الطفل في وزارة الثقافة الاهتمام بالبني التحتية لمسرح الطفل من خلال وضع الخطط الناجعة لبناء المسارح والكادر المتفهم للعمل مع شريحة الاطفال .

3- لوزارة التربية والتعليم العالي من خلال معاهدها وكلياتها الدور الاكبر في تخصيص اقسام مستقلة لفن مسرح الطفل ..وكذلك وضع منهج الزامي في المدارس الابتدائية لمسرح الطفل .

4-اعداد ورش علمية لمناقشة المستجدات الجديدة في عالم تطور علم الطفولة وبشكل خاص مسرح الطفل ويمكن الاستعانة بالخبراء الدوليين في هذا المجال وعدم اغفال الخبرات العراقية المهمة .

5-دعم الفرق المسرحية التي تعني بالطفولة والزام دائرة السينما والمسرح بتكوين فرق مسرحية متخصصة بمسرح الطفل في كل محافظة وكذلك تعميم ذلك في النوادي الشبابية والمنظمات الجماعرية والمهنية وصولا للمدارس.

6- توفير الامكانات للمسرح المدرسي ودعمه ونرى هنالك فرق واعدة ممكن أن تعمل شي من خلال زجها في المهرجانات الدولية والعربية والمحلية .

ونحن المهتمون بالمسرح نشكو ندرة الاعمال المسرحية الجادة والهادفة بل أن التفتيش عن العروض المسرحية يحتاج الى بحث مضنٍ لعدم التسليط الاعلامي لما يعرض او سيعرض ..طبعا عدا العروض في الكليات والمعاهد الفنية التي تدخل ضمن المنهج الدراسي .. عند متابعتي لم اعثر على نشاط مسرحي جاد للطفل .. والسبب اما الاعلام او ضعف الدوائر الاعلامية المهتمة بهذا الفن المهم .
---------------------------
 المصدر : الزمان 
تابع القراءة→

الاثنين، أبريل 25، 2016

تصارع المثال والواقع في دكتاتورية الجسد / د. نادية هناوي سعدون

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, أبريل 25, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

