أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الخميس، يوليو 14، 2016

مصادر قاسم محمد المسرحية ... المؤثـــرات والتــأثــير

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, يوليو 14, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

مصادر قاسم محمد المسرحية

المؤثـــرات والتــأثــير

قد يبدو من الصعب جدا الإحاطة بمساحة جغرافية الإبداع المسرحي المتنوعة التي تحرك عليها الفنان المسرحي العراقي قاسم محمد، وذلك بسب غزارة إنتاجه إخراجا وإعدادا وتأليفا، وفي أحيان أخرى تمثيلا.. وتدريسا لاختصاصات مختلفة في فن المسرح في معهد الفنون الجميلة واكاديميتها (كلية الفنون.. لاحقا) ببغداد (إخراج ، تمثيل ، رياضة مسرحية الخ..) فهو ينفرد من بين جميع زملائه المسرحيين العراقيين بهذه الغزارة المتنوعة في الإنتاج المسرحي, لذا نود أن ننوه.. بأنه كان من الصعب جدا أن نلم أو أن نتابع جميع المسرحيات أو العروض المسرحية التي أعدها أو أخرجها أو(كتب..!) النص لها كما يشير الى ذلك دليل العرض (الفولدر) في معظم الأحيان، وهذه النقطة الأخيرة (كتب..) موضع تساؤل منّا كما سنوضح ذلك خلال هذه الدراسة، أو مقارنة في ما يسميه الفنان نفسه أحيانا (سيناريو..) العرض المسرحي..! وسيقتصر بحثنا على فترة تاريخية محددة من نشاط هذا الفنان ويبدأ منذ عودته بعد إكمال دراسته الأكاديمية بموسكو عام 1971 ولغاية عام 1984 لأسباب فنية وأخرى واقعية…..
وكذلك لا نعني بمصادر قاسم محمد المسرحية كما جاء في عنوان البحث.. بمعنى النصوص أو المصادر التاريخية والأدبية التي شكلّت مرجعية ثقافية أو نصية لأعماله ونتاجاته المسرحية, بل نعني المؤثرات.. أو المحددات التي أشتغل تحت تأثيرها فكريا أو أسلوبيا… المؤثرات السياسية والفكرية والفنية التي تركت مؤشراتها أو آثارها واضحة على أعمال هذا الفنان.. وسواء كانت هذه المؤثرات مباشرة أو غير مباشرة والتي طبعت جميع أعماله المسرحية بطابعها، المؤثرات سواء بشكلها التقني الظاهر في الشكل الفني أو الأيديولوجي أو ألظرفي السياسي أحيانا، وأيضا طبيعة ذلك التأثر والأشكال الفنية الإبداعية المختلفة التي تجلى بها في تلك الأعمال والعروض المسرحية الكثيرة، مع الإشارة إلى تلك المصادر أو المرجعيات سواء بشكلها الأدبي أو الوثائقي أو الظرف السياسي الذي سمح بها.
عندما عاد ذلك المسرحي العراقي الشاب من موسكو عام 1971 بعد (التغيير الثوري..) الذي حصل في البلاد في السنوات القليلة التي سبقت عودته (1968) وكما شاعت تلك التسمية في الأدبيات السياسية حينها… كان الفنان العائد أيضا محملا بطموحات فنية مسرحية كبيرة جدا… لمسناها في تلك الغزارة والتنوع المثير في تلك التجارب المبكرة له بعد عودته مباشرة, وربما ساعده على ذلك ما أتاحه المناخ الثقافي والسياسي المحلي السائد آنذاك، والمنفتح على اليسار العالمي وأفكاره ومناهجه المتنوعة في مستهل عقد السبعينات. في بداية أعماله المسرحية بعد عودته مباشرة نستطيع أن نقول: أن المضمون السياسي الإنساني والاجتماعي (الثوري التقدمي…) هو الذي شغل تفكير ذلك الفنان الشاب العائد توا من موسكو، العاصمة البراقة لليسار العالمي آنذاك، قبل ثورية الشكل. وبشكل أدق لم نستطع أن نحدد في تلك الأعمال وفي هذه الفترة المبكرة من حياته المسرحية ونشاطه المتوقد هما واضحا للبحث عن شكل فني جديد للعرض المسرحي كالذي لمسناه لديه وشاهدناه بشكل واضح في فترة لاحقة من تجاربه, صحيح إننا شاهدنا أعمالا مسرحية جديدة شكلا ومضمونا, لكن هذا المضمون (الثوري التقدمي) هو الذي تقدم إلى واجهة العرض وأصبح لافتة علنية له.
