أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الثلاثاء، مايو 10، 2016

تاريخ فن الدمى في العراق / د.فاضل خليل

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

المقدمة 
عرف العراقيون القدماء فن الدمى منذُ ما يقرب من ثمانية آلاف سنة . دلّت على ذلك الدمى الطينية التي يعثر عليها غالباً وهي غير مفخورة ، تمثل بعض الحيوانات التي يألفها الأطفال . وكذلك تمثال (الآلهة الأم) ، التي تصاحب الهياكل العظمية للأطفال المدفونين في مقابر (اريدو) و (تل الصوان) قرب مدينة سامراء . وفي عام680ميلادية وفي أيام بني العباس كان العراقيون قد عرفوا الغناء مثلما عرفوا (طيف الخيال) الذي إنتشر في بغداد خلال القرن الثالث عشر وهو فن يعتمد (الدمى الورقية) و (الدمى الجلدية) وكان ضرب من التمثيل يقوم بهِ شخصٌ من وراء ستارة ويتكلم بدل الشخصيات الورقية والجلدية . ومن أهم الذين كتبوا في (خيال الظل) هو محمد بن دانيال الموصلي (1248 - 1311) . مثلما عرف العراقيون كذلك أشكال من الدمى كانت تعرف باسم (الكرج) ، والكرج : نوع من تماثيل خيل مسرجة . كانت تصنع من الخشب وتعلق بأطراف ثابتة ، تلبسها النساء ويحاكين بها إمتطاء الخيول في حالة الكر والفر . 
وحديثاً لم يتعرف العراقيون على فن الدمى إلا في عام 1954م – بعد زيارة مدينة الألعاب المصرية (اللونا بارك) إلى العراق لتقديم بعضاً من ألعابها التي إستهوت بعض العراقيين فقلدوها وشكلوا لها فرقاً قدمت هذا الفن في التلفزيون عبر برامج كثيرة خصصت للأطفال مثل برنامج (القره قوز) . كما تأسست فرقاً لهذا النوع من الفن قدمت فعالياتها في المناسبات السعيدة على مسارح المدارس والفنادق . بعد هذا النجاح قامت الدولة بتأسيس الدولة متحف للأطفال الذي اهتم بفنونهم ومنها بناء مسرح للدمى . والمشاركة في إنتاج أكبر برنامج للدمى موجه للأطفال هو برنامج (إفتح يا سمسم) . وقد تأسس في كل دائرة فنية قسم يعنى بشؤون الأطفال وتحريك الدمى . و كانت السينما العراقية هي الأخرى حاضرة فأنتجت أفلاما للدمى المتحركة كانت من إخراج المخرجة الراحلة رضية التميمي التي صبت كل اهتمامها في هذا الفن فقدمت له أفلاما كثيرة منها : ( واوي – السوق الشعبية – صياد الغابة – حكاية الكلب الطيب – شيبوب المغامر – الخياط المرح والتاجر البخيل – هيا نلعب…..الخ ) . 
البداية 
لقد عرف العراقيون القدماء فن الدمى منذ ما يقرب من ثمانية آلاف سنة ، وذلك من خلال التنقيبات الآثارية في أريدو وفي مقبرة تل الصوان – قرب مدينة سامراء – حين أكتشفوا الدمى الطينية المصاحبة للهياكل العظمية للأطفال المدفونين فيها (1) ، كما عثر على بعض دمى الطين – غالباً غير مفخورة – تمثل بعض الحيوانات وكذلك الآلهة الام (2) . وتنعكس الأفكار الدينية لفترة حسونة في وجود دمى الطين التي تمثل الآلهة الام ، وكذلك في أسلوب دفن الأطفال في جرار ، ربما كنذور للأبنية المشيدة (3) ، وهي شبيهة من الدمى التي عثروا عليها في قبور الإغريق والرومان كذلك في قبور الأطفال حيث كانت تدفن معهم . وعليه نتبين بأن أُسس وجذور فنون العراق القديم ومنها فن الدمى يعود تاريخها إلى الألف السادس قبل الميلاد ، شأنها في ذلك شأن بدايات النحت العراقي والعمارة الدينية (4) ، وهذا يرجح الرأي القائل بأن العراقيين الأوائل هم أول من عرف الدمى وكانت يصنعونها من الطين والخشب والعظام ، والنوع الثمين منها صنع من العاج أو الشمع لتكون أكثر حيوية . حيث يعود تاريخ صناعة الدمى المتحركة إلى عام (600 ق.م ) عند البابليين ، كما عرفها كل من المصريين القدماء والصينيين والهنود الأوائل ، وعرفها بعد ذلك اليونان (5) . فالثابت تاريخياً أن العرائس كانت أسبق من الإنسان في التمثيل والتشخيص ، وإنها كانت الأولى في (طابور) الفنون التعبيرية الأخرى (6) . وقد أدت الدمى مهام دينية متنوعة منذ فجر التاريخ وتطورت بفعل الحضارات وتنوعت بما يلائم بيئة كل حضارة ، وبمرور الزمن أصبح لها قصة تقوم بتمثيلها وتودي كل معناها بدلاً من أن توحي لبعضها على أن يصنع المتلقي في نفسه عالمها وحوادثها (7) . كما ظهرت في أوربا في القرن السادس عشر والسابع عشر نماذج من الدمى صنعت لأغراض البيع وقد اشتهرت منطقة (كرودنار – تال) في ألمانيا . كانت الدمى قديما تستعمل كألعاب كما هو حال استعمالها في كل الأوقات غالبا . وكانت تصنع من المواد الأولية البدائية ، كالطين والطحين والفرو وألياف الخشب . أما الثمين منها فكان يصنع من المرمر كما في الفترة البابلية . وفي عام 1800 أصبح إستخدام الورق وشعر الحيوانات لتركيب الرأس والجسم أكثر إستعمالاً . أما في عام 1930م ، فقد كان للشمع دوراً هاما في صناعتها وخاصةً في إنكلترا ، وألمانيا ، وفرنسا ، الدانمارك . وأول من أدخل القماش وخيوط الحرير والقطن والخيوط النسيجية في صناعتها هم الإنكليز والأمريكان . أما اليوم فهي تصنع من مختلف المواد الجلدية المطاطية ، كما في اليابان الذين إستخدموا في إنتاجها البلاستيك الصلب والصابون والفتيل لصنع الشعر الخاص بالدمى . بل صنعوا لها باروكات شعر تلائم الدمية وحسب تقاليد الشعوب وعاداتها وخاضعة لطلباتها وسوق بيعها . الأمر الذي جعل الدمى ان تكون أكثر تنوعاً من حيث شكلها وحجمها ، صغيرة كانت أم كبيرة (*) .
وحين استثمر العراقيون في النصف الثاني من القرن العشرين ( واقعة عاشوراء) ، أي بعد 1280 عاماً على وقوعها . استخدموا في تجسيد أحداثها إضافة إلى الجهود البشرية ، العديد من الدمى لكثير من رموز الخير والشر التي صاحبت أحداث الواقعة ، إضافة إلى الشواخص والبيارق والإكسسوارات من أكف معدنية وخشاش كانت توضع على رؤوس الرماح والبيارق والصواري وغيرها (8) . لقد توارث العراقيون تمثيل هذه الحادثة التي اقتبسوها من الفرس الذين سبقوهم في تقديمها وكانوا يطلقون عليها التسمية المحلي (التشابيه ) أو" ما يسمى بمسرحيات التعزية ذات الأصل الفارسي ، وهي تتناول موضوع مقتل الحسن و الحسين ، فبعض هذه المسرحيات ترجم إلى العربية ، وهذا النوع من المسرحيات هو النوع التراجيدي الشعبي الوحيد " (9) . 
ومن مقدمة ابن خلدون ، بعد أن تحدث عن الغناء في أيام بني العباس قال : "وكان من ذلك في دولتهم ببغداد (….) وأتخذت الآت أخرى للرقص تسمى بـ (الكرج) وهي تماثيل خيل مسرجة من الخشب معلق بأطراف أقبية تلبسها النساء ويحاكين بها امتطاء الخيل فيكرون ويفرون وأمثال ذلك من اللعب المعدة للولائم والأعراس وأيام الأعياد ومجالس الفراغ واللهو ، وكثر ذلك في بغداد وأمصار العراق وقد أنتشر منها إلى غيرها (10) وهكذا نرى أن فن (خيال الظل) كان قد انتشر في بغداد خلال القرن الثالث عشر ، وهو فن يعتمد على الدمى الورقية والجلدية ، وهو ضرب من التمثيل يقوم به شخص من وراء ستارة تضرب الأشعة الضوئية المسلطة على تلك الأشكال الورقية أو الجلدية فيظهر خيالها خلف تلك الستارة ، أما الحوارات فكان يقوم بها شخص يسمى (المخايل) أو أشخاص يقفون خلف تلك الستارة ، وكانت المسرحيات التي كتبها محمد بن دانيال (1248 – 1311)(*) : وهو طبيب عيون كان يسكن في القاهرة أيام (الظاهر بيبرس) في القرن الثالث عشر . ووصفه (جورج جاكوب George Jacob ) " بأنه أعظم شاعر ممتع في اللغة العربية " (11) . وقال عن تمثيلياتهِ أنها " أصعب شيء في الأدب يحتاج إلى شرح وترجمة (…..) وهو يذكرنا بأسلوب الحريري في المقامات "(12) . 
وقد احتوت هذه المسرحيات على الموشحات والأزجال والموال وأشعار الأطفال وخيال الظل ، وهو نوع المقامات وضرب من ضروب الأدب يتخللهُ مطالب أدبية من أشعار وملح ونوادر (13) . وخيال الظل موضوع تسلية مقرون بالهزل وببعض الأدب المكشوف ولكن قربه من المسرحية أدى إلى النظر إليه وعرف بهِ فأشتهر أمره وعرف شأنهُ(14) . الا أن أول من كتب في خيال الظل ، هو أبو الحسن علي بن محمد المعروف بـ (الشابشتي) المتوفي سنة 988هجرية – 998م كما ذكر ذلك كوركيس عواد(15) ، حيث ورد بكتابهِ (الديارات) ما نصه : "وقال دعبل ( لعباده المخنث) يوماً والله لأهجونك : قال : والله لئن فعلت لأخرجن أمك في الخيال (16) ، وجاء في هامش الصفحة المذكورة " يريد بهِ طيف الخيال " أو ما يسمى بخيال الظل ، والخيال : ضرب من التمثيل المسرحي يقوم بهِ المخايل من وراء الستارة (17) . وقد لاقى هذا النوع من الفن رواجاً كبيراً واهتماماً واسعاً خلال فترة حكم المغول سنة 1258م في العراق . حيث أولي عناية خاصة وأصبح في عهدهم أكثر وضوحاً حيث تطورت حيوانات وجناً وملائكة (18) ذات أثر على المتلقي في استلامهِ للنص على لسانها . وأنتقل مسرح الظل من العراق إلى مصر حيث كان السلطان صلاح الدين (المتوفى سنة 1193م) ومعه وزيره القاضي الفاضل يحضران تلك الحفلات . كما كان الخديوي توفيق باشا الذي حكم مصر منذ عام 1879وحتى 1892م يحب مشاهدة هذه التمثيليات . ومن ثم انتقل إلى تركيا حين أُعجب بها السلطان العثماني سليم الأول (المتوفى سنة1193م ) عند احتلاله لمصر بعد أن شاهد عروضاً لمسرح الظل " وقال لأحد اللاعبين : تعال معنا عندما نعود إلى اسطنبول كي يرى ابني …ذلك أيضاً (19) . وهكذا كان انتقال مسرح الظل من العراق إلى مصر ومنها إلى تركيا .
ومع بدايات القرن الحالي كانت تمثيليات خيال الظل تمثل في الغالب كواحدة من أنواع التسلية للطبقات الشعبية الفقيرة وبسبب ما فيها من المجون كانت الحكومة تضطهد القائمين عليها و من يتعاطاها(20) . وقد ذكر (جاكوب) محتويات التمثيليات الثلاث بالتفصيل والإسهاب (21) ملخصها يقول : أما التمثيلية الأولى فتسمى ( طيف الخيال ) وتعطي صورة رائعة للحالة السياسية والثقافية بمصر في عهد السلطان (الظاهر بيبرس ) . وأما التمثيلية الثانية فهي (عجيب وغريب ) والتي توضح لنا صورا كثيرة لسوق يدخله الممثلون واحدا بعد الآخر ، ويعرضون بضائعهم بمسرح عظيم . أما التمثيلية الثالثة فهي ( المتيم ) وهي تتعلق بعشق المتيم لليتم ، وقد اشتملت على أشياء ممتعة منها تحريش الديوك على القتال وعلى نطاح الكبوش والثيران بقصد الفرجة والتسلية . 
أما في الوقت الحاضر فلم يتعرف العراق على الدمى إلا في عام 1954- 1955م .
بعد زيارة فرقة مدينة الألعاب المصرية الى بغداد (22) وقامت بتقديم بعض ألعابها التي استهوت بعض من هواة هذا النوع من فن تحريك الدمى ، وكانت من نوع الدمى القفازية . فكان ثلاثة منهم و هم : (عبد الستار عبد الرزاق) الذي رافقهم وتعرف عن كثب على هذا الفن ليمارسه فيما بعد في برنامج تلفزيوني أطلق عليه اسم (قره قوز) الذي كان يقدم حياً وعلى الهواء مباشرة ، وقد استمر قرابة العام ، كان يساعده شخص يدعى (فكري بشير) دربه هو . زامن هذا البرنامج قيام برنامج إذاعي يحمل نفس التسمية (قره قوز)(23) قدمه الثنائي ( أنور حيران وطارق الربيعي ) ، اللذان انتقلا فيما بعد إلى التلفزيون عندما ترك (عبد الستار العزاوي) العمل في التلفزيون ، ثم توسع عملهما ليشمل نشاطهما المدارس فقدما أول عرض لهما في الإعدادية الشرقية ببغداد عام 1956م أطلقا عليه أسم (رحلة إلى قمر) ، ومنه انتقلا إلى مدارس أخرى . أما أهم شخصيات الدمى البشرية التي قدماها فكانت : (قره قوز- أبو شنيور – الفلاح الريفي – زهوري .. وغيرها) إلى جانب الدمى التي كانت تمثل مجموعة من الحيوانات . استمر عملهما حتى عام 1967م ، سافرا بعدها في دورة تدريبية في فن الدمى وتحريكها إلى مصر .
إن العراق لم يهتم بهذا الواقع ولم يؤرخ لهُ قبل ، مرحلة الخمسينات . فقد شهدت الخمسينات ألعاب (خيال الظل) التي كانت تقدم في (مقهى عزاوي) في ليالي شهر رمضان ، حيث إشتهر شخص يدعى (رشيد أفندي) بتقديم ألعاب خيال الظل للصبيان الذين تتراوح أعمارهم من ( 10-إلى 15 سنة) (24) . أما في الفترة ما بين الأعوام 1956- 1968م نشاطا في عمل وصناعة الدمى في العراق لتطور فن الرسوم المتحركة وخاصة ما بعد ثورة تموز 1958م التي شهدت زيارة العديد من فرق الدمى لدول عديدة مثل الصين ، تشيكوسلوفاكيا ، بولونيا ، الهند ، ألمانيا ، وبلغاريا ، لفرق شهيرة ومتميزة مثل فرقة (الثنائي الآل ني ايلة) الذين تنوعت عروضهم واستخداماتهم لأنواع الدمى من (قفازيه ، صولجانيه ، ماريونيت ) . وبالرغم من أن تأسيس تلفزيون بغداد كان في عام 1956م ، لكن اهتمامه ببرامج الأطفال جاء في مقدمة اهتمامه ، بمبادرات شخصية من المخرجين والعاملين في التلفزيون آنذاك (25) . وحين أدركت إدارة التلفزيون هذا الاهتمام عملت على استقطاب عناصر ذات كفاءة بعمل وصناعة الدمى وعلى تحريكها أيضا أمثال (عامر مزهر ، وسامي الربيعي) هذا الثنائي الذي قام بصناعة فلم (الخزاف) وهو أول فلم بالدمى المتحركة وبطريقة ( الكادر– كادر Singe Frame ) . كما قاما بتنفيذ فلم (الطيارة الورقية) بواسطة القصاصات الورقية على طريقة (خيال الظل) . 
في هذه الأثناء عاد الثنائي (أنور حيران وطارق الربيعي) من القاهرة بعد زيارة لمسرح العرائس في دورة تدريبية اطلعا خلالها على عملية صنع الدمى (Marionette Puppets ) وتحريكها على يد (الفريد ميخائيل (26) وصلاح السقا (27) ) ، كما شاهدا العديد من عروض الدمى المختلفة ، فاستحدثا برنامجاً جديداً باسم ( مسرح العرائس) إضافة إلى برنامجهما الذي كانا يقدمانه قبل سفرهما (قره قوز) وذلك عام 1969م . كما كانا قد شكّلا فيما بعد فرقة للعرائس المسرحية أطلقا عليها اسم ( مسرح بغداد للعرائس) التي كانا يتجولان بعروضها بين رياض الأطفال والمدارس والفنادق ومدينة الألعاب في اغلب مدن العراق . وفي نفس العام 1969م استقدم (تلفزيون بغداد) أحد مخرجي مسرح الأطفال والعرائس من المسرح القومي المصري وهو( إبراهيم سالم) من أجل إعداد فقرات منوعة للعرائس في العراق(28) ، الذي استعان من اجل إنجاز عمله بمحركي دمى عراقيين من الذين مّر ذكر البعض منهم في سياق حديثنا ، فكانوا نواة لتأسيس قسم خاص ببرامج الأطفال في ( مصلحة السينما والمسرح) (29) التابعة إلى وزارة الثقافة والأعلام فاستعانت بنفس المجموعة التي كانت تعمل في التلفزيون وعلى المسارح . كما كان للخبرة السينمائية دورها الهام على مستوى تنفيذ وعمل الدمى في السينما وما يتطلب ذلك من الدقة في الحركة ومن متطلبات الشروط الفنية العالية . فقدموا الفلمين (القطة بوسي ) و(الأرنب الذكي) ، وكانا من إخراج : كاظم العطري و فيلم (حياة سعيدة) الذي كان من إخراج: عبد السلام الأعظمي . بعد هذا الفلم توقف العمل في أفلام الأطفال لتبدأ بعدها مرحلة جديدة تبناها تلفزيون بغداد الذي بدأ بتقديم برنامج نصف شهري باسم (عرائس بغداد) ، قدمه الثنائي (أنور حيران وطارق الربيعي) أيضاً ، الذي لم يستمر طويلا فتوقف لأسباب فنية أهمها صعوبة التنفيذ السريع للدمى وغياب المؤلف الذي يقدم الحكايات المناسبة للبرنامج . 
وظل الحال بين مد وجزر ، بين تأسيس وانقطاع ، حتى صدرت التوصيات التي خرجت بها (الحلقة الدراسية العربية – في بيروت) والتي نصت " أن يراعي المربون والكتُّاب والفنانون أطوار النمو بالرجوع إلى الدراسات النفسية والتربوية " (30) . ولكي تتم المباشرة في العمل ، تم افتتاح دورة تدريبية لبرامج الأطفال في معهد التدريب الإذاعي والتلفزيوني ببغداد (31) ، استهدفت تثقيف وتوعية الكادر الذي يشرف على برامج الأطفال في وسائل الثقافة والإعلام لتأخذ العملية جانبها الترفيهي والتربوي البناء . مما أعطى لتلك البرامج تطوراً واضحاً أهمه إدخال الدمى ولأول مرة كعنصر مشارك مع مقدمي البرامج وخلال تقديمهم فقرات برامجهم الموجهة للأطفال . ، فكان برنامج ( الشاطر) (32) الذي يضم دميتين ل[الشاطر]و[بسمه] كانتا من النوع القفازي . دمية (الشاطر) حركها وتكلم لها (أنور حيران ) ودمية (بسمة) حركها وتكلم لها (أنور حيران) . أعتمد البرنامج على حوار كان يجري بين مقدمة البرنامج [هدى عبد الحميد] والدميتين .
وفي عام 1974م تم استحداث برنامج جديد بإسم (قصص وحكايات) (33) ، كان قد اعتمد أيضا على دميتين هما (الببغاء) و(الدب) كانتا تتواليان على تقديمه بالتناوب . أما حكاياته فكانت تقدم بطريقة الرسوم الثابتة . واستحدثوا كذلك برنامجا أسبوعيا هو (عائلة فاهم) (34) الذي اعتمد هو الآخر على الدمى المتمثلة بأربعة شخصيات رئيسة ثابتة هي (فاهم) وأختهُ (سوسن) و(الأب) و(الأم) ، تشاركهم دمى ثانوية مثل (العم ، الخال العمة ، الخالة ، الجار ، البائع ، وغيرها حسب مقتضيات الحاجة لموضوع كل الحلقة . 
ومن الأساليب التي كانت قريبة من عمل الدمى هو ارتداء الممثلين ملابس تمثل أشكال الحيوان تغطي كامل جسم الممثل من الرأس حتى اسفل القدم . كما في مسلسل (حكاية للأطفال) الذي قدمه جاسم الصافي في العام 1970 بثلاثين حلقة ، وكان من إخراج سمير الصائغ . كانت موضوعات هذا المسلسل المقتبسة من حكايات (كلية ودمنة) ، ومن مختارات (قصص الأدب العالمي) . وقسم آخر منها كتب خصيصاً للبرنامج بتأليف محلي لحكايات محلية شعبية تستهوي الأطفال لأنها مقتبسة من الموروثات العراقية والعربية المعروفة والشائعة . 
وشهد العام 1976م النقلة النوعية في عمل الدمى وبرامج الأطفال في العراق . الذي كان بداية البث الملون في التلفزيون العراقي . حيث تم استحداث (شعبة الدمى والرسوم المتحركة) في مبنى التلفزيون وفيه كان تنفيذ مقترح الدمى التي تصاحب المقدم أو المغني فيها . هذه الحركة أدت إلى تقديم (13) تطور البرامج التلفزيونية ، وما اعقبها من أفلام دمى اكثر تطورا من سابقاتها مثل (الطيارون الصغار) و(الأسد والفار) و(التنين) وغيرها . وبمرور الأيام استعان التلفزيون بالخبرات الأجنبية ، حيث أقامت شعبة الدمى والرسوم المتحركة في تلفزيون بغداد دورات تدريبية لستة عشر فناناً بإشراف (بارو ميرا برودوفا) و (فاتسلاف بولاك) وهما من تشيكوسلوفاكيا (35) في معهد التدريب الإذاعي والتلفزيوني الذي استمر يستعين بالخبرات العربية والأجنبية . ومن خلال اهتمامه المستمر شكلت شعبة خاصة لرسوم وتصميم الدمى من مجموعة من الرسامين والنحاتين المعروفين في العراق أمثال (محمد تعبان وعامر مزهر) وغيرهم ، كما و تمت استضافة الرسام المصري (صلاح الليثي ) الذي صمم ونفذ دمى مسلسل (القطار الأخير) عام 1978م . هذا الاهتمام وا لتواصل كان عاملا مساعدا في تطور عمل الدمى والرسوم المتحركة في العراق . 
إن العراق واحد من الدول الستة التي وقعت على برنامج إنشاء (مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لأقطار الخليج العربي) في4كانون الثاني 1978 في دولة الإمارات العربية في [أبو ظبي](36) ، وقد مثل العراق في اجتماعات اللجنة المؤسسة فيصل الياسري و فائق الحكيم . ومن خلالهما انطلق التعاون الفني المشترك في إنتاج أفلام الكارتون مع ألمانيا الديمقراطية و تشيكوسلوفاكيا . وقد نصّت خطتا التعاون على تزويد المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بمواد برامج الأطفال ، وتدريب الكوادر العراقية في مختلف مجالات العمل التلفزيوني ، والتعاون في إنتاج برامج مشتركة (37) ، كان من ثمراتها إنتاج فلم الرسوم المتحركة الطويل [الأميرة والنهر] ، وإرسال عدد من الخبراء إلى العراق ، إضافة إلى المشاركة في المهرجانات الدولية ، ومنها مهرجان برامج الأطفال والشباب في (براتيسلافيا) (38) . إمتازت هذه الفترة بالمواضيع التراثية مثل أفلام (الماجينة) (39) التي نفذت بطريقة الدمى القفازية ، و(المغيزل)(40) الذي نفذ بالقصاصات الورقية عام 1978م . كتبت السيناريو لها وأخرجتها [فاتسلاف برودوفا] أما الجهة التي قامت على تنفيذها فهي شعبة الدمى في تلفزيون بغداد . ونتيجة للمشاركات المستمرة للعراق في المهرجانات الدولية والعربية ، ولضرورات التصدير للأفلام المنتجة إلى الدول الأخرى ابعد قليلا تلك الأفلام من محليتها و قلل من استخدامها للهجة المحلية ضيقة الفهم التي استبدلها باللغة العربية الفصحى و[الدبلجة] . وهكذا كان لدخول الخبرة الأجنبية دورها الإيجابي المساعد في اعتماد الدقة في استخدامات الديكور والإضاءة والملابس وبقية عناصر إنتاج الأعمال الفنية . وفي تصنيع كافة المستلزمات المطلوبة لذلك ، ومنها الدقة في تصنيع الدمى المحلية في أشكالها وألوانها وحجومها والمواد التي تدخل في صناعتها . 
إن اضخم سنة إنتاج على المستوى العربي تزامن مع السنة الدولية للطفل بإنتاج البرنامج التعليمي المنوع (افتح يا سمسم Mobbite Show) الذي برز من خلاله خط جديد في نشاط عمل الدمى ، كان في تصوير الأغاني التراثية بالدمى القفازية والصولجانية ذات الأسلاك . من هذه الأغاني (هيلا يا رمانة) ، (كشك وعدس) ، (بلي يا بلبول) ، (يا زكريا) ، (هيدو) ، (يا كمرنا لا تغيب) ، (الله مصبحكم بالخير) ، (شدة يا ورد) ، ( اشكمو ياشيب) ، ( يا يمّه إنطيني خريزة) ، (يا حوتة يا منحوتة) ، ( طلعت الشميسة على قبر عيشة ) ، ( يا خشيبة نودي نودي) وغيرها . كما تم تنفيذ مسلسل (سفينة الحكايات) عام 1981م وهو إنتاج (عراقي – سوري) مشترك . ومسلسل (علي بابا ) عام 1981م كتبهما الكاتب المغربي محمد السملالي ، ومثل شخصية [الراوي] الممثل سامي قفطان . ومن الأفلام التي أنتجتها شعبة الدمى : الفيلم الملون 16ملم (الأخوات الثلاثة) وكان من إخراج : فلاح زكي ، وفيلم (الجسر الجديد) لعزي الوهاب ، وفيلم (الفأر الرسام) وفيلم (الكلب والأرنب) ، وأفلام أخرى . 
وبعد هذا التطور المهم والكبير في عملية أفلام الدمى قامت المؤسسة العامة للآثار والتراث بتأسيس (متحف الطفل) ، وكان قرار تأسيسه بتاريخ 2/حزيران/1977م ، أما افتتاحهُ فكان بتاريخ 19/ تموز/1977م – وهذا المتحف يحتوي على قاعتين : - 
* القاعة الأولى : وكانت (للعروض) ، وفيها ستة خزانات متحفية ضمت الآتي :- 
1. الخزانة الأولى / عالم الحيوان .
2. الخزانة الثانية / لعب الأطفال . 
3. الخزانة الثالثة / العلم نور . 
4. الخزانة الرابعة / الفخار والدمى الطينية . 
5. الخزانة الخامسة / عالم الموسيقى . 
6. الخزانة السادسة / الأختام الإسطوانية(41) .
* القاعة الثانية : وهي (ورشة للصغار) يرتادونها للتسلية ذات الفائدة ، فهُم مثلا من خلال دحرجة الأختام الإسطوانية يتوصلون إلى الأشكال التي تحويها تلك الأختام من لقى آثارية وكتابات آرامية وغير ذلك . إن هذا المتحف أقرب إلى المختبر الصغير لتجارب الأطفال ، تأسس وفق صيغ وأهداف خاصة بتنمية الطفل أهمها :- 
1] تحقيق أكبر قدر ممكن من استيعاب الطفل .
2] يتحدث بلغة مفهومة ذات فائدة .
3] متنوع الخدمات .
4] يأخذ بنظر الإعتبار عمر الطفل من 7-11سنة ، ويعطيه الثقة بالنفس .
5] يربط الوسائل التكنولوجية الحديثة بحقائق التاريخ القديم .
6] يقدم الأسطورة القديمة على شكل قصة تاريخية . 
7] يقدم الموقع الآثاري بالصوت والصورة التي ترافق الشرح .
8] يقرب الصورة للعمل الآثاري بأفلام متحركة لا تزيد على أربعة دقائق . 
وكانت تستغل تعب الأطفال وغريزة الجوع لديهم للإحتفال بهم في مطعم يقدم لهم الحليب والفاكهة والبسكويت(42) . هذا تلخيص للنقاط الـ (12) التي حددت كمعايير خاصة بتربية الطفل في (المتحف) . 
وقد رافق هذه التجربة تأسيس (مسرح الدمى) الذي كان يقدم عروضهُ طوال السنة عدا أيام الجمع والعطل الرسمية ، كان الدوام فيه يبدأ وينتهي مع الدوام الرسمي في المتحف(43) . ومن المسرحيات التي أنتجت لذات الأغراض مسرحية (صعود إينانا إلى السماء) ومسرحية (الصياد ادابا) ومسرحية (وفاء العرب أو النعمان بن المنذر) ، ومن الملاحظات التي ثبتت على استخدام الدمى القفازية المستوردة ، ان ملامح أبطالها كانت بعيدة عن الحكايات والملامح الشرقية ، مما شكل نوعاً من الغرابة بين سحنتها الأجنبية وملابسها المحلية . وقد تزامن مع الفترة التي تأسس فيها متحف الطفل ، تأسيس المركز العراقي لمسرح الأطفال في المؤسسة العامة للسينما والمسرح . وكانت أول هيئة له تتكون من : ( أمل العراقي ، سعدون العبيدي ، قاسم محمد ، عزي الوهاب ، حسين قدوري ، علي مزاحم عباس) ، وهم مجموعة من المهتمين والعاملين الناشطين في حقول ثقافية مختلفة منها ما يهتم بالطفل ومنها ما يهتم بفنون وثقافات مجاورة من شأنها خدمة الطفل وتطويره . فمنهم المخرج والشاعر والكاتب والملحن والباحث والوثائقي وذوي اهتمامات اخرى . جاءت هذه الخطوة كبداية لاشتراك العراق في (الهيئة العالمية المتحدة لمسرح الطفل والشباب) . استمر الحال بتصاعد كبير كما يلاحظ ذلك من تعدد النشاطات والاهتمامات التي استمرت حتى الثمانينات حيث بدأت الحرب المتواصلة التي أجهزت عل كل المنجزات الحضارية والثقافية في العراق . لكن ورغم ظروف الحروب الصعبة ، استمر المهتمون بتواصل عطائهم الثقافي والفني ومنها مشاريع النهوض بالطفل ، إلا اتها لم تستطع المواصلة . إذ كانت ظروف الحروب تلك اصعب لاسيما وقد استنزفت اغلب الموازنات المالية التي غذت الحروب فقطعت التواصل مع الأطفال . إن موضوعة الحرب شكلت جزءاً مهماً من ثقافة الطفل وموضوعاته ، فأنتجت الأفلام التي حاكت الحرب التالية : (الطائرات الورقية ، كاريكاتير) وغيرها . وهي موضوعات قد تستهوي الطفل ، لكن لا تتوافق في بنائه والنهوض به . 
في 5 / تموز / 1983م صدر القانون رقم (72) الذي تم بموجبهِ إنشاء (المركز القومي لأفلام التحريك) ، التابع إلى المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون . ومن خلاله كان إنتاج فيلم (الأميرة والنهر) . ومن خلال بنوده ولاجل الشروع بتنفيذ مشروع إنتاج ألف دقيقة للأطفال(44) تم إيفاد (12) فناناً إلى مدينة (سدني) في كندا وإلى (برلين الشرقية) للتدريب . 
وفي ظروف الحصار الصعبة تلكأ العمل اكثر وأكثر، واكتفى العاملون ببرامج الأطفال إلى إستخدام صيغة (البرامج الإحتفالية) التي تصور في قاعات النوادي الكبيرة يتم فيها استخدام نوع من الدمى الكبيرة لحيوانات مختلفة تقوم بفعاليات ذات حوار يدور بينها وبين الأطفال . في الغالب لم يكن هذا الحوار تربويا ، بل وفي أحيان كثيرة يعتمد على السخرية لاجل الضحك لاغير . ومن هذه البرامج (هيلا هوب) الذي أعدهُ وقدمهُ (وليد حبوش) ، وكذلك برنامج (علي بابا) . وقد توقفت هذه الفعاليات و البرامج التي تم استخدامها في السنوات التي سبقت الحصار وبقي الاعتماد الأكبر على أفلام الكارتون الشائعة والمحببة لدى الأطفال . وانتهت إلى أجل غير محدد برامج النهوض بالطفل مع الدمى ومشاريع الرسوم المتحركة وصناعتها وتنوعها .



