أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الاثنين، أبريل 25، 2016

تصارع المثال والواقع في دكتاتورية الجسد / د. نادية هناوي سعدون

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, أبريل 25, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

تعد المونودراما شكلا من أشكال الدراما وهي فعل درامي ذو منحى قصصي تحتل فيه الحركة التمثيلية موقعا مركزيا ليحقق بعضا من جماليات الأداء المسرحي. والمونودراما ايضا عمل تجسيدي لا تجريدي يستطيع الوقوف على المسرح كما يستطيع المثول بين ضفتي كتاب على حد تعبير الشاعر صلاح عبد الصبور، وهي تقوم على سيادة شخصية أحادية لتؤدي دورا مهيمنا على مساحة العرض المسرحي كله متبنية رؤية موضوعية كي تعبر عنها.
وإذا كان هناك اختلاف جوهري بين الدراما والفلسفة بوصف الأولى صراعا ذهنيا بين الفكرة والشعور وبكون الثانية تجريدا منطقيا؛ فإن اللمحة الخفية التي تجمع بينهما هي الموضوعية. وتستعير المونودراما كشكل مسرحي معاصر من السرد رحابة أبعاده التخييلية ومن الشعر جماليته الأدائية، وتنماز عن الأوبرا أو الأوبريت بكونها عبارة عن شكل مصغر للمسرحية يحمل طابعا شعريا أو نثريا لكنه ليس غنائيا.. وتهيمن الشخصية الوحيدة على المسرح مستبدة بالرؤية والتشخيص حركة وانفعالا عبر توظيف الحوار الخارجي (المنطوق) والداخلي (الصامت) مع الزج بالمقاطع السردية بين الحوارات. وإذا كان الشخصية المونودرامية تتقمص عدة وجوه وتؤدي عدة أصوات؛ فإن تلك التعددية الصوتية لا تعني أنها تشبه الرواية المتعددة الأصوات التي تستلزم عدم وجود وجهات نــظر متباينة. وهذا ما نجده في النصوص المونودرامية الخمسة لمجموعة (ثمة من يقف وحيدا على حافة الوقت) للدكتور علي حداد وهذه النصوص تميزت بنزعة تأويلية تظهر المخبأ على شكل ثنائيات متضادة كعلاقة الأفكار بالأفعال والروح بالجسد والحرب بالحياة والماضي بالحاضر على وفق رؤى تأملية وفلسفية تستعين بمختلف الوسائل البلاغية وأدوات الإبداع الجمالية. ولئن كان الشعر غير كاف للتعبير عن الاحتدام الشعوري وضجة الوعي اللذين يتطلبان مقدرة على الانجاز؛ فإن توظيف المونودراما في هذه النصوص بدا أمرا محتما. والنصوص الخمسة هي على التوالي ( دكتاتورية الجسد ومخلوقات الغواية النبيلة والصافي في قصيدته الأخيرة وآخر حلاقي المملكة ورسالة الأوجاع البغدادية)، وتعد مونودرامات ذات قوالب شعرية تقدم الشخصية المأزومة وهي تعاني صراعا نفسيا وتحديا أخلاقيا في أجواء من التبدل والتلون والتحول تفاعلا ونماءً وحيوية عبر لغة تكتنز بطاقة شاعرية تتماهى تارة بالحوار الباطني المونولوجي وأخرى بالحوار الخارجي المنطوق. وقد عمل الصراع على تحريك هذه النصوص فكريا أزاء قضية ما مفلسفا كينونة الشخصية في علاقتها بالناس والمجتمع وبطريقة هارمونية احتدامية مؤثرة وفاعلة تعتمد التآلف بين الرمز والواقع من جهة والحقيقة والخيال من جهة أخرى وهذا ما أوجد تضادا ومفارقة وتغريبا.. وقد أدى التوزيع للاعتراضات بالجمل السردية وظيفة درامية أسهمت مع الحوارات الخارجية والداخلية في تصاعد الأحداث ونمو الشخصية وتطورها، وهذا ما منح البنية المسرحية مزيدا من التوازن في بلورة الصوت الدرامي. ولان نصوص (ثمة من يقف وحيدا على حافة الوقت) هي أدائيات شاعرية لذلك فإنها تميزت بدفقات شعورية عالية جعلت الشخصيات كيانات جدلية ذات احتدامات عقلية وذهنية لتؤدي أدوارا دراماتيكية تستحث المفارقة حينا والتغريب أحيانا بغية التعبير الجمالي عن قضية فكرية أو رؤية تأملية.. ويقوم أول نص مونودرامي وعنوانه (دكتاتورية الجسد) على رؤية تأملية تحاول فلسفة العلاقة بين الجسد والروح، الأول بانكساره المعنوي وتشظيه النفسي، والثاني بهيامه المثالي ليتحولا إلى جزأين متغايرين ومتضادين، الجزء الأول هو (سامي) الذي يمثل النصف العلوي الراقي والمتسامي بمثاليته الطوباوية وأحلامه الوردية وشفافية عواطفه وسمو وجدانه. والجزء الثاني (سافل) النصف السفلي المراوغ والمخاتل والشرير الذي ينحط بواقعية إلى شر مستطير نازعا نزوعا بوهيميا ممعنا في إشباع نزواته السوداوية والتمتع الآني بما هو غرائزي في أجواء من الظلام والانتشاء وبأي وسيلة كانت لأن المهم عنده اللذة الفردية من دون اكتراث لمشاعر الآخرين ومصالحهم.. ويشكل الصراع اللبنة الثانية في النص، بعد الحوار والصوت الخارجي، والتي يقوم عليها الفعل الدرامي ويكون انقسام الشخصية الوحيدة في المونودراما رمزا للأفكار الطوباوية التي لا مجال للجسد أن يحولها إلى أفعال ويكون نتيجة هيامها الروحي تعاسة نفسية للجسد .. واذا كان النص قد ابتدأ متباهيا بالروح بصوت الأنا فإنه تحول في الخاتمة إلى كينونة واحدة بروحها وجسدها، اذ ما عاد للروح أن تهيم على حساب الجسد، بل صار عليهما أن ينتظرا ليؤديا دورين في آن واحد دور المتسلط ودور الخاضع، الأول هو الجسد بحضوره الواقعي والثاني الروح بغيابه المؤجل في ملكوت الهيام والخيال. وبذلك تتأكد وجهة النظر الواقعية التي تعترف أن الوجود لن يتجلى أمامنا حاضرا إلا بتوازٍ عادل للأفكار والأفعال وبتجاوب منطقي بين الغياب والحضور والخيال والحقيقة بذلك يرتقي الإنسان بروحه وجسده معا. أما التنكر للواقع والهيام بالوهم فذلك نتيجته الاصطدام والخيبة التي تعطل وظيفة الجسد والروح معا.

------------------------------------
المصدر : شبكة الإعلام العراقي

تابع القراءة→

إشكالية التلقي في الخطاب المسرحي / سافرة ناجي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الاثنين, أبريل 25, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

وضع لنا ارسطو اشتراطات  للخطاب المسرحي بعد ان درس الظاهرة المسرحية بشكل واع وحفر في تركيباتها، التي بلورها في مجموعة من الاشتراطات، ومن أهمها أن يكون الخطاب متهيكلا على وفق ما يمكن أن يحدث، او على ماهو كائن، أو أدنى مما هو كائن وأكد أهمية  ان يكون متمثلا للشرط الاول بوصفه استشرافاً تنبئياً للمستقبل، وهذا لايعني أن يكون متعاليا على الواقع بدرجة يتفارق معه. وبين شروط الجمال والواقع هناك الكثير من الالتباس الذي يهيمن على هذا الفعل الابداعي بوصفه أحد انساق التعبير التي عرفتها ثقافتنا في وقت متأخر، وهذا لايعفي او يسوغ لمزيد من اللافهم له. لانه بعد ان تجاوز فعل التعاطي مع الثقافة المسرحية مايزيد على أكثر من قرن، فمن غير المقبول أن يبقى الالتباس يلف هذا الخطاب، وسبب ذلك الاصرار على تأكيد  سوء الفهم لارساليات هذا الخطاب، ولانه لايحقق كينونته الجمالية الا بشرط تقديمه الى الجمهور(المتلقين)، وعندنا انقسم بين تركيبين دراميين لاغير، فالتركيب الاول المسرح الجاد الذي يغرق في الغموض والتهويم الايحائي، وهذا الشكل قد حال دون تواصل جمهوره مع ارسالياته الجمالية، والتركيب الثاني ما يطلق عليه اصطلاحا المسرح التجاري او تزويقه بالمسرح الشعبي، اذ تدنى في خطابه دون الواقع بكثير مما اساء الى الذوق العام، وكلا التركيبين أسهما في نفور الجمهور منهما،وبقي، يتراوح بين القبول وعدم الاستجابة له مما أسهم في تعطيل الفهم والتواصل معه.

لأن صانع  هذا الخطاب الابداعي افترض ان المتلقي يقبل ويستسيغ ويستجيب لأي شكل. ناهيك عن الخلط في مفاهيم الجمال المسرحي كما  انه جزم بأن الزج العشوائي بمفردات وعلامات بشكل عشوائي هي احد ممكنات الابداع، فضلا عن الجهل باشتراطات البث الجمالي المسرحي، الذي يحدد بحسب فلسفة شكل ومضمون الخطاب الجمالية، اذ لا يفرق بين بين نوع واخر، فتراه يقدم خلطة غير واضحة تغوص في الغموض والفوقية التي لاتنتمي الى الخيال او الواقع، مما يؤدي الى النفور من الخطاب. او انه يضع متلقيه في دوامة اللافهم، فتجد الخطاب غير منسجم في تشكيل منظومته الفنية.

فضاء النخبة

وهنا نقول ان هذا احد اهم الإشكاليات التي نأت بالخطاب المسرحي عن جمهوره، ونفرته منه، وبالتالي لم يتمكن من ان يصنع جمهورا متذوقا يتابع فعله الثقافي ويبحث عنه. وعندها فقد خطابنا المسرحي قدرة التاثير أو التغيير في محيطه الاجتماعي، فبقي يدور في فضاء النخبة، وهذا  الفهم اليسير جعل من الخطاب المسرحي خطابا منغلقا على ذاته، ما أفرز فوضى ثقافية تتجاذبها انماط الشللية والصراع بين صناع الخطاب المسرحي، اذكل مجموعة مسرحية لا تسمع الا صوتها. والخطاب المسرحي متفرد بعده خطاب فهم الاخر وقبول الرأي والرأي الاخر، فكان سريع الاستجابة للطائفية السياسية في اسوأ صورها ومتماهيا معها في قبول او رفض صوت اي منجز اخر ،وكأن الطائفية  السياسية. قد انعكست على مجمل الحراك الثقافي، وهذا لايعني رفض الجماعة الثقافية، بل على العكس من ذلك انها تكون اكثر فاعلية في ترسيخ ثقافة المسرح لدى الجمهور، وتكون احدى علاماته السلوكية.وان لا ينحسر في التعبير عن حاجة جماعة محدودة في الفكر ومنتميا لطروحاتها فقط.  نجد انها لا تنتج غير الالتفاف على براغماتية هذه الجماعة مما يعطل الخطاب المسرحي عن انتاج وقراءة  راهنية الواقع واستشراف معطيات ما يمكن ان يحدث.