ربما حداثة تلك النصوص التي أشتغل عليها، وكونها مترجمة أصلا عن مرجعيات يسارية أو مسرح (راديكالي) حديث في وقتها، فإنها عكست هذا الاتجاه في المسرح بسب سخونة الأحداث السياسية.. أحداث من مثل مناصرة القضية الفلسطينية والتضامن العالمي معها…. ظهور وانتشار نموذج شخصية الثائر الارجنتيني تشي جيفارا وترجمة مذكراته المثيرة للاهتمام وتوزيعها داخل العراق في ذلك الوقت، الى جانب الاهتمام بالتجربة الكوبية وتسليط الضوء عليها في ذلك الوقت.. القصف الأمريكي على فيتنام, ثورات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا, مناهضة التمييز العنصري في أمريكا وأفريقيا, وجذب تلك الأحداث لحملات تضامن الطلبة والشباب في العالم وعقد المهرجانات الدولية من اجلها، وقبلها ثورة الطلبة في فرنسا وآثارها العالمية الفكرية والسياسية فيما بعد. إذ نلمس ذلك المؤثر العالمي أو الأممي واضحا في المسرح العراقي عموما بشكل ملموس ومباشر ليس عند قاسم محمد وحده، فقد شهدت تلك الفترة عروضا مسرحية هامة جدا تنضوي تحت تلك اللافتة أيضا نفسها من مثل مسرحية (أين تقف..؟) التي أعدها وأخرجها المخرج السينمائي والمسرحي الراحل جعفر علي، كما قدم المخرج نفسه أيضا في الموسم التالي مسرحية (فيت روك) لبيتر بروك, وأخرج أيضا الفنان حميد الحساني في الوقت نفسه مسـرحيـة (أنشودة أنغولا أو غول لويتزيانا…) لبيتر فايس.
في هذا الجو الفني والأدبي المشحون بالقلق والهم السياسيين الواضحين وبـ (القضية العالمية…!!) غائمة الملامح، وبنزعة أممية عاطفية بالدرجة الأولى، مقابل اهتمام بدرجة أقل منه بالقضايا العربية باستثناء القضية الفلسطينية.. إضافة الى الاهتمام بالدرجة الأدنى بالموضوع السياسي المحلي..! بدأ قاسم محمد نشاطه المسرحي، إذ قدم بعد أن ترجمها بنفسه مسرحية (حكاية الرجل الذي صار كلبا) لأزفالدو دراكون، كما ترجم ومثل في مسرحية للكاتب نفسه أيضا (قصة صديقنا بانجيتو) والتي أخرجها في ذلك الموسم الفنان روميو يوسف, وقدم أيضا اخراجا في الموسم نفسه مسرحية (الإملاء) للكاتب الإيراني التقدمي كوهر مراد وهو أسم مستعار للدكتور غلام حسين ساعدي. كما أنه أشتغل في نفس الموسم أيضا على مسرحيته العراقية الشعبية ذائعة الصيت (النخلة والجيران) التي اسهم في إعدادها مع كاتبها العراقي المغترب غائب طعمه فرمان التي سنقف عندها لاحقا
. قدّم قاسم محمد إخراجا في الموسم التالي مسرحية (أنا ضمير المتكلم) التي أعدها عن قصائد لشعراء (المقاومة الفلسطينية) آنذاك، وقصائد أخرى لبيتر فايس وبيتر بروك وبرتولد برشت وآخرين، وهذه المسرحية تتمتع بأهمية خاصة لدى الباحث..! إذ إنها عكست لأول مرة شكل التأثر السياسي والفني السريع بما هو آني وسائد والذي وسم بميسمه أغلب أعمال قاسم محمد للفترة اللاحقة من حياته المسرحية هذا أولا , وثانيا تأتي أهمية تلك المسرحية في كونها عرضت بمهرجان دمشق المسرحي الرابع، حيث شاهد قاسم محمد لأول مرة في حياته أعمالا مسرحية مستوحاة من التراث العربي الإسلامي، إذ قدم المخرج المغربي الطيب الصديقي هناك تجربة جديدة ومثيرة للجدل