تعد المونودراما شكلا من أشكال الدراما وهي فعل درامي ذو منحى قصصي تحتل فيه الحركة التمثيلية موقعا مركزيا ليحقق بعضا من جماليات الأداء المسرحي. والمونودراما ايضا عمل تجسيدي لا تجريدي يستطيع الوقوف على المسرح كما يستطيع المثول بين ضفتي كتاب على حد تعبير الشاعر صلاح عبد الصبور، وهي تقوم على سيادة شخصية أحادية لتؤدي دورا مهيمنا على مساحة العرض المسرحي كله متبنية رؤية موضوعية كي تعبر عنها.
وإذا كان هناك اختلاف جوهري بين الدراما والفلسفة بوصف الأولى صراعا ذهنيا بين الفكرة والشعور وبكون الثانية تجريدا منطقيا؛ فإن اللمحة الخفية التي تجمع بينهما هي الموضوعية. وتستعير المونودراما كشكل مسرحي معاصر من السرد رحابة أبعاده التخييلية ومن الشعر جماليته الأدائية، وتنماز عن الأوبرا أو الأوبريت بكونها عبارة عن شكل مصغر للمسرحية يحمل طابعا شعريا أو نثريا لكنه ليس غنائيا.. وتهيمن الشخصية الوحيدة على المسرح مستبدة بالرؤية والتشخيص حركة وانفعالا عبر توظيف الحوار الخارجي (المنطوق) والداخلي (الصامت) مع الزج بالمقاطع السردية بين الحوارات. وإذا كان الشخصية المونودرامية تتقمص عدة وجوه وتؤدي عدة أصوات؛ فإن تلك التعددية الصوتية لا تعني أنها تشبه الرواية المتعددة الأصوات التي تستلزم عدم وجود وجهات نــظر متباينة. وهذا ما نجده في النصوص المونودرامية الخمسة لمجموعة (ثمة من يقف وحيدا على حافة الوقت) للدكتور علي حداد وهذه النصوص تميزت بنزعة تأويلية تظهر المخبأ على شكل ثنائيات متضادة كعلاقة الأفكار بالأفعال والروح بالجسد والحرب بالحياة والماضي بالحاضر على وفق رؤى تأملية وفلسفية تستعين بمختلف الوسائل البلاغية وأدوات الإبداع الجمالية. ولئن كان الشعر غير كاف للتعبير عن الاحتدام الشعوري وضجة الوعي اللذين يتطلبان مقدرة على الانجاز؛ فإن توظيف المونودراما في هذه النصوص بدا أمرا محتما. والنصوص الخمسة هي على التوالي ( دكتاتورية الجسد ومخلوقات الغواية النبيلة والصافي في قصيدته الأخيرة وآخر حلاقي المملكة ورسالة الأوجاع البغدادية)، وتعد مونودرامات ذات قوالب شعرية تقدم الشخصية المأزومة وهي تعاني صراعا نفسيا وتحديا أخلاقيا في أجواء من التبدل والتلون والتحول تفاعلا ونماءً وحيوية عبر لغة تكتنز بطاقة شاعرية تتماهى تارة بالحوار الباطني المونولوجي وأخرى بالحوار الخارجي المنطوق. وقد عمل الصراع على تحريك هذه النصوص فكريا أزاء قضية ما مفلسفا كينونة الشخصية في علاقتها بالناس والمجتمع وبطريقة هارمونية احتدامية مؤثرة وفاعلة تعتمد التآلف بين الرمز والواقع من جهة والحقيقة والخيال من جهة أخرى وهذا ما أوجد تضادا ومفارقة وتغريبا.. وقد أدى التوزيع للاعتراضات بالجمل السردية وظيفة درامية أسهمت مع الحوارات الخارجية والداخلية في تصاعد الأحداث ونمو الشخصية وتطورها، وهذا ما منح البنية المسرحية مزيدا من التوازن في بلورة الصوت الدرامي. ولان نصوص (ثمة من يقف وحيدا على حافة الوقت) هي أدائيات شاعرية لذلك فإنها تميزت بدفقات شعورية عالية جعلت الشخصيات كيانات جدلية ذات احتدامات عقلية وذهنية لتؤدي أدوارا دراماتيكية تستحث المفارقة حينا والتغريب أحيانا بغية التعبير الجمالي عن قضية فكرية أو رؤية تأملية.. ويقوم أول نص مونودرامي وعنوانه (دكتاتورية الجسد) على رؤية تأملية تحاول فلسفة العلاقة بين الجسد والروح، الأول بانكساره المعنوي وتشظيه النفسي، والثاني بهيامه المثالي ليتحولا إلى جزأين متغايرين ومتضادين، الجزء الأول هو (سامي) الذي يمثل النصف العلوي الراقي والمتسامي بمثاليته الطوباوية وأحلامه الوردية وشفافية عواطفه وسمو وجدانه. والجزء الثاني (سافل) النصف السفلي المراوغ والمخاتل والشرير الذي ينحط بواقعية إلى شر مستطير نازعا نزوعا بوهيميا ممعنا في إشباع نزواته السوداوية والتمتع الآني بما هو غرائزي في أجواء من الظلام والانتشاء وبأي وسيلة كانت لأن المهم عنده اللذة الفردية من دون اكتراث لمشاعر الآخرين ومصالحهم.. ويشكل الصراع اللبنة الثانية في النص، بعد الحوار والصوت الخارجي، والتي يقوم عليها الفعل الدرامي ويكون انقسام الشخصية الوحيدة في المونودراما رمزا للأفكار الطوباوية التي لا مجال للجسد أن يحولها إلى أفعال ويكون نتيجة هيامها الروحي تعاسة نفسية للجسد .. واذا كان النص قد ابتدأ متباهيا بالروح بصوت الأنا فإنه تحول في الخاتمة إلى كينونة واحدة بروحها وجسدها، اذ ما عاد للروح أن تهيم على حساب الجسد، بل صار عليهما أن ينتظرا ليؤديا دورين في آن واحد دور المتسلط ودور الخاضع، الأول هو الجسد بحضوره الواقعي والثاني الروح بغيابه المؤجل في ملكوت الهيام والخيال. وبذلك تتأكد وجهة النظر الواقعية التي تعترف أن الوجود لن يتجلى أمامنا حاضرا إلا بتوازٍ عادل للأفكار والأفعال وبتجاوب منطقي بين الغياب والحضور والخيال والحقيقة بذلك يرتقي الإنسان بروحه وجسده معا. أما التنكر للواقع والهيام بالوهم فذلك نتيجته الاصطدام والخيبة التي تعطل وظيفة الجسد والروح معا.