دور المسرح

وهنا نجد ان خطاب المسرح بحاجة الى اعادة قراءة اهم مقولاته الاجتماعية (اعطني خبزا ومسرحا، اعطيك شعبا مثقفا). وفي رأينا  ان دور المسرح الابداعي في مجتمعات تغص في اشكاليات فكرية واجتماعية، يشترط عليه ان يكون فاعلا اجتماعيا بامتياز، لا ان يعيش في حلم التجريب المقلد والمستنسخ، الذي انتج بدورها اشكالية في تلقي الخطاب المسرحي على مستوى النخبة والعامة معا. لأن فنون الاداب والتعبير لا تحقق ذاتها الا بحضورها الفاعل في حاضنتها الاجتماعية، وهذا لا يحدث الا اذا تنازل صناع الخطاب عن نرجسية الابداع التي تمثلهم حصرا، فكيف يمكن ان يغير الخطاب المسرحي في الذوق العام وصناعه لايقبلون رأياً نقديا يتعارض معهم .

------------------------------------
المصدر : شبكة الإعلام  العراقي
تابع القراءة→

الأحد، أبريل 24، 2016

محاكمات مسرحية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

أنيتا سوبولوفا (خبير قانونى)، أولجا شاكينا (قاضية)، ميخائيل كالوزسكى (القاضي المساعد)
عن العرض المسرحي «محاكمات موسكو» للمخرج السويسري “ميلو راو”

محاكمات مسرحية.. المسرح كفعل وإعادة تجسيد


في عام 2013 قدَّم المخرج السويسري “ميلو راو” تجربة مسرحية في غاية الخصوصية، أصبحت فيما بعد تُشكِّل أسلوبًا مسرحيًّا خاصًا به وعلى نطاقٍ دولي. فقد عَقَد “ميلو راو” عرضًا مسرحيًّا على مدار ثلاثة أيام في متحف ساخاروف بموسكو، كإعادة تجسيد لمحاكمات حقيقية جرت في العاصمة الروسية خلال الأعوام 2003 و2006 و2012. لقد أراد المخرج السويسري الشاب حينذاك أن يفتتح أسلوبًا مسرحيا لا يضم ممثلين ولا إخراجًا مسرحيًّا بالمعنى المتعارف ولا حتى خشبة مسرح.. وقد نجح.

كانت موسكو قد عانت مما اعتبره الفنان تعسفًا في التعامل مع الأعمال الفنية على فتراتٍ متباعدة، ففي عام 2003 تعرض المعرض الفني “Caution! Religion” إلى المنع وتمت محاكمة فنانيه، وما لبث أن حلَّ عام 2006 حتى تعرض معرضٌ فنيٌّ آخر بعنوان “Forbidden Art” إلى مصيرٍ مماثلٍ لسابقه، وفي الحالتين صادرت الدولة محتويات المعرض أو تم تدميرها، ثم أُخلي سبيل الفنانين بكفالة بعدها.

أما الحدث الأقرب زمنيا فهو الدقيقة التي قضتها ثلاث نساء شابات في العشرين من أعمارهن (Pussy Riot) في الغناء وعزف الموسيقى داخل كاتدرائية المسيح المخلص بموسكو، وهو ما أدى إلى القبض عليهن ومحاكماتهن وترحيل اثنتين منهن إلى معسكر تأديبي بينما تم إخلاء سبيل واحدة فقط.

تعد تلك الأحداث هي مصادر الإلهام الفني لميلو راو في إبداعه لعرضه الفريد، فهو من ناحية يسعى من خلال المسرح إلى مساندة حرية التعبير الفني، لكنه أيضا يفسح الفضاء المسرحي لآليات المحاكمة التقليدية مما يعتبر استعادة للدور القديم للمسرح كحيز عام للمدنية وللديمقراطية يجوز من خلاله -ولو بشكل مؤقت وافتراضي- إجراء مراجعات موضوعية للآراء المجتمعية المتعارضة حول موضوع حرية التعبير كبديل حيوي لنتائج المحاكمات الأصلية.

آنا ستافيتسكايا (محامى الدفاع) مع ليونيد بازهانوف


هكذا استلهم المخرج الموضوع والشكل الفني من الحدث الحقيقي الأصلي، فكسر مواضعات مسرحية في خطوة واحدة وثبّت قدميه في مجال المسرح كفعل وكإعادة تجسيد، وليس المسرح كتخييل وكسرد خيالي. لقد استبدل “ميلو راو” الخشبة المسرحية بفضاء المحاكمة وبالتقسيم المتعارف عليه لمواقع القضاة والمحلفين والمحامي المدافع والمدعي بالحق العام، كما استبدل الفكرة التقليدية للممثلين بأشخاص حقيقيين يظهرون في شخصياتهم وأدوارهم الحقيقية كي يعرضوا وجهات نظرهم الحقيقية بتلقائية وبدون سيناريو مسبق، غير أن الجميع يشارك على منوال نسق وترتيب المحاكمة التقليدية.

هناك قضاة حقيقيون ومحامون ومحلفون، ويظهر الجميع في مِهَنهم الأصلية ويُدلون بمنظورهم حيال القضية. هناك اتهام حقيقي، ويدافع المتهمون عن أنفسهم كما يدافع عنهم محامون محترفون، هناك أيضا شهود، وفي النهاية يصدر قرار المحكمة. أما الفارق الوحيد بين هذه الحالة والمحاكمة القضائية الحقيقية فهو أن الحكم في حالتنا لا يستتبع أية مترتبات قانونية في الواقع. هكذا يتخلق توتر رائع لاسيما عندما يحمل كل متفرج وجهة نظره الخاصة إزاء القضية محل النظر.

            ياكترينا ساموتسيفيتش (Pussy Riot)


لقد ضحى “ميلو راو” بسيطرته كمخرج، بل ضحى بمجرد معرفته بالمسار الذي سوف يؤول إليه الفعل المسرحي، فالأحداث طازجة طزاجة لحظة إنتاجها أمام جمهور المحاكمة-العرض ولا أحد يعرف ما سوف يدلي به الآخر سلفًا ولا حتى ما سوف يقرره المحلفون في نهاية الرحلة. وقد كانت هذه الشجاعة النادرة للمخرج في التخلي عن سلطته التقليدية هي المفتاح الأول الذي طور هذه التجربة من مجرد إعادة التجسيد -فهناك أنواع في إعادة التجسيد تكون مصممة للوصول إلى نهاية محددة ولو كانت مساراتها منفتحة نسبيا- إلى المغامرة التي يضطلع فيها المشاركون بقيادة الدفة دون أي تدخل من المخرج.

نستطيع أن نقول إن “ميلو راو” قد أعاد إلى التجربة المسرحية بدائيتها وخلصها من تاريخ مسرحي كامل قائم على مواضعات تخييلية وإيهامية. ففي «محاكمات موسكو» يظهر كل فرد بشخصيته الحقيقية وباسمه الحقيقي ومهنته الحقيقية، إنه يتبنى المساحة الديمقراطية التى يمنحها له العرض المسرحي لكي يمارس حقه في المواطنة وإبداء الرأي وقيادة مجتمعه دون سلطة مباشرة من الدولة ودون رقابة قمعية. وبالطبع يعود الفضل في ذلك إلى كون المسرح فضاء فنيا بالدرجة الأولى، مما يمحي لدى المشاركين أي إحساس بالوقع الممتد لما يمارسونه، فجميعهم يعرفون أنها “فرضية” وذات طابع زمني مؤقت بحكم طبيعة العملية المسرحية. وربما لذلك كان جميع المشاركون محترمين لضوابط المشاركة، ولوجود قاضية حقيقية أدت دورها كقاضية افتراضية في «المحاكمات المسرحية».

ياكترينا ساموتسيفيتش (Pussy Riot) في الاستجواب. على منصة القاضي: أنيتا سوبولوفا، أولجا شاكينا، ميخائيل كالوزسكى


لقد اختار المخرج سبعة محلفين من مختلف الأطياف الفكرية بالمجتمع الروسي، وكان ذلك رهانًا على قدرة العرض على استشعار نبض المجتمع -خلافا لحكم القضاء- من خلال قرار المحلفين في النهاية. وجرت المحاكمة بدرجة عالية من الحرفية، فهناك شهود من الشخصيات العامة بالمجتمع ومن الفنانين أنفسهم، وهناك عرض منضبط للوقائع التى تجرى بسببها المحاكمة، لكننا نشهد كذلك سردًا لما أستصدره القضاء من أحكام حيال تلك القضايا، مما يتم طرحه للنقاش أيضا كجزء من المراجعة فكأننا في مرحلة الاستئناف.

تمت المحاكمات الافتراضية -التي أجراها “ميلو راو” في شكل مسرحي- على مدار ثلاثة أيام: 1-2-3 مارس من عام 2013. أي بعد قرابة عام من آخر أحداث وقعت في صيف عام 2012. كانت مهمته تجميع المشاركين مما يعد -في حالته هذه تحديدا- مهمة إخراجية بالدرجة الأولى حيث سوف يحدد هذا الخليط من المشاركين لاحقا أحداث “العرض”. أجرى المخرج كذلك حواراتٍ مع جميع من وقع عليهم الاختيار، وكان واضحًا للجميع أنها فرصة جديدة وجدية لإجراء حوار مجتمعي من خلال المنصة المسرحية، ومع ذلك فالجميع أحرار في ردود أفعالهم طالما أنهم يعلمون الهدف الأصلي من المغامرة وأنها بلا مترتبات واقعية.

قام “ميلو راو” بتصوير فيلم توثيقي عن التجربة على مدار الأيام الثلاثة التي استغرقها العرض، بالإضافة إلى بعض الحوارات الجانبية من الشخصيات العامة المشاركة فيه، وجزء من تلك الحوارات الخارجة عن العرض تعتبر مصممة مُسبقًا.

على مدار تلك الأيام الثلاثة تحول متحف ساخاروف إلى ساحة مسرحية للديمقراطية، حضر الجمهور يوميا لمتابعة تلك المحاكمة الإفتراضية ولمراجعة علاقة السلطة بالفن وبالإبداع. لقد اتضح تدريجيا حجم المعسكر الذي يدعم الدولة في مصادرتها للفن، وظهرت دعاوى واضحة من المشاركين لتحريم وتجريم الفن وحرية التعبير لو لم يتوافقوا مع معتقدات أغلبية المجتمع. ومع ذلك فشل هؤلاء في إثبات ما هي معتقدات أغلبية المجتمع، وكيف تتهدد بمجرد معرض فني بسيط للغاية وعدد زواره محدود في النهاية. ظهر ذلك الصراع بوصفه بالأساس صراعًا على مدنية الدولة ومعنى المواطنة، فالمصادرة التي قامت بها الدولة هي في الحقيقة مدعومة من تيارات مجتمعية متشددة للغاية ورافضة للمساواة في حقوق التعبير والحقوق الثقافية.

ظهر المخرج السويسري الزائر والمغامر أحيانًا كفنان مبدع وجريء، وأحيانا كدخيل على مشكلات المجتمع الروسي بل ومحفز لفقدان الهوية والتشبه بالغرب بالنسبة لهؤلاء الذين رفضوا مفهوم حرية التعبير من الأساس. ظهر التزمت الثقافي والتشكك في الغرباء كوجهين لعملة واحدة قائمة على حماية الذات من خطر مجهول قادم من ذلك الذي لا نعرفه. اقتحمت الشرطة الروسية قاعة المحاكمة-العرض ذات ليلة ودفعت إلى توقيف “المحاكمة” وتم منح الجمهور راحة مؤقتة حتى الانتهاء من إجراءات الشرطة للتأكد من تصاريح العرض بالمتحف وتأشيرة وأوراق المخرج نفسه.

