أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الأحد، أبريل 24، 2016

صمويل بيكيت في عزلته الروائية / ابراهيم سبتي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

يعطي صمويل بيكيت ( 1906 – 1989) انطباعا في كتاباته الروائية ، بأن الانسان المستوحد ، المنعزل ، هو تجسيد حي للانطوائية والتوحش الذي يمور في دواخله ولا يمكن ان تحل معضلته ابدا .. أي ان ابطال بيكيت ينتظرون دائما مصيرهم المجهول ومستقبلهم الآفل الذي لا يرجى اصلاحه ، انهم مستسلمون وضعفاء ..

هكذا هو في رواياته ، ناهيك عن مسرحياته التي تؤول فيها مصائر ابطالها الى نفس مصير ابطال الروايات ان لم تكن ابشع عندما تنتكس الشخوص ولم يأت مخلصهم  كما حال مسرحيته الشهيرة "في انتظار جودو" التي عرّفت العالم بكاتب كبير "نال عنها جائزة نوبل عام 1969" . وهو امر صادم لأنه لم يعرف برواياته التي ابتدأ حياته الادبية بها وانهاها بها والتي لا تقل قوة عن اشهر مسرحياته .. هو كاتب عزلة اذن ، وتوحد ورفض ، عبثي حد الملل .. في روايته المهمة "مالون يموت" الصادرة عام  1951 وهي - الرواية الثانية من ثلاثيته الشهيرة التي كتبها بالفرنسية واعاد ترجمتها بنفسه للانجليزية ، تعد عملا كبيرا يضاهي ما كتبه جيمس جويس في ايامه  - وهذه الرواية الوحيدة التي ترجمها الى العربية المترجم القدير احمد عمر شاهين وصدرت عن دار الهلال المصرية عام 1999 ، هي انتفاضة ضد الانسان المتحرر .. ضد كل ما هو متحرك حالم .. انه يحاول ان يصوّر الانسان بصورة العاجز واليائس والمحاصر والخجول والمنحط والصامت والذاهب الى موته .. انها ازمة الانسان الخارج توا من حرب عالمية دامية ، اطاحت بالبشرية فكان الانسان فيها وقودا دائم الاشتعال دائم الموت دائم الاستسلام ، بدمائه تتحرك سرفات الدبابات وتعبر على جثثه مدافع الموت .. انها حرب الفناء الانساني والاخلاقي وانحلال القيم والفوضى .. فكان توظيف بيكيت لكل ذلك في مشغله الروائي نوعا من التنوير لفك شفرة الواقع ما بعد الحرب ووضع الازمات امام قارئ اخر ليس هو ما قبل الحرب .. انه قارئ متفاعل ، ناقد ومحلل لكل ما انتجته المدرسة الروائية الجديدة  - رواية تيار الوعي - التي ظهرت في فرنسا عن طريق شباب مغامرين في السرد , مجموعة جريئة ازاحت جدار الرواية التقليدية واطاحوا بارث بلزاك وبروست على الاقل في الساحة الفرنسية .. روائيون بدأوا المغامرة وراقت لهم وتمسكوا بها مثل ناتالي ساروت وكلود سيمون وروبير بانجيه والان غروب غرييه وميشيل بوتور وجان ريكاردو وكلود اولييه وطبعا صمويل بيكيت ( ايرلندي الاصل ) .. فأول ما فعلوه هو الاطاحة بالشخصية الاولى في الرواية – اغلبهم – وحولوها الى شخصية متمردة رافضة للسائد والمألوف .. فكانت محاولة جريئة لنسف تاريخ حافل بالامجاد الروائية فاثارت تلك الموجة اشكالية القالب الروائي السائد ، فضربت كيان الشخصية التقليدية وابعدت تاثيرها عن محيطها معتمدة على اللغة الطافحة وسيول الوصف الغارق بالتفاصيل ، فقراءة واحدة لا تكفي ولا بد من قراءة اخرى حتما ، واثبتوا بجدارة بأن نتاجهم خلق توترا في الفضاء الروائي ووقعا صادما للناقد والقارئ .. فرفضتهم دور النشر المعروفة وعدت كتاباتهم نوعا من الهذيان والاسفاف وغياب الموضوع وتهميش للبطل والاستخفاف به , بل ذهبوا برفضهم الى استهانتهم بالقارئ – كما يقولون - وبالتالي فلا احد سيشتري الروايات وتبور تجارة دور النشر وتسوء سمعتها .. يبرز صمويل بيكيت الايرلندي وعاشق باريس ، روائيا فذا مجربا في فضاء من الارتباك والفوضى في ساحة السرد .. كتب عدة روايات لم تأخذ مديات الشهرة وظلت مسجلة باسم كاتب غير معروف رغم انها احدثت نوعا من التغيير الذي اخذ يمور في دواخل بعض الروائيين الفرنسيين الذين رمى كل منهم بحجارته في بركة الادب الباريسي الراكد الملفوف بعبادة كبار الروائيين التقليديين .. فبرعوا في استخدام المفردة اللغوية وانحازوا الى الوصف كعنصر ناجح جاذب وتشظت الصور وتكررت المشاهد غير المتراصة .. تميز بيكيت ففاجأ الجميع بقدرته على تنويع السرد داخل روايته وجعلها قطعا متناثرة ، لكل قطعة اوصافها وشكلها الغريب الذي لم يألفه احد بل تعدى الى اعتبار الشخصية متحولة بين حين واخر حتى بالاسم ، فكان يطلق اسما عليها ما يلبث ان يغيره بعد فصل او اثنين .. هكذا كان يناور بقلمه ويتحرك على رقعته وفق اهوائه وما يملي عليه وعيه وانثيالات ذاكرته المشبعة بعوالم متناقضة .. ميزت اعماله الروائية خسارات الانسان وتشاؤمه وفقدان الامل غالبا ، مع يأس طاغ وغياب للمحتوى الروحي الجمالي وهو ما جعله موجودا باسلوبه في كل اعماله وكأنها عمل واحد .. فخلطت الاوراق الروائية وقدمت انسانا معزولا تائها وعبثيا لا هدف يسعى اليه ، ينتظر اشياء لا تحدث كما حال رواية  "مالون يموت" اذ تقوم الشخصية الرئيسية بالبحث عن امل مفقود وتقضي وقتها باشياء تافهة وتقص على نفسها قصصا مفتعلة غير محبوكة لتصريف الوقت وشطب الايام وهي ممدة على سرير بائس هو بالتالي سرير الموت .. هذه شخصيات بيكيت المأزومة والمقهورة دائما .. كان بيكيت اكثر زملائه كسرا لقيود الرواية التي تحتاج الى قارئ جيد يلملم شظاياها . "مالون يموت" رواية الموت البطيء وهوس الانتظار وهو ما دأب عليه بيكيت في بعض اعماله ، كان انتظار الموت طاغيا على الاحداث ، فالبطل المهزوم بمرضه والعاجز عن الحركة تماما يحاول امضاء الوقت وحرق ساعاته برتابة تامة وكما هو دائما بطل خارج الزمان ، هزيمته مطلقة لا مجال لاي احتمال اخر .. مالون هو بيكيت نفسه ، الصامت في حياته اليومية والباحث عن ملاذات بعيدة عن الناس واصدقاء الصدفة المملون .. ينتزع باسلوبه الغريب دهشة النقاد الذين لم يفككوا مرموزاته اول الامر ، لكنهم عثروا على مفاتيحه بعد التمعن والتركيز والاصرار على معرفة السر .. هي رواية البحث عن عالم آخر قد لا يعجب معظم الناس ، لكنه عالم مفتون بالغرابة والضياع والاصرار على الموت .. انه عالم المآسي المندلقة امام وجوه متعبة لاهثة تبحث عن اشياء لا تحصل عليها ، عالم الفوضى والارباك والغرق في اللا معنى ، انها روايات عزلة ، روايات الهامش والذيول وشخصيات لا يهمها ان تعيش كما الناس ، انما تدور حول نفسها غير آبهة بما يحصل لها .. صمويل بيكيت ، واحد من افذاذ الرواية الفرنسية والانجليزية معا عرف كيف يتلاعب بالانتقالات الفجائية والحوارات الناقصة احيانا ، انها روايات العبث بكل معناه كما هو مسرحه اللا معقول .. انه كاتب الرواية بمستوياتها المتجددة وقصصه المتفردة في موضوعها وغرابتها ، كاتب اشكالي لم ينل استحقاقه الروائي وعاش عزلة روائية صنعها لنفسه اثر نجاح مسرحياته التي اشتهرت وعرف بها فغابت اعماله السردية عن دائرة الشهرة مع انه كان يعيش حياة روائية حقيقية جسدها في اعماله فأطاح المسرح الذي اشتهر كثيرا بإرثه الروائي .. وللاسف ان المكتبة العربية تنقصها روايات صمويل بيكيت المترجمة الى العربية عدا بعض الاعمال القليلة التي قام بترجمتها احمد عمر شاهين ( ثلاث قصص : الطريد ، المهدئ ، النهاية ترجمت سنة 1993 ) ورواية مالون يموت ومحاولات اخرى لمترجمين اخرين لكنها قليلة جدا لا تفي عالم بيكيت الروائي الواسع حقه.

--------------------------------------
المصدر : المدى 
تابع القراءة→

أطروحة دكتوراه في " الدور الاتصالي لمسرح الطفل في ضوء الثقافة الثالثة"

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, أبريل 24, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 يتناول البحث موضوعة الثقافة الثالثة كفلسفة وفكر وموضوع ومفهوم ثقافي وضرورة معاصرة ، بوصفها عملية مصاهرة بين العلوم الصرفة والإنسانية ، وبين المشتغلين في تلك الثقافتين ، متناولاً فكرة الإنتقال الثقافي عبر مسرح الطفل وآلية هذا الإنتقال وماهيته تطورياً من جهتي الإنتاج والتلقي الثقافيين ، مفسراً الانتقال الثقافي وعملية الاتصال عبر الثقافة الثالثة لمنظرها (سي بي سنو). وانطلاقاً من تلك المفاهيم نفسها استعرض البحث نظرية الميمياء لـ(ريتشارد دواكينز) بوصفها نظرية تطورية تماثل نظرية التطور الجينيائي وهي وليدة مجموعة من العلوم التطورية والعصبونية والمعلوماتية وعلم النفس التطوري والأنثربولوجيا وعلم انتشار الأوبئة والعلوم الإنسانية والفلسفة ،فهي مقاربة بين تلك العلوم والانسانيات جميعاً حتى من ناحية الشكل اللفظي، (ميم) و(جين). ووضح البحث بشكل تفصيلي آلية الاستنساخ الجيني ، لتكون أرضيةً ومنطلقاً لتوضيح مفهوم (الميم) وآلية تناسخه وانتشاره ، ونظراً لتداخل مفهوم الإتصال بين مفاهيم علمية من جهة تتعلق بالجوانب البيولوجية للمنتج والمتلقي جينياً و بيوكيميائياً وبيوفيزيائياً، وإنسانية من جهة أخرى ، تتعلق بالشكل الخارجي للمنتَج الثقافي، والمضمون الداخلي له ميميائياً، ينعكس على تلبية حاجات المجتمع ككل – الطفل والأسرة - على خط واحد لحاجة المجتمع عموماً إلى ثقافة توازي التطور الحاصل في العصر الحالي في مجالات الحياة جميعاً، وتطور مدركات الطفل المعاصر خصوصاً .أما من جهة سبل العرض المسرحي والمشتغلين فيه فإنه تبنى مفهوم المسرح الثالث لـ(يوجينو باربا ). ووضح البحث أبعاداً عدة للشخصية المسرحية عبر تشريح انفعالاتها هرمونياً وعصبياً ، مبيناً أثر تلك العلاقة البيولوجية بين كل من العرض ، والممثل ، والمتلقي . كما قارب البحث الحالي بين الشفرة الجينية للأحياء والشفرة الميميائية للمسرح مبيناً المواضع الميميائية التي أحدثت طفرات تطورية في المسرح أفضت إلى أساليب مسرحية معروفة، على غرار الطفرات الجينية، وإمكانية احتمال حدوثها مستقبلاً . و تمثلت مشكلة البحث و مبرراته بـالحاجة إلى آلية تتم عبرها دراسة عروض مسرح الطفل ، وفق متطلبات الطفل المعاصر والمستقبلي. وندرة التوجه نحو ثقافة ثالثة تقرء عبرها وتقدم عروض مسرح الطفل . وندرة دراسة الدور الإتصالي لمسرح الطفل بشكل علمي حداثوي تتعلق بالبنية التكوينية للإنسان (الجينات) وعلاقتها بالبنية التكوينية لإنتاج الثقافة (الميمات) . و طرح أكثر من رأي في طريقة هذا الإنتقال الثقافي وأنواع الإنتقال الميميائي وصولاً إلى آلية تشريح الوحدات المعلوماتية الصغرى – الميمات- للعروض المسرحية عبر بناء استمارة تحليل الإستراتيجيات الميميائية في العروض المسرحية. وجرى أيضاً تشريح عملية الإتصال الكوني وتوضيحها من ناحيتي الإتصال الجينيائي والميميائي ، وعلاقة عمليتي إنتاج العروض المسرحية وعملية التلقي الفردي والجماعي للمتلقي الحاضر والمستتر، والأخير يمثل  المتلقي الذي تنتقل إليه فكرة العرض المسرحي عبر المتلقي الحاضر الذي شاهدها وأدرك أفكارها أو ذلك المتلقي الذي يتابع العرض عبر شاشة الحاسوب أو أي تقنية تكنولوجية أخرى بعد أن أوضح مفاهيم تتعلق بالمسرح الرقمي والإفتراضي وغيرها. وأهمية رفد مسرح الطفل المعاصر بأنواع جديدة من الدمى سواء الدمى الأليكترونية أو دمى ألعاب الطفل المتداولة والدمى السبرنطيقية والتقانات الحديثة كالهولوغرام والشاشات المتطورة متخذاً من منهج العبرمناهجية سبيلاً لتحقيق هدفيه المتمثلين بـتعرف ماهية الدور الاتصالي لعروض مسرح الطفل في ضوء الثقافة الثالثة. وتمثل الهدف الثاني بتعرف بناء الاستراتيجيات الميميائية وآلية تقصيها في مسرح الطفل ، عبر بناء استمارة تحليل على وفق متطلبات العبرمناهجية في تحقيق الفهم استناداً إلى الأسس الميميائية بوصفها خير من يمثل الثقافة الثالثة . وجرى بناء الاستمارة تلك وفق الضوابط المعتمدة في البحوث العلمية في بناء استمارة التحليل والتي فحصت صلاحيتها عبر تحليل عرض مسرحية عالم الفيتامين لـ(حسين علي هارف) بوصفها نموذجاً تطبيقياً للبحث .  مستخدماً معامل ارتباط بيرسون لاستخراج ثبات المحلين ومن ثم توصل إلى جملة من النتائج النظرية والتطبيقية أهمها : تحقق هدف البحث الأول المتمثل بتعرف الدور الاتصالي لمسرح الطفل في ضوء الثقافة الثالثة عبر تحقق أهداف فرعية عدة . و تحقق الهدف الثاني من البحث المتمثل بتعرف بناء الاستراتيجيات الميميائية وآلية تقصيها في مسرح الطفل ، عبر انجاز بناء استمارة التحليل الموضحة في الهدف الثاني .  وهناك نتائج أخرى منها مايتعلق بالعرض التحليلي النظري لمفهوم الثقافة الثالثة والإتصال الكوني ومنها على صعيد صلاحية استمارة التحليل المقترحة في تشريح الإستراتيجيات الميميائية . وأفرز جملة من الاستنتاجات المهمة ، منها : إن الدور الاتصالي لمسرح الطفل البحث هو اتصال كوني يتعلق بالمكونات الكيميائية والفيزيائية والعصبية والوراثية للجينات والميمات .كما تسهم دراسة الميمياء في تعرف آلية الإنتاج والانتقال الثقافيين بين الأفراد ومن ثم تعزز من قدرة الميميائيين المسرحيين في إنتاج ميتاميم يضم ميمات مدروسة . وخرج بتوصيات عدة منها : أن تدرس كلية الفنون الجميلة مادة الميمياء كمنهج دراسي في جميع أقسامها عبر استحداث منهج جديد في كلية الفنون الجميلة يتعلق بتبسيط العلوم الحديثة والتعاون مع الكليات العلمية في رفدها بمتخصصين يعملون كحلقة عمل مع متخصصي الفن في الكلية . وأن تعمل وزارة الثقافة على تعزيز أواصر تعاون دائم بين كل من وزارة التعليم العالي ووزارة التربية لتشكيل جمعية علمية –إنسانية. واقترح إجراء الدراسات التي يعتقد أنها مكملة لبحثه منها : أسس كتابة نصوص مسرح الطفل في ضوء الثقافة الثالثة . وبرنامج تدريبي لمسرحة العلوم الحديثة للأطفال على ضوء النظرية الميميائية .
و اطروحة الدكتوراه الموسومة" الدور الاتصالي لمسرح الطفل في ضوء الثقافة الثالثة" هي جزء من متطلبات نيل شهادة الدكتوراه في فلسفة التربية الفنية للباحث "أسعد عبد الكريم علاوي الهاشمي" وتالفت لجنة المناقشة من ا.د. ماجد نافع عبود، رئيسا للجنة، وا.د حسن علي هارف، عضوا، ا.د.منير فخري الحديثي، عضوا،ا.م.د.علي حداد حسين، عضوا، ا.م.د.صباح عطية سويح، مشرفا.