------------------------------------
المصدر : شبكة الإعلام العراقي

تابع القراءة→

إشكالية التلقي في الخطاب المسرحي / سافرة ناجي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, أبريل 25, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

وضع لنا ارسطو اشتراطات  للخطاب المسرحي بعد ان درس الظاهرة المسرحية بشكل واع وحفر في تركيباتها، التي بلورها في مجموعة من الاشتراطات، ومن أهمها أن يكون الخطاب متهيكلا على وفق ما يمكن أن يحدث، او على ماهو كائن، أو أدنى مما هو كائن وأكد أهمية  ان يكون متمثلا للشرط الاول بوصفه استشرافاً تنبئياً للمستقبل، وهذا لايعني أن يكون متعاليا على الواقع بدرجة يتفارق معه. وبين شروط الجمال والواقع هناك الكثير من الالتباس الذي يهيمن على هذا الفعل الابداعي بوصفه أحد انساق التعبير التي عرفتها ثقافتنا في وقت متأخر، وهذا لايعفي او يسوغ لمزيد من اللافهم له. لانه بعد ان تجاوز فعل التعاطي مع الثقافة المسرحية مايزيد على أكثر من قرن، فمن غير المقبول أن يبقى الالتباس يلف هذا الخطاب، وسبب ذلك الاصرار على تأكيد  سوء الفهم لارساليات هذا الخطاب، ولانه لايحقق كينونته الجمالية الا بشرط تقديمه الى الجمهور(المتلقين)، وعندنا انقسم بين تركيبين دراميين لاغير، فالتركيب الاول المسرح الجاد الذي يغرق في الغموض والتهويم الايحائي، وهذا الشكل قد حال دون تواصل جمهوره مع ارسالياته الجمالية، والتركيب الثاني ما يطلق عليه اصطلاحا المسرح التجاري او تزويقه بالمسرح الشعبي، اذ تدنى في خطابه دون الواقع بكثير مما اساء الى الذوق العام، وكلا التركيبين أسهما في نفور الجمهور منهما،وبقي، يتراوح بين القبول وعدم الاستجابة له مما أسهم في تعطيل الفهم والتواصل معه.

لأن صانع  هذا الخطاب الابداعي افترض ان المتلقي يقبل ويستسيغ ويستجيب لأي شكل. ناهيك عن الخلط في مفاهيم الجمال المسرحي كما  انه جزم بأن الزج العشوائي بمفردات وعلامات بشكل عشوائي هي احد ممكنات الابداع، فضلا عن الجهل باشتراطات البث الجمالي المسرحي، الذي يحدد بحسب فلسفة شكل ومضمون الخطاب الجمالية، اذ لا يفرق بين بين نوع واخر، فتراه يقدم خلطة غير واضحة تغوص في الغموض والفوقية التي لاتنتمي الى الخيال او الواقع، مما يؤدي الى النفور من الخطاب. او انه يضع متلقيه في دوامة اللافهم، فتجد الخطاب غير منسجم في تشكيل منظومته الفنية.