الهوامش
1. مورتكارت ، أنطوان : الفن في العراق القديم ، ترجمة وتعليق عيسى سلمان وسليم طه التكريتي ، وزارة الإعلام ، بغداد 1975م ، ص15 .
2. ساكز ، هاري : عظمة بابل - ترجمة وتعليق: عامر سليمان ، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر ، بغداد 1979م ، ص29 .
3. نفس المصدر السابق ص31 .
4. مورتكارت ، أنطوان . ص15 .
5. تاريخ العرض ، عن مجلة (2002 Newsweek ) ترجمة: حسن لطيف جعفر ، جريدة (المدى) ، العدد 123 بغداد: الأحد 30 / آيار/ 2004 ، ص: 13 .
6. حسن ، تحية كامل : مسرح العرائس . مقدمة دار الكرنك ، القاهرة 1960 ، ص7 .
7. حمادة ،إبراهيم . خيال الظل وتمثيلات ابن دانيال ، مطبعة مصر ، القاهرة 1961م ص27 .
8. نفس المصدر السابق ، ص 27 .
9. تتلخص واقعة عاشوراء في مقتل سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهُما) التي حدثت عام 680 ميلادية ، حين توجه الحسين على رأس 200 من رجالهِ لإسترداد الخلافة بناءاً على دعوة من أهل الكوفة ، فتوجه الأخير برجالهِ إلى نهر الفرات ، المؤلف من أربعة الآلاف شخص الطريق على الحسين ، فتوجه الأخير برجاله إلى نهر الفرات ، ولمنه اصطدم بأعدائه الذين قاموا بردم قناة المياه التي كان يشرب منها هو ومن معه . وفي اليوم العاشر وبعد عطش مميت ، وبعد أن يأس من مساندة أهل الكوفة الذين تراجعوا عن وعودهم ، دخل الحسين ومن معه المعركة في مدينة كربلاء على بعد 80 كم عن مدينة النجف فقتل كل أصحابه وقتل الحسين (ع) وقطع رأسه وأرسله الى يزيد ومثل بجثته وتشردت عائلته .
10. غاسنر ، جون وكون ، إدوارد : قاموس المسرح ، ترجمه وقدم له : مؤنس الرزاز ، راجعه : رشاد بيبي ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1982 ، ص 215 .
ورد في هذا الاقتباس خطآن ، وجدت من الضروري تصحيحها للأمانة العلمية .
أولها/ إن سيدنا الحسن هو أخ سيدنا الحسين (ع) ، وهو لا علاقة له بواقعة الطف ( عاشوراء ) ، وانما الذي كان معه أخوه سيدنا العباس بن علي بن أبي طالب (ع) .
ثانيها/ إن الواقعة لم تجري على شكل مسرحية بل هي اقرب إلى السيرة . يتولى قارئها والذي يطلق عليه في العراق اسم ( الروزه خون ) – وهي كلمة فارسية – وتعني (القارئ ) أو ( الملا ) يتميز بتكرار الكلمات : قال ، قلت ، قالت والخ وهي ليست حوارات موزعة بين الشخصيات لكي تكون قريبة من شكل المسرحية ، كما ورد في المصدر .
11. مقدمة ابن خلدون ، طبعة بيروت 1940 ، ص 429 ، 628 .
12. البروفيسور كالي ، باول : مسرح التمثيل خيال الظل في مصر .
13. نفس المصدر السابق .
14. العزاوي ، عباس : تاريخ الأدب في العراق ، ج1 ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، بغداد 1961 ، ص 292 .
15. نفس المصدر السابق ، ص 292 .
16. عواد ، كوركيس : واحد من كبار الباحثين والمؤرخين العرب ، ولد ببغداد ، وهو عضو المجمع العلمي العربي ( مجمع اللغة العربية بدمشق ) .
17. عواد ، كوركيس : الديارات – للشابشتي ، طبع بمطبعة المعارف ، بغداد 1951م .
18. نفس المصدر السابق .
19. العزاوي ، عباس : مصدر سابق ، ص 293 .
20. فرنسواز . و خزندار ، شريف : مسرح خيال الظل ، ت و إعداد : حسن المسعود ، جريدة طريق الشعب ، بغداد 16 تشرين الثاني 1978 ص 6 .
21. البروفيسور كالي ، باول : مسرح التمثيل بخيال الظل في مصر ، مجلة الأقلام العراقية ، ص 45 .
22. صنع في مدينة الألعاب للفرقة المصرية ، مسرحا صغيرا لعروض الدمى القفازية ، وكان موقعه شارع السعدون ببغداد ، ( سينما النصر ) حاليا ، مقابل فندق بغداد .
23. أن كلمة ( أراكوز ) أو ( كاراكوز ) ، تشير إلى ضرب معين من ضروب العرض المسرحي ، حيث ترمز فيه العرائس إلى نشاط بشرية معينة ، يختفي محركها ( محرك الدمى ) خلف ستارة ، ويقلد صوت الشخصية التي يمثلها الدمية ، وكلمة ( قره قوز ) تعني باللغة التركية ( ذو العيون السود ) .
24. السامرائي ، عبد الجبار محمود : رمضانيات ، مجلة العاملون في النفط ، بغداد ، كانون الأول 1969 ، ص 26 .
25. من أهم من قدم للأطفال واهتم بفنونهم هم : علي الدبو ، محمد الجنابي ، فيصل الياسري ، حمودي الحارثي ، كمال عاكف ، عزي الوهاب ، عبد الهادي مبارك ، حسين التكريتي ، عمانوئيل رسام ، إبراهيم الديواني … وآخرين ) .
26. مدير مسرح العرائس بالقاهرة .
27. مخرج مسرح عرائس ، من اشهر عروضه التي أخرجها ( الليلة الكبيرة ) ، تأليف وأشعار : صلاح جاهين .
28. العاني ، فاضل : مسرح العرائس اصله عراقي ، جريدة الجمهورية ، بغداد ، 17 حزيران 1969 .
29. علي ، فاضل عباس : الأطفال والبرامج الإذاعية والتلفزيونية ، مجلة وعي العمال ، بغداد 2 آيار 1979 ، العدد 13 ، ص29 .
30. من توصيات الحلقة الدراسية ( العناية بالثقافة القومية للطفل ) ، بيروت من 7-71 أيلول 1970 ، منشورات اتحاد إذاعات الدول العربية ، ص 189 – 197 .
31. هذا المعهد كان تابعا لوزارة الثقافة والإعلام – المؤسسة العامة للسينما والمسرح .
32. استمر البرنامج من عام 1972 وحتى العام 1976 .
33. بدأ البرنامج عام 1970 ، وتوقف في عام 1972 ، وكان من إعداد : شيرين محمد خضر ، وإخراج : رشيد شاكر ياسين وأكرم فاضل .
34. من إعداد : رسمية أكرم البزاز ، شارك بتحريك الدمى : طارق الربيعي وأنور حيران وشعلان زيدان وفارس طارق … وآخرين . وقد تناوب على إخراجه : وداد سلمان ، سمير الصائغ ، أكرم فاضل .
35. كاتب مجهول : زاويتان لرؤية مسرح الدمى ، مجلة وعي العمال ، بغداد 30 حزيران 1978 ، ص 52 و 53 .
36. عبد الله ، ابتسام : افتح يا سمسم ، جريدة الجمهورية ، بغداد 3 آذار 1978 ، ص 12 .
37. كاتب مجهول : مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك ، مجلة الإذاعات العربية ، تونس ، نيسان 1978 ، العدد 102 ، ص 29 .
38. مثل فيلم ( الأميرة والنهر ) ، إنتاج مشترك ( عراقي – ألماني ) من إخراج:فيصل الياسري .
39. كاتب مجهول : التعاون الإذاعي والتلفزيوني ، مجلة الفنون الإذاعية ، بغداد آذار 1977، العدد 11 ، ص 87 .
40. الماجينة : وهي لعبة أطفال تؤدى في ليالي شهر رمضان ، وهي فولكلورية متوارثة.
41. المغيزل : تصغير لكلمة ( المغزل ) ، وهي الأداة البدائية التي يتم بواسطتها صنع الخيوط من صوف الأغنام ، وتهيئتها للحياكة .
42. رشيد ، صبحي : الأطفال ، نشرة المتحف الوطني العراقي ، بغداد آب 1977 ، العدد الثاني ، ص 3 .
43. سعيد ، مؤيد : متحف الطفل ، الفكرة والتجربة . مجلة سومر ، بغداد 1982، مجلد 38 ، ج 1 ، 2 ، ص 26 .
44. التميمي ، سميرة : حضارة عظيمة وزوار صغار، جريدة الجمهورية ، بغداد 27 حزيران 1984 ، ص 12 .
45. تعبان ، محمد : أول مشروع من نوعه لإنتاج أضخم فلم كارتون عربي في بغداد ، ملحق جريدة الثورة ، بغداد 12 تشرين الثاني 1981 ، ص 4 .