--------------------------------------
المصدر : كلية الفنون الجميلة - بغداد

تابع القراءة→

السبت، أبريل 23، 2016

رجل المسرح

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, أبريل 23, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

حسنا فعلت دار الثقافة الكردية للنشر بوزارة الثقافة حين استذكرت رجل المسرح الفنان قاسم محمد، الذي ملأ الدنيا بأعماله المسرحية الخالدة منذ «النخلة والجيران»، و «الشريعة وبغداد الأزل» وغيرها من روائع المسرح العراقي. وكان يفترض أن تحتفل به مؤسسات المسرح مثل دائرة السينما والمسرح أو معهد وكلية الفنون، لكنه جاء من دائرة الثقافة الكردية في موقف تشكر عليه .
قاسم محمد فنان كردي لكنه لا يعرف التكلم بالكردية، لأنه نشأ في بغداد وعاش في الغربة طويلا. وهو خريج موسكو، درس على حساب وزارة التربية واشترطت عليه أن يخدم لعشر سنوات في معاهدها فدرس في معهد الفنون الجميلة.
قاسم محمد ليس فنانا عاديا بل هو رجل المسرح بحق ممثلا وكاتبا ومخرجا ومنظرا.
في المسرح قاسم محمد يشبه العمال الذين تعودوا أن يخرجوا للعمل مع نفحات الفجر الأولى وهم ينشدون نشيد اليوم الذي يخفي خلفه غبار الأمس وقلق الغد.
كان يؤمن بأن المسرح هو نوع من التصوف المعاصر الحديث في هذا العصر المادي المخيف. ويقول عن ذلك: «أن تتصوف يعني عميقا تتعرف، يعني تزهد في الزائل.. تتجاوز حد المائل.. يحسدك المدهش.. للروح من الروح.. تتحول.. تحاول يا بناء الله.. ان تتكامل مع الله تتماثل.. تعشق.. تتعاشق.. ولفرط عشقك يعصي عليك
البوح.. فلا تبح.. تبقى كالمجروح.. معلقا في سمو تكسر الروح.. تخلق ألف روح.. لأنك تتصوف.. لأنك ملهوف.. تتعرف.. لأنك تخرق الصفوف صفا، لأنك تحترق.. تخترق.. تعبر الى اللامألوف المألوف.. راكضا.. لاهثا.. ملهوفا».
عمل قاسم على التجريب كثيرا، وكان يجرب جميع الأساليب في الكتابة والإعداد والإخراج، منطلقا من مقولة بيتر بروك الشهيرة: «لا شيء صائبا أبدا لذا علينا أن نديم التفكير والتعبير والابتكارات».
كذلك انشغل قاسم محمد بالتراث كثيرا فدرسه دراسة متأنية وغرف منه الكثير ليعد من خلاله الكثير من الأعمال المسرحية أبرزها مسرحية «بغداد والأزل بين الجد»، و»الهزل وراس المملوك جابر» و»كان ياماكان» و»طال حزني وسروري في مقامات الحريري».
الكتابة عند قاسم محمد كما يذكر في رسائله هي كالإبداع المسرحي خروج وولوج! خروج عن العالم الساكن، وولوج الى عالم الأحياء والإبداع والابتكار وهي ايضا مقاومة الفناء في عالم كل ما يحيطنا فيه عنصر من عناصر الافناء. إذن علينا أن نواصل العطاء (الزين) ولا بأس أن نلقي بهذا (الزين في شط مياه الناس)!، كما كان قاسم محمد واحدا من أهم كتاب ومخرجي مسرح الطفل في العراق لا بل حتى من مؤسسيه. وأذكر لحظة وفاء نادرة قوبل بها قاسم محمد حين أطلق اسمه على دورة مهرجان مسرح الطفل في نفس العام الذي رحل فيه. وأثناء المهرجان فتح الفنان د.شفيق المهدي خطا مباشرا على الهاتف الجوال مع قاسم محمد في الشارقة وقال له اسمع جمهورك يهتف يا فناننا الكبير، فرد قاسم والسعادة تملأ نفسه: إنه وفاء ووفاء من نوع آخر. ويؤمن هذا الفنان الجليل بأنه توصد أبواب العالم الواقعي القريب.. يمكن لخيالك أن يخلق عالما خياليا وبعيدا، ويمكن للخيال ان يستحضر الأشكال والتكوينات العظيمة وكذلك الرؤى التي تسحر الألباب. لذلك كان قاسم محمد يعمل بخيال كبير.

--------------------------------------
المصدر : قحطان جاسم جواد - الصباح 
تابع القراءة→

الجمعة، أبريل 22، 2016

ربيع مروة.. عبور عكسي إلى ميونخ 72

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

في 5 أيلول/سبتمبر 1972 نفّذت "منظمة أيلول الأسود" عملية ميونخ في ألمانيا. في 18 نوفمبر 2015، قام المخرج المسرحي اللبناني ربيع مروة مع شريكتيه في الأداء منال خضر ولينا مجدلاني، بتفجير سرير على خشبة مسرح "دوار الشمس" في بيروت.
حذّر منفّذو التفجير من قوة الضوء الذي سينجم، وطلبوا من الجمهور إغماض أعينهم لكي لا تعمى، وانتهى العرض فعلاً بتفجير سرير، في حين كان بدأ بقصة خرافية يرويها صوت مروّة عن قرية تسكن أسرّتها الأشباح.
هذه الحكاية الأمثولة التي تُروى في البداية ستغدو بلا معنى مع الوقت، ستتلاشى، هي ليست شيئاً سوى التفاتة للكيفية التي كانت تروى بها حكاية بلا صورة. ثم تُنسى الحكاية وتنتقل بنا المسرحية إلى ميونخ 72.
استخدم المخرج كل ما يمكن من أساليب السرد المسرحي وأدواته؛ الصورة والنص والفيديو والوثيقة وحتى قص الحكاية بشكله التقليدي، ليسأل: لماذا لا توجد رواية فلسطينية لما حدث في ميونخ؟
مع تقدّم المسرحية نلمس تحولاً في السؤال إلى: لماذا ليس ثمة حكاية عن التفجيرات أو عن الاختطاف من دون أن يكون رواتها منفذيها أو ضحاياها؟ ماذا لو روينا حكاية البحث عن حكاية الخطف؟ ماذا لو كان العرض برمّته عن العبور العكسي إلى ماضي الحكاية لإعادة إنتاجها من قبل أفراد ليس لهم علاقة مباشرة بها.
ثمة الواقعة، ميونخ 72، وثمة بحث مروّة عن الواقعة، سيروي كيف توصّل إلى نسخة العرض من رواية هذه الواقعة. كيف جُمعت الوثائق، ما وصل وما لم يصل منها، كيف فكر الفريق في المسرحية..إلخ. لكن حتى هذه الوثائق، على المتلقي أن يفكر دائماً فيها كوثيقة ما، تقول شيئاً ما، عن ماضٍ ما، ليس بالضرورة أن يكون أكيداً.
تظهر وثيقة بقائمة تضمّ أسماء الـ 236 فلسطينياً المطلوب تحريرهم مقابل الرهائن، حصل عليها المخرج من ملف التحقيقات الرسمية في ميونخ، معظمها أسماء غير مقروءة، المقروء منها يبدو غير حقيقي، هل كان ثمة قائمة فعلاً؟ ليس الجواب مهماً.
عملية ميونخ، كانت اللحم الذي كسا عظام العرض، ستقول خضر -الشريكة في كتابة النص- في مصارحة مسرحية حول ظروف كتابة العرض وحول كونها فلسطينية، إن العرض ليس عن ميونخ، "إنه عن فلسطين"، كم كانت هذه العبارة متوقعة وكم هي مألوفة.
يمكن لأي متفرج أن يجادل بأن هذا ليس صحيحاً، العرض ليس عن فلسطين، إنه عن لحظة مهمة، ميونخ كعملية حدث فيها الكثير من العنف، وكان للصورة علاقة مباشرة في ذلك، ما قد يربطها على نحو ما بالحاجة إلى الصورة، والحاجة إلى منبر، الأمر الذي يدير أحداث العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين.
"عصر الصورة" وعروض العنف، كما عشناه في الأربعة أعوام الأخيرة شريك أساسي يقف خلف عرض مروة هذا، حيث نجد الكثير عن آليات إنتاج العنف عبر الصورة، عن الشعور بأنك تحت التهديد (طيلة العرض ثمة وعد بتفجير سرير على الخشبة)، عن فخ الوقوف/ الوقوع أمام الكاميرا، عن علاقة أية سلطة بموقعها من الكاميرا، عن علاقة المقاومة بالكاميرا، عن علاقة الإرهاب بالكاميرا، عن العنف حين يصير عرضاً، عن الصورة، الصورة، الصورة.
"في أنشودة الفرح" ثمة ثلاثة أنماط من الصورة، هناك الصورة الوثائقية، والصورة الراهنة التي تحدث على المسرح، وهناك الصورة الغائبة والمقصود ألا يتم عرضها، حتى إن قوّتها تظهر في استبعادها.
الصور الوثائقية تخدم كأدوات لإعادة تمثيل مسرح العملية، يروي مروّة حصول فريق العمل على الصور والوثائق التي طلبها من السلطات الرسمية في ألمانيا. نرى كذلك صوراً لفدائيين في السبعينيات التقطت لهم في استوديو وهم يتقلدون الكلاشنكوف، متخذين "بوزات"/وضعيات مختلفة. مفهوم أن صور الاستديو هي الوحيدة البلاأيدولوجيا، صور طريفة لأشخاص بالشارلستون يحملون الكلاشنكوف كما لو كانوا يحملون غيتاراً.
الصورة الأخرى متحرّكة وتمثل مسرح العرض، وهي ليست جديدة على مروّة وعلى هذا النمط من المسرح المابعد درامي عموماً، وفيها ينقسم العرض إلى قسمين؛ الأول نراه على الخشبة لحظة يحدث أمامنا، والآخر هو الفيديو كصورة طبق الأصل عن العرض لكنه مسجل، الأمر الذي يضع المتفرّج في حيرة، هل هذه الصورة للمؤدّين انعكاس لهم أم أنها تسجيل لما حدث في زمان ومكان آخرين؟
الصورة الغائبة تنقلنا فجأة إلى تدمر، حيث الجريمة هي ما يحدث في الظلام وبلا صورة على الخشبة، بينما هي تحت أضواء الإنترنت في الواقع. هنا يظهر نص مكتوب يروي كيف أعدم "داعش" 25 سورياً على المدرج الروماني في تدمر، في عرض مسجل بثه التنظيم كما لو كان مسرحية مرعبة. الصورة غائبة لأنها راهنة، لأن عرضها لن يعني شيئاً سوى أن يأخذ المتلقي إلى مكان ليس هو موضع اهتمام العمل.
تمثل عملية ميونخ 72 مسرحاً عنيفاً التقى فيه الشرق بالغرب، الاحتلال بالمقاومة، الإمبريالية بالقضايا العادلة، المشاهدون بعرض واقعي ونادر. هي أيضاً لحظة تاريخية غير مطروقة مسرحياً، مرتبطة بفكرة العنف والعرض Spectacle، العملية نُفّذت في حدث عالمي أمام الشاشات بقصد أن يشاهدها الملايين ولفت انتباه العالم إلى قضية عادلة. بُعدها التاريخي يجعلها الحكاية الأمثل للحديث عن كيف نفهم العنف؟ كيف يوظفه الآخر؟ وما علاقة ذلك بالصورة؟
لكن التحوّل من ميونخ إلى داعش خيار مروّة الخطر، يمكن أن نقبله لو سلّمنا أنه حين يعلن أن الجريمة هي تلك التي تحدث في الظلام يضع فرقاً واضحاً أمام الآلة الإعلامية والسياسية العمياء أو المتعامية التي تسمّي المقاوم الفلسطيني إرهابياً وتطلق الوصف نفسه على الداعشي.
وإن كنا سنفتش عن أي موقف سياسي للعمل، فهو لا يخلو من دلالات تؤشر هنا وهناك، يمكن أن يحس المتلقي أن هناك ميلاً إلى السؤال: هل كانت ميونخ حماقة؟ خطأً؟ إرهاباً؟ أسئلة لا تقال بفجاجة، تثار فقط، تسمعها مثل همهمة، لن يسمح لك العمل بالتأكد مما يقول بل الشك فيه، تحس بها وتنزعج منها، لكنك تستمر في المشاهدة.
---------------------------------
المصدر :  نوال العلي - العربي الجديد 