فضاء النخبة

وهنا نقول ان هذا احد اهم الإشكاليات التي نأت بالخطاب المسرحي عن جمهوره، ونفرته منه، وبالتالي لم يتمكن من ان يصنع جمهورا متذوقا يتابع فعله الثقافي ويبحث عنه. وعندها فقد خطابنا المسرحي قدرة التاثير أو التغيير في محيطه الاجتماعي، فبقي يدور في فضاء النخبة، وهذا  الفهم اليسير جعل من الخطاب المسرحي خطابا منغلقا على ذاته، ما أفرز فوضى ثقافية تتجاذبها انماط الشللية والصراع بين صناع الخطاب المسرحي، اذكل مجموعة مسرحية لا تسمع الا صوتها. والخطاب المسرحي متفرد بعده خطاب فهم الاخر وقبول الرأي والرأي الاخر، فكان سريع الاستجابة للطائفية السياسية في اسوأ صورها ومتماهيا معها في قبول او رفض صوت اي منجز اخر ،وكأن الطائفية  السياسية. قد انعكست على مجمل الحراك الثقافي، وهذا لايعني رفض الجماعة الثقافية، بل على العكس من ذلك انها تكون اكثر فاعلية في ترسيخ ثقافة المسرح لدى الجمهور، وتكون احدى علاماته السلوكية.وان لا ينحسر في التعبير عن حاجة جماعة محدودة في الفكر ومنتميا لطروحاتها فقط.  نجد انها لا تنتج غير الالتفاف على براغماتية هذه الجماعة مما يعطل الخطاب المسرحي عن انتاج وقراءة  راهنية الواقع واستشراف معطيات ما يمكن ان يحدث.

دور المسرح

وهنا نجد ان خطاب المسرح بحاجة الى اعادة قراءة اهم مقولاته الاجتماعية (اعطني خبزا ومسرحا، اعطيك شعبا مثقفا). وفي رأينا  ان دور المسرح الابداعي في مجتمعات تغص في اشكاليات فكرية واجتماعية، يشترط عليه ان يكون فاعلا اجتماعيا بامتياز، لا ان يعيش في حلم التجريب المقلد والمستنسخ، الذي انتج بدورها اشكالية في تلقي الخطاب المسرحي على مستوى النخبة والعامة معا. لأن فنون الاداب والتعبير لا تحقق ذاتها الا بحضورها الفاعل في حاضنتها الاجتماعية، وهذا لا يحدث الا اذا تنازل صناع الخطاب عن نرجسية الابداع التي تمثلهم حصرا، فكيف يمكن ان يغير الخطاب المسرحي في الذوق العام وصناعه لايقبلون رأياً نقديا يتعارض معهم .

------------------------------------
المصدر : شبكة الإعلام  العراقي
تابع القراءة→

الأحد، أبريل 24، 2016

محاكمات مسرحية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

أنيتا سوبولوفا (خبير قانونى)، أولجا شاكينا (قاضية)، ميخائيل كالوزسكى (القاضي المساعد)
عن العرض المسرحي «محاكمات موسكو» للمخرج السويسري “ميلو راو”

محاكمات مسرحية.. المسرح كفعل وإعادة تجسيد


في عام 2013 قدَّم المخرج السويسري “ميلو راو” تجربة مسرحية في غاية الخصوصية، أصبحت فيما بعد تُشكِّل أسلوبًا مسرحيًّا خاصًا به وعلى نطاقٍ دولي. فقد عَقَد “ميلو راو” عرضًا مسرحيًّا على مدار ثلاثة أيام في متحف ساخاروف بموسكو، كإعادة تجسيد لمحاكمات حقيقية جرت في العاصمة الروسية خلال الأعوام 2003 و2006 و2012. لقد أراد المخرج السويسري الشاب حينذاك أن يفتتح أسلوبًا مسرحيا لا يضم ممثلين ولا إخراجًا مسرحيًّا بالمعنى المتعارف ولا حتى خشبة مسرح.. وقد نجح.