حينذاك، معدة عن أدب المقامات، وتحديدا مقامات بديع الزمان الهمذاني وتحمل الاسم نفسه، كما شاهد أيضا مسرحية (جحا في الصفوف الأمامية) للمخرج جلال خوري, وقد لعبت هذه المشاهدة لتلك الأعمال، وستلعب لاحقا دورا كبيرا مهما ومؤثرا فيما بعد، بل ستكون نقطة تحول في حياة فناننا الشاب.. إذ لفتت تلك التجارب نظره إلى حقل جديد لم يلتفت اليه سابقا إلا وهو التراث العربي والموروث الشعبي، وسواء كان العربي أو المحلي المكتوب منه أو ألشفاهي, بعد أن كان يشتغل في الحقل السياسي والاجتماعي المباشر، إذ طبعت تلك المشاهدة أكثر أعماله اللاحقة بطابعها، وبالتحديد الأعمال التي تناول فيها الموروث العربي الإسلامي والمحلي الشعبي، وسوف نتعرض لذلك بالتفصيل فيما بعد وفيما يخص أعماله اللاحقة.
وفي الموسم المسرحي للعام1971 قدم قاسم محمد رواية غائب طعمه فرمان (النخلة والجيران) بعد أن اسهم في أعدادها للمسرح مع المؤلف في إثناء مزاملته له خلال فترة دراسته للمسرح في موسكو. وقد جاءت هذه المسرحية تتويجا لنشاط المسرح العراقي الواقعي (السياسي) وتاريخه عموما في عقدي الخمسينات والستينات الذي ابتدأ مع مسرحيات من مثل (آنه أمك يا شاكر) تقريبا و (فلوس الدوه) وأعمال مسرحية أخرى أقل أهمية، فقد كانت مسرحية (النخلة والجيران) قمة ذلك الاتجاه من دون منازع، إذ لم يرتق أي عمل مسرحي عراقي آخر تلك القمة بعدها أبدا، لكن ذلك المنحى بدأ ينحدر بعد المسرحية الأخيرة تدريجيا سواء فكريا أو فنيا، من غير أن يحاول أحدا الارتقاء به أبدا، فقد استلبت الكوميديا التجارية فيما بعد التي تلبست بلبوس المسرح الواقعي في السنوات الأخيرة والتي أتسمت وأسرفت بالابتذال أغلب الأحيان.
لنعد الى مسرحية (النخلة والجيران) فقد منحت الرواية الواقعية نفسها للمسرح بسهولة.. بحكم منهجها وطريقة كتابتها, إذ كان فيها المؤلف والمعد ـ المخرج خاضعين فيها تماما لمذهب (الواقعية) الفنية في المسرح، والتي شكلت مرجعيتهما الفكرية والسياسية بحكم وجودهما معا في موسكو آنذاك. ربما تتفرد مسرحية (النخلة والجيران) بعدم خضوعها لأي مؤثر خارجي أو ظرفي آني، سواء كان سياسيا أو أيديولوجيا ظاهرا أو مباشرا كما هي الحال في أعمال المخرج الأخرى السابقة، اللهم إلا طراوة تجربته الدراسية التي أشرنا لها آنفا, ولكن هذا لا يعني وقوعها خارج الشرط الموضوعي أو التاريخي لتلك الفترة سواء من تاريخ المسرح العراقي، إذ سبقتها على نفس النهج الأعمال المسرحية التي ذكرناها ، أو من تاريخ العراق السياسي بشكل عام. ورغم ذلك فقد حضيّ هذا الشكل ـ أي المسرح الواقعي ـ باهتمام الجمهور سواء النخبة منه أو العامة، وكذلك نقاد المسرح في العراق, فالمنحى السياسي الفكري في المسرحية وخطابها الراديكالي غير المباشر، ووضوح شخصياتها وجذورها الواقعية، منحها صفة نمطية مماثلة لنمطية الشخصيات المسرحية في المسرح التقليدي, إضافة إلى ألفة المكان في الرواية (أزقة بغداد وبيوتها الشعبية) وتجسيدها كسينوغرافيا على المسرح مما أضفى عليها شيئا من الإبهار، وهذا ما جعلها علامة بارزة ومميزة في تاريخ المسرح العراقي.
