أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

السبت، يونيو 04، 2016

مسرحية " ذئب البوادي " تأليف حازم كمال الدين

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يونيو 04, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية
لوحة : بهرام حاجو 


مسرحية " ذئب البوادي " تأليف حازم كمال الدين
شخصيات المسرحية
ذئب البوادي: بطل من العصور الغابرة والمعاصرة
الراعي: صديقه، ووسيطه
الجنية: ابنة شيخ الجان
موسيقي: آخر شخصية في امبراطورية الجن
شيخ الجان: والد الجنية.
شيهانة: أنثى الصقر وابنة ذئب البوادي
التنين:
الزمان
تراتب لا منطقي بين العصور الغابرة والمعاصرة.
الفضاء
افترضْ أنك تخرج من بيتك فإذا بك وجها لوجه أمام بادية الشام. لا طرقات مبلطة. لا أعمدة كهرباء. لا جيران. وحين تتحرك لا تقودك الحركة إلا إلى غور الفلاة.
وكلما أوغلت فيها يبدو لك لونها وكأنه يقترب من غروب لازوردي. ثمة بقع تصبح مشروع ملاذ مثل السراب. هنا وهناك تنبت (نقاط؟) في البادية. سراب داكنٌ أم شيء آخر؟ ومثلما يلتمّ الندى على بعضه ترى أن النقاط أخذت هيئة آدمية. حفناتٌ صغيرة من البشر تغذّ السير في ذات الاتجاه الذي تتجه أنت نحوه، وكأن ثمة موعد ما. أنت تتابع تلك المجاميع الصغيرة فتراها تختفي في شيء شبيه بواحة نائية. أنت تغذ السير نحو الواحة المفترضة.
يبزغ طريق وكأنه طريق قروي ولكنه زقاق صحراوي. يكبر الزقاق ليس عبر العرض ولكن عبر الارتفاع. شيئا فشيئا تبزغ من تحت الأرض نبتات سرعان ما تصبح بيارغ ملونة. مشاعل. بخور. إيقاعات طبول. أزقة صغيرة تتشعب. في رأس كل زقاق شخص أو تمثال يقدم لك شاي نعناع أو ماء ورد أو شمعة يشعلها آخر وأنت تجتاز الزقاق إلى زقاق آخر. حيطان الأزقة ليست من الآجر ولا من الإسمنت. إنها عباءات طويلة غامقة الألوان. بعد أن تجتاز كل تلك الأزقة تنفرج أمامك بوابة نحيلة فتدخل فيما يشبه بيت القصب أو بيت الشعر.
ممثلة تجلس مثل وصيفة في عصر عباسي عند الباب، تقدم الشاي بالنعناع. بخور وأصوات موسيقى من بعيد. لا ضوء سوى التمايل المغناج لضوء الشموع. الشاي حار في اليد والجو دافئ عكس ما كان عليه قبل الدخول، أي في الخارج. الصمت يسبغ إحساسا من الغرائبية على المكان الذي بدت أرضه الصحراوية اللامعة شبيهة بسراب يكاد يحضر ولكنه لا يجرؤ. يبدو دخول الناس وكأنهم يتقاطرون مستسلمين لواحة الصمت وعبق البخور وجلال ذلك الجالس في الصدارة من دونما حراك.
1
الشخصيات تبدو وكأنها تماثيل. تماثيل حية! موسيقى وغناء. بعد فترة يتحرر الراعي من هيئة التمثال. طوال المسرحية، ستنطلق الشخصية من هيئة التمثال ثمّ تعود إلى نفس الحالة.
الراعي:
بسم الله الرحمن الرحيم!
السفر الأول…. امرأة منتصف الليل.
الرجل الجالس في صدر المجلس:
إي!
كان الوقت غروبا، حين أكملتُ الاستعدادات للبدء بالمهّمة.
في صندوق سيارتي الرانج روفر كدّستُ مؤونة أربعين يوما، وعتادا، ووضعتُ إلى جانبي بندقيتي، ومسدسي، وسيفي الدمشقي!
أخفيتُ تحت المقعد التعاليم السرية التي استلمتها من صديقي الراعي بعد أن ودّعته، وتوغّلتُ في بادية الشام بحماسة كبيرة.
بعد أربعة أيام، عند منتصف الليل، ظهرت أنثى غريبة الجمال، يلتمع في يدها اليمنى خاتم دمشقي يخطف الألباب.
(موسيقى)
المرأة:
السلام عليكم.
(الرجل منعقد اللسان)
من أنت؟
(الرجل ينظر لها منعقد اللسان)
المرأة:
ما اسمك؟
الرجل:
ذئب البوادي!
المرأة:
ذئب البوادي! يا له من اسم!
….
ومن أين أنت يا ذيب؟
(صمت. ينظر ذئب البوادي كالمأخوذ)
أعني قبيلتك.. أين تعيش؟
ذئب البوادي:
في الجرود!
….
وقبيلتك؟
المرأة:
قبيلتي تعيش في حلب.
….
ذئب البوادي:
إلى أين أنت ذاهبة؟
المرأة:
إلى تدمر.
ذئب البوادي:
لوحدك؟!
المرأة:
أبي سيلتحق.
ذئب البوادي:
إلى تدمر…. و.. مشياً على الأقدام؟!
المرأة:
كنت أمتطي دابّة، لكن ساقها انكسر فنفقتْ.
ذئب البوادي:
كنت تمتطين دابّة؟!!
أنا أيضا ذاهب إلى تدمر!
اصعدي!
سآخذك في طريقي.
(نسمع صوت سيارة مغادرة. المرأة لا تتحرك).
انطلقنا إلى تدمر.
بعد ساعات عدّة طلبت مني أن نتوقف قليلا، فعرّجتُ على قرية متروكة.
داخل القرية كان ثمة كهف.
بحذر رحت أستطلع محيط الكهف لكي أتأكد من سلامة المكان.
وعندما انتهيت من الجولة كانت قد دخلت الكهف، وأعدّتْ فراشا، وأشعلت نارا، وخبزت خبزا، وبَسَطتْ وشاحها بالقرب من النار ووضعت عليه عسلا وبيضا!
….
تسحرّتُ واستلقيتُ، فجاءت واستلقتْ بقربي،… لكنّني وضعتُ البندقية بيننا.
بعد فترة قرّرتُ استئناف الطريق، فالوقت يمضي وعليّ أن أواصل مهمتي.
بيد أنها كانت مستغرقة في النوم.
….
قبل بزوغ الفجر استيقظتْ.
ذهبتْ إلى صخرة في عمق الكهف، ونظرتْ ثم نظرتْ ثم نظرتْ ثم نظرتْ، ثمّ أزاحتها وسحبتني إلى ما تحت الأرض.
(موسيقى احتفالية. يتحرك ذئب البوادي حركات عنيفة. المرأة باقية في وضعية التمثال!)
المرأة:
أنا جنيّة أعيش تحت الأرض، وأبي هو شيخ الجان.
ستمكث معي أربعين سنة.
(يتحرك ذئب البوادي بعنف)
إذا رغبت أن تكون لوحدك، قل “بسم الله الرحمن الرحيم!” وسأختفي.
….
ذئب البوادي:
فكّرتُ:
لكي أهرب من تحت الأرض عليّ أن أسرق خاتمها السحري!
وبانتظار الفرصة المواتية يجب أن أواظب على ترديد “بسم الله الرحمن الرحيم!”.
وهكذا:
إذا أردت أن أستحم أو أقضي حاجتي ردّدتُ “بسم الله الرحمن الرحيم!”.
لكنني نسيت ذات يوم أن أقول “بسم الله الرحمن الرحيم” فإذا بها تهجم عليّ.
(تغيير مشهدي)
الجنية:
من الآن فصاعدا ستقاسمني الفراش، وإلا ستموت.
ذئب البوادي:
يا سيدتي!
أنا.
….
أنا سعيد بضيافتك تحت الأرض، بيد أنّي أستميحك العذر، لأنّي لن أقتسم فراشك الناري.
يجب أن أصعد إلى ما فوق الأرض!
المهمة التي على عاتقي لا تقبل التأخير أكثر.
الجنية:
هراء.
….
ذئب البوادي:
وواقعتني!
ثم أخفتني في جرّة.
….
وهكذا مرّت الأيام، ومرت الشهور والدهور حتى أصبحنا نعيش كزوجين ولكن في الخفاء.
ذات يوم طلبت منها أن تطلق سراحي من الجرّة وأن نتزوج في العلن، إلا أنها رفضت وقالت إنّ الجن لا يجوز أن يعرفوا أنها متيمة بغرام أنسي.
لكنني حين كدتُ أنجح ذات يوم في الهروب إلى ما فوق الأرض، أمسكتْ بي وذهبت إلى أبيها شيخ الجان وفعلت عكس ما قالت!
(تغيير مشهدي)
الجنية:
أقدّم لك حبيبي يا أبي.
لقد قرّرتُ الزواج منه!
شيخ الجان:
إلى أي عشيرة من الجن ينتسب هذا؟
الجنية:
إنه.. إنه.. ليس بجني….
شيخ الجان:
ماذا؟
الجنية:
إنه إنسي.
لوحة : بهرام حاجو

