أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الجمعة، أبريل 22، 2016

الفكاهة بالتمثيل في كتاب هكذا عرفتهم لجعفر الخليلي / نجاح هادي كبة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

التمثيل في أبسط تعاريفه هو تقمص شخصية الآخرين في التعبير على لسان الشخوص بوساطة حكاية والاهتمام بالحوار والحبكة الدرامية ثم تعقد الحوار للوصول إلى الذروة ، فالحل ولابد من توافر المكان والزمان والحدث .

وفي كتاب (هكذا عرفتهم) حكايات فكاهية تأخذ أطرافاً من فن التمثيل التقطها المؤلف جعفر الخليلي من الرواية الشعبية أو ما وقعت عليه عيناه وأبطال تلك الحكايات يمثلها أناس فطريون تأتي الفكاهة والنكتة والمطايبة والمقالب على لسانهم كسجيّة وطبع لا تطبّع قد يكون أبطالها شعبيين او شيوخ دين فضلاء أو وجهاء تلك الفكاهة مرتبطة أشد الارتباط بالتمثيل وهي بمجموعها سيناريو تحتاج إلى مونتاج صائب لتعكس معادلاً موضوعياً لبيئة النجف التي يغلب عليها الطابع الديني والمتمرسة بالدراسات الإسلامية والعربية بجد ، ما يجعل تلك الفكاهة المرتبطة بالتمثيل تعبيراً عن المكبوت في الشخصية النجفية وتتصف تلك الحكايات الفكاهية المرتبطة بالتمثيل بلغة شعبية وأجواء محلية تسمع من طريقها كلمات مستملحة بتقبلها السامع ولتضحك الآخرين وهي جزء من سيناريو التفكه الذي منه وصف الشعر النجفي الخمرة والتغزل بالغلمان أو بالمرأة على سبيل التظرّف لا الواقع ، ويكون لمجالس الأدب والفقه دور في نشر الفكاهة والنكتة لاسيما حين تتعطل الدراسة الدينية في رمضان إذ تستمر المجالس من العشاء إلى السحر إذ يتقارض فيها الأدباء والشعراء ورجال الدين ما لذّ وطاب من الشعر والفقه والفكاهة ، يتحدث جعفر الخليلي عن أحد المجالس الأدبية النجفية ، فيقول (وطابت هذه المجالس … واقترحوا أن لا يتركوا دار السيد مير علي نهار الأربعاء مع من يتركها من بقية الزائرين … فإذا ما حان الظهر حمل كل فرد من هؤلاء الأصدقاء غذاءه الى بيت السيد مير علي ، ودعا هو بغذائه ، فكانت من كل ذلك مائدة واحدة، وقد أطلق على طائفة خاصة من هؤلاء الأصدقاء اسم (الصفوة) كان منهم الشيخ حسين الحلي والسيد علي بحر العلوم ، والشيخ محمد حسين المظفر و … وحرصت هذه الصفوة كل الحرص على أن تجعل من يوم الأربعاء بعد انصراف الزائرين يوم متعة ولذة ربما كانت تتجرد من قيود المجتمع ، ليواجه بعضها بعضاً بحقيقته وبذاته ومباذله ولم يكن هذا التجرد- غير الإفساح في المجال لأنفسهم فيضحكوا ما شاء لهم من الضحك) .

ثم يلتقط جعفر الخليلي بعين الكاميرا أدوار المجتمعين بالمجلس فيقول : (ليعلقوا على الأخبار الأدبية والمقاطيع الشعرية بما شاءت لهم الحرية والفكاهة ويعطوا لأنفسهم المتعة الكاملة في الأكل حتى وان جاءت هذه المتعة عند الصفوة عن طريق اختطاف اللقمة من فم صاحبها ، أو إسراع بانتزاع اللحم من الحساء وحرمان الآخرين منه ، أو بمهاجاة شعرية مستملحة مقبولة تتجاوز العشرات من أبيات الشعر المرتجلة الهازلة ، إلى غير ذلك من اللذة البريئة التي تنشدها نفوس وأدباء تعبوا على انفسهم بعض التعب ، وعلى هذا فقد يتغيّر مجلس الواحد من الصفوة عدة مرات ، فحين يكون إلى جانبك في هذه الدقيقة لا يلبث أن يكون في طرف يعيد إلى جانب شخص آخر)، والفكاهة بالتمثيل لها أهداف أخرى غير التسلية والضحك واطلاق المكبوت من اللاشعور ، منها :

التشجيع على قرض الشعر ، يقول جعفر الخليلي عن مجلس السيد (مير علي) نفسه (التفت إلى الجميع قائلاً – اشهد انه لا يليق بمثل هذه الفوضى التي جئتم بها غير بيت من شعر (الأبوذية) العام ، فمن منكم يجيز هذا الشطر :

(جماعتنه بأكلهم كسفونه)

فضحك الجميع وأجازوا البيت حتى جعلوه عشرين شطراً وليس ثلاثة شطور كما في القاعدة في نظم (الأبوذية) ، والتفت بكدمة ونتوء بحجم الجوزة تعلو جبينه من اثر الاصطدام … ولكن هل تغيّر وجهه ؟ هل تنكّر لجلسائه ؟ وهل قال شيئاً؟)()، ولكن ماذا كسب السيد (مير علي) غير التسلية والضحك ، فيجيب جعفر الخليلي (وشاع مجلس (الأربعاء) بأحاديثه وأدب (الصفوة) وشعرهم ، وظرفهم ومباذلهم في مجالس النجف ومنتدياتهم ، واصبح الاستقراء والاستنتاج والمساجلات في الشعر وتبادل النكات وابتكار الملح والفكاهة كشيء ملتصق بنادي السيد مير علي الأدبي أو باسمه على الأصح) ويرصد الخليلي نقدات لاذعات لعويص اللغة والمطالبة بتيسيرها ، لاحظ هذا الحوار الدرامي ، يقول الخليلي عن السيد رضا الهندي – وهو رجل دين له شأن في العلم والأدب – حين يزور مكتب الخليلي الصحفي في النجف آنذاك (فصار يجتهد في نقل ما وسع في ذهنه إلى ذهني من روائع الأدب … وارتفعت الكلفة فيما بيننا ، وأدرك اني لست من الذين يتخيلون للعظمة صورة خيالية بحتة متى تجردت منها لم يعد للعظمة معنى عندهم … وكان إذا دخل مكتب الجريدة وهو متعطش لشرب الشاي – وكان منهمكاً بالشاي كثيراً-نادى (انا شايان) (انا شايان) … واعترضه أول يوم سماعي لهذه الصيغة الغربية واستعماله كلمة (شايان) بقصد الشاي قال :

إذا حق لذاك الفقيه العجمي أن يستعمل هذا القياس في كلمات ابعد ما تكون معنى عن قياسي أنا ويصيب المرمى بها فكم بالحري أن يحق لي أنا استعمال هذا القياس في المعنى القريب) ، ويضيف الخليلي : (ولما سألته عن قصة الفقيه العجمي قال : هو فقيه عجمي لم يحسن غير اللغة العلمية الفصيحة وقد ضايقته بطنه ، وهو في السفينة مضايقة شديدة أرغمته على ان يطلب من الملاح الدنو من الساحل فنادى : (أيها الملاح ادن من الساحل فإنني أريد الخلاء … ولكن الملاح لم يفهم شيئاً مما يقول هذا الفقيه فعاد الشيخ ينادي مرة أخرى – أن أدن من الساحل فإنني أريد المرحاض فلم يفهم الملاح شيئاً ، وحينذاك سمع طفلاً في السفينة يبكي ويصبح (جوعان) ، ويكررها مرات صائحاً : جوعان ، جوعان ، فالتفت الشيخ الفقيه هنا وقال : الآن فهمت … أن القياس يجب أن يكون على (فعلان) ، فيا ملاح أنا زربان ، انا خريان ، أنا بولان … فضحك الملاح ومن كان في السفينة وفهموا ما يقول الشيخ)()، ويسوغ السيد رضا هذا الخروج اللغوي الصرفي بقوله : (إذا حق لهذا الشيخ ان يستعمل قياسه المغلوط على (فعلان) وقد استطاع الملاح أن يفهم مقصوده فكم بالأحرى أن تفهم أنت ويفهم الجميع قولي حين أقول أنا (جيان) واقصد بذلك أني شديد العطش لشرب الشاي)()، ولابد من أن أشير إلى دعوات عديدة طالبت بتيسيير قواعد اللغة العربية في العصر الحديث وتقديمها للطلبة سائغة مقبولة منها دعوة إبراهيم مصطفى العام 1951م من مصر، فإن دعوة السيد رضا الهندي إن لم تكن مناظرة كدعوة إبراهيم مصطفى فإنها صوت لا ينسى صدر العام 1943م ، مكتوباً – على توثيق الخليلي- من أجل تيسيير قواعد اللغة العربية وبأسلوب تمثيلي ساخر ، فالسخرية في التمثيل وسيلة لشد المشاهد الى العمل التمثيلي ومشاركته إياه ، كما يذكرنا ذلك باعتباطية اللغة لدى سوسير فاستعمل السيد رضا كلمة (چيان) (من جاء) للدلالة على معنى آخر هو الشديد العطش لشرب الشاي؟ فأيّ معانٍ عميقة جاءت بهذه الحكاية التمثيلية الساخرة على الرغم من قصرها؟

وتتطور الفكاهة المرتبطة بالتمثيل إلى مرحلة اكثر تصعيداً فتشمل الأزياء واستعمال الأدوات وتقمص لغة الآخر ، وهذه جزء من سينوغرافيا المسرح المعاصر ، يلتقط الخليلي مشكلة ، امرأة تستغيث من زوجها لا ينفك لأقل شيء ينهال على زوجته بالضرب المُبّرح وقد أدّى سلوكه مع أسرته إلى أن مات له طفل في عمر الرابعة بركلة واحدة من رجله ويصوّر الخليلي الأحداث على النحو الآتي.

(قال عباس الجبان – أتريد أن أخلّص المحلة والأهل من أسرته؟ قال :

لا اعرف ثواباً اكثر من هذا ، ولا عملاً صالحاً يفوق عملك اذا استطعت أن تفعل شيئاً ولكن ما عساك أن تفعل ؟ قال – لا تقل ما عساك … وما عليك إلاّ أنّ تحضر لي بذلة (الجندرمة) لألبسها ، كما لو كنت شرطياً من شرطة الحكومة العثمانية وسلّمني سوطاً من الجلد المضفور ، واتركني بعد ذلك وشأني)()، وبعد أن يُنفَّذ طلبات عباس الجبان وكان الشخص المضطهد لزوجته يسمّى حسناً فصاح عباس بلغة الجندرمة ولهجتها :

ولك حسينات ، بيزونك ابن جليب مال المعدان ، اتلع بره ، آني يريد يشوف أنتي شيسوين بالمريه مال إنتي كل يوم ، كل يوم)().

وهذه الجمل هي لهجة الأتراك والجندرمة وهي خليط من التركية والعامية الدارجة المكسرة يريد أن يقول له : (اخرج يا حسن يا كلب ويا بن الكلب لأرى كيف تعامل زوجتك كل يوم بالقسوة والعذاب)()، وبعد أن ألحّ عباس على حسن بدق الباب عليه وهو يعربد ويشتمه حتى خرج إليه حسن يرتجف لانه كان جباناً فطفق عباس يضربه ضرباً مُبّرحاً بالسوط وهو يصيح : (-ولك حسينات ، بعد يسوي قارش وارش؟ يبسط نساوين ؟ ولك بيزونك جلب مال معدان ، ويتخضع حسن ويقسم أنه لن يعود إلى مثل هذا ولا يكتفي الجبان بل يأخذه معه متظاهراً بأنه سيسجنه سنتين وسبعة شهور وثلاثة عشر يوماً… وهنالك بعد أن يجتاز به شارعين أو ثلاثة في طريقه إلى (السراي) يطلق سراحه بشروط ثقيلة على أن

لا يمس زوجته وأولاده أو أي أحدّ من ذويه بأيّ سوء ولو كان مخطئين ومذنبين … وكان كما أراد)() ـ وهذه الفكاهة المرتبطة بالتمثيل لا تعكس براعة الممثل الفطري عباس جبان فحسب ، بل تعكس الجانب الإنساني لعباس الجبان والبيئة ، التي نشأ فيها – النجف – الجزء الذي لا ينفصل عن العراق في النخوة والشهامة.