تابع القراءة→

رؤى بصرية لسينوغرافيا أوبرا بارسيفالParsifal لروبرت ويلسون/ راندا طه

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

الأوبرا للموسيقار الالماني "فاجنر"Wagner ، وأُلفت في القرن الثاني عشر، وتحكى عن" بارسيفال Parsifal "ابن فارس شهير، قُُتل أبوه وعماه في عدد من المبارزات،وربته أمه في أعماق الغابة بعيداً عن الناس،ابتغاء أن تُبعد عنه حياة الفروسية وواجباتها،لكنه لم يكد يبلغ الشباب حتى يلتقى في الغابة بخمسة فرسان مسلحين يركبون أفراساً وأنبأوه بحقيقة شأنهم، وبثوا في نفسه الرغبة في التجوال في الدنيا،فترك أمه التى زودته بالسلاح وهي تبكي، ومضى إلى بلاد الملك آرثر وجرب أول تجربة في المبارزة فقتل الفارس القرمزي-العدو الشخصي اللدود للملك العجوز آرثر- وكان خصماً عنيداً لم يستطع قهره أحد من قبل.
وأخذه أحد النبلاء إلى قصره وتمم تربيته، ومن هناك ذهب لتخليص الأميرة المسكينة الملقبة بالزهرة البيضاء، والتى كان يحاصرها في قصرها جيش من الأعداء،ثم تعرف إلى الملك بشيور (أو الصياد) عمه، والذى كان يملك الكأس المقدس والرمح الذي تقطر سنه دماً باستمرار، وكان محاصراً فأنقذه بسيفه، وبعد موت الملك عُرفت صلة القرابة بينه وبين بارسيفال فصار وريثه.

ويُنصبه الملك آرثر في قصره بكل مظاهر الحفاوة، ويصبح مالك الكأس المقدس والرمح العجيب والتى تمتلك قوه خارقة، ويمل برسيفال بعد سنوات من مظاهر الحياة الدنيوية فيترهب، وعند موته يرتفع الكأس المقدس والرمح العجيب إلى السماء بمعجزة. [1]
أوبرا بارسيفالParsifal للمخرج "روبرت ويلسون Robert Wilson" [2] ،وتصميم "استيفان انجلنStephanie Engeln "،ومصمم الاضاءة Stephanie Engeln،عُرضت لأول مرة عام 1991م فى هامبورج، وأعيد عرضها عام 2005م فى مسرح لوس انجلوس.
رسم المخرج "روبرت ويلسون "وهو مصمم داخلى ورسام ومخرج امريكى ومصمم حركى ونحات اخرج عروض مثل" Einstein on the Beach " و Faust وغيرها من العروض وله رؤيه بصرية تختلف عن المخرجين الاخرين فهو يقول " إننى أفكر فى إعدادى للصور والتصميمات والرسوم لكن ليس الهدف من الصور تصوير النص ".
يحكى العرض عن بارسيفال ورحلته الطويلة حتى الحصول على الكأس المقدس، استعاض ويلسون عن المشهد الطبيعى بمستطيل ابيض يشكل شاشة للعرض الفيلمى من اللون الابيض واللعب بالاضاءة ، والعنصر المسيطر على المشهد هو الماء ، ,اثناء العرض يظهر الكأس المقدسة هابطاً من السماء على هيئة قرص ابيض يحيط بشكل كرستالى يعبر عن كنيسة العهد الجديد [3]، وبجوار القرص الابيض ذوالأضاءة الخافتة يظهر بارسيفال بمفرده على المسرح شاخصاً للفضاء ، و يلتقي القرص والجبل عند قول"جورنيماز Gurnemanz" "الزمن يصبح فضاء" "Time becomes space"، فيبدأ الجبل فى الأرتفاع عبر القرص الدائرى،ثم يظهر الملك "امفورتاس Amfortas " على القرص ، وأخيراً يخرج الكأس المقدس من الجبل الثلجى ويُفتح.
استخدم ويلسون الإضاءة للتعبيرعن الحالات النفسية والشعورية كما ركز على حركات الشخصيات فى العرض،ويحدث تحول فى الإيماءات والإضاءة الدرامتيكية فى السماء فعند ظهور "امفورتاس Amfortas" لإول مرة بالاضاءة الخلفية كسيلويت وعندما يبدأ فى الغناء يبدأ فى الظهور بالتدريج ،ويشاهد بارسيفال تلك الاحداث كشاهد عليها كالجمهور ثم يبدأ فى الحركة ببطء بشكل لولبى ودائرى.

فى الفصل الثاني الأكثر درامية، يبدأ بظهور قلعة "كلنجسور" Klingsor ، ويرتفع برج" Klingsor "خارج البحيرة، فى مشهد ليلي قمرى اشبه بالعمود الاسود يبزغ من الماء مزود بباب يفتح ليشع ضوء فلورسنتى على المنصة، ليظهر الشريركلنجسور بالمكياج البانتوميم والعين المشوهه ،ويتحرك فى ايماءات تجعله اشبه بملك الليل[4] ،وتقف"كندرىKundry "على حافة البحيرة ، ثمّ يتحول المشهد لأسفل الماء ،وتظهر نساء يرتدين اللون الابيض ويحملن زهور ، ويدور الحوار بين" كندرى Kundry "و"بارسيفال" و يتحدثان على صخرة فوق سطح البحيرة، وتحمل" Kundry " عصا و تستخدمها كرمح أو كعصا سحرية، وتحملها وتمررها على ذراع بارسيفال ، و يتحول الرمح الى شعاع ضوئى يعبر المنصة فى الفضاء ، ثم تظلم الصخرة وتضاء بإضاءة خلفية لتتحول لسيلويت ويتحول كلنجسور بزيه الاسود الى جزء من الصخرة .
المشهد الثالث مشابهه للأول ، وفيه يدخل "جارنيماز Gurnemanz" وبارسيفال على المنصة ويتحول بارسيفال الى الفارس الأسود ويظهر القرص باللون الاسود وعندما يغنى بارسيفال يبدا الكأس المقدس فى الغناء ويتحول بالتدريج القرص للون الابيض كما يظهر الفرسان بزيهم الاسود كالرماح ليشكلوا حائط طويل على المنصة ، قبل النهاية تظهر النيران فى منتصف القرص بدلامن جبل الثلج. [5]
رسُمت كل حركة للممثلين بدقة،والرقص فى العرض أشبه برسم الخطوط فى الفضاء،وتم التركيز على الحركات الصغيرة أكثر من الحركات الكبيرة ، والماكياج أكثر شرقية ولازمانى .
حقق ويلسون من خلال عرضه الإقلالي الأبعاد الشكلية التى تشكل الصور الذهنية فى عقل المتلقى،واستخدم الحركة البطيئة لممثليه كما اعتمد ويلسون على حركة الاضاءة والستائر لاعطاء العمق لخشبة العرض، وتصميمه أقرب للونين الابيض والأسود.كما ترجمت السينوغرافيا التركيز على معانى العرض من الرموز والدلالات،وحققت التفاعل بين تراكيب ويلسون المجردة،واحدثت الحركة المتكررة ذات الصياغات المتعددة لفرسان الكأس المقدس من مناسك لحماية الكأس المقدس، وكذلك مراسم الساحر المظلمة العديد من الاشارات الرمزية الروحانية. فالحركة تمثل لويلسون شكل من أشكال النحت الحى ،أو برسم الخطوط فى الفراغ ففى عرضه بارسيفال ركز على الحركات الصغيرة بدلاً من الكبيرة إستناداً على أن هناك دائماً حركة فى عرضه. [6]


الهوامش:
[1]1- الكأس أو الجرال اسم أطلق على الإناء المقدس الذي تزعم الأسطورة أن يوسف الرامي، أحد تلاميذ المسيح، قد التقط فيه دم المسيح وهو على الصليب. وهو نفس الإناء الذي شرب منه يسوع المسيح وهو في العشاء الأخير.

[2] - روبرت ويلسون ( 1941-) مصمم داخلى ورسام ومخرج امريكى ومصمم حركى ونحات وغيرها من العروض (http://en.wikipedia.org/wiki/Robert_Wilson_(director)

[3]-http://www.nytimes.com/1992/02/20/arts/review-opera-robert-wilson-stages-his-vision-of-parsifal-in-houston.html?pagewanted=all&src=pm -[3]
[4]- http://www.nytimes.com/1992/02/20/arts/review-opera-robert-wilson-stages-his-vision-of-parsifal-in-houston.html?pagewanted=all&src=pm

[5]-http://www.wagneroperas.com/indexwilsonparsifal.html
[6]-http://search.laopera.com/learn_more/article_detail.asp?productionid=194&articleid=134
تابع القراءة→

أيقونات الحياة والسلام بسينوغرافيا حفل ريكى مارتن Livin' La Vida Loca world / د. راندا طه

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

اقيم العرض عام1999م ،وصمم المشاهد "بروس روجرز"Bruce Rodgers، وهو مصمم مسرحى لعدد من العروض المسرحية خاصاً الموسيقية كعرض مادونا Drowned World " و" summer Olympic Atlanta 1996" واخرج العرض "جيمى كينج Jamie King" ، وهو مخرج مسرحى ومصمم حركى لعدد من العروض المسرحية لعروض مايكل جاكسون وصمم الاضاءة "بيتر مورس Peter Morse" .
استلهم المصمم العرض من صورة لوجه ريكي المأخوذه من إحدى المجلات الموسيقية ،ومن أبعاد وجهه استلهم مشاهده ، بالإضافة لإستلهامه التصميم السينوغرافى من أهم أربعة أشياء فى حياة المطرب ريكى وهى الحياه ،الحب،الموسيقى والسلام .
والمسقط الافقى عبارة عن شكل حلقى “donuts” ذو دائرتان ، الدائرة الداخلية تتحرك بريكى فى اتجاه معاكس لحركة الراقصين وظهرت بالعرض المسارات الطائرة لنزول ريكى والراقصون، والمصاعد والتى تم التحكم فيها بواسطة عدد من الرافعات الآلية ، واثناء غناءه " I Am Made of You" يصعد ريكى لإعلى بواسطة مصعد دائرى circular lift ويبدأ بعدها فى الطيران بعيداً عن خشبة المسرح. 
تحركت "حوائط الفيديوVideo walls" خلال العرض ، واستخدمت كستار فى أول العرض قبل تحركها لكشف المنظر ،و العرض عن آله الزمن والتى تبدأ بأغنية ريكى "La Vida Loca" ثم تبحر للماضى من خلال أغانيه السابقة،وشاشات الفيديو تعكس الحالة النفسية والمزاجية لكل فترة سابقة فى حياة المغنى ريكى. 