لقد منحت الشرطة هكذا للعرض “لحظة خرافية” لم يكن لأي مخرج أن يتخيلها أو حتى أن يصممها بهذا الإقناع وبهذا التوقيت. لقد ربطت الشرطة بتدخلها بين الواقع الخارجي ودور الدولة وبين الواقع الافتراضي و«المحاكمة المسرحية».

أدت هذه اللحظة إلى اشتباك العالمين مما أنتج ذروة مصغرة للفعل المسرحي خارج نطاق المحاكمة الافتراضية. وقد أثَّرت تلك الذروة المصغرة على تصعيد النقاش والتفاوض عند العودة إلى الفعل المسرحي، وكذلك إلى الشعور بوقع العملية الافتراضية المسرحية على الواقع الخارجي، وهو ما لم يكن في الحسبان.

بدا الفعل المسرحي ذا قدرة فائقة على التأثير على الواقع ولو في شكل استدعاء الشرطة، وربما أن هذا الخطر الذي يشكله الفن والتجمع بين الناس هو ما دعا من الأساس إلى المحاكمات الأصلية للأعمال الفنية. وبالرغم من ذلك، فهذه المرة لم يتمكن أحد من منع العمل أو اعتراض سبيله، فقد كان مدعومًا بعدد كبير من جمهور الحاضرين، كما سانده المشاركون والذين يمثلون مختلف أطياف المجتمع الروسي. لقد اجتمع المختلفون كلهم في ذلك الظرف على رغبتهم في استكمال التجربة، وكأن هناك هدفا جديدًا اكتشفوه من خلال العرض، هدف أكثر متعة من مجرد إثبات أنهم على حق وأن الآخر خطأ.

ربما أن المشاركين لم يغيروا آراءهم الأصلية بنهاية التجربة لكنهم بالتأكيد اكتشفوا إمكانية التفاهم والتعاون والحوار. وبالرغم من أن تلك الإمكانية ربما تكون مدعومة بالظرفية المؤقتة للفعل المسرحي إلا أنها لا تنفي أن الإدراك قد تم.

هكذا تكتسب المغامرة بعدا إضافيا ربما لم يكن في توقع المخرج، إنه هذا البعد الإدراكي الجمعي الذي يعادل في المسرح التقليدي “التطهير”. فنحن هنا لا نسعى إلى التطهير التقليدي، ولا ندفع المتفرجين في أية اتجاهات – صيانة لمفهوم الديمقراطية داخل العرض- إلا أنهم هم الذين يصيغون خلاصة تجربتهم بأنفسهم ولنفسهم، فتكون الرغبة في استمرار العرض والحرص عليه نقلة كيفية في حجم التعاون الذي يمكن الخروج به من العرض إلى أرض الواقع لاحقًا.

                                مكسيم شيفتشينكو (خبير بارز بالنيابة) يتحدث مع لجنة التحكيم.


ربما يروق للكثيرين إضفاء صبغة استشفائية على هذا النوع من المسرح، إلا أن هدفه المعلن ليس علاجيًّا بقدر ما هو اجتماعي وتفاوضي. أما حيز الاستشفاء الجماعي من الأزمات الشخصية والاجتماعية والسياسية فهو حيز داخلي مغلق على كل شخص وحده وخاضع لمسار علاقته بالموضوع، ومع ذلك يظل طابع العلنية المتعلق بالفعل المسرحي عاملا أساسيا في استعادة المشاركين لكرامتهم كمواطنين وكأصوات حرة جديرة بالإنصات إليها.

لقد استمر “ميلو راو” في تطوير أسلوبه المسرحي من خلال عدة تجارب مماثلة في مختلف أنحاء العالم، هو مهتم للغاية بذلك الفضاء الذي قد يشكله المسرح للتفاوض بين الأطراف المتصارعة وإعادة تجسيد الفعل الديمقراطي خارج شروط القانون التقليدي.

فالمسرح هنا يخضع لشروط أخرى؛ إنها شروط الفعل والمشاركة والتي يتساوى فيها الجميع ويحافظون على مواضعات الجلسة من حيث زمن المداخلة وضوابطها. ففي تلك الحجرة الصغيرة تمكن المشاركون والجمهور من إعادة إبداع تقاليد الديمقراطية خارج نطاق السياسة. إنها الديمقراطية كطريقة للنقاش والحوار والتفاهم، وليس كأداة للسلطة. وهكذا عاد المسرح إلى نشأته الأولى بوصفه ذلك اللقاء الجمعي الحر، وتلك المحاكاة التي يتواطأ فيها الجميع، ولا فصل فيها بين المشاركين.

لقد صنع “ميلو راو” أفضل دفاع ممكن عن الفن وعن حرية التعبير دون أن يتخذ أيا من الجانبين ودون أن يحفز المشاركين في أي من الاتجاهات. لقد صنع أفضل دفاع؛ لأنه أثبت أن الفن قادر على الاحتواء وعلى تسهيل الحوار وعناق المتناقضات داخل فضاء فكري واحد. إن المسرح يملك القدرة المذهلة على الدمج والاحتواء، أما سياقات المعرفة السلطوية فتقوم على الحذف والتمييز.

لقد تم تعريف المسرح دوما على أنه قائم على الصراع، وليس هناك أفضل ولا أكثر إقناعا من صراعات الواقع كي نتفاعل معها ونشارك في علاجها، إننا في تلك الحالة نجري تدريبًا مباشرًا على تطوير واقعنا بحيث إننا لا نحتاج إلى ممثلين، ولا حتى نحتاج إلى نتائج خاصة من محاكماتنا الافتراضية، كل ما نحتاجه هو نحن واستعدادنا للتخلي عن أنانيتنا ولو لساعات قليلة، تماما كما فعل “ميلو راو” وحصد ثمن شجاعته نجاحا فنيا مدويا في جميع أنحاء العالم.

إنه المسرح كفضاء للتدريب على الحياة، ليس من أجل أية حكمة نهائية متوارثة داخل المنظومة المعرفية الطبقية بل من أجل أن نعيش التجربة في حد ذاتها، وكل بطريقته.


--------------------------------------
المصدر : نورا أمين (مصر)- مؤسسة الثقافة السويسرية 

تابع القراءة→

د. احمد شرجي: نظرية السيميولوجيا لم تكتمل بعد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

إن النظرية  السيميولوجية مازالت لم تكتمل بعد، فهي نظرية متطورة باستمرار ما أن ينفتح  لها أفق جديد حتى تلج آفاقاً أكثر اتساعا من الاسئلة المتشابكة لأنها تنفتح  على كل مفاصل الحياة المجتمعية والادبية والثقافية ومن هنا يكتسي سؤال  بارت أهميته:هل نستطيع يوماً أن نخلق سيميولوجيا السميولوجين"والتحليل  البنيوي للبنيويين"؟

 فالسيميولوجيا مشروعة أمام كل طرح جديد، يساهم انفتاحها على العلوم الأخرى في عدم استقرارها ونرى في ذلك قوة للسيميولوجيا، من خلال عدم تحنيطها ضمن أنظمة تكلس سيرورة اشتغالها فإذا كانت السيميولوجيا تتخبط بين كونها نظرية أو منهجاً ، فكيف يخضع المسرح لاشتراطاتها المنهجية والنقدية؟ وكيف يمكن تحديد معنى العلامات داخل النص الدرامي والعرض المسرحي؟ ثم انفتاح النص اللانهائي على الدلالة كما يؤكد رولان بارت وجوليا كرستيفا ، من شأنه أن يصعب من مهمة المتفرج والقارئ في اتخاذ موقف محدد من النص والعرض.
تضمن كتاب"سيميولوجيا المشرح"للدكتور أحمد شرجي ثقافات ومقاربات ودراسة للغة المسرح عالمياً، ويذكر الشرجي أن السيميولوجيا تعنى بالمفهوم العام للعلامة، إنطلاقاً من مستويين الأول ماهية العلامة التي يحدد وجودها وطبيعتها وعلاقتها بالموجودات الأخرى والتي تتشابه أو تختلف معها، ومستوى فاعلية العلامة ووظيفتها في الحياة العامة.
يدرس الشرجي علامات المسرح من خلال التحليل البارتي، حيث يقف عند ثلاث أنماط من العلامات، يُطلق على الأول"الرمز"ويشمل العلامات أو الاشارات الإنسانية الكبرى، أما الثاني فيشير إلى أن لكل علامة مخزون وذاكرة منظمة من الأشكال تمكن من التمييز باستحضار الاختلاف حتى لا يتغير المعنى.
أما النمط الثالث فلم يعد موقع العلامة منغلقاً في العلاقات الإفتراضية بل بما يجاورها من علاقات فعلية، وينشئ الارتباط مستوى تركيبياً يشكل بدوره  مستوى العلاقات الأفقية وما يميزها بين الوعي الأفقي الذي يسمح لنا بتصور أفضل للمجموعات العاملة"الرسائل"والتصنيفات المعقدة، أما الوعي الرمزي فإنه يوحي بخيال العمق، وتتعزز الصورة بحيوية بالغة جداً، بناءاً على تباين العوالم فلا شيء بمقدوره الخروج عن دائرة المعنى.
يذكر الكاتب أن صناعة المسرح تُحدد بالوحدات الدلالية، بناء على الاتفاقية التي اعتمدت  أثناء التدريب، لكن تغيير قصديتها أثناء العرض من متلقٍ إلى آخر لأن"قابلية المشاهد الحقيقية لإدراك ترتيب – ثانوي للمعاني في عملية فك كودات العرض تعتمد على القيم خارج المسرح والقيم الثقافية العامة التي تحملها بعض المواضيع وضروب الخطاب و أشكال السلوك."
يستند الكاتب دائماً إلى رؤى بارت، ذاكراً أن قدرة العلامة التوليدية في المسرح تعمل بدينامية خاصة داخل العرض المسرحي، وتتحول إلى دلالات بالتضمن لكونها تخضع لثقافة المسؤول من جهة وتذعن لمجموعة سلوكيات وعقائد دينية واجتماعية واخلاقية لأن"عالم التوليد السيميائي هو عالم متحرك، وأن نفترض أن له بنيات لا يعني أبداً أننا نفترض أنه ثابت، لأن الأمر يتعلق بالتعرف على آليات تغير بنيته."
هذا الكتاب يتضمن أربعة فصول يختتمها الكاتب ذاكراً أن ترابط عناصر العرض المسرحي ضمن بنية متماسكة لتؤسس شبكة علائقية يتعذر معها عزل عنصر عن آخر، وتنفى هذه الخاصية في اللغة وخاصة عند جاكبسون الذي أكد على أن نمط الأصوات علائقي من حيث تأسيسها الأول، إذ تحدد العلاقة بين الأصوات المعنى وتنتجه.

--------------------------------
المصدر : المدى - ملحق اوراق
تابع القراءة→

صمويل بيكيت في عزلته الروائية / ابراهيم سبتي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

يعطي صمويل بيكيت ( 1906 – 1989) انطباعا في كتاباته الروائية ، بأن الانسان المستوحد ، المنعزل ، هو تجسيد حي للانطوائية والتوحش الذي يمور في دواخله ولا يمكن ان تحل معضلته ابدا .. أي ان ابطال بيكيت ينتظرون دائما مصيرهم المجهول ومستقبلهم الآفل الذي لا يرجى اصلاحه ، انهم مستسلمون وضعفاء ..