كانت موسكو قد عانت مما اعتبره الفنان تعسفًا في التعامل مع الأعمال الفنية على فتراتٍ متباعدة، ففي عام 2003 تعرض المعرض الفني “Caution! Religion” إلى المنع وتمت محاكمة فنانيه، وما لبث أن حلَّ عام 2006 حتى تعرض معرضٌ فنيٌّ آخر بعنوان “Forbidden Art” إلى مصيرٍ مماثلٍ لسابقه، وفي الحالتين صادرت الدولة محتويات المعرض أو تم تدميرها، ثم أُخلي سبيل الفنانين بكفالة بعدها.

أما الحدث الأقرب زمنيا فهو الدقيقة التي قضتها ثلاث نساء شابات في العشرين من أعمارهن (Pussy Riot) في الغناء وعزف الموسيقى داخل كاتدرائية المسيح المخلص بموسكو، وهو ما أدى إلى القبض عليهن ومحاكماتهن وترحيل اثنتين منهن إلى معسكر تأديبي بينما تم إخلاء سبيل واحدة فقط.

تعد تلك الأحداث هي مصادر الإلهام الفني لميلو راو في إبداعه لعرضه الفريد، فهو من ناحية يسعى من خلال المسرح إلى مساندة حرية التعبير الفني، لكنه أيضا يفسح الفضاء المسرحي لآليات المحاكمة التقليدية مما يعتبر استعادة للدور القديم للمسرح كحيز عام للمدنية وللديمقراطية يجوز من خلاله -ولو بشكل مؤقت وافتراضي- إجراء مراجعات موضوعية للآراء المجتمعية المتعارضة حول موضوع حرية التعبير كبديل حيوي لنتائج المحاكمات الأصلية.

آنا ستافيتسكايا (محامى الدفاع) مع ليونيد بازهانوف


هكذا استلهم المخرج الموضوع والشكل الفني من الحدث الحقيقي الأصلي، فكسر مواضعات مسرحية في خطوة واحدة وثبّت قدميه في مجال المسرح كفعل وكإعادة تجسيد، وليس المسرح كتخييل وكسرد خيالي. لقد استبدل “ميلو راو” الخشبة المسرحية بفضاء المحاكمة وبالتقسيم المتعارف عليه لمواقع القضاة والمحلفين والمحامي المدافع والمدعي بالحق العام، كما استبدل الفكرة التقليدية للممثلين بأشخاص حقيقيين يظهرون في شخصياتهم وأدوارهم الحقيقية كي يعرضوا وجهات نظرهم الحقيقية بتلقائية وبدون سيناريو مسبق، غير أن الجميع يشارك على منوال نسق وترتيب المحاكمة التقليدية.

هناك قضاة حقيقيون ومحامون ومحلفون، ويظهر الجميع في مِهَنهم الأصلية ويُدلون بمنظورهم حيال القضية. هناك اتهام حقيقي، ويدافع المتهمون عن أنفسهم كما يدافع عنهم محامون محترفون، هناك أيضا شهود، وفي النهاية يصدر قرار المحكمة. أما الفارق الوحيد بين هذه الحالة والمحاكمة القضائية الحقيقية فهو أن الحكم في حالتنا لا يستتبع أية مترتبات قانونية في الواقع. هكذا يتخلق توتر رائع لاسيما عندما يحمل كل متفرج وجهة نظره الخاصة إزاء القضية محل النظر.

            ياكترينا ساموتسيفيتش (Pussy Riot)


لقد ضحى “ميلو راو” بسيطرته كمخرج، بل ضحى بمجرد معرفته بالمسار الذي سوف يؤول إليه الفعل المسرحي، فالأحداث طازجة طزاجة لحظة إنتاجها أمام جمهور المحاكمة-العرض ولا أحد يعرف ما سوف يدلي به الآخر سلفًا ولا حتى ما سوف يقرره المحلفون في نهاية الرحلة. وقد كانت هذه الشجاعة النادرة للمخرج في التخلي عن سلطته التقليدية هي المفتاح الأول الذي طور هذه التجربة من مجرد إعادة التجسيد -فهناك أنواع في إعادة التجسيد تكون مصممة للوصول إلى نهاية محددة ولو كانت مساراتها منفتحة نسبيا- إلى المغامرة التي يضطلع فيها المشاركون بقيادة الدفة دون أي تدخل من المخرج.