          ويتطور الصراع والحوار إلى العقدة التي تحتاج إلى الحل في الفكاهة المرتبطة بالتمثيل لدى عباس الجبان أيضاً:

يروي الخليلي أن عباس الجبان له الفضل من إنقاذ سفينة ملأى بالناس حينما داهمها قطاع طرق قرويون أيام العثمانيين إذ كان يكثر قطاع الطرق آنذاك فيلتجئ الناس إلى ما يسمى (بالميّسرين) وهم شخصيات من رجال دين أو من وجوه العشائر إذ يكون لهم وجاهة لدى قطاع الطرق فيعزفون عن التسليب وذات مرة أوقف قطاع الطرق سفينة كان فيها ناس كثيرون وعباس الجبان معهم مع رجل دين معمّم فاستنجد الناس برجل الدين المعمّّم ولما امتنع أن يمنع قطاع الطرق من التسليب ، فما كان من عباس الجبان ان يقفز بخفة ويختطف عمامة الرجل المعمّم ويلبسها() ويضيف الخليلي (ولعباس الجبان قيافة تستلفت النظر فقد كان بديناً ووقراً ومهيباً ولم يكد يخرج اليهم من السفينة حتى انكب اللصوص على يديه يقبلونها ويستميحونه العفو…)()، وبعد ذلك طلب اللصوص من عباس الجبان والناس والذين برفقته أن يضيفوهم لاسيما وهم مطلوبون للحسين () نذراً وهو خروف (فلم يحصل على من يقرأ له المأتم وقال إن الفرصة أتاحها الله لهم الآن ليتم إيفاء النذر فيها …!! وهنا وجم عباس الجبان … ماذا تراه فاعلاً ؟ أنه لم يعرف للآن شيئاً من مقتل الحسين ومن المراثي التي تقرأ … وإذ كان يجيد النغمة ويحسن تقليد مختلف القراءات بصوته الشجي الرخيم فإنه

لا يعرف ولا كلمة مما يقوله الخطباء ورجال المنابر في مناسبة قتل الحسين ،…. ولكن كان عليه أن … يستمر في تمثيل دوره إلى النهاية ، وإلاّ قُضي عليه وعلى ركاب السفينة)(). وهكذا اتجه الجبان مع أربعين شخصاً إلى بيوت قطاع الطرق (وهنالك جيء له بجاون ارتقاء بدلاً من المنبر ، وافتتح الكلام كما يفتح خطباء المآتم وشرع يقرأ مرثية من ابدع المراثي من حيث الوزن والنغمة والترتيل ، أما الكلم فلم يفهم منه شيئاً غير أسماء تمرّ في أثناء النغم والإنشاد فيبكي بسببها السامعون ، واكثر هذه الأسماء كانت تدور حول : كربلاء … والحسين ، والشمر، ويزيد ، والقتيل ، والمظلوم ، والعطشان ، والشهيد) ، وهكذا استطاع الجبان أن يبكيهم وان ينقذ الناس الذين برفقته بأسلوب فكاهي تمثيلي ولابد من الإشارة إلى أن ما عرض من أسلوب فكاهي تمثيلي في هذه المقالة هو غيض من فيض مما جاء في كتاب (هكذا عرفتهم) للخليلي  .

تابع القراءة→

التجريبُ في مسرحِ الشباب ... تجاربُ من المسرحِ العراقي / عامر صباح المرزوك

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

صاحبَ المسرحَ منذُ نشأتِه نزعةُ التجريب في أساليبِ التعبير ، وذلك من أجلِ طرحِ أفكارٍ جديدةٍ بأشكالٍ تسايرُ المتغيراتِ التي تطرأُ على المجتمع ، ولتطويرِ الاتصالِ تجاوزاً للحدودِ التقليدية ، ومما لاشكَّ فيه أن هذا التطورَ أدى بشكلٍ مباشرٍ إلى خلقِ آفاقٍ جديدةٍ أمامَ المسرحيين ، بإكتشافِ سبلٍ وأدواتٍ وإمكاناتٍ جديدةٍ في التجسيدِ الإبداعي والخلقِ الفني .
وعندما اخذ المسرحُ طابعاً تجريبياً ، اخذَ المخرجُ يشكلُ مفرداتِ العرضِ المسرحي فوقَ خشبةِ المسرحِ على وفقِ صياغاتٍ جديدةٍ تتماشى مع فعلِ التجريب، وبدأَ المخرجُ يقترحُ علينا شكلاً جديداً للعرضِ المسرحي ، وقدْ يكونُ التجريبُ الحقيقي الذي يعدُّ مادةً جاهزةً قابلةً للتشكيل ، شيئاً يتسمُ بالابتكارِ الجدي في العروضِ المسرحيةِ التي سيشتركُ فيها فيما بعدَ المتفرجون ، كي تصبحَ وثيقةً مسرحيةً حقيقية.
والتجريبُ كمفهومٍ نشأَ في نهايةِ القرنِ التاسعِ عشر وبداياتِ القرنِ العشرين ، وارتبطَ بمفهومِ الدراما الحديثة ، حيثُ ظهرَ التجريبُ في الفنونِ أولاً وعلى الأخصِّ في الرسم والنحت ، بعدَ أن تلاشَتْ آخرُ المدارسِ الجماليةِ التي تفرضُ قواعدَ ثابتةً ، وبعدَ أن تأثرتِ الحركةُ الفنيةُ بالتطورِ التقني الهائلِ في القرنِ العشرين وشهدَتْ نوعاً من البحثِ التجريبي في اتجاهِ الخروجِ عن المألوفِ والسائد ، وعربياً ، عُرِفَ التجريبُ في النصفِ الثاني من القرنِ العشرين عندَما بدأ الكتّابُ والمخرجون العربُ ينهجون في أعمالِهم نهجاً يخالفُ المسرحَ التقليدي الذي ساروا عليه منذُ نشأةِ المسرحِ العربي . 
وما يزال ُهذا العنصرُ الفعالُ _ التجريب _ في تاريخِ المسرح فاعلاً وجوهرياً في واقعِه المعاصر ، حيثُ شهدَ المسرحُ العربيُّ المعاصرُ انتقالاتٍ جوهريةً في ميدانِ (التجريب) من خلالِ بلورةِ هذا المفهومِ على صعيدِ البنى الفكريةِ والتطبيقيةِ لجملةٍ من النتاجاتِ المسرحيةِ التي قُدِّرَ لها ان تكونَ انموذجاً متفرداً من حيثُ الصياغةُ التجريبية ، والبحثُ عن الدلالاتِ المعرفيةِ التي يلزمُ المخرجَ بتقديمِ تجاربَ فاعلةٍ على مستوى الشكل والمضمون ، لا سيما وان صورَ التجريبِ كانَتْ تأخذُ مدياتٍ تحديثيةً واسعة .
ومن خلالِ مِهْرجانِ القاهرةِ الدولي للمسرحِ التجريبي في دوراتِه الثلاث الأولى ، تم تحديدُ معنى التجريبِ باتفاقِ أكثرَ من أربعينَ شخصاً من مسرحيي العالمِ والوطنِ العربيِ ، ويمكُننا أن نستخلصَ بعضَ التعاريف :
_ التجريبُ هو التمردُ على القواعدِ الثابتة .
_ التجريبُ مرتبطٌ بالديمقراطيةِ وحريةِ التعبير .
_ كلُّ مسرحيةٍ تتضمنُ نوعاً من التجريب .
_ التجريبُ مرتبطٌ بتقنيةِ العرض .
_ التجريبُ ابداع .
_ التجريبُ تجاوزٌ للركود .
_ التجريبُ انفتاحٌ على ثقافاتِ الآخرين .
_ التجريبُ عمليةٌ معملية .
_ التجريبُ مرتبطٌ بالمجتمع .
_ التجريبُ ثورة .
ويُعرّفُ الباحثُ التجريبَ تعريفاً إجرائياً على أنَّه (فعلٌ يهدفُ إلى استحداثِ رؤى تغايرُ وتخالفُ الرؤى التقليديةَ الأرسطوية عن طريقِ كسرِ المألوفِ في المسرحِ وتهشيمِ الزمانِ والمكانِ والبناءِ الأرسطوي ، والخروجِ عن السياقاتِ الفنيةِ السلفيةِ في العرضِ المسرحيِ التي تقومُ على النظرياتِ الجماليةِ القائمةِ على الشكلِ والمضمون) . 
يثيرُ مفهومُ التجريبِ في المسرح ِالعراقي إشكاليةً لا يمكنُ تغافُلها ، وهذا يتأتى من خلالِ النظرِ إلى الكثيرِ من هذه التجاربِ التي شهدَها المسرح العراقي ، على أنَّها عروضٌ خرجَتْ على المألوفِ والمواضعات المسرحيةِ المتعارفِ عليها ، وسارَ عليها المسرحيون ردحاً من الزمن ، وهذه الاشكاليةُ تجسدَتْ في اغلبِ عروضِ مسرح الشباب ، لما يحملُه هذه المصطلحُ من غموضٍ ، وعدمِ اتفاقٍ نهائي من قبلِ المتخصصين بالشأنِ المسرحي ، وهذا بدورِه انعكسِ على ما قُدمَ من عروضٍ مسرحيةٍ شبابيةٍ على صعيدِ المسرحِ العراقي .
وتتحددُ عينةُ الدراسةِ من العروضِ المسرحيةِ التجريبيةِ الشبابيةِ العراقية ، وتمَّ الاشتغالُ على محورين ، الاول : التجريبُ في النصِ المسرحي متمثلاً بتجربةِ المؤلفِ الدكتور شاكر عبد العظيم ، والثاني : التجريبُ في العرضِ المسرحي متمثلاً بتجربةِ المخرجِ عباس رهك . 