هكذا هو في رواياته ، ناهيك عن مسرحياته التي تؤول فيها مصائر ابطالها الى نفس مصير ابطال الروايات ان لم تكن ابشع عندما تنتكس الشخوص ولم يأت مخلصهم  كما حال مسرحيته الشهيرة "في انتظار جودو" التي عرّفت العالم بكاتب كبير "نال عنها جائزة نوبل عام 1969" . وهو امر صادم لأنه لم يعرف برواياته التي ابتدأ حياته الادبية بها وانهاها بها والتي لا تقل قوة عن اشهر مسرحياته .. هو كاتب عزلة اذن ، وتوحد ورفض ، عبثي حد الملل .. في روايته المهمة "مالون يموت" الصادرة عام  1951 وهي - الرواية الثانية من ثلاثيته الشهيرة التي كتبها بالفرنسية واعاد ترجمتها بنفسه للانجليزية ، تعد عملا كبيرا يضاهي ما كتبه جيمس جويس في ايامه  - وهذه الرواية الوحيدة التي ترجمها الى العربية المترجم القدير احمد عمر شاهين وصدرت عن دار الهلال المصرية عام 1999 ، هي انتفاضة ضد الانسان المتحرر .. ضد كل ما هو متحرك حالم .. انه يحاول ان يصوّر الانسان بصورة العاجز واليائس والمحاصر والخجول والمنحط والصامت والذاهب الى موته .. انها ازمة الانسان الخارج توا من حرب عالمية دامية ، اطاحت بالبشرية فكان الانسان فيها وقودا دائم الاشتعال دائم الموت دائم الاستسلام ، بدمائه تتحرك سرفات الدبابات وتعبر على جثثه مدافع الموت .. انها حرب الفناء الانساني والاخلاقي وانحلال القيم والفوضى .. فكان توظيف بيكيت لكل ذلك في مشغله الروائي نوعا من التنوير لفك شفرة الواقع ما بعد الحرب ووضع الازمات امام قارئ اخر ليس هو ما قبل الحرب .. انه قارئ متفاعل ، ناقد ومحلل لكل ما انتجته المدرسة الروائية الجديدة  - رواية تيار الوعي - التي ظهرت في فرنسا عن طريق شباب مغامرين في السرد , مجموعة جريئة ازاحت جدار الرواية التقليدية واطاحوا بارث بلزاك وبروست على الاقل في الساحة الفرنسية .. روائيون بدأوا المغامرة وراقت لهم وتمسكوا بها مثل ناتالي ساروت وكلود سيمون وروبير بانجيه والان غروب غرييه وميشيل بوتور وجان ريكاردو وكلود اولييه وطبعا صمويل بيكيت ( ايرلندي الاصل ) .. فأول ما فعلوه هو الاطاحة بالشخصية الاولى في الرواية – اغلبهم – وحولوها الى شخصية متمردة رافضة للسائد والمألوف .. فكانت محاولة جريئة لنسف تاريخ حافل بالامجاد الروائية فاثارت تلك الموجة اشكالية القالب الروائي السائد ، فضربت كيان الشخصية التقليدية وابعدت تاثيرها عن محيطها معتمدة على اللغة الطافحة وسيول الوصف الغارق بالتفاصيل ، فقراءة واحدة لا تكفي ولا بد من قراءة اخرى حتما ، واثبتوا بجدارة بأن نتاجهم خلق توترا في الفضاء الروائي ووقعا صادما للناقد والقارئ .. فرفضتهم دور النشر المعروفة وعدت كتاباتهم نوعا من الهذيان والاسفاف وغياب الموضوع وتهميش للبطل والاستخفاف به , بل ذهبوا برفضهم الى استهانتهم بالقارئ – كما يقولون - وبالتالي فلا احد سيشتري الروايات وتبور تجارة دور النشر وتسوء سمعتها .. يبرز صمويل بيكيت الايرلندي وعاشق باريس ، روائيا فذا مجربا في فضاء من الارتباك والفوضى في ساحة السرد .. كتب عدة روايات لم تأخذ مديات الشهرة وظلت مسجلة باسم كاتب غير معروف رغم انها احدثت نوعا من التغيير الذي اخذ يمور في دواخل بعض الروائيين الفرنسيين الذين رمى كل منهم بحجارته في بركة الادب الباريسي الراكد الملفوف بعبادة كبار الروائيين التقليديين .. فبرعوا في استخدام المفردة اللغوية وانحازوا الى الوصف كعنصر ناجح جاذب وتشظت الصور وتكررت المشاهد غير المتراصة .. تميز بيكيت ففاجأ الجميع بقدرته على تنويع السرد داخل روايته وجعلها قطعا متناثرة ، لكل قطعة اوصافها وشكلها الغريب الذي لم يألفه احد بل تعدى الى اعتبار الشخصية متحولة بين حين واخر حتى بالاسم ، فكان يطلق اسما عليها ما يلبث ان يغيره بعد فصل او اثنين .. هكذا كان يناور بقلمه ويتحرك على رقعته وفق اهوائه وما يملي عليه وعيه وانثيالات ذاكرته المشبعة بعوالم متناقضة .. ميزت اعماله الروائية خسارات الانسان وتشاؤمه وفقدان الامل غالبا ، مع يأس طاغ وغياب للمحتوى الروحي الجمالي وهو ما جعله موجودا باسلوبه في كل اعماله وكأنها عمل واحد .. فخلطت الاوراق الروائية وقدمت انسانا معزولا تائها وعبثيا لا هدف يسعى اليه ، ينتظر اشياء لا تحدث كما حال رواية  "مالون يموت" اذ تقوم الشخصية الرئيسية بالبحث عن امل مفقود وتقضي وقتها باشياء تافهة وتقص على نفسها قصصا مفتعلة غير محبوكة لتصريف الوقت وشطب الايام وهي ممدة على سرير بائس هو بالتالي سرير الموت .. هذه شخصيات بيكيت المأزومة والمقهورة دائما .. كان بيكيت اكثر زملائه كسرا لقيود الرواية التي تحتاج الى قارئ جيد يلملم شظاياها . "مالون يموت" رواية الموت البطيء وهوس الانتظار وهو ما دأب عليه بيكيت في بعض اعماله ، كان انتظار الموت طاغيا على الاحداث ، فالبطل المهزوم بمرضه والعاجز عن الحركة تماما يحاول امضاء الوقت وحرق ساعاته برتابة تامة وكما هو دائما بطل خارج الزمان ، هزيمته مطلقة لا مجال لاي احتمال اخر .. مالون هو بيكيت نفسه ، الصامت في حياته اليومية والباحث عن ملاذات بعيدة عن الناس واصدقاء الصدفة المملون .. ينتزع باسلوبه الغريب دهشة النقاد الذين لم يفككوا مرموزاته اول الامر ، لكنهم عثروا على مفاتيحه بعد التمعن والتركيز والاصرار على معرفة السر .. هي رواية البحث عن عالم آخر قد لا يعجب معظم الناس ، لكنه عالم مفتون بالغرابة والضياع والاصرار على الموت .. انه عالم المآسي المندلقة امام وجوه متعبة لاهثة تبحث عن اشياء لا تحصل عليها ، عالم الفوضى والارباك والغرق في اللا معنى ، انها روايات عزلة ، روايات الهامش والذيول وشخصيات لا يهمها ان تعيش كما الناس ، انما تدور حول نفسها غير آبهة بما يحصل لها .. صمويل بيكيت ، واحد من افذاذ الرواية الفرنسية والانجليزية معا عرف كيف يتلاعب بالانتقالات الفجائية والحوارات الناقصة احيانا ، انها روايات العبث بكل معناه كما هو مسرحه اللا معقول .. انه كاتب الرواية بمستوياتها المتجددة وقصصه المتفردة في موضوعها وغرابتها ، كاتب اشكالي لم ينل استحقاقه الروائي وعاش عزلة روائية صنعها لنفسه اثر نجاح مسرحياته التي اشتهرت وعرف بها فغابت اعماله السردية عن دائرة الشهرة مع انه كان يعيش حياة روائية حقيقية جسدها في اعماله فأطاح المسرح الذي اشتهر كثيرا بإرثه الروائي .. وللاسف ان المكتبة العربية تنقصها روايات صمويل بيكيت المترجمة الى العربية عدا بعض الاعمال القليلة التي قام بترجمتها احمد عمر شاهين ( ثلاث قصص : الطريد ، المهدئ ، النهاية ترجمت سنة 1993 ) ورواية مالون يموت ومحاولات اخرى لمترجمين اخرين لكنها قليلة جدا لا تفي عالم بيكيت الروائي الواسع حقه.

--------------------------------------
المصدر : المدى 
تابع القراءة→

أطروحة دكتوراه في " الدور الاتصالي لمسرح الطفل في ضوء الثقافة الثالثة"