نستطيع أن نقول إن “ميلو راو” قد أعاد إلى التجربة المسرحية بدائيتها وخلصها من تاريخ مسرحي كامل قائم على مواضعات تخييلية وإيهامية. ففي «محاكمات موسكو» يظهر كل فرد بشخصيته الحقيقية وباسمه الحقيقي ومهنته الحقيقية، إنه يتبنى المساحة الديمقراطية التى يمنحها له العرض المسرحي لكي يمارس حقه في المواطنة وإبداء الرأي وقيادة مجتمعه دون سلطة مباشرة من الدولة ودون رقابة قمعية. وبالطبع يعود الفضل في ذلك إلى كون المسرح فضاء فنيا بالدرجة الأولى، مما يمحي لدى المشاركين أي إحساس بالوقع الممتد لما يمارسونه، فجميعهم يعرفون أنها “فرضية” وذات طابع زمني مؤقت بحكم طبيعة العملية المسرحية. وربما لذلك كان جميع المشاركون محترمين لضوابط المشاركة، ولوجود قاضية حقيقية أدت دورها كقاضية افتراضية في «المحاكمات المسرحية».

ياكترينا ساموتسيفيتش (Pussy Riot) في الاستجواب. على منصة القاضي: أنيتا سوبولوفا، أولجا شاكينا، ميخائيل كالوزسكى


لقد اختار المخرج سبعة محلفين من مختلف الأطياف الفكرية بالمجتمع الروسي، وكان ذلك رهانًا على قدرة العرض على استشعار نبض المجتمع -خلافا لحكم القضاء- من خلال قرار المحلفين في النهاية. وجرت المحاكمة بدرجة عالية من الحرفية، فهناك شهود من الشخصيات العامة بالمجتمع ومن الفنانين أنفسهم، وهناك عرض منضبط للوقائع التى تجرى بسببها المحاكمة، لكننا نشهد كذلك سردًا لما أستصدره القضاء من أحكام حيال تلك القضايا، مما يتم طرحه للنقاش أيضا كجزء من المراجعة فكأننا في مرحلة الاستئناف.

تمت المحاكمات الافتراضية -التي أجراها “ميلو راو” في شكل مسرحي- على مدار ثلاثة أيام: 1-2-3 مارس من عام 2013. أي بعد قرابة عام من آخر أحداث وقعت في صيف عام 2012. كانت مهمته تجميع المشاركين مما يعد -في حالته هذه تحديدا- مهمة إخراجية بالدرجة الأولى حيث سوف يحدد هذا الخليط من المشاركين لاحقا أحداث “العرض”. أجرى المخرج كذلك حواراتٍ مع جميع من وقع عليهم الاختيار، وكان واضحًا للجميع أنها فرصة جديدة وجدية لإجراء حوار مجتمعي من خلال المنصة المسرحية، ومع ذلك فالجميع أحرار في ردود أفعالهم طالما أنهم يعلمون الهدف الأصلي من المغامرة وأنها بلا مترتبات واقعية.

قام “ميلو راو” بتصوير فيلم توثيقي عن التجربة على مدار الأيام الثلاثة التي استغرقها العرض، بالإضافة إلى بعض الحوارات الجانبية من الشخصيات العامة المشاركة فيه، وجزء من تلك الحوارات الخارجة عن العرض تعتبر مصممة مُسبقًا.