عُلقت اجهزة الاضاءة من زوايا عالية ،واستخدمت اجهزة سبوت واجهزة Vari-Lite، و اضىء العرض باجهزة سبوتSpots ، اجهزة PAR،امشاط Mini-Strips ،كشافات تتبع followspots، اجهزة دخان وضباب ،و اجهزة فرينل فى عدد من الاماكن فى العرض وهى مزودة بنظام آلى خاص تُمكن الجهاز من الانخفاض لمسافة 11م، بالاضافة لوحدات الانشاء المعدنى العمودية لتعليق اجهزة الاضاءة فى اجناب خشبة المسرح الممتد. 
شكلت السينوغرافيا مفهوم العرض المستلهم من أهم أربع أشياء فى حياة ريكى كرموز صاعدة من مخيلة ريكى تصعد من أرضية خشبة المسرح أثناء حركة الراقصين ،وهذه الرموز الصاعد أشبة بأيقونات العواطف والمعتقدات لريكى .كما جسدت عدداً من التشكيلات والرؤى البصرية المتنوعة التى عبرت عن العرض من المشاعر والاحاسيس المختلفة وتداخلت مع الموسيقى بإيقاعها اللاهث وتناول مفهوم العرض الدنيا المجنونة التى نحيها بما فيها من ألوان بر
اقة ولامعة
.

الهوامش :

http://en.wikipedia.org/wiki/Jamie_King- 
-http://livedesignonline.com/mag/live_design_international_2 
-http://www.allaccessinc.com/html_files/abtnew.html 
-http://www.allaccessinc.com/html_files/abtnew.html 
-http://livedesignonline.com/mag/lighting_oh_ricky_youre/index.ht
تابع القراءة→

الفكاهة بالتمثيل في كتاب هكذا عرفتهم لجعفر الخليلي / نجاح هادي كبة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

التمثيل في أبسط تعاريفه هو تقمص شخصية الآخرين في التعبير على لسان الشخوص بوساطة حكاية والاهتمام بالحوار والحبكة الدرامية ثم تعقد الحوار للوصول إلى الذروة ، فالحل ولابد من توافر المكان والزمان والحدث .

وفي كتاب (هكذا عرفتهم) حكايات فكاهية تأخذ أطرافاً من فن التمثيل التقطها المؤلف جعفر الخليلي من الرواية الشعبية أو ما وقعت عليه عيناه وأبطال تلك الحكايات يمثلها أناس فطريون تأتي الفكاهة والنكتة والمطايبة والمقالب على لسانهم كسجيّة وطبع لا تطبّع قد يكون أبطالها شعبيين او شيوخ دين فضلاء أو وجهاء تلك الفكاهة مرتبطة أشد الارتباط بالتمثيل وهي بمجموعها سيناريو تحتاج إلى مونتاج صائب لتعكس معادلاً موضوعياً لبيئة النجف التي يغلب عليها الطابع الديني والمتمرسة بالدراسات الإسلامية والعربية بجد ، ما يجعل تلك الفكاهة المرتبطة بالتمثيل تعبيراً عن المكبوت في الشخصية النجفية وتتصف تلك الحكايات الفكاهية المرتبطة بالتمثيل بلغة شعبية وأجواء محلية تسمع من طريقها كلمات مستملحة بتقبلها السامع ولتضحك الآخرين وهي جزء من سيناريو التفكه الذي منه وصف الشعر النجفي الخمرة والتغزل بالغلمان أو بالمرأة على سبيل التظرّف لا الواقع ، ويكون لمجالس الأدب والفقه دور في نشر الفكاهة والنكتة لاسيما حين تتعطل الدراسة الدينية في رمضان إذ تستمر المجالس من العشاء إلى السحر إذ يتقارض فيها الأدباء والشعراء ورجال الدين ما لذّ وطاب من الشعر والفقه والفكاهة ، يتحدث جعفر الخليلي عن أحد المجالس الأدبية النجفية ، فيقول (وطابت هذه المجالس … واقترحوا أن لا يتركوا دار السيد مير علي نهار الأربعاء مع من يتركها من بقية الزائرين … فإذا ما حان الظهر حمل كل فرد من هؤلاء الأصدقاء غذاءه الى بيت السيد مير علي ، ودعا هو بغذائه ، فكانت من كل ذلك مائدة واحدة، وقد أطلق على طائفة خاصة من هؤلاء الأصدقاء اسم (الصفوة) كان منهم الشيخ حسين الحلي والسيد علي بحر العلوم ، والشيخ محمد حسين المظفر و … وحرصت هذه الصفوة كل الحرص على أن تجعل من يوم الأربعاء بعد انصراف الزائرين يوم متعة ولذة ربما كانت تتجرد من قيود المجتمع ، ليواجه بعضها بعضاً بحقيقته وبذاته ومباذله ولم يكن هذا التجرد- غير الإفساح في المجال لأنفسهم فيضحكوا ما شاء لهم من الضحك) .

ثم يلتقط جعفر الخليلي بعين الكاميرا أدوار المجتمعين بالمجلس فيقول : (ليعلقوا على الأخبار الأدبية والمقاطيع الشعرية بما شاءت لهم الحرية والفكاهة ويعطوا لأنفسهم المتعة الكاملة في الأكل حتى وان جاءت هذه المتعة عند الصفوة عن طريق اختطاف اللقمة من فم صاحبها ، أو إسراع بانتزاع اللحم من الحساء وحرمان الآخرين منه ، أو بمهاجاة شعرية مستملحة مقبولة تتجاوز العشرات من أبيات الشعر المرتجلة الهازلة ، إلى غير ذلك من اللذة البريئة التي تنشدها نفوس وأدباء تعبوا على انفسهم بعض التعب ، وعلى هذا فقد يتغيّر مجلس الواحد من الصفوة عدة مرات ، فحين يكون إلى جانبك في هذه الدقيقة لا يلبث أن يكون في طرف يعيد إلى جانب شخص آخر)، والفكاهة بالتمثيل لها أهداف أخرى غير التسلية والضحك واطلاق المكبوت من اللاشعور ، منها :

التشجيع على قرض الشعر ، يقول جعفر الخليلي عن مجلس السيد (مير علي) نفسه (التفت إلى الجميع قائلاً – اشهد انه لا يليق بمثل هذه الفوضى التي جئتم بها غير بيت من شعر (الأبوذية) العام ، فمن منكم يجيز هذا الشطر :

(جماعتنه بأكلهم كسفونه)

فضحك الجميع وأجازوا البيت حتى جعلوه عشرين شطراً وليس ثلاثة شطور كما في القاعدة في نظم (الأبوذية) ، والتفت بكدمة ونتوء بحجم الجوزة تعلو جبينه من اثر الاصطدام … ولكن هل تغيّر وجهه ؟ هل تنكّر لجلسائه ؟ وهل قال شيئاً؟)()، ولكن ماذا كسب السيد (مير علي) غير التسلية والضحك ، فيجيب جعفر الخليلي (وشاع مجلس (الأربعاء) بأحاديثه وأدب (الصفوة) وشعرهم ، وظرفهم ومباذلهم في مجالس النجف ومنتدياتهم ، واصبح الاستقراء والاستنتاج والمساجلات في الشعر وتبادل النكات وابتكار الملح والفكاهة كشيء ملتصق بنادي السيد مير علي الأدبي أو باسمه على الأصح) ويرصد الخليلي نقدات لاذعات لعويص اللغة والمطالبة بتيسيرها ، لاحظ هذا الحوار الدرامي ، يقول الخليلي عن السيد رضا الهندي – وهو رجل دين له شأن في العلم والأدب – حين يزور مكتب الخليلي الصحفي في النجف آنذاك (فصار يجتهد في نقل ما وسع في ذهنه إلى ذهني من روائع الأدب … وارتفعت الكلفة فيما بيننا ، وأدرك اني لست من الذين يتخيلون للعظمة صورة خيالية بحتة متى تجردت منها لم يعد للعظمة معنى عندهم … وكان إذا دخل مكتب الجريدة وهو متعطش لشرب الشاي – وكان منهمكاً بالشاي كثيراً-نادى (انا شايان) (انا شايان) … واعترضه أول يوم سماعي لهذه الصيغة الغربية واستعماله كلمة (شايان) بقصد الشاي قال :

إذا حق لذاك الفقيه العجمي أن يستعمل هذا القياس في كلمات ابعد ما تكون معنى عن قياسي أنا ويصيب المرمى بها فكم بالحري أن يحق لي أنا استعمال هذا القياس في المعنى القريب) ، ويضيف الخليلي : (ولما سألته عن قصة الفقيه العجمي قال : هو فقيه عجمي لم يحسن غير اللغة العلمية الفصيحة وقد ضايقته بطنه ، وهو في السفينة مضايقة شديدة أرغمته على ان يطلب من الملاح الدنو من الساحل فنادى : (أيها الملاح ادن من الساحل فإنني أريد الخلاء … ولكن الملاح لم يفهم شيئاً مما يقول هذا الفقيه فعاد الشيخ ينادي مرة أخرى – أن أدن من الساحل فإنني أريد المرحاض فلم يفهم الملاح شيئاً ، وحينذاك سمع طفلاً في السفينة يبكي ويصبح (جوعان) ، ويكررها مرات صائحاً : جوعان ، جوعان ، فالتفت الشيخ الفقيه هنا وقال : الآن فهمت … أن القياس يجب أن يكون على (فعلان) ، فيا ملاح أنا زربان ، انا خريان ، أنا بولان … فضحك الملاح ومن كان في السفينة وفهموا ما يقول الشيخ)()، ويسوغ السيد رضا هذا الخروج اللغوي الصرفي بقوله : (إذا حق لهذا الشيخ ان يستعمل قياسه المغلوط على (فعلان) وقد استطاع الملاح أن يفهم مقصوده فكم بالأحرى أن تفهم أنت ويفهم الجميع قولي حين أقول أنا (جيان) واقصد بذلك أني شديد العطش لشرب الشاي)()، ولابد من أن أشير إلى دعوات عديدة طالبت بتيسيير قواعد اللغة العربية في العصر الحديث وتقديمها للطلبة سائغة مقبولة منها دعوة إبراهيم مصطفى العام 1951م من مصر، فإن دعوة السيد رضا الهندي إن لم تكن مناظرة كدعوة إبراهيم مصطفى فإنها صوت لا ينسى صدر العام 1943م ، مكتوباً – على توثيق الخليلي- من أجل تيسيير قواعد اللغة العربية وبأسلوب تمثيلي ساخر ، فالسخرية في التمثيل وسيلة لشد المشاهد الى العمل التمثيلي ومشاركته إياه ، كما يذكرنا ذلك باعتباطية اللغة لدى سوسير فاستعمل السيد رضا كلمة (چيان) (من جاء) للدلالة على معنى آخر هو الشديد العطش لشرب الشاي؟ فأيّ معانٍ عميقة جاءت بهذه الحكاية التمثيلية الساخرة على الرغم من قصرها؟

وتتطور الفكاهة المرتبطة بالتمثيل إلى مرحلة اكثر تصعيداً فتشمل الأزياء واستعمال الأدوات وتقمص لغة الآخر ، وهذه جزء من سينوغرافيا المسرح المعاصر ، يلتقط الخليلي مشكلة ، امرأة تستغيث من زوجها لا ينفك لأقل شيء ينهال على زوجته بالضرب المُبّرح وقد أدّى سلوكه مع أسرته إلى أن مات له طفل في عمر الرابعة بركلة واحدة من رجله ويصوّر الخليلي الأحداث على النحو الآتي.

(قال عباس الجبان – أتريد أن أخلّص المحلة والأهل من أسرته؟ قال :

لا اعرف ثواباً اكثر من هذا ، ولا عملاً صالحاً يفوق عملك اذا استطعت أن تفعل شيئاً ولكن ما عساك أن تفعل ؟ قال – لا تقل ما عساك … وما عليك إلاّ أنّ تحضر لي بذلة (الجندرمة) لألبسها ، كما لو كنت شرطياً من شرطة الحكومة العثمانية وسلّمني سوطاً من الجلد المضفور ، واتركني بعد ذلك وشأني)()، وبعد أن يُنفَّذ طلبات عباس الجبان وكان الشخص المضطهد لزوجته يسمّى حسناً فصاح عباس بلغة الجندرمة ولهجتها :

ولك حسينات ، بيزونك ابن جليب مال المعدان ، اتلع بره ، آني يريد يشوف أنتي شيسوين بالمريه مال إنتي كل يوم ، كل يوم)().

وهذه الجمل هي لهجة الأتراك والجندرمة وهي خليط من التركية والعامية الدارجة المكسرة يريد أن يقول له : (اخرج يا حسن يا كلب ويا بن الكلب لأرى كيف تعامل زوجتك كل يوم بالقسوة والعذاب)()، وبعد أن ألحّ عباس على حسن بدق الباب عليه وهو يعربد ويشتمه حتى خرج إليه حسن يرتجف لانه كان جباناً فطفق عباس يضربه ضرباً مُبّرحاً بالسوط وهو يصيح : (-ولك حسينات ، بعد يسوي قارش وارش؟ يبسط نساوين ؟ ولك بيزونك جلب مال معدان ، ويتخضع حسن ويقسم أنه لن يعود إلى مثل هذا ولا يكتفي الجبان بل يأخذه معه متظاهراً بأنه سيسجنه سنتين وسبعة شهور وثلاثة عشر يوماً… وهنالك بعد أن يجتاز به شارعين أو ثلاثة في طريقه إلى (السراي) يطلق سراحه بشروط ثقيلة على أن

لا يمس زوجته وأولاده أو أي أحدّ من ذويه بأيّ سوء ولو كان مخطئين ومذنبين … وكان كما أراد)() ـ وهذه الفكاهة المرتبطة بالتمثيل لا تعكس براعة الممثل الفطري عباس جبان فحسب ، بل تعكس الجانب الإنساني لعباس الجبان والبيئة ، التي نشأ فيها – النجف – الجزء الذي لا ينفصل عن العراق في النخوة والشهامة.