(يحدّق بها شيخ الجان بذهول)
لقد منحته عذريتي.
….
شيخ الجان:
كيف تجرأتِ على هذا؟!
هل يعقل أن تمنح جنية عذريتها لابن آدم؟!
ذئب البوادي:
وتحدّيا لأبيها أخرجتْ الخاتم الدمشقي ولبسته في يدها اليسرى!
بعد أن تزوجتني علنا ظلت تحتفظ بي في الجرّة، ولا تخرجني إلا إذا أرادت إشباع غرائزها.
….
هكذا عشتُ أربعين سنة.
الجنية خارج الجرّة، وأنا:
داخلٌ خارجٌ، داخلٌ خارجٌ، داخلٌ خارجٌ، داخلٌ خارجٌ،
(يقتل الجنية!)
حتى ماتت ذات يوم بطريقة غامضة!
استحال جسدها الناري جمرا ثم تكوّم رمادا.
نفخت الرماد بحثا عن الخاتم الدمشقي، فلم أجده!
ولكي أكسب الوقت في البحث عن الخاتم أوصلتُ إلى أبيها رسالة تقول إنها لم تمتْ، وإنما ثمة من اختطفها فوق الأرض، وإني قادرٌ بحكم مهنتي على التعرّف على الخاطفين وتعقّبهم واسترجاعها!
لكن جواب أبيها كان صاعقا.
فجأة رأيتُ عبيده في غرفة النوم.
أمسكوا بي وحشروني في جرّة رماد الموتى، وأحكموا إغلاق السدّادة بالقار.
من بعيد تناهت إلى سمعي استعدادات عسكرية للصعود إلى ما فوق الأرض.
بعد أيام أخبرني حارس أن الحملة العسكرية عادت خالية الوفاض، ثم ظهر شيخ الجن كالحلم آمرا بعض جنوده أن يرموني والجرّة في طبقة الحمم البركانية تحت الأرض!!
….
في قلب بادية الشام، بقيت أتفحّم وسط الحمم.
(موسيقى احتفالية)
2
الراعي:
بسم الله الرحمن الرحيم!
السفر الثاني.. الوثن الأنثوي الجميل.
ذئب البوادي:
إي!
بعد أربعين سنة حرّرت نفسي من تحت الأرض، وعدت إلى الجرود.
رحّب بي رجال قريتي، وظهر صديقي الراعي.
(يحدّث الراعي)
هذه إشارة عظيمة يا صديقي!!
بإمكاني إذن العودة للعمل مرة أخرى؟!!
الراعي:
نعم.
وعليّ أن أقودك في المهمّة الأولى، فبعد أربعين عاما تغيّر كل شيء.
ذئب البوادي:
بعد حلول الظلام وصلنا قرية متروكة.
وسط القرية شاهدتُ كهفا.
ترددت.
الراعي:
علينا أن نتسلل بحذر.
ذئب البوادي:
دخلنا الكهف فوجدتُ بندقيتي ومسدسي والعتاد!
ذهب الراعي إلى صخرة وصار يحفر تحتها حتى استخرج ماءً وعرقا.
جلسنا نسكر، ونسكر ونسكر، وكنت أنظر طوال الوقت إليه!
(يحدّث الراعي)
لقد هرمت يا رجل.
الراعي:
بالطبع!
ماذا تتوقع بعد أربعين عاما!
ذئب البوادي:
رحت أنظر إليه وأشرب، أنظر وأشرب، أنظر وأشرب، أنظر وأشرب، ثم انسللتُ إلى مكان سري في أعماق الكهف.
سرقتُ نبتةً ثم:
(يحدّث الراعي)
أنظر يا صاحبي!
هذه هي النبتة التي تعيد الشباب!
تفضل إنها لك!
….
عند منتصف الليل اختفى الراعي بطريقة غامضة.
(صوت سيارة صحراوية تغادر. موسيقى وحركة)
ذهبت إلى مدخل الكهف بحثا عنه فإذا بي أرى وثنا نسائيا معلّقا في الهواء.
تمعّنت بالمرأة الوثن.
لقد كانت أجمل من أيّ كائن على وجه البسيطة.
من وشاحها ينبعث إشعاع غريب.
عندما هفهف الوشاح في الريح انكشف وهج خفي، وعندما انكشفت يدها التمع الخاتم الدمشقي:
(يهتف)
يا للمعجزة! إني أرى الخاتم!
تقدمتُ منها وطلبتُ منها أن تهبط بيد أنها لم تتحرك.
طلبتُ منها الهبوط مرة أخرى غير أنها بقيت معلّقة.
سألتها:
(يحدّث المرأة الوثن)
لماذا لا تهبطين؟
(صمت)
حسنا!
سأجبرك على الهبوط.
(يبدأ طقسا سحريا)
ألا أيتها النجوم احتشدي!
اظهر يا كوكب الزهرة في قلب السماء.
انظر:
حفرت بسيفي الدمشقي نجمة سباعية فوق الأرض ثم كتبتُ داخلها حرف الواو.
انظر:
حفرت خلف الصخرة، واستخرجت سبع حصوات.
- واهي، واها! واهي، واها.
انظر:
وضعت الحصوات السبع على رأس كل زاوية من النجمة.
وقفتُ وسط النجمة وغرزت بندقيتي وسط حرف الواو:
- واهي، واها! واهي، واها. أجيبي أيتها المرأة الوثن.
انظر:
أخرجت مسدّسي وأطلقت تسع رصاصات حولها في الهواء.
(يتوقف الإيقاع)
بعد هنيهة قلت:
(يأمر المرأة الوثن)
اهبطي!
(تسقط الجنية على الأرض بشكل مفاجيء)
الجنية:
السلام عليك يا ذئب البوادي..
كيف حالك؟
هذه مفاجئة أليس كذلك؟!
ذئب البوادي:
من أنت؟!
الجنية:
أنا الجنية الوحيدة في بادية الشام، التي تزوجتك تحت الأرض، واحتفظت بك في الجرّة.
ذئب البوادي:
ماذا تقصدين بهذا الهراء؟!
الجنية:
هذا ليس هراء!
أنا زوجتك يا ذيب!
أنظر للخاتم!
أنا أمتلك سبع أرواح، وكلما أَسلمتُ واحدة أحصل على روح جديدة بهيئة أخرى بعد أربعين سنة!
ذئب البوادي:
حدّقت بها وحدّقت.
كان جمالها أخّاذا وكان الخاتم أقوى من تفكير!
تقدمت منها، فتقدمت بدورها مني وكادت تلامسني.
فتراجعتُ وأمسكتُ ببندقيتي.
(صمت)
أخبرتها بما فعله شيخ الجان، لكنّها لم تعلّق!!
….
بعد صمت بدأتْ تغنّي وراحت تتقدم مني ثانية.
وضعتْ يدها على كتفي، فلامست أناملها عنقي.
….
(موسيقى)
يا إلهي!!!!
إنها الأصابع التي تفوح بعطر السدر والياسمين؛ أصابع الجنيّة الجميلة.
أزحتُ وشاحها فرأيت في يدها العسل والبيض والخاتم الدمشقي.
نظرتُ إليها فنظرتْ إلي،
ونظرت إليها فنظرت إلي،
وجدتُ نفسي داخل الكهف.
(موسيقى أعلى)
كنتُ أحدّق وهي تحدّق.
وأنا أحدّق وهي تحدّق.
وأنا أحدّق وهي تحدّق.
وأنا أحدّق وهي تحدّق.
ذات لحظة سمعت صوتي يوشوش لي:
- انتبه يا ذيب! ستغوص بك تحت الأرض!
- هراء..
- ستختطفك وتمنعك من أداء المهمة!
- هراء!
- ستخبئك تحت الأرض في الجرّة!
- هراء.
وكانت شرعتْ بإزاحة صخرة لكي تهبط بي إلى ما تحت الأرض.
- الجرة يا ذيب!
- هراء..
- انتبه يا ذيب! انتبه.
لوحة : سمير الصفدي 
- هراء..
(يقتل الجنية)
رميتها بعيدا عن الصخرة ورميتُ نفسي على جانب آخر.
حين وقفتُ كانت قد اختفتْ!
في البقعة التي اختفت فيها رأيتُ جمرا سرعان ما استحال رمادا.
نفخت الرماد بحثا عن الخاتم، فلم أجده.
لقد وجدتُ بدلا عنه شارة غريبة:
بيضةٌ عملاقة!
(موسيقى احتفالية)
3
الراعي:
بسم الله الرحمن الرحيم!
السفر الثالث…. شيهانة أنثى الصقر
ذئب البوادي:
إي!
(بقليل من اليأس)
منذ أربعين سنة وأنا أخفق في تنفيذ مهمة كلفتني بها إدارة المخابرات العامة:
أن أستنبت الصقور في بادية الشام!!
كل عام يأتيني الراعي ببذور يقول إنها بيوض الصقر فأنثرها، وأنتظر، بيد أن لا شيء ينبت.
بعد أربع سنين أخبرت الراعي بغضب:
(يحدّث الراعي)
إنها بذور وليست بيوض!
الراعي:
هو الذي يدّعي أنها بيوض.
ذئب البوادي:
أربعون سنة وأنا أرمي البذور دون أن تنفلع الأرض، أو أن تنبثق شارةٌ للحياة!!
الراعي:
سيقتلك يا صديقي إذا لم تفلح هذه السنة باستنباته.
(نسمع صوت سيارة صحراوية تغادر)
ذئب البوادي:
واختفى الراعي!
وضعت البذور التي جلبها جانبا، وقررت أن أستخدم أسلوبا آخر.
ذهبت إلى القرية المتروكة.
إلى الكهف.
أخرجت تعويذة سرقتها من عوالم ما تحت الأرض، ورحت أقرأها على البذور الميتة.
قرأتُ بين الأشواك.
بجانب الصخور.
فوق الهضاب.
في الوديان الجافة.
بعد أربعة أسابيع انشقّت الأرض عن بيضة عملاقة، ثم ظهرت بيضة عملاقة أخرى، ثم بيضة عملاقة، ثم بيضة، ثم بيضة، فبيضة!
فرحتُ ألتهم البيض وألتهم وألتهم حتى أصابتني التخمة!
في الكهف نمت خلف صخرة.
عند منتصف الليل فززت من نومي.
نظرتُ إلى صدري فوجدته وقد انفلع، واندلعتْ منه شيهانة، أنثى الصقر!
حدقّت بها وحدّقت:
إنها ابنتي!
هذه ولادة معجزة!
(حركة وموسيقى. تتحرك شيهانة دون أن تتحرك)
ورحت أتمعّن فيها.
كان لها جسد من بأس النمور، ومن قطرات هواء بعيدة المنال!
إذا ما حلّقت فوق الجرود التمعت في السماء واستحالت سمادا أنزلته الريح.
إذا ما حطّتْ بقرية تلألأ الليل وأضحتْ تعويذة لطرد الأرواح الشريرة.
بيد أنها حين استحالتْ سمادا عبأتها في جرّة ودفنتها تحت الأرض، وحين غدتْ تعويذة استخدمتها طقسا للقتل.
(تتوقف الموسيقى)
قالت إنها ستهرب!
قالت إن خلاصها منّي يتم في العثور على زوج يحميها، وخرجت..
وجدت أنيسا وتزوجت منه، وكان زوجها قطّا بريّا.
بعد الزواج بأربع ليال أخفيتُ القطّ في حفرة.
بعد أربعين يوما أرادت الزواج مرة أخرى، وكان زوجها ثعلبا بريّا.
وبعد الزواج اعتقلتُ زوجها في قبر.
وبعد أربعمئة يوم قرّرت مرة أخرى أن تتّحد، وكان زوجها أيّلا.
وحين أنجب لها الأيّل صبيا أخفيت الأب والطفل في جرّة.
بعد أربعة آلاف يوم خرجت أيضا للبحث عن شريك.
وحين التقت الإنسان وأرادتْ الاقتران به، كان قد بلغ السيل الزبى.
أمسكتُ بها وألقيتها إلى البحر حيث التقطتها إحدى الأسماك وابتلعتها!
فاستحال الاثنان إلى أمواج غضب شقّتْ نهر بردى وحطّت في بادية الشام.
(يقتل ابنته)
في تلك الليلة ولدت قرية متروكة في الجرود.
(غناء)
4
الراعي:
بسم الله الرحمن الرحيم!
السفر الرابع.… شيخ الجان
ذئب البوادي:
إي،
في تلك الأيام كان مجرى نهر بردى غزيرا، وكانت بيوت دمشق تتسلق الجبل.
أبحرتُ في بردى على متن باخرة في مهمة جديدة:
نقل المعتقلين الوافدين إلى سجن المزّة العسكري.
كنت اصطحبت معي شيهانة.
بردى كان هادئا.
كل أصيل كانت تطير شيهانة حول الباخرة، وبعد أن أستمع لقعقعاتها وأرى إلى التماعها في السماء أرمي لها الطعام:
أفراخ حمام.
في مساء جمعة وصلت جبل
لوحة سمير الصفدي 
قاسيون.
وإذ كنت أغادر الجبل اعترضتني كتلتان ناريتان كبيرتان.
في البدء توهجتا خلف جبل قاسيون، ثم ارتفعتا وتقدمتا ببطء.
أطلقتا سهاما نارية عملاقة صوبي، لكني راوغتها فسقطت السهام في البساتين.
اشتعلت البساتين باللهب.
فانشغلتُ طوال الليل في إخماد الحرائق.
اندلع النهار وكان التعب قد أخذ مني مأخذا فنمت.
في الليلة الثانية، شرعت بتنفيذ المهمة، بيد أن الكتلتين الناريتين توهجتا من جديد.
تجمدتا لساعات في قبّة السماء.
طوال الليل كانت تحدّقان بي بغضب، بتوعّد، ولكنهما عند الفجر غابتا.
في الليلة الثالثة وصلت أسوار السجن، لكن الكتلتين الناريتين هبطتا مرة أخرى.
رمتاني بسهام عملاقة تجنبتها، واندلعتْ الحرائق في البساتين.
وإذ ظلّت الكتلتان الناريتان تبحثان عني أعلى جبل قاسيون ووسط الحقول الملتهبة أخرجتُ تعويذة سرقتها من تحت الأرض.
لففتها على سيفي الدمشقي وضربت الكتلتين حتى أطفأتُ واحدة.
وهكذا هدأ كل شيء، وسلّمت المعتقلين.
(صمت)
أخذت استراحة على سفح قاسيون وكانت شيهانة تنام بالقرب مني.
في اليوم الرابع ظهر الراعي:
هاهاه. ثمة تعاليم جديدة!
(يظهر الراعي)
الراعي:
لم آتِ لك بالتعاليم هذه المرة يا صديقي!
ذيب!
جئتُ لأفشي لك بسرّ خطير:
….
شيهانة في خطر.
استمع جيدا.
لقد قرّر أن يأتي لكي ينتزعها منك.
لا تنس يا ذيب:
أنا لم أخبرك بأيّ شيء.
أنا لم أخبرك!
أنا لم أخبرك!
ذئب البوادي:
واختفى الراعي!
عند منتصف الليل، بعد أن استغرقت شيهانة في النوم، هبّت ريح، وانبعثت صرخات، وهوّم عويل في البساتين.
كان ذلك عويل الأشجار.
هبّت رياح مسمومة، فرأيت دموع الأشجار تفيض وتغرق البساتين المحترقة.
في قلب الليل بانت من خلف جبل قاسيون كتلة نارية كالجرم السماوي، وراحتْ تتقدم نحونا:
شمسٌ في قلب الظلام! إنها علامات القيامة!
لم تقترب كتلة النار منّي، بل أرادت أن تختطف شيهانة.
وحين راوغتها ضربت طوقا من اللهب على شيهانة فاحترق بعضٌ من ريش جناحها.
علقتْ رائحة الريش في أنفي.
امتشقتُ سيفي الدمشقي وشطرت الكتلة ألف قطعة.
خمد طوق النار.
التفتُّ إلى شيهانة فإذا بها اختفت.
….
قبل مطلع الفجر ظهرت الجنية الجميلة.
كانت هذه المرة في هيئة حورية للبحر!
ولم أتأكد أنها جنيتي إلا عندما التمع الخاتم الدمشقي في يدها اليسرى!
سحبتني إلى ما تحت الأرض:
(حركة)
الجنية:
انتبه يا ذيب انتبه يا ذيب.
إن الكتلتين الناريتين اللتين ظهرتا كانتا عينا أبي شيخ الجان.
إنه يريد الانتقام منك.
ولن يتوقف عن ذلك حتى يقضي عليك!
سيرسل لك في المرة القادمة غولة تلعق باطن قدميك حتى يستعصي عليك السير، وستسجنك الغولة إلى أمد لا يعلمه سواه.
فانتبه جيدا:
البس حذاء من حديد لكي لا تلعق الغولة قدميك، وعندما تظهر، اهجم على ثديها وارضع منه.
بهذه الطريقة تأمن شرّها أربعين ليلة.
فإذا ما رضعت من ثديها لن تمسّك بسوء حتى تنقضي أربعون ليلة.
انتظر ليلة بزوغ البدر في السماء.
وإذا ما بزغ، فلا تتردد.
تظاهر أنّك تريد الرضاعة من ثديها ثمّ ابترْ حلمتها اليسرى بأسنانك.
ابتر حلمتها بأسنانك.
ابتر حلمتها بأسنانك.
ابتر حلمتها بأسنانك.
(يقتل الجنية. يبحث بجنون عن الخاتم الدمشقي فلا يجده)
ذئب البوادي:
ظهرت الغولة من تحت الأرض، وباءت محاولاتي للإمساك بثديها بالفشل.
(موسيقى)
سحلتني إلى الكهف.
ومن هناك إلى صخرة تخفي مدخلا سرّيا يفضي إلى جرار لا تعدّ ولا تحصى.
جرارٌ تغلقها سدّادات تنفتح وتنغلق من تلقاء ذاتها..
جرجرتني حتى أوصلتني إلى أسوأ الأعماق.
إلى دهاليز مريعة.
هناك وجدتُ غيلانا عملاقة تحكم جموعا من الرعاع!
كانوا فتاتا من البشر!
أشلاء حيّة!
خرقٌ مضى على اختفائها أحقاب، حتى ظنّ الجميع أنّها ميتة.
لم تكن لتلك البقايا البشرية أسماء، ولا وجوه، ولا ملامح، أمّا التعرف على أصحابها فيتّم عبر الكشف عن المؤخرات التي دُمغت بالأرقام.
هناك..
في ذلك الحطام المجهول، دمغتْ الغولة رقما على مؤخرتي.
خيّطتْ لساني على شفتيّ، وانهمكتْ بممارسة التدريبات الخاصة بمناهج التعذيب، مناهجي ذاتها!
كما لو كنتُ وسيلة إيضاح، وكما لو كانتْ معلمة في مدرسة؛ تمارين، تمارين، تمارين:
الملزمة.
الخازوق.
بساط الريح.
الأريكة الدوارة.
طاحونة الهواء.
الصليب!
(حركة واسعة تتوقف فجأة)
أربعون عاما بقيت أتعفن داخل الجرّة حتى حرّرني صديقي الراعي!!
ذات يوم أرسل دورية مخابرات بحثا عنّي في باطن الأرض.
وصلتْ الدورية إليّ، وحملتني إلى الأعلى.
فوق، التقيته.
الراعي:
ذيب!
لم يعد ثمة مكان آمنٌ هنا لك!
اهربْ قبل فوات الأوان.
أنت تعرف أنه يريد حياتك.
لقد أنقذتك هذه المرة لكنني لا أعرفُ فيما لو كنتُ قادرا على مساعدتك في المستقبل.
ذئب البوادي:
وفررتُ إلى حيث أستطيع أن أبدأ حياة جديدة.
بطريقة غامضة التقيتُ ابنتي ووقعت في حبّها.
قررت أن أتزوّجها، لكنها رفضت. وبعد محاولات إقناع فاشلة صرت أسوقها عنوة إلى مخدعي.
وقد أمتعتني لزمن ما، لكنها بدأتْ تتمرد بمرور الأيام.
وفوق ذلك بدأ يسيطر عليها شرود مستمر، وبدأتْ تنتابها رغبات مفاجئة للهبوط إلى ما تحت الأرض.
ذات منتصف ليل، انتفضتْ ونبت على جسدها ريش.
دارت حول نفسها ورقصت،
ودارت ورقصت،
ودارت ورقصت،
ودارت ورقصت،
ثمّ صاحت:
شيهانة:
خذني إلى شيخ الجان.
ذئب البوادي:
ماذا؟!
شيهانة:
يجب أن تهبط بي إلى ما تحت الأرض.
ذئب البوادي:
ماذا؟!
شيهانة:
أريد لشيخ الجان أن يصعد إلى ما فوق الأرض في وضح النهار.