التجريبُ في النصِ المسرحي .. تجاربُ الدكتور شاكر عبد العظيم*

تعتمدُ تجربةُ المؤلف الدكتور شاكر عبد العظيم في المغايرةِ النصيةِ على مجموعةٍ من المنطلقاتِ التي تحاولُ أَنْ تؤسسَ لإيجادِ نصٍ مسرحي مغاير ، تلك المنطلقاتُ تنبثقُ من تداخلِ وتماهي (عرضٍ مسرحي نصي) ، بمحتوياتٍ ملونةٍ تحضرُ فيها أمامَ القارئ/المشاهد آليات الكتابةُ النصيةُ ومركباتُها ، وتلك المحتوياتُ تقعُ ضمنَ منطلقاتِ تأسيسِ النصِّ المغاير ، ومن هذه المنطلقاتِ التجريبية : 
_ ان يكونَ المؤلفُ حاضراً بأدواتِه الكتابيةِ عبرَ مخاطبةٍ مباشرةٍ مع القارئ/المشاهد، فالحديثُ موجهٌ له بشكلٍ مباشرٍ من أجلِ تفعيلِ مشاركتِه في تأسيسِ النصِ بلحظةِ القراءةِ الآنيةِ ، وليسَ فيما بعد اعتماداً على تنوعِ مرجعياتِ كلِّ قارئ .
_ تعمدَ ان يكونَ النصُّ ناقصاً ، وان تكونَ بعضٌ من مفرداتِه ناقصة ، وأحياناً ليسَ ثمة تعمد ، بل الاعتمادُ الكلي على عمليةِ انسيابِ كتابيةٍ تؤسسُ لنفسِها فضائَها الخاصَّ بها دونَ تدخلِ الكاتبِ مع اعلانِ ما يدورُ في خلدِ الكاتب ، فمثلاً يصلُ الكاتبُ إلى رحلةٍ لا يملكُ شيئاً يكتبُه ، وهنا يعلمُ القارئُ انّه لا يملكُ شيئاً ، فليسَ الكاتبُ كائناً فضائياً أو خارقاً يمتلكُ كلَّ شيء ، وبذلك يأتي دورُ القارئ/المشاهد للأخذِ بزمامِ المبادرةِ والتكوينِ والتأليف .
_ مفردةُ القارئ/المشاهد متأتيةٌ من ضرورةِ ما يطمحُ إليه المؤلفُ في نصِّ المغايرة، لانّ النصَّ ساحةُ عرضٍ/خشبةُ مسرح ورقيةٌ تسعى لتقديمِ عرضٍ مسرحي داخلَ النصِّ وفقَ ما جاءَ في نصِ مسرحيةِ (باسوورد) ، وهو جزءٌ من بيانٍ تضمن : (لقد قمتُ بصياغةِ عرضِ (مونودراما) ، مونودراما تمثلُ أولى خطواتي العمليةِ في تجسيدِ الفكرةِ التي كنتُ (ولا أزال) أرنو إليها وهي تقديمُ العرضِ المسرحي داخلَ النصَ المسرحي نفسَه ، ومن ثم يمكنُ نقلُه الى خشبةِ المسرح) .
_ يقتضي وجودُ المؤلفِ الذي يكتبُ النص ، فـ(أليس) المؤلفُ هو كاتب النص؟؟ فلماذا لا يكونُ حاضراً متى ما تطلبَ الأمرُ ذلك ، فهو يحضرُ في الكثيرِ من النصوص لكنَّه يغيبُ في بعضِها .
_ في نصِ المغايرةِ الجديدِ تحضرُ بعضُ الأجناسِ الأدبية ، فهناك القصيدةُ الشعريةُ التي ربما لا تكونُ ضمنَ نسيجِ الأحداثِ ، وكذلك الحكايةُ والحكاية الشعبية والأغنيةُ والقصةُ القصيرةُ جداً والخبرُ الصحفي ، وهو ما يمنحُ القارئَ بُعْداً معرفياً وترويحياً جاذباً وداعماً لفعلِ القراءة .
_ حضورُ رؤياه الإخراجيةِ إثناءَ تعميرِ النصِّ وتركيبهِ ، مع فتحِ البابِ امامَ ايِّ مخرجٍ في تركيبِ النصِ وفقَ مخيالهِ ومخيلتهِ ورؤياه ، فهو اي (نصي المسرحي)، يلتقي فيه المؤلفُ انا والمخرجُ انا والناقدُ انا والمغني انا والحاكي ، مع المؤلف هو والمخرج هو (قارئٌ أو مخرجٌ أو ممثلٌ أو ناقدٌ) ، نصي المسرحي _ بحسب رؤية شاكر عبد العظيم _ ليس عمليةَ خطابٍ لمتلقي ، بل هو خطابٌ إزاءَ خطاب ، خطابي انا إزاءَ خطاب قارئٌ سيؤسسُه القارئُ اثناءَ عمليةِ القراءة ، فهو ليسَ عمليةَ تواصلٍ وانقطاعٍ بل هو خطابٌ يتأسسُ بالفعل ، وهو خطابٌ لخطابٍ آخر، ونصي المسرحي لا يعتدُّ كثيراً بالتلقي بل يعتدُّ كثيراً بالتخاطب ، القارئُ فاعل ، فهو اقامةُ حوارٍ مباشرٍ ينقطعُ بنهايةِ القراءة ، وكلُّ قراءةٍ أخرى هي بدايةُ تخاطبِ وترميمِ هذا التخاطبِ اثناء فعلِ القراءةِ ، المشاهدةِ ، التكوينِ النصي. 
ــ ليس هنالك من مرجعياتٍ للنصوصِ التي كتبها عبد العظيم ، وهي محاولةٌ للإطاحة بكلِّ النصوصِ السابقةِ المألوفةِ من أرسطو الى ما بعدَ آبسن ، فثمةُ تشظياتٌ ، وغيابٌ للحبكة ، وغيابٌ للموضوعِ احياناً ، وتدميرٌ للصورة ، وإحياءٌ لها في أحيانٍ أخرى ، ثمةُ فوضويةٌ ماثلةٌ تنطلقُ من فوضويةِ العالمِ الراهنِ وعدم ترابطه ، حضور للمتناقضات ، حضور للممل والضجر، حضور للجميع (المؤلف والقارئ والشخصيات والتاريخ والحاضر والأدب والفن ككل) مسؤول عما حدث ويحدث .
ــ في النصِّ المغايرِ استبدالاتٌ كثيرةٌ لبعضِ مألوفاتِ النصِّ الخاصةِ بالشكل ، فالملاحظةُ لا تكتبُ بشكلٍ اعتباطي ، بلْ يشارُ لها كملاحظةٍ واجبةٍ الاشتغال ، وبعضُ الملاحظاتِ يشارُ الى اهميتهِا البسيطةِ بكونهِا خاضعةٌ لذهنيةِ القارئِ أو المخرجِ وبعضِ الملاحظاتِ يكتبُها ويشكلُها القارئُ نفسُه وهو مخيرٌ بتشكيلِها ، ثم استبدالِ بعضِ الأشياءِ في النصِ من ناحيةٍ كمفردة (تأليف) وهذه المفردةُ في النصِ الخاصِ به تخضعُ لمحتوى النصِّ في تشكلهِا ، فاستبدلتْ في كلِّ النصوصِ وتحولتْ إلى (مقترحاتٍ ، تشكيلٍ نصي ، سيناريو ، فضاءاتٍ مسرحيةٍ مقترحة ، نص ) وهكذا ، ثم هنالك غيابٌ لمفردةِ (اظلام) أو مفردة (دم) أو (ختام) التي نجدُها مألوفةً في النصوصِ المسرحيةِ ، وحلَّتْ محلَّها مفرداتُ (قطع ، نهاية ، نهاية المشهدِ أو الفصل ، نهايةُ المسرحية ، نهايةُ اللوحات) لنقترب من حضورِ تشكيلِ النصِّ الدرامي التلفزيوني أو السيناريو السينمائي ، وهو لغرضِ التجديدِ في شكلِ النصِّ وروحيتهِ القرائية .


وقد يتبادرُ إلى الذهنِ سؤال : ما الداعي لنقلِ العرضِ إلى الورقِ وليسَ نقلُ النصِّ الى الخشبة؟ 
والجواب ، هي عمليةُ بحثٍ عما يناسبُ عالمُنا الصوري الحالي عالمُ ما بعدَ الحداثةِ الذي يعتمدُ نصاً سطحياً ، ويبتعدُ عن العمق ، وتلك اهمُّ ترسيماتِ ما بعد الحداثةِ التي جاءَتْ في طروحاتِ الفيلسوف الفرنسي ( بودريارد) ، وكذلك الفرنسي (فرانسوا ليوتار) ، وتفكيكيةِ (جاك دريدا) الساعيةِ إلى تشظياتٍ في المعنى والمكتوبِ ، وتوالداتٍ نصيةٍ غيرِ منتهيةٍ يشكلُها القارئ ، ثمَّ انَّ المغايرةَ تدعو إلى البحثِ عن سبلٍ جديدةٍ جاذبةٍ تحركُ ذائقةَ وذهنيةَ المتلقي ، وتثيرُ جمالياتِ عبرِ حراكِ الإطاحةِ بالمألوف ، فيكونُ نصُّ المغايرةِ في النصوصِ التي تكتبُ مثارَ تساؤلٍ وابتكار ، ولدت هذه النصوص من الإنسانِ لتذهب إلى الانسانِ ، بلا محيطاتٍ معينةٍ حولَها ، تذهبُ هكذا بتجردٍ عالٍ من ايَّ ارتباطٍ سوى الانسانيةِ وحسب .

التجريبُ في العرضِ المسرحي .. تجاربُ المخرج عباس رهك*

اتسمَتْ تجربةُ المخرجِ الشاب عباس رهك بتقديمِ تجاربَ مسرحيةٍ اتخذَتْ من المكانِ سمةً للتجريبِ المسرحي ، وهذا ما نتلمسهُ في اغلبِ عروضهِ المسرحية ، فهو يقدمُ افكارهَ ورؤاه المسرحيةَ مبنيةً على هندسةِ المكانِ الذي يقدمُ فيه تجاربهَ ، وهو بذلك يشاكسُ التقليدَ والروتين ، وينفتحُ على اماكنَ جديدةٍ لم يألفْها مسرحُنا الحلي من قبل ، وهذا ما يحسبُ له فنياً وفكرياً . 
اتخذَ المخرجُ رهك من (بورسيبا) ** مكاناً ليقدمَ فيه مسرحيتهَ (كشكول حضاري) لما يحملهُ هذا المكانُ من عمقٍ تاريخي وحضاري عريق ، وهنا وظفَ المخرج امكانات المكانِ بعمقهِ وسعتهِ ودلالته ليجعلَها تخدمُ عرضهَ المسرحي ، فاخذَ الممثلون يتوزعون بشكلٍ مختلفٍ على وفق ِالمستويات التي يحملُها المكان ، وهذا بدورهِ جعلَ المتلقين ايضاً يتوزعون بشكلٍ غيرِ منتظمٍ وعلى مسافاتٍ مكانيةٍ مختلفةٍ مما خدمَ العرضَ المسرحي ككل .
اما في مسرحية (مغامرة كونية) انتقلَ بنا المخرجُ إلى مكانٍ مغايرٍ آخر ألاَ وهو (محطة قطار) ليجعله مكاناً لعرضِه المسرحي بما فيه من مكوناتٍ معماريةٍ ومحتويات : العربات ، حاويات القطار ، مصطبات الجلوس ، اعمدة الاشارة الضوئية ، اسطح البنايات ، سكك الحديد ...الخ) ، ليجعلَ من كلِّ هذه المفرداتِ فضاءً مسرحياً موظفاً عدداً من سائقي القطار والموظفين . 
وفي مسرحيةِ (اقنعةٌ تحتَ الحمراء) اتخذَ من شاطئِ نهرِ الحلةِ مكاناً ليعرضَ فيه تجربتهَ الجديدة ، ليثبتَ لنا انهَّ منفلتٌ من قيودِ مسرحِ العلبة ، ومن الاماكنِ التقليديةِ التي اعتدنْا الحضورَ فيها لمشاهدةِ العروضِ المسرحيةِ داخلَ اروقةِ المسارح بشتى اختلافاتها . 
إذ يمكُنناَ ان نسجلَ مجموعةً من المنطلقاتِ التجريبيةِ التي تجسدتْ في تجربةِ المخرج الشاب عباس رهك ، وكالاتي :
_ عملَ المخرجُ على وفقِ مبدأِ المغايرةِ والاختلاف ، لتحقيقِ عنصرِ المفاجأةِ في العرضِ المسرحي .
_ يعمدُ المخرج رهك في التجريبِ على تفعيلِ كلِّ فضاءِ العرضِ المسرحي ، لقتلِ السأمِ والمللِ المتولدِ من التكرارِ والثباتِ ، فضلاً عن استخدام الفضاءِ استخداماً واضحاً فهو يعمدُ إلى تشكيلِ الصورةِ المسرحيةِ انطلاقاً من مكانِ العرض ، فالمكانُ هو المحددُ الرئيسُ لصورةِ العرض .
_ أنطلقَ المخرجُ في تركيبِ ماهيةِ العرضِ التجريبي على وفقِ رؤيةٍ يطرحُها تعبرُ عن أفكارهِ المتلائمةِ مع فكرة النص . 
_ اتسمَتْ اعمالُه المسرحيةُ بكثرةِ الممثلين وبمستوياتٍ متفاوتة ، موظفاً عمالاً وشرطةً وسائقي قطار وطلبةً وجمهوراً من عامةِ الناس ، مما جعلَ الاداء التمثيلي يتسمُ بالفطرةِ بعيداً عن التقمص . 
_ ابتعَدتِ الازياءُ المسرحيةُ عن الواقعيةِ بتنوعِها داخلِ منظومةِ كلَّ عرضٍ مسرحي، وعلى سبيلِ المثالِ جاءَتْ : بدائية ، حديثة ، غواصين ، زي عربي ، ازياء بالوانٍ براقة .
_ جاءَ التلقي من زوايا واماكنَ ومستوياتٍ مختلفةٍ لما يفرضهُ مكانُ العرضِ بسعتهِ وانفتاحهِ جلوساً ووقوفاً ، واحياناً من اسطحِ المباني والبيوت ، وهو يقتربُ في ذلك من تنظيراتِ (ريتشارد ششنر) في تلقي المسرحِ البيئي . 
_ تنوعت الموسيقى بينَ المحليةِ الشعبيةِ وبين العالميةِ وبينَ الاوبرا .
_ استخدامُ مؤثراتٍ طبيعيةٍ كالنارِ والترابِ والالعابِ الناريةِ والمتفرجاتِ وغيرها .
وأخيراً ، أن الساحةَ المسرحيةَ العراقيةَ تضمُّ كماً هائلاً من الأعمالِ المسرحيةِ التجريبيةِ الشبابيةِ التي شاركَتْ في مهرجاناتٍ مسرحيةٍ عالميةٍ وعربيةٍ ومحلية ، وحصدَتْ جوائزَ وشهاداتٍ تقديرية ، فلا يتسنى للباحثِ دراستُها لسعتِها واستمراريتِها ، لانَّ التجريبَ المسرحي مستمرٌ في البحثِ عما هو جديد . 