          ويتطور الصراع والحوار إلى العقدة التي تحتاج إلى الحل في الفكاهة المرتبطة بالتمثيل لدى عباس الجبان أيضاً:

يروي الخليلي أن عباس الجبان له الفضل من إنقاذ سفينة ملأى بالناس حينما داهمها قطاع طرق قرويون أيام العثمانيين إذ كان يكثر قطاع الطرق آنذاك فيلتجئ الناس إلى ما يسمى (بالميّسرين) وهم شخصيات من رجال دين أو من وجوه العشائر إذ يكون لهم وجاهة لدى قطاع الطرق فيعزفون عن التسليب وذات مرة أوقف قطاع الطرق سفينة كان فيها ناس كثيرون وعباس الجبان معهم مع رجل دين معمّم فاستنجد الناس برجل الدين المعمّّم ولما امتنع أن يمنع قطاع الطرق من التسليب ، فما كان من عباس الجبان ان يقفز بخفة ويختطف عمامة الرجل المعمّم ويلبسها() ويضيف الخليلي (ولعباس الجبان قيافة تستلفت النظر فقد كان بديناً ووقراً ومهيباً ولم يكد يخرج اليهم من السفينة حتى انكب اللصوص على يديه يقبلونها ويستميحونه العفو…)()، وبعد ذلك طلب اللصوص من عباس الجبان والناس والذين برفقته أن يضيفوهم لاسيما وهم مطلوبون للحسين () نذراً وهو خروف (فلم يحصل على من يقرأ له المأتم وقال إن الفرصة أتاحها الله لهم الآن ليتم إيفاء النذر فيها …!! وهنا وجم عباس الجبان … ماذا تراه فاعلاً ؟ أنه لم يعرف للآن شيئاً من مقتل الحسين ومن المراثي التي تقرأ … وإذ كان يجيد النغمة ويحسن تقليد مختلف القراءات بصوته الشجي الرخيم فإنه

لا يعرف ولا كلمة مما يقوله الخطباء ورجال المنابر في مناسبة قتل الحسين ،…. ولكن كان عليه أن … يستمر في تمثيل دوره إلى النهاية ، وإلاّ قُضي عليه وعلى ركاب السفينة)(). وهكذا اتجه الجبان مع أربعين شخصاً إلى بيوت قطاع الطرق (وهنالك جيء له بجاون ارتقاء بدلاً من المنبر ، وافتتح الكلام كما يفتح خطباء المآتم وشرع يقرأ مرثية من ابدع المراثي من حيث الوزن والنغمة والترتيل ، أما الكلم فلم يفهم منه شيئاً غير أسماء تمرّ في أثناء النغم والإنشاد فيبكي بسببها السامعون ، واكثر هذه الأسماء كانت تدور حول : كربلاء … والحسين ، والشمر، ويزيد ، والقتيل ، والمظلوم ، والعطشان ، والشهيد) ، وهكذا استطاع الجبان أن يبكيهم وان ينقذ الناس الذين برفقته بأسلوب فكاهي تمثيلي ولابد من الإشارة إلى أن ما عرض من أسلوب فكاهي تمثيلي في هذه المقالة هو غيض من فيض مما جاء في كتاب (هكذا عرفتهم) للخليلي  .

تابع القراءة→

التجريبُ في مسرحِ الشباب ... تجاربُ من المسرحِ العراقي / عامر صباح المرزوك

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

صاحبَ المسرحَ منذُ نشأتِه نزعةُ التجريب في أساليبِ التعبير ، وذلك من أجلِ طرحِ أفكارٍ جديدةٍ بأشكالٍ تسايرُ المتغيراتِ التي تطرأُ على المجتمع ، ولتطويرِ الاتصالِ تجاوزاً للحدودِ التقليدية ، ومما لاشكَّ فيه أن هذا التطورَ أدى بشكلٍ مباشرٍ إلى خلقِ آفاقٍ جديدةٍ أمامَ المسرحيين ، بإكتشافِ سبلٍ وأدواتٍ وإمكاناتٍ جديدةٍ في التجسيدِ الإبداعي والخلقِ الفني .
وعندما اخذ المسرحُ طابعاً تجريبياً ، اخذَ المخرجُ يشكلُ مفرداتِ العرضِ المسرحي فوقَ خشبةِ المسرحِ على وفقِ صياغاتٍ جديدةٍ تتماشى مع فعلِ التجريب، وبدأَ المخرجُ يقترحُ علينا شكلاً جديداً للعرضِ المسرحي ، وقدْ يكونُ التجريبُ الحقيقي الذي يعدُّ مادةً جاهزةً قابلةً للتشكيل ، شيئاً يتسمُ بالابتكارِ الجدي في العروضِ المسرحيةِ التي سيشتركُ فيها فيما بعدَ المتفرجون ، كي تصبحَ وثيقةً مسرحيةً حقيقية.
والتجريبُ كمفهومٍ نشأَ في نهايةِ القرنِ التاسعِ عشر وبداياتِ القرنِ العشرين ، وارتبطَ بمفهومِ الدراما الحديثة ، حيثُ ظهرَ التجريبُ في الفنونِ أولاً وعلى الأخصِّ في الرسم والنحت ، بعدَ أن تلاشَتْ آخرُ المدارسِ الجماليةِ التي تفرضُ قواعدَ ثابتةً ، وبعدَ أن تأثرتِ الحركةُ الفنيةُ بالتطورِ التقني الهائلِ في القرنِ العشرين وشهدَتْ نوعاً من البحثِ التجريبي في اتجاهِ الخروجِ عن المألوفِ والسائد ، وعربياً ، عُرِفَ التجريبُ في النصفِ الثاني من القرنِ العشرين عندَما بدأ الكتّابُ والمخرجون العربُ ينهجون في أعمالِهم نهجاً يخالفُ المسرحَ التقليدي الذي ساروا عليه منذُ نشأةِ المسرحِ العربي . 
وما يزال ُهذا العنصرُ الفعالُ _ التجريب _ في تاريخِ المسرح فاعلاً وجوهرياً في واقعِه المعاصر ، حيثُ شهدَ المسرحُ العربيُّ المعاصرُ انتقالاتٍ جوهريةً في ميدانِ (التجريب) من خلالِ بلورةِ هذا المفهومِ على صعيدِ البنى الفكريةِ والتطبيقيةِ لجملةٍ من النتاجاتِ المسرحيةِ التي قُدِّرَ لها ان تكونَ انموذجاً متفرداً من حيثُ الصياغةُ التجريبية ، والبحثُ عن الدلالاتِ المعرفيةِ التي يلزمُ المخرجَ بتقديمِ تجاربَ فاعلةٍ على مستوى الشكل والمضمون ، لا سيما وان صورَ التجريبِ كانَتْ تأخذُ مدياتٍ تحديثيةً واسعة .
ومن خلالِ مِهْرجانِ القاهرةِ الدولي للمسرحِ التجريبي في دوراتِه الثلاث الأولى ، تم تحديدُ معنى التجريبِ باتفاقِ أكثرَ من أربعينَ شخصاً من مسرحيي العالمِ والوطنِ العربيِ ، ويمكُننا أن نستخلصَ بعضَ التعاريف :
_ التجريبُ هو التمردُ على القواعدِ الثابتة .
_ التجريبُ مرتبطٌ بالديمقراطيةِ وحريةِ التعبير .
_ كلُّ مسرحيةٍ تتضمنُ نوعاً من التجريب .
_ التجريبُ مرتبطٌ بتقنيةِ العرض .
_ التجريبُ ابداع .
_ التجريبُ تجاوزٌ للركود .
_ التجريبُ انفتاحٌ على ثقافاتِ الآخرين .
_ التجريبُ عمليةٌ معملية .
_ التجريبُ مرتبطٌ بالمجتمع .
_ التجريبُ ثورة .
ويُعرّفُ الباحثُ التجريبَ تعريفاً إجرائياً على أنَّه (فعلٌ يهدفُ إلى استحداثِ رؤى تغايرُ وتخالفُ الرؤى التقليديةَ الأرسطوية عن طريقِ كسرِ المألوفِ في المسرحِ وتهشيمِ الزمانِ والمكانِ والبناءِ الأرسطوي ، والخروجِ عن السياقاتِ الفنيةِ السلفيةِ في العرضِ المسرحيِ التي تقومُ على النظرياتِ الجماليةِ القائمةِ على الشكلِ والمضمون) . 
يثيرُ مفهومُ التجريبِ في المسرح ِالعراقي إشكاليةً لا يمكنُ تغافُلها ، وهذا يتأتى من خلالِ النظرِ إلى الكثيرِ من هذه التجاربِ التي شهدَها المسرح العراقي ، على أنَّها عروضٌ خرجَتْ على المألوفِ والمواضعات المسرحيةِ المتعارفِ عليها ، وسارَ عليها المسرحيون ردحاً من الزمن ، وهذه الاشكاليةُ تجسدَتْ في اغلبِ عروضِ مسرح الشباب ، لما يحملُه هذه المصطلحُ من غموضٍ ، وعدمِ اتفاقٍ نهائي من قبلِ المتخصصين بالشأنِ المسرحي ، وهذا بدورِه انعكسِ على ما قُدمَ من عروضٍ مسرحيةٍ شبابيةٍ على صعيدِ المسرحِ العراقي .
وتتحددُ عينةُ الدراسةِ من العروضِ المسرحيةِ التجريبيةِ الشبابيةِ العراقية ، وتمَّ الاشتغالُ على محورين ، الاول : التجريبُ في النصِ المسرحي متمثلاً بتجربةِ المؤلفِ الدكتور شاكر عبد العظيم ، والثاني : التجريبُ في العرضِ المسرحي متمثلاً بتجربةِ المخرجِ عباس رهك . 