تابع القراءة→

سلبيات الشخصية العربية في مسرح الطيب العلج / فاتن حسين ناجي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

تترواح فترات النقد اللاذع  للواقع في العالم العربي مابين سياسية في وقت زمني ما ثم تعاود الى الاجتماعية في زمن اخر وتكون هجائية للدين في زمن اخر ، وكثير من كتاب العراق كتبوا في نقد المجتمع وهجائه ورفض كل ماهو سائد في محيطه الحالي والسابق لانه جعل  الإنسان مُهمَّشا مسلوب الحق والإرادة خاضعا للقدر المادي والسياسي  والاجتماعي  اضافة الى انهيار النظام الأخلاقي في المجتمع بعد متواليات الحروب والتحولات السياسية والفكرية . ومن بين الكتّاب العراقيين الذين كتبوا في نقد  الطيب العلج  (1928 _2012)، ممثل وزجال وكاتب مسرحي مغربي.له مسرحيات مهمة هي : دعاء للقدس, بناء الوطن ,السعد , عيطونة، النشبة، جحا وشجرة التفاح ,حليب الضيوف ,كان من ابرز الذين سلطوا الضوء على الوضع السياسي والقيم الاخلاقية منتقدا ذلك التردي الواضح في تمظهرات تلك الاوضاع وخاصة في مسرحية "حليب الضيوف" التي تبين لنا حالة الانفلات والتحرر عن سطوة السلطة ومحاولة فضح عيوبها والخروج عن قيود الحكومات والسياسات المتقلبة بين الحين والاخر في مجمل علاقاتها الداخلية والخارجية المتعارضة ووارادات الشعب وحريته .  كتب العلج مسرحية « حليب الضيوف »  والتي تعد من اكثر المسرحيات التهكمية حيث يصفها لنا رياض عصمت بقوله : تعالج المسرحية واقعاً أدى إلى الهزيمة  واقعاً من الكسل وانتظار الهبات دون جهدٍ أو عمل من السادة الأجاويد.  وتتوالى سلبيات الشخصية العربية، بدءاً من اعتياد الفقر، ومروراً بالرجولة الزائفة والاهتمام بالمظاهر الخارجية والهوس الجنسي والإغضاء عن العمل والتعلق بالخرافة، حتى ترتسم أمامنا صورة مجتمع مريض – ربما مبالغ في مرضه – يعيش على صراعات هامشية حول مباراة في الضامة أو جسد امرأة عابرة، ويتناسى أنّه عن طريق العمل وحده يمكنه أن يغير واقعه وقدراته إلى واقع وقدرات أفضل، فتراه لا يصم أذنيه عن سماع الدعوة إلى العمل فحسب، بل يوظف قواه جاهداً لمنع أي شذوذ في رأي الآخرين عن هذا الموقف المتخلف، مدعوما تارة بالدراويش، وتارة برجل دين دجال، وتارة أخرى بالمرأة مرسولة الأجاويد. الجميع ينتظر الحليب، ولكن الأجاويد يحضرون ولا يأتون معهم إلا بالماء.
بعدها قدم لنا مسرحية "السعد" التي يصور لنا فيها كيف ان ظروف الحياة وواقع المحيط به يجبرانه على ان يتخذ من السحر والشعوذة طريقا للوصول الى غاياته والتخلص من كل مايحيط به من سلبيات الزوجة والصديق والحاكم والسلطات برمتها لذا نجد في شخصيات المسرحية تعبير عن تشتت الفرد وانقسامه الداخلي ومعاداته للفرد الاخر.
ولاشك ان النقد اللاذع  هو اساس يقوم عليه العلج  مقامه الاول من حيث تبادلاته الفكرية والمعرفية ومدى تعارضاتها مع الواقع المعاش والذي ينظر نحوه على انه واقع سلبي لابد من ان يقال له انك على خطى غير صائبة وان كانت الكلمة الاولى لايسمعها الناس حينها ستخرج الكلمة الثانية اشد حدة منها وتتوالى حدية الكلمات في جميع مسرحياته.

----------------------------
المصدر : جريدة المدى 


تابع القراءة→

دراما الطفل.. والبحث عن تجربة مسرح الاطفال في العراق / قحطان جاسم جواد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 قبل عدة سنوات اطلعت على كتاب للباحث فاضل عباس الكعبي بعنوان (مسرح الملائكة) ,وكان كتاباً قيماً في مجال مسرح الطفل. لكني شخصت فيه قضية مهمة عن تجربة مسرح الطفل في العراق, حيث مر عليها الكتاب مروراً عابراً ، في حين ان هذه التجربة تعد الانضج من بين التجارب العربية . واذكر ان الكعبي قال ان هناك فصلاً خاصاً من تجربة العراق لم يظهرفي الكتاب .وها هو الكعبي يعود لنشر ذلك الفصل مع اضافات قيّمة تدخل في مجال المسح والنقد والتاريخ لتجربة مسرح الأطفال في العراق. وربما انها الدراسة الأوسع والاهم في هذا المجال لشموليتها الواسعة لكثير من تفاصيل هذا العالم .الكتاب الجديد يحمل عنوان (دراما الطفل- دراسة مسحية , فنية , نقدية,تاريخية ,لتجربة مسرح الاطفال في العراق). ويقع في 360 صفحة من القطع الكبير وصادر عن (دار الوضاح) للنشر في الاردن ومكتبة دجلة في بغداد.
والكاتب فاضل الكعبي من المهتمين في مجال ثقافة الطفل ويكاد يكون قد تفرغ تماماً لهذا العالم الأثير الى قلبه ,فهو شاعر وكاتب مسرحي للاطفال ,وقدم الكثير من القصائد والدراسات لعالم الطفل. وهو من مواليد 1955 بغداد وبدأ اهتمامه بالطفل قبل اكثر من 35 عاماً وعمل رئيساً لتحرير مجلة (اطفال المستقبل) وعضو لجنة مسرح الاطفال في دائرة السينما والمرح وعضو لجنة تحكيم لأكثر من مهرجان مسرحي للاطفال .حصل على درع مهرجان المسرح الثاني للطفل وكرمه بيت الحكمة ونال الجائزة الاولى عن شعر الاطفال من دار ثقافة الاطفال عام 2009 والاولى من وزارة الثقافة عن شعر الاطفال عام 2010 وجائزة عبد الحميد شومان في الاردن عام 2010 وصدرت له عدة كتب منها (الطفل بين التربية والثقافة) ,و(تنكنولوجيا الثقافة والعلم والخيال في ادب الاطفال) وفي شعرالاطفال (جنة عصفور) و(الشجرة التي ابتسمت) و(اجنحة الفراشات) و(اغنية القطار) و(هيا نتعلم ونغني) و(فخري والمصباح السحري) و(حسان والاميرة بان .)
اهمية هذه الدراسة في تركيزها وتأكيدها على ان مسرح الاطفال اصبح حاجة اساسية لا يمكن اهمالها او تجاهلها .لان الطفل بتفاعله مع المسرح , والاتصال بعروضه المتنوعة يكتسب الكثير من القيم والاتجاهات السلوكية الايجابية التي تضاف الى رصيد ثقافته الخاصة ,التي اكتسبها من خلال واقعه الاجتماعي ,واطار بيئته الثقافية . وهذا يجعل قدرات الطفل تنمو وتتطور بمرور الزمن.
وبعد دراسة مستفيضة ومعمقة لواقع ومفاصل مسرح في الطفل في العراق وصل الباحث الكعبي الى نتائج مهمة يعتقد انها كافية للنهوض بواقع هذا المفصل المهم.ابرز النتائج ان مسرح الطفل مسرح مهم وحقيقي وله قاعدة مهمة لتجربة هذا المسرح في العراق وان مسرح الطفل له ارث تاريخي كبير ومن خلاله يمكن النظر والدخول الى عمق التجربة العراقية في المسرح ,وان هذا المسرح ككيان فني ونظامي واداري له سمات مكانية شاخصة , لا وجود لها على الواقع , غير انه ككيان موضعي له وجود يذكر, ومعظم ماقدم من اعمال مسرح الطفل لم تكن موجهة توجهاً عمرياً دقيقاً لجمهورها , انما كانت مفتوحة على الجميع وهذا خلل ويشكل ارباكاً في الاتصال والتوصيل , ويفقد العرض الكثير من مؤثراته في فئة جمهوره.كما ان هناك وجودا لنظرة متدنية لمسرح الطفل من الآباء والامهات,وهذا يعكس غياب الوعي المجتمعي بمسرح الاطفال .ان مسرح الطفل مازال متلكئاً وفي طور النمو.كما ان هناك غياباً للتنوع واجترار الافكار والاساليب التقليدية ,وتكرار الموضوعات وتجاهل مسرح العرائس والمسرح الجوال او مسرح العربة.
كذلك وجد المؤلف الكعبي ان التجربة العراقية في مسرح الطفل على اهميتها تفتقر للتخطيط الصحيح بعيد المدى ,كما تفتقر للتخصص والتفرغ الكلي في عمليات التأليف والاخراج والتمثيل والسينوغرافيا.
وتفتقر كذلك الى الخطط المناسبة لحجم الانتاج الجيد والمتواصل .والافتقار للمسارح الخاصة بعروض مسرح الاطفال التي تتميزبشكلها وطبيعتها الهندسية والمعمارية والجمالية . كذلك تفتقر للتكنولوجيا الحديثة في تقنيات العرض ,وعدم وجود الدراسات والبحوث والتوثيق لعالم مسرح الطفل.ولمعالجة ذلك يقترح المؤلف تشكيل مؤسسة خاصة لمسرح الطفل تأخذ على عاتقها عملية التخطيط السليم والعمل كليا لمسرح الطفل,على ان تشكل بطريقة علمية مدروسة وليست عشوائية وادخال كوادرها في دورات دراسة وتوثيق نشاطات مسرح الطفل وتزويده بالدراسات الاساسية ,واجراء الاستطلاعات واعتماد اراء علماء النفس والاجتماع التربويين في تحليل النصوص واعمال الطفل للوصول الى غايات تربوية وثقافية واجتماعية تخدم عالم الطفل.
كتاب دراما الطفل قسم الى قسمين الاول يضم اربعة فصول الاول بعنوان(الاطار المنهجي للدراسة ) وتناول موضوع الدراسة واهميتها, واهدافها, واجراءاتها,في حين تضمن الفصل الثاني اربعة مباحث تمثل الاطار النظري ,تناول المبحث الاول خصائص الطفولة وخصائص مراحلها العمرية على وفق المنظور النفسي,ومنظور التطور في النمو, وعلى وفق المنظور المسرحي, الى جانب التعرض قبل ذلك الى ماهية الطفولة ومفهومها.اما المبحث الثاني فقد تناول موضوعة المؤثرات الثقافية وعلاقتها بمسرح الاطفال.ويتضمن مفهوم مسرح الاطفال ,مع القاء نظرة سريعة على جوانب مهمة من مسرح الطفل في العالم,مع عرض مركز من واقع تفكيره بمسرح الطفل.
اما الفصل الثالث فقد تناول بالتوثيق والعرض الموجز ,ماقدمته نشاطات التأليف والدراسات والبحوث والكتابات النقدية والاطاريح والرسائل الجامعية والترجمة في مجال مسرح الاطفال.
وخصص الفصل الرابع من الكتاب للاطار التاريخي للدراسة وتناول فيه الشاعر فاضل الكعبي بدايات مسرح الاطفال في العراق التي انطلقت في ذلك من قسمين اساسيين الاول في اطار المسرح المدرسي ,وتضمن سمات المسرح المدرسي ومفهومه واهميته والحاجه اليه.وفي القسم الثاني تناول البدايات الاولى لمسرح الطفل في العراق مؤكداً على تجربة الفنان الراحل قاسم محمد لاهميتها الكبيرة. بعدها تناول عمر التجربة وماقدمته خلال سنوات 1970 – 1980- 1990 – 2000 من اعمال ونشاطات وندوات وعطاءات فنية وابداعية وفكرية لمسرح الطفل. 
وقد عانى المؤلف الكعبي في عملية التوثيق بسبب تشتت التجربة وتوسعها, لاسيما ان التوثيق والبحث رافقته وجهة نظر نقدية في اطار بحث علمي ,ويبدو من حجم الدراسة انه تمكن من النجاح في مسعاه بدليل انه قدم تجربة غاية في الاهمية في عالم مسرح الطفل في . وكتابه (دراما الطفل) يعد اضافة مهمة في مجال توثيق عروض مسرح الطفل ومناقشة هادئة لعروضه ولمعوقاته الى جانب طروحاته ومقترحاته لتجاوز الصعوبات .واقترح ان يصار الى اعتماد هذه الدراسة المهمة في معهد وكلية الفنون الجميلة كمنهج دراسي من اجل تطوير عالم مسرح الطفل في العراق.