------------------------------------
المصدر :كلية الفنون الجميلة بابل 
تابع القراءة→

مسرحية "ليلة مع الحسين "

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

الفن الحي هو ذلك الذي يتبنى قضية الإنسان والحضارة وربط هذا الانموذج بمفردات الحياة والخلود والبقاء ، حتى يصبح الفن غذاء روحيا ، وهنا قد تتوازى مهمة هذا الإبداع الفني الإنساني مع مهمة الرسالات السماوية التي بشرت بالحياة وسعادة نهايتها في سلوك الطريق المثالي للأخلاق والعمل والسعي في مناكبها.هذه المنطلقات شخصّتْ أمامي وأنا عشت في يوم ما أجواء مسرحية (ليلة مع الحسين) تأليف طالب خيون وإخراج زيدون داخل ومن بطولة الممثل المبدع ضياء الساعدي والتي مثلت الصراع الخارجي في أوج توهجه ، لان الخير وقيم الحق حينما تحل بالإنسان سيكون مستهدفا من قبل القوى التي تميل إلى فوضى الحياة والخروج على نواميسها ، وهكذا ارتكزت المسرحية على ثنائية الخير والشر ، فالحر رمز تاريخي غادر زمنيته وأصبح جدالا فكريا مستمرا يتواصل معه المتلقي بمقابل الشمر الذي يمثل صراع الشر في ثورة مازالت مشروعا دائم الثراء للاستثمار ، وهي ثورة الحسين (عليه السلام) ، لذا حاول المؤلف بلورة الفكرة من خلال رسم حالات الصراع بإبعادها الثلاثة المادية والاجتماعية والنفسية ، بحيث اظهر التفاعل بين الشخصيات المعاصرة ،والاخرى الغائصة في أعماق التاريخ ، فالحسين (عليه السلام) هو الإطار التاريخي العام ، و هناك موصلات بين الصراع داخل الشخصية المعاصرة عبرت عنها شاشة بيضاء بينت للشخصية (الممثل)أن يكون أمام خيارين وهما خيار الاندماج في الجموع المهرولة باتجاه الحسين(ع) في كربلاء بإيحاءات كأنما الحسين(ع) ينتظر هذه الجموع عند مشارف المدينة وهي حالة صراع داخل أي إنسان يتجه صوب كربلاء .. والخيار الثاني هو أن يمثل الشبيه في معركة الطف واعتمد الكاتب صراعا آخر بإيجاد بذلتين : الأولى للحر والثانية للشمر واستثمر الكتل اللونية باعتمادها دوالا أخرى لاستمالة المشاهد وتمسكه بالانموذج الذي يحاول الكاتب إبرازه وكان جهد الإخراج واضحا في هذا الجانب وأضاف مسحة جديدة مغايرة للتفريق بين الشخصية التاريخية والأخرى المعاصرة ، بان فخخ بذلة الحر فـ(العبوات لا توضع إلا في ثنايا المبجلين) وترك بذلة الشمر .. وهنا تبدأ الثيمة تتبلور بين المؤلف وبين مسارات الإخراج واعتمد عنصر الحوار الدرامي الذي يشمل الإشارات والعلامات ، وهكذا أظهرت مسرحية (ليلة مع الحسين) قدرة المسرح العراقي على التواصل واستيعاب حالة المعاصرة باستثمار التاريخ من جوانبه المشرقة وحملت المسرحية روح المغايرة والجدة واسترداد المعاني التي تسكن أعماق التاريخ بمساعدة تقنيات الإضاءة التي تولى مسؤوليتها الشاعر أمير ناصر وكانت الإدارة الناجحة للأستاذ حيدر عبد الله لها دور في تنظيم العمل وتوجيهه ولا ننسى دور الشخصيتين الثانويتين ومثل دورهما الأستاذان علي هاشم وعباس اكليف وكانتا بمثابة الأجزاء المكملة للعمل ، لان المسرحية بنيت على الميلودراما .. ومن هنا نقول : (في أي مجتمع توجد اختيارات مطروحة والذي يكون مقبولا اجتماعيا ولا يتعرض لأذى أو ازدراء أو عقاب مجتمعه هو ذلك الإنسان الذي ينتقي كل اختياراته التي يطرحها ذلك المجتمع الذي يعيش فيه) ، وهكذا تكون الاختيارات المطروحة اجتماعيا هي في محل تحريك من قبل الفنان المبدع ، حتى أن علماء النفس طرحوا ثلاث نماذج يهمنا النموذج الثالث منها والذي يقول أن الذين يعملون بتسريع تطور المجتمع بانتقاء الأفضل المطروح اجتماعيا والبحث عن البديل الملائم ، المشروط بهذه الملاءمة لحركة المجتمع الموضوعية ، فهولاء هم الفنانون المبدعون في التوسط بين المقبول اجتماعيا والبديل الذي بحث عنه في مسارات الجهد المضني ، لأجل تنقية الذات صعودا نحو المثال المقتدى وارى ان الكاتب طالب خيون قد حمل هذا القلق والتوتر بين المطروح اجتماعيا وبين الغوص في البحث عن البديل وحاول إيجاد تبريرات تقترب من المواءمة بينهما وبدى متلهفا في المزاوجة ، بحيث حفز الكل باتجاه هذا الصراع المخرج والممثل والمتلقي أن يكون الاختيار كحالة متميزة بحيث اشتركت أشياء المسرح الأخرى لإجلاء جوانب الفكرة دون تكلف ، وفي حكم المؤكد حينما تحضر كامل التقنيات المسرحية ويكون الاستعداد والأجواء ملائمة ستكون مسرحية (ليلة مع الحسين)نقطة مضيئة في تاريخ مسرح مدينة الشطرة ضمن حركة المسرح العراقي والتي تتضافر الجهود الآن لينهض المسرح من جديد في العراق ، مستفيدا من أجواء التغييرات السياسية الحديثة بعد سقوط الصنم في 2003 باتجاه بناء منظومة فكرية تقبل بالآخر وتميل نحو بناء دولة مؤسساتية لا تستثني احدا من أبنائها وعلى أساس مبدأ الحقوق والواجبات وهو البديل الذي يسكن أعماق وإرهاص أي مثقف عراقي ..

---------------------------------------
المصدر : وجدان عبد العزيز - الصباح  

تابع القراءة→

الخميس، أبريل 21، 2016

عتمة الموت.. مرايا الخيانة.."حصان الدم".. احتراف الرؤيا بـ"فطنة السينوغرافيا" / حسن عبدالحميد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 21, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

يرتمي المخرج والسينوغرافي جبار جودي العبودي-طوعاً- في أحضان أبهة الجمال الشكسبيري وفق منطلقات توليديّة لروح نص كبير ومُتحدّ مع بهاء تلك الروح التائقة إلى نبذ صدأ السلطة ولا جدوى اللهاث في نزق الحفاظ على كراسي اللعنة،وعدم الكف عن ترديد صلف عبارة؛(على العُلا حتى ... ولو على الخازوق) والزهو بها،حتى وأن كان خاتمة النهاية قبولاً جائراً بالموت تلّذذاً وتشفيّاً أحمق من حيث تقابلات الحياة في مرآيا الوجود،إذا ما قبلنا بمبدأ(غوته) كما في مسرحيّة(فاوست)من أن؛(الفعل هو بدايةً الوجود) بمعزل عن سطوة النفي لمفاهيم (ديكارت) السابقة حيال تقديم الفكر على مآثر الفعل.
بهذا الإنزياح الفعلي يقيم جبار جودي معاملات إرتباطه العملي في مسرحية(حصان الدم)والتي شاء عرضها ليومين-فقط- في بغداد (9 و10 شباط الماضي) على خشبة المسرح الوطني،تمهيداً وثناءً لعرضها في العاصمة تونس ضمن مهرجان(علي بن عيّاد) المسرحي بمناسبة مرور(400) عام على وفاة(وليم شكسبير)للفترة من 12-19  شباط/2016،حين فوضّ مهام ذلك الإنزياح إلى جماليات تعبيرٍ بارعٍ عبر(السينوغرافيا)وحريّة تعميد الصورة المشهديّة للفعل التجسيدي والبلاغي بينابيع معرفة خصبة،ومراسِ تراكمٍ بث شفراتٍ وتورٍيد علامات مُقترحة كبدائل تحديثية-معاصرة لذات الموضوعة التأريخية التي قام ب(فلترتها) النابغة شكسبير في رائعته(ماكبث)،مستخلصاً إعادة دورة أثر مفعول مسحوق وأكسير التعّطش لدس الخيانة وشرائر القتل والتسبيح بالموت سبيلاً للفوز والطمع والشراهة المُدعمة بالمكر والتخابث،فليس أبلغ من عبارة؛(ليس العبرة في أن تكون ملكاً ... بل العبرةُ أن تكون آمناً) في تثوير لغة الإختصار المُستل- ثقةً ومسعى-من بلاغة المتن الشكسبيري البالغ الكثافة،الوافر المعنى والفائق التأثير،لصالح تطويع جملةً من أفكارٍ وتراكمات تحذيريّة،تتيح إستخدام المُمكن والمحكوم كمداخل وتذكيرات لأصل النص كاملاً في ثنايا الذائقة الجمعيّة والدراسة التبصيريّة لذلك العمل التأريخي المُذهل،وزهو تقابل الرؤية الإحترافية لدى معدُ ومخرج وواضع سينوغرافيا(حصان الدم)،ورهان بلّورة رؤاه و وتحريك جمالياته مع تماثلات مهارة إختيارٍ دقيقٍ وحاذق لمجسدي عرضه التحدثي جملةً وتفصيلاً(أياد الطائي)و(آلأء نجم) إلى جانب تجاذب براعة وحنكة حضور وتنامي ضيوف الشرف(رياض شهيد)و(حيدر منعثر)و(زياد الهلالي)،ومعاضدة عمل الدراما-تورج (د.يوسف رشيد)،بما زاد من متانة  العزف على إيقاع الفعل وحفول الحركة بليونة الإنضباط وإتزان الخبرة ونصوع تفهماتهم لجوهر المغامرة التي أقدم عليها جودي في تقليب جمرات وعيه في مواقد الفهم الأمثل للبحث والحفر والإمتثال لمعنى قيمة التجديد والتصدي الخاص لخوالص نصوص عالميّة،كانت قد تعرّضت لعشرات،بل،لمئات المناورات التجريبيّة،فضلاً عن كونها أضحت مثابات ومفتتحات تنظيريّة ومديات فكريّة وملاحم تأريخيّة في عُتق ونشوة التفكير الحيّ والحيوي في حياة المسرح،وفي عموم بلدان العالم.لعل هذا هو ما يشدّ ويثني على مهارة وجودة المغامرة،التي خاض غمارها(جبار جودي)-منذ عدة سنوات-وعاد اليوم ليعيد تشكيل منظومة توليديّة أخرى من رحم ما أستقى منها -من قبل- بغية تجديد ما أستنفد،وما لم يُكتشف بعد،وفق تطلعات ما أستجد من متغيّرات،على ضوء ما يريد ويسعى-الآن- بغية بلوغ أقصى غاياته الفكريّة والعمليّة من حيث إتمام لغة التبصير الجَمالي والنفسي من مسارب الضوء وتناوبات العتمة،ودوران الأرض تحت أقدام الأحداث،وتصدير لغة الدم ممهوراً برائحة وجدارة مساكب تلك الكُتل الضوئية فوق محارب كل هذه الصراعات الدائرة على خشبة العرض المرهون بجلال وجمال تلك الحوارات المُختزلة والدالة لقصديّة تحديث الرؤية وتعميق الدلالة من خلال إفصاحات أبجديات(سينوغرافية)يبرع ويقترحها ويتماوج بها بحثاً ووصولاً في الحصول على تأثيرات بلاغيّة تعاضد جوهر الحدث وتعليلاته التنويريّة في ختام محاولات تمجيد (أناقة الموت)-أن صح الإشتقاق- في نهاية النفق الذي قدّر(جودي)لنفسه وفنه السير في سحر متاهاته،ولذة إغراءاته الجماليّة والبحثيّة،فليس ثمة أدنى تنازل أو تغافل لديه فيما يتعلق بأهمية تقديم الشكل،كنتاج تحديثي مرئي ومسموع من حيث تآزرات الصوت ومؤثراته،والصورة وتجلًياتها،كما لو إنه يتلبس مقولة ذلك الحكيم الصينيّ القديم الذي أفاد بالقول؛من أن المبدع الحقيقي بإمكانه أن يآسر السماء والأرض في قفص الشكل.


-----------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 
تابع القراءة→

عن تحريك راكد الذاكرة في مسرحية "خريف التماثيل" / جبار وناس

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 21, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

في البدء يتبدى السؤال عن جدوى الحديث في استدعاء الذاكرة وما تختزنه وحضورها في العرض المسرحي ، وما أهمية ذلك الاستدعاء وسط واقع يترهل بمخلفات ثقيلة من حروب ما تزال آلامها وأوجاعها تند بأمراض اجتماعية وأحلام معلقة وانهدار لأعمار الناس فضلا عن هدر للأرواح ؟ وكل هذه المخلفات من بقايا ما تزخر به ذاكرة لحظتنا العراقية الراهنة فيبدو لمن ينظر وكأننا في مستنقع اللاوجود.