ذئب البوادي:
ماذا؟!
فأقفلت عليها الباب بالمزاليج. لكنّها هربت بطريقة غامضة.
ارتديت حذائي الحديدي وعدت إلى بادية الشام بحثا عنها.
(يقتل شيهانة)
هناك.. بالقرب من القرية المتروكة تدحرجتْ بيضةٌ خارج رحم ابنتي وانفجرتْ، فتناثر جسدها، وماتت.
5
الراعي:
بسم الله الرحمن الرحيم!
السفر الخامس.. الأحراش
ذئب البوادي:
إي!
في أول أيام الخريف تلقيت أوامر بقيادة دورية كبرى من رجال الأمن في مهمة، هدفها تحديد مخابئ سريّة في بادية الشام.
لقد أخبرني صديقي الراعي الذي حمل التعاليم كالعادة أن القيادة تريد دفن أسرار مهولة في تلك المخابئ.
(صمت)
إبان مهماتي السابقة في البادية، تراكمتْ لديّ خبرات هائلة في تحديد المخابئ، وكانت القيادة على اطّلاع دائم بتطوّر تلك الخبرات.
في أول أيام الخريف قرّرت بناء سفينة عظيمة في ميناء درعا.
وبعد أن انتهيت من صناعتها أصدرتُ الأوامر بالرحيل.
سحبتُ المرساة وأبحرتُ في الجرود، فوق التلال، في السهول المتروكة.
وقد اعترضني بين ما اعترضني عاصفة هدأت عند حلول الفجر.
أوقفتُ السفينة بالقرب من قرية متروكة، وأعطيتُ رجالي استراحة.
عند الغروب انبثق ضوءٌ في الأفق سرعان ما اقترب.
وعندما حدّقت بها جيدا رأيتُ أنّه صديقي الراعي وقد تنكّر.
أمسك بي وقادني بسريّة إلى أعماق كهف عملاق يتوسّط القرية المتروكة.
توقّف بجانب صخرةٍ في إحدى زوايا الكهف وهمس:
الراعي:
ذيب يا ذيب يا ذيب..
انتبه.
إنّ المكان الذي رسوتَ فوقه، ليس سوى وهم.
إن المكان الذي تراه، وتظنّ أنّه قرية فهو ليس كذلك!
ذئب البوادي:
ما هو إذن؟
الراعي:
إنه طائر الرخ!
ذئب البوادي:
طائر الرخ؟!
الراعي:
استمع يا ذيب!
….
إنه طائر رخ نائم من زمان قديم!
الرياح المتعاقبة غطّته بالتراب والطين، فنبتت فوقه الأشجار.
….
(ذئب البوادي يضحك)
ذيب يا ذيب يا ذيب! اسمع!
إنه كمين منصوب لك.
إذا كنت لا تصدقني أزح الصخرة وانظر!
هيا!
أزحها!
هل ترى عينه النائمة!
(الراعي يزيح الصخرة وينسحب. نسمع صوت سيارة مغادرة. ذئب البوادي ينادي)
ذئب البوادي:
آهي، آها! آهي، آها!!
إلى السفينة، إلى السفينة يا رجال!
آهي، آها! آهي، آها!!
إنه طائر الرخ! سيقتلنا جميعا!
بعد فوات الأوان!
تزلزل كل شيء.
تحرك طائر الرخ تحت القرية فاصطفقت الأشجار ببعض.
انبعث جناحاه الكونيّان من تحت الأرض ورفرف بهما، فانقلعت الأشجار وانثالت الزوابع.
انجرفت الأراضي حتى صارت سيلا من الأحجار جرفتْ في طريقها كل شيء.
رمى طائر الرخ رجالي بأكوام من الأحجار حتى ابتلعهم السيل وغرقوا.
وعندما شارفتُ بدوري على الغرق توقف الطائر.
نظر إليّ طويلا وغادر!!!
عندها ظهرت الجنية للمرة الرابعة.
سحبتني خارج البركان الحجري.
وبعيدا عن هناك توقفت.
نظرتُ إليها.
كانت في هيئة زنوبيا الملكة.
وكان الخاتم الدمشقي يلتمع في يدها اليسرى.
الجنية:
ذيب!
اسمع ما أقول جيدا!
كما سبق وقيل لك، فأنت لم تصل بالصدفة للقرية المتروكة.
ذئب البوادي:
ماذا؟!
الجنية:
إن العاصفة هي التي قادتك إلى حيث يكمن طائر الرخ!
ذئب البوادي:
ماذا؟!
الجنية:
اعلم أنّك لم تصل بالصدفة إلى تلك القرية.
ذئب البوادي:
ماذا؟!
الجنية:
أنت لم تصل بالصدفة إلى تلك القرية.
ذئب البوادي:
ماذا؟!
الجنية:
أنت لم تصل بالصدفة.
ذئب البوادي:
كيف عرفت ذلك؟!
(يقتل الجنية. يبحث عن الخاتم فلا يجده)
6
الراعي:
بسم الله الرحمن الرحيم!
السفر السادس.. التنين
ذئب البوادي:
إي!
جاءني الرّاعي بتعاليم جديدة.
في مناطق الرقة وحلب والحسكة يتوجب التصحير.
مهمتي التي يجب أن تنفذ سرا هي خلق الرمال لكي تزحف على المدن.
كنت أعمل ليلا.
شيئا فشيئا بسطتُ رمال الصحراء.
وضعت سرابا هنا، وواحة هنا وهناك.
(نسمع صرخة مفاجئة)
لوحة : هيثم شكور 
الجنية:
ذيب يا ذيب يا ذيب.
إحذر يا ذيب!
سيقضي عليك هذه المرة.
ذئب البوادي:
اللعنة!
إني لأعرف هذه النبرة.
قلت، وتناولت بندقيتي.
(يصرخ)
لقد عرفتُ!!
إنها جنيتي الجميلة الوحيدة في هيئة الآلهة عناة واقفة في فوهة الكهف.
الخاتم الدمشقي في يدها.
الجنية:
احذر يا ذيب!
احذر!
ذئب البوادي:
استدرت، فإذا بظلال التنين الكنعاني تخرج من قمقم.
لقد تحرّر التنين الكنعاني من القمقم!!
(بنشوة)
لقد تحرّر التنين الكنعاني من القمقم.
التنين:
لا ترحب بي يا ذئب البوادي!
لقد خرجتُ من القمقم لأصليك بالحمم.
ذئب البوادي:
أنا لا أستحق ما تصليني به بالحمم.
بالعكس!
التنين:
لقد قتلت الجنية الوحيدة في بادية الشام.
ذئب البوادي:
لقد وقفتْ بوجه مهماتي.
التنين:
لقد اغتصبت ابنتك.
ذئب البوادي:
لم أفعل ذلك.
تلك كانت رغبتها الشخصية.
التنين:
لقد أطفأت عينيّ شيخ الجان.
ذئب البوادي:
لم أكن أعرف ذلك.
لقد رأيت كتلتين من النار فقط!
التنين:
لقد سرقت نبتة الشباب وأهديتها إلى الراعي.
ذئب البوادي:
وما شأنك بهذا!!
(إلى الجنية)
افعلي شيئا!
الجنية:
إنه التنين الكنعاني!!
أنت تعرف أني أُشلّ إذا ما خرج من القمقم.
لن يعيده إلى القمقم سوى تعويذة الجلجلوتية الكبرى!
ادخل الكهف.
اذهب إلى الصخرة.
اهبط من هناك.
اسرق الجلجلوتية الكبرى واجلبها لي وسأقضي عليه!
اسرق الجلجلوتية الكبرى!
(التنين يهاجم الجنية. حركة ورقص)
ذئب البوادي:
وكما يحدث في المعجزات، وجدت نفسي داخل الكهف.
أزحتُ الصخرة في العمق.
هبطتُ بسرعة البرق.
سرقت تعويذة الجلجلوتية الكبرى وصعدتُ.
سحبتْ الجنية سيفي الدمشقي من يدي وراحت ترسم به أشكالا غريبة في الهواء.
عندها تشتّتتْ رؤوس التنين السبعة فانقضّت الجنية عليه.
بصق التنين ألسنة من اللهب واندلعت الحرب.
انزويتُ خلف الصخرة وأنا أرتّل، ولم تتوقف المعركة حتى أصابت الجنية من التنين مقتلا.
سقط الكائن الكنعاني الأسطوري على قفاه، فضربته الجنية بالسيف الدمشقي!
سمعت صدعاً.
وكأنها أصابت جدارا.
ضربته ثانية فدوّتْ صرخة هائلة.
(صمت)
فتحتُ عينيّ ونظرت فإذا بالتنين مرميّ خارج الكهف كجبل شاهق من الجمر.
طحنتْه الجنية بمطحنة، ووضعت الطحين في القمقم.
بمثل لمح البصر فلقتْ صخرة بالسيف، فاندلعتْ ثغرة ابتلعت التنين المطحون، وبسرعة البرق التأمتْ الصخرة وكأنّ شيئا لم يكن!
(تقترب الجنية من ذئب البوادي)
الجنية:
لقد حرّر التنين الكنعاني من القمقم هذه المرة ليمنعني من الدفاع عنك.
لكن جهوده باءت بالفشل.
سأظل آتيك دائما للدفاع عنك.
ذئب البوادي:
وأرادت أن تسحبني لممارسة الطقوس التي أعرفها جيدا.
لكنني في تلك اللحظة كنتُ مهجوسا بالأسئلة:
أنّى للجنية أن تعرف كل تلك الأحداث؟
لا!
صرخت بها:
هذه المرة، لا.
وسحبت سيفي الدمشقي….
(يقتلها)
فتحلّلت فوق الرمال..
(موسيقى احتفالية)
7
الراعي:
بسم الله الرحمن الرحيم!
السفر السابع…. الراعي!!
ذئب البوادي:
جاءني الراعي بمهمة جديدة قديمة!!
الراعي:
ذيب يا ذيب يا ذيب!
لقد تمّ اكتشاف المخابئ السرية في بادية الشام، وعليك أن تبحث عن حلّ مناسب لنقل تلك الأسرار إلى مخابئ أخرى.
ذئب البوادي:
بمنتهى السرعة حدّدتُ مخابئ جديدة، وذهبتُ لنقل الأسرار من المخابئ القديمة.
وما أن ابتدأتُ حتى انقضّ عليّ ثور سماوي، حملني بين قرنيه، وطار إلى القرية.
أدخلني الكهف ثم أزاح صخرة وهبط بي حيث سجنني داخل جرّة.
400 عام بقيت محشورا في الجرّة لا أرى شيئا سوى الثور السماوي، يأتي لكي يمارس عليّ عمليات التعذيب.
اقتلع أسناني،
اغتصبني،
أدخل القناني في شرجي،
أدخل الأسياخ والخوازيق.
….
في عصرٍ ما تمكنت من رشوة حارس سرق لي إحدى تعاويذ ما تحت الأرض.
رتلّت التعويذة ألف مرة ومرة ثمّ ضربت جدارا في الجرّة.
ضربته، ضربته، ضربته، حتى تصدّع.
ففتحتُ ثغرة وانسللتُ إلى ما فوق الأرض.
قررت أن أختبئ في تلك المدينة.
فهناك لن يرسل أحد أبدا. دخلت المدينة. تمشيت بين الناس في أزقتها، وفي الساحات، وفي الأسواق المسقوفة.
دخلتُ بيتا أسدلتُ ستائره واتخذته سكنا لي.
في اليوم السابع عند منتصف الليل أزحتُ ستارة، فرأيتُ الصحراء تزحف لتلتهم المدينة.
رأيتُ الأحياء والأزقة تغرق رويدا رويدا في لجج الصحراء، ثمّ رأيتُ باب بيتي يغرق، ثمّ تغرق الغرفة، ثم السرير!
وبدأ الزمن يعود إلى الوراء.
ساعات تعدو إثر ساعات، حتى أصبح الوقت ظهرا.
وإذا أرى نفسي بي من جديد وسط بادية الشام.
(صمت)
فكّرتُ:
ماذا أفعل؟
فقلت لنفسي:
فكّر.
….
وفكّرتُ:
ماذا أفعل؟
فقلت لنفسي: فكّر.
….
حدّقت بالشمس ثم سمعت صوتي يقول:
قرّر.
(يمارس طقسا)
انظر:
هرعت إلى القرية المتروكة.
هرعت إلى الكهف.
حفرت تحت صخرة، واستخرجت ما تبقى من تعاويذ.
خرجت إلى العراء وناديت نجوم الظهيرة!
طلبت من كوكب الزهرة أن يحوم.
انظر:
رسمت بسيفي الدمشقي النجمة المضلّعة فوق الأرض، ووضعت فوق كل زاوية تعويذة.
انظر:
قرأت برج السرطان، ثم كتبته على ورق البرديّ ودفنته في حفرة وسط النجمة، وناديت:
واهي، واها! واهي، واها.
يا ربّ الأفلاك وخالق العالم السفلي.
يا خالق العالم السفلي.
أحضر لي الجنية.
(يتوقف الطقس)
انظر:
أشعلتُ بخورا لكي أدعو العاصفة.
بعد هنيهة، انفلع صدري وانبثق منه صديقي الراعي.
….
صديقي الراعي؟!
الراعي:
كيف تجرأت على ممارسة طقوس الاستحضار في وضح النهار؟
ألا تعرف أن هذا من المحرمات؟
ثمّ إنّ الجنية تظهر عند منتصف الليل فقط.
ذئب البوادي:
صديقي الراعي؟
الراعي:
نعم أنا هو!
….
دعنا نستريح قليلا.
(يجلس الراعي ويفرش عباءته)
انظر ماذا حملت لك معي.
ذئب البوادي:
نظرت في عباءته وإذا بي أرى خبزا وعسلا وبيضا.
في تلك اللحظة فقدت صوابي.
(صمت. ثم ينقض على الراعي)
كيف عرفتَ أني أحب العسل والبيض؟!
كيف عرفت أن طقوس الاستحضار ممنوعة في النهار؟
كيف عرفت أن ثمة جنية تظهر.
كيف عرفت أن الجنية تظهر فقط عند منتصف الليل؟؟!
كيف خرجتَ من صدري؟
كيف؟! كيف؟ كيف؟!!!!
وبينما كان الراعي يلفظ أنفاسه الأخيرة لامست أنامله عنقي.
يا إلهي!
إنها أنامل الجنية ذاتها.
الراعي:
لقد طلبتْ مني أن أخبرك بالحقيقة قبل فوات الأوان.
ومع ذلك.. أنا أرى أن الأوان يفوت الآن!
(يقتل ذئب البوادي الراعي. صمت)
8
ذئب البوادي:
إي.
إي.
(حين يدرك أن لا أحد سيعلن المشهد، يقدم المشهد بنفسه)
السفر الثامن…. الكهف
عندما أردت مغادرة القرية المتروكة انفلع صدري مرة أخرى وظهرت منه شيهانة.
قبضتْ عليّ بمخالبها وطارت إلى كهف آخر.
أسقطتني عند المدخل.
ضبابٌ مصحوبٌ بالتراتيل يتصاعد.
أضواء صاعقة تهشّم الضباب.
جرجرتني إلى أعماق الكهف.
هناك رأيتُ قبّة زجاجية مسجّاة فيها الجنية الجميلة!
مومياء يلتمع في يدها اليسرى الخاتم الدمشقي.
خبطتُ زجاج القبّة بقبضة يدي.
استدارت ببطء.
رمشت عيناها.
تحرّكت شفتاها.
بيد أنّني لم أسمع شيئا.
(ذئب البوادي يكاد يجن)
يا ربّ العباد، ما هذا؟
يا ربّ العباد، أريد أن أكون بقربها!
شيهانة:
اخلع رداءك!
…..
خذ هذا الكفن، وتكفن!
سأحفر طريقا يوصلك إليها.
(طقس موت)
ذئب البوادي:
يا إلهي!
أنا بالقرب منك يا جنيتي الجنية!
يا إلهي!
أنتِ ملفوفة بلفائف من قماش الكتان.
(ذئب البوادي يدور حول الجنية. الخاتم الدمشقي متوهّج من خلف لفائف الكتان)
الجنية:
ماذا تفعل هنا؟
…..
لقد انتهت حياتي بسببك.
ذئب البوادي:
ولكنك.. أ..
الجنية:
هذا هو موتي الأخير.
ذئب البوادي:
لكنك قادرة على الانبعاث!
الجنية:
لقد فقدتُ هذه القدرة.
ذئب البوادي:
لماذا؟
الجنية:
لأنّك قتلت الراعي.
ذئب البوادي:
ما معنى هذا…؟!
الجنية:
ألم تفهم معنى العسل والبيض؟
كان الراعي هيئتي الإنسية في النهار.
نحن مرتبطان ببعض، فإذا قُتلت قرينتي الأنسيّة أموت أنا بشكل نهائي.
ذئب البوادي:
لمستُ لفائف الكتان فتعرّفتْ يدي على جسد الراعي داخلها.
….
أخرجتْ الجنية كفّها اليسرى الذاوية من الكتان لتلمسني فسقط من إصبعها الخاتم الدمشقي وتدحرج في الطريق الذي جئتُ منه.
هرعتُ خلف الخاتم، لكنه كان أسرع.
أسرعتُ خلفه فتدحرج خارج الكهف ثم خارج القرية صوب الجرود.
نبتت له أحراش ثم طغا عليه صلصال فتضخّم وتعملق كمثل كرة الثلج.
هكذا رسم الخاتم مسارا حلزونيا راح يتسع ويتسع وكانت أقدامي تسقط داخل المسار.
صارتْ أيامي تعدو خلفي وأنا أعدو خلفه.
كلما اعترضني عائق أزلته عن طريقي:
أهلتُ التراب على ناعورة حماة.
أزحتُ قلعة حلب من الوجود.
وحين دقّت ساعة حمص أمرت الزمن أن يتوقف.
اعترضتني حشودٌ من الديناصورات فجندّتها!
ظهرتْ بوجهي فيالق من المحاربين فجعلتها تابعة لي!
داهمتني وحدات من الدبابات وآلاف السيافين فدجّنتهم.
خلقتُ مدافع وشبكات ألغام، وصرتُ أخطب بهم وأنا أعدو لأقبض على الخاتم.
لم أدرك أن الخاتم الدمشقي كان يحفر أخدودا حلزونيا صوب طبقات الأرض السبع لأني كنت أجري خلفه دون تفكير.
حين وصل الخاتم طبقة الوشاح جرف صخورا بركانية وعلّق بدرا في قشرة الأرض فبدا الخاتم والقمر قمران تحت الأرض.
جندلتُ القمر وأوغلتُ خلف الخاتم. ‏
(إيقاع وحشي يتصاعد)
حين غاص في طبقة صخر البلور نشر الخاتم ضياءه ومن هناك ولد القمر ثانية وتماهى ضوؤه بوهج الخاتم، لكنني ابتلعتُ ضوء القمر.
(يتصاعد الإيقاع)
في الطبقة الثالثة ادلهمّ وهج الخاتم، وعشعش ضوء القمر الباهر فوق المعادن المبلورة، فناديتُ صخور الدياجير لتمتص ضياءه.
(يتصاعد الإيقاع)
في الطبقة الرابعة حشّد الخاتم صخور الوشاح السفلي الكثيفة وصفّها داخل إطار قمر نمير ينبض بضياء أبيض، لكنني كنت أعرف من هو النمير ومن هو الخاتم.
ناديتُ لجج اللهيب فراح القمر يتخبّط في ألسنتها لسنتها المهولة.
استحالت ألسنة اللهيب مرايا.
فرأيتُ فيها صورة شيخ الجان.
رأيته يرمقني بعينين مفقوأتين.
حدّق بي، فحدقت به.
رأيته يخربش المرايا، اللهيب، فخربشتُ المرايا.
اقترب مني، فاقتربت منه.
حدّق بي فلم أعد أر شيئا.
تلمستُ ما حولي فإذا المرايا تعيد تجسيده كالرلييف.
في الطبقة السابعة، في قلب الأرض استحال الخاتم كرة من حديد ونيكل وصار القمر هلالين كالشفتين.
لقد كانتا شفتي شيخ الجان.
حين تحركت الشفتان انطلق الصوت منّي أنا!
هذا هو الذي شهدتُ حدوثه.
أنا ذئب البوادي.. أنا هو شيخ الجان.
(إيقاع وحشي)
عند قلب الأرض نقف وجها لوجه:
أنا وصورتاي وجيوشي من جهة، والخاتم وقلب الأرض من جهة ثانية.
هيا أيتها الجيوش!
إلى المعركة الفاصلة.
(الإيقاع الوحشي المصحوب بالغناء يتصاعد حتى تتحول المسرحية إلى أمسية موسيقية)
---------------------------------------------
المصدر : الجديد - العدد: 17