----------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 
تابع القراءة→

المسرح الإسرائيلي.. وأزمة الهوية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

حين كان كتاب المسرح الإسرائيلي يقدمون لنصوص مسرحية تعمل على تهميش شخصية العربي الفلسطيني، خاصة فيما بعد 1948، في محاولة لطمس هوية الفلسطينيين، الذين فضلوا المقاومة في مواجهة العدو، نجد أن هؤلاء الكتاب أنفسهم كانوا يعانون في البحث عن “هوية” خاصة تميزهم، نتيجة شعور معظمهم بالاغتراب.
خاصة وأن هؤلاء الكتاب لم تكن تربطهم أي علاقات، لا على مستوى الثقافة أو اللغة، ولا حتى التقاليد والعادات، فلكل منهم ماضيه المستقل، ولا يجمعهم في الحاضر سوى التزامهم بالقيم الصهيونية، بعد فقدانهم لجذورهم، وكذلك الحال مع التراث اليهودي القديم، ومشكلة قبوله أو رفضه، لتنتهي المسألة بتوجيه ذلك التراث بحسب ما يخدم الصهيونية.
وبالتالي كان عليهم عدم الالتفات إلى الماضي، وانتظار الالتفاف حول “هوية الحاضر”، التي ما زالت لم تحدد بعد، لا على مستوى المجتمع ولا على مستوى كتاب المسرح هناك.
لقد وجد كتاب المسرح الإسرائيلي أنفسهم أمام”مجتمع” مفتت، مكون من جماعات من المهاجرين، غارق في الصراعات بين طوائفه المختلفة، ولكل طائفة طرحها الخاص للهوية الإسرائيلية، ولكل جماعة منهم أصول قومية منفردة، ما تسبب في العديد من التخبطات لهؤلاء الكتاب، ولو لم تنجح الصهيونية في جعلهم “مجرد دمى” تحركهم بخيوطها لانهاروا.
ويرى الناقد الفرنسي  بيير ريستاتي أن الفنانين اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل “ينتجون كما لو كانوا قد هاجروا إلى باريس أو نيويورك، في حين تظل أعمال بعضهم محتفظة بطابعها، كما لو ظلوا مقيمين في قراهم ببولندا أو روسيا”.
وحتى لو ظل كتاب المسرح الإسرائيلي في بلادهم الأصلية خارج فلسطين، وكتبوا أعمالهم المسرحية هناك، مع الالتزام بالتوجه الصهيوني والترويج له، فإنها لن تختلف في شئ عن الأعمال التي كتبوها.
ويؤكد د. عبد الوهاب المسيري في دراسة بعنوان “الخصوصية اليهودية”، أنه لا يمكن الحديث في الوقت الحاضر عن أي خصوصية إسرائيلية، ولكن حتى وإن ظهرت مثل هذه الخصوصية، فإنها لن تكون خصوصية يهودية عالمية، وإنما خصوصية التجمع البشري الاستيطاني في الشرق الأوسط، ذلك المجتمع الذي يتحدث سكانه اللغة العبرية، مع أنهم جاءوا من تشكيلات حضارية شتى، وأحضروا معهم خصوصياتهم الحضارية المختلفة.

-------------------------------------
المصدر : عادل حسان - البديل

تابع القراءة→

مسرحية المهابهارتا لبيتر بروك نموذجاً / أ.د. صلاح القصب

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


مخرج مسرحي انكليزي، يعد من اقطاب المسرح التجريبي في النصف الثاني من القرن العشرين، اظهرت اعماله انتقائية عالية لأساليب التجريب، ومحاولات بناء شكل العرض، الا انها في النهاية كانت البحث عن لغة مسرحية عالمية مشتركة عابرة للثقافات، حيث يتجه نحو كشف السري الحقيقي المحتجب خلف الاعتياد والمألوفية، وهو ما أسماه باللامرئي المقدس، واللاعياني المغيب خلف العياني المادي، وبواسطة (خلق الحالة الشعرية، اي تجربة حياتية مجاوزة ومفارقة، وذلك من خلال مؤثرات صادمة، وصرخات، ورقية سحرية، وأقنعة، ودمى، وملابس طقسية"2 وهو ما يطابق الى حد بعيد تجربة آرتو في مسرح القسوة، وهو ينطلق في ذلك من اننا (نحتاج الى مسرحية حقيقية، لطقوس حقيقية، طقوس تمد المسرح بالحركة وبالتجربة التي تغذي حياتنا) والتي لا تتحقق الا من خلال تدمير المعنى الذهني، وتهشيم عقلانية اللغة، والاشتغال على جوهر المعنى، والاعتماد على قوة التعبيرات البدائية، المحفوظة في اللاوعي الجمعي لعموم الجنس البشري، لتكون تلك التعبيرات البدائية هي اللغة العالمية العابرة للمحدد الثقافي، ويصف بحثه في ذلك بأنه (اعادة اكتشاف الفزع والرعب الكامنين في المسرح الأصلي ذي الطابع شبه الديني).
تستند التجربة المسرحية عند بروك الى إعادة انتاج الاسطورة وتشكيل ابعادها الميثيولوجية عصرياً، بهدف اطلاق فيض الطاقة في الطقس الأصلي، المرتبط بالنشوء الكوني وتشكل الوعي الميتافيزيقي به.
ان تجربة بروك في انتاج العرض المسرحي بالقراءة الاسطورية وبناء الشكل ميثيولوجيا تقوم على فروض علمية تملك مفاتيحها المفاهيمية، وتحديداتها الاصطلاحية، حيث تقوم تجربته الجمالية على اعادة انتاج وتشكيل العرض المسرحي انطلاقاً من مبدأ انعدام الزمن، فالاسطورة بوصفها مركبا ثقافياً جوهره الطاقة، وهي القوة التي تهندس الوعي بالمكان، وتحقق الزمان، هي مفاهيمياً تتقدم على مبدأ الزمان الرياضي، كونها علة الوجود والنشوء الكوني، التي طرحها العقل الميتافيزيقي.
ان الاسطورة وفق المقاربة الكوانتمية، هي مركب ثقافي المعادل الكوانتمي الاول فيه هو الطاقة، التي هي ارادة التصميم الهندسي للوعي، وهي قوة الفكر، وكل مكون في المركب الثقافي/ الاسطورة، له زمنه الخاص به وتاريخ عملياته الخاص به، وخارج ذلك المكون هو الفراغ، وهو الزمن الصفري.
وفي المركب الثقافي/ الاسطورة فان ارادة التصميم وقوة الفكر فيها هي تحقق زمنها وتاريخ عملياتها الداخلية، وخارج هذا المركب/ الاسطورة هو الفراغ، واللازمن الذي تسبح فيه ما لا نهاية من المركبات/ الاساطير.
ان عرض ملحمة المهابهارتا كما اعاد انتاجها مسرحياً بيتر بروك، من خلال الانبثاق الكوني للطاقة، التي هي ارادة التصميم، وقوة الفكر التي تهندس الوعي، عابراً المسافات الزمنية للزمن الرياضي، حيث كان الزمن في تجربة المهابهارتا زمناً صفرياً قابلاً لما لانهاية من الاحتمالات، وان تلك المتوالية الهندسية غير المتناهية الاحتمالات فيها، تسقط التراتبية الرياضية للعقل، ازاء الانبعاث المعاصر للعقل الميتافيزيقي، وتجربة الانغمار في وعيه الكوني الشامل الذي رافق هندسة الكون وانبثاق الحضارة.
ان صراعات التيتان الاولى، وانبثاق الهيولي وعالم مالا عين رأيت ومالا اذن سمعت ومالا يخطر على بال أحد، وصراعات كريشنا وشيفا وفيداس، وقرار المعاناة الكونية الاولى لفجر الخليقة، وانشطار الارض عن السماء، وانبثاق الوجود الاول، والفزع الاول، ان تلك المكونات بما تحمل في ذاتها من قوتها وطاقتها، وجدل عمليات التحول في مستويات الطاقة فيها، ذلك يطلق فيض الطاقة التي هي ارادة التصميم وقوة الفكر.
ان فيض الطاقة الذي ينطلق نتيجة جدل عمليات التحول في مستويات الطاقة لمكونات المركب الثقافي/ الاسطورة، ينطلق في حزم من الفوتونات، التي تعبر الفراغ لتشحن ذلك الفراغ بالطاقة، وذلك الانبعاث هو المعادل الكوانتمي الثاني وهو الموجة، التي هي قراءة التحليل، وهي علاقات تداخل حقول الطاقة لمكونات المركب الواحد.
ان المعادل الكوانتمي الثاني وهو الموجة، في المركب الثقافي/ الاسطورة، بوصفها (الموجة) قراءة التحليل تحقق المركب الثقافي بلاستيكا تشكيلية من خلال هندسة العقل الذي يعي الاسطورة، لينطلق من بعده الرياضي المتناهي، الى البعد الميتافيزيقي اللامتناهي، الذي يستحضر تجربة المقدس اللامرئي ويجعله واقعا مرئياً بواسطة فيض الطاقة التي تغمر الطقس في عرضها المهابهارتا.
ان تقاطع حقول الطاقة المنبعثة من المركب الثفافي/ الاسطورة في الفراغ مع حقول الطاقة للمركبات الاساطير الاخرى، يحقق المعادل الكوانتمي الثالث وهو التردد، وهو المعيار النقدي للانشاء والاصول المرجعية، وهو نتيجة تراكم قراءات التحليل، فالتردد قراءة نقدية هي معيار الانشاء الذي يستند الى ارادة التصميم من جانب، والتحقق من جانب آخر، حيث يتحدد المركب الثقافي/ الاسطورة، بلاستيكا تشكيلية، ووجود يمكن الوعي به كخطاب تأثري انفعالي جمالي، هو طقس العرش مهابهارتا.
ان التوظيف الميثيولوجي في عرض المهابهارتا لبروك هو استعادة واستحضار لطاقة المركب الثقافي/ الاسطورة المهابهارتا الهندية، ومن ثم الدخول في حركية استحضارات وانبثاقات تلك الطاقة بما يخرج الاسطورة من مفهوم تراتبها الزمن الرياضي بوصفها الماضي المقدس المستحيل، الى مفهوم الزمن الحاضر المستمر الذي لا ينتهي، فيكون فيه الماضي، ولا يسكن فيكون له مستقبل.
ان بروك تعامل مع الاسطورة خارج بديهية جدل التاريخ، والتعاقب، ومبدأ التحقيب للزمن، والانقطاعات ما بين الحقب الزمنية، والتاريخية، والحضارية. فهو يرى ان الاسطورة كمركب ثقافي جوهره طاقة، هي متحركة تسبح أزلياً في فراغ في الزمن الصفري، لذا هو يستعيد الاسطورة باستحضار الطاقة التي هي جوهر الاسطورة، وعبر فضاء الطقس، وبذلك ينفي عند بروك في التوظيف الميثولوجي في عرض المهابهارتا مبدأ الزمن، ومبدأ المكان، وهو بذلك يعبر الى ما وراء البعد الفيزيائي الطبيعي، نحو عالم كريشنا وشيفا وفيداس وراما، وصراع الآلهة، لينبثق من فضاء الطقس نتيجة استحضار طاقة الطقس الاصلي فيه، عالم الاسطورة والمقدس اللامرئي الذي يستحيل الى مقدس مرئي وتجربة عيشه.
مما تقدم يتعامل بروك في تجربة المهابهارتا مع المبدأ التاريخي بوصفه حركة ارتدادات لا متناهية، وبعيداً عن المفهوم التقليدي للتاريخ القائم على التحقيب الزمن: الماضي/ الحاضر/ المستقبل. فالزمن عند بروك مطلق فيزيائي، وهو الفراغات ما بين الاساطير، بوصف الاخيرة مركبات ثقافية ذات معادلات كوانتمية.
فالزمن هو فراغ صفري فاصل ما بين المركب الثقافي/ اسطورة المهابهارتا، وبين ما لانهاية من المركبات الثقافية/ الاساطير، ممن أدركها الوعي البشري، او لم يدركها، من ملاحم التيتان الاولى، ملاحم الخلق البابلي، اسفار التكوين التوارتية، اسفار بوذا، زراديشت، وما لانهاية من الاساطير، في علل الخلق التي هندس من خلالها العقل الميتافيزيقي عالمه وانشأ كينونته.

-----------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 
تابع القراءة→

ملامح التجريب على البعد الأسطوري عند "بيتر بروك": "المهابهاراتا كمثال تطبيقي"/ عبدالكريم بن علي بن جواد*

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

إن القيمة الحقيقية لبيتر بروك المخرج المسرحي الإنكليزي المعاصر لا تتبع فقط من الأعمال الهامة والطليعية التي قدمها على خشبة المسرح وإنما لكون أن هذه الأعمال جاءت مرتبطة بأبحاث حيوية اختبرت عن طريق الأداة لا سيما تلك التي قدمت في ظل "المركز الدولي لأبحاث المسرح" الذي أسس عام 1970م في باريس، والذي يلخص بروك مهمته بأنه "يختبر الشروط الأساسية التي يمكن أن يقوم فيها مسرح يعتمد على، فقط هو ما هو جوهري" وهو البعد الأساس المهم الذي سيتم التركيز عليه في هذه المداخلة. إن العودة الى أصول المسرح أو جذوره مهمة أوكلها بروك لنفسه ومجموعته ليعمل عليها جاداً مجتهداً مجرباً. كانت الأسطورة التي حملت في رحمها جنين المسرح الأول هي ميدان البحث الأرحب وكانت عناصرها هي وسائل التجريب التي أراد بروك أن ينطقها فناً وفكراً معاصراً مستفيداً من البحوث الحديثة ومستهدياً بالتفسير العلمي السيكولوجي والانثروبولوجي والمثولوجي وعلوم حديثة أخرى تناولت الأسطورة فهماً وشرحاً وتحليلاً.

إنطلق بروك في توظيف الأسطورة القديمة في المسرح الحديث ليس فقط من منطلق تجاوز الرؤية الماضية التي تتعامل مع الأسطورة كحقيقة مطلقة ولم يقف عند حدود الرؤية الجمالية للأسطورة على الرغم من ما لهذه الرؤية من أهمية مسرحية لا سيما من حيث البعد الخيالي وتصوير العالم الغيبي والطقوس ذات الأبعاد الحركية ناهيك عن التراليم والأهازيج والإيقاعات التي وظفها بحرفية عالية بل الى جوار ذلك كله أراد أن يصل من الأسطورة الى مساحة ذهنية رحبة ورسالة إنسانية عالمية تتواءم ونسق الفن والحياة المعاصرة.

ملحمة "المهابهاراتا" واحدة من أشهر أعمال بروك وقد يراها البعض أعظمها على الإطلاق وأبرزها فنياً. وقد واجه بروك عندما أخرج عمله "المهابهاراتا" (1987م) عن المثيولوجيا الهندية عاصفة من الاحتجاجات لا سيما عندما عرض المسرحية والفيلم في الهند الأمر الذي أثار حفيظة رجال الدين الهنود الذين اتهموه بالاحترافية التي أفقدت النص الأصلي الذي يعود الى القرن الخامس قبل الميلاد طبيعية وعمقه بل وذهب بعضهم الى القول أن هذا العمل المسرحي شكل أبلغ إساءة لحقت بالثقافة الهندية في العهد الحديث.