على مدار تلك الأيام الثلاثة تحول متحف ساخاروف إلى ساحة مسرحية للديمقراطية، حضر الجمهور يوميا لمتابعة تلك المحاكمة الإفتراضية ولمراجعة علاقة السلطة بالفن وبالإبداع. لقد اتضح تدريجيا حجم المعسكر الذي يدعم الدولة في مصادرتها للفن، وظهرت دعاوى واضحة من المشاركين لتحريم وتجريم الفن وحرية التعبير لو لم يتوافقوا مع معتقدات أغلبية المجتمع. ومع ذلك فشل هؤلاء في إثبات ما هي معتقدات أغلبية المجتمع، وكيف تتهدد بمجرد معرض فني بسيط للغاية وعدد زواره محدود في النهاية. ظهر ذلك الصراع بوصفه بالأساس صراعًا على مدنية الدولة ومعنى المواطنة، فالمصادرة التي قامت بها الدولة هي في الحقيقة مدعومة من تيارات مجتمعية متشددة للغاية ورافضة للمساواة في حقوق التعبير والحقوق الثقافية.

ظهر المخرج السويسري الزائر والمغامر أحيانًا كفنان مبدع وجريء، وأحيانا كدخيل على مشكلات المجتمع الروسي بل ومحفز لفقدان الهوية والتشبه بالغرب بالنسبة لهؤلاء الذين رفضوا مفهوم حرية التعبير من الأساس. ظهر التزمت الثقافي والتشكك في الغرباء كوجهين لعملة واحدة قائمة على حماية الذات من خطر مجهول قادم من ذلك الذي لا نعرفه. اقتحمت الشرطة الروسية قاعة المحاكمة-العرض ذات ليلة ودفعت إلى توقيف “المحاكمة” وتم منح الجمهور راحة مؤقتة حتى الانتهاء من إجراءات الشرطة للتأكد من تصاريح العرض بالمتحف وتأشيرة وأوراق المخرج نفسه.

لقد منحت الشرطة هكذا للعرض “لحظة خرافية” لم يكن لأي مخرج أن يتخيلها أو حتى أن يصممها بهذا الإقناع وبهذا التوقيت. لقد ربطت الشرطة بتدخلها بين الواقع الخارجي ودور الدولة وبين الواقع الافتراضي و«المحاكمة المسرحية».

أدت هذه اللحظة إلى اشتباك العالمين مما أنتج ذروة مصغرة للفعل المسرحي خارج نطاق المحاكمة الافتراضية. وقد أثَّرت تلك الذروة المصغرة على تصعيد النقاش والتفاوض عند العودة إلى الفعل المسرحي، وكذلك إلى الشعور بوقع العملية الافتراضية المسرحية على الواقع الخارجي، وهو ما لم يكن في الحسبان.

بدا الفعل المسرحي ذا قدرة فائقة على التأثير على الواقع ولو في شكل استدعاء الشرطة، وربما أن هذا الخطر الذي يشكله الفن والتجمع بين الناس هو ما دعا من الأساس إلى المحاكمات الأصلية للأعمال الفنية. وبالرغم من ذلك، فهذه المرة لم يتمكن أحد من منع العمل أو اعتراض سبيله، فقد كان مدعومًا بعدد كبير من جمهور الحاضرين، كما سانده المشاركون والذين يمثلون مختلف أطياف المجتمع الروسي. لقد اجتمع المختلفون كلهم في ذلك الظرف على رغبتهم في استكمال التجربة، وكأن هناك هدفا جديدًا اكتشفوه من خلال العرض، هدف أكثر متعة من مجرد إثبات أنهم على حق وأن الآخر خطأ.

ربما أن المشاركين لم يغيروا آراءهم الأصلية بنهاية التجربة لكنهم بالتأكيد اكتشفوا إمكانية التفاهم والتعاون والحوار. وبالرغم من أن تلك الإمكانية ربما تكون مدعومة بالظرفية المؤقتة للفعل المسرحي إلا أنها لا تنفي أن الإدراك قد تم.