وتحت تأثير النجاح الكبير لتلك المسرحية، أشتغل المخرج قاسم محمد بعد ذلك على مسرحية (نفوس) التي أعدها أو بالأصح (عرقها) عن مسرحية (البرجوازيون) أو (البرجوازي الصغير) كما جاء في بعض الترجمات لمكسيم غوركي، بعدما أشيع ذلك المصطلح (التعريق..) أي استعمال اللهجة العراقية المحلية في عملية الأعداد في الوسط المسرحي في تلك الفترة، لكن (نفوس) لم ترق لمستوى ذلك النجاح الفني والجماهيري الكبيرين الذي حظيت بهما مسرحية (النخلة والجيران) وذلك لأن عملية الاعداد أو التعريق في مسرحية (نفوس) جاءت بنقلها الى اللهجة المحلية فقط بعيدة عن الروح الشعبية العراقية، إذ أن بناء الشخصيات وتركيبها مسرحيا جعلها طافية على سطح الواقع، فلم تنحدر أو تتجذر في عمقه، فقد كانت شخصياتها فقط تنطق بلهجة عراقية. قبل عرض مسرحية (نفوس) أي في عام 1971 وتحت نفس التأثير السابق أي نجاح (النخلة والجيران) أخرج قاسم محمد مسرحية (الشريعة) التي كتبها الفنان يوسف العاني، ورغم المساحة الكبيرة التي شغلتها هذه المسرحية من اهتمام جمهور المسرح آنذاك، ونقاده أيضا في الصحافة المحلية والعربية، لكنها لم ترق إلى النجاح الذي حققته (النخلة والجيران) أيضا إذ لا يكفي الانبهار بالواقعي المحلي، وملامحه الشعبية الفولكلورية كما تلبست به تلك المسرحية، ومن ثم نقله على خشبة المسرح لكي تبث فيه الحياة من جديد فنيا، فهو يحتاج لعملية إعادة تحليل وتركيب بشروط العملية الفنية، وليست بشكل نقلي مفتعل، فقد نقلت المسرحية وقائع حياة فئات شعبية عراقية واسعة في لوحات مسرحية افتقرت في أبسط الاحوال إلى الوحدة الموضوعية والترابط المسرحي. فقد حاول المؤلف والمخرج أن يجمعا في مسرحية (الشريعة) بين مجموعة حكايات شعبية مختلفة هي حكاية فاضل البلام، وحكاية شريعة أبن طوبان بتفاصيلهما الواقعية ونقلها الى خشبة المسرح.
والشيء نفسه يمكن أن يقال عن تقديمه فيما بعد لمسرحية (شيرين وفرهاد) التي أعدها باللهجة البغدادية ـ أي عرقها ـ عن مسرحية الشاعر التركي ناظم حكمت بلاسم نفسه, فقد كانت المسرحية الأخيرة وبشكل واضح أيضا تحت تأثير النجاح الكبير لمسرحية (ألبيك والسايق) التي أعدها وعرقها الشاعر والناقد صادق الصائغ عن مسرحية برتولد برشت (بونتلا وتابعه ماتيه) والتي أخرجها بنجاح كبير الراحل إبراهيم جلال، وشارك فيها قاسم محمد وباستحقاق لقب ممثل كبير، عندما أدى شخصية التابع ماتيه أي السائق أو التابع.