لا شك أن مرد هذا الهجوم مفهوم لدينا، ففي بعض الثقافات قد يصل الاعتزاز بالأسطورة كموروث شعبي مرحلة التقديس، إذ تعتبر الأسطورة تحفة فنية من الموروثات الحضارية للبلد أو الأمة، وأحياناً ترتبط الأسطورة بالبعد الديني والتاريخي لبعض الشعوب فتكتسب أهمية أكبر وأعظم، ونتيجة لموضعها هذا يجب أن تحفظ حرفاً بحرف كما وردت في الحوليات القديمة فلا تمس في نصها بل وحتى في رمزيتها ودلالاتها ناهيك عن القبول بأي نوع من التعديل أو التغيّر أو التطوير الذي يمكن أن يطرأ عليها نتيجة لتوظفيها في المسرح والأمثلة على ذلك عديدة لعل أوضحها في المسرح العربي الجدل الكبير الذي دار حول توظيف أسطورة إيزيس وأوزوريس في المسرح المصري في أواسط القرن المنصرم حيث رأى البعض أن التوظيف جاء محملاً بمضامين سياسية معاصرة محدودة في قيمتها الفكرية وأنينها الزمنية على حساب طبيعة الأسطورة التي يفترض أن تحمل أسئلة جوهرية ورموزاً عميقة ذات ديمومة أزلية وهم يسجلون تحفظهم بأن مثل هذا التحرير في الأسطورة قد يؤدي في نهاية الأمر الى التفريط بذلك التراث الأصيل (12). والهجوم كان أكبر وأشد على توفيق الحكيم عندما وظف قصة أهل الكهف في عمل مسرحي أراد أن يضفي عليه لمسة إنسانية تواكب الجانب الغيبي، ولم يشفع له أن القصة معروفة في التراث الأدبي والديني للعديد من شعوب العالم قبل ظهور الإسلام. ومثل هذا الجدل لن ينتهي وما له أن ينتهي فهو إثراء ثقافي وفكري مفيد إذا ما بقي في دائرة الخلاف الفكري والإبداع الفني المسرحي ومدى اقترابه أو ابتعاده عن جوهر السؤال الذي تحمله الأسطورة من دون أن ينزلق الى تابو المحرمات أو الإقصاء القسري أو اللعبة السياسية المحدودة زماناً ومكاناً وعلاقتها بالصراع الوجودي مع الآخر، في سياق هذا الفهم يمكن القول انه بقدر ما كان نقد رجال الدين قاسياً لبروك ومجموعته بقدر ما كان هذا مؤشراً على مدى تحرر بروك من الخضوع والإذعان لسطوة الأطر التقليدية للأسطورة والتخلّص من الأكليشيهات الجاهزة الى أفق أوسع من الإبداع والتجديد. فما الذي فعله بروك وأغضب التقليديين من رجال الدين الهنود؟

التقنيات المشتركة

باختصار إن الإجابة على ذلك تكمن في جملتين عبر بهما بروك بعد عودته وفرقته من زيارة تمهيدية للهند عن منهجيته في التعامل مع الملحمة وبرأينا هما مفتاح قراءة هذا العرض. الجملة الأولى عندما قال: "فهنا تعرّفنا على كل التقنيات المشتركة في كل فنون الشعوب على السواء، والتي ظللنا نستكشفها عن طريق الارتجال سنوات متصلة" (النقطة المتحول ـ ص231). إن الجملة تحمل إشارتين أوّليتين تؤسسان للعرض، الأولى تتمثل في البحث عن تقنيات وهو جانب تنفيذي مهم في العرض المسرحي له الأولوية لدى رجل المسرح العملي مقارنة بالجانب الفكري أو العقائدي الذي تحاول الملحمة تكريسه، أو بمعنى أصح الذي يسعى رجال الدين الى تكريسه من خلال الملحمة، ولعله من الدلالة على أهمية هذا الجانب، أي الجانب الأدائي، عند بروك أن نشير إن أول ما لفت انتباه بروك للمهابهاراتا راقصاً من الهند كان يؤدي مشهداً من العمل وقد جذبه من عمل الراقص الأداء ولغة الإشارة والأزياء والمكياج والشكل والجو العام ولم يكن يعرف بعد تفاصيل الأسطورة وأعماقها الفكرية. (النقطة المتحول ـ ص 228). والإشارة الثانية تتمثل في البحث عن المساحة المشتركة، لا الخصوصية المتفردة، في كل فنون الشعوب أي أن توظف الفنون المحلية لاستلهام يحقق لها العالمية لا سيما عندما تتصل هذه الفنون بأسطورة عريقة متجذّرة في وجدان واحدة من أقدم الثقافات في العالم ولعل بروك هنا يضع قدمه على منطقة تماس، حتى لا نقول توافق، مع نظريات الأنثربولوجيين المعاصرين أمثال ليفي شتراوس الذي بحث في الأسطورة عن وحدة بنائية تمكنه من دراستها بمنهجية علمية لا تختلف عن منهجية العلوم التطبيقية (13)، ومن ثم تؤهل، هذه الوحدة البنائية، الأسطورة لتكون خلية التفكير الأولى في الفكر الإنساني التي يسهل الكشف عنها في كل الثقافات وتكون الأساس الذي يكرس عالمية الثقافة واللغة المشتركة، ويمثل بروك حالة تماس أو توافق في هذا السياق أيضاً مع فروم في أطروحته بأن الأسطورة ومن ثم الحلم هما نتاج عقلاني واع، وليس لا واع، ويرى أن العقل في حالة الحلم ومن ثم الأسطورة يعمل ويفكر بلغة خاصة هي "لغة الرمز" اللغة الأكثر شمولية وعالمية حيث أنها قادرة على تجاوز فوارق المكان والزمان والثقافة والجنس، وهو على جانب آخر لا يبتعد عن سعي الميثولوجين مثل سير جيمس فريزر على البحث عن ثنائية العلاقة بين الأسطورة والطقس "التقنيات" وعن أمثلة نماذجية مستمدة من الأساطير القديمة تتكرر في ثقافات العالم الأخرى محترفة الزمان والمكان (8). وبروك هنا مسرحياً في البحث عن مساحة مشتركة يتوافق أيضاً مع منهجية "جروتوفسكي" في المسرح الفقير في التعامل مع الأسطورة والتي يشير لها جروتوفسكي نفسه في كتيبه (نحو مسرح فقير ـ ص30) قائلاً: "فإن قدرة الكائن الإنساني على الإدراك تظل باقية حتى مع فقدان غطاء مشترك من العقيدة وفقدان الحدود التي لا يمكن احتراقها، والأسطورة وحدها ـ كما تتجسد في الممثل وكيانه الحي ـ هي التي تستطيع تأدية وظيفة المحرمات. وانتهاك الكيان الحي، وتعريته الى درجة بالغة القسوة يعيدها الى موقف أسطوري محدد ومجسد، أي الى خبرة مشتركة تتعلق بالحقيقة الإنسانية بشكل عام.

أما الجملة الثانية التي وردت على لسان بيتر بروك فكانت في قوله "رجعنا من الهند وقد عرفنا أن عملنا هو أن نوحي، لا أن نقلد" (النقطة المتحول ـ ص 231) إنها جملة تعلن فك الارتباط عن أي التزام بالأطر التقليدية المتعارف عليها للملحمة أو تفسيراتها المتوارثة والانحياز التام الى منهجية اختبار الشروط التي عرف بها بيتر بروك وجعلها آلية عمل للمركز المسرحي.

اجتماع الطير

ومن المناسب هنا أن نوجز شيئاً عن هذه الآلية وكيفية تطبيقها إذ يتحدث بروك عن التدريبات أثناء رحلات فرقتهن المكونة من ممثلين من مختلف الجنسيات والمنتمين الى ثقافات متنوعة، الى إفريقيا وآسيا وأميركا. وكيف أن البحث واختبارات الأداء أديا الى تطور دائم وتنوع في أساليب تقديم العمل المسرحي ومثال ذلك ما حصل مع "اجتماع الطير" إذ يقول: "كان هذا العمل في تطور دائم، لعبنا عدد من صياغاته في إفريقيا، وعدداً آخر في باريس، وكثيراً عبر أميركا... وفي النهاية كنا نغير أطقم الممثلين على نحو دوري كل ليلة، حتى يكتسب كل عضو في الجماعة فهماً جديداً لكل دور... وفي الأسبوع الأخير أصبح لدينا سبعة أزواج من الممثلين، مسؤولون عن سبع صياغات للعمل. الليلة الأخيرة كانت تضم ثلاثة عروض: يبدأ الأول في الثامنة من المساء، الثاني في منتصف الليل، الثالث في الفجر، أول العروض كان ارتجالياً، ثانيها كان هادئاً ملتزماً بالنص، وثالثها كان ذا طابع احتفالي..." (النقطة المتحول ـ ص8).

وهو يتحدث عن أهمية ما بين السطور وما يحدث ما بين الكلمة والكلمة والإضافات والارتجال الفني فيصف ما يحدث في البروة أو العرض... "لدرجة أنك لا تستطيع أن تقطع ما هو صادر عن الممثل وما هو صادر عن المؤلف" (النقطة المتحول ـ ص 37).

أما عن "المهابهاراتا" بالذات فهو يتحدث عن عمل المجموعة قائلاً "لم نكن نفترض أننا نعرض رمزية الفلسفة الهندوكية. في الموسيقى وفي الأزياء وفي الحركات كنا نحاول أن نوحي بنكهة الهند من دون أن ندعي أننا خلاف ما نحن عليه. على العكس، فإن الجنسيات المتعددة التي اجتمعت معاً، كانت تحاول أن تصور "المهابهاراتا" بأن تضيف عليها أشياء من عندها" (النقطة المتحول ـ ص 231، 232)، مرة أخرى تبدو المنهجية الإخراجية التي يتبعها بروك في التعامل مع الأسطورة على حد ما متوافقة مع منهجية "جروتوفسكي" الداعية على مواجهة الأسطورة لا التوحد معها حيث يقول جروتوفسكي: "المواجهة مع الأسطورة وليس التوحد معها. أي بمعنى آخر محاولة تجسيد الأسطورة مع الاحتفاظ بخبراتنا الشخصية الخاصة وذلك بأن نرتدي رداء الأسطورة لندرك نسبية مشاكلنا وعلاقتها "بالجذور"، وكذلك نسبية "الجذور" في ضوء خبرتنا العصرية. فإذا كان الموقف قاسياً وحشياً، وإذا عربنا أنفسنا ولمسنا أعمق أعماقنا وكشفناه تكسر قناع الحياة وسقط. (نحو مسرح فقير ـ ص 30).

ولكن مع هذا بدا بروك في تعامله مع "المهابهاراتا" في نظر الكثير من المسرحيين حريصاً على طبيعة الملحمة وأجوائها العامة لم يسعى بروك الى التعبير الجوهري في أحداث وبناء الأسطورة أو هيكليتها العامة إلا بقدر محدود بما يحقق تحويلها الى عرض مسرحي يكثّف أحداثها ويوسع من دلالاتها لتكون أكثر عمومية. فكانت مدة العرض تسعة ساعات بعد الاختصار في الملحمة من خلال اختزال العائلات العديدة، أكثر من 100 عائلة، في عائلتين رئيسيتين متصارعتين وعليه حافظ على الخط الرئيسي في الملحمة وركّز الأحداث في محور أساس وتم شطب العديد من التفرعات الجانبية والزوائد والاستطرادات التي كان من الممكن أن تثقل العمل المسرحي.

إن أول ما فعله بروك والكاتب جان كلود كاريير أنهما نظرا الى الملحمة، التي طالما نظر إليها رجال الدين الهنود نظرة تقديسية غيبية، نظرا إليها نظرة إنسانية بحتة وأرادا أن يستخلصا منها العبر لا لمجتمع بعينه محدد جغرافياً أو ثقافياً بل لمجتمع مفتوح ولثقافة عالمية مشتركة هي أحد أهداف مختبرهم الذي يضم فنانين من مختلف ثقافات العالم الشرقية والغربية، لذا نرى بروك وكلود في العرض يركزان على جمل عامة تبرز قيماً إنسانية بتعمّد مقصود مثل "لا يوجد إنسان جيد، جيد بالمطلق ولا يوجد إنسان سيء بالمطلق" و"ليجعلك ترى الصالح في السيئ والسيئ في الصالح" والأكثر من ذلك هما يحاولان أن يبرزا بعض الجمل التي تحمل بعداً فلسفياً مثل "الغضب يبقيني شاباً" و"هل يمكن لشخص أن يكون تبعاً لشخص قد ضيّع نفسه". ثم أنهما يؤكدان من خلال الراوي على أن الملحمة لكل واحد منّا هي لك وعنك إذا ما استمعت لها بعناية ستكون في النهاية شخصاً آخر.

إذاً على المستوى الفكري، النص فيما بعد، أراد، المخرج والمؤلف، أن يركزا الأحداث ويختصراها لصالح رؤية مسرحية عصرية متعددة التفاسير تحمل سمة عالمية أكثر منها سمة محلية مرتبطة برؤية أحادية وبثقافة ذات خصوصية بحتة وإن ظل الشكل العام أو نكهة العمل كما يطلق عليها بروك على حالها. إذ يصف بروك الفن "والفن يعني الاحتفال بأكثر الإمكانيات رقة وجمالاً في كل عنصر من العناصر، والفن يعني استخراج الجوهر من كل تفصيل، بحيث يكشف هذا التفصيل عن نفسه، من حيث هو جزء حافل بالمعنى من كل غير قابل للانقسام" (النقطة المتحول ـ ص 230) كما يصف مهمة المخرج المسرحي في هذا الصدد "إن من يقنع أن يقدم وجهة نظر واحدة ـ بلغت ما بلغت قوتها ـ إنما يؤدي لافتقار العمل كله" (النقطة المتحول ـ ص 36).

التطبيق

على المستوى التطبيقي أو التنفيذي فبالاضافة الى توظيف التقنيات والطقوس كلغة مشتركة، سعى بروك في العرض الى فكرته الأساسية حول أن المسرح هو المساحة الفارغة التي تهيأ للمؤدى أن يشغلها وأن الشيء البسيط أو القليل في هذه المساحة يؤدي غرضاً كبيراً أو أعظيماً، لذا يسعى بروك في "المهابهاراتا" الى تكثيف في استخدام الايماءات والمؤثرات الصوتية، كأن يشير صفير الناي اللهم الى الحية، ودقات الطبول تنمو وتصبح جيشاً والنفخ في النفير يعلن عن الحرب وكذلك يعلن عن ويوم القيامة. كما سعى الى استخدام الرمز كالصخرة والنار والماء والضوء والألوان والنغمات والغناء والحركات والرقص ليحقق تداعي المعاني والأفكار والدلالات الايحائية كاستخدام لقطعة قماش قرمزية وغمسها في النهر كتابة عن ملك يتلوى فوق خشبة المسرح. واستخدام سجادة وسط المسرح كناية عن البلاط الملكي، ونثر كمية من البودر بواسطة الممثلين كناية عن جو المعركة بما يسوده من أتربة ودخان وأن تتحول العصي الى أسرة وغابات وأسلحة حربية معقدة وأن تتحول السلالم المتحركة الى وضع منثني لتأخذ شكل أسلحة دفاعية سحرية. هذه البساطة والرمزية وإن بدت متعارضة مع ما اتسمت به القصة من مغالاة إلا أنها متوائمة مع رغبة بروك وفريقه في النزول بالأسطورة من عليائها الغيبي الى المستوى الانساني فكرياً وأن تكون شخصيات الممثلين وحدهم كمصدر إلهام خيال الجمهور تطبيقياً. كما يرى كريستوفر اينز في كتابه المسرح الطليعي (ص275).

عليه فإن بروك قد عمد الى تكثيف الحالة النفسية الداخلية لدى الممثل في صورة عنف داخلي وأدائي يترجمه الممثل ويعبر به عما تضمنته الأسطورة من صور خيالية وقتال وهلاك كمثل "إله الشمس في بهائه الذي يعمي الإبصار، أو شيطاناً في جسد هائل تحمله عربة خيول متوحشة والذي بإمكانه أن يبتلع سحابة من السهام وأن يتحول الى جيش بأكمله، يرسل أمطاراً من دماء يصاحبها البرق والشهب". وهنا يتحول العرض الى سيل من الصور المسرحية المتدفقة التي يتبارى الممثلون في تجسيدها وعرض مهاراتهم الموظفة في التمثيل من خلالها وبذلك يبرز الأداء وجوهر الفن المسرحي أكثر من مجرد تجسيد لطبيعة الأسطورة. (المسرح الطليعي ـ ص275، 279). فبروك يرى أن "المهابهاراتا" تحطم الأشكال التقليدية القائمة في الغرب المسيحي والتي لا تخرج عن دائرة ضيقة وأشكالاً بدائية جداً للخير والشر وهي تقدم نموذجاً هائلاً وقوياً ومشعاً للصراع الذي لا يتوقف داخل كل فرد وكل جماعة، وكل تعبير عن العالم، صراع بين الامكانية التي تسمى "الدهارما، ونفي هذه الامكانية. (النقطة المتحول ـ ص232). ولعل أعظم ما في "الهابهاراتا" أنها لا تحاول أن تشرح "الدهارما" وإنما "الدهارما" هي الجوهر الذي يحس تلقائياً بسريانه وحضوره يبقى استشرافياً.

لعله من المناسب أن نشير هنا الى تأثر سابق لبيتر بروك بمسرح القسوة ومبادئ الدادية ومفاهيم آرتو بـ"إعادة اكتشاف الفزع والرعب الكامنين في المسرح الأصلي ذي الطابع شبه الديني" (المسرح الطليعي ـ ص239). عندما عرض "مارا صاد" لبيتر فايس، ولكن هذا التأثر يظل لدى بروك في حالة توازن وفهم لجوهر اللعبة المسرحية فهو يؤكد بأن الوجود الانساني لا يمكن تصويره إلا من خلال دائرتين، داخلية تعكس دوافعنا وحياتنا السرية وخارجية تعكس حياتنا الاجتماعية وعلاقاتنا بالآخرين والبحث في المسرح يشكل دائرة تتوسط الدائرتين من ناحية أخرى فإن المسرح لن يوجد عند بروك إلا عندما يلتقي عالمان، عالم الممثلين وعالم المتفرجين ويكونان معاً مجتمعاً مصغراً يأتيانه معاً في كل مساء.