تابع القراءة→

عرض مسرحية "خطبة لمبورة" بمدينة الداخلة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يونيو 04, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

شهدت خشبة المركب الثقافي بمدينة الداخلة تقديم عرض مسرحي كوميدي لفرقة روافد المسرح الاحترافي بجهة الداخلة واد الذهب، تحت عنوان"خطبة لمبورة".

واستمتع جمهور مدينة الداخلة، طيلة ساعة زمنية من الضحك، من خلال هذا العرض المسرحي الكوميدي في قالب فني أكثر قربا للجمهور الصحراوي المتعطش لهذا اللون الإبداعي الذي يؤمن بالفرجة والنقد والمتعة وسلامة الذوق.

والمسرحية عبارة عن نص مقتبس من النص الروسي "طلب زواج"، لأنطوان تشيكوف، تناولها الكاتب والمخرج عزيز أبلاغ في قالب صحراوي وبغطاء ثقافي حساني أصيل تيمة وشكلا، من تشخيص الفنانة مريم العلوي والفنان محمد لنصاري والفنان سيدي أحمد شكاف.

وتحاول المسرحية، في قالب كوميدي، تشخيص قصة شاب يكرس جهده من أجل خطبة فتاة فتتداخل الخيوط لتبزغ قصص أخرى وتتصارع الأحداث.

ويندرج تنظيم هذا العرض المسرحي باللسان الحساني، حسب مخرج المسرحية عزيز أبلاغ، في إطار المساعي إلى النهوض بالفن المسرحي الحساني، والثقافة الحسانية والمساهمة في إشعاعها على المستوى الوطني، باعتبار مكانتها الدستورية مكونا من مكونات الثقافة الوطنية والهوية المغربية المتعددة في إطار الوحدة.

يذكر أن فرقة روافد المسرح الاحترافي تحمل في خزانتها مجموعة من الأعمال المسرحية تناقش فيها تيمات مختلفة تمكنت من خلالها أن تختزل أفراح ومأساة الإنسانية و كل ما يحمل في طياته من معاني الجمال والحب والاعتقاد بروح الطبيعة والذات الإنسانية.

-----------------------------
المصدر : هسبريس - و.م.ع


تابع القراءة→

«مسرح متحرر» لفكتور هوغو: معانٍ كبيرة في أعمال صغيرة / ابراهيم العريس

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يونيو 04, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

بعد عام تقريباً من رحيل الكاتب الفرنسي فكتور هوغو، في العام 1885، صدر في باريس كتاب يحمل توقيع الكاتب لم يكن قد صدر خلال حياته. كان عنوان الكتاب «مسرح متحرر». وإذا كانت ثمة مقولة تعتبر دائماً أن الاعمال الصغيرة والثانوية للكتاب الكبار، تكشف عادة عن «سر الصنعة» لديهم، وعن أفكارهم في شكل أكثر مباشرة مما تفعل أعمالهم الأساسية، فإن هذه المقولة تنطبق على هذا الكتاب الذي أتى ليضم في الأصل عدداً لا بأس به من الفصول المسرحية القصيرة، والفقرات الشعرية، والمسرحيات التي لم تكتمل. وكان من الواضح أن أياً من تلك النصوص لم يصل إلى خشبة المسرح، باستثناء نصّين هما «الجدة» و»هل سيأكلون؟». بل إنهما حين قدما، لمناسبة أو لأخرى، على الخشبة لم يثيرا أيّ اهتمام، واعتبرا من قبل النقاد مجرد تمرينين في الأسلوب لكاتب كبير. ولكن لاحقاً، حين قرئت هذه النصوص معاً، كشفت عن العديد من الأمور التي لم تكن واضحة من قبل كما سوف نرى.
 من ناحية مبدئية يمكن الإفتراض أن معظم نصوص هذا الكتاب كان قد كتب فيما كان صاحبه منفياً خلال فترة لاحقاً من حياته. ويمكن القول، بالتالي، إن هوغو حين كتب النصوص، حرر نفسه تماماً من أية ممارسات أو ضوابط مسرحية جدية. كان يكتب، كما يبدو، لمجرد الكتابة. ومن هنا عنوان «مسرح متحرر» الذي أُعطي للمجموعة، وما اتسمت به النصوص من غرائبية وبعض صرامة في الشكل والأسلوب. كما أن في وسعنا القول إن كثيراً من الملامح التي تسم هذه النصوص كان قد سبق أن رأيناها في أعمال لهوغو كتبت سابقاً، أو سنراها في أعمال ستكتب لاحقاً. ومع هذا، لن يكون من الإنصاف القول إننا هنا أمام «اسكتشات» تحضيرية. بل إنها أعمال معظمها مكتمل وتحمل أساليبها ومعانيها. أما من ناحية الإطار العام الذي وضعه الكاتب لهذه النصوص، فإنه يكشف عن تفضيله هنا للأنواع الأدبية الصغيرة واللحظات المفاجئة، المتراوحة بين حكايات الجن، التي كانت فائقة الشعبية في ذلك الحين، والحكايات العائلية والمواقف العاطفية ولحظات العيش القاسية. كان هوغو يكتب وكأنه يكتب لنفسه متخلصاً من عبء «الجمهور» الذي كان قد اعتاد أن يكتب له في السنوات السابقة حين كان كاتباً عاماً، يكتب لجمهوره في مسارح بورت سان - مارتان.
* على العكس، إذاً، من كل تلك «الجدية» البورجوازية التي كانت تسم كتاباته المسرحية السابقة، كان هوغو يكتب هنا نصوصاً حرة تماماً (ونفتح هنا هلالين لنقول إن في هذه النصوص ما يمكن أن يكون استباقاً لمسرح القسوة والمسرح السوريالي). ففي نصوص هذه المجموعة قد ترى الفراشة تتحاور مع زهرة الليك والعصفور الدوري مع قطرة الماء (كما في نص «الغابة المبتلة» التي يبدو من الواضح أن هوغو صاغها وهو يفكر في مسرحية شكسبير «حلم ليلة صيف»). في هذه المسرحية التي تلغي تماماً الحدود بين الشعر والمسرح، يواجهنا عالم غرائبي متكامل تثرثر فيه أغصان الشجر والزهور والهوام والحصى والحشرات والألوف المؤلفة من شعوب الغابة، وتغني مساعدة الحب على التفتح إذ يبدأ في الجمع بين كائنين بشريين. غير أن هذا العالم الطبيعي الخيالي، والذي يكاد يكون بيئوياً مبكراً، يترك المكان في نصوص أخرى، إلى عوالم أكثر واقعية حتى وإن كانت ستظل تحرص على الجمع بين الشعر والمسرح في بوتقة واحدة.
> وهكذا، على سبيل المثال نرانا، في مسرحيات مثل «أن تُحبّ» أو «عند تخوم الغابة»، أمام واحدة من موضوعات فكتور هوغو الأثيرة في عوالمه المعتادة: الحب. ففي مثل هاتين المسرحيتين نجدنا أمام الحب الخالص، الحب وهو يتكون وسط سعادة مطلقة، من دون معوقات تردع الحبيبين، أو واحداً منهما أحياناً. حيث يكون الانتصار لقوة الغرام المشترك، وقوة الطبعة التي تساهم فيه. غير أن الحب ليس وحده في الميدان هنا. ففي نصوص أخرى نرى هوغو يستخدم اللغة والشخصيات لإطلاق أفكار أثيرة لديه والتوقف عندها ملياً، متأملاً تأثيرها وفاعليتها. ولنأخذ هنا على سبيل المثال، النصّين المعنونين «الحثالة» و»الكآبة». هنا نجدنا أمام مجموعة من الكائنات البشرية التي يمكن أن نعتبرها من نوع الفلاسفة – المهرجين، والمفكرين والخرقاء. لكنهم من النوع الذي لا يفتح فمه إلا لينطق بالحكمة، حتى ولو بدا الكلام أول الأمر أخرق غير ذي معنى. إننا هنا مباشرة أمام ما يشبه القول المأثور: خذوا الحكمة من أفواه المجانين. لكنهم مجانين من النوع الذي يحبه هوغو ويفضله: المجانين الأنقياء من الداخل مهما كانت شوائبهم من الخارج. فهم أغنياء في دواخلهم إلى درجة يمكن معها مقارنتهم بالشخصية التي رسمها هوغو لدون سيزار في مسرحية «روي بلا». وفي هذا السياق نفسه لا بد من أن نشير إلى النص المعنون «السيف»، الذي لن يفوت قراء «العقوبات» و «أسطورة العصور» – وهما من مسرحيات هوغو الأساسية خارج إطار هذه المجموعة – أن يلاحظوا اندماجه في كل منهما في شكل مختلف. ومسرحية «السيف» تدور أحداثها في منطقة دالماسيا في القرن الثالث عشر، وهي على شاكلة حكاية شرف الفرسان ومغامراتهم، ترينا مجموعة من الشبان الغاضبين ينتفضون ضد طغيان حاكم ظالم في المنطقة.
> أما في مسرحية «الجدة» فإننا نبتعد من تلك المناخات كلياً، لنعود إلى المسرح الاجتماعي، حيث يسعى هوغو إلى التعبير عن الفضيلة والبراءة من خلال ثلاثة أطفال يتمكنون من التغلب على الكراهية التي تكاد تدمر جدّتهم، إذ تمارسها ضدّ أمهم وأبيهم. فالجدة لا تريد أن تسامح كنتها أبداً على كونها «اختطفت» منها ابنها، وأخذته لتعيش معه في مكان بعيد. وفي الإطار الإجتماعي نفسه، ولكن في مجال أكثر ارتقاءاً في المجتمع، تدور أحداث مسرحية «هل سيأكلون؟». وهي على رغم عنوانها البؤسوي نوعاً ما، مسرحية هزلية تتأرجح بين البعد الفلسفي والسخرية: ففي وسط أطلال مكان مغلق غير محدد، نجدنا أمام عاشقين يهربان من مطاردة ملك غيور لهما. لقد كان من شأنهما أن يموتا جوعاً لولا أن لصاً في المنطقة يبدي تجاههما من الاريحية والطيبة والكرم ما يحفظ لهما حياتهما وصحتهما، وحبهما بالتالي...
> على هذه الشاكلة إذاً، وضع فكتور هوغو في هذه النصوص القصيرة و «المتحررة»، مجموعة من الأفكار، وتفحّص العديد من القيم والأخلاق، لكنه، في طريقه، عرف كيف يرسم عدداً كبيراً من الشخصيات، التي وضعها هنا في قلب ما يمكننا اعتباره مختبراً فكرياً – مسرحياً حقيقياً. وضعها وراح يدرسها ويشرّحها، من دون أن يكون في باله على الأرجح، العزم على أن يعود ويستخدمها لاحقاً في نصوص سوف يكتبها. ومع هذا، كما أشرنا سابقاً، سنجد الكثير من عناصر هذه النصوص وشخصياتها، في عدد من الأعمال الكبيرة التي سيكتبها هوغو لاحقاً، بدءاً من «التأملات» وصولاً إلى «توركيمادا»، مروراً بـ «البؤساء» و»أسطورة العصور». وإذا كنا قد ذكرنا أول هذا الكلام أن فكتور هوغو كتب هذه النصوص خلال منفاه، لا بد لنا من أن نوضح هنا بعض الشيء حول هذا المنفى. فهو بدأ في العام 1851، وكاتبنا في الخمسين من عمره، حين رحل إلى بروكسيل إثر انقلاب الثاني من ديسمبر (كانون الاول) الذي قام به لوي – نابليون، وخلاله اتهم الكاتب هذا الأخير بالخيانة، وهو عاش في بروكسيل قبل أن ينتقل في العام التالي إلى جزيرة جيرسي مستقراً فيها مع عائلته ناشراً كتابه الساخر «نابوليون الصغير»: لكنه سرعان ما طُرد من جزيرة جيرسي بتهمة القذف والذم في حق الملكة فكتوريا، فانتقل إلى جزيرة غيرنيساي. وفي العام 1859 نجده يرفض عفو نابليون الثالث عنه، ويتجه للعيش في بلجيكا فيما كان يكتب «البؤساء»... وبعد ذلك سنراه مع عائلته، أو ما تبقى منها بعد موت زوجته ورحيل ابنته آديل إلى كندا حيث فقدت عقلها، سنراه في هوتفيل يواصل الكتابة حتى العام 1870، حين سقطت الإمبراطورية. وهو كتب النصوص التي نحن في صددها هنا، خلال تلك المرحلة الطويلة، لكنه آثر ألا ينشرها، حتى نشرت بعد رحيله، في العام 1885 حين أقيمت له جنازة وطنية.

---------------------
المصدر : الحياة 
تابع القراءة→

الجمعة، يونيو 03، 2016

سيمياء براغ المسرحية... ونظرية العرض المسرحي ...الإشارات لغة تعبيرية تكتفي بذاتها / صميم حسب الله

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, يونيو 03, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