ومن هنا يبزغ السؤال مجددا عن الكيفية التي من خلالها يمارس كاتب المسرح قراءته لما مرَّ ويمر به واقع العراق من ثقب القلب بحسب قول الشاعر يوسف الصائغ : ( أنا لا أنظر من ثقب الباب إلى وطني ولكني أنظر من قلب مثقوب ) لا أن يقدم قراءته من مكان مرتفع فيكون ما يقدمه وكأنه تسجيل لما تلوكه الألسن وما تفوح به أفواه العامة وبالتالي نكون مع ذاكرة تجهش بحزن فاقع فقط وبالتواصل مع ما ترشح من عرض مسرحية ( خريف التماثيل ) تأليف عمار نعمة جابر وإخراج الفنان الشاب علي حسن وتقديم جماعة الناصرية للتمثيل وبإشراف الدكتور ياسر البراك والتي قدمت في مدينة الناصرية ليومي 8 - 9 - شباط - 2016 فإننا نشاهد مفاصل العرض المسرحي وقد شيدت على متواليات تبدو فيها بنية التذكير المرتكز الذي تم من خلاله نبش ما تراكمت به ذاكرة لحظتنا من بقايا الدكتاتورية مرفقة بما جاءت به حبائل السياسة الغاطسة في مكر الواقع السياسي وأكذوباته وقسوة العقول السياسية وتحجرها وتغوّل الدين بأفانين بدت مكشوفة تثير السخط المقيت والازدراء لما جاءت به تلك الأفانين من طائفية وفساد وانحطاط في الأخلاق والقيم وما سببته للناس من بؤس مروِّع وأوجاع مستمرة وهذا ما أفصح عنه نص الكاتب عمار نعمة جابر والذي ختم لنا على خريف ووهن تلك اللحظة وبتواصلها ما بين زمن الزعيم وصولا إلى راهن ما نحن عليه . 
فما قام به الكاتب هو نقل ما تلوكه الألسن وما تعتمل به القلوب والخواطر في الشوارع والمقاهي وفي أحاديث العامة المكشوفة على الملأ وهنا تبدو مسؤولية الكاتب فنيا وثقافيا لكي يقعد تلك التوصيفات في نص مسرحي يؤرشف به ليكون وثيقة تذكير وإدانة لتلك المنعطفات التي تمر بها اللحظة العراقية . وفي تحولنا مع ما نصت عليه اشتغالات الفنان الشاب علي حسن وهو يتصدى لهذا النص فلا نكاد نراه يبتعد كثيرا عما تركز عليه نص المؤلف مع الميل إلى أسلوب التبسيط والإقتصاد في عملية الإخراج والتي ابتدأها بتحديد ملامح واضحة لمكان العرض فقد حاول أن يضفي عليه من ممكنات التجريد والتي أخذت بحضورها المائز في أغلب مراحل الاشتغال الفني لها وقد عزز ذلك دخول مفردات بدت قاسما مشتركا في انجاز ما طمح العرض المسرحي لأن يقول برسالته إلى المشاهدين ، فقد حاول المخرج أن يتميز عرضه بتنوع يتوخى الجمال المتحصل من فعالية الاشتغال الناتج باستحضار مفردة ( الفريمات ) والتي أنتجت لنا من خلال تعامل الممثلين معها فكان أن تتحول هذه المفردة إلى ناصية تحمل عناوين ، فمن شاشة التلفاز إلى مكان يتحاور فيه غاسل الموتى مع شبح الزعيم وبالعكس الزعيم مع شبحه وصولا إلى دكة لغسيل الأموات في مغتسل بدا فضاؤه واسعا يتعدى حدود ما هو راكز في الأذهان عن حدود ومكان المغتسل فضلا عن استعانة المخرج بمسامع موسيقية تنوعت ما بين الموسيقى العالمية مع أغان عراقية وأناشيد حربية تمتزج فيها ( هوسات ) عراقية وكذلك مع فواصل لنعي يثير السخرية حين يأخذ بمحلية إلى انتقال يذكرنا بما جاءت به أفواه الملالي على المنابر وكل هذا يتمفصل مع أداء تمثيلي كان منضبطا في بعض المفاصل فقد بدا على أداء الفنان ( حيدر الطيب ) مع بداية العرض طابع الانفعال غير المبرر ولكن في أماكن أخرى من العرض رحنا نلمس له توهجا كما في مشاهد الرقص ومحاولة استمالة صوت العالمة وفي حديثه مع جثة الميت وهو على دكة التغسيل وبحثه في ملابسه وبمقابل ذلك لنا في المشاهد التمثيلية للفنان ( كرار عبدالعالي ) في تناوبه ما بين شخصية الزعيم والشبح فهو الآخر كان له حضور واضح في مشاهد محددة جعلت من أدائه يبتعد قليلا عن الرتابة التي ظهر عليها في مشاهد أخرى من العرض وهذا لا يعود إليه وإنما ينسحب الأمر إلى التوظيف الإخراجي والذي هو ينبني على نص لممثل واحد ، وقد تبدو فواصل الإضاءة من قبل الفنان ( عمار سيف ) لها من التأثير والحضور حينما تشاطرت مع اللونين الأحمر والفضي ليركز في توضيح ملامح الأداء والفاعلية المعطاة من حضور المفردة المركزية للعرض المسرحي . ولنا أن نرى بفعالية أكثر تأثيرا في جلب دهشة المتلقي لو أن العرض المسرحي قدم بأسلوب اللامعقول كيما يذلل من هيمنة ما هو متناول وله في ذاكرة المتلقي الشيء الكثير فشخصية الديكتاتورية وتناسلها لدى ضحايا هذه الديكتاتورية في الفعل والسلوك ولكان من المستحسن أن ينظر المخرج إلى غاسل الموتى بعين مغايرة تبعده عن هذه الصورة النمطية التي ظهر عليها في العرض ولكان أحسن أيضا حينما ينظر إلى هذه الأشباح على أنها أشباح الديكتاتورية التي تناسلت في سلوكيات الكثير من الناس فلو أن غاسل الموتى له شبح يتوسم بروح الديكتاتورية التي اكتسبها غاسل الموتى الحقيقي سلوكا وتصورا وكان من المستحسن حين يعمد المخرج إلى النظر بعين تكاد ترتقي ما فوق تلك ( الواقعية العبثية ) والتي أكد عليها في دليل العرض فواقع العراق له من الغرابة والإثارة فكيف يكون شكل العرض المسرحي حينما يتداخل مع تلك الغرابة بمقدار يرتقي بتميز واضح كنا نرجو له أن يتحقق في هذا العرض وفي عروض كثيرة أرادت التداخل مع واقع عراقي غاطس في غرابة وعجائبية من جراء ما تحدق به من عوامل ومنعطفات كثيرة ؟ بقي لنا أن نرى الفرح يكبر حينما نرى روح الشباب تساهم في صنع عرض مسرحي بدءا من كاتب النص ومرورا بالممثلين والمخرج وهو يخطو إلينا بأولى خطواته في الإخراج وليس لنا سوى أن نؤشر لفرحنا بقول الفنان الكبير عزيز خيون إذ يقول : (عندما يطرق سمعي جرس الشباب تنبت في فضاءات الطموح عناقيد ضوء للعناد ، لطبيعة المحاولة ، للخيال الجامح والمخاطرة البكر).

-------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

تابع القراءة→

مجلة "آفاق أدبية" في عددها الاول :محور العدد كان عن المسرح العراقي ما بعد التغيير

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 21, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

صدر العدد الأول لهذا العام، من مجلة (آفاق أدبية)، وهي فصلية تعنى بالإبداع الجديد، تصدر عن دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد. افتتاحية العدد كانت بعنوان (الحدث الثقافي الأبرز) بقلم رئيس التحرير الشاعر سلمان داود محمد، متناولا تقاليد الصحافة الثقافية بداية كل عام جديد في تغطية الأحداث الثقافية خلال عام، لكن له وجهة نظر في عما كان الحدث الأبرز، متمثلا بـ (موت المثقف) الناتج من عدم اهتمام الأوساط والمؤسسات الثقافية بشريحة المثقفين أثناء حياتهم وبعد مماتهم ليست هناك «سوى المواساة (البروتوكولية) التي لا تتجاوز قيمتها إكليل ورد صناعيا باهتا وبضعة دنانير مصابة بفقر الدم والقيمة بأزاء المعتلين من المثقفين» وتخلص الافتتاحية إلى انه لا بد من إنقاذ البقية الباقية من رموز الثقافة في البلاد.
محور العدد كان عن (المسرح العراقي ما بعد التغيير) خصص للإجابة عن تساؤلات تتعلق بمديات تطور المسرح العراقي منذ التغيير في العام2003، وإلى الآن، من ناحية النص والتمثيل وتقانات العرض والرؤى الإخراجية. تضمن المحور استطلاعا عن آفاق مسرحنا بعد 2003، كتابة: د. شاكر عبد العظيم جعفر، الذي رأى في مقدمته أن هناك تضاربا في الآراء ( هل تطور وأضيف إليه ما يجعله متطورا ومغايرا للسابق)، ويرى أن عدم الاتفاق على الإجابة عن هذا السؤال، هو نتيجة (المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي لم تمنح الفرصة للمسرح العراقي بعد 2003 من أن يرتدي ملامحه التي تجعل من الجميع متفقا ازاءه). استطلع عبد العظيم جعفر فيه وجهات نظر عدد من المتخصصين بالشأن المسرحي. ضم المحور أيضا مقالات عديدة للفنانة هند كامل والكاتب صادق مرزوق والمخرج كاظم النصار والدكتورة زينة كفاح الشبيبي والكاتب والمخرج  ياسر عبد الصاحب البراك.
ضم العدد نصوصا إبداعية في حقلي الشعر والسرد، ففي الشعر كانت هناك نصوص للشعراء عيسى حسن الياسري وصالح عبد الجياشي وعصام خليل، وفي حقل السرد كانت هناك نصوص لسعد سعيد وسعدون جبار البيضاني  وخالد الشاطي.من التقاليد الرائعة في المجلة، تكليف نقاد بقراءة نصوص العدد الماضي شعرا وقصة، في هذا العدد كتب د. حازم هاشم عن القصائد، والناقد عبد علي حسن عن القصص. الجانب النقدي امتد إلى باب معنون (ضوء على أثر) محتويا قراءات نقدية للنتاجات الشعرية والسردية، فكتب الناقد علي شبيب ورد قراءة نقدية لرواية كوثاريا لنعيم آل مسافر، وكتب سامي طه عن  مجموعة (بلاغ ..رقم اسكت) لسعد الصالحي، وكتب مالك مسلماوي مقالة عن (اذكر أني) لرشيد هارون.باب «مرأى» الذي يعني بالفن التشكيلي، ضم مقالتين موسعتين عن تجربتي الفنانين وائل المرعب، كتابة: حسن عبد الحميد، وسعد محمد موسى كتابة: إيمان عبد الحسين.باب «تفكر» الذي يعنى بالاشتغالات الفكرية ضم مقالة عن (السرد..الذات،الاغتراب والهوية) كتابة: سعد محمد رحيم، يرى فيها أن كل نص سردي يتصف بالجودة لا بد أن  يطرح سؤال الهوية، وهو من وجهة نظر محمد رحيم سؤال مركب ذو أبعاد ثلاثة: 
هوية ذات الكاتب أزاء نفسها والعالم، وهوية الخطاب السردي بوصفه متنا ضاما للدلالات، وهوية النص الفنية.  باب» منصة» يعنى بكتابة أدبائنا وكتابنا عن تجاربهم الإبداعية، في هذا العدد شهادة موسعة للروائي طه حامد الشبيب، عن منجزه الروائي، جدد فيها الحديث عن النهج الذي اختطه في الكتابة الروائية وأسماه (السحرية الواقعية) وليس (الواقعية السحرية) الأسلوب المعروف لروائيي أميركا اللاتينية. يرى الشبيب أن سحريته الواقعية بنيت على رواية (النص الداخلي)، وتلك تقوم على تخليق الحكاية من داخل النص لا أن نأتي بها من الواقع، بما معناه ان  تفاصيل الحكاية بكاملها تتشكل مشهدا بعد مشهد أمام أنظار القارئ.