خلاصة القول أنه يمكن دراسة ملامح التجريب في أعمال بيتر بروك على ثلا مستويات رئيسية:

أ ـ التجريب على مستوى استخلاص الجوهر في التجربة المسرحية عبر تخليصها من المبالغات والاضافات والزوائد التي تثقلها.

ب ـ التجريب على مستوى إيجاد لغة توصيل فنية عالمية بديلاً للكلمات والحوارات المسرحية المعتادة.

ج ـ التجريب على مستوى تطوير العرض المسرحي من خلال اختبار الشروط "الأداء" الذي يشمل الجوهر ولغة التوصيل الفنية.

كما أنه يمكن إيجاز الكيفية التي وظف فيها بروك العناصر الأسطورية في تحقيق تلك المستويات الثلاث في عرضه المسرحي "المهابهاراتا" مستفيداً من العديد من المدارس المسرحية الحديثة ونظريات العلوم ذات الصلة كالمثولوجي والأنثروبولوجي والسيكولوجي وغيرها.

الأسطورة

فعلى مستوى الجوهر فإن منشأ الأسطورة بطبيعتها برغم ما تبديه تطوراتها اللاحقة من استفاضة في الأحداث وتداخل في الواقع وكثرة في الشخصيات تستبطن سؤالاً جوهرياً حيوياً "أزلياً" مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بهواجس الانسان ورغباته وقلقه ومصيره المهابهاراتا الأسطورة بهذا الفهم قدمت الجوهر لبروك ومجموعته المسرحية على مستوى الفكرة والرسالة الانسانية كما قدمت له الجوهر على مستوى التواصل "الانساني/ الانساني" العالمي كا سنأتي على ذكره لاحقاً فالجوهر الذي قدمته الأسطورة على مستوى الفكرة والرسالة الانسانية كان في تعبير الـ"دهارما" الذي عرفه بروك بأنه "القوة الأساسية الدافعة للحركة" مبدئياً ثم يفصل أكثر فيضيف: "إن كل ما يتفق معها، أي القوة، يعظم من تأثيرها وكل ما لا يتفق معها فهو ليس شراء بالتعبير المسيحي، ولكنه سلب". القوة ماضية في حركتها الدؤوبة التي هي في واقع الأمر حركة الحياة على وجه الأرض ومبعث القوة ومفجرها ومؤججها هنا هي مطامع النفس البشرية، التنافس والصراع الانساني/ الانساني القائم والمستمر والأزلي والذي يبدو أنه قدر البشرية المحتوم الذي لا بد منه والوقود الذي لا بد أن يشتعل كي تتواصل الحياة على وجه الأرض على أن يأتي الوئام والصفاء والطمأنينة بين البشر في العالم الآخر أو الجنة، فدمار الكون هو ثمن تحرير الروح، فعلى مستوى الجوهر كفكرة كانت نبوءة أو حدساً أو قلقاً بشرياً متوارثاً عن كوارث عظمى من صنع الانسان وسنحبق بالانسان بعضها قد حصل بالفعل فيما بعد العرض وبعضها آت أو متوقع هذا الحدس أو القلق هو جوهر من طبيعة البشرية استبطنته الأسطورة وأفرده العرض كرسالة انسانية لا تخلوا من تأثيرات فرويديه/ يونجيه عن حالة الوعي واللاوعي كانعكاس للضمير الفردي والجمعي وتماس العرض في ذلك السياق مع منهجيات "مسرح القسوة" في تفسير طبيعة النفس الانسانية الميالة للعنف والاقصاء وضرورة إبراز ذلك فنياً ليرى الانسان نفسه عارياً على خشبة بكل عيوبه فتحقق لديه الصدمة.

أما على مستوى إيجاد لغة توصيل فنية مشتركة بديلة للكلمات والحوارات في المسرح التقليدي فلبروك تجارب معروفة في هذا الاطار يبدو انها استكملت ملامحها مع ما محته الأسطورة من عناصر وخواص لا سيما "المهابهاراتا" ففي مسرحية "أورجاست" التي استقاها الشاعر الانكليزي "تيد هيوز" عن الرؤى الزرادشتية القديمة اعتمد العرض أربع لغات ثلاث منها ميتة منها أفيستا الطقوسية القديمة ولغة رابعة كانت اختراع شخصي للشاعر وأريد لهذه اللغات غير المفهومة أن تكونت لغة مشتركة للجميع باعتبار أن الجميع الى حد ما في موقف متساو أمام دلالاتها اللفظية وقد استعان بروك بعد ذلك بالمسرح الأميركي للصم والبكم بغية تطوير وسائل توصيل وتواصل مبتكرة عوضاً عن اللغة المنطوقة العادية كما لجأ الى استخدام الصورة والأصوات والكلمات التي لا معنى لها وطقوس الحياة اليومية وأحداثها لتكون مادة مسرحية "الألا" المعتمدة على كتاب "أناس الجبل" للانثروبولوجي "تيرنبول"، في "المهابهاراتا" يبدو أن بروك وصل الى مرحلة من الرضا أو الاستقرار، مرحلياً على الأقل فيما يخص تبني لغة توصيل فنية مشتركة، إنها التقنيات المشتركة في كل فنون الشعوب عن السواء كما عبر عنها وقد رآها في العروض التقليدية للمهابهاراتا أو أجزاء منها أثناء زيارته للهند، وهذه اللغة تقود الى جوهر آخر المسرح على مستوى الفعل ولاداء لطالما جد بروك في البحث عنه. وهو هنا يفعل من الأسطورة طقوسها وفق النظريات الحديثة للعديد من الميثولوجين لا سيما سير جيمس فريزر الذي دعا الى البحث عن ثنائية العلاقة بين الأسطورة والطقس "التقنيات" وعن أمثلة نماذجية مستمدة من الأساطير القديمة تتكرر في ثقافة العالم الأخرى مخترقة الزمان والمكان.

أما على المستوى الثالث للتجريب عند بروك وهو مستوى يرتبط أساساً بالمستويين الأول والثاني إذ يخضع البحث عن الجوهر ولغة التوصيل الفنية المشتركة للاختبار الأدائي في التدريبات مع فريق عمله المتنوع ثقافياً (شرقاً وغرباً) مستنهضاً فيهم ما يحملون كأفراد من خبرات معرفية وفنية ليشمل العادات والتقاليد والبيئة وثقافة المجتمع بشكل عام وهذا ما حاول "بروك" أن يحققه من خلال "المهابهاراتا" كأسطورة وثقافة من خلال زياراته المتعددة وفرقته الى الهند الوطن الذي نشأت فيه الأسطورة من إطارها المحتفى به "المتحفى"، إذا جاز لنا التعبير أو من خضوعها لتفسير ديني أوحد شديد الالتصاق بالمحلية الى تفسير انساني أعم وأرحب أفقاً قابلاً لتعدد الرؤى والأطروحات متنوعاً في أساليب التعبير عنه والتوصيل الى الآخر والتواصل الايجابي معه، ذلك التواصل الذي يحاول أن يستوعب ويضيف من خبرته وتجربته ما يكمل به الرؤية في العرض المسرحي، وهنا يتم التعامل مع العنصر الأسطوري كمادة براجماتية عملة كما عبر عنها مالينويسكي الذي اعتبر الأسطورة نوعاً من التفكير العملي لتثبيت نظام أو قانون أو قيمة اجتماعية أو لتعديل أو تطوير قيمة قائمة وهي بذلك تنتمي الى العالم الواقعي وتهدف الى نهاية عملية وبروك هنا يتماهى مع مدرسة "جروتوفسكي" في مواجهة الأسطورة، لا التوحد معها، لاستخلاص خبرة مشتركة تتعلق بالحقيقة الانسانية بشكل عام.

(*) مسرحي عُماني

--------------------------------
المصدر : المستقيل 

تابع القراءة→

الأحد، مايو 08، 2016

"سيلوفين " تلهب الاكف بالتصفيق في المسرح الوطني

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, مايو 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

المخرج محمد مؤيد :احسست بردود افعال ايجابية وكان الصدى جميلا جدا   شهدالمسرح الوطني امس الاول الاحد  العرض الاول لمسرحية سيلوفان  للمخرج محمد مؤيد ضمن فعاليات يوم المسرح العالمي وقد نال العرض اعجاب  الجمهور الذي اكتظت به مدرجات المسرح وقد تجلى ذلك الاعجاب بالتصفيق الحار خلال وبعد انتهاء العرض الذي استمر لخمس واربعين دقيقة . المخرج محمد مؤيد بدا سعيدا وهو  يتحدث عن مشاعره لما لمسه من تفاعل من قبل الجمهور اذ قال :" لقد كانت ردود الافعال على المسرحية ايجابية جدا عبر التصفيق الحار خلال العرض وخلال الدموع الحقيقية التي انهمرت تفاعلا مع مشاهد من سبايكر ومشاهد القتل على الهوية ومشهد الكاتم للاخ الكبير الذي قتل في يوم زواجه وقد لفت انتباهي وانا خلف الكواليس صوت البكاء الذي اثر في وجدانيا واعطى طاقة اضافية للممثلين لان الرسالة وصلت مابين الراقص والمتلقي ومنحتنا قوة و جرعة للعمل لاني ارى ان التصفيق ليس كله صادقا ولكن  الدمعة صادقة واضاف مؤيد :" .. لقد كان العمل وجدانيا فاثر بقلوب المتفرجين واحسست بردود الافعال وكان الصدى جميلا جدا في المسرح وفي وسائل التواصل الاجتماعي وسمعت من اساتذتي الذين درسوني في كلية الفنون الجميلة والمعهد اراء اسعدتني " وعندما سالناه عن مرحلة التهيئة لهذا العمل اجاب مؤيد :" لقد استمرت التمارين على العمل خمسة اشهر متواصلة بما لايقل يوميا عن خمس او ست ساعات تمارين تدريبية تاهيلية في ستوديو الممثل اي انها لاتقتصر على الرقص والحركة حيث تنقلت التدريبات بين خشبتي المسرح الوطني والرافدين واختتم مؤيد تصريحه بالاشارة الى طموحاته المستقبلية بالقول :"  لقد تلقيت دعوتين خارجيتين لتقديم العرض ولا اريد ان اذكر الدولتين الان ولكن الذي اود الاشارة اليه الى ان لدي مشكلة تتعلق بكادر العمل الكبير فبرغم ان هناك العديد من المهرجانات تتحمل تكاليف مثل هذه العروض ولكنها تشترط ان تكون تذاكر السفر علينا وهي مكلفة لايمكننا تحملها واتمنى ان تصل رسالتي الى وزارة الثقافة والى شخص السيد الوزير بضرورة دعم المبدعين الذين يمكنهم تمثيل العراق خير تمثيل والامر ليس شخصيا يتعلق بهذا العمل وانما يشمل اعمالا مهمة اخرى يستحق المبدعون فيها السفر من اجل عرض اعمالهم وتحقيق التطور المنشود "

--------------------------------
المصدر : دائرة السينما والمسرح

تابع القراءة→

إصدار منهجي وأكاديمي بعنوان "المدخل الى فن الإخراج " رؤى جديدة وجدل للمتلقي المعاصر

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, مايو 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

اصدار منهجي واكاديمي جديد مبتكر ومستمد من تجارب وأفكار ودراسات، رسمت وطبقت على الواقع المسرحي العالمي والعربي والعراقي.
استطاع المؤلف،الدكتور سعد عبد الكريم، برؤاه الواقعية وبحكم اختصاصاته، أن يفند أساليب ونظريات مهمة وواسعة، كما استطاع أن يرسم لها خرائط جديدة ويجدد مسارها باتجاه المسرح، بل وفن الإخراج الصحيح.

فصول الكتاب
تتناول فصول الكتاب عدة ـ مباحث ـ خصت المسرح بتفاصيله الدقيقة جداً منها وهي الأساس (الاشتراطات الأولية لفن المسرح) والتعريف بالمسرح وبتطور المسرح تاريخياً بدءا بالمسرح اليوناني مروراً بمسرح عصر النهضة والعصر الحديث ومسرح ( العلبة ) الإيطالي والمسرح الملحمي وانتهاء بالمسرح الفقير.
إن ما يميز الكتاب هنا هو البحث في جذور العلاقة الصحيحة والمتشعبة التي تربط المخرج بطبيعة عمله وعلى ما يتميز به من صفات عامة تخص ثقافته وخبرته ودراية بفن التصميم ليستطيع تشكيل الصور المسرحية التي ترسم على خشبة المسرح.
إضافة أن يكون ذا خبرة في التحليل المسرحي ان يكون موسوعياً ومعرفته بالتاريخ والجغرافية, وهذه بعض العناصر التي لا نجد في المخرج العراقي على سبيل المثال والدارس الاكاديمي إلا النذر اليسير من تلك الصفات الأساسية.
فمخرجنا اليوم عليه أن يدرس تفاصيل هذا الكتاب مهما كانت ثقافته المعلوماتية وعليه أن يتفحص ويتمحص في أدق أموره وعناوينه وخرائطه التي أرست دعائم ما فصل وما كتب في عموم فصوله الستة الفنية بالمعارف الاكاديمية للمسرح بشكله العام والخاص.
وكتابنا هذا المدخل الى فن الإخراج دليل واضح لا يقبل الشك بأنه ترجمة حقيقية لمنظومة العمل المسرحي الحديث.
كما ويتناول الكتاب العناصر والقوى التي تسهم في تشكيل الأسلوب القيادي للمخرج وخصاله القيادية وخصائل العاملون من (ممثلين وفنيين ومصصمون وأدرايون).. فالعملية الاخراجية لا تتوقف عند المخرج فحسب بل تتعداه الى محيطه القريب والبعيد ودراسة العلمية الإنتاجية برمتها ومتناولاً خصائص النسق التنظيمي وفلسفة كل مكونات العلمية الاخراجية لبناء الفرقة المسرحية تنظيماً.
ناهيك عن ادراك وفهم خصائص السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي المحيط بالفرقة (المنظمة) للعرض.

أهمية الكتاب
ان ما يعطي الكتاب أهميته تلك الفصول التي تناولت (الأسلوب الاخراجي) وهي السمة والصفة التي يتميز بها المخرج دون غيره من المخرجين وقد عرفه (هربرت ريد): أي الأسلوب بأنه أسلوب يخرج عن الأعراف السائدة ويسعى الى خلق أشكال ملائمة لاحساس وادراك عصر جديد.
ورغم أن طريقة الإخراج وعمارة المسرح تختلف من عصر الى عصر, إلا ان مفهوم الأساسي للدراما وتقديمها بقي على حاله صورة للحياة موجودة على المسرح, وتقدم بطرق مختلفة وصيغ مسرحية وتستخدم وسائل إيهامية في أسلوب اخراج تقديمي.
وحيث تناول المؤلف د . عبد الكريم كتاب عدة ومخرجين أمثال (سوفوكليس) الذي قدم منظر مرسوم اقترافياً وجعل الايهام في الواقع يتركز في ذهن المخرج نفسه فالعناصر اللاإيهامية إذا كانت مقبولة لدى الاغريق وكذلك لدى الكاتب الإنكليزي شكسبير.
كما تناول الكتاب التوجيهات الفنية للمخرجين أصحاب المنهج والأسلوب وفهم (جورج الثاني) الدوق الساكن مننغن) 1826 ـ 1914 الذي اعتمد مبدأ الايهام الشامل.
وكذلك تناول أساليب ومنهجيات كل من (أندريه أنطوان وريتشارد فاغنر) الذي أسس مفهوم (الإنتاج الفني الموحد) ولم ينس الكاتب المخرج الروسي (ستانسلافكس) وتأثره بالدوق (سايكس مننغن) وبمحاولة تحقيق المطابقة الخارجية للواقع التاريخي معتمداً على مبدأ الاستنساخ الدقيق للحياة الواقعية.
أما التوجيهات الفنية في المسرح المعاصر فقد تناولت كتاب ومخرجين معاصرين ظهرت أعمالهم بأنتقائية عالية لأساليب التجريب ومحاولات بناء شكل العرض والبحث عن لغة عالية للمسرح، ومنهم ـ بيتر بروك ـ والامريكي ـ روبرت ويلسون ـ الذي اعتمد مسرح العلبة الإيطالي والعروض المفتوحة .
وبأختصار إن كتاب (المدخل الى فن الإخراج) يأخذ بأيدينا لأبعد من تلك الحدود الأساسية والاشتراطات الأولية لفن المسرح إنه بحق مدخلاً جامعاً حقيقياً لوسائل الإخراج المسرحي الشامل.

---------------------------------
عبد الجبار حسن - الصباح الجديد

تابع القراءة→

من تجارب النقد المسرحي في العراق: حسب الله يحيى والمنهج الوصفي الصحافي / عبد الخالق كيطان

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, مايو 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

لم يظهر النقد المسرحي في العراق متأخراً، بل هو واكب ظهور أول العروض المسرحية، كما تخبرنا قصاصات التأسيس عند غير رائد مسرحي. ولأنه كذلك، فلقد استقطب كتّاباً كثـر، كان أغلبهم قد دخل المسرح من بوابة الأدب والصحافة. ومن اللافت أن النقد المسرحي عندنا ظل يستقطب القادمين من الأدب والصحافة إلى اليوم.