حظي مفهوم السيمياء باهتمام بالغ، وقد كان لمؤسسه (فرديناد دي سوسير 1857 ــ 1913) دور في إبراز أهم خصائص، وقد تكونت علاقة بين السيمياء من جهة بوصفها (علم للعلامات) يختص بدراسة العلامات اللغوية، وبين المسرح بوصفه احد الفنون المنتجة علامات من خلال فرعيه الأساسيين ألا وهما النص المسرحي والعرض، ولكل واحد من منهما بنيته الخاصة في إنتاج العلامة، وقد استفاد علماء اللغة في حركة براغ من علم السيمياء، وسعوا الي تطوير احد جوانبه من خلال تأسيس (حلقة براغ المسرحية) وهي حلقة نقدية شكلها عدد من النقاد المتخصصين بالمسرح والنقد،وصدر عنهم عدد من البيانات وكان بضمنها كتاب (سيمياء براغ المسرحية) والذي سوف نتطرق اليه من خلال دراستنا لأهم البحوث التي وردت فيه والخاصة بالحقل(السيميائي/السميولوجي). وقد جاء في تعريف (بيرس 1857 ــ 1914) والذي يعد شريكا لسوسير في علم الاشارة، ان (السيمياء، كعلم تعني بدراسة الظواهر الاشارية، من حيث طبيعتها وخواصها وانساقها واشكالها) .
لقد تطور هذا العلم ليشمل علوم (الاجتماع، والنفس،والانثربولوجيا) أما (سوسير) فقد عرف من جهته السيمياء او السميولوجيا علي انها (علم يدرس حياة الاشارات ضمن المجتمع.. وستظهر السميولوجيا ماينشئ الاشارات وما القوانين المتحكم بها). 
وفي معرض حديثه عن الالسنية فإنه يقول (هي جزء من العلم العام للسميولوجيا والقوانين المكتشفة من قبل السميولوجيا سيتم تطبيقها علي الالسنية). 
ان التسميات التي اطلقها (سوسير) في تعريفه لأنواع الاشارات كانت ذات اهمية بالغة في تحديد معالم وحدود السيمياء كونها تعبر عن (دال ـ ويقصد به ــ صورة صوتية " و "مدلول ــ ويقصد به ــ فكرة او مفهوم ذهني). 
وقد اضاف (بيرس) تفسيراً للعلامة وحددها بـ (الإيقونة والدليل والرمز)وفي توضيحه لمفهوم (الرمز عند بيرس هو ثلاثي اي يتضمن علاقة بين أشارة وموضوع ومعني) ويعني ذلك ان الاشارة الي شيء ما تشكل موضوعاً معيناً ينتج من وجهة نظر المتلقي معني قد يكون هو الآخر مختلفاً عن الاشارة الاولي التي انتجت ذلك المعني.
أن مايثير الانتباه عند قراءة مقدمة الكتاب هو الضعف الواضح في الترجمة ولم يقتصر علي المقدمة فقط وإنما شمل العديد من صفحات الكتاب، الذي أرهق الكتاب بعدد من الاخطاء .
وقد جاء البحث الذي كتبه (يان ميوكاروفسكي) تحت عنوان (حول الوضع الراهن لنظرية المسرح) والذي تضمن الحديث عن أهمية تطوير العلاقة بين المتلقي وخشبة المسرح وقد اثارالبحث موضوع تحول الخشبة المسرحية الي اماكن اخري غير العلبة الايطالية لغرض تجسيد العرض المسرحي لتكون اكثر قرباً الي المتفرج من أجل ان يكون صاحب دور هام في العرض المسرحي ويؤكد من جهته علي ان (هناك طرف آخر في المسرح الصالة والمتفرجون الجالسون فيها ــ هؤلاء ايضاً ينبغي حثهم علي الفعل ــ انهم ليسوا جماعة محددة من الناس تتردد علي المسرح بل هم ممثلون لكل جماعي).
ان (يان ميوكاروفسكي) ينقل مشكلة التلقي من منطقة التمثيل والاخراج والتاليف والتقنيات الاخري الي منطقة فهم المشاهد وتحمله لمسؤولية المشاهدة حتي بات الامر اشبه بمشكلة بين المسرح والمجتمع ، بحسب المثال الذي يذكره قائلاً (ان التواصل المكثف والفهم التام بين المسرح والمجتمع هو وحدة عضوية تصدر عن نظرية في الوجود وعن شعور ديني وخلقي، ان اليونان القديمة والعصور الوسطي وغيرها هي امثلة علي ذلك)..
ان العودة بالمفهوم المسرحي الي عصور الاغريق القديمة هو عودة الي جذور البنية المسرحية التي نشأت منها نظرية المسرح الاولي علي يد ارسطو.. والتي شكلت الاسس الاولي لنظريات مسرحية جاءت بعدها، ونخص بالذكر نظرية المسرح الملحمي التي تدعو الي كسر الايهام والتي دعا اليها المخرج الالماني(برتولد برخت). 
ان هناك اختلافات عدة في التعبير قد تكون ناتجة عن سوء الترجمة، فقد ذكر (يان ميوكاروفسكي) في معرض حديثه عن الممثل بأنه يجب ان (يتمتع الممثل بإختيار كيفية معالجة "المعني الخفي" للنص ــ ذلك المعني الذي لايمكن التعبير عنه بوضوح في الحوار مع انه يتعلق بالدراما، ان الكاتب هو سيد الكلمة المكتوبة فقط اما الممثل فهو سيد مجموعة وافرة من الرسائل التي تتضمن صوته، وتعابير وجهه، وغيرها). 
ان هذا ما ذكر أعلاه يعد ناقصاً ذلك أن المؤلف أغفل تماماً الدور الهام الذي يقوم المخرج به في الكشف عن (المعني الخفي للنص إذ يعّد المخرج المفسر الحقيقي لأفكار الكاتب وعن طريقه تنتقل تصورات الأخير الي الممثل، ليقوم بدوره في عملية ترجمة مزدوجة لأفكار الكاتب فضلا عن رؤية المخرج التي قد تتفق مع رؤية الكاتب في بعض الاحيان وقد تختلف معه في أحيان أخر. 
وفي زحمة المضامين والافكار التي يطرحها (يان ميوكاروفسكي) والتي تبتعد عن السيمياء وإنما انحسر الحديث عنها وأقتصر علي دور الممثل في تجسيد النص بشكل خاص.
ان الحديث عن (مفهوم المسرح الشعبي) ضمن حلقة السيمياء يثير الكثير من التساؤلات لاسيما اذا كان المصدر الاساسي لكاتب هذا الجزء هو (اوتكار زيش) الذي يقول (كل الاشياء التي هي اشارات مسرحية ــ لها وظيفتان: الوظيفة الاولي والاكثر اساسية في اعطاء وصف فوتوغرافي للشخوص والمكان والفعل، والوظيفة الثانية هي الاشتراك في الفعل الدرامي) وإذ يؤشر المؤلف (بيتر بوغاتريف) إعتماده علي اراء (زيش) الا انه اغفل ان تلك الاراء يمكن ان تطبق في المسرح والحياة أيضاً، فنراه يضرب مثلاً في (العكاز) الذي تتغير وظيفته بحسب تغير المكان وطريقة الاستخدام المادي له، من جهة ثانية فإنه يطرح فكرة في غاية الاهمية تتمحور حول تعدد الاشارات التي يستقبلها المتفرج، وبذلك فإن الاشارة سوف تكون مختلفة بحسب اراء المتفرجين علي العرض المسرحي.
أن(التعددية للإشارة في الفن المسرحي يزداد بحكم ان متفرجين مختلفين يفهمون ذات المشهد بطرق مختلفة)، وفي مثال آخر حول تعددية الإشارة وطبيعة المتلقي لها (مشهد فراق حيث ترافق الحوار موسيقي، للمتفرج الميال للموسيقي سيكون المعني الغالب مرتبطاً بالموسيقي، اما المتفرج المعني بالالقاء، سيكون الالقاء لديه هو العنصر الحاسم وستكون الموسيقي شأن ثانوي) 
ان تعدد الاشارات في هذا المشهد يعطي رؤية واضحة علي أهمية دورالمتلقي في المسرح، ويكشف في الوقت ذاته عن تباينات في التلقي من متفرج الي اخر . 
وقد ذكر المؤلف في معرض حديثه عن الاشارة منطلقاً بدا لنا مهماً الا وهو(اشارة الاشارة) وقد بين فيه ان إشارات الممثل تختلف عن اشارات الشخصية اذ يقول:
(ان ملابس وقناع وإيماءات الممثل ليست إلا "اشارة لإشارة" ترمز الي الشخصية التي اراد الممثل تصويرها). 
ان هذا المفهوم الذي يمكن من خلاله تحليل الاشارات يعد من المفاهيم ذات العمق العلاماتي في السيمياء، الا ان المؤلف يعود من جديد الي الابتعاد عن دور المخرج ويمنح للممثل الحق في تكوين اشارة الإشارة في العرض، علي الرغم من ان دور الممثل يعد جزءا في بنية العرض وان المخرج هو الذي يكشف عن الإشارات ويوحدها او يطورها لتكون كلاً مكملا للعرض من الناحية الجمالية والفكرية.

------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الهوامش
جميع النصوص الواردة في المقالة  تعود لكتاب سيمياء براغ المسرحية، عدد من المؤلفين، ترجمة، أدمير كوريه، منشورات وزارة الثقافة ـ دمشق، 1997 

تابع القراءة→

الثلاثاء، مايو 31، 2016

صُنّاع البهجة: وجوه سامي قفطان / علي حسين

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 31, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


قال لي يوسف العاني يوماً : " الذي لايتفرج على سامي قفطان وهو في البروفات ، مستحيل ان يعرف موهبة هذا الممثل" ، كان يوسف العاني قد شاركه في المسلسل التلفزيوني الشهير (حكايات المدن الثلاث)، وتعجب كيف يستطيع هذا الممثل ان يتحول من الموقف الكوميدي الساخر ،  الى الموقف الجاد وبلمح البصر . 
اول عمل شاهدته له على  المسرح  " الثعلب والعنب " التي اخرجها سليم الجزائري عن نص الكاتب البرازيلي  غيليرمي فيجيريدو، وفيه نشاهد كيف ان سامي  قفطان تمكن ببراعة الممثل المقتدر ان يروي  لنا حياة العبد الدميم ايسوب  ، وكانه كتبها بنفسه.
سامي قفطان موهبة ثرية ، لديه مرونة جسدية هائلة ،   وقدرة على تلوين صوته " قدم عددا من الاغنيات  " ، ممثل بالفطرة  نراه يزداد تالقا اذا كان الدور مكتوبا  بشكل جيد، اسوأ ادواره تلك التي تفرض عليه بسبب قلة الاعمال.
ظلت مشكلة سامي قفطان في ادارة موهبته الكبيرة، وليست في الموهبة نفسها  حتى اعماله التلفزيونية والمسرحية  ، لم تكن كلها بالمستوى نفسه ، الفارق شاسع بين دوره المتميز في نديمكم هذا المساء ، وماقدمه في مسرحية الف عافية  .
لا توجد مشكلة لدى سامي قفطان في اي شخصية ، ربما يكون من الممثلين القلائل الذين فرضوا انفسهم على  العمل الذي يشاركون فيه  ، فهو متقمص للدور  من الوزن الثقيل ، ممثل بمائة وجه ،  ممثل مسرحي بالاساس ،  وبقى في ادواته كممثل مسرحي  من خلال الطريقة  التي يستخدمها في الاداء  ، وفي استخدام  صوته ،  والطريقة التي يجسد بها الاداء الحركي .  قوته الخارقة في الدخول تحت جلد الشخصية مهما كانت وبناء تفاصيلها بدقة وببراعة والسعي لاقناع المشاهد من خلالها ،  انه مستعرض من الطراز الاول  للشخصية التي يؤديها بكل  تنويعاتها ، ممثل لايوجد  الا حين يكون في جلد شخصية  اخرى  ، او يمكن ان نقول بدقة ان سامي قفطان  مثل العديد من نجوم البهجة المسرحية  ،  لايكشف نفسه الا حين يرتدي قناع الشخصية التي سيمثلها.
ربما يشعر المشاهد بشخصيات لاتحصى  متباينة ومتناقضة  في داخل سامي قفطان  ، في السلوك والتفكير والمظهر  تتعايش في داخله  وتتاجج رغبة للبروز  على السطح ،  هذه الشخصيات كلها تشكل حقيقة سامي قفطان ذاته  ، وبدونها لايشعر انه قادر على تحقيق وجوده الانساني في الحياة .
في كل الاحوال لا يمكن ان نتحدث عن كبار الممثلين في العراق  ، دون ان نضع سامي قفطان في مقدمة المشهد ،  بوجه المبتسم دوما  وبصوته المتميز  ، وبصورته التي تنطبع في الذهن منذ اللحظة الاولى ، ورغم عمله في الكثير من المهن ، بسبب ظروف الحياة ،  الا ان سامي قفطان، لايجيد  فعل اي شيء غير التمثبل.


-------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 
تابع القراءة→

ساعة المبكى.. فكرة الإرهاب مسرحياً / د. عقيل مهدي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 31, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

تبقى المسرحيات العالمية الجادة ، محفزة لاجيال جديدة من المخرجين ، لما تمتلكه من بنية درامية رصينة تؤهلها لخلق تحفيزات تشكيلية في العرض المسرحي ، تترابط فيها الافعال والاحداث ، والشخصيات بنسق عضوي متماسك ، قائم على مرتكز فكري ، ولغوي موضوع من زاوية مبهرة .وقع الاختيارعلى نص مسرحية ( هيروسترات )، وهي من تأليف  غيرغوري غورن  ، سبق لهذا النص ان قدّم في مسرحنا العربي ، ومن بين هذه العروض ، الفرقة التونسية ، ومن اخراح المنصف السويسي ، المخرج العربي المرموق ، وكذلك على صعيد مسرحنا العراقي ، قدمها المخرج فاضل خليل مع نخبة من مسرحيينا ، أبرزهم الفنان سامي عبد الحميد .
مهران عبد الجبار ، المخرج الشاب ، حفزته على تقديم هذه المسرحية ، رغبة والده الفنان (عبد الجبار كاظم)  في اخراجها لولا أن المنية عاجلته ، فخسرنا بذلك تجربة ، كان ينبغي لها ان تأخذ مكانها المناسب في تاريخ مسرحنا المعاصر ،حاول مهران ان يجتهد ، ويقارب هذا النص من نافذة تأويلية طموحة ، بالتعاون مع ممثلين يمتلكون مراسا ، وخبرة فنية ، من شأنها ان تضفي جدّية على هذه التجربة الأولى للمخرج ، ضمن المسرح الاحترافي .
وهي بحاجة الى تسليط الضوء النقدي عليها لتأخذ حيزها المناسب في مسرح الشباب .
المسرحية في الأصل ، تعالج قضية صياد يدعى ( هيروسترات ) وهو من عامة الناس ، يقدم على اقتراف جناية حرق المعبد ، ليكتب مذكراته في السجن ، ويكشف عن الاسرار التي دفعته الى ذلك ، ولأن الاميرة ( كلمتينا ) زوجة الامير صاحب النفوذ ، يدفعها غرورها لأن تقنع هذا القابع في السجن ، بأنه فعل ذلك بسبب اشتعال حبّه لها ، وخيبته من صدودها عنه ، وبعد اخذ ورد ، يتبادلان الحب في السجن ،حينها يرفض القاضي هذا الحب الآثم ، ويصدر حكماً باعدامه لانه حرق المعبد المقدس ، وبعد الحاح من قبل الناس الثائرين ، المشجعين لهذا السجين ، تصبح قضية رأي عام ، بعد ان قرأوا مذكراته التي دوّنها في السجن .
هذا الخط الدرامي لحبكة النص ، بقي في النص المعد كما هو ، سوى تبديل " أقنعة " الشخوص وتحويلها الى بيئة يهودية ، تخصّ حريق ( المبكى ) يقترفها " يهودي " من أصول عربية ،، كما تعلن هذا الخبر المذيعة من تلفزيون رسمي ( قدمته المذيعة جيهان الطائي ) مما يثير لغطاً في الشارع المحتقن الذي يبحث عن حلول لمشكلاته المعقدة سياسياً ، واجتماعياً ، وثقافياً ، ودينياً . 
أراد المخرج من خلال هذا " التأويل " التأكيد على ضرورة انفتاح المتعصبين المحتلين ، على الشعوب المقهورة ، ومحاولة احترام أديانها ومعتقداتها ، بعيداً عن التكفير ، والقتل .
في العرض المسرحي ، هيروسترات نتيجة حنقه ، وتمرّده ، يقوم بفعل تدميري لآثار يهودية ، ومسيحية ، واسلامية ، لنراه مستلقياً على اريكة داخل سجنه ، بملابس المجرمين الحمراء ، وحين يحاوره السجّان ، والحاخام ، وحتى الرئيس ، ووزير العدل ، فانه يصّر على صواب فعلته ، بانه قام بما يسمّى بالارهاب ، من أجل احقاق سلام دائم للناس " أجمعين " !
بالطبع ، هذه الشخصية حين تعلن عن هذه الأفكار تثير لدى المتلقي الكثير من ردود الافعال المناقضة لأفكاره الهدامية هذه ، لأن السلام لا يمكن ان يتحقق بالارهاب ، والتدمير والاحراق ، لعب دور هيروسترات الممثل  طه المشهداني  ، المتمكن من دوره صوتاً ، وحركة جسدية ، وكذلك أوضاع مسرحية ، متناغمة مع الممثلة الموهوبة ( ميلاد سرّي ) وايضاً ، ما لعبه الممثلون الآخرون من أداور ساندة للفعل الرئيسي: حيدر كناني ، علي كاظم ، حميد عباس ، احسان هادي. 
نرى في الصورة المسرحية تضافر جهود الاضاءة (ناظم حسن ، والداتاشو(حيدر فوزي ) وماكير (ستار) ، ومما أضفى بعداً بصرياً حركياً ، كاسراً للسكونية ، الحركات ( الكوريوغرافي :الحركات التعبيرية للمجموعة : عامر ، صبري ، سجاد ، أكرم، قاسم) وكذلك مونتاج ( محمد ) ومسكر!!!!! عبير. 
ولكن يبقى ( حوار الأديان ) غير قادر على صد التطرف الديني ، واراقة الدماء . حين تستثمر السلطة العدوانية ، تدمير الآخر ، بذرائع مموهة ، وغير واقعية .أراد المخرج ، تعميق نزعة المتاجرة عند هذه الشريحة اليهودية ، فيظهر الحاخام ، والتاجر الذي ينشر المذكرات من أجل الربح ، ولا شيء غير الربح حتى يصل الأمر لمن يتصدر كرسي الرئاسة ، الكل يدورون في حلقة من اليأس ، حين تتسرّب النسخة المخطوطة من الكتاب الخاص بمذكرات(هيروسترات) الذي يعلن فيها ، انه قد حرّر نفسه من قيود الكهانة ، حين يهدّء من روع المرابي ، الذي سلّفه نقوداً ، ويوعده بالربح الوفير فيما ينتظره بعد نشر المذكرات.
ويصرح - كذلك - بأنه لا يخاف عقوبة الاعدام، لكن القاضي يتشبث بحكمه ، بتدخّل(  الأميرة ) ، يوافق القاضي على تأجيل قضية الحكم بعد سماعها كلمة (غزل) من  هيروسترات  ! فيصبح ( جميلاً ) الآن ، بعد ان وصفته في السابق بأنه " دودة" .تميز العرض ، بجماليته الهادئة ، والمحسوبة ، ويبقى المشروع المسرحي صعباً عندما يقدم عليه شاب مثل " مهران عبد الجبار " ، وتبقى التحديات ( الفكرية ) و ( الابداعية ) قائمة ، لا يمكن تذليل معتركها الصعب ، الاّ بقوة المراس ، والصبر ، والاصرار على تقديم الأجدر ، والعناية الكبيرة الحاذقة  بكلّ التفضيلات الاخراجية وان تعددّت مآتيها ، وطرائفها ، وتحدياتها .