-----------------------------------
المصدر :باقر صاحب - شبكة اخبار العراق

تابع القراءة→

الأربعاء، أبريل 20، 2016

مسرحية "لاكاسامار" تتوج بالجائزة الكبرى لمهرجان الداخلة للمسرح الحساني

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, أبريل 20, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

توجت مسرحية "لاكاسامار" لفرقة بروفا للفنون المشهدية، في حفل اختتام الدورة السابعة لمهرجان الداخلة للمسرح الحساني، ليلة السبت – الأحد، بالجائزة الكبرى للمهرجان، المنظم من 13 إلى 16 أبريل الجاري، تحت شعار "المسرح الحساني ودسترة الحسانية". 
كما توجت عن نفس المسرحية بجائزة أحسن ممثلة ، الفنانة علية الطوير ، فيما آلت جائزة أحسن ممثل للفنان بابا حمزة، في مسرحية "ماسمعني الفالي" لفرقة الحبشي، أما المؤلف عمر ميارا فنال جائزة أحسن نص في مسرحية "ماسمعني الفالي".
وعادت جائزة أحسن إخراج، إلى المخرج محمد علي يحيى في مسرحية "بقايا زمن" لجمعية سيدات الصحراء، وجائزة لجنة التحكيم لمسرحية "ماسمعني الفالي" لفرقة الحبشي.
وأكدت لجنة التحكيم، التي ترأسها الحسين الشعبي أن هناك حاجة قصوى إلى تأمين استمرارية هذا المهرجان باعتباره فضاء ثقافيا نوعيا يسهم في خدمة الثقافة الحسانية من جهة وتأكيد عمقها الرمزي وغناها الإنساني من جهة أخرى ، كما يسهم في خدمة المسرح المغربي بتوسيع وتنويع وتجويد آفاقه وممكناته.
ودعت اللجنة إلى الحرص على تنظيم ورشات تكوينية في كل مجالات الصناعة الثقافية المسرحية لفائدة الجمعيات المحلية في الجهة، والعمل على دعم الكتابة المسرحية باللغة الحسانية مع دعم البرامج والمشاريع الرامية إلى توظيف التراث الحساني في الكتابة والإبداع المسرحي.
كما دعت إلى دعم مشاريع تبادل الخبرات والتجارب المسرحية لتمكين الجمعيات من الاستفادة من حساسيات إخراجية ورؤى فنية من داخل الوطن وخارجه، وتنويع برنامج المهرجان عن طريق تطوير وتوسيع مجال الندوات والورشات التكوينية في قادم الدورات.
وتميزت الدورة السابعة للمهرجان، الذي تنظمه جمعية أنفاس للمسرح والثقافة، بشراكة مع اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان الداخلة أوسرد، ومجموعة فوسبوكراع، ووكالة الجنوب، وبدعم من وزارة الثقافة، ومؤسسة المسرح الوطني محمد الخامس، ومجلس الجهة، والمجلس الجماعي للداخلة، والمجلس الإقليمي لأوسرد،، بالانفتاح على القطر الموريتاني من خلال مشاركة مركز الدراسات الصحراوية "بأطر" وجمعية المسرحيين الموريتانيين، وثلة من الصحفيين والإعلاميين.
كما تميزت هذه الدورة بالعمل المشترك مع المركز الدولي للفرجة بطنجة ، والعمل المسرحي لجمعية القنطرة بطنجة، مما عكس قدرة المهرجان على تطبيق المبادئ المشتركة في الوحدة الوطنية والتلاقح الثقافي بين الشمال والجنوب.

----------------------------------------------
المصدر : كفى بريس ( و م ع)

تابع القراءة→

التكفير الديني وهاملت / نعيم عبد مهلهل

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, أبريل 20, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

كان هاملت الذي صنعهُ شكسبير مدفوعاً بعقدة الانتماء إلى الأمومة ، ولهذا كان يصدر الهذيان اكثر مما يصدر من قول العقل . وهو إنسان مضطرب أراد فيه الكاتب أن يرينا مرحلة متقدمة من نمط حياة لم يتم تناوله قبل في الفكر الغربي ، فقد كانت فنتازيا الروحانيات وهيمنة الفلسفة المثالية والموعظة الدينية تسيطر على ثقافة تلك العهود منذ أبي قراط وحتى جملة هاملت الشهيرة : أكون أو لا أكون ، تلك هي المعضلة.
لم يطور أحدهم في ثقافة الخطاب المسرحي ، والذي هو خطاب الحياة بعد شكسبير إلا في بدايات القرن العشرين عندما اعترفت المذاهب الجديدة والعلوم النفسية الحديثة لفرويد وبياجيه ويونغ أن شكسبير كان يكتب في مرحلة ذهنية استشرافية لمتحولات العصور القادمة ، وتم تفسير إرهاصات هاملت وعذاباته بأنها إرهاص الأزل في جانبه الأسري ..مثلما فسرت ملحمة جلجامش بأنها بقيت تمثل والى اليوم في رغبة الإنسان لنيل الخلود والعمر الدائم ، ومن آثارها قيام بعض أساطين المال في اليابان بوضعهم في مجمدات ثلجية بعد موتهم كي لا تتفسخ أجسادهم في أمل بأنه ذات يوم سيكتشف الإنسان ذلك الشراب السحري الذي يديم العمر والذي بحث عن جلجامش ووجده ولكنه فقده في قيلولة.
هذا الهذيان الحكيم الذي أبتكره شكسبير نشأ من خلال القلق والصراع الذي شمل الكثير من مسرحياته كما في الملك لير وماكبث وعطيل مثل التحول في منظور الرؤية إلى الواقع الاجتماعي بذكاء متفرد خلصهُ من رقابة الكنيسة ومحاكم التفتيش ، حتى أن أحدهم قال : لو أن غاليلو غلف طروحاته حول الأرض ودورانها في مسرحيات كما فعل شكسبير لتخلص من عقاب الكنيسة ومحاكم التفتيش.
أعتقد أن الباطن للكاتب الإنكليزي كان لا يحيا في الزمن المعاش ، كان يقرأ في ذاكرة التاريخ بشكل استشراقي ويضع نفسه في موقع المغير لثقافة الذات من خلال الذهاب إلى الثقافة الأبعد ومنها الثقافة الشرقية ، حتى أن البعض بسبب ما كان ويعتقد من أن الثقافة الأوربية الحديثة هي وريث لما نقله العرب لأوربا عن طريق بغداد والأندلس وابن رشد والرحالة الأوربيون والمستشرقين والسفراء العرب في الدواوين الأوربية ومنهم ابن خليكان. حتى أعتقد البعض بأن شكسبير ليس سوى رجل مغربي يدعى ( شيخ زبير ).
بالرغم من استحالة تصديق وحقيقة هذا المعتقد لكننا نضع فقط آلية للتفكير الشكسبيري كما في شخصية هاملت المصنوعة من رد الفعل والمفاجأة والاصطدام بالمشهد الجديد الذي صنعه خيانة الأم والذي اعتبر بأن الشهوة قد تقود المرأة لتنسى أمومتها وهو ما عده شكسبير موتاً للكثير مما يعتقده مقدساً حتى في ما يهم بناء الدولة التي كان فيها هو أميرا . ولكنه أمير يتعذب.
أنا هنا أشتغل على خطاب هاملت في مقاربة روحية مع خطاب آخر لرجل ظهر في التلفاز وادعى انه أمير من جماعة القاعدة والجهاد في المغرب العربي.
كان الرجل وسيماً ، لكن في باطن الجفن قسوة مفتعله وغضب يبررها رعشة يديه وهو يقرا خطاب الوعيد للأنظمة المغاربية ويقول بأن عقابهم وعقاب الله آت إليهم بواسطة مجاهدين لا يعرفون سوى ما ينطق به الله والبندقية ومفتاح التفجير.
احتفظت بصورة هذا الشاب ( المغربي ) وبذهنية التصور الباطني اكتشفت مقدار القلق الذاتي الذي كان يعيشه في حياته جراء مفارقات الوضع الاجتماعي في بلاده مثل البطالة والجوع والتسول والمخدرات وأشياء آخر لم تزل معالجاتها بعيدة من قبل الدولة لأسباب تعود إلى البيروقراطية وقلة الموارد والفساد الإداري والاستئثار والخطاب السياسي القائم على خداع العامة في الأمل الموعود. وحتماً نتاج هكذا أوضاع يأتي القلق الشاذ لمثل هذا الشاب الوسيم ليصبح مشروعا هائلاً للتطرف والقتل بما يعتقده انه صناعة لدولة الخلافة ، وحتما هو وغيره ممن يعتقدون بأن العالم لم يعد يستحق سوى هكذا نوع من العقاب ، ولكنه عندما يختلي مع نفسه سيخضع لذات الصراع والقلق الذي عاشه هاملت عندما فكر في اختيار لحظة ومكان الانتقام.
هكذا قلق عند الشاب المغربي أو هاملت يفسرهُ العلم النفسي الحديث بأنه نتاج للمتغير الحضاري السريع والهائل والذي لم يترك مساحة للتفكير والتأمل والمفاضلة . لقد هبت دبابات العولمة مرة واحدة على الشرق لتكتسح كابول وبغداد ومعها أتت متغيرات التقنية والفضائيات واباحة المشهد حتى في نشرات الأخبار ،فكان رد الفعل السريع ليس ما حدث في البرجين بمنهاتن ، بل في انشطار هذا الرد إلى خلايا جهادية من فرط غضبها وغيضها تذبح وتقتل حتى الأطفال والدمى. فتحول الصراع الفردي عند هاملت بالرغم من اختلاف الدافع إلى صراع عام ، صراع صدام حضاري كلف الشرق وخصوصاً ( العراق ، أفغانستان ، الجزائر ، الصومال ) الكثير من الضحايا الأبرياء ، وقاد ذات القلق الروحي والتاريخي عند البعض إلى استفحال صراع جديد كما في العراق هو الصراع المذهبي والطائفي والذي كاد يدمر كيان الدولة العراقية في عام 2006 بعد تفجير مرقد الأماميين علي الهادي والحسن العسكري ( عليهما السلام ) في مدينة ( سرى من رأى ).وفي ذات الوقت كلف مصدر العولمة أمريكا الكثير من الضحايا ، ولكنها لا تقارن بالعدد والمعنى بضحايا تلك الدول التي كانت المصد الأول لانتشار هذه الظاهرة وبعضها كان بؤرة لنمو مثل هكذا جماعات.
هاتان الصورتان قد يعتقد البعض أن في الجمع بينهما مفارقة وربما هي غير حقيقية ، لكن القراءة النفسية للشخصيتين تضعنا في المنظور ذاته ، فجميع ردود الأفعال الكبيرة تأتى من القلق الروحي الكبير ، وهو وحده قادر ليدفع البعض إلى القيام بالممارسات الخارجة عن تفكير العاقل كتفجير الجسد في حزام ناسف.
لم يكن هاملت انتحارياً حين قرر الانتقام ولكنه كان وليد بداية انفلات الذات جراء الألم المصنوع من تصرف القريب والحبيب ،وربما هذا ينطبق على الشاب المغربي وغيره من الشباب الذين يدفعهم هاجس حب الدين  والقومية لينتخوا ويعبروا الحدود بخلسة وينظموا إلى دولة الزرقاوي أو أبو قتامة المصري ، أو ابي بكر البغدادي أو أي مخدرٌ بالخشخاش وحبوب الكبسلة الذي فضل لقاء نبيه بعد ركعتي صلاة ، ومن ثم تفجير نفسه في سوق شعبي.
أن المشهدين رؤيا لواقع حضاري لا يغيرهُ سوى العقل المقاوم والعلمي. وهذا صعب صناعته في ظل متغيرات القلق الروحي في الذات المستلبة بسبب الضغط الإعلامي والنفسي للكرة الهائلة (العولمة )التي تمشي كما جيوش الإسكندر وتسحق كل شيء ، استقلالنا وخواطرنا وبدائيتنا وفطرتنا وشرابي الماء التي تعودت أن تسقي ظمأ فقراءنا في قيظ الصيف.
واقع لا نسيطر عليه بمليون مقال . بل إننا هنا رهن البداية الجديدة في نشوء رد الفعل المناسب ، وحتما هذا الرد لن يبني رؤاه على ذات الانفعالات النفسية التي عاشها هاملت .
فعلى المقاوم أن يسيطر على قلقه قبل أن يبدأ خطوة البحث عن افضل الطرق لأبعاد سُرف الدبابات عن أتلاف اسيجة الحدائق في بلاده.
تابع القراءة→

الثلاثاء، أبريل 19، 2016

عرض مسرحية " الصفحة الأخيرة " على مسرح الرافدين

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أبريل 19, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

   بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح .. قدم تجمع الفرق المسرحية الأهلية يوم الإثنين 18نيسان على مسرح الرافدين مسرحية «الصفحة الأخيرة « من إعداد وإخراج د. صبحي الخزعلي وتمثيل خالدة عودة وعدنان شلاش وزهير البياتي. تتمحور المسرحية حول تاريخ العراق الدامي من خلال الحروب التي عانى الوطن والمواطن منها، ذلك المواطن الذي لا ناقة له فيها ولا جمل وتمر المسرحية على الوضع الراهن لتناقش الأزمات التي يعاني منها شعبنا بما في ذلك القتل المجاني الذي سقط فيه عدد كبير من الشهداء ..وتتوقف المسرحية عند مجزرة سبايكر الشهيرة الذي راح ضحيتها المئات من الشباب..وتغلف كل هذه الأحداث بالصراع الطائفي الأعمى الذي يحرق الأخضر واليابس .