والقاص، الناقد حسب الله يحيى هو أحد هؤلاء. كتب في النقد المسرحي خلال العقود الأربعة الأخيرة وبشكل مستمر. وكانت مقالاته تظهر باستمرار في الصحف العراقية فتثير الزوابع وراءها، والسبب يكمن في لغتها، كما سنأتي عليه، ولكن مشروعه القصصي لم يأخذ الاهتمام النقدي الذي يليق به بالرغم من أنه قدم للمكتبة العراقية عدداً مميزاً من مجاميع القص.
علينا القول منذ البداية أن هؤلاء النقاد، ومنهم يحيى، لم يقتربوا كثيراً من التنظير المسرحي، وظلت كتاباتهم، على الأعم الأغلب، تدور في فلك متابعة العروض المسرحية. يمكن ملاحظة أن عدد تلك النقود، وأصحابها، يتزايدون كلما كان الموسم المسرحي غنياً، وتقلّ تلك الكتابات، ويختفي كتابها، كلما كان الموسم فقيراً. ان أقرب تمثيل لهذه الملاحظة يكمن في سنوات ما بعد 2003 عندما شحّ العرض المسرحي فانكفأ كتاب كثر عرفوا بحضورهم على صفحات الجرائد العراقية، على العكس من سنوات الثمانينات، مثلاً، التي استقطبت العشرات من الأسماء. 
في هذا الصدد أتذكر محاولة تأسيس رابطة نقاد المسرح في العراق أوائل تسعينات القرن الماضي. كان المشروع قد ولد بدعم من نقابة المسرحيين العراقيين التي رأسها الفنان فاضل خليل. ولقد شكلنا لجنة تحضيرية ضمت على ما أذكر الأصدقاء النقاد: علي حسين وحسين الأنصاري وقاسم مطرود وعواطف نعيم، مهمتها الدعوة لمؤتمر تأسيسي للرابطة. كان النقاد عواد علي ومعد فياض ونازك الأعرجي وكريم رشيد قد دعوا قبل هذا التاريخ لتأسيس الرابطة، ولكن مساعيهم لم تر النور لأسباب شتى. ما اريد أن أصل إليه أن اللجنة التحضيرية استطاعت حصر أكثر من 50 اسماً من الذين يكتبون النقد المسرحي ويواظبون على نشر مقالاتهم في الصحافة العراقية. ومن المؤكد أن هذا العدد الكبير من الأسماء يشير إلى ظاهرة انتعاش المشهد النقدي مثلما يشير إلى انتعاش الظاهرة المسرحية بوجه عام. والسؤال، في هذا الاستطراد، من الذي بقي من هؤلاء؟ 
لقد تميزت تجربة الناقد حسب الله يحيى بحضورها الفعال في المشهد المسرحي العراقي. كانت مقالاته نارية في هذا الحضور، والسبب يعود للغتها، كما اسلفت، تلك اللغة المباشرة والصادمة، والتي تسمّي الأشياء بمسمّياتها بلا خوف أو مجاملة. 
لقد تجاوز يحيى مشكلة المجاملة التي وقع فيها عدد كبير من نقادنا، مثلما تجاوز مشكلة الإغراق في المصطلح المسرحي أو النقدي، مفضلاً عوضاً عن ذاك استخدام لغة وصفية صحافية. 
والنقد الوصفي، والصحافي، ليس غريباً عن مشهد النقد المسرحي في العراق، بل يمكن القول أنه من أقدم مناهجنا النقدية، إلا أن محاولات تأصيله ظلت نادرة، إذا ما استثنيا بالطبع ما تخزنه رفوف أكاديمية الفنون من رسائل ماجستير تناقش هذه النقطة. 
الأسلوب الصدامي الذي انتهجه يحيى قذفه في أتون معارك مع صنّاع العرض المسرحي. هؤلاء يكرهون النقد قبلاً، يعتقدون أن مهمة الناقد هي تجميل نتاجاتهم بل وشخصياتهم، وما كان يحيى ليفعل ذلك. لقد أصبح حضور هذا الناقد لعرض مسرحي بمثابة جرس انذار لصنّاعه. انهم يتوقعون سلفاً مقالة نارية ضد عرضهم. هل يمكن القول، هنا، أن هذه الملاحظة أسهمت في صناعة صورة معينة للناقد المسرحي؟ 
ان المتابعة المستمرة لما تقدمه مسارح العاصمة من عروض، ايام كانت المسارح مضاءة على طول العام ومليئة بالتجارب، هو أمر من صلب أعمال الناقد، ولكن الكتابة عن تلك العروض يظل أمراً نادراً بالنسبة لكثيرين وذلك لأسباب شتى لعل أهمها تجنب الدخول في معارك أو مشاحنات مع صنّاع العرض الذين يريدون نقوداً على مقاساتهم. 
دخلت إلى المعترك النقدي في تلك الفترة، ولقد كنت من الذين يتقاطعون مع النقد الوصفي والصحافي، كنت أميل إلى المناهج الحديثة، ولهذا لم أكن متحمّساً كثيراً لما يكتبه يحيى وأضرابه من النقاد، ولكن وقفته الجادة والصلبة بوجه ظاهرة المسرح الاستهلاكي كانت وما زالت تستدعي مني الاحترام. لقد ظل مواظباً على حضور المسرحيات الاستهلاكية والكتابة عنها محذراً من مخاطرها على الظاهرة المسرحية، وهو الأمر الذي بدأنا نتحسّسه هذه الأيام عندما خلى المشهد المسرحي إلا من ظاهرة المسرحية الاستهلاكية.
كانت الشجاعة والتحدي سلاح حسب الله يحيى. ومن المؤكد أن شخصية بميول يسارية لقادرة بالفعل على الثبات في مواجهة شلالات القذف والشتم الشفاهية التي كان يتعرض لها، ناهيك عن المقالات التي ينشرها المتضررون من نقوده، وهي مقالات لم تكن بأقل عدائية من المقولات الشفاهية. 
يحفل المقال الذي يكتبه يحيى بالعبارات الصريحة والواضحة. وهي عبارات تنأى بنفسها عن مهمة المحلل النقدي، وتقترب من مهمة التربوي والأخلاقي. تحتفي من مقالاته النقدية لغة التشريح، وتحل معها لغة الوصف. كما تكثر أحكام القيمة في تلك المقالات، انه يكتب مقاله منطلقاً من ضميره الأخلاقي لا انطلاقاً من مرجعيات علمية في دراسة العرض المسرحي. كثيراً ما اشعر وانا أقرأ مقالات الأستاذ يحيى بأني أمام معلم تربوي عتيد يريد أن يأخذني إلى الطريق الصواب. فهل استطاعت هذه الطريقة أن تمثل منهجاً؟
قلت أن منهجه هو المنهج الوصفي الصحافي، ويمكن القول أن الدكتور علي جواد الطاهر كان رائد هذا المنهج عراقياً، ولكنه، أي المنهج، ظل متاحاً أمام الصحافيين والأدباء فقط، ولم يقترب منه دارسو المسرح الأكاديميين، هؤلاء فضلوا المناهج العلمية الحديثة، تلك التي تتقصد الدخول في اشتباك من نوع آخر مع العروض المسرحية، اشتباك له لغته وأنساقه وآلياته، دون أن يعني ذلك تفضيل منهج على آخر. 
ان القيمة الأبرز لما أنجزه مشروع الأستاذ حسب الله يحيى النقدي في تقديري، يكمن في: اسهامته الواضحة بأرشفة العروض المسرحية العراقية عبر عقود طويلة من الكتابة، فلولا مقالاته لما استطعنا الوصول إلى العشرات من تلك العروض، هذا أولاً، وثانياً في انحيازه للعروض التي تحتفي بالانسان العراقي ومعاناته عبر اطار جمالي مختلف، وهي ميزة جمالية وأخلاقية في نقوده المسرحية، وأخيراً فلقد قدم الأستاذ يحيى عبر تاريخه الطويل تصوراً مفيداً لتطور الظاهرة المسرحية في العراق من خلال تواصله مع مختلف الأجيال المسرحية. 
اشارة منهجية: لا أرغب في الدخول بمناقشة بحثية حول المصطلح، وخاصة مصطلح العنوان، بسبب طبيعة المنبر الذي أكتب فيه، على أن المنهج الوصفي التحليلي يعد من أقدم المناهج العلمية، ولقد أضفنا إليه مصطلح "الصحافي" لكي نميزه عن الوصفي التحليلي، ولكي نحاول الإشارة إلى أهمية هذا المنهج في نقد الفنون بشكل عام.

تابع القراءة→

المسرح الكويتي... النشأة والامتداد من الأسماء إلى التجارب / د.عبد المجيد شكير

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, مايو 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

إن الحديث عن المشهد المسرحي الكويتي هو حديث عن ممارسة استطاعت أن تخلق لنفسها تميزها الخاص في السياق الخليجي، رغم ما ينتظرها من جهود لتصل إلى مصاف التجارب اللافتة على صعيد الممارسة المسرحية العربية، ولعل عوامل كثيرة ساهمت في تألقها ضمن سياقها الخليجي وأكسبتها مقومات التطلع نحو وجود مسرحي أفضل عربيا، وهو ما تحقق بالفعل في مجموعة من تجارب المسرح الكويتي التي استطاعت أن تصل مهرجانات عربية كبرى من قبيل القاهرة التجريبي ودمشق للفنون المسرحية.
من العوامل التي ساهمت أساسا في تألق ونضهة المسرح الكويتي وجود معهد عال للفنون المسرحية، وجود حركية لافتة لترجمة ونشر الإبداع المسرحي العالمي «سلسلة «المسرح العالمي» التي تحولت إلى «إبداعات عالمية»»، توافد مجموعة من رواد الفن المسرحي العرب على دولة الكويت للتأطير والتكوين من أجل صقل التجارب واكتشاف المواهب وتقويم القدرات، ثم وجود مهرجانات كثيرة ذات طابع وطني محلي أو جهوي خليجي، حيث نجد مهرجان المسرح الكويتي وهو مهرجان الدولة المحلي الذي يشرف على تنظيمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومهرجان الشباب الذي تشرف عليه هيئة الشباب والرياضة، ومهرجان «الخرافي» الذي يدعمه محمد عبد المحسن الخرافي، بالإضافة إلى دورات من المهرجان الخليجي التي تحتضنها دولة الكويت. وتشكل هذه المهرجانات ـ على تنوعها وتفاوتها ـ فرصة لعرض تجارب المسرح الكويتي واحتكاكها ببعضها البعض أو بالتجارب الوافدة عليها. هذا مع إضافة عامل أساسي إلى العوامل السابقة وهو الدعم الرسمي للمسرح على المستوى المؤسساتي، أي دعم الدولة، مُمَثَّلا في الغالب في دعم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
ضمن هذا المناخ المسرحي الذي لا يمكن إلا أن يكون صحيا بطبيعة الحال، تتحرك فعالية المسرح الكويتي، وتُؤَهِّل بين الحين والآخر تجارب بعينها لتطفو على السطح وتثير الانتباه، من هنا شكل هذا المسرح استثناء خليجيا أَهَّلَه ليكون له وضع اعتباري ساهمت في تشكيله أسماء وكيانات وتجارب، رسمت لحظة النشأة، ووَطَّدت أرضية الوجود لتمنحه أفقَ الامتداد.
لحظة الولادة والتأسيس
للإمساك بلحظة الولادة، لابد من عَوْدٍ تاريخي ولو خاطف بما هي لحظة الولادة، ولحظة البحث عن الأب الشرعي لممارسةٍ مسرحيةٍ لها وجودها اللافت، ولا ضير إن كان الأب آباءً، فكلهم شرعيون على قدر اللبنات التي وضعها كل واحد منهم لبناء صرح المسرح الكويتي.
بهذا العود التاريخي، نكتشف أن لحظة الولادة كانت في حضن المدرسة ذات يوم من أيام يونيو 1939 حين تم تقديم مسرحية «عمر بن الخطاب في الجاهلية والإسلام» بالمدرسة المباركية من إخراج محمد محمود نجم، لتكون بدايةً لتدفق الفرق المسرحية المدرسية بكل من المباركية والأحمدية والشرقية والقبلية، وكانت النتيجة هي إنجاز ريبيرتوار مسرحي أولي من ثلاث مسرحيات بإضافة مسرحيتي «الميت الحي» و «من تراث الأبوة»، مع ظهور اسم مهم سيكون له شأن، وستكون له يد بيضاء على حركية المسرح الكويتي هو اسم حمد الرجيب. 
إن احتضان الإرهاصات الأولية ضمن فضاء المدرسة قد حفظ نموها، وجعلها بذورا طيبة لحركية مسرحية استمرت في وجودها التلقائي إلى حدود سنة 1950 حيث تأسيس جمعية الممثلين، وتطورت أكثر إلى حدود سنة 1960 حيث ظهور «المسرح الشعبي». وما ميَّز تجارب هذه الفترة من فترات المسرح الكويتي أنها كانت عبارة عن محاولات قائمة على التلقائية، وتفتقد للرؤية والتصور الفنيين، أو أنها «المسرح الساذج المرتجل» بتعبير د. نادر القنة. ومع ذلك فإن هذه الممارسة أفرزت طموحا حقيقيا لنهوض مسرحي وإرادةً قوية في تطوير التجربة، ورغبةً أكيدة في خلق حركية مسرحية تقوم على أسس منظمة. لقد جاء في مقالة لأنور محمد بعنوان «المسرح العربي في خطر» احتضنها العدد الأول من مجلة العربي «دسمبر 1958»: «المسرح مرآة تعكس نهضة الشعوب، وأداة ضخمة للتثقيف والترفيه وتهذيب النفوس، فمن واجبنا أن نبذل الجهود ليكون لنا مسرح جدير بوثبتنا الحاضرة ومستقبلنا المأمول»، والطموح نفسه أكده زكي طليمات صاحب لحظة فارقة في مسيرة المسرح الكويتي حين قال: «لفت نظري أن الشعب الكويتي شعب نشيط، له رغبة شديدة في التعلم، إضافة إلى إمكانياته المادية، وهذه الأمور هي الشروط الواجب توافرها في أي شعب يريد أن ينهض ويواكب الحضارة»، صار، إذن، الطموح المسرحي وتطويره وترقيته عنصرا ضمن منظومة التفكير الحضاري والنهضوي، بدأ الانتباه إليه باعتباره مكونا فاعلا ضمن فعالية النهوض الحضاري، وهذا في حد ذاته إقرار بأهمية المسرح وتطور في طبيعة النظرة إليه، من هنا وجد زكي طليمات التربة الملائمة لاستثمار خبرته المسرحية، والمكوث عشر سنوات بدولة الكويت خالقا بذلك طفرة نوعية في تاريخ المسرح الكويتي، وامتدت بصماته في جيل لاحق، حيث أسس فرقة «المسرح العربي» التي لم تكن لا تكرارا ولا بديلا عن تجربة المسرح الشعبي، بل يمكن اعتبارها تكاملا مع الجهود السابقة.. مع طليمات كانت خطوات التخطيط والتنظيم للمشروع المسرحي، سواء على مستوى النواة المسرحية «الفرقة»، أو البنية التحتية للممارسة المسرحية «البنايات/ الفضاءات المسرحية»، أو التصور «اختيار العربية الفصحى ونصوص الأدب المسرحي خاصة محمود تيمور وتوفيق الحكيم» أو على مستوى التكوين «صناعة الممثل، ولا أدل على ذلك الأسماء التي أفرزها تعامله مع الممثل الكويتي: سعد الفرج، عبد الحسين عبد الرضا، خالد النفيسي...»، بذلك أرسى طليمات قواعد ممارسة مسرحية صلبة تقوم على «الأرفع والأنفع»، وتتجاوز مستوى الفرجة الشعبية القائمة على التلقائية والارتجال، ليمنح الممارسة المسرحية الكويتية العمق الفني للرسالة المسرحية كما هو متعارف عليها في كل مسارح العالم، وقد غذى هذا الطموح والوعي الفني بخلق فرصة الاحتكاك بتجارب المسرح المصري، وبعض ممثليه خاصة من العنصر النسوي، ليؤسس فعلا لمشروع مسرحي له ضوابطه وغاياته وأسلوبه، ويمتلك الرؤية والتصور والمنهجية، ولعل ذلك ما أهّل فرقة «المسرح العربي» لتكون نموذجا صافيا لتَمَثُّل أوج المسرح الكويتي في أهم لحظاته التأسيسية.
تاريخ مسرحي
من الأسماء والكيانات
بكل هذه الجهود والطموحات، وبكل التراكم المسرحي الذي أُنجز في هذا السياق، صار للمسرح الكويتي تاريخ تشكل بطبقات مختلفة ومنجز متعدد، أي صار للمسرح الكويتي أرضية يمكن تمثلها عبر كيانات وأسماء.