-------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 
تابع القراءة→

اصدار كتاب بعنوان "المؤانسة والإتحاف في مسرحيات مروة عسّاف"

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 31, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

أصدرت الكاتبة مروة عساف، كتاب المؤانسة والاتحاف في مسرحيّات مروة عساف، ضمن مركزة اللّغة العربيّة ومشاريع الكتابة الإبداعيّة للطّلاب الموهوبين في مدرسة الرّسالة الشّاملة في قرية نحف الجليليّة، ضمن سلسة سنابل الموهوبين التي تصدر عن مركز السّنابل للدراسات والتّراث الشّعبي في سعير.
وجاء مضمون الكتاب بين 96 صفحة، من القطع المتوسطة، وحمل رقما  معياريا من المركز الوطني الفلسطيني للتّرقيم المعياري الدّولي للكتاب.
ورأى د. خالد كاظم حميدي من العراق في تصديره للكتاب، أنّ قراءة المكتوب تفصح عن عمل يستحقّ الاحترام بلحاظ الموضوع ولحاظ الصّياغة، معتبراً أنّ العمل سيكون بحال آخر وهو على خشبة المسرح باستحضار العناصر الزّمانيّة والمكانيّة والممثلين، فضلا عن المتلقين الذي يشاهدون العمل مباشرة وما يصدر عنهم من انفعالات وأحكام، كلّ ذلك يمكننا من كشف خصوصيّة المسرحيّة أكثر: دلالة وجمالا وحضورا.
وأفادت نهى عطير من جامعة فلسطين التّقنيّة- خضوري في تقديمها الكتاب : "ظهرت أناقة الكاتبة مروة عسّاف في تقديم الحدث وتجسيد شخصيّاته، وفي تهيئة البيئة المناسبة التي يجري فيها الحدث فارتقت بخيال القارئ من خلال التّفاعل مع المسرحيّة قبل تنفيذها، ومن خلال توفير بيئة تعلّم تشجع التّفكير النّاقد، وتحفّز على تحليل الحدث وتكوين الحلول، وتشجّع على طرح البدائل المنطقيّة، وتنمي مهارات اتخاذ القرار الحرّ العادل لكافة الأطراف في الحدث، وتعوّد الجميع على احترام واجباتهم وحقوقهم".
وذكرت د. مليكة ناعيم من جامعة القرويين في المغرب في تعليقها على الكتاب: "أكّدت الكاتبة في مسرحيّاتها قيم التّسامح من خلال قبول الآخر وحسن المعاملة والرّفق بالضّعيف وهي قيم يحتاج إليها العالم اليوم لإصلاح ما أفسدته الحروب والعصبيّات والعنصريّة المتجاوزة".
وضمّ الكتاب تسع مسرحيّات تربويّة تعليميّة هادفة منها: مسرحيّة لبيك يا رسول الله، وعفوك أمي سامحيني وأمّي معلمتي أنت ملهمتي، وارجوكم ساندوني وجفّفوا الدّمع من عيوني، وبدر البدور والملك المسحور ومسرحيّة يوم العلوم وأدوات المطبخ وأدوات النّجار، وملحق بشهادات التّقدير والتّكريم التي حصلت عليها الكاتبة، وتسع لوحات فنيّة للفنانتين أبرار خالد صبّاح و منار خالد صبّاح - من قرية أبو سنان الجليلية.
وقال مدير مركز السّنابل د. ادريس جرادات، والذي جمع وتابع المسرحيّات واصدارها في كتاب: "إنّه عمل دؤوب لمركز السّنابل للاستمرار بإصدار سلسة سنابل الموهوبين لتشجيع ودعم ومساندة الموهوبين والمبدعين من أبناء المجتمع الفلسطيني والعربي والإسلامي، حسب الإمكانات المتاحة فأيّ مجتمع بلا موهوبين ومبدعين لا حاضر ولا مستقبل له".

-------------------------
المصدر : معا

تابع القراءة→

المسرح العربي بين الاستنبات والتأصيل / جميل حمداوي عمرو

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 31, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


يستند المسرح إلى الفعل الدرامي والصراع والحوار ووجود الممثل والمتفرج بالإضافة إلى فنون الغناء والإنشاد والرقص. ولكن في الثقافة الغربية، أضيف إليه المخرج والبناية والخشبة أو ما يسمى بالعلبة الإيطالية والديكور والسينوغرافيا والفنون البصرية والإيقاعية الأخرى. وأصبح المسرح اليوم أب الفنون ومسرحا شاملا يضم كل اللغات والخطابات التواصلية.
هذا وقد ظهر المسرح في اليونان مع سوفوكلوس الذي كتب أول تراجيدية عالمية هي: 
الضارعات ، ويوربيديس وأسخيلوس وأريستوفان. وكان المسرح مرتبطا بإله الخمر ديونيسوس والابتهالات والقرابين الدينية. ويرى الفيلسوف الألماني نيتشه أن ولادة المسرح اليوناني ارتكزت على المزج بين الغريزة والعقل من خلال إله ديونيسوس رمز اللذة والخمر وإله أبولون إله العقل والحضارة. ويعد أرسطو أول منظر لفن المسرح ولاسيما في كتابه" فن الشعر" الذي حدد فيه عناصر التراجيديا الإغريقية وحصرها في ستة مقومات وهي: الخرافة، والأخلاق، والمقولة، والفكر، والمنظر المسرحي، والنشيد. وتشكل كل من الخرافة والفكر والأخلاق موضوع التراجيديا، بينما منظر المسرحي يبرز الطريقة الفنية، أما الوسائل الدرامية فهي: اللغة والنشيد. ويذهب الدكتور محمد الكغاط إلى أن المسرح الإنساني مر بثلاث مراحل أساسية:
1- مرحلة التمثيل الفردي عن طريق اللعب والرقص والغناء والإنشاد، إذ ولد المسرح مع الإنسان كغريزة فطرية وشعور داخلي وانجذاب سحري إلى اللعب والتمثيل، وهذا ما تؤكده الدراسات الأنتروبولوجية والإثنولوجية والاجتماعية؛
2- مرحلة الظواهر الاجتماعية، ويعني هذا أن الفعل المسرحي انتقل من ظاهرة فردية إلى ظاهرة جماعية تتكون من شخصين فأكثر، كما تتشكل هذه الظاهرة الاجتماعية من الممثلين واللاعبين لأداء مجموعة من الطقوس الدينية والفنية. ويسمى هذا النوع من التشكيل الدرامي الاجتماعي بالظواهر المسرحية أو الأشكال ماقبل المسرحية أو الطقوس الاحتفالية؛
3- مرحلة المسرح التي ظهرت مع المسرح الإغريقي والبناية المفتوحة في أثينا ووجود النصوص الدرامية سواء أكانت تراجيديات( سوفكلوس- أسخيلوس- يوربيديس) أو كوميديات (أريستوفان).
وتطور المسرح الغربي بعد عصر النهضة، وانتقل إلى إيطاليا وفرنسا وإنجلترا وأصبحنا نتحدث عن أعلام كبار في مجال المسرح كشكسبير في انجلترا وموليير وراسين وكورناي في فرنساوكولدوني في إيطاليا ولوبي دي فيكا في إسبانيا. وقد ظهرت كذلك مجموعة من المدارس المسرحية الغربية كالمدرسة الكلاسيكية والمدرسة الرومانسية والمدرسة الواقعية، والرمزية، والبرناسية ، والدادائية، والسريالية، والوجودية، ومسرح اللامعقول، ومسرح القسوة، ومسرح الشارع، ومسرح العمال، والمسرح النفسي مع مورينو.....إلخ.
هذا، وقد أفرز تطور المسرح الغربي وتشكل مدارسه ظهور فن الإخراج المسرحي في أواخر القرن التاسع عشر، فأصبحنا نتحدث عن مخرجين كبار من أمثال: الدوق ساكس مينينجنSaxe Meiningen وبريختBrechtوستانسلافسكيStanislavskiوجروتوفسكيGrotowski و كولدون كريـج;G.Craig وماكس رينهاردتM.Reinhardt وأندريه أنطوانA.Antoine وجان  فيلارJ.Vilar وأدولف أبياA.Appia.
وإذا انتقلنا إلى المسرح العربي، فإنه يثير عدة تساؤلات وإشكاليات يمكن صياغتها على الشكل التالي: متى عرف العرب المسرح؟ هل يمكن التأريخ له بسنة 1848م مع صدمة الحداثة وفترة الاستنبات الماروني أم بالرجوع إلى التراث العربي لاستقراء ظواهره الفنية الاجتماعية للبحث عن الأشكال الدرامية والطقوس الاحتفالية واللعبية؟ وبتعبير آخر ماهي أسباب غياب المسرح العربي أو أسباب حضوره؟ وماهي المراحل التي مر بها المسرح العربي؟ وماهي تجلياته التجريبية والتأصيلية؟
يذهب كثير من الدارسين إلى أن العرب عرفوا المسرح في الشام منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وبالضبط في سنة 1848م عندما عاد مارون النقاش من أوربا( إيطاليا- فرنسا) إلى بيروت فأسس مسرحا في منزله فعرض أول نص درامي في تاريخ المسرح العربي الحديث هو" البخيل" لموليير، وبذلك كان أول من استنبت فنا غربيا جديدا في التربة العربية. ومن ثم، بدأ المسرح العربي يعتمد على عدة طرائق في استنبات المسرح الغربي كالترجمة والاقتباس والتعريب والتمصير والتأليف والتجريب وشرح نظريات المسرح الغربي ولاسيما نظريات الإخراج المسرحي وعرض المدارس 
المسرحية الأوربية. وكان هذا الظهور المسرحي في البلاد العربية نتيجة للاحتكاك الثقافي مع الغرب عبر حملة نابليون بونابرت إلى مصر والشام وعن طريق الاطلاع والتعلم والرحلات العلمية والسياحية والسفارية .
أما في سورية ، فقد أسس أبو خليل القباني مسرحه الموسيقي والغنائي، وبدأ في تقديم فرجات تراثية وتاريخية؛ لكن رجال الدين المتزمتين وقفوا في وجه مسرحه بدعوى أنه يفسد أخلاق الشباب ويلهيهم عن الواجبات الدينية ويخل بآداب المجتمع مما اضطر السلطان عبد الحميد الثاني إلى إغلاق مسرحه وإحراقه . هذا هو الذي دفع أبا خليل القباني إلى هجرة بلده الذي طغى فيه الاستبداد التركي مع مجموعة من الممثلين والفنانين حيال مصر.
وفي مصر، سيزدهر فن المسرح خاصة مع الشاميين( أبوخليل القباني وأديب إسحق وفرح أنطون وسليم النقاش ويوسف الخياط وجورج أبيض)، والمبدعين المصريين (يعقوب صنوع ومحمد عثمان جلال وعبد الله النديم ومصطفى كامل ويوسف وهبي ومحمود تيمور وأحمد شوقي وعزيز أباضة وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس ونجيب الريحاني...). وستظهر بعد ذلك فرق مسرحية وغنائية عديدة في القاهرة والإسكندرية( فرقة أحمد أبو خليل القباني،وفرقة إسكندر فرح، وفرقة سلامة حجازي ، وفرقة سليمان القرداحي، وفرقة فاطمة رشدي، وفرقة جورج أبيض، وفرقة يوسف وهبي)، وستنشأ قاعات للمسرح سواء أكانت قاعات عروض خاصة أم قاعات مسرحية أنشأتها الدولة لرعاية الفنون والآداب إبان المرحلة الملكية والثورة الناصرية على الرغم من الرسالة الانتقادية الخطيرة لهذا المسرح التي كانت تندد بالمستعمر وأصحاب السلطة والجاه. كما شيدت الدولة المصرية أول كونسرفتوار للفن الدرامي بالقاهرة في الوطن العربي علاوة علىالكليات والمدارس والمعاهد المتعلقة بالفن والتنشيط المسرحي والموسيقي والسينمائي.
ولقد انتقل المسرح إلى دول المغرب العربي من خلال التأثير المشرقي ولاسيما المصري منه عندما زارت مجموعة من الفرق المسرحية ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، دون أن ننسى التأثيرالثقافي والتقني الذي مارسه المستعمر الأجنبي( الفرنسي- الإسباني- الإيطالي) حينما شيد في هذه البلدان مجموعة من القاعات المسرحية التي كان يعرض فيها الريبرتوار المسرحي الغربي وخاصة مسرحيات موليير الكوميدية أو مسرحياته التي تصف الطباع والأخلاق. ففي ليبيا، بدأ المسرح سنة 1928م حينما أسس محمد عبد الهادي أول فرقة للتمثيل لما عاد من بلاد الشام. وسينتعش المسرح التونسي إثر الزيارات المتكررة للفرق المسرحية والغنائية المصرية للمدن التونسية ولاسيما فرقة سليمان القرداحي وفرقة أبي خليل القباني وفرقة سلامة حجازي وفرقة جورج أبيض.
 وقد ظهر المسرح بالجزائر مبكرا مع الاحتلال الفرنسي الذي أنشأ كثيرا من القاعات المسرحية لعرض أهم النصوص الدرامية الغربية التي كانت توجه غالبا إلى المعمرين الفرنسيين مما ساعد المثقفين الجزائريين للاطلاع على المسرح الغربي وتقنياته وطرائقه السينوغرافية والإبداعية. ولما بدأ المسرح الجزائري اتكأ على الموروث المحلي، فقد كتب الممثلان علالو وداهمون مسرحيةعن مقالب جحا، بطل الحكايات العربية القديمة. 
واشتهر رشيد قسنطيني كثيرا في البلد حتى لقب بموليير الجزائر. وتعتبر سنة 1928م لحظة ولادة المسرح الوطني الجزائري عندما أخرج رشيد قسنطيني مسرحية" بوبورما" لفرقة مسرحية صغيرة.
وإذا انتقلنا إلى المغرب الأقصى،فإنه لم يعرف المسرح إلا مع القرن العشرين إبان زيارة بعض الفرق المصرية للمغرب كفرقة محمد عز الدين التي عرضت مسرحية صلاح الدين الأيوبي منذ سنة 1923م، وفرقة فاطمة رشدي سنة 1932م التي ساهمت في انتعاش المسرح بمدينة تطوان. ونستحضر كذلك ما قام به قدماء ثانوية مولاي إدريس بفاس عندما أسسوا جمعية بتاريخ 15-9-1921 والذين نشطوا التمثيل المسرحي أيما تنشيط. 
وقد أشاد علال الفاسي بأنشطتها الدرامية ذات الطابع التراثي التاريخي في نونيته. وبعد ذلك، تم تأسيس كثير من الفرق المسرحية المحلية بطنجة وتطوان والدار البيضاء وسلا والرباط ومراكش تتأرجح أعمالها الفنية والتمثيلية بين التغريب والتأصيل التراثي.
وإذا كان المسرح في العراق قد انبثق مبكرا مع قاسم محمد ويوسف العاني وآخرين، فإنه في الدول الخليجية مازال لم يعرف يقظته الحقيقية إلا في الكويت بعد تأسيس أول معهد للفنون المسرحية تحت إشراف زكي طليمات.
ولكن السؤال الذي يفرض علينا نفسه بإلحاح:هل كان هناك مسرح عربي قبل هذه الفترة التي تحدثنا عنها سالفا؟ فقد كان الجواب عنه من قبل الدارسين للمسرح العربي بالإثبات تارة والنفي تارة أخرى.
يرى كثير من الباحثين أن العرب لم يعرفوا المسرح بشكله الغربي وذلك لعدة عوائق: دينية وحضارية وتاريخية وعرقية ولغوية. وللتوضيح أكثر فالعرب لم يتعرفوا المسرح  للأسباب التالية:
1- تخلف العقلية العربية المرتبطة بالبداوة والجزئيات والفكر البسيط والفكر المحسوس وانعدام الإبداع والتخييل المجرد ؛
2- لاتصلح اللغة العربية الكلاسيكية بجزالتها وفخامتها للحوار الدرامي ولا تنسجم مع مستويات التواصل في الخطاب المسرحي(جاك بيرك)؛
3- لم ير العرب في المآسي اليونانية إلا نصوصا بسيطة موزونة وأشعارا حوارية غريبة.( محمد عزيزة)؛
4- عدم فهم المصطلحات الدرامية اليونانية من قبل شراح أرسطو مما وقعوا في الترجمة الخاطئة لألفاظ" فن الشعر" من قبل المترجمين والفلاسفة العرب ( بشر بن متى بن يونس، ابن رشد...)، حيث ترجموا التراجيديا بالمديح والرثاء والكوميديا بالهجاء والدراما بالشعر( شكري عياد وعبد الرحمن بدوي...)؛
5- بداوة الحياة قبل الإسلام وارتحال الإنسان من مكان إلى آخر وعدم استقراره منعه ذلك من معرفة المسرح الذي يتطلب الاستقرار والاستيطان والتمدن الحضاري( زكي طليمات)؛
6- يمنع الدين الإسلامي التصوير والتشخيص والتمثيل، ويعد النص الديني الإسلامي كل من قام بذلك بالعقاب الشديد( أحمد أمين)؛
7- انعدام الصراع في المسرح العربي على غرار المسرح اليوناني الذي كان يعرف أنماطا من الصراعات الدرامية كالصراع العمودي" البشر في صراع مع الآلهة"، والصراع الأفقي" صراع الأفراد والجماعات فيما بينها"، والصراع الديناميكي" انهزام القدر" كما في مسرحية الفرس عند أسخيلوس، والصراع الداخلي كما في مسرحية أوديب( محمد عزيزة)؛
8- صعوبة تنظيم العروض المسرحية في مجتمع يحارب فيه رجال الأخلاق والمحافظين تمثيل الأدوار النسوية ويعود أكثر من ذلك إلى المعنى الأليم للقدر الإنساني( لويس غارديه)؛
9- يمنع الإسلام وقوع أي صراع درامي( فون جرونبوم)؛
10- إن الحضارة العربية لم تكن في حاجة إلى التعبير المسرحي(أحمد شمس الدين حجازي)؛
11- إن العرب لم يترجموا أدب اليونان وشعرهم، في الوقت الذي نقلت فلسفتهم، لإحساسهم بأن إبداعهم في الشعر والأدب يفوق كل إبداع؛
12- انعدام الحرية والديمقراطية في الدولة العربية القديمة القائمة على الاستبداد والقهر وإسكات الأصوات المنتقدة لسياسة الدولة ، وهذا لاينسجم مع الإبداع المسرحي القائم على النقد والتوجيه؛
13- انعدام الفكر الموضوعي وذلك بافتقاد الشاعر العربي لعنصر الإدراك المأساوي للحياة. فالشاعر وإن عبر عن عواطفه وأحاسيسه، فإنه لم يتطور من الموقف الفردي الذاتي إلى الموقف الجماعي العام الذي ينشأ عنه المسرح ( عز الدين إسماعيل)؛
14- غياب الفكر الأسطوري لدى العرب هو الذي يمنع من إبداع مسرحيات تراجيدية على غرار المسرح اليوناني.