نلاحظ في الأعمال السابقة باستثناء (النخلة والجيران) سمة التأثر السريع بما هو آني الذي تجلى وبشكل واضح في تلك الأعمال والعروض المسرحية, كما نلاحظ فيها الخضوع للمؤثر السياسي السائد أيضا بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد تجلى بشكل واضح في تلك الأعمال التي سبق ذكرها أو التي جاءت بعدها، لا بل أنه رسم جغرافية المسرح أحيانا كما في بعض أعماله تحت تأثير النفوذ الأيديولوجي الذي خضع إليه في ذلك الوقت، حتى انه وزع شخصياته على يسار ويمين المسرح حسب مواقفهم وأفكارهم السياسية كما لاحظنا ذلك في مسرحية (الإملاء) وكما أشار الى تلك النقطة بالذات معظم النقاد الذين تناولوا أعماله المسرحية آنذاك، مثلا ياسين النصير في كتابه (وجها لوجه) ص 123 والناقد علي مزاحم عباس في مقاله “ضوء على مسرحية الإملاء” في مجلة (المسرح والسينما) العراقية في عددها المزدوج 7 ـ 8 عام 1972 في الموسم المسرحي نفسه لذلك العام.. الذي قدّم فيه قاسم محمد مسرحية (الشريعة) قدم أيضا مسرحيتين هامتين في تاريخ حياته المسرحية، وقعهما باسمه تأليفا وإخراجا..! هذا رغم وضوح مرجعيتهما أو مصادرهما الأدبية المناقضة لذلك…!! هما كل من مسرحية (ولاية وبعير) التي يتضح أصلها من اسمها وبما لا يقبل اللبس بإحالتها إلى مسرحية (الفيل يا ملك الزمان) الشهيرة للكاتب السوري سعد الله ونوس، ومسرحية (طير السعد) التي تعود وبشكل لا يقبل الجدل أيضا بالنسبة إلى المتخصصين والدارسين في هذا الحقل إلى مسرحية (الطائر الأزرق) للكاتب التشيكي موريس مترلنك…!!
تعتبر مسرحية (بغداد الأزل بين الجد والهزل ) عام 1974 نقلة تجريبية مهمة ومميزة بين سلسلة تجارب قاسم محمد معدا أو مخرجا أو حتى مؤلفا، وكذلك في كونها الخطوة الأولى التي خطاها على صعيد التجريب في (التراث المكتوب والبحث بين صفحاته عن شكل مشهدي, أو طقس احتفالي يحتوي جذورا درامية ) كما جاء في (دليل العرض المسرحي ـ الفولدر) لذا فقد ظن جميع من يتابع أعمال هذا المخرج بأنه عثر على ضالته (النهائية) في كتب الجاحظ وأدب المقامات وفي رسائل أبي حيان التوحيدي وفي شعر الكدية في العصر العباسي الأول، وفي (السوق البغدادي القديم) وفي التناقضات الاجتماعية (الطبقية) التي عصفت ببنية المجتمع العربي الإسلامي في القرنين الثالث والرابع الهجريين, وما انطوت عليه تلك التناقضات من صراعات اجتماعية، وما أفرزته تلك الصراعات من شخصيات معروفة سواء كانت إيجابية أو سلبية عاشت في بطون كتب التراث. كل هذا منظورا اليه من وجهة نظر أيديولوجيا اليسار آنذاك.. فقد ظهرت في تلك الفترة الكثير من الدراسات والبحوث التاريخية والفلسفية المهمة في هذا المجال، ومن خلال وجهة النظر الجديدة تلك التي أثارت الاهتمام والتساؤل والنقاش بطرح وجهات نظر مختلفة مع ما هو سائد ومألوف حينذاك، التي طرحت لأول مرة فيها موضوعات ومقدسات لا تقبل الجدل على بساط البحث والتنقيب والتساؤل، في كل من التراث والفكر الإسلاميين، ولأول مرة أيضا توضع الكثير من الثوابت والمحظورات التاريخية موضع ونقد وبحث, بل أصبحت تلك الاتجاهات أحدى السمات الرئيسية السائدة في ثقافة تلك الفترة من حياتنا، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كتاب الدكتور العراقي فيصل السامر الذي صدر مبكرا جدا من تلك الفترة (ثورة الزنج) ثم أطروحة الكاتب اللبناني د. حسين مروه (نظرات مادية في الفلسفة الإسلامية) وترجمة كتاب بندلي جوزي الشهير (تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام) وكذلك كتاب المفكر السوري الطيب تيزيني (مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط) وكتاب الباحث اللبناني صادق جلال العظم (نقد الفكر الديني) إضافة إلى عدد آخر من البحوث والدراسات الجريئة التي نشرت في الدوريات العربية آنذاك، والتي يصعب حصرها ولإحاطة بها ولكنها تصب في الاتجاه نفسه. كل هذا شكلّ المناخ الثقافي والمرجع الفكري والتاريخي لطريقة التعامل مع التراث العربي المكتوب.