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 يتناول البحث موضوعة الثقافة الثالثة كفلسفة وفكر وموضوع ومفهوم ثقافي وضرورة معاصرة ، بوصفها عملية مصاهرة بين العلوم الصرفة والإنسانية ، وبين المشتغلين في تلك الثقافتين ، متناولاً فكرة الإنتقال الثقافي عبر مسرح الطفل وآلية هذا الإنتقال وماهيته تطورياً من جهتي الإنتاج والتلقي الثقافيين ، مفسراً الانتقال الثقافي وعملية الاتصال عبر الثقافة الثالثة لمنظرها (سي بي سنو). وانطلاقاً من تلك المفاهيم نفسها استعرض البحث نظرية الميمياء لـ(ريتشارد دواكينز) بوصفها نظرية تطورية تماثل نظرية التطور الجينيائي وهي وليدة مجموعة من العلوم التطورية والعصبونية والمعلوماتية وعلم النفس التطوري والأنثربولوجيا وعلم انتشار الأوبئة والعلوم الإنسانية والفلسفة ،فهي مقاربة بين تلك العلوم والانسانيات جميعاً حتى من ناحية الشكل اللفظي، (ميم) و(جين). ووضح البحث بشكل تفصيلي آلية الاستنساخ الجيني ، لتكون أرضيةً ومنطلقاً لتوضيح مفهوم (الميم) وآلية تناسخه وانتشاره ، ونظراً لتداخل مفهوم الإتصال بين مفاهيم علمية من جهة تتعلق بالجوانب البيولوجية للمنتج والمتلقي جينياً و بيوكيميائياً وبيوفيزيائياً، وإنسانية من جهة أخرى ، تتعلق بالشكل الخارجي للمنتَج الثقافي، والمضمون الداخلي له ميميائياً، ينعكس على تلبية حاجات المجتمع ككل – الطفل والأسرة - على خط واحد لحاجة المجتمع عموماً إلى ثقافة توازي التطور الحاصل في العصر الحالي في مجالات الحياة جميعاً، وتطور مدركات الطفل المعاصر خصوصاً .أما من جهة سبل العرض المسرحي والمشتغلين فيه فإنه تبنى مفهوم المسرح الثالث لـ(يوجينو باربا ). ووضح البحث أبعاداً عدة للشخصية المسرحية عبر تشريح انفعالاتها هرمونياً وعصبياً ، مبيناً أثر تلك العلاقة البيولوجية بين كل من العرض ، والممثل ، والمتلقي . كما قارب البحث الحالي بين الشفرة الجينية للأحياء والشفرة الميميائية للمسرح مبيناً المواضع الميميائية التي أحدثت طفرات تطورية في المسرح أفضت إلى أساليب مسرحية معروفة، على غرار الطفرات الجينية، وإمكانية احتمال حدوثها مستقبلاً . و تمثلت مشكلة البحث و مبرراته بـالحاجة إلى آلية تتم عبرها دراسة عروض مسرح الطفل ، وفق متطلبات الطفل المعاصر والمستقبلي. وندرة التوجه نحو ثقافة ثالثة تقرء عبرها وتقدم عروض مسرح الطفل . وندرة دراسة الدور الإتصالي لمسرح الطفل بشكل علمي حداثوي تتعلق بالبنية التكوينية للإنسان (الجينات) وعلاقتها بالبنية التكوينية لإنتاج الثقافة (الميمات) . و طرح أكثر من رأي في طريقة هذا الإنتقال الثقافي وأنواع الإنتقال الميميائي وصولاً إلى آلية تشريح الوحدات المعلوماتية الصغرى – الميمات- للعروض المسرحية عبر بناء استمارة تحليل الإستراتيجيات الميميائية في العروض المسرحية. وجرى أيضاً تشريح عملية الإتصال الكوني وتوضيحها من ناحيتي الإتصال الجينيائي والميميائي ، وعلاقة عمليتي إنتاج العروض المسرحية وعملية التلقي الفردي والجماعي للمتلقي الحاضر والمستتر، والأخير يمثل  المتلقي الذي تنتقل إليه فكرة العرض المسرحي عبر المتلقي الحاضر الذي شاهدها وأدرك أفكارها أو ذلك المتلقي الذي يتابع العرض عبر شاشة الحاسوب أو أي تقنية تكنولوجية أخرى بعد أن أوضح مفاهيم تتعلق بالمسرح الرقمي والإفتراضي وغيرها. وأهمية رفد مسرح الطفل المعاصر بأنواع جديدة من الدمى سواء الدمى الأليكترونية أو دمى ألعاب الطفل المتداولة والدمى السبرنطيقية والتقانات الحديثة كالهولوغرام والشاشات المتطورة متخذاً من منهج العبرمناهجية سبيلاً لتحقيق هدفيه المتمثلين بـتعرف ماهية الدور الاتصالي لعروض مسرح الطفل في ضوء الثقافة الثالثة. وتمثل الهدف الثاني بتعرف بناء الاستراتيجيات الميميائية وآلية تقصيها في مسرح الطفل ، عبر بناء استمارة تحليل على وفق متطلبات العبرمناهجية في تحقيق الفهم استناداً إلى الأسس الميميائية بوصفها خير من يمثل الثقافة الثالثة . وجرى بناء الاستمارة تلك وفق الضوابط المعتمدة في البحوث العلمية في بناء استمارة التحليل والتي فحصت صلاحيتها عبر تحليل عرض مسرحية عالم الفيتامين لـ(حسين علي هارف) بوصفها نموذجاً تطبيقياً للبحث .  مستخدماً معامل ارتباط بيرسون لاستخراج ثبات المحلين ومن ثم توصل إلى جملة من النتائج النظرية والتطبيقية أهمها : تحقق هدف البحث الأول المتمثل بتعرف الدور الاتصالي لمسرح الطفل في ضوء الثقافة الثالثة عبر تحقق أهداف فرعية عدة . و تحقق الهدف الثاني من البحث المتمثل بتعرف بناء الاستراتيجيات الميميائية وآلية تقصيها في مسرح الطفل ، عبر انجاز بناء استمارة التحليل الموضحة في الهدف الثاني .  وهناك نتائج أخرى منها مايتعلق بالعرض التحليلي النظري لمفهوم الثقافة الثالثة والإتصال الكوني ومنها على صعيد صلاحية استمارة التحليل المقترحة في تشريح الإستراتيجيات الميميائية . وأفرز جملة من الاستنتاجات المهمة ، منها : إن الدور الاتصالي لمسرح الطفل البحث هو اتصال كوني يتعلق بالمكونات الكيميائية والفيزيائية والعصبية والوراثية للجينات والميمات .كما تسهم دراسة الميمياء في تعرف آلية الإنتاج والانتقال الثقافيين بين الأفراد ومن ثم تعزز من قدرة الميميائيين المسرحيين في إنتاج ميتاميم يضم ميمات مدروسة . وخرج بتوصيات عدة منها : أن تدرس كلية الفنون الجميلة مادة الميمياء كمنهج دراسي في جميع أقسامها عبر استحداث منهج جديد في كلية الفنون الجميلة يتعلق بتبسيط العلوم الحديثة والتعاون مع الكليات العلمية في رفدها بمتخصصين يعملون كحلقة عمل مع متخصصي الفن في الكلية . وأن تعمل وزارة الثقافة على تعزيز أواصر تعاون دائم بين كل من وزارة التعليم العالي ووزارة التربية لتشكيل جمعية علمية –إنسانية. واقترح إجراء الدراسات التي يعتقد أنها مكملة لبحثه منها : أسس كتابة نصوص مسرح الطفل في ضوء الثقافة الثالثة . وبرنامج تدريبي لمسرحة العلوم الحديثة للأطفال على ضوء النظرية الميميائية .
و اطروحة الدكتوراه الموسومة" الدور الاتصالي لمسرح الطفل في ضوء الثقافة الثالثة" هي جزء من متطلبات نيل شهادة الدكتوراه في فلسفة التربية الفنية للباحث "أسعد عبد الكريم علاوي الهاشمي" وتالفت لجنة المناقشة من ا.د. ماجد نافع عبود، رئيسا للجنة، وا.د حسن علي هارف، عضوا، ا.د.منير فخري الحديثي، عضوا،ا.م.د.علي حداد حسين، عضوا، ا.م.د.صباح عطية سويح، مشرفا.


--------------------------------------
المصدر : كلية الفنون الجميلة - بغداد

تابع القراءة→

السبت، أبريل 23، 2016

رجل المسرح

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, أبريل 23, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

حسنا فعلت دار الثقافة الكردية للنشر بوزارة الثقافة حين استذكرت رجل المسرح الفنان قاسم محمد، الذي ملأ الدنيا بأعماله المسرحية الخالدة منذ «النخلة والجيران»، و «الشريعة وبغداد الأزل» وغيرها من روائع المسرح العراقي. وكان يفترض أن تحتفل به مؤسسات المسرح مثل دائرة السينما والمسرح أو معهد وكلية الفنون، لكنه جاء من دائرة الثقافة الكردية في موقف تشكر عليه .
قاسم محمد فنان كردي لكنه لا يعرف التكلم بالكردية، لأنه نشأ في بغداد وعاش في الغربة طويلا. وهو خريج موسكو، درس على حساب وزارة التربية واشترطت عليه أن يخدم لعشر سنوات في معاهدها فدرس في معهد الفنون الجميلة.
قاسم محمد ليس فنانا عاديا بل هو رجل المسرح بحق ممثلا وكاتبا ومخرجا ومنظرا.
في المسرح قاسم محمد يشبه العمال الذين تعودوا أن يخرجوا للعمل مع نفحات الفجر الأولى وهم ينشدون نشيد اليوم الذي يخفي خلفه غبار الأمس وقلق الغد.
كان يؤمن بأن المسرح هو نوع من التصوف المعاصر الحديث في هذا العصر المادي المخيف. ويقول عن ذلك: «أن تتصوف يعني عميقا تتعرف، يعني تزهد في الزائل.. تتجاوز حد المائل.. يحسدك المدهش.. للروح من الروح.. تتحول.. تحاول يا بناء الله.. ان تتكامل مع الله تتماثل.. تعشق.. تتعاشق.. ولفرط عشقك يعصي عليك
البوح.. فلا تبح.. تبقى كالمجروح.. معلقا في سمو تكسر الروح.. تخلق ألف روح.. لأنك تتصوف.. لأنك ملهوف.. تتعرف.. لأنك تخرق الصفوف صفا، لأنك تحترق.. تخترق.. تعبر الى اللامألوف المألوف.. راكضا.. لاهثا.. ملهوفا».
عمل قاسم على التجريب كثيرا، وكان يجرب جميع الأساليب في الكتابة والإعداد والإخراج، منطلقا من مقولة بيتر بروك الشهيرة: «لا شيء صائبا أبدا لذا علينا أن نديم التفكير والتعبير والابتكارات».
كذلك انشغل قاسم محمد بالتراث كثيرا فدرسه دراسة متأنية وغرف منه الكثير ليعد من خلاله الكثير من الأعمال المسرحية أبرزها مسرحية «بغداد والأزل بين الجد»، و»الهزل وراس المملوك جابر» و»كان ياماكان» و»طال حزني وسروري في مقامات الحريري».
الكتابة عند قاسم محمد كما يذكر في رسائله هي كالإبداع المسرحي خروج وولوج! خروج عن العالم الساكن، وولوج الى عالم الأحياء والإبداع والابتكار وهي ايضا مقاومة الفناء في عالم كل ما يحيطنا فيه عنصر من عناصر الافناء. إذن علينا أن نواصل العطاء (الزين) ولا بأس أن نلقي بهذا (الزين في شط مياه الناس)!، كما كان قاسم محمد واحدا من أهم كتاب ومخرجي مسرح الطفل في العراق لا بل حتى من مؤسسيه. وأذكر لحظة وفاء نادرة قوبل بها قاسم محمد حين أطلق اسمه على دورة مهرجان مسرح الطفل في نفس العام الذي رحل فيه. وأثناء المهرجان فتح الفنان د.شفيق المهدي خطا مباشرا على الهاتف الجوال مع قاسم محمد في الشارقة وقال له اسمع جمهورك يهتف يا فناننا الكبير، فرد قاسم والسعادة تملأ نفسه: إنه وفاء ووفاء من نوع آخر. ويؤمن هذا الفنان الجليل بأنه توصد أبواب العالم الواقعي القريب.. يمكن لخيالك أن يخلق عالما خياليا وبعيدا، ويمكن للخيال ان يستحضر الأشكال والتكوينات العظيمة وكذلك الرؤى التي تسحر الألباب. لذلك كان قاسم محمد يعمل بخيال كبير.

--------------------------------------
المصدر : قحطان جاسم جواد - الصباح 
تابع القراءة→

الجمعة، أبريل 22، 2016

ربيع مروة.. عبور عكسي إلى ميونخ 72

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

في 5 أيلول/سبتمبر 1972 نفّذت "منظمة أيلول الأسود" عملية ميونخ في ألمانيا. في 18 نوفمبر 2015، قام المخرج المسرحي اللبناني ربيع مروة مع شريكتيه في الأداء منال خضر ولينا مجدلاني، بتفجير سرير على خشبة مسرح "دوار الشمس" في بيروت.
حذّر منفّذو التفجير من قوة الضوء الذي سينجم، وطلبوا من الجمهور إغماض أعينهم لكي لا تعمى، وانتهى العرض فعلاً بتفجير سرير، في حين كان بدأ بقصة خرافية يرويها صوت مروّة عن قرية تسكن أسرّتها الأشباح.
هذه الحكاية الأمثولة التي تُروى في البداية ستغدو بلا معنى مع الوقت، ستتلاشى، هي ليست شيئاً سوى التفاتة للكيفية التي كانت تروى بها حكاية بلا صورة. ثم تُنسى الحكاية وتنتقل بنا المسرحية إلى ميونخ 72.
استخدم المخرج كل ما يمكن من أساليب السرد المسرحي وأدواته؛ الصورة والنص والفيديو والوثيقة وحتى قص الحكاية بشكله التقليدي، ليسأل: لماذا لا توجد رواية فلسطينية لما حدث في ميونخ؟
مع تقدّم المسرحية نلمس تحولاً في السؤال إلى: لماذا ليس ثمة حكاية عن التفجيرات أو عن الاختطاف من دون أن يكون رواتها منفذيها أو ضحاياها؟ ماذا لو روينا حكاية البحث عن حكاية الخطف؟ ماذا لو كان العرض برمّته عن العبور العكسي إلى ماضي الحكاية لإعادة إنتاجها من قبل أفراد ليس لهم علاقة مباشرة بها.
ثمة الواقعة، ميونخ 72، وثمة بحث مروّة عن الواقعة، سيروي كيف توصّل إلى نسخة العرض من رواية هذه الواقعة. كيف جُمعت الوثائق، ما وصل وما لم يصل منها، كيف فكر الفريق في المسرحية..إلخ. لكن حتى هذه الوثائق، على المتلقي أن يفكر دائماً فيها كوثيقة ما، تقول شيئاً ما، عن ماضٍ ما، ليس بالضرورة أن يكون أكيداً.
تظهر وثيقة بقائمة تضمّ أسماء الـ 236 فلسطينياً المطلوب تحريرهم مقابل الرهائن، حصل عليها المخرج من ملف التحقيقات الرسمية في ميونخ، معظمها أسماء غير مقروءة، المقروء منها يبدو غير حقيقي، هل كان ثمة قائمة فعلاً؟ ليس الجواب مهماً.
عملية ميونخ، كانت اللحم الذي كسا عظام العرض، ستقول خضر -الشريكة في كتابة النص- في مصارحة مسرحية حول ظروف كتابة العرض وحول كونها فلسطينية، إن العرض ليس عن ميونخ، "إنه عن فلسطين"، كم كانت هذه العبارة متوقعة وكم هي مألوفة.
يمكن لأي متفرج أن يجادل بأن هذا ليس صحيحاً، العرض ليس عن فلسطين، إنه عن لحظة مهمة، ميونخ كعملية حدث فيها الكثير من العنف، وكان للصورة علاقة مباشرة في ذلك، ما قد يربطها على نحو ما بالحاجة إلى الصورة، والحاجة إلى منبر، الأمر الذي يدير أحداث العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين.
"عصر الصورة" وعروض العنف، كما عشناه في الأربعة أعوام الأخيرة شريك أساسي يقف خلف عرض مروة هذا، حيث نجد الكثير عن آليات إنتاج العنف عبر الصورة، عن الشعور بأنك تحت التهديد (طيلة العرض ثمة وعد بتفجير سرير على الخشبة)، عن فخ الوقوف/ الوقوع أمام الكاميرا، عن علاقة أية سلطة بموقعها من الكاميرا، عن علاقة المقاومة بالكاميرا، عن علاقة الإرهاب بالكاميرا، عن العنف حين يصير عرضاً، عن الصورة، الصورة، الصورة.
"في أنشودة الفرح" ثمة ثلاثة أنماط من الصورة، هناك الصورة الوثائقية، والصورة الراهنة التي تحدث على المسرح، وهناك الصورة الغائبة والمقصود ألا يتم عرضها، حتى إن قوّتها تظهر في استبعادها.
الصور الوثائقية تخدم كأدوات لإعادة تمثيل مسرح العملية، يروي مروّة حصول فريق العمل على الصور والوثائق التي طلبها من السلطات الرسمية في ألمانيا. نرى كذلك صوراً لفدائيين في السبعينيات التقطت لهم في استوديو وهم يتقلدون الكلاشنكوف، متخذين "بوزات"/وضعيات مختلفة. مفهوم أن صور الاستديو هي الوحيدة البلاأيدولوجيا، صور طريفة لأشخاص بالشارلستون يحملون الكلاشنكوف كما لو كانوا يحملون غيتاراً.
الصورة الأخرى متحرّكة وتمثل مسرح العرض، وهي ليست جديدة على مروّة وعلى هذا النمط من المسرح المابعد درامي عموماً، وفيها ينقسم العرض إلى قسمين؛ الأول نراه على الخشبة لحظة يحدث أمامنا، والآخر هو الفيديو كصورة طبق الأصل عن العرض لكنه مسجل، الأمر الذي يضع المتفرّج في حيرة، هل هذه الصورة للمؤدّين انعكاس لهم أم أنها تسجيل لما حدث في زمان ومكان آخرين؟
الصورة الغائبة تنقلنا فجأة إلى تدمر، حيث الجريمة هي ما يحدث في الظلام وبلا صورة على الخشبة، بينما هي تحت أضواء الإنترنت في الواقع. هنا يظهر نص مكتوب يروي كيف أعدم "داعش" 25 سورياً على المدرج الروماني في تدمر، في عرض مسجل بثه التنظيم كما لو كان مسرحية مرعبة. الصورة غائبة لأنها راهنة، لأن عرضها لن يعني شيئاً سوى أن يأخذ المتلقي إلى مكان ليس هو موضع اهتمام العمل.
تمثل عملية ميونخ 72 مسرحاً عنيفاً التقى فيه الشرق بالغرب، الاحتلال بالمقاومة، الإمبريالية بالقضايا العادلة، المشاهدون بعرض واقعي ونادر. هي أيضاً لحظة تاريخية غير مطروقة مسرحياً، مرتبطة بفكرة العنف والعرض Spectacle، العملية نُفّذت في حدث عالمي أمام الشاشات بقصد أن يشاهدها الملايين ولفت انتباه العالم إلى قضية عادلة. بُعدها التاريخي يجعلها الحكاية الأمثل للحديث عن كيف نفهم العنف؟ كيف يوظفه الآخر؟ وما علاقة ذلك بالصورة؟
لكن التحوّل من ميونخ إلى داعش خيار مروّة الخطر، يمكن أن نقبله لو سلّمنا أنه حين يعلن أن الجريمة هي تلك التي تحدث في الظلام يضع فرقاً واضحاً أمام الآلة الإعلامية والسياسية العمياء أو المتعامية التي تسمّي المقاوم الفلسطيني إرهابياً وتطلق الوصف نفسه على الداعشي.
وإن كنا سنفتش عن أي موقف سياسي للعمل، فهو لا يخلو من دلالات تؤشر هنا وهناك، يمكن أن يحس المتلقي أن هناك ميلاً إلى السؤال: هل كانت ميونخ حماقة؟ خطأً؟ إرهاباً؟ أسئلة لا تقال بفجاجة، تثار فقط، تسمعها مثل همهمة، لن يسمح لك العمل بالتأكد مما يقول بل الشك فيه، تحس بها وتنزعج منها، لكنك تستمر في المشاهدة.
---------------------------------
المصدر :  نوال العلي - العربي الجديد 

تابع القراءة→

رؤى بصرية لسينوغرافيا أوبرا بارسيفالParsifal لروبرت ويلسون/ راندا طه

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

الأوبرا للموسيقار الالماني "فاجنر"Wagner ، وأُلفت في القرن الثاني عشر، وتحكى عن" بارسيفال Parsifal "ابن فارس شهير، قُُتل أبوه وعماه في عدد من المبارزات،وربته أمه في أعماق الغابة بعيداً عن الناس،ابتغاء أن تُبعد عنه حياة الفروسية وواجباتها،لكنه لم يكد يبلغ الشباب حتى يلتقى في الغابة بخمسة فرسان مسلحين يركبون أفراساً وأنبأوه بحقيقة شأنهم، وبثوا في نفسه الرغبة في التجوال في الدنيا،فترك أمه التى زودته بالسلاح وهي تبكي، ومضى إلى بلاد الملك آرثر وجرب أول تجربة في المبارزة فقتل الفارس القرمزي-العدو الشخصي اللدود للملك العجوز آرثر- وكان خصماً عنيداً لم يستطع قهره أحد من قبل.
وأخذه أحد النبلاء إلى قصره وتمم تربيته، ومن هناك ذهب لتخليص الأميرة المسكينة الملقبة بالزهرة البيضاء، والتى كان يحاصرها في قصرها جيش من الأعداء،ثم تعرف إلى الملك بشيور (أو الصياد) عمه، والذى كان يملك الكأس المقدس والرمح الذي تقطر سنه دماً باستمرار، وكان محاصراً فأنقذه بسيفه، وبعد موت الملك عُرفت صلة القرابة بينه وبين بارسيفال فصار وريثه.

ويُنصبه الملك آرثر في قصره بكل مظاهر الحفاوة، ويصبح مالك الكأس المقدس والرمح العجيب والتى تمتلك قوه خارقة، ويمل برسيفال بعد سنوات من مظاهر الحياة الدنيوية فيترهب، وعند موته يرتفع الكأس المقدس والرمح العجيب إلى السماء بمعجزة. [1]
أوبرا بارسيفالParsifal للمخرج "روبرت ويلسون Robert Wilson" [2] ،وتصميم "استيفان انجلنStephanie Engeln "،ومصمم الاضاءة Stephanie Engeln،عُرضت لأول مرة عام 1991م فى هامبورج، وأعيد عرضها عام 2005م فى مسرح لوس انجلوس.
رسم المخرج "روبرت ويلسون "وهو مصمم داخلى ورسام ومخرج امريكى ومصمم حركى ونحات اخرج عروض مثل" Einstein on the Beach " و Faust وغيرها من العروض وله رؤيه بصرية تختلف عن المخرجين الاخرين فهو يقول " إننى أفكر فى إعدادى للصور والتصميمات والرسوم لكن ليس الهدف من الصور تصوير النص ".
يحكى العرض عن بارسيفال ورحلته الطويلة حتى الحصول على الكأس المقدس، استعاض ويلسون عن المشهد الطبيعى بمستطيل ابيض يشكل شاشة للعرض الفيلمى من اللون الابيض واللعب بالاضاءة ، والعنصر المسيطر على المشهد هو الماء ، ,اثناء العرض يظهر الكأس المقدسة هابطاً من السماء على هيئة قرص ابيض يحيط بشكل كرستالى يعبر عن كنيسة العهد الجديد [3]، وبجوار القرص الابيض ذوالأضاءة الخافتة يظهر بارسيفال بمفرده على المسرح شاخصاً للفضاء ، و يلتقي القرص والجبل عند قول"جورنيماز Gurnemanz" "الزمن يصبح فضاء" "Time becomes space"، فيبدأ الجبل فى الأرتفاع عبر القرص الدائرى،ثم يظهر الملك "امفورتاس Amfortas " على القرص ، وأخيراً يخرج الكأس المقدس من الجبل الثلجى ويُفتح.
استخدم ويلسون الإضاءة للتعبيرعن الحالات النفسية والشعورية كما ركز على حركات الشخصيات فى العرض،ويحدث تحول فى الإيماءات والإضاءة الدرامتيكية فى السماء فعند ظهور "امفورتاس Amfortas" لإول مرة بالاضاءة الخلفية كسيلويت وعندما يبدأ فى الغناء يبدأ فى الظهور بالتدريج ،ويشاهد بارسيفال تلك الاحداث كشاهد عليها كالجمهور ثم يبدأ فى الحركة ببطء بشكل لولبى ودائرى.

فى الفصل الثاني الأكثر درامية، يبدأ بظهور قلعة "كلنجسور" Klingsor ، ويرتفع برج" Klingsor "خارج البحيرة، فى مشهد ليلي قمرى اشبه بالعمود الاسود يبزغ من الماء مزود بباب يفتح ليشع ضوء فلورسنتى على المنصة، ليظهر الشريركلنجسور بالمكياج البانتوميم والعين المشوهه ،ويتحرك فى ايماءات تجعله اشبه بملك الليل[4] ،وتقف"كندرىKundry "على حافة البحيرة ، ثمّ يتحول المشهد لأسفل الماء ،وتظهر نساء يرتدين اللون الابيض ويحملن زهور ، ويدور الحوار بين" كندرى Kundry "و"بارسيفال" و يتحدثان على صخرة فوق سطح البحيرة، وتحمل" Kundry " عصا و تستخدمها كرمح أو كعصا سحرية، وتحملها وتمررها على ذراع بارسيفال ، و يتحول الرمح الى شعاع ضوئى يعبر المنصة فى الفضاء ، ثم تظلم الصخرة وتضاء بإضاءة خلفية لتتحول لسيلويت ويتحول كلنجسور بزيه الاسود الى جزء من الصخرة .
المشهد الثالث مشابهه للأول ، وفيه يدخل "جارنيماز Gurnemanz" وبارسيفال على المنصة ويتحول بارسيفال الى الفارس الأسود ويظهر القرص باللون الاسود وعندما يغنى بارسيفال يبدا الكأس المقدس فى الغناء ويتحول بالتدريج القرص للون الابيض كما يظهر الفرسان بزيهم الاسود كالرماح ليشكلوا حائط طويل على المنصة ، قبل النهاية تظهر النيران فى منتصف القرص بدلامن جبل الثلج. [5]
رسُمت كل حركة للممثلين بدقة،والرقص فى العرض أشبه برسم الخطوط فى الفضاء،وتم التركيز على الحركات الصغيرة أكثر من الحركات الكبيرة ، والماكياج أكثر شرقية ولازمانى .
حقق ويلسون من خلال عرضه الإقلالي الأبعاد الشكلية التى تشكل الصور الذهنية فى عقل المتلقى،واستخدم الحركة البطيئة لممثليه كما اعتمد ويلسون على حركة الاضاءة والستائر لاعطاء العمق لخشبة العرض، وتصميمه أقرب للونين الابيض والأسود.كما ترجمت السينوغرافيا التركيز على معانى العرض من الرموز والدلالات،وحققت التفاعل بين تراكيب ويلسون المجردة،واحدثت الحركة المتكررة ذات الصياغات المتعددة لفرسان الكأس المقدس من مناسك لحماية الكأس المقدس، وكذلك مراسم الساحر المظلمة العديد من الاشارات الرمزية الروحانية. فالحركة تمثل لويلسون شكل من أشكال النحت الحى ،أو برسم الخطوط فى الفراغ ففى عرضه بارسيفال ركز على الحركات الصغيرة بدلاً من الكبيرة إستناداً على أن هناك دائماً حركة فى عرضه. [6]


الهوامش:
[1]1- الكأس أو الجرال اسم أطلق على الإناء المقدس الذي تزعم الأسطورة أن يوسف الرامي، أحد تلاميذ المسيح، قد التقط فيه دم المسيح وهو على الصليب. وهو نفس الإناء الذي شرب منه يسوع المسيح وهو في العشاء الأخير.

[2] - روبرت ويلسون ( 1941-) مصمم داخلى ورسام ومخرج امريكى ومصمم حركى ونحات وغيرها من العروض (http://en.wikipedia.org/wiki/Robert_Wilson_(director)

[3]-http://www.nytimes.com/1992/02/20/arts/review-opera-robert-wilson-stages-his-vision-of-parsifal-in-houston.html?pagewanted=all&src=pm -[3]
[4]- http://www.nytimes.com/1992/02/20/arts/review-opera-robert-wilson-stages-his-vision-of-parsifal-in-houston.html?pagewanted=all&src=pm

[5]-http://www.wagneroperas.com/indexwilsonparsifal.html
[6]-http://search.laopera.com/learn_more/article_detail.asp?productionid=194&articleid=134
تابع القراءة→

أيقونات الحياة والسلام بسينوغرافيا حفل ريكى مارتن Livin' La Vida Loca world / د. راندا طه

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

اقيم العرض عام1999م ،وصمم المشاهد "بروس روجرز"Bruce Rodgers، وهو مصمم مسرحى لعدد من العروض المسرحية خاصاً الموسيقية كعرض مادونا Drowned World " و" summer Olympic Atlanta 1996" واخرج العرض "جيمى كينج Jamie King" ، وهو مخرج مسرحى ومصمم حركى لعدد من العروض المسرحية لعروض مايكل جاكسون وصمم الاضاءة "بيتر مورس Peter Morse" .
استلهم المصمم العرض من صورة لوجه ريكي المأخوذه من إحدى المجلات الموسيقية ،ومن أبعاد وجهه استلهم مشاهده ، بالإضافة لإستلهامه التصميم السينوغرافى من أهم أربعة أشياء فى حياة المطرب ريكى وهى الحياه ،الحب،الموسيقى والسلام .
والمسقط الافقى عبارة عن شكل حلقى “donuts” ذو دائرتان ، الدائرة الداخلية تتحرك بريكى فى اتجاه معاكس لحركة الراقصين وظهرت بالعرض المسارات الطائرة لنزول ريكى والراقصون، والمصاعد والتى تم التحكم فيها بواسطة عدد من الرافعات الآلية ، واثناء غناءه " I Am Made of You" يصعد ريكى لإعلى بواسطة مصعد دائرى circular lift ويبدأ بعدها فى الطيران بعيداً عن خشبة المسرح. 
تحركت "حوائط الفيديوVideo walls" خلال العرض ، واستخدمت كستار فى أول العرض قبل تحركها لكشف المنظر ،و العرض عن آله الزمن والتى تبدأ بأغنية ريكى "La Vida Loca" ثم تبحر للماضى من خلال أغانيه السابقة،وشاشات الفيديو تعكس الحالة النفسية والمزاجية لكل فترة سابقة فى حياة المغنى ريكى. 

عُلقت اجهزة الاضاءة من زوايا عالية ،واستخدمت اجهزة سبوت واجهزة Vari-Lite، و اضىء العرض باجهزة سبوتSpots ، اجهزة PAR،امشاط Mini-Strips ،كشافات تتبع followspots، اجهزة دخان وضباب ،و اجهزة فرينل فى عدد من الاماكن فى العرض وهى مزودة بنظام آلى خاص تُمكن الجهاز من الانخفاض لمسافة 11م، بالاضافة لوحدات الانشاء المعدنى العمودية لتعليق اجهزة الاضاءة فى اجناب خشبة المسرح الممتد. 
شكلت السينوغرافيا مفهوم العرض المستلهم من أهم أربع أشياء فى حياة ريكى كرموز صاعدة من مخيلة ريكى تصعد من أرضية خشبة المسرح أثناء حركة الراقصين ،وهذه الرموز الصاعد أشبة بأيقونات العواطف والمعتقدات لريكى .كما جسدت عدداً من التشكيلات والرؤى البصرية المتنوعة التى عبرت عن العرض من المشاعر والاحاسيس المختلفة وتداخلت مع الموسيقى بإيقاعها اللاهث وتناول مفهوم العرض الدنيا المجنونة التى نحيها بما فيها من ألوان بر
اقة ولامعة
.

الهوامش :

http://en.wikipedia.org/wiki/Jamie_King- 
-http://livedesignonline.com/mag/live_design_international_2 
-http://www.allaccessinc.com/html_files/abtnew.html 
-http://www.allaccessinc.com/html_files/abtnew.html 
-http://livedesignonline.com/mag/lighting_oh_ricky_youre/index.ht
تابع القراءة→

الفكاهة بالتمثيل في كتاب هكذا عرفتهم لجعفر الخليلي / نجاح هادي كبة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

التمثيل في أبسط تعاريفه هو تقمص شخصية الآخرين في التعبير على لسان الشخوص بوساطة حكاية والاهتمام بالحوار والحبكة الدرامية ثم تعقد الحوار للوصول إلى الذروة ، فالحل ولابد من توافر المكان والزمان والحدث .

وفي كتاب (هكذا عرفتهم) حكايات فكاهية تأخذ أطرافاً من فن التمثيل التقطها المؤلف جعفر الخليلي من الرواية الشعبية أو ما وقعت عليه عيناه وأبطال تلك الحكايات يمثلها أناس فطريون تأتي الفكاهة والنكتة والمطايبة والمقالب على لسانهم كسجيّة وطبع لا تطبّع قد يكون أبطالها شعبيين او شيوخ دين فضلاء أو وجهاء تلك الفكاهة مرتبطة أشد الارتباط بالتمثيل وهي بمجموعها سيناريو تحتاج إلى مونتاج صائب لتعكس معادلاً موضوعياً لبيئة النجف التي يغلب عليها الطابع الديني والمتمرسة بالدراسات الإسلامية والعربية بجد ، ما يجعل تلك الفكاهة المرتبطة بالتمثيل تعبيراً عن المكبوت في الشخصية النجفية وتتصف تلك الحكايات الفكاهية المرتبطة بالتمثيل بلغة شعبية وأجواء محلية تسمع من طريقها كلمات مستملحة بتقبلها السامع ولتضحك الآخرين وهي جزء من سيناريو التفكه الذي منه وصف الشعر النجفي الخمرة والتغزل بالغلمان أو بالمرأة على سبيل التظرّف لا الواقع ، ويكون لمجالس الأدب والفقه دور في نشر الفكاهة والنكتة لاسيما حين تتعطل الدراسة الدينية في رمضان إذ تستمر المجالس من العشاء إلى السحر إذ يتقارض فيها الأدباء والشعراء ورجال الدين ما لذّ وطاب من الشعر والفقه والفكاهة ، يتحدث جعفر الخليلي عن أحد المجالس الأدبية النجفية ، فيقول (وطابت هذه المجالس … واقترحوا أن لا يتركوا دار السيد مير علي نهار الأربعاء مع من يتركها من بقية الزائرين … فإذا ما حان الظهر حمل كل فرد من هؤلاء الأصدقاء غذاءه الى بيت السيد مير علي ، ودعا هو بغذائه ، فكانت من كل ذلك مائدة واحدة، وقد أطلق على طائفة خاصة من هؤلاء الأصدقاء اسم (الصفوة) كان منهم الشيخ حسين الحلي والسيد علي بحر العلوم ، والشيخ محمد حسين المظفر و … وحرصت هذه الصفوة كل الحرص على أن تجعل من يوم الأربعاء بعد انصراف الزائرين يوم متعة ولذة ربما كانت تتجرد من قيود المجتمع ، ليواجه بعضها بعضاً بحقيقته وبذاته ومباذله ولم يكن هذا التجرد- غير الإفساح في المجال لأنفسهم فيضحكوا ما شاء لهم من الضحك) .