وعلى عكس هذه الأطروحات، نجد بعض الدارسين يثبتون أن العرب قدعرفوا المسرح منذ مدة طويلة كما فعلت تمارا ألكسندروفنا بوتينتسافا عندما أرجعت المسرح العربي إلى جذور قديمة تمتد إلى ألف عام وعام" أفليس من الأسهل أن نبدأ من البرهان على أنه كان موجودا. موجودا منذ زمن بعيد جدا. منذ ألف سنة" . ويستثني الباحث التونسي محمد عزيزة من أطروحة نفي المسرح عند العرب التعازي الشيعية، إذ قال:" الاستثناء الوحيد لقاعدة الغياب المسرحي هذا هو التعازي الشيعية التي أعطت الإسلام اعتبارا من القرن السابع الشكل الدرامي الوحيد الذي يعرفه". وكانت  التعازي الشيعية تتكون من ثلاث فصول أساسية ، وهي:
1- المشاهد التي تسبق معركة كربلاء.
2- مأساة كربلاء وآلام السيد الحسين.
3- عقب كربلاء.
ويذهب عبد الكريم برشيد إلى أن" المسرح العربي قد ولد يوم ولد المجتمع العربي... هذا الوليد لايشبه إلا ذاته، لأنه في تركيبه مخالف للمسرح اليوناني الغربي، وهذا شيء طبيعي، مادام أنه مرتبط بشروط جغرافية وتاريخية واجتماعية وذهنية ونفسية مختلفة...". وينحو هذا المنحى الدكتور عمر محمد الطالب في كتابه" ملامح المسرحية العربية الإسلامية" حينما قال:" إن المسرح فن أدبي وبصري يستمد أصوله من مقومات الأمة وثقافتها وأصولها ولا يشترط فيه أن يكون منسوخا عن المسرح اليوناني القديم أو المسرح الأوربي الحديث، إنما يجب أن تكون له مقوماته الخاصة المستمدة من ثقافة الأمة وحضارتها ومعتقداتها مادام الأصل في المسرح وجود المشاهدين بالدرجة الأولى، أما المكان فلا فرق أن يقدم العرض في مجلس أو خيمة أو ساحة أو فضاء، في شارع أو مقهى أو في قاعة يطلق عليها اسم مسرح." ويضيف الباحث:" أن هذه المحاولة لتأصيل الملامح العربية الإسلامية لفن التشخيص والتمثيل عند العرب والمسلمين ماهي إلا محاولة بسيطة تضاف إلى محاولات يوسف إدريس في مقالاته التي نشرها في الستينيات عن مسرح السامر وكتاب( العرب والمسرح) وكتاب( الإسلام والمسرح) وكتاب( فن التمثيل عند العرب) ومقال يوسف نجم ( صور من التمثيل في الحضارة العربية من الكرج حتى المقامات) المنشور في مجلة آفاق عربية العدد الثالث لعام 1977."
ومن أهم الظواهر التي استخلصها الدارسون العرب والدالة على وجود المسرح نذكر ظاهرة التعازي الشيعية والطقوس الصوفية والأعياد الدينية وأدب المقامات وخيال الظل والكراكيز ومسرح العرائس والمسرح الشعري في المعلقات وغزل عمر بن أبي ربيعة...والقصص الدرامية والمسرح الشعبي وسلطان الطلبة وسيدي الكتفي وفن البساط ومقالب جحا والنقائض( جرير والفرزدق والأخطل)، ناهيك عن الطقوس الدينية والطرقية والرقص وفن اللعب والغناء الدرامي....
هذا، وقد عرف المسرح العربي الحديث والمعاصر نوعين من التعامل مع المسرح:
1- استنبات المسرح الغربي في التربة العربية من خلال التقليد و الاقتباس والترجمة والتبيئة العربية: تمصيرا وتونسة ومغربة وسودنة... كما فعل مارون النقاش مع أول نص مسرحي وهو البخيل الذي استلهمه من موليير، وسيتابع كثير من المبدعين والمخرجين طريقته في الاقتباس والمحاكاة.
2- تأصيل المسرح العربي وذلك بالجمع بين الأصالة والمعاصرة، أي التوفيق بين قوالب المسرح الغربي والمضمون التراثي.ومن المعلوم أن التأصيل الذي من مقوماته الأساسية الاشتغال على التراث وتوظيفه إما باعتباره مادة تراثية تاريخية أو صوفية أو أدبية أو دينية....وإما باعتباره موقفا إيديولوجيا وإما باعتباره قالبا فنيا لاحتواء المضمون أو الحبكة الدرامية عبر تمظهراتها الصراعية والجدلية. ومن ثم، يمكن الحديث عن التأصيل في المسرح العربي من خلال أربع محطات أساسية:
1- تأصيل المسرح العربي اعتمادا على المضمون التراثي.
2- تأصيل المسرح العربي ارتكازا على الشكل أو القالب التراثي.
3- التأصيل التنظري( بيانات وتصورات وورقات نظرية حول أصالة المسرح العربي).
4- التأصيل التطبيقي( نصوص وعروض مسرحية تأصيلية مضمونا وقالبا).
لقد ظهرت فكرة التأصيل في الساحة الفكرية بعد هزيمة العرب في حرب حزيران 1967م بعد مجموعة من الكتابات التي تدعو إلى النقد الذاتي وإعادة النظر في الهوية العربية وتحديث الفكر العربي من خلال التوفيق بين الأصالة ( احتواء التراث وغربلته والأخذ مما هو مفيد) والحداثة الغربية( استرفاد ما ينفع العرب لنهوضهم والسير بهم نحو الأمام)، ومن هذه الكتابات الداعية إلى تنقيح التراث والتفاعل معه حوارا وتناصا ونقدا وبناء ما كتبه عبد الله العروي والطيب التزيني وحسين مروة وعبد الكبير الخطيبي وحسن حنفي وأنور عبد المالك ومحمد عمارة وعابد الجابري وزكي نجيب محمود وغالي شكري وأدونيس ويوسف الخال....وعلى الرغم من هذا، فإن فكرة التأصيل ظهرت منذ القرن التاسع عشر موازية مع النصوص التغريبية ذات الوظيفة الاستنباتية وذلك لوجود الاستعمار الأجنبي الذي استهدف تغريب المجتمع العربي، والاستبداد التركي الذي استهدف تتريك المجتمع العربي وتجهيله، والدليل على ذلك النصوص التراثية التي كتبها مارون النقاش نفسه كمسرحية "الحسن المغفل" ومسرحية أبي خليل القباني " هارون الرشيد مع غانم بن أيوب وقوت القلوب". ويقول أستاذي الدكتور مصطفى رمضاني:" ولقد فطن رواد المسرح العربي منذ البداية إلى غربة الشكل المسرحي الغربي، كما فطنوا إلى أن المستعمر يسعى إلى فرض ثقافته لطمس كل ثقافة وطنية، لذلك لجأوا إلى البحث عن هويتهم وتميزهم، فكان التراث هو المصدرالشامل الذي وجدوا فيه ضالتهم، لأنه يمثل مقومات الأمة واستمرارية تميزها." إذا، ما هو التراث؟ وماهو التأصيل؟
إن التراث – حسب الدكتور عابد الجابري- هو" الموروث الثقافي والفكري والديني والأدبي والفني" .
أما طرق التعامل مع التراث فتتخذ عدة صور منهجية:
أ‌- صورة تقليدية ترتكز على التعامل التراثي مع التراث مثل علماء المتخرجين من المعاهد الأصيلة كجامع القرويين بالمغرب والأزهر بمصر والزيتونة بتونس. ويتسم هذا التعامل بغياب الروح النقدية وفقدان النظرة التاريخية.
ب‌- صورة استشراقية كما يظهر لدى الدارسين الغربيين أو الدارسين العرب التابعين لهم، فتمتاز هذه الصورة بالاعتماد على إطار المركزية الأوربية انطلاقا من مناهج فيلولوجية أو تاريخية أو ذاتية، كما تعكس دراسات الباحثين العرب التي تزكي رؤى المستشرقين التبعية الثقافية والفكرية للغرب. وهذه الصورة تعتمد على الفهم الخارجي لمفهوم التراث.
ت‌- صورة ماركسية تعتمد على المادية التاريخية في تعاملها مع التراث، وهي صورة إيديولوجية لمفهوم التراث، ويمثل هذه النظرة: حسين مروة والطيب التزيني....
ث‌- صورة بنيوية تكوينية في قراءة التراث وهي تستند إلى ثلاث خطوات منهجية أساسية، وهي: الطرح البنيوي الداخلي، والطرح التاريخي، و الطرح الإيديولوجي، ويمثل هذه القراءة الدكتور محمد عابد الجابري.
ولكن ثمة قراءات أخرى للتراث كالقراءة السيميائية( عبد الفتاح كليطو) والقراءة التفكيكية( عبد الله الغذامي)... وكل قراءة تحمل في طياتها أبعادا إيديولوجية وتصل إلى حقائق نسيبية. وما يقالعن قراءة التراث الفكري بصفة عامة، يمكن قوله عن الإبداع المسرحي. فهناك تعامل درامي تراثي حرفي مع الموروث، وهناك تعامل درامي إيديولوجي مع التراث، وهناك تعامل درامي تناصي قائم على النقد والتفاعل والحوار. وبتعبير آخر هناك ثلاث قراءات مع التعامل الدرامي مع التراث:
1- قراءة اجترارية قائمة على المحاكاة والتقليد.
2- قراءة استلهامية تقوم على الاستفادة والتوظيف الفني.
3- قراءة حوارية قائمة على النقد والتناص والتفاعل البناء.
إذا كان التراث كل ما خلفه أجدادنا في الماضي من إنتاجات زاخرة في مجالات الأدب والدين والفن والتاريخ والفكر والعمارة ، فإن التأصيل هو احتواء التراث والتشبث بالهوية في مواجهة التغريب والحداثة الغربية التي تأتي على ابتلاع كل مقومات الإنسان العربي ولاسيما قيمه وأصالته والتشكيك في موروثه الثري باسم المركزية الأوربية والتقدم المادي. ويعني التأصيل الجمع بين الجانبين المادي والروحي من خلال صهرهما في بوتقة واحدة متوازنة. وقد يعني التأصيل مد الماضي في الحاضر والحاضر في الماضي. كما قد يدل التأصيل على التجاوز والتقدم وتأسيس الحداثة من خلال المحافظة على الأصالة والقيم الروحية الموروثة الصالحة والنافعة. 
فالأصالة: " هي الرؤية المعاصرة للتراث، لأننا حين نتعامل مع التراث، لانتعامل معه كمادة خام تنتمي إلى الماضي الذي انتهت وظيفته، وإنما نتعامل معه كمواقف وكحركة مستمرة، تساهم في تطوير البنيات التراثية التي فرضت وجودها انطلاقا من جدلية التأثر والتأثير. وكل تراث لا يؤكد استمراريته في حركة التاريخ لايعتبر أصلا..."
والتأصيل في المسرح ضد التجريب والتغريب؛ لأن التجريب هو الاستفادة من طرائق التشخيص الدرامي الغربي والانفتاح على مدارسه وتقنياته وتياراته السينوغرافية. فلقد استفاد توفيق الحكيم كثيرا من المسرح الغربي ولاسيما من المدرسة الرمزية كما نجدها لدى إبسن وبرنارد شو وموريس مترلنك، وتتجسد هذه الرمزية عند الحكيم في بيجماليون وشهرزاد وأهل الكهف ويا طالع الشجرة. كما كتب الحكيم مجموعة من المسرحيات على ضوء المدرسة الواقعية والفلسفة الاشتراكية كمسرحية الصفقة والأيدي الناعمة. كما استوحى كثير من رواد المسرح العربي كمارون النقاش وأبي خليل القباني وآخرين طرائق المسرح الكلاسيكي والمسرح الرومانسي أثناء اقتباس مسرحيات كورناي وراسين وموليير ومسرحيات فيكتور هيجو ولاسيما هرناني. وعلينا ألا نغض الطرف عن توظيف المسرح العمالي ومسرح اللامعقول من قبل الكثير من رواد الخشبة المسرحية وخاصة الطيب الصديقي في المغرب الذي عرض في بداية مسيرته الفنية والدرامية نصوصا وأعمالا في إطار قوالب غربية كتجريب مسرح العبث في" مومو بوخرصة" متأثرا بيونيسكو الذي كتب " أمديه أو كيف نتخلص منه"، كما استعار كثير من المخرجين العرب تقنيات المسرح الملحمي البريختي وأفكار جروتوفسكي حول المسرح الفقير و تعليمات ستانسلافسكي في تدريب الممثل وتأطيره وتوجيهه.
وإذا انتقلنا إلى عملية التأصيل، فلابد من احترام المحطات التي ذكرناها سالفا على النحو التالي:

1- تأصيل المسرح العربي اعتمادا على المضمون التراثي:

لقد وظفت كثير من المسرحيات العربية التراث ولكن في قالب غربي(كلاسيكي، رمزي، واقعي، عبثي، رومانسي، سوريالي...) من أجل الحفاظ على الهوية العربية وأصالتها من خلال استقراء الموروث الأدبي والتاريخي والديني والصوفي والشعبي والخرافي ، بله الموروث الفرعوني واليوناني كما نجد عند مارون النقاش الذي يستوحي تراث ألف ليلة وليلة في مسرحيته" أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد" أو عند أبي خليل القباني في" هارون الرشيد مع غانم بن أيوب وقوت القلوب"، أو عند الشيخ حسن القسطي الذي يستلهم تاريخ فارس في مسرحية" دهاء العقل"، أو لدى بطرس البستاني في" داود الملك" ،وهي مسرحية ذات الموروث الديني . أما ناصيف اليازجي فقد كتب تراجيدية شعرية عربية تحت عنوان" رواية المروءة والوفاء، أو الفرج بعد الضيق" ، ووكتب كذلك مسرحية أدبية وهي" قيس وليلى " سنة 1878م. وعند أحمد شوقي نجد مجموعة من المسرحيات التراثية كعنترة وكليوباترة وعلي بك الكبير وقيس وليلى وقمبيز...وكتب مصطفى كامل" فتح الأندلس" وكتب عزيز أباظة مجموعة من المسرحيات التراثية وهي على التوالي: قيس ولبنى، والعباسة، والناصر، وشجرة الدر، وغروب الأندلس، وشهريار. وألف توفيق الحكيم مسرحيات من الموروث الديني كأهل الكهف ومن الموروث الشعبي" شهرزاد" ومن الموروث اليوناني" بيجماليون" ومن الموروث الفرعوني" إيزيس". ومن الموروث الأسطوري، نذكر مسرحية محمد الكغاط" أساطير معاصرة"... ونكتفي بهذه الأمثلة لأن أغلب الريبرتوار العربي في الإبداع والتأليف المسرحي يعتمد على تشغيل التراث وتوظيفه كمادة تراثية أو كموقف إيديولوجي من بداية النهضة العربية إلى يومنا هذا كأن التراث جزء لا ينفصل عنا  أي يضمنا ونضمه.