هكذا تكتسب المغامرة بعدا إضافيا ربما لم يكن في توقع المخرج، إنه هذا البعد الإدراكي الجمعي الذي يعادل في المسرح التقليدي “التطهير”. فنحن هنا لا نسعى إلى التطهير التقليدي، ولا ندفع المتفرجين في أية اتجاهات – صيانة لمفهوم الديمقراطية داخل العرض- إلا أنهم هم الذين يصيغون خلاصة تجربتهم بأنفسهم ولنفسهم، فتكون الرغبة في استمرار العرض والحرص عليه نقلة كيفية في حجم التعاون الذي يمكن الخروج به من العرض إلى أرض الواقع لاحقًا.

                                مكسيم شيفتشينكو (خبير بارز بالنيابة) يتحدث مع لجنة التحكيم.


ربما يروق للكثيرين إضفاء صبغة استشفائية على هذا النوع من المسرح، إلا أن هدفه المعلن ليس علاجيًّا بقدر ما هو اجتماعي وتفاوضي. أما حيز الاستشفاء الجماعي من الأزمات الشخصية والاجتماعية والسياسية فهو حيز داخلي مغلق على كل شخص وحده وخاضع لمسار علاقته بالموضوع، ومع ذلك يظل طابع العلنية المتعلق بالفعل المسرحي عاملا أساسيا في استعادة المشاركين لكرامتهم كمواطنين وكأصوات حرة جديرة بالإنصات إليها.

لقد استمر “ميلو راو” في تطوير أسلوبه المسرحي من خلال عدة تجارب مماثلة في مختلف أنحاء العالم، هو مهتم للغاية بذلك الفضاء الذي قد يشكله المسرح للتفاوض بين الأطراف المتصارعة وإعادة تجسيد الفعل الديمقراطي خارج شروط القانون التقليدي.

فالمسرح هنا يخضع لشروط أخرى؛ إنها شروط الفعل والمشاركة والتي يتساوى فيها الجميع ويحافظون على مواضعات الجلسة من حيث زمن المداخلة وضوابطها. ففي تلك الحجرة الصغيرة تمكن المشاركون والجمهور من إعادة إبداع تقاليد الديمقراطية خارج نطاق السياسة. إنها الديمقراطية كطريقة للنقاش والحوار والتفاهم، وليس كأداة للسلطة. وهكذا عاد المسرح إلى نشأته الأولى بوصفه ذلك اللقاء الجمعي الحر، وتلك المحاكاة التي يتواطأ فيها الجميع، ولا فصل فيها بين المشاركين.

لقد صنع “ميلو راو” أفضل دفاع ممكن عن الفن وعن حرية التعبير دون أن يتخذ أيا من الجانبين ودون أن يحفز المشاركين في أي من الاتجاهات. لقد صنع أفضل دفاع؛ لأنه أثبت أن الفن قادر على الاحتواء وعلى تسهيل الحوار وعناق المتناقضات داخل فضاء فكري واحد. إن المسرح يملك القدرة المذهلة على الدمج والاحتواء، أما سياقات المعرفة السلطوية فتقوم على الحذف والتمييز.

لقد تم تعريف المسرح دوما على أنه قائم على الصراع، وليس هناك أفضل ولا أكثر إقناعا من صراعات الواقع كي نتفاعل معها ونشارك في علاجها، إننا في تلك الحالة نجري تدريبًا مباشرًا على تطوير واقعنا بحيث إننا لا نحتاج إلى ممثلين، ولا حتى نحتاج إلى نتائج خاصة من محاكماتنا الافتراضية، كل ما نحتاجه هو نحن واستعدادنا للتخلي عن أنانيتنا ولو لساعات قليلة، تماما كما فعل “ميلو راو” وحصد ثمن شجاعته نجاحا فنيا مدويا في جميع أنحاء العالم.

إنه المسرح كفضاء للتدريب على الحياة، ليس من أجل أية حكمة نهائية متوارثة داخل المنظومة المعرفية الطبقية بل من أجل أن نعيش التجربة في حد ذاتها، وكل بطريقته.


--------------------------------------
المصدر : نورا أمين (مصر)- مؤسسة الثقافة السويسرية 

تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9