وتحت هذا المؤثر أو المحدد الثقافي الهام، إضافة إلى ما شاهده قاسم محمد من أعمال مسرحية في مهرجان دمشق التي أشرنا أليها في بداية البحث، بدأ مخرجنا عمله في (بغداد الأزل..) تأليفا وإخراجا، وأستمر بالعمل تحت المؤثر نفسه إلى حد ما.. وربما بدرجة مختلفة في أعماله المسرحية اللاحقة. إلا أن زاوية الرؤية الفكرية، أو طبيعة الموقف السياسي السائد والمعالجة الفنية للموقف فيما بعد، تختلف قليلا أو كثيرا، يمينا أو يسارا، باختلاف الظرف السياسي المتغير والسائد آنذاك، وبالتالي تأثير منحى ووضوح الايدولوجيا المعلنة التي تمسك بزمام السلطة السائدة في تلك الفترة.
في لقاء صحفي مع المخرج المغربي الطيب الصديقي في مجلة (المسرح والسينما) العراقية العدد 10 لسنة 1974 يتحدث فيه عن عمله المعروف (مقامات بديع الزمان..) بطل المقامات عيسى بن هشام، إذ يروي المخرج في أحد تلك المقامات على لسان الراوي عيسى بن هشام، بأنه مرّ بأحد الأسواق، وهناك جمع من الشحاذين، فيقترح عليهم بأنه سيعطي (دينارا ذهبيا أصفر.. للشحاذ الذي يتفوق في السباب والشتم بشكل أفضل وأخبث من غيره..) إلى نهاية المقامة.. أو المشهد المسرحي الذي يصفه الطيب ألصديقي في المسرحية التي لم نشاهدها نحن, بل شاهدنا (بغداد الأزل..) وكان ذلك نص المشهد المسرحي بتفاصيله وحواراته..! غير أن شخصية التاجر البغدادي في مسرحية قاسم محمد حلت محل عيسى بن هشام عند الطيب ألصديقي، وقد تكرر المشهد نفسه ـ المقامة في مسرحية (طال حزني وسروري في مقامات الحريري) بعد مرور عشر سنوات على عرض (بغداد الأزل..) وقد عرضت المسرحية الأخيرة فيما عرضته مقامات أخرى من الهمداني والحريري، إضافة إلى مشاهد معدة عن كتب الجاحظ المعروفة (البخلاء) و (البيان والتبيين) و (الحيوان) وأيضا كتاب توفيق الحكيم (أشعب أمير الطفيليين) إضافة إلى كتاب أبي الفرج الأصفهاني الشهير (الأغاني) وأيضا أبيات شعر منسوبة لـ (علي بن محمد) صاحب الزنج، ووضعت على لسان (عيّار من عيّاري) بغداد في ذلك الزمن، وسرد بعض من أخبار العيّارين الأخرى على لسان الراوي، كما أشار ذلك الراوي إلى كتب تراثية كثيرة بوصفها مراجع. وