أخبارنا المسرحية

المشاركة على المواقع الأجتماعية

السبت، يونيو 04، 2016

«مسرح متحرر» لفكتور هوغو: معانٍ كبيرة في أعمال صغيرة / ابراهيم العريس

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يونيو 04, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

بعد عام تقريباً من رحيل الكاتب الفرنسي فكتور هوغو، في العام 1885، صدر في باريس كتاب يحمل توقيع الكاتب لم يكن قد صدر خلال حياته. كان عنوان الكتاب «مسرح متحرر». وإذا كانت ثمة مقولة تعتبر دائماً أن الاعمال الصغيرة والثانوية للكتاب الكبار، تكشف عادة عن «سر الصنعة» لديهم، وعن أفكارهم في شكل أكثر مباشرة مما تفعل أعمالهم الأساسية، فإن هذه المقولة تنطبق على هذا الكتاب الذي أتى ليضم في الأصل عدداً لا بأس به من الفصول المسرحية القصيرة، والفقرات الشعرية، والمسرحيات التي لم تكتمل. وكان من الواضح أن أياً من تلك النصوص لم يصل إلى خشبة المسرح، باستثناء نصّين هما «الجدة» و»هل سيأكلون؟». بل إنهما حين قدما، لمناسبة أو لأخرى، على الخشبة لم يثيرا أيّ اهتمام، واعتبرا من قبل النقاد مجرد تمرينين في الأسلوب لكاتب كبير. ولكن لاحقاً، حين قرئت هذه النصوص معاً، كشفت عن العديد من الأمور التي لم تكن واضحة من قبل كما سوف نرى.
 من ناحية مبدئية يمكن الإفتراض أن معظم نصوص هذا الكتاب كان قد كتب فيما كان صاحبه منفياً خلال فترة لاحقاً من حياته. ويمكن القول، بالتالي، إن هوغو حين كتب النصوص، حرر نفسه تماماً من أية ممارسات أو ضوابط مسرحية جدية. كان يكتب، كما يبدو، لمجرد الكتابة. ومن هنا عنوان «مسرح متحرر» الذي أُعطي للمجموعة، وما اتسمت به النصوص من غرائبية وبعض صرامة في الشكل والأسلوب. كما أن في وسعنا القول إن كثيراً من الملامح التي تسم هذه النصوص كان قد سبق أن رأيناها في أعمال لهوغو كتبت سابقاً، أو سنراها في أعمال ستكتب لاحقاً. ومع هذا، لن يكون من الإنصاف القول إننا هنا أمام «اسكتشات» تحضيرية. بل إنها أعمال معظمها مكتمل وتحمل أساليبها ومعانيها. أما من ناحية الإطار العام الذي وضعه الكاتب لهذه النصوص، فإنه يكشف عن تفضيله هنا للأنواع الأدبية الصغيرة واللحظات المفاجئة، المتراوحة بين حكايات الجن، التي كانت فائقة الشعبية في ذلك الحين، والحكايات العائلية والمواقف العاطفية ولحظات العيش القاسية. كان هوغو يكتب وكأنه يكتب لنفسه متخلصاً من عبء «الجمهور» الذي كان قد اعتاد أن يكتب له في السنوات السابقة حين كان كاتباً عاماً، يكتب لجمهوره في مسارح بورت سان - مارتان.
* على العكس، إذاً، من كل تلك «الجدية» البورجوازية التي كانت تسم كتاباته المسرحية السابقة، كان هوغو يكتب هنا نصوصاً حرة تماماً (ونفتح هنا هلالين لنقول إن في هذه النصوص ما يمكن أن يكون استباقاً لمسرح القسوة والمسرح السوريالي). ففي نصوص هذه المجموعة قد ترى الفراشة تتحاور مع زهرة الليك والعصفور الدوري مع قطرة الماء (كما في نص «الغابة المبتلة» التي يبدو من الواضح أن هوغو صاغها وهو يفكر في مسرحية شكسبير «حلم ليلة صيف»). في هذه المسرحية التي تلغي تماماً الحدود بين الشعر والمسرح، يواجهنا عالم غرائبي متكامل تثرثر فيه أغصان الشجر والزهور والهوام والحصى والحشرات والألوف المؤلفة من شعوب الغابة، وتغني مساعدة الحب على التفتح إذ يبدأ في الجمع بين كائنين بشريين. غير أن هذا العالم الطبيعي الخيالي، والذي يكاد يكون بيئوياً مبكراً، يترك المكان في نصوص أخرى، إلى عوالم أكثر واقعية حتى وإن كانت ستظل تحرص على الجمع بين الشعر والمسرح في بوتقة واحدة.
> وهكذا، على سبيل المثال نرانا، في مسرحيات مثل «أن تُحبّ» أو «عند تخوم الغابة»، أمام واحدة من موضوعات فكتور هوغو الأثيرة في عوالمه المعتادة: الحب. ففي مثل هاتين المسرحيتين نجدنا أمام الحب الخالص، الحب وهو يتكون وسط سعادة مطلقة، من دون معوقات تردع الحبيبين، أو واحداً منهما أحياناً. حيث يكون الانتصار لقوة الغرام المشترك، وقوة الطبعة التي تساهم فيه. غير أن الحب ليس وحده في الميدان هنا. ففي نصوص أخرى نرى هوغو يستخدم اللغة والشخصيات لإطلاق أفكار أثيرة لديه والتوقف عندها ملياً، متأملاً تأثيرها وفاعليتها. ولنأخذ هنا على سبيل المثال، النصّين المعنونين «الحثالة» و»الكآبة». هنا نجدنا أمام مجموعة من الكائنات البشرية التي يمكن أن نعتبرها من نوع الفلاسفة – المهرجين، والمفكرين والخرقاء. لكنهم من النوع الذي لا يفتح فمه إلا لينطق بالحكمة، حتى ولو بدا الكلام أول الأمر أخرق غير ذي معنى. إننا هنا مباشرة أمام ما يشبه القول المأثور: خذوا الحكمة من أفواه المجانين. لكنهم مجانين من النوع الذي يحبه هوغو ويفضله: المجانين الأنقياء من الداخل مهما كانت شوائبهم من الخارج. فهم أغنياء في دواخلهم إلى درجة يمكن معها مقارنتهم بالشخصية التي رسمها هوغو لدون سيزار في مسرحية «روي بلا». وفي هذا السياق نفسه لا بد من أن نشير إلى النص المعنون «السيف»، الذي لن يفوت قراء «العقوبات» و «أسطورة العصور» – وهما من مسرحيات هوغو الأساسية خارج إطار هذه المجموعة – أن يلاحظوا اندماجه في كل منهما في شكل مختلف. ومسرحية «السيف» تدور أحداثها في منطقة دالماسيا في القرن الثالث عشر، وهي على شاكلة حكاية شرف الفرسان ومغامراتهم، ترينا مجموعة من الشبان الغاضبين ينتفضون ضد طغيان حاكم ظالم في المنطقة.
> أما في مسرحية «الجدة» فإننا نبتعد من تلك المناخات كلياً، لنعود إلى المسرح الاجتماعي، حيث يسعى هوغو إلى التعبير عن الفضيلة والبراءة من خلال ثلاثة أطفال يتمكنون من التغلب على الكراهية التي تكاد تدمر جدّتهم، إذ تمارسها ضدّ أمهم وأبيهم. فالجدة لا تريد أن تسامح كنتها أبداً على كونها «اختطفت» منها ابنها، وأخذته لتعيش معه في مكان بعيد. وفي الإطار الإجتماعي نفسه، ولكن في مجال أكثر ارتقاءاً في المجتمع، تدور أحداث مسرحية «هل سيأكلون؟». وهي على رغم عنوانها البؤسوي نوعاً ما، مسرحية هزلية تتأرجح بين البعد الفلسفي والسخرية: ففي وسط أطلال مكان مغلق غير محدد، نجدنا أمام عاشقين يهربان من مطاردة ملك غيور لهما. لقد كان من شأنهما أن يموتا جوعاً لولا أن لصاً في المنطقة يبدي تجاههما من الاريحية والطيبة والكرم ما يحفظ لهما حياتهما وصحتهما، وحبهما بالتالي...
> على هذه الشاكلة إذاً، وضع فكتور هوغو في هذه النصوص القصيرة و «المتحررة»، مجموعة من الأفكار، وتفحّص العديد من القيم والأخلاق، لكنه، في طريقه، عرف كيف يرسم عدداً كبيراً من الشخصيات، التي وضعها هنا في قلب ما يمكننا اعتباره مختبراً فكرياً – مسرحياً حقيقياً. وضعها وراح يدرسها ويشرّحها، من دون أن يكون في باله على الأرجح، العزم على أن يعود ويستخدمها لاحقاً في نصوص سوف يكتبها. ومع هذا، كما أشرنا سابقاً، سنجد الكثير من عناصر هذه النصوص وشخصياتها، في عدد من الأعمال الكبيرة التي سيكتبها هوغو لاحقاً، بدءاً من «التأملات» وصولاً إلى «توركيمادا»، مروراً بـ «البؤساء» و»أسطورة العصور». وإذا كنا قد ذكرنا أول هذا الكلام أن فكتور هوغو كتب هذه النصوص خلال منفاه، لا بد لنا من أن نوضح هنا بعض الشيء حول هذا المنفى. فهو بدأ في العام 1851، وكاتبنا في الخمسين من عمره، حين رحل إلى بروكسيل إثر انقلاب الثاني من ديسمبر (كانون الاول) الذي قام به لوي – نابليون، وخلاله اتهم الكاتب هذا الأخير بالخيانة، وهو عاش في بروكسيل قبل أن ينتقل في العام التالي إلى جزيرة جيرسي مستقراً فيها مع عائلته ناشراً كتابه الساخر «نابوليون الصغير»: لكنه سرعان ما طُرد من جزيرة جيرسي بتهمة القذف والذم في حق الملكة فكتوريا، فانتقل إلى جزيرة غيرنيساي. وفي العام 1859 نجده يرفض عفو نابليون الثالث عنه، ويتجه للعيش في بلجيكا فيما كان يكتب «البؤساء»... وبعد ذلك سنراه مع عائلته، أو ما تبقى منها بعد موت زوجته ورحيل ابنته آديل إلى كندا حيث فقدت عقلها، سنراه في هوتفيل يواصل الكتابة حتى العام 1870، حين سقطت الإمبراطورية. وهو كتب النصوص التي نحن في صددها هنا، خلال تلك المرحلة الطويلة، لكنه آثر ألا ينشرها، حتى نشرت بعد رحيله، في العام 1885 حين أقيمت له جنازة وطنية.

---------------------
المصدر : الحياة 

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9