وجدير بالذكر فالمسرحية سبق وأن قدمت على  قاعة منتدى بيتنا في بغداد والمسرحية معدة  عن مسرحية (ثورة الموتى) لاروين شو، وحسب المعد المخرج فان ثيمة المسرحية هي دعوة لتتوقف الحروب من اجل الانسان والانسانية وتتحدث عن اثنين من العسكر في خلفيات الجبهة ضد الارهاب يعثرون على جثة مجهولة ويحافظون عليها في موضعهم، لغة المسرحية كانت بسيطة لانها من صلب الواقع وهموم المواطن وحال العراقيين اليوم، ورغم سطوة الحوار على طول مدة عرض المسرحية فان مجسديها نجحوا في ترويض حدة هذا الحوار ورتابته من خلال (قفشات) واخزة ناقدة للواقع بكل تفاصيله رغم ان المباشرة كانت تطل على المشاهد بين فترة واخرى، الكوميديا والاغاني الخفيفة للفنان عدنان شلاش نجحت في تفاعل جمهور العرض ومجسديه، ساعد في ذلك ان العرض انحصر في بقعة صغيرة وشكل مع الجمهور دائرة ضيقة تناثر الحوار فيها ووصل الى الاسماع بسلاسة ولم يجهد الممثلين في سرد حواراتهم، ولكسر الجمود وسطوة الحواراستعان المخرج بالعرض السينمي لاحداث واقعية تجسد جرائم الارهاب في مجزرة سبايكر المأساوية، كذلك زرع باحة العرض بمفردات الديكور البسيطة والتي كسرت رتابة المكان.
شخوص المسرحية كانت واضحة، مقروءة ببساطة، اثنان من العسكر احدهما يحمل رتبة صغيرة (نائب ضابط او رئيس عرفاء) والآخر جندي مكلف عاطل عن العمل رغم بحثه المتواصل عنه، الاثنان يتحركان بخط واحد وكأنهما انشطرا من شخصية واحدة، اما الجثة التي دبت الحياة فيها لتعلن عن شاعر مكلوم بفقدان ولده في مجزرة سبايكر،لكن هذه الشخصية التي جسدها الفنان زهير البياتي ضاعت ملامحها بين الجد والهزل  رغم الجهد المبذول من الفنان البياتي في ايصال تفاصيلها الى المشاهد.
المخرج الخزعلي اعتذر قبل العرض وشكا المصاعب التي واجهته وهو يتبنى هذه المسرحية وحسب قناعته فان العرض كان سيكون اجمل لو عرض في مسرح اكبر، اضافة لاضطراره القيام بمهام متعددة كادارة المسرح والاضاءة والصوت مبررا ذلك بالامكانات المادية المحدودة، كذلك اشار المخرج الى غياب العنصر النسوي في المسرحية والسبب المطالب المالية التي طلبتها الفنانات اللائي فاتحنها للعمل في المسرحية.

-------------------------------------
المصدر : دائرة السينما والمسرح 

تابع القراءة→

التداول الفكري والجمالي للمشهد المسرحي / د. حسين التكمجي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أبريل 19, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

يعد المشهد المسرحي بمثابة الوحدة الكبرى في خضم التركيب الكلي للعرض المسرحي، بوصفه وحدة شاملة تنطوي على العناصر السمعية والبصرية والحركية . وإذا كان المشهد يتحدد بتغير المنظر،
أو بدخول شخصية أو خروجها كما هو الحال في المشهد الفرنسي، فأن المسرح المعاصر لا يلتزم بهذه القاعدة، وفقاً لحركة أنسقه العرض المتحولة علاماتياً ولصيغ التداول الإخراجي .
ولما كان المشهد عبارة عن بنية محبوكة ومتكاملة متعددة الوسائل والعناصر، فأن كل وسيلة أو عنصر هو بحد ذاته غني بالتحفيزات التفاضلية (differential )، ويشكل هذا الكم منطقة لعب حر للمخرج الحاذق أذا ما أحسن استخدامه .
نستدل على أن المساحة الزمنية لأي مشهد تنطوي على عدد من المحطات التي تعتبر ركائز أساسية لبلوغ ثيمة المشهد الدرامية أو الكوميدية .
ويرى (كليرمن) (أن قلب المسرح ليس موجوداً في واحد من أعضاءه على الرغم من أن بعض هذه الأعضاء قد يغذي الأعضاء الأخرى أو يزيد
من زخمها) . وهذا ما يذهب إليه الكثير من المنظرين (بوبوف في التكامل الفني، وعبد الفتاح رياض في التكوين التشكيلي) .
فالفن المسرحي فن جماعي وفق تفصيلاته من فريق العمل والمؤدون وصولاً للعناصر الداخلة في صلبه، لذا فأن وجهة النظر النقدية تفترض أن منظومة التعبير فيه هي منظومة الكل الذي يعبر عن وظائفية أجزاءه، بحسب (جيروم ستولنتز) .وأن من لا يعبر عن كل الجزئيات، لا يعبر عن شيء، فالدراما بوصفها وحدة فنية لا تنفصل عن هذا المفهوم بل تمثله أصدق تمثيل .
 ولعل بعض المخرجين قد ركزوا قدراتهم في واحد أو أثنين من عناصر العرض كما هو الحال في سيمياء المسرح والدراما، مما هيأ لظهور تيارات واتجاهات جديدة في المسرح، (كالمسرح الأسود والمسرح البيئي والمسرح المفتوح ومسرح الضوء والصوت والمسرح التشكيلي والمسرح الفقير والمسرح البيئي الخ) وغيرها من المسارح التجريبية التي تتغذى على أحادية أو ثنائية العناصر .
يقدم المشهد المسرحي ثلاثة أنواع من القيم، هما القيمة الجمالية، والقيمة الفكرية  
والقيمة الدرامية على مستوى التعاطف بمفهوم (التطهير)، فالتطهير قناة نهائية تتراكم ضمن سياقها العوامل التعاطفية بشكل منطقي في التراجيديا الإغريقية بوصفها أسباب . في حين تصب القيمة الفكرية والفلسفية الحسية في قناة الذائقة الجمالية، خصوصاً في المسرح الحديث والمعاصر عند المثالين الجدد أمثال
(كريج) ومن تبعوه كما يسميه (دولمان) (بالجذب الحسي الذي لم يحلم به الإغريق) . فالمسرح الحديث أستند إلى التقنية الجمالية كهدف لجعل المتصور أكثر وضوحاً وإقناعا وإثارة، كما أن الضرب على المستوى الجمالي من شأنه أن يحدث نوعا من التطهير يمكن أن نطلق عليه أن جاز لنا التعبير مفهوم (التطهير الجمالي) إذ غالباً ما يثير فينا التكوين الجمالي إحساسا بالانتماء والتبني للصورة الجمالية عبر التجرد عن كل العلاقات الحكمية والقيمية في تقويم التكوين المعروض .
وتأسيساً على ما سبق فالقاعدة الأساسية في مرحلة نشوء العرض تتمظهر في توزيع حيثيات الفكرة على المشاهد ابتداء من المشهد الاستهلالي وصولاً إلى المشهد النهائي . ولما كان المشهد ينطوي على وسائل عدة يحتفظ كل منها قدراً كبيرا من القيم، تتجلى مهمة المخرج بالاختيار الدقيق للعناصر المتسيدة، كما ينبغي أن يكون لكل مشهد عنصره المتسيد، وهكذا يسري الحال على المشاهد الأخرى، ليصبح العنصر (المتسيد) والمبرز هو العنصر الأهم في المشهد وفقاً للماهية التي ينطوي عليها المشهد .
وهو ما تناولته الدراسات السيميائية على مستوى التصدر ألعلامي والإبانة، إن الصيغ المتداولة في المسرح المعاصر عند الكثير من المخرجين، انعطفت نحو هذا المنعطف، فمنهم من سيد الشخصية (غروتوفسكي)، وآخر أتخذ من الحركة عنصرا فاعلاً في السيادة (بارو وششنر)، والبعض أهتم بالتكوينات المؤثرة في الميزان سين وفقا لتصورات خيالية بغية الإحالة الواقعية(بوبوف)، وينحو آخرين صوب المتغيرات السريعة لأنساق العرض الدلالية والعلاماتية والكودات والشفرات المتلاطمة في التكوين البصري(باربا وششنر وكانتور)، من المشاكل الناجمة في هذا الأسلوب اعتماد بعض المخرجين على منح عنصر السيادة المفرز قاسما مشتركا ًلكل المشاهد . قد يحقق تقدما في مشهد أو مشهدين فقط، إلا أنه لا يسري على العرض كله، أن العرض بهذه الصيغة سيميل إلى نوع من التراتب غير المتجانس، ناهيك عن فقدان عنصر التنويع (variety) الذي يسبب بدوره عنصر الملل . (أن المفاهيم والمكونات غير الثابتة والغامضة غير مقبولة في البناء المعرفي) بحسب المخرج (كونراد كارتر) .
المشهد المسرحي ما هو إلا وحدة متصلة بما قبلها وتهيئ لما بعدها وأن ما يبدأ في القاعدة ينتهي بالقمة وفقا للربط المحكم من الوحدات الصغرى وصولا للوحدات الكبرى . فالإيماءة والإشارة واللون والضوء والتشكيل الحركي قد تبدو ضمنية، ولكنها غاية في الأهمية على مستوى إيصال وتعزيز الرسالة ضمن البناء السمعي والبصري للإنشائية المشهد . ولعل هذا التزاحم (الديناميكي) المضطرد قد يبدو مبعثرا للوهلة الأولى في خضم تلك الرؤى والتصورات التي تختلج ذهن المخرج . إلا أن المهم في هذا هو ليس الكم المبعثر منها، بل المهم هو الكيفية التي يجانس بها المخرج تلك الرؤى في قالب خاضع للتخطيط المسبق، والذي يقودنا بالضرورة إلى تراتب الأحداث بشكل منطقي لضمان ديمومة
(منطقية الصراع) و(منطقية الحدث) المفعمة بالقيمة الفكرية والجمالية .
في المرحلة التأسيسية الأولى لنشوء المشهد هو تحديد الفعل العام للعرض والذي ينطوي على الفكرة والثيمة من كون جميع الأفعال تتراصف خلفه، يتبعه تحديد الصراع السلوكي للشخصيات بوصفه الدافع الأساسي للحركة العامة والوجه الأخر للصورة بتشكيل الميزان سينات تحت نظام الضبط والدقة الحركية. في حين يأخذ فعل المشهد (الحدث) المرحلة الثانوية، ثم تأتي الأفعال المتساوقة في البنية حسب الأهمية بوصفها المعنية بالإنشاء والتعزيز في المرحلة الثالثة من التراتب .
إلا أن العرض سيقلب هذه المعادلة ليكون التعاقب تراتتبي من الأصغر إلى الأكبر _ وبهذا يضع المخرج مفاتيح لعبته الإبداعية (أن الجزء العام لا يتم بحجمه الفعلي في المكان والزمان حسب، بل بإعادة تنظيمه حتى يتعرف عليه المتلقي بيسر بفضل وضعه الجديد) .
ولعل سمفونية العرض تحتوي بين الحين والأخر (ضربات) متعددة هنا وهناك لغرض التوكيد على فعل ما دون الأفعال الأخرى لأيقاظ ذاكرة المتلقي وإنعاشها، وبين الصورة البصرية والضربات السمعية تبدأ ذاكرة المتفرج بالإنشاء الذهني والدخول في لعبة العرض بفيض من الترقب والربط .
أن أي شرخ في نسق الأنبناء الآلي التداولي قد يقلب المعادلة، لارتباك الصورة في ذهن المتفرج من خلال زعزعة أيمانه بلا منطقية ما يقدم (وعندما يعجز المتلقي عن الاستجابة للمسرحية وأدراك مغزاها ومتابعتها باحترام، لن يكون في وسعك أن تفعل شيئاً) .
يطالعنا المسرح المعاصر بمرجعياته المستندة إلى فلسفة القرن العشرين (بادراك انتفاء المطلق ونسبية التجربة والانشغال الشديد بطبيعة اللغة وتراكيبها .... فقد وجد الفنانون أنفسهم في مأزق حقيقي، بين الاعتماد على تعقيدات اللغة وتراكيبها وبين الاستناد إلى نسبية المعنى والتجربة..وترى (نهاد صليحه) أن القرن العشرين لهذا السبب شهد كماً هائلاً من التجارب الأدبية والفنية لم يسبق لها مثيل .... ولكون المسرح انعكاسا لفلسفات الواقع فقد وقع الاختيار على الجانب البصري .فكانت الاستعارة المرئية والإحالة والإبانة والتأويل صفة ملازمة له، في حين كانت الإيماءة والإشارة والدلالة والرمز(symbol) والعلامة ظهيرة للمعنى. فأصبح التشكيل الحركي والجسدانية والطقسية والعودة إلى البدائية والأنماط الأصلية والأنثربولوجية هي أدواته لتبليغ رسالته الدرامية.
ومن البديهي أن يتحول العرض البصري إلى لغة مفهومه من الكلمات وفقا للعلاقات السببية، مما هيأ لأن يتحول الشكل إلى مضمون مفعم بالمعاني
الدلالية . فأصبح عمل المخرج أكثر تعقيدا من ذي قبل خصوصا بعد إقصاء دور المؤلف، كما أصبح الحذر هو الذي يسود أنتاج العلامة وأشتغالاتها صوب المتلقي، ومرد ذلك الحذر هو أن تأتي اختيارات وتفضيلات المخرج الأشارية والدلالية متشضية يصعب على المتلقي إدراكها وفك شفراتها بوصفها كودات(code) . ولكون العرض المسرحي سيال ومتجدد في كل لحضه، عندها ينبغي أن يكون التأويل مستوفي لشرائط الإدراك الحسي والذهني . فالتأويل...
(يبحث في رد الظواهر إلى دلالاتها ومعانيها، كما أننا من خلاله نتلمس ما نفعله ونرمز إليه، بوصفه مستوى أخر من مراحل ومستويات الفهم، فهو استشراف... للمعنى وليس تهشيم للصورة بل دائما هو إعادة بناء ...فهو إذن
(التأليف الثاني) أي أعادة إنتاج العمل المبدع) بحسب توكيدات (ف-ي- فاليزي) .
ويرى (هوكز) بأن التتابع المنطقي للأحداث هو لاستقصاء المعنى وملاحقته واكتشاف الخلاصة الكنفية المدججة بالتفاصيل التأويلية .ولما كانت صورة المشهد المعاصر تتأطر بتلك الكثافة الهائلة من العلاقات في الفراغ بشقيه ألزماني والمكاني، فأن عوامل الربط المحكم بين الشكل المنجز والبناء التأويلي، ينبغي أن يجد له مرتكزه الواقعي، الذي تحتمه خصوبة الرؤيا، فالمسرح يعتمد على الفعل المرتد (feedback) وبهذا يمكن اعتبار المسرح كما يرى (بارت) آلة سبرنتيكية (cybernetic) فأدوات الاستقبال الحسية لدى المتلقي تقوم على علاقة قوامها التحليل والتركيب وفقاً لآلية التوالد الدلالي وخصائص الإبانة(ostension) والتصدر ألعلامي، وأن أي اهتزاز في البناء المعرفي التأويلي أو عدم أدراك المعنى سيؤل إلى ذهاب جهود العاملين سدى .
وفقاً لما تقدم بما تنطوي علية صورة المشهد البصرية، يعني استنفار تدفق الأفعال واستمراريتها من كونه ذو مساس مباشر بالفكرة العامة المكونة من أجزاء تسعى في ديمومتها لأن تتوحد في مجرى الكل . (والكل نامياً أبداً متطوراً أبداً، فهو يزداد أتساعا ويزداد غزارة وحصيلة، وأن الشريحتين المتعاقبتين في الزمن وأن تساوتا رياضياً فلن تتساويا في كثافة الخبرة وغزارتها، لأن الشريحة التالية في التراتب لابد أن ترث حصيلة الشريحة السابقة ثم تضيف إليها ما قد استخدمته بفعل التطور والنمو). وبهذا الوصف تصبح القيمة الجمالية في المشهد المعاصر نتاج القيمتين التأويلية والفكرية .على الرغم من أن الذائقة الجمالية للمتلقي خاضعة إلى نسبية التجربة وإنتاج المعنى، فالجميل جميل لذاته، وأن عناصر الجمال بائنة في علاقة التفاضل بين إشتغالات العلامة(signs) والإشارة (system).لتعين قصدية (intentionality)المعنى.