3- تأصيل المسرح العربي اعتمادا على الشكل أو القالب التراثي:

إن المضمون التراثي ليس كافيا لتأصيل المسرح العربي وتجديده، فلابد من اعتماد قالب عربي أصيل أو البحث عن شكل يرتبط بالأمة العربية أيما ارتباط كتوظيف  أشكاله ماقبل المسرحية وقوالبه الاحتفالية وطقوسه الدينية واللعبية التي تحمل موروثا دراميا وتشخيصيا قابلا لمعالجته دراميا.
ومن القوالب الدرامية التراثية الأصيلة التي وظفها المسرحيون العرب نجد قالب السامر الذي يتبناه توفيق الحكيم في مسرحيته : "الصفقة"، ويوسف إدريس في مسرحية " الفرافير"، وقالب الليالي عند ألفرد فرج ومسرح المقهى والسهر عند سعد الله ونوس في مسرحيته" سهرة مع أبي خليل القباني" ، وطريقة مجالس التراث أو شكل الديوان الدائري عند قاسم محمد من العراق وفن المقامات عند الطيب الصديقي في "مقامات بديع الزمان الهمذاني" والذي وظف كذلك فن البساط في مسرحيته:" أبو حيان التوحيدي"، وخيال الظل الذي وظفه عبد الكريم برشيد في مسرحيته" ابن الرومي في  مدن الصفيح"، والحلقة التي استعملها أحمد الطيب العلج في" القاضي في الحلقة" و الطيب الصديقي في " ديوان عبد الرحمن المجذوب"وعبد القادر البدوي في" الحلقة فيها وفيها"، و قالب سلطان الطلبة المستعمل في مسرحية الطيب الصديقي عرضت سنة 1966م تحت عنوان" سلطان الطلبة"،ونجد المسرح الشعبي أو الأوبريت الشعبية في مسرح كاكي الجزائري ومسرح " القوال" عند عبد القادر علولة بالجزائر.
وقد ساهم كل من محمد مندور وحسن المنيعي وسليمان قطاية ومحمد عزيزة وعلي عقلة عرسان ويوسف إدريس وعبد الفتاح قلعه جي و عمر محمد الطالب ومحمد يوسف نجم وعباس الجراري وحسن بحراوي ورشيد بنشنب وتمارا الكسندروفنا بوتينتسيفا...في استخلاص الظواهر الدرامية الشعبية والاحتفالية من خلال استقراء التراث العربي وإعدادها كقوالب وأشكال يمكن توظيفها دراميا وتشخيصيا.



3-التأصيل النظري:

ساهم كثير من المنظرين العرب في إصدار بيانات تنظيرية للمسرح العربي قصد السير به نحو الأمام بحثا عن حداثة حقيقية لا تتعارض مع الهوية لمواجهة التغريب والعولمة والمركزية الأوربية.
أصدر توفيق الحكيم في سنة 1967م تصورا تأصيليا جديدا للمسرح العربي تحت عنوان" قالبنا المسرحي" الذي يتمثل في بعث المداح والمقلداتي والحكواتي في بناء النصوص الدرامية وعرضها سينوغرافيا:" فنحن ببعثنا الحاكي والمقلد والمداح وجمعهم معا سنرى أن في استطاعتهم أن يحملوا آثار الأعلام من أسخيلوس وشكسبير وموليير إلى إبسن وتشيخوف حتى بيراندللو ودونمات...كما في استطاعتهم أن يحققوا الأمل الذي طالما تمناه الجميع في كل مكان وهو:" شعبية الثقافة العليا" أو بعبارة أخرى هدم الفاصل بين سواد الشعب وآثار الفن العالمي الكبرى...".
ويعد يوسف إدريس من السباقين إلى التفكير في التأصيل المسرحي من خلال البحث عن قالب مسرحي جديد، وذلك بتوظيف السامر في مسرحية" الفرافير" سنة 1964م ، حيث أشرك المتفرجين مع الممثلين في اللعبة المسرحية في إطار دائري مشكلا بذلك حلقة سينوغرافية . وقد استلهم الكاتب في مسرحيته خيال الظل والقراقوز والأدب الشعبي . وتعد مسرحية محمد دياب" ليالي الحصاد" سنة 1967 نموذجا تطبيقيا لتوظيف السامر الريفي. وفي هذا الصدد يقول جلال العشري: " غير أنه إذا كان محمود دياب قد استجاب لذلك التيار العام الذي بدأ يطالب بأشكال جديدة للمسرح،أشكال نابعة من فنوننا الشعبية المرتجلة ومن تقاليدنا المسرحية الفلكلورية، وهي الدعوة التي استجاب لها من قبل: يوسف إدريس، عندما قدم مسرحيته المثيرة" فرافير" بدعوى التعرف على ملامحنا المسرحية الأصيلة وإيجاد شخصيتنا المستقلة في المسرح. فثمة فارق كبير بين الكاتبين: يوسف إدريس ومحمود دياب، الأول تكلم عن السامر باعتباره الشكل المسرحي البدائي الأول الذي تبلور لدى الغالبية العظمى من جماهير شعبنا في الريف والقرى... أما محمود دياب، فمستفيد استفادة واضحة مما دعا إليه يوسف إدريس، مما أنجزه بالفعل، فقد استطاع في مسرحية" ليالي الحصاد" أن يتجه إلى التعبير الطبيعي المباشر، محافظا على السامر في شكله البدائي الأول...".
وفي المغرب، نجد الاحتفالية التي كان ينظر لها عبد الكريم برشيد وكانت هذه النظرية تهدف إلى إرساء فلسفة للإنسان والكون والوجود، و ترى المسرح احتفالا ولقاء جماهيريا بين الممثلين والجمهور. وبالتالي، تتمرد هذه النظرية عن الفضاءات المؤسساتية حيث ينقل العرض الاحتفالي إلى فضاءات مفتوحة شعبية كالأسواق والساحات العمومية. ويثور المسرح الاحتفالي على قواعد المسرح الأرسطي مستفيدا من تقنيات التراث العربي القديم و تقنيات المسرح العالمي. ومن أهم النصوص التطبيقية التي تمثل هذه النظرية مسرحية عبد الكريم برشيد" ابن الرومي في مدن الصفيح" التي وظف فيها خيال الظل والمسرح داخل المسرح وتركيب لوحات متنافرة متعددة الأحداث والأمكنة والأزمنة مع توظيف التراث الأدبي ومفارقاته الساخرة..
وقد اتخذت مجموعة من الفرق المسرحية العربية طابعا احتفاليا مثل: جماعة السرادق المصرية بزعامة صالح سعد التي أصدرت بيانها الأول سنة 1983م ، وجماعة المسرح الحكواتي برئاسة الفنان اللبناني روجيه عساف، ومسرح الشوك وعلى رأسه دريد لحام وعمر حجو ووظيفته انتقادية توجيهية، ومن الأعمال التي شخصها هذا المسرح السوري مسرحية سعد الله ونوس" حفلة سمر من أجل 5 حزيران"، وفرقة الفوانيس الأردنية ، وفرقة البحر الجزائرية التي أسسها قدور النعيمي التي اهتمت بالفرجة القديمة وتوظيف الحلقة والخروج إلى الفضاءات المفتوحة كالبحر، و فرقة  المسرح الجديد بتونس.
وسعى سعد الله ونوس إلى تأسيس مسرح التسييس من خلال مسرحيته" مغامرة رأس المملوك جابر". والمقصود بمسرح التسييس عند سعد الله ونوس أن مفهوم التسييس يتحدد" من زاويتينمتكاملتين. الأولى فكرية وتعني، أننا نطرح المشكلة السياسية من خلال قوانينها العميقة وعلاقاتها المترابطة والمتشابكة داخل بنية المجتمع الاقتصادية والسياسية، وأننا نحاول في الوقت نفسه استشفاف أفق تقدمي لحل هذه المشاكل. إذا، بالتسييس أردت أن أمضي خطوة أعمق في تعريف المسرح السياسي. إنه المسرح الذي يحمل مضمونا سياسيا تقدميا. ومن نافل القول: إن الطبقات الفعلية التي تحتاج إلى التسييس هي الطبقات الشعبية لأن الطبقة الحاكمة مسيسة، سواء كانت الحاكمة بمعنى السيطرة على أدوات السلطة أو الحاكمة بمعنى السيطرة على وسائل الإنتاج الاقتصادي في البلد. إن الطبقات التي يتوجه إليها مسرح التسييس هي الطبقات الشعبية التي تتواطأ عليها القوى الحاكمة كي تظل جاهلة وغير مسيسة. الطبقات التي يؤمل أن تكون ذات يوم بطلة الثورة والتغيير. من هنا كان التسييس محاولة لإضفاء خيار تقدمي على المسرح السياسي." ويضيف الباحث :" أما الزاوية الثانية في مفهوم التسييس فهي تلك التي تهتم بالجانب الجمالي. إن مسرحا يريد أن يكون سياسيا تقدميا يتجه إلى جمهور محدد في هذا المجتمع، جمهور نحن نعلم سلفا أن وعيه مستلب، وأن ذائقته مخربة، وأن وسائله التعبيرية تزيف، وأن ثقافته الشعبية تسلب ويعاد توظيفها في أعمال سلطوية تعيد إنتاج الاستلاب والتخلف. إن هذا المسرح الذي يواجه مثل هذا الجمهور لابد له من البحث عن أشكال اتصال جديدة ومبكرة لايوفرها دائما التراث الموجود في المسرح العالمي أو العربي، حتى ولوكان هذا المسرح يحمل مضمونا سياسيا تقدميا."
وسوف نكتفي بهذه الاتجاهات التنظيرية ونرجئ الأخرى إلى وقت آخر للحديث عن مسرح الارتجال عند علي الراعي ، ومسرح النقد والشهادة عند محمد مسكين، ومسرح الثالث عند المسكيني الصغير، والمسرح الإسلامي كما يطرحه عماد خليل، ومسرح المرحلة عند الحوري الحسين.

4- التأصيل التطبيقي للنظريات الدرامية العربية:

وقد ساهم كثير من المخرجين في تأصيل المسرح العربي عن طريق الإخراج والتأليف والتطبيق الميداني دون حاجة إلى إصدار كتابات نظرية كما فعل الطيب الصديقي الذي وظف كثيرا من الظواهر الاحتفالية في مسرحياته العديدة ك" أبو حيان التوحيدي" و" ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب" و" مقامات بديع الزمان الهمذاني"... وألفرد فرج الذي سار على منوال المسرح الارتجالي أو الكوميديا دي لارطي الإيطالية كما عند بيراندللو في مسرحيته " جواز على ورقة طلاق" وممدوح عدوان" كيف تركت السيف"، و" ليل العبيد" ومحمود دياب في مسرحيته:" ليالي الحصاد" دون أن ننسى تطبيقات عز الدين المدني وعبد القادر علولة وكاكي الجزائري وقاسم محمد في" بغداد الجد والهزل" و" مجالس التراث" ويوسف العاني في " المفتاح" دون أن ننسى صلاح القصب  وريمون جبارة.
تلكم هي نظرة موجزة عن إشكالية التأصيل في المسرح العربي الحديث والمعاصر في مواجهة التغريب والتجريب لتقنيات المسرح الأوربي بكل تياراته ومدارسه وتصوراته الإخراجية. وقد توصلنا إلى أن التأصيل المسرحي العربي تعامل مع التراث كمادة مضمونية وقالب شكلي وتنظيرات بيانية وتطبيقات تأليفية وسينوغرافية.


- الهوامــــــش:

1- " هذا النص... يعتبره الدارسون أول نص درامي عرفته البشرية مادامت النصوص التي سبقته قد فقدت." ، محمد الكغاط: المسرح وفضاءاته، دار البوكيلي للطباعة والنشر، القنيطرة، المغرب، ط1 ،1996، 46؛
- A Regarder Neitzche : Naissance de la tragédie
- انظر أرسطو: فن الشعر، ترجمة: عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت، لبنان، ط1973،
- د. محمد الكغاط: المسرح وفضاءاته، صص:23-26؛
- انظر، د. نهاد صليحة: المدارس المسرحية المعاصرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب،ط1 ، 1986؛
- تمارا الكساندروفنا بوتينتسيفا: ألف عام وعام على المسرح العربي، ترجمة: توفيق المؤذن،دار الفارابي، بيروت، لبنان ،ط2، 1990 ص:275؛
- أحمد بلخيري: دراسات في المسرح،مطبعة فضالة، المحمدية بالمغرب، ط1، 2001، ص:40؛
- تمارا اسكندرونا بوتينتسيفا: ألف عام وعام على المسرح العربي، ص: 202-203؛
- انظر د. محمد الكغاط: بنية التأليف المسرحي بالمغرب من البداية إلى الثمانينيات، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1986؛
- انظر تمارا اسكندرونا بوتينتسيفا: المرجع السابق؛3-ص:304-305؛
- د. محمد عزيزة: الإسلام والمسرح، ص:33؛
- د. محمد عزيزة: الإسلام والمسرح، ترجمة: رفيق الصبان، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، ط 1، 1988، ص:19-20؛
- المرجع السابق، ص: 24؛
- نفسه، ص:25؛
- انظر: أحمد شمس الدين حجازي: العرب والفن المسرحي؛
- د. عباس الجراري: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، مكتبة المعارف، الرباط، ط2، 1979،ص:245؛
- د. عزالدين إسماعيل: قضايا الإنسان في الأدب المسرحي المعاصر،دار الفكر العربي، ط 1980، ص:49؛
- تمارا الكسندروفنا بوتينتسيفا: نفس المرجع السابق، ص: 25؛
- محمد عزيزة: نفس المرجع، ص: 28؛
- نفسه، ص: 83؛
- د. عبد الكريم برشيد: حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1985، ص:40؛
- د. عمر محمد الطالب: ملامح المسرحية العربية الإسلامية، منشورات دار الآفاق الجديدة، المغرب، ط1، 1987، ص:10؛
- نفس المرجع السابق، ونفس الصفحة؛
- د. مصطفى رمضاني: ( توظيف التراث وإشكالية التأصيل في المسرح العربي)، عالم الفكر، الكويت، مارس 1987، ص:80؛
- د. محمد عابد الجابري: ( التراث ومشكل المنهج)، المنهجية في الأدب والعلوم الإنسانية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 1986، ص:74؛
- د. محمد عابد الجابري: نفس المقال السابق، ص: 77-87
- د. مصطفى رمضاني: ( توظيف التراث وإشكالية التأصيل في المسرح العربي)، ص: 79؛
- توفيق الحكيم: قالبنا المسرحي، مكتبة مصر، ط 1988، ص:16-17؛
- جلال العشري: المسرح أبو الفنون، دار النهضة العربية، ط 1971، ص: 265؛
- صالح سعد: الأنا- الآخر، عالم المعرفة، الكويت، العدد 274، ط1990،ص:222؛
- سعد الله ونوس: بيانات لمسرح عربي جديد، دار الفكر الجديد،ط1988،صص:108-109؛
- نفسه، ص: 109.

تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9