ثم يلتقط جعفر الخليلي بعين الكاميرا أدوار المجتمعين بالمجلس فيقول : (ليعلقوا على الأخبار الأدبية والمقاطيع الشعرية بما شاءت لهم الحرية والفكاهة ويعطوا لأنفسهم المتعة الكاملة في الأكل حتى وان جاءت هذه المتعة عند الصفوة عن طريق اختطاف اللقمة من فم صاحبها ، أو إسراع بانتزاع اللحم من الحساء وحرمان الآخرين منه ، أو بمهاجاة شعرية مستملحة مقبولة تتجاوز العشرات من أبيات الشعر المرتجلة الهازلة ، إلى غير ذلك من اللذة البريئة التي تنشدها نفوس وأدباء تعبوا على انفسهم بعض التعب ، وعلى هذا فقد يتغيّر مجلس الواحد من الصفوة عدة مرات ، فحين يكون إلى جانبك في هذه الدقيقة لا يلبث أن يكون في طرف يعيد إلى جانب شخص آخر)، والفكاهة بالتمثيل لها أهداف أخرى غير التسلية والضحك واطلاق المكبوت من اللاشعور ، منها :

التشجيع على قرض الشعر ، يقول جعفر الخليلي عن مجلس السيد (مير علي) نفسه (التفت إلى الجميع قائلاً – اشهد انه لا يليق بمثل هذه الفوضى التي جئتم بها غير بيت من شعر (الأبوذية) العام ، فمن منكم يجيز هذا الشطر :

(جماعتنه بأكلهم كسفونه)

فضحك الجميع وأجازوا البيت حتى جعلوه عشرين شطراً وليس ثلاثة شطور كما في القاعدة في نظم (الأبوذية) ، والتفت بكدمة ونتوء بحجم الجوزة تعلو جبينه من اثر الاصطدام … ولكن هل تغيّر وجهه ؟ هل تنكّر لجلسائه ؟ وهل قال شيئاً؟)()، ولكن ماذا كسب السيد (مير علي) غير التسلية والضحك ، فيجيب جعفر الخليلي (وشاع مجلس (الأربعاء) بأحاديثه وأدب (الصفوة) وشعرهم ، وظرفهم ومباذلهم في مجالس النجف ومنتدياتهم ، واصبح الاستقراء والاستنتاج والمساجلات في الشعر وتبادل النكات وابتكار الملح والفكاهة كشيء ملتصق بنادي السيد مير علي الأدبي أو باسمه على الأصح) ويرصد الخليلي نقدات لاذعات لعويص اللغة والمطالبة بتيسيرها ، لاحظ هذا الحوار الدرامي ، يقول الخليلي عن السيد رضا الهندي – وهو رجل دين له شأن في العلم والأدب – حين يزور مكتب الخليلي الصحفي في النجف آنذاك (فصار يجتهد في نقل ما وسع في ذهنه إلى ذهني من روائع الأدب … وارتفعت الكلفة فيما بيننا ، وأدرك اني لست من الذين يتخيلون للعظمة صورة خيالية بحتة متى تجردت منها لم يعد للعظمة معنى عندهم … وكان إذا دخل مكتب الجريدة وهو متعطش لشرب الشاي – وكان منهمكاً بالشاي كثيراً-نادى (انا شايان) (انا شايان) … واعترضه أول يوم سماعي لهذه الصيغة الغربية واستعماله كلمة (شايان) بقصد الشاي قال :

إذا حق لذاك الفقيه العجمي أن يستعمل هذا القياس في كلمات ابعد ما تكون معنى عن قياسي أنا ويصيب المرمى بها فكم بالحري أن يحق لي أنا استعمال هذا القياس في المعنى القريب) ، ويضيف الخليلي : (ولما سألته عن قصة الفقيه العجمي قال : هو فقيه عجمي لم يحسن غير اللغة العلمية الفصيحة وقد ضايقته بطنه ، وهو في السفينة مضايقة شديدة أرغمته على ان يطلب من الملاح الدنو من الساحل فنادى : (أيها الملاح ادن من الساحل فإنني أريد الخلاء … ولكن الملاح لم يفهم شيئاً مما يقول هذا الفقيه فعاد الشيخ ينادي مرة أخرى – أن أدن من الساحل فإنني أريد المرحاض فلم يفهم الملاح شيئاً ، وحينذاك سمع طفلاً في السفينة يبكي ويصبح (جوعان) ، ويكررها مرات صائحاً : جوعان ، جوعان ، فالتفت الشيخ الفقيه هنا وقال : الآن فهمت … أن القياس يجب أن يكون على (فعلان) ، فيا ملاح أنا زربان ، انا خريان ، أنا بولان … فضحك الملاح ومن كان في السفينة وفهموا ما يقول الشيخ)()، ويسوغ السيد رضا هذا الخروج اللغوي الصرفي بقوله : (إذا حق لهذا الشيخ ان يستعمل قياسه المغلوط على (فعلان) وقد استطاع الملاح أن يفهم مقصوده فكم بالأحرى أن تفهم أنت ويفهم الجميع قولي حين أقول أنا (جيان) واقصد بذلك أني شديد العطش لشرب الشاي)()، ولابد من أن أشير إلى دعوات عديدة طالبت بتيسيير قواعد اللغة العربية في العصر الحديث وتقديمها للطلبة سائغة مقبولة منها دعوة إبراهيم مصطفى العام 1951م من مصر، فإن دعوة السيد رضا الهندي إن لم تكن مناظرة كدعوة إبراهيم مصطفى فإنها صوت لا ينسى صدر العام 1943م ، مكتوباً – على توثيق الخليلي- من أجل تيسيير قواعد اللغة العربية وبأسلوب تمثيلي ساخر ، فالسخرية في التمثيل وسيلة لشد المشاهد الى العمل التمثيلي ومشاركته إياه ، كما يذكرنا ذلك باعتباطية اللغة لدى سوسير فاستعمل السيد رضا كلمة (چيان) (من جاء) للدلالة على معنى آخر هو الشديد العطش لشرب الشاي؟ فأيّ معانٍ عميقة جاءت بهذه الحكاية التمثيلية الساخرة على الرغم من قصرها؟

وتتطور الفكاهة المرتبطة بالتمثيل إلى مرحلة اكثر تصعيداً فتشمل الأزياء واستعمال الأدوات وتقمص لغة الآخر ، وهذه جزء من سينوغرافيا المسرح المعاصر ، يلتقط الخليلي مشكلة ، امرأة تستغيث من زوجها لا ينفك لأقل شيء ينهال على زوجته بالضرب المُبّرح وقد أدّى سلوكه مع أسرته إلى أن مات له طفل في عمر الرابعة بركلة واحدة من رجله ويصوّر الخليلي الأحداث على النحو الآتي.

(قال عباس الجبان – أتريد أن أخلّص المحلة والأهل من أسرته؟ قال :

لا اعرف ثواباً اكثر من هذا ، ولا عملاً صالحاً يفوق عملك اذا استطعت أن تفعل شيئاً ولكن ما عساك أن تفعل ؟ قال – لا تقل ما عساك … وما عليك إلاّ أنّ تحضر لي بذلة (الجندرمة) لألبسها ، كما لو كنت شرطياً من شرطة الحكومة العثمانية وسلّمني سوطاً من الجلد المضفور ، واتركني بعد ذلك وشأني)()، وبعد أن يُنفَّذ طلبات عباس الجبان وكان الشخص المضطهد لزوجته يسمّى حسناً فصاح عباس بلغة الجندرمة ولهجتها :

ولك حسينات ، بيزونك ابن جليب مال المعدان ، اتلع بره ، آني يريد يشوف أنتي شيسوين بالمريه مال إنتي كل يوم ، كل يوم)().

وهذه الجمل هي لهجة الأتراك والجندرمة وهي خليط من التركية والعامية الدارجة المكسرة يريد أن يقول له : (اخرج يا حسن يا كلب ويا بن الكلب لأرى كيف تعامل زوجتك كل يوم بالقسوة والعذاب)()، وبعد أن ألحّ عباس على حسن بدق الباب عليه وهو يعربد ويشتمه حتى خرج إليه حسن يرتجف لانه كان جباناً فطفق عباس يضربه ضرباً مُبّرحاً بالسوط وهو يصيح : (-ولك حسينات ، بعد يسوي قارش وارش؟ يبسط نساوين ؟ ولك بيزونك جلب مال معدان ، ويتخضع حسن ويقسم أنه لن يعود إلى مثل هذا ولا يكتفي الجبان بل يأخذه معه متظاهراً بأنه سيسجنه سنتين وسبعة شهور وثلاثة عشر يوماً… وهنالك بعد أن يجتاز به شارعين أو ثلاثة في طريقه إلى (السراي) يطلق سراحه بشروط ثقيلة على أن

لا يمس زوجته وأولاده أو أي أحدّ من ذويه بأيّ سوء ولو كان مخطئين ومذنبين … وكان كما أراد)() ـ وهذه الفكاهة المرتبطة بالتمثيل لا تعكس براعة الممثل الفطري عباس جبان فحسب ، بل تعكس الجانب الإنساني لعباس الجبان والبيئة ، التي نشأ فيها – النجف – الجزء الذي لا ينفصل عن العراق في النخوة والشهامة.

          ويتطور الصراع والحوار إلى العقدة التي تحتاج إلى الحل في الفكاهة المرتبطة بالتمثيل لدى عباس الجبان أيضاً:

يروي الخليلي أن عباس الجبان له الفضل من إنقاذ سفينة ملأى بالناس حينما داهمها قطاع طرق قرويون أيام العثمانيين إذ كان يكثر قطاع الطرق آنذاك فيلتجئ الناس إلى ما يسمى (بالميّسرين) وهم شخصيات من رجال دين أو من وجوه العشائر إذ يكون لهم وجاهة لدى قطاع الطرق فيعزفون عن التسليب وذات مرة أوقف قطاع الطرق سفينة كان فيها ناس كثيرون وعباس الجبان معهم مع رجل دين معمّم فاستنجد الناس برجل الدين المعمّّم ولما امتنع أن يمنع قطاع الطرق من التسليب ، فما كان من عباس الجبان ان يقفز بخفة ويختطف عمامة الرجل المعمّم ويلبسها() ويضيف الخليلي (ولعباس الجبان قيافة تستلفت النظر فقد كان بديناً ووقراً ومهيباً ولم يكد يخرج اليهم من السفينة حتى انكب اللصوص على يديه يقبلونها ويستميحونه العفو…)()، وبعد ذلك طلب اللصوص من عباس الجبان والناس والذين برفقته أن يضيفوهم لاسيما وهم مطلوبون للحسين () نذراً وهو خروف (فلم يحصل على من يقرأ له المأتم وقال إن الفرصة أتاحها الله لهم الآن ليتم إيفاء النذر فيها …!! وهنا وجم عباس الجبان … ماذا تراه فاعلاً ؟ أنه لم يعرف للآن شيئاً من مقتل الحسين ومن المراثي التي تقرأ … وإذ كان يجيد النغمة ويحسن تقليد مختلف القراءات بصوته الشجي الرخيم فإنه

لا يعرف ولا كلمة مما يقوله الخطباء ورجال المنابر في مناسبة قتل الحسين ،…. ولكن كان عليه أن … يستمر في تمثيل دوره إلى النهاية ، وإلاّ قُضي عليه وعلى ركاب السفينة)(). وهكذا اتجه الجبان مع أربعين شخصاً إلى بيوت قطاع الطرق (وهنالك جيء له بجاون ارتقاء بدلاً من المنبر ، وافتتح الكلام كما يفتح خطباء المآتم وشرع يقرأ مرثية من ابدع المراثي من حيث الوزن والنغمة والترتيل ، أما الكلم فلم يفهم منه شيئاً غير أسماء تمرّ في أثناء النغم والإنشاد فيبكي بسببها السامعون ، واكثر هذه الأسماء كانت تدور حول : كربلاء … والحسين ، والشمر، ويزيد ، والقتيل ، والمظلوم ، والعطشان ، والشهيد) ، وهكذا استطاع الجبان أن يبكيهم وان ينقذ الناس الذين برفقته بأسلوب فكاهي تمثيلي ولابد من الإشارة إلى أن ما عرض من أسلوب فكاهي تمثيلي في هذه المقالة هو غيض من فيض مما جاء في كتاب (هكذا عرفتهم) للخليلي  .

تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9