على مستوى الكيانات، يحفل المسرح الكويتي بفرق مسرحية عديدة كان لها دور واضح في بناء تاريخ هذه الممارسة المسرحية:
- المسرح الشعبي: الذي أُشهر في سنة 1957 بجهود محمد النمش وعبدالله خريبط وعبد الله حسين، مع الإشارة إلى اليد البيضاء التي كانت وراء كل هذه الجهود، ويتعلق الأمر بدور حمد الرجيب طبعا.
- المسرح العربي: الذي أنشئَ سنة 1961 معلنا بداية مرحلة جديدة في مسيرة الحركة المسرحية الكويتية إبداعا وأسلوبا وإدارةً.
- مسرح الخليج العربي: الذي تأسس سنة 1963 بفعل جهد وحماس مجموعة من الشباب من هواة المسرح، الذين جمعهم حب هذا الفن والرغبة في التثقيف بوساطته، وذلك عن طريق انتهاج الأسلوب الجماعي في الاشتغال.
- المسرح الكويتي: الذي تأسس سنة 1964، مع محمد النمش أيضا، بعد انفصاله عن المسرح الشعبي لمّا تعارضت الأهداف والأساليب.
مع هذه الكيانات المسرحية الأربعة، تم ترشيد لحظة البداية، وخلق الوعي الفني بالمسرح ودوره وأهميته، واستنبات الظاهرة المسرحية في الفن الكويتي بجذور أعمق، وذلك بتنظيم قانون هذه الكيانات المسرحية باعتبارها جمعيات ثقافية، لها إداراتها ودعمها المادي من الدولة، «وأخذت هذه الفرق تتنافس فيما بينها، مما جعل نبض الحياة يُسمَع في المسرح الكويتي» بتعبير د.علي الراعي. ولعل صدى هذا النبض كان وراء التشجيع على ظهور كيانات أخرى في فترات متقدمة من الزمن، من قبيل: المسرح الجامعي «سنة 1977»، مسرح الشباب «1982»، ثم فرقة المسرح القومي التي لم تظهر إلا في سنة 2991، على أن حركية الكيانات المسرحية هذه سرعان ما أفرزت تجربة المسارح المستقلة أو الخاصة، مثل: الفنون، الكوميدي، الجزيرة، الأهلي، السلام.... وقد شكلت تجربة المسارح ظاهرة مهمة في تطور حركة المسرح الكويتي وديناميته، وهو ما أكده صالح الغريب بقوله: «لا يستطيع الراصد للحركة المسرحية في الكويت أن يصرف النظر عن أهم ظاهرة تعرض لها المسرح بعد استقرار أوضاعه «...» ونعني ظاهرة تأسيس فرق مسرحية خاصة يملكها أفراد من ذوي النشاط المسرحي».
هذا فيما يتعلق بالكيانات، أما على مستوى الأسماء فقد حفل تاريخ المسرح الكويتي في حركية تأسيسه وتشكيل ملامحه، بأسماء عديدة، أتوقف عند بعضها ممن ارتبط ذكرهم بلحظات فارقة في هذا التأسيس، وذكرها هنا في هذا السياق هو على سبيل المثال لا الحصر، من هذه الأسماء، نجد:
- حمد الرجيب: اليد البيضاء في الجهد التأسيسي للمسرح الكويتي، والنموذج «الأكاديمي» لهذا المسرح، الذي تكون وانتعش ضمن التجربة المسرحية المصرية، وساهم في استقدام هذه الخبرة إلى البيئة المسرحية الكويتية.
- زكي طليمات: المؤسس الفعلي للحركة المسرحية الكويتية، عن طريق ترشيد الجهود السابقة، وبناء اللاحق منها على أسس علمية ضمن مفهوم «المشروع المسرحي» الذي يهتم بالفرقة والأسلوب والبنيات التحتية والتكوين المستمر.
- صقر الرشود: النموذج الأوضح لإكساب الهوية المحلية للممارسة المسرحية، ووجه الكويت البارز في المحافل المسرحية العربية، ولا أدل على ذلك من الأثر الذي تركته مسرحيات من عيار «علي جناح التبريزي وتابعه قفة» و«حفلة على الخازوق» ثم «وعريس لبنت السلطان» في أهم المهرجانات العربية.
- عواطف البدر: صاحبة المغامرة الإنتاجية نحو مسرح الطفل، وترسيخها ضمن اشتغال متواتر في مسرح خاص: مسرح البدر، ورغم أنها كانت تشتغل أساسا بالإنتاج «وهو، على كل حال، عنصر مهم جدا في العملية المسرحية لا يقل أهمية عن الإبداع»، إلا أنها هيأت الظروف لبروز الجهود الإخراجية في مسرح الطفل، ونقصد تحديدا جهود الفنان منصور المنصور.
- سليمان البسَّام: الذي مثل جيلا جديدا من أجيال المسرح الكويتي، جيل الشباب، الذي تجاوز عصامية التكوين وأفاد من الاحتكاك الواسع بالتجارب المسرحية الكبرى، ورشّدَ تجربته عن طريق التكوين الأكاديمي الحديث. إنه الوجه الذي أخرج المسرح الكويتي من الهامش إلى المسابقة في القاهرة التجريبي برائعته «مؤتمر هاملت» التي حازت جائزة التجريبي في دورة 2002، وكان له دور فاعل في تقديم اسم الكويت بصورة مشرقة بلا هنّات فنية كما هي بعض التجارب المسرحية في الكويت التي تُخِلُّ بأبسط المفاهيم الفنية حسب رأي الناقدة سعداء الدعاس. بالإضافة إلى جهده الإبداعي في خلق تقارب إنساني رائع بوساطة المسرح من خلال مسرحية «ذوبان الجليد» التي جمعت بين ممثلين من الكويت والعراق. 
من الأسماء إلى التجارب
بعد هذه الجهود، لابد من ملاحظة أن انتكاسةً غريبة سقط فيها المسرح الكويتي بتوجهه نحو التجارية والكوميديا المبتذلة، فصار فرجات استهلاكية بعدما هجره رواده نحو التلفزيون والسينما والإعلانات... وهي تكاد تكون خاصية مشتركة في مسارح الوطن العربي. لكن الوعي بأهمية المشروع المسرحي برؤية فنية وتصور جمالي وأفق إبداعي، هو قائم أساسا على جهود غير فردية، جهود غير مرتبطة باسم معين، أي أن مفتاح المشروع المسرحي رهين بجهد جماعي بإمكانه تجاوز حالة الركوض هاته. من هنا كان الانتقال من الأسماء إلى التجارب نوعا من تحريك المياه المسرحية الآسنة، ولعل من أهم هذه التجارب التي استطاعت أن تلفت النظر إلى اشتغالها، وتفرز فعلا ملامح مشروع 

مسرحي مدروس وواضح المعالم، تجربة الثنائي بدر محارب وعبد العزيز صفر التي أسفرت عن ثلاثية مسرحية لافتة: «حدث في جمهورية الموز»، «تاتانيا»، و«دراما الشحاذين». يقول بدر الرفاعي متحدثا عن هذه التجربة، ودور هذا الثنائي في النهوض بالفعل المسرحي الكويتي: «إننا في الكويت، لا نحيا حياة المسرح المتقدة، وعلى مختلف الأصعدة، كتابةً وتمثيلاَ وإخراجاً، فبالرغم من وجود المعهد العالي للفنون المسرحية كجهة أكاديمية رسمية تعمل على تخريج العشرات سنويا من كوادر المسرح، فإننا وللأسف، لم نستطع رصد كاتب مسرحي نذر عمره للكتابة المسرحية، وطبع أكثر من عمل مسرحي، وشكّل اسما مسرحيا يشير إلى وجوده المقنع ويصعب تجاوزه، والأمر ذاته، وللأسف أيضا، ينطبق على عدم ظهور ممثل مسرحي، استطاع أن يلفت الانتباه بأدائه المسرحي لأكثر من شخصية ونص مسرحي، وليصبح اسما مقترنا بالمسرح، ولا نبعد كثيرا إذا أكدنا الأمر بالنسبة إلى المخرج. وأخيرا وخلال السنوات الماضية، قليلة جدا، وتعد على أصابع اليد، الأسماء التي لفتت الانتباه إلى جهدها المسرحي المخلص، ومحاولتها الدؤوبة لتقديم أعمال مؤثرة في الوعي والذاكرة، وأشعر بالسعادة وأنا أشير إلى بدر محارب وعبدالعزيز صفر، بوصفهما اسمين يعملان بمثابرة وعطاء مسرحي صادق، بالرغم من كل المحبطات والمنغصات».. على الرغم من قساوة هذا الرأي وتعميمه على كل المشهد المسرحي الكويتي للدرجة التي يصعب معها تبنيه بشكل كلي، إلا أنه يوضح بجرأةٍ قتامةَ هذا المشهد، وفي الآن نفسه السياق الذي جعل من تجربة الثنائي بدر محارب وعبد العزيز صفر استثناء إبداعيا متميزا، كما يوضح أنها تجربة لم تجد أمامها طريقا مفروشا بالورد، فهي تواجه صعوبات «محبطات ومنغصات» لتثبت وجودها، وتفصح عن مشروعها المسرحي.
تندرج الثلاثية المسرحية للثنائي بدر محارب وعبد العزيز صفر «والمقصود بها مسرحيات «حدث في جمهورية الموز»، «تاتانيا»، و«دراما الشحاذين»» ضمن ما تعارفنا على وصفه بالمسرح الجاد أو الملتزم «في مقابل المسرح التجاري» باعتمادها أسس الفرجة المسرحية القائمة على خلفية الأكاديمي، ومرجعية التكوين.. تتوحد نصوص هذه الثلاثية في طرحها للصراع مع السلطة بمختلف أشكالها، سواء السلطة السياسية التي يجسدها ديكتاتور جمهورية الموز، أو السلطة الدينية التي يمثلها قس تاتانيا، أو السلطة الاجتماعية التي نلمسها مع كل الشحاذين وهم ينسجون «دراما هم». تتكامل هذه النصوص في إبراز أوجه معاناة الفرد من سُلَطٍ ديكتاتورية تخنق حريته وتضايق وجوده الطبيعي المتوازن، وبذلك تصير موضوعة السلطة الديكتاتورية القاسم المشترك بين النصوص الثلاثة، لكن أسلوب المعالجة الدرامي لا يقف عند سطحية هذا الصراع، بل يتغلغل في طرفيه ليبرز جانبا على قدر من الأهمية وهو مظهر الخنوع والقابلية للاستسلام السلبي عند الطرف الذي تُمارَس عليه السلطة، يظهر ذلك جليا مثلا في شخصية «بيدرو» في مسرحية «حدث في جمهورية الموز» الذي يحمل خوفا فطريا غير مبرر مما يضاعف من سطوة السلطة الديكتاتورية واستمرارها، وهو ما يتأكد أيضا في كل شخصيات مسرحية «تاتانيا» التي خذلت المعلم رامون، وتواطأت بجبن ودناءة مع القس في صراعه مع رامون.
خاصية أخرى تميز نصوص الثلاثية هي إمعان المؤلف في تغريبها واجتثاثها من محيطها الكويتي والعربي، وإدراجها ضمن سياق مطلق من خلال إلباسها أسماء أجنبية غير عربية. مع خاصية إضافية تتمثل في استثمار تقنيات الكتابة الدرامية الغربية من قبيل النموذج الملحمي/ البريشتي كما عرف في تنظيرات برتولد بريشت، وتقنية المسرح داخل المسرح كما عرفت عند الإيطالي لويجي بيرنديللو، وقد ظهر تأثير التقنيتين جليا في مسرحية «حدث في جمهورية الموز» على الخصوص.
وإجمالا، يظهر أن الكتابة الدرامية في هذه الثلاثية تقوم على التكامل والاستمرار في معالجة الموضوعة، وفي نحت النهج والأسلوب، مما يؤكد أن بدر محارب كان يكتب وفق مشروع مسرحي مُسَطّر سلفا.أما على مستوى الإخراج، فإن هذه الثلاثية تطلعنا على تجربة إخراجية متمكنة من أدواتها الفنية وتصوراتها الجمالية، تراهن على المشهدية البصرية بشكل كبير، وأستحضر في هذا الصدد اشتغال نظام الإضاءة في مسرحية «تاتانيا»، وأستحضر سينوغرافيا عرض «حدث في جمهورية الموز». إنه إخراج يقترح اشتغالا يراهن على مفردات رمزية تمزج بين حركية الديكور والاقتصاد في قِطَعِه، ورشاقة جسد الممثل ومرونته «أشير في هذا الصدد إلى التعبير الجسدي لدى ممثل شخصية المعلم في مشهد التفتيش عند دخول القرية في مسرحية «تاتانيا»»، الشيء الذي يفيد في الإيقاع المسرحي من جهة، ومن جهة ثانية يُمَكّن من تعديد الفضاءات ضمن المكان الواحد، وهو ما يمكن تمثله بجلاء في مسرحيتي «حدث في جمهورية الموز» و«تاتانيا».
ويمكن إضافة خاصية أخرى تميز الفعالية الإخراجية لدى عبد العزيز صفر تتمثل في القدرة على إدارة الممثل وضبط المجاميع مما يزكي المشهدية البصرية التي أشرنا إليها سلفا، والتي تكاد تكون خاصية نوعية في الأسلوب الإخراجي لدى صفر. مع الإشارة إلى تمثل تقنيات المدارس المسرحية الكبرى على غرار بدر محارب، أي ملحمية بريشت والمسرح داخل المسرح لدى بيرانديللو.
إن هذه الخصائص مجتمعة التي ميزت ثلاثية «حدث في جمهورية الموز»، «تاتانيا»، و«دراما الشحاذين» سواء على مستوى الكتابة الدرامية أو الرؤية الإخراجية، قادت تجربة هذا الثنائي نحو اشتغال تجريبي لافت، وتوق دؤوب للانعتاق من البنية الكلاسيكية التي ما فتئ يرزح تحتها جل تجارب المسرح الخليجي.
ما يشبـه الختـام
بعد هذا الإبحار في المسرح الكويتي، تاريخا وأسماء وتجاربَ، يظهر أنه صيرورةُ بناء مستمرة عبر الزمن بلحظات مختلفة من التَّشكُل، وأجيال متواترة من الاشتغال، من هنا كان جديرا بوضعٍ اعتباري يجعله استثناءً خليجيا، وأكيد أن الحديث عن المشهد المسرحي الكويتي لن ينتهي عند هذه التجليات، لأن جيلا قادما من المسرحيين الشباب يشحذ موهبته، ويجتهد في تكوين ذاته ليكون جديرا بالانتماء لهذه الصيرورة المسرحية، وليكون قيمة مضافة في سلم امتدادها، لذلك لا مجال لقولٍ للختام ونحن بصدد الكلام عن المسرح الكويتي. 

الدراسة  إعداد للمداخلة  ضمن فعاليات الدورة 33 لموسم أصيلة الثقافي بالمغرب «19 ـ 20 يوليوز 2011» في ندوة «الأدب الكويتي خلال نصف قرن».

---------------------------------

المصدر : مجلة الكوبت

تابع القراءة→

أبجدية فن الأزياء في المسرح.. دراسات تاريخية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, مايو 08, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

يشير كتاب «أبجدية فن الأزياء في المسرح»، لمؤلفته منال نجيب العزاوي، إلى أنَّ «الأزياء في المسرح هي الجلد الثاني للممثل» بحسب المخرج المسرحي الروسي (تايروف)، ومن المؤسف أنَّه لم يُكتب في هذا الموضوع الحيوي إلا النزر اليسير، ويكاد يكون معدوم الذكر من قبل الفنانين المعنيين بصورة خاصة بفن الأزياء.
فالزيّْ هو نتاج العلاقة المنظورة للشخصية التي تدل على قوميتها وعلى المرحلة التاريخية. إنَّ الأزياء هي تصميم دلالة تساعد الممثِّل في عملية الأداء لتجسيد المعنى الذي يشتمل على جميع عناصر الفن بدون استثناء.
فهو: الانتقاء والتنسيق تبعاً لبعض المبادئ، وهو ضرورة أساسية في المسرح والسينما وفي معظم ألوان الجمال الطبيعي إن لم يكن كلها، وهنا تبرز العلاقة بين الزيّْ وبين أسلوب العرض الفني: هل العمل مأساوي أم كوميدي ؟ والإجابة أن يقوم مصمَّم الأزياء بتوضيح وتركيز القيم العقلية العاطفية للشخوص.
تروي المؤلِّفة مراحل تطور الأزياء وتنوعها، من خلال الرسوم الجدارية في الكهوف والمغاور عند الإنسان في العصر الحجري القديم، ومن خلال ما رسم في المقابر عند المصريين، والبابليين والآشوريين أو عبر التماثيل والمنحوتات، ومن خلال كتابات المؤرخين القدامى.
ومما لا شك فيه أنَّ أكثر العصور وضوحاً من حيث معرفتنا بالأزياء، هي العصور القديمة ونقصد تلك التي استقرَّ فيها الفينيقيون والكنعانيون. ومن ثمَّ الحضارات السومرية والآكادية والبابلية والفرعونية والآشورية والصينية والهندية والإغريقية والرومانية.
ومن أهم المصادر التي يمكن اعتمادها للدلالة على تطور الأزياء في هذه الفترة الكتابات المسمارية والهيروغليفية، التي أثبتت أنَّ الأقوام التي سكنت بلاد الرافدين وبلاد النيل هي أقوام ساهمت في تطور الزيّْ وتنوعه للرجال والنساء والعسكريين والملوك والوزراء والقادة والرعاع.
أما الفينيقيون فكانوا من سادة صنَّاع الملابس في العالم..وتبين المؤلفة عن الأزياء عند السومريين والآكاديين أنها متقاربة، إذ ارتدى الرجل في هذه الفترة قطعة قماش تُلَف حول الجسم في منطقة الخصر، فيما بقي الصدر عارياً.
وتستنج المؤلِّفة أنَّ السومريين حقَّقوا الكثير من المنجزات الحضارية ولا سيما في مجال الأزياء، فكان الإبداع في مجال الغزل.. فاستطاعوا تحويل المواد الأولية للصوف والقطن إلى خيوط وأقمشة. وكان لامتزاج شعبيّْ سومر وأكاد، أثرٌ كبير بنشوء شعب جديد فظهرت الدولة البابلية، التي بدأ التطور يصاحب مجمل حياة شعبها فكانت هناك علامات واضحة على مستجدات الزي البابلي.

المؤلف في سطور
منال نجيب العزاوي. كاتبة وباحثة عراقية، مهتمة بقضايا المسرح والأدب. لديها الكثير من الدراسات.

-------------------------
المصدر : أنور محمد - البيان

تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9