------------------------------------------
المصدر : المثقف - العدد 1088 
تابع القراءة→

مشكلة عرض مسرحية خدملك هل هي فتنة؟ الإضداد الجمالية في مسرح اللاتوقّع الحركي القصير / حسن النخيلة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, أبريل 19, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


(مشكلة عرض) افتتاحية يُعلنُ عنها المخرج (د. ماهر الكتيباني ) في تقديمه لعمله الجديد (خدملك) تأليفاً وإخراجاً ، هذه الإشارة التي يقدمها المخرج في عتبة عمله الأولى ، كما جاءت في فولدر العمل الذي صممه الفنان التشكيلي (وصفي الفضلي) تمثل تأسيساً أولياً يستثير منطلقاً لفكرة (الأضداد) وهي تسجل أولى الإشارات الميتامسرحية لمشكلة تتصل بالفن ذاته وهو لا يتمكن من تقديم نفسه ، والإشكالية تدخل في إطار فلسفي عميق تتجذر امتداداته في معطيات الكينونة الملغاة ، والذات المتلاشية كما يفجرها الواقع الراهن ، ومن ثم تبرز إشكالية الفن في محاولته أن يقدم عرضاً اشكالياً يجعل من المحاولة أقصى حدود التقديم ، ومن خارطة اللاممكن ديمومة تعيد للواقع تمرده وعصيانه على التوصيف والتحديد على وفق هذا التصور تبنى المعطيات الفلسفية والفنية لمسرح اللاتوقع الحركي القصير ضمن جملة من الأضداد الجمالية التي يمكن تشخيصها بالاتي :

اولاً- الحضور بوصفه انعتاقاً والغياب بوصفه انغلاقاً

يبني المخرج ( د. ماهر الكتيباني) العلاقات البصرية في عرضه المسرحي على وفق تصورات تنهض بفكرته الرئيسة (اللا احد) وهو بهذا التصور يُعلنُ سلفاً عن مغامرة عرض يخلو من الذات .من هنا تبرز الأضداد الجمالية في محاولات الانبعاث المقموع للذات الغائبة التي تترجم انفعالاتها حركة الأفعال المحتدمة ضمن سيرورة لا تكف عن البوح بمشكلة الغياب .إن الحضور لا يتأتى إلا بوصفه مادة هلامية اشد ما يعبر عنها الديناميكية التي تسعى دون جدوى إلى بلوغ التكون الذاتي الممتنع .هذا ما يجعل كل حركة بمثابة التعبير عن حياة منتفية ، ومضاعفة للضياع ، وهيمنة للغياب ، فالحركة على وفق ذلك تسعى لكي تقدم تصوراً للأزمة التي تُعنى بموضوع الانغلاق الذاتي ، لا الإنعتاق كما تترجمه مرونتها ، وجمالها ، وخفتها ، فكل حضور واهم هو تصديرٌ لغيابٍ فعلي ، لأنه حضور خادع مشوه ، لا يفضي الا إلى مضاعفة تفتيت الذات ، وإلغاء أي اثرٍ من شأنه التدليل عليها .

ثانياً- الحركة ومضاعفة الفراغ :

تُعدُّ الحركة المرتكز الأساسي الذي يُبنى عليه قوام مسرح اللاتوقع الحركي القصير إذ يجتهد الدكتور (ماهر الكتيباني) في دفع هذه الحركة في فضاء المسرح ضمن خطوط لا تلتقي لتؤسس إلى منعطف جدلي يذر الأفكار دون مناقشتها، فيسمح بحركة لا تتوقف ولا تحسم ، وأفكار تتقاذف في اتجاهات شتى تستثير عمقاً تأويلياً يستدعي مجهوداً كبيراً في متابعة عملية التأويل السريعة المتوالدة .ترتبط اشكالية الحركة في تأسيها الجمالي بقيمتها الفلسفية ، فهي حركة فلسفة تبنى وتصاغ ضمن الإطار الفلسفي الذي يتبناه مسرح اللاتوقع الحركي القصير ، ولذلك تشكل في طابعها ما يتغاير وأنماط الحركة المعتادة على المسرح ، تلك الحركة التي تنبع من صميم الشخصية وإرادتها ورغباتها وطبيعة إبعادها البيولوجية او السيكولوجية او السوسيولوجية ، إن الشخصية في مسرح اللاتوقع لا تعمل ضمن هذه الضوابط لأنها أداة فلسفية أكثر منها شخصية ، ولذلك لا يتضح عليها مشاعر وأحاسيس ولا حتى معاناة ، إنها مرنة تكتسح وتحاور كثيراً ، وتتقافز ، وتتمايل وتتقاطع ، وتتصارع ، ولكنها لا تنفعل ، ولا تواجه ، لأنها محض أفكار ، ولأنها بحسب طرح النص ( لا احد ) لا كينونة ، لا وجود.

هنا تتبين الإشكالية في التناقض بين الحركة التي تسعى ان تكون وجوداً وامتلاءاً والتفاقم في الفراغ واتساعه ، بوصفه محصلة لها ، فينفي ذلك معطى الوجود ومعطى الامتلاء ، ويصبح الفراغ نتيجة ، فاذا ما كانت الحركة الدائبة بمثابة البحث عن الوجود ، فان ما تعمل عليه هو تضاد مع ذاتها ، في مغادرتها السريعة لكل اثر من شأنه ان يدلل عليها. من هنا فان النشاط الحركي المتواتر لا يعني ملمحاً ايجابياً يبرهن على طاقة الوصول إلى الهدف ، بل هو تسارع صوب الحسم والنهاية.

الفعل المُقتطَع وجدلية التوقع واللاتوقع :

يقدم المخرج (د. ماهر الكتيباني) إشكالية أخرى على مستوى عرض (خدملك) تُستنهضُ على مستوى إنتاج شخصياته في مستواها النصي والبصري ، اذ يتكشف عبر علاقات الشخصيات ، وتفاعلها ، بروز أفعال مقتطعة ، أو مبتورة بشكل مستمر ، وهي مسألة تُطرح برؤية جمالية تفضي إلى تأكيد (المؤلف المخرج) على فكرة (اللا احد) التي تُعلنُ عن ترسيخ الإحساس الكبير بالخواء والعدم ، إذ أن البناء يقودُ بالضرورة إلى التشخيص والتحديد وإبراز الملمح ، غير ان اللاوجود – كما يتبناه المخرج- يعمل ضمن زاوية تعمل على الضد من ذلك ، فيستثمر بذلك مقدرته الإخراجية في خلق متواليات مهشمة لا يكتمل بنائها أبداً ، فكلما همت الشخصيات في فعل جديد يتبنى خلق صورة ذات دلالة فكرية ما ، سرعان ما يقتطع هذا الفعل ويبُنى فعل اخر على الشاكلة نفسها ، ويستمر دوران الأفعال على وفق هذا المنطلق ، وهذا ما يجعل التوقع واللاتوقع في صراع دائم ، التوقع وهو يرتهن في انطلاقة الفعل التي توحي لأول وهلة بالتوجه إلى الاكتمال وتحقيق المعنى ، واللاتوقع الذي يكون نتاجاً لخرق هذا التوقع عبر اقتطاع الفعل قبل إن يفضي إلى البوح بمعناه .

 المرح المأساوي ومأساوية

المرح :

ثمة تواتر ما بين متضادين جماليين يطرحهما (د. ماهر) في تجربته الإخراجية هما المرح المأساوي ، ومأساوية المرح ، وهذا ما يمنح أسلوبه الإخراجي تميزاً وتفردا،ً إذ انه عبر حركة الممثلين المميزة ، وأدائهم المنسجم ، استطاع عبر اسلوبية الحركة أن يعلن عن روح المأساة وقتامة الموقف بجمال ، ورشاقة ، ولعب ، وبقفشات كوميدية تترجمها الشخصيات في تبادلها ضرب بعضها البعض بأداة قتل الذباب ، إنها اشارة كوميدية بامتياز تحمل دلالة مأساوية بامتياز ايضا ، انه لون كوميدي يرتسم في سلوك الشخصيات لكنه في عمقه يعبر عن عنف وعذاب مقموع لو تنصلت الشخصيات عن موقفها ، وافلتت زمام سيطرتها عليه لخرج على شكل نواح وعويل .إن سيطرة المخرج ومقدرته على تخريج المأساة بكرنفالية وفرح يترجمه مسرح اللاتوقع الحركي القصير في طبيعته الأسلوبية ، التي تُلفت النظر إلى إمكانات إعادة صيغ إنتاج الانفعالات الإنسانية ضمن تصور جديد يعتمد النقيض وينبذ المماثلة والتسطيح .هكذا كانت شخصيات الكتيباني تمرح حزناً وتحزن مرحاً ، وعلى وفق هذا التضاد الجمالي ، ارتسمت اشكالية العرض في هذه المفاصل المختلفة ، التي اختار لها المخرج هذا الواقع الإشكالي ، واستطاع أن يؤسس لثيماتها الفلسفية ، وان يمد الجسور المتلاحمة ما بين النظرية والتطبيق ، ليكون مسرح اللاتوقع الحركي القصير قادراً على تصدير ذاته فكراً واسلوباً ، ومنتجاً لممثلين كان بمستطاعهم ان ينهضوا بتلك المهمة ، فقد تميز الممثلون (مناف حسين ، ماهر منثر ، سجى ياسر) ، بمقدرتهم على ترجمة المفترقات الفلسفية لهذا المسرح ، وبقدرتهم على إشباع الطاقة الحركية الكبيرة التي تختصر في وقتها المختزل مسافات شاسعة من الأداء ، واستطاعوا أن يؤسسوا تناغماً ادائياً ، يُعلنُ عن استيعابهم للأسلوب الأدائي الجديد الذي يُبنى أدائيا بشكل كبير على قاعدة البناء والهدم ، مما يتطلب من الممثل امكانية التخلص المرن من الحالات الأدائية المختلفة التي يتوجب عليه مغادرتها بشكل سريع والانطلاق الى المغايرة البنائية بشكل مستمر.


------------------------------
المصدر : جريدة الزمان 
تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9