التجريبُ في النصِ المسرحي .. تجاربُ الدكتور شاكر عبد العظيم*

تعتمدُ تجربةُ المؤلف الدكتور شاكر عبد العظيم في المغايرةِ النصيةِ على مجموعةٍ من المنطلقاتِ التي تحاولُ أَنْ تؤسسَ لإيجادِ نصٍ مسرحي مغاير ، تلك المنطلقاتُ تنبثقُ من تداخلِ وتماهي (عرضٍ مسرحي نصي) ، بمحتوياتٍ ملونةٍ تحضرُ فيها أمامَ القارئ/المشاهد آليات الكتابةُ النصيةُ ومركباتُها ، وتلك المحتوياتُ تقعُ ضمنَ منطلقاتِ تأسيسِ النصِّ المغاير ، ومن هذه المنطلقاتِ التجريبية : 
_ ان يكونَ المؤلفُ حاضراً بأدواتِه الكتابيةِ عبرَ مخاطبةٍ مباشرةٍ مع القارئ/المشاهد، فالحديثُ موجهٌ له بشكلٍ مباشرٍ من أجلِ تفعيلِ مشاركتِه في تأسيسِ النصِ بلحظةِ القراءةِ الآنيةِ ، وليسَ فيما بعد اعتماداً على تنوعِ مرجعياتِ كلِّ قارئ .
_ تعمدَ ان يكونَ النصُّ ناقصاً ، وان تكونَ بعضٌ من مفرداتِه ناقصة ، وأحياناً ليسَ ثمة تعمد ، بل الاعتمادُ الكلي على عمليةِ انسيابِ كتابيةٍ تؤسسُ لنفسِها فضائَها الخاصَّ بها دونَ تدخلِ الكاتبِ مع اعلانِ ما يدورُ في خلدِ الكاتب ، فمثلاً يصلُ الكاتبُ إلى رحلةٍ لا يملكُ شيئاً يكتبُه ، وهنا يعلمُ القارئُ انّه لا يملكُ شيئاً ، فليسَ الكاتبُ كائناً فضائياً أو خارقاً يمتلكُ كلَّ شيء ، وبذلك يأتي دورُ القارئ/المشاهد للأخذِ بزمامِ المبادرةِ والتكوينِ والتأليف .
_ مفردةُ القارئ/المشاهد متأتيةٌ من ضرورةِ ما يطمحُ إليه المؤلفُ في نصِّ المغايرة، لانّ النصَّ ساحةُ عرضٍ/خشبةُ مسرح ورقيةٌ تسعى لتقديمِ عرضٍ مسرحي داخلَ النصِّ وفقَ ما جاءَ في نصِ مسرحيةِ (باسوورد) ، وهو جزءٌ من بيانٍ تضمن : (لقد قمتُ بصياغةِ عرضِ (مونودراما) ، مونودراما تمثلُ أولى خطواتي العمليةِ في تجسيدِ الفكرةِ التي كنتُ (ولا أزال) أرنو إليها وهي تقديمُ العرضِ المسرحي داخلَ النصَ المسرحي نفسَه ، ومن ثم يمكنُ نقلُه الى خشبةِ المسرح) .
_ يقتضي وجودُ المؤلفِ الذي يكتبُ النص ، فـ(أليس) المؤلفُ هو كاتب النص؟؟ فلماذا لا يكونُ حاضراً متى ما تطلبَ الأمرُ ذلك ، فهو يحضرُ في الكثيرِ من النصوص لكنَّه يغيبُ في بعضِها .
_ في نصِ المغايرةِ الجديدِ تحضرُ بعضُ الأجناسِ الأدبية ، فهناك القصيدةُ الشعريةُ التي ربما لا تكونُ ضمنَ نسيجِ الأحداثِ ، وكذلك الحكايةُ والحكاية الشعبية والأغنيةُ والقصةُ القصيرةُ جداً والخبرُ الصحفي ، وهو ما يمنحُ القارئَ بُعْداً معرفياً وترويحياً جاذباً وداعماً لفعلِ القراءة .
_ حضورُ رؤياه الإخراجيةِ إثناءَ تعميرِ النصِّ وتركيبهِ ، مع فتحِ البابِ امامَ ايِّ مخرجٍ في تركيبِ النصِ وفقَ مخيالهِ ومخيلتهِ ورؤياه ، فهو اي (نصي المسرحي)، يلتقي فيه المؤلفُ انا والمخرجُ انا والناقدُ انا والمغني انا والحاكي ، مع المؤلف هو والمخرج هو (قارئٌ أو مخرجٌ أو ممثلٌ أو ناقدٌ) ، نصي المسرحي _ بحسب رؤية شاكر عبد العظيم _ ليس عمليةَ خطابٍ لمتلقي ، بل هو خطابٌ إزاءَ خطاب ، خطابي انا إزاءَ خطاب قارئٌ سيؤسسُه القارئُ اثناءَ عمليةِ القراءة ، فهو ليسَ عمليةَ تواصلٍ وانقطاعٍ بل هو خطابٌ يتأسسُ بالفعل ، وهو خطابٌ لخطابٍ آخر، ونصي المسرحي لا يعتدُّ كثيراً بالتلقي بل يعتدُّ كثيراً بالتخاطب ، القارئُ فاعل ، فهو اقامةُ حوارٍ مباشرٍ ينقطعُ بنهايةِ القراءة ، وكلُّ قراءةٍ أخرى هي بدايةُ تخاطبِ وترميمِ هذا التخاطبِ اثناء فعلِ القراءةِ ، المشاهدةِ ، التكوينِ النصي. 
ــ ليس هنالك من مرجعياتٍ للنصوصِ التي كتبها عبد العظيم ، وهي محاولةٌ للإطاحة بكلِّ النصوصِ السابقةِ المألوفةِ من أرسطو الى ما بعدَ آبسن ، فثمةُ تشظياتٌ ، وغيابٌ للحبكة ، وغيابٌ للموضوعِ احياناً ، وتدميرٌ للصورة ، وإحياءٌ لها في أحيانٍ أخرى ، ثمةُ فوضويةٌ ماثلةٌ تنطلقُ من فوضويةِ العالمِ الراهنِ وعدم ترابطه ، حضور للمتناقضات ، حضور للممل والضجر، حضور للجميع (المؤلف والقارئ والشخصيات والتاريخ والحاضر والأدب والفن ككل) مسؤول عما حدث ويحدث .
ــ في النصِّ المغايرِ استبدالاتٌ كثيرةٌ لبعضِ مألوفاتِ النصِّ الخاصةِ بالشكل ، فالملاحظةُ لا تكتبُ بشكلٍ اعتباطي ، بلْ يشارُ لها كملاحظةٍ واجبةٍ الاشتغال ، وبعضُ الملاحظاتِ يشارُ الى اهميتهِا البسيطةِ بكونهِا خاضعةٌ لذهنيةِ القارئِ أو المخرجِ وبعضِ الملاحظاتِ يكتبُها ويشكلُها القارئُ نفسُه وهو مخيرٌ بتشكيلِها ، ثم استبدالِ بعضِ الأشياءِ في النصِ من ناحيةٍ كمفردة (تأليف) وهذه المفردةُ في النصِ الخاصِ به تخضعُ لمحتوى النصِّ في تشكلهِا ، فاستبدلتْ في كلِّ النصوصِ وتحولتْ إلى (مقترحاتٍ ، تشكيلٍ نصي ، سيناريو ، فضاءاتٍ مسرحيةٍ مقترحة ، نص ) وهكذا ، ثم هنالك غيابٌ لمفردةِ (اظلام) أو مفردة (دم) أو (ختام) التي نجدُها مألوفةً في النصوصِ المسرحيةِ ، وحلَّتْ محلَّها مفرداتُ (قطع ، نهاية ، نهاية المشهدِ أو الفصل ، نهايةُ المسرحية ، نهايةُ اللوحات) لنقترب من حضورِ تشكيلِ النصِّ الدرامي التلفزيوني أو السيناريو السينمائي ، وهو لغرضِ التجديدِ في شكلِ النصِّ وروحيتهِ القرائية .


وقد يتبادرُ إلى الذهنِ سؤال : ما الداعي لنقلِ العرضِ إلى الورقِ وليسَ نقلُ النصِّ الى الخشبة؟ 
والجواب ، هي عمليةُ بحثٍ عما يناسبُ عالمُنا الصوري الحالي عالمُ ما بعدَ الحداثةِ الذي يعتمدُ نصاً سطحياً ، ويبتعدُ عن العمق ، وتلك اهمُّ ترسيماتِ ما بعد الحداثةِ التي جاءَتْ في طروحاتِ الفيلسوف الفرنسي ( بودريارد) ، وكذلك الفرنسي (فرانسوا ليوتار) ، وتفكيكيةِ (جاك دريدا) الساعيةِ إلى تشظياتٍ في المعنى والمكتوبِ ، وتوالداتٍ نصيةٍ غيرِ منتهيةٍ يشكلُها القارئ ، ثمَّ انَّ المغايرةَ تدعو إلى البحثِ عن سبلٍ جديدةٍ جاذبةٍ تحركُ ذائقةَ وذهنيةَ المتلقي ، وتثيرُ جمالياتِ عبرِ حراكِ الإطاحةِ بالمألوف ، فيكونُ نصُّ المغايرةِ في النصوصِ التي تكتبُ مثارَ تساؤلٍ وابتكار ، ولدت هذه النصوص من الإنسانِ لتذهب إلى الانسانِ ، بلا محيطاتٍ معينةٍ حولَها ، تذهبُ هكذا بتجردٍ عالٍ من ايَّ ارتباطٍ سوى الانسانيةِ وحسب .

التجريبُ في العرضِ المسرحي .. تجاربُ المخرج عباس رهك*

اتسمَتْ تجربةُ المخرجِ الشاب عباس رهك بتقديمِ تجاربَ مسرحيةٍ اتخذَتْ من المكانِ سمةً للتجريبِ المسرحي ، وهذا ما نتلمسهُ في اغلبِ عروضهِ المسرحية ، فهو يقدمُ افكارهَ ورؤاه المسرحيةَ مبنيةً على هندسةِ المكانِ الذي يقدمُ فيه تجاربهَ ، وهو بذلك يشاكسُ التقليدَ والروتين ، وينفتحُ على اماكنَ جديدةٍ لم يألفْها مسرحُنا الحلي من قبل ، وهذا ما يحسبُ له فنياً وفكرياً . 
اتخذَ المخرجُ رهك من (بورسيبا) ** مكاناً ليقدمَ فيه مسرحيتهَ (كشكول حضاري) لما يحملهُ هذا المكانُ من عمقٍ تاريخي وحضاري عريق ، وهنا وظفَ المخرج امكانات المكانِ بعمقهِ وسعتهِ ودلالته ليجعلَها تخدمُ عرضهَ المسرحي ، فاخذَ الممثلون يتوزعون بشكلٍ مختلفٍ على وفق ِالمستويات التي يحملُها المكان ، وهذا بدورهِ جعلَ المتلقين ايضاً يتوزعون بشكلٍ غيرِ منتظمٍ وعلى مسافاتٍ مكانيةٍ مختلفةٍ مما خدمَ العرضَ المسرحي ككل .
اما في مسرحية (مغامرة كونية) انتقلَ بنا المخرجُ إلى مكانٍ مغايرٍ آخر ألاَ وهو (محطة قطار) ليجعله مكاناً لعرضِه المسرحي بما فيه من مكوناتٍ معماريةٍ ومحتويات : العربات ، حاويات القطار ، مصطبات الجلوس ، اعمدة الاشارة الضوئية ، اسطح البنايات ، سكك الحديد ...الخ) ، ليجعلَ من كلِّ هذه المفرداتِ فضاءً مسرحياً موظفاً عدداً من سائقي القطار والموظفين . 
وفي مسرحيةِ (اقنعةٌ تحتَ الحمراء) اتخذَ من شاطئِ نهرِ الحلةِ مكاناً ليعرضَ فيه تجربتهَ الجديدة ، ليثبتَ لنا انهَّ منفلتٌ من قيودِ مسرحِ العلبة ، ومن الاماكنِ التقليديةِ التي اعتدنْا الحضورَ فيها لمشاهدةِ العروضِ المسرحيةِ داخلَ اروقةِ المسارح بشتى اختلافاتها . 
إذ يمكُنناَ ان نسجلَ مجموعةً من المنطلقاتِ التجريبيةِ التي تجسدتْ في تجربةِ المخرج الشاب عباس رهك ، وكالاتي :
_ عملَ المخرجُ على وفقِ مبدأِ المغايرةِ والاختلاف ، لتحقيقِ عنصرِ المفاجأةِ في العرضِ المسرحي .
_ يعمدُ المخرج رهك في التجريبِ على تفعيلِ كلِّ فضاءِ العرضِ المسرحي ، لقتلِ السأمِ والمللِ المتولدِ من التكرارِ والثباتِ ، فضلاً عن استخدام الفضاءِ استخداماً واضحاً فهو يعمدُ إلى تشكيلِ الصورةِ المسرحيةِ انطلاقاً من مكانِ العرض ، فالمكانُ هو المحددُ الرئيسُ لصورةِ العرض .
_ أنطلقَ المخرجُ في تركيبِ ماهيةِ العرضِ التجريبي على وفقِ رؤيةٍ يطرحُها تعبرُ عن أفكارهِ المتلائمةِ مع فكرة النص . 
_ اتسمَتْ اعمالُه المسرحيةُ بكثرةِ الممثلين وبمستوياتٍ متفاوتة ، موظفاً عمالاً وشرطةً وسائقي قطار وطلبةً وجمهوراً من عامةِ الناس ، مما جعلَ الاداء التمثيلي يتسمُ بالفطرةِ بعيداً عن التقمص . 
_ ابتعَدتِ الازياءُ المسرحيةُ عن الواقعيةِ بتنوعِها داخلِ منظومةِ كلَّ عرضٍ مسرحي، وعلى سبيلِ المثالِ جاءَتْ : بدائية ، حديثة ، غواصين ، زي عربي ، ازياء بالوانٍ براقة .
_ جاءَ التلقي من زوايا واماكنَ ومستوياتٍ مختلفةٍ لما يفرضهُ مكانُ العرضِ بسعتهِ وانفتاحهِ جلوساً ووقوفاً ، واحياناً من اسطحِ المباني والبيوت ، وهو يقتربُ في ذلك من تنظيراتِ (ريتشارد ششنر) في تلقي المسرحِ البيئي . 
_ تنوعت الموسيقى بينَ المحليةِ الشعبيةِ وبين العالميةِ وبينَ الاوبرا .
_ استخدامُ مؤثراتٍ طبيعيةٍ كالنارِ والترابِ والالعابِ الناريةِ والمتفرجاتِ وغيرها .
وأخيراً ، أن الساحةَ المسرحيةَ العراقيةَ تضمُّ كماً هائلاً من الأعمالِ المسرحيةِ التجريبيةِ الشبابيةِ التي شاركَتْ في مهرجاناتٍ مسرحيةٍ عالميةٍ وعربيةٍ ومحلية ، وحصدَتْ جوائزَ وشهاداتٍ تقديرية ، فلا يتسنى للباحثِ دراستُها لسعتِها واستمراريتِها ، لانَّ التجريبَ المسرحي مستمرٌ في البحثِ عما هو جديد . 

------------------------------------
المصدر :كلية الفنون الجميلة بابل 
تابع القراءة→

مسرحية "ليلة مع الحسين "

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, أبريل 22, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

الفن الحي هو ذلك الذي يتبنى قضية الإنسان والحضارة وربط هذا الانموذج بمفردات الحياة والخلود والبقاء ، حتى يصبح الفن غذاء روحيا ، وهنا قد تتوازى مهمة هذا الإبداع الفني الإنساني مع مهمة الرسالات السماوية التي بشرت بالحياة وسعادة نهايتها في سلوك الطريق المثالي للأخلاق والعمل والسعي في مناكبها.هذه المنطلقات شخصّتْ أمامي وأنا عشت في يوم ما أجواء مسرحية (ليلة مع الحسين) تأليف طالب خيون وإخراج زيدون داخل ومن بطولة الممثل المبدع ضياء الساعدي والتي مثلت الصراع الخارجي في أوج توهجه ، لان الخير وقيم الحق حينما تحل بالإنسان سيكون مستهدفا من قبل القوى التي تميل إلى فوضى الحياة والخروج على نواميسها ، وهكذا ارتكزت المسرحية على ثنائية الخير والشر ، فالحر رمز تاريخي غادر زمنيته وأصبح جدالا فكريا مستمرا يتواصل معه المتلقي بمقابل الشمر الذي يمثل صراع الشر في ثورة مازالت مشروعا دائم الثراء للاستثمار ، وهي ثورة الحسين (عليه السلام) ، لذا حاول المؤلف بلورة الفكرة من خلال رسم حالات الصراع بإبعادها الثلاثة المادية والاجتماعية والنفسية ، بحيث اظهر التفاعل بين الشخصيات المعاصرة ،والاخرى الغائصة في أعماق التاريخ ، فالحسين (عليه السلام) هو الإطار التاريخي العام ، و هناك موصلات بين الصراع داخل الشخصية المعاصرة عبرت عنها شاشة بيضاء بينت للشخصية (الممثل)أن يكون أمام خيارين وهما خيار الاندماج في الجموع المهرولة باتجاه الحسين(ع) في كربلاء بإيحاءات كأنما الحسين(ع) ينتظر هذه الجموع عند مشارف المدينة وهي حالة صراع داخل أي إنسان يتجه صوب كربلاء .. والخيار الثاني هو أن يمثل الشبيه في معركة الطف واعتمد الكاتب صراعا آخر بإيجاد بذلتين : الأولى للحر والثانية للشمر واستثمر الكتل اللونية باعتمادها دوالا أخرى لاستمالة المشاهد وتمسكه بالانموذج الذي يحاول الكاتب إبرازه وكان جهد الإخراج واضحا في هذا الجانب وأضاف مسحة جديدة مغايرة للتفريق بين الشخصية التاريخية والأخرى المعاصرة ، بان فخخ بذلة الحر فـ(العبوات لا توضع إلا في ثنايا المبجلين) وترك بذلة الشمر .. وهنا تبدأ الثيمة تتبلور بين المؤلف وبين مسارات الإخراج واعتمد عنصر الحوار الدرامي الذي يشمل الإشارات والعلامات ، وهكذا أظهرت مسرحية (ليلة مع الحسين) قدرة المسرح العراقي على التواصل واستيعاب حالة المعاصرة باستثمار التاريخ من جوانبه المشرقة وحملت المسرحية روح المغايرة والجدة واسترداد المعاني التي تسكن أعماق التاريخ بمساعدة تقنيات الإضاءة التي تولى مسؤوليتها الشاعر أمير ناصر وكانت الإدارة الناجحة للأستاذ حيدر عبد الله لها دور في تنظيم العمل وتوجيهه ولا ننسى دور الشخصيتين الثانويتين ومثل دورهما الأستاذان علي هاشم وعباس اكليف وكانتا بمثابة الأجزاء المكملة للعمل ، لان المسرحية بنيت على الميلودراما .. ومن هنا نقول : (في أي مجتمع توجد اختيارات مطروحة والذي يكون مقبولا اجتماعيا ولا يتعرض لأذى أو ازدراء أو عقاب مجتمعه هو ذلك الإنسان الذي ينتقي كل اختياراته التي يطرحها ذلك المجتمع الذي يعيش فيه) ، وهكذا تكون الاختيارات المطروحة اجتماعيا هي في محل تحريك من قبل الفنان المبدع ، حتى أن علماء النفس طرحوا ثلاث نماذج يهمنا النموذج الثالث منها والذي يقول أن الذين يعملون بتسريع تطور المجتمع بانتقاء الأفضل المطروح اجتماعيا والبحث عن البديل الملائم ، المشروط بهذه الملاءمة لحركة المجتمع الموضوعية ، فهولاء هم الفنانون المبدعون في التوسط بين المقبول اجتماعيا والبديل الذي بحث عنه في مسارات الجهد المضني ، لأجل تنقية الذات صعودا نحو المثال المقتدى وارى ان الكاتب طالب خيون قد حمل هذا القلق والتوتر بين المطروح اجتماعيا وبين الغوص في البحث عن البديل وحاول إيجاد تبريرات تقترب من المواءمة بينهما وبدى متلهفا في المزاوجة ، بحيث حفز الكل باتجاه هذا الصراع المخرج والممثل والمتلقي أن يكون الاختيار كحالة متميزة بحيث اشتركت أشياء المسرح الأخرى لإجلاء جوانب الفكرة دون تكلف ، وفي حكم المؤكد حينما تحضر كامل التقنيات المسرحية ويكون الاستعداد والأجواء ملائمة ستكون مسرحية (ليلة مع الحسين)نقطة مضيئة في تاريخ مسرح مدينة الشطرة ضمن حركة المسرح العراقي والتي تتضافر الجهود الآن لينهض المسرح من جديد في العراق ، مستفيدا من أجواء التغييرات السياسية الحديثة بعد سقوط الصنم في 2003 باتجاه بناء منظومة فكرية تقبل بالآخر وتميل نحو بناء دولة مؤسساتية لا تستثني احدا من أبنائها وعلى أساس مبدأ الحقوق والواجبات وهو البديل الذي يسكن أعماق وإرهاص أي مثقف عراقي ..

---------------------------------------
المصدر : وجدان عبد العزيز - الصباح  

تابع القراءة→

الخميس، أبريل 21، 2016

عتمة الموت.. مرايا الخيانة.."حصان الدم".. احتراف الرؤيا بـ"فطنة السينوغرافيا" / حسن عبدالحميد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 21, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

يرتمي المخرج والسينوغرافي جبار جودي العبودي-طوعاً- في أحضان أبهة الجمال الشكسبيري وفق منطلقات توليديّة لروح نص كبير ومُتحدّ مع بهاء تلك الروح التائقة إلى نبذ صدأ السلطة ولا جدوى اللهاث في نزق الحفاظ على كراسي اللعنة،وعدم الكف عن ترديد صلف عبارة؛(على العُلا حتى ... ولو على الخازوق) والزهو بها،حتى وأن كان خاتمة النهاية قبولاً جائراً بالموت تلّذذاً وتشفيّاً أحمق من حيث تقابلات الحياة في مرآيا الوجود،إذا ما قبلنا بمبدأ(غوته) كما في مسرحيّة(فاوست)من أن؛(الفعل هو بدايةً الوجود) بمعزل عن سطوة النفي لمفاهيم (ديكارت) السابقة حيال تقديم الفكر على مآثر الفعل.
بهذا الإنزياح الفعلي يقيم جبار جودي معاملات إرتباطه العملي في مسرحية(حصان الدم)والتي شاء عرضها ليومين-فقط- في بغداد (9 و10 شباط الماضي) على خشبة المسرح الوطني،تمهيداً وثناءً لعرضها في العاصمة تونس ضمن مهرجان(علي بن عيّاد) المسرحي بمناسبة مرور(400) عام على وفاة(وليم شكسبير)للفترة من 12-19  شباط/2016،حين فوضّ مهام ذلك الإنزياح إلى جماليات تعبيرٍ بارعٍ عبر(السينوغرافيا)وحريّة تعميد الصورة المشهديّة للفعل التجسيدي والبلاغي بينابيع معرفة خصبة،ومراسِ تراكمٍ بث شفراتٍ وتورٍيد علامات مُقترحة كبدائل تحديثية-معاصرة لذات الموضوعة التأريخية التي قام ب(فلترتها) النابغة شكسبير في رائعته(ماكبث)،مستخلصاً إعادة دورة أثر مفعول مسحوق وأكسير التعّطش لدس الخيانة وشرائر القتل والتسبيح بالموت سبيلاً للفوز والطمع والشراهة المُدعمة بالمكر والتخابث،فليس أبلغ من عبارة؛(ليس العبرة في أن تكون ملكاً ... بل العبرةُ أن تكون آمناً) في تثوير لغة الإختصار المُستل- ثقةً ومسعى-من بلاغة المتن الشكسبيري البالغ الكثافة،الوافر المعنى والفائق التأثير،لصالح تطويع جملةً من أفكارٍ وتراكمات تحذيريّة،تتيح إستخدام المُمكن والمحكوم كمداخل وتذكيرات لأصل النص كاملاً في ثنايا الذائقة الجمعيّة والدراسة التبصيريّة لذلك العمل التأريخي المُذهل،وزهو تقابل الرؤية الإحترافية لدى معدُ ومخرج وواضع سينوغرافيا(حصان الدم)،ورهان بلّورة رؤاه و وتحريك جمالياته مع تماثلات مهارة إختيارٍ دقيقٍ وحاذق لمجسدي عرضه التحدثي جملةً وتفصيلاً(أياد الطائي)و(آلأء نجم) إلى جانب تجاذب براعة وحنكة حضور وتنامي ضيوف الشرف(رياض شهيد)و(حيدر منعثر)و(زياد الهلالي)،ومعاضدة عمل الدراما-تورج (د.يوسف رشيد)،بما زاد من متانة  العزف على إيقاع الفعل وحفول الحركة بليونة الإنضباط وإتزان الخبرة ونصوع تفهماتهم لجوهر المغامرة التي أقدم عليها جودي في تقليب جمرات وعيه في مواقد الفهم الأمثل للبحث والحفر والإمتثال لمعنى قيمة التجديد والتصدي الخاص لخوالص نصوص عالميّة،كانت قد تعرّضت لعشرات،بل،لمئات المناورات التجريبيّة،فضلاً عن كونها أضحت مثابات ومفتتحات تنظيريّة ومديات فكريّة وملاحم تأريخيّة في عُتق ونشوة التفكير الحيّ والحيوي في حياة المسرح،وفي عموم بلدان العالم.لعل هذا هو ما يشدّ ويثني على مهارة وجودة المغامرة،التي خاض غمارها(جبار جودي)-منذ عدة سنوات-وعاد اليوم ليعيد تشكيل منظومة توليديّة أخرى من رحم ما أستقى منها -من قبل- بغية تجديد ما أستنفد،وما لم يُكتشف بعد،وفق تطلعات ما أستجد من متغيّرات،على ضوء ما يريد ويسعى-الآن- بغية بلوغ أقصى غاياته الفكريّة والعمليّة من حيث إتمام لغة التبصير الجَمالي والنفسي من مسارب الضوء وتناوبات العتمة،ودوران الأرض تحت أقدام الأحداث،وتصدير لغة الدم ممهوراً برائحة وجدارة مساكب تلك الكُتل الضوئية فوق محارب كل هذه الصراعات الدائرة على خشبة العرض المرهون بجلال وجمال تلك الحوارات المُختزلة والدالة لقصديّة تحديث الرؤية وتعميق الدلالة من خلال إفصاحات أبجديات(سينوغرافية)يبرع ويقترحها ويتماوج بها بحثاً ووصولاً في الحصول على تأثيرات بلاغيّة تعاضد جوهر الحدث وتعليلاته التنويريّة في ختام محاولات تمجيد (أناقة الموت)-أن صح الإشتقاق- في نهاية النفق الذي قدّر(جودي)لنفسه وفنه السير في سحر متاهاته،ولذة إغراءاته الجماليّة والبحثيّة،فليس ثمة أدنى تنازل أو تغافل لديه فيما يتعلق بأهمية تقديم الشكل،كنتاج تحديثي مرئي ومسموع من حيث تآزرات الصوت ومؤثراته،والصورة وتجلًياتها،كما لو إنه يتلبس مقولة ذلك الحكيم الصينيّ القديم الذي أفاد بالقول؛من أن المبدع الحقيقي بإمكانه أن يآسر السماء والأرض في قفص الشكل.


-----------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 
تابع القراءة→

عن تحريك راكد الذاكرة في مسرحية "خريف التماثيل" / جبار وناس

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 21, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

في البدء يتبدى السؤال عن جدوى الحديث في استدعاء الذاكرة وما تختزنه وحضورها في العرض المسرحي ، وما أهمية ذلك الاستدعاء وسط واقع يترهل بمخلفات ثقيلة من حروب ما تزال آلامها وأوجاعها تند بأمراض اجتماعية وأحلام معلقة وانهدار لأعمار الناس فضلا عن هدر للأرواح ؟ وكل هذه المخلفات من بقايا ما تزخر به ذاكرة لحظتنا العراقية الراهنة فيبدو لمن ينظر وكأننا في مستنقع اللاوجود.

ومن هنا يبزغ السؤال مجددا عن الكيفية التي من خلالها يمارس كاتب المسرح قراءته لما مرَّ ويمر به واقع العراق من ثقب القلب بحسب قول الشاعر يوسف الصائغ : ( أنا لا أنظر من ثقب الباب إلى وطني ولكني أنظر من قلب مثقوب ) لا أن يقدم قراءته من مكان مرتفع فيكون ما يقدمه وكأنه تسجيل لما تلوكه الألسن وما تفوح به أفواه العامة وبالتالي نكون مع ذاكرة تجهش بحزن فاقع فقط وبالتواصل مع ما ترشح من عرض مسرحية ( خريف التماثيل ) تأليف عمار نعمة جابر وإخراج الفنان الشاب علي حسن وتقديم جماعة الناصرية للتمثيل وبإشراف الدكتور ياسر البراك والتي قدمت في مدينة الناصرية ليومي 8 - 9 - شباط - 2016 فإننا نشاهد مفاصل العرض المسرحي وقد شيدت على متواليات تبدو فيها بنية التذكير المرتكز الذي تم من خلاله نبش ما تراكمت به ذاكرة لحظتنا من بقايا الدكتاتورية مرفقة بما جاءت به حبائل السياسة الغاطسة في مكر الواقع السياسي وأكذوباته وقسوة العقول السياسية وتحجرها وتغوّل الدين بأفانين بدت مكشوفة تثير السخط المقيت والازدراء لما جاءت به تلك الأفانين من طائفية وفساد وانحطاط في الأخلاق والقيم وما سببته للناس من بؤس مروِّع وأوجاع مستمرة وهذا ما أفصح عنه نص الكاتب عمار نعمة جابر والذي ختم لنا على خريف ووهن تلك اللحظة وبتواصلها ما بين زمن الزعيم وصولا إلى راهن ما نحن عليه . 
فما قام به الكاتب هو نقل ما تلوكه الألسن وما تعتمل به القلوب والخواطر في الشوارع والمقاهي وفي أحاديث العامة المكشوفة على الملأ وهنا تبدو مسؤولية الكاتب فنيا وثقافيا لكي يقعد تلك التوصيفات في نص مسرحي يؤرشف به ليكون وثيقة تذكير وإدانة لتلك المنعطفات التي تمر بها اللحظة العراقية . وفي تحولنا مع ما نصت عليه اشتغالات الفنان الشاب علي حسن وهو يتصدى لهذا النص فلا نكاد نراه يبتعد كثيرا عما تركز عليه نص المؤلف مع الميل إلى أسلوب التبسيط والإقتصاد في عملية الإخراج والتي ابتدأها بتحديد ملامح واضحة لمكان العرض فقد حاول أن يضفي عليه من ممكنات التجريد والتي أخذت بحضورها المائز في أغلب مراحل الاشتغال الفني لها وقد عزز ذلك دخول مفردات بدت قاسما مشتركا في انجاز ما طمح العرض المسرحي لأن يقول برسالته إلى المشاهدين ، فقد حاول المخرج أن يتميز عرضه بتنوع يتوخى الجمال المتحصل من فعالية الاشتغال الناتج باستحضار مفردة ( الفريمات ) والتي أنتجت لنا من خلال تعامل الممثلين معها فكان أن تتحول هذه المفردة إلى ناصية تحمل عناوين ، فمن شاشة التلفاز إلى مكان يتحاور فيه غاسل الموتى مع شبح الزعيم وبالعكس الزعيم مع شبحه وصولا إلى دكة لغسيل الأموات في مغتسل بدا فضاؤه واسعا يتعدى حدود ما هو راكز في الأذهان عن حدود ومكان المغتسل فضلا عن استعانة المخرج بمسامع موسيقية تنوعت ما بين الموسيقى العالمية مع أغان عراقية وأناشيد حربية تمتزج فيها ( هوسات ) عراقية وكذلك مع فواصل لنعي يثير السخرية حين يأخذ بمحلية إلى انتقال يذكرنا بما جاءت به أفواه الملالي على المنابر وكل هذا يتمفصل مع أداء تمثيلي كان منضبطا في بعض المفاصل فقد بدا على أداء الفنان ( حيدر الطيب ) مع بداية العرض طابع الانفعال غير المبرر ولكن في أماكن أخرى من العرض رحنا نلمس له توهجا كما في مشاهد الرقص ومحاولة استمالة صوت العالمة وفي حديثه مع جثة الميت وهو على دكة التغسيل وبحثه في ملابسه وبمقابل ذلك لنا في المشاهد التمثيلية للفنان ( كرار عبدالعالي ) في تناوبه ما بين شخصية الزعيم والشبح فهو الآخر كان له حضور واضح في مشاهد محددة جعلت من أدائه يبتعد قليلا عن الرتابة التي ظهر عليها في مشاهد أخرى من العرض وهذا لا يعود إليه وإنما ينسحب الأمر إلى التوظيف الإخراجي والذي هو ينبني على نص لممثل واحد ، وقد تبدو فواصل الإضاءة من قبل الفنان ( عمار سيف ) لها من التأثير والحضور حينما تشاطرت مع اللونين الأحمر والفضي ليركز في توضيح ملامح الأداء والفاعلية المعطاة من حضور المفردة المركزية للعرض المسرحي . ولنا أن نرى بفعالية أكثر تأثيرا في جلب دهشة المتلقي لو أن العرض المسرحي قدم بأسلوب اللامعقول كيما يذلل من هيمنة ما هو متناول وله في ذاكرة المتلقي الشيء الكثير فشخصية الديكتاتورية وتناسلها لدى ضحايا هذه الديكتاتورية في الفعل والسلوك ولكان من المستحسن أن ينظر المخرج إلى غاسل الموتى بعين مغايرة تبعده عن هذه الصورة النمطية التي ظهر عليها في العرض ولكان أحسن أيضا حينما ينظر إلى هذه الأشباح على أنها أشباح الديكتاتورية التي تناسلت في سلوكيات الكثير من الناس فلو أن غاسل الموتى له شبح يتوسم بروح الديكتاتورية التي اكتسبها غاسل الموتى الحقيقي سلوكا وتصورا وكان من المستحسن حين يعمد المخرج إلى النظر بعين تكاد ترتقي ما فوق تلك ( الواقعية العبثية ) والتي أكد عليها في دليل العرض فواقع العراق له من الغرابة والإثارة فكيف يكون شكل العرض المسرحي حينما يتداخل مع تلك الغرابة بمقدار يرتقي بتميز واضح كنا نرجو له أن يتحقق في هذا العرض وفي عروض كثيرة أرادت التداخل مع واقع عراقي غاطس في غرابة وعجائبية من جراء ما تحدق به من عوامل ومنعطفات كثيرة ؟ بقي لنا أن نرى الفرح يكبر حينما نرى روح الشباب تساهم في صنع عرض مسرحي بدءا من كاتب النص ومرورا بالممثلين والمخرج وهو يخطو إلينا بأولى خطواته في الإخراج وليس لنا سوى أن نؤشر لفرحنا بقول الفنان الكبير عزيز خيون إذ يقول : (عندما يطرق سمعي جرس الشباب تنبت في فضاءات الطموح عناقيد ضوء للعناد ، لطبيعة المحاولة ، للخيال الجامح والمخاطرة البكر).

-------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

تابع القراءة→

مجلة "آفاق أدبية" في عددها الاول :محور العدد كان عن المسرح العراقي ما بعد التغيير

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, أبريل 21, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

صدر العدد الأول لهذا العام، من مجلة (آفاق أدبية)، وهي فصلية تعنى بالإبداع الجديد، تصدر عن دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد. افتتاحية العدد كانت بعنوان (الحدث الثقافي الأبرز) بقلم رئيس التحرير الشاعر سلمان داود محمد، متناولا تقاليد الصحافة الثقافية بداية كل عام جديد في تغطية الأحداث الثقافية خلال عام، لكن له وجهة نظر في عما كان الحدث الأبرز، متمثلا بـ (موت المثقف) الناتج من عدم اهتمام الأوساط والمؤسسات الثقافية بشريحة المثقفين أثناء حياتهم وبعد مماتهم ليست هناك «سوى المواساة (البروتوكولية) التي لا تتجاوز قيمتها إكليل ورد صناعيا باهتا وبضعة دنانير مصابة بفقر الدم والقيمة بأزاء المعتلين من المثقفين» وتخلص الافتتاحية إلى انه لا بد من إنقاذ البقية الباقية من رموز الثقافة في البلاد.
محور العدد كان عن (المسرح العراقي ما بعد التغيير) خصص للإجابة عن تساؤلات تتعلق بمديات تطور المسرح العراقي منذ التغيير في العام2003، وإلى الآن، من ناحية النص والتمثيل وتقانات العرض والرؤى الإخراجية. تضمن المحور استطلاعا عن آفاق مسرحنا بعد 2003، كتابة: د. شاكر عبد العظيم جعفر، الذي رأى في مقدمته أن هناك تضاربا في الآراء ( هل تطور وأضيف إليه ما يجعله متطورا ومغايرا للسابق)، ويرى أن عدم الاتفاق على الإجابة عن هذا السؤال، هو نتيجة (المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي لم تمنح الفرصة للمسرح العراقي بعد 2003 من أن يرتدي ملامحه التي تجعل من الجميع متفقا ازاءه). استطلع عبد العظيم جعفر فيه وجهات نظر عدد من المتخصصين بالشأن المسرحي. ضم المحور أيضا مقالات عديدة للفنانة هند كامل والكاتب صادق مرزوق والمخرج كاظم النصار والدكتورة زينة كفاح الشبيبي والكاتب والمخرج  ياسر عبد الصاحب البراك.
ضم العدد نصوصا إبداعية في حقلي الشعر والسرد، ففي الشعر كانت هناك نصوص للشعراء عيسى حسن الياسري وصالح عبد الجياشي وعصام خليل، وفي حقل السرد كانت هناك نصوص لسعد سعيد وسعدون جبار البيضاني  وخالد الشاطي.من التقاليد الرائعة في المجلة، تكليف نقاد بقراءة نصوص العدد الماضي شعرا وقصة، في هذا العدد كتب د. حازم هاشم عن القصائد، والناقد عبد علي حسن عن القصص. الجانب النقدي امتد إلى باب معنون (ضوء على أثر) محتويا قراءات نقدية للنتاجات الشعرية والسردية، فكتب الناقد علي شبيب ورد قراءة نقدية لرواية كوثاريا لنعيم آل مسافر، وكتب سامي طه عن  مجموعة (بلاغ ..رقم اسكت) لسعد الصالحي، وكتب مالك مسلماوي مقالة عن (اذكر أني) لرشيد هارون.باب «مرأى» الذي يعني بالفن التشكيلي، ضم مقالتين موسعتين عن تجربتي الفنانين وائل المرعب، كتابة: حسن عبد الحميد، وسعد محمد موسى كتابة: إيمان عبد الحسين.باب «تفكر» الذي يعنى بالاشتغالات الفكرية ضم مقالة عن (السرد..الذات،الاغتراب والهوية) كتابة: سعد محمد رحيم، يرى فيها أن كل نص سردي يتصف بالجودة لا بد أن  يطرح سؤال الهوية، وهو من وجهة نظر محمد رحيم سؤال مركب ذو أبعاد ثلاثة: 
هوية ذات الكاتب أزاء نفسها والعالم، وهوية الخطاب السردي بوصفه متنا ضاما للدلالات، وهوية النص الفنية.  باب» منصة» يعنى بكتابة أدبائنا وكتابنا عن تجاربهم الإبداعية، في هذا العدد شهادة موسعة للروائي طه حامد الشبيب، عن منجزه الروائي، جدد فيها الحديث عن النهج الذي اختطه في الكتابة الروائية وأسماه (السحرية الواقعية) وليس (الواقعية السحرية) الأسلوب المعروف لروائيي أميركا اللاتينية. يرى الشبيب أن سحريته الواقعية بنيت على رواية (النص الداخلي)، وتلك تقوم على تخليق الحكاية من داخل النص لا أن نأتي بها من الواقع، بما معناه ان  تفاصيل الحكاية بكاملها تتشكل مشهدا بعد مشهد أمام أنظار القارئ.

-----------------------------------
المصدر :باقر صاحب - شبكة اخبار العراق

تابع القراءة→

الأربعاء، أبريل 20، 2016

مسرحية "لاكاسامار" تتوج بالجائزة الكبرى لمهرجان الداخلة للمسرح الحساني

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, أبريل 20, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

توجت مسرحية "لاكاسامار" لفرقة بروفا للفنون المشهدية، في حفل اختتام الدورة السابعة لمهرجان الداخلة للمسرح الحساني، ليلة السبت – الأحد، بالجائزة الكبرى للمهرجان، المنظم من 13 إلى 16 أبريل الجاري، تحت شعار "المسرح الحساني ودسترة الحسانية". 
كما توجت عن نفس المسرحية بجائزة أحسن ممثلة ، الفنانة علية الطوير ، فيما آلت جائزة أحسن ممثل للفنان بابا حمزة، في مسرحية "ماسمعني الفالي" لفرقة الحبشي، أما المؤلف عمر ميارا فنال جائزة أحسن نص في مسرحية "ماسمعني الفالي".
وعادت جائزة أحسن إخراج، إلى المخرج محمد علي يحيى في مسرحية "بقايا زمن" لجمعية سيدات الصحراء، وجائزة لجنة التحكيم لمسرحية "ماسمعني الفالي" لفرقة الحبشي.
وأكدت لجنة التحكيم، التي ترأسها الحسين الشعبي أن هناك حاجة قصوى إلى تأمين استمرارية هذا المهرجان باعتباره فضاء ثقافيا نوعيا يسهم في خدمة الثقافة الحسانية من جهة وتأكيد عمقها الرمزي وغناها الإنساني من جهة أخرى ، كما يسهم في خدمة المسرح المغربي بتوسيع وتنويع وتجويد آفاقه وممكناته.
ودعت اللجنة إلى الحرص على تنظيم ورشات تكوينية في كل مجالات الصناعة الثقافية المسرحية لفائدة الجمعيات المحلية في الجهة، والعمل على دعم الكتابة المسرحية باللغة الحسانية مع دعم البرامج والمشاريع الرامية إلى توظيف التراث الحساني في الكتابة والإبداع المسرحي.
كما دعت إلى دعم مشاريع تبادل الخبرات والتجارب المسرحية لتمكين الجمعيات من الاستفادة من حساسيات إخراجية ورؤى فنية من داخل الوطن وخارجه، وتنويع برنامج المهرجان عن طريق تطوير وتوسيع مجال الندوات والورشات التكوينية في قادم الدورات.
وتميزت الدورة السابعة للمهرجان، الذي تنظمه جمعية أنفاس للمسرح والثقافة، بشراكة مع اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان الداخلة أوسرد، ومجموعة فوسبوكراع، ووكالة الجنوب، وبدعم من وزارة الثقافة، ومؤسسة المسرح الوطني محمد الخامس، ومجلس الجهة، والمجلس الجماعي للداخلة، والمجلس الإقليمي لأوسرد،، بالانفتاح على القطر الموريتاني من خلال مشاركة مركز الدراسات الصحراوية "بأطر" وجمعية المسرحيين الموريتانيين، وثلة من الصحفيين والإعلاميين.
كما تميزت هذه الدورة بالعمل المشترك مع المركز الدولي للفرجة بطنجة ، والعمل المسرحي لجمعية القنطرة بطنجة، مما عكس قدرة المهرجان على تطبيق المبادئ المشتركة في الوحدة الوطنية والتلاقح الثقافي بين الشمال والجنوب.

----------------------------------------------
المصدر : كفى بريس ( و م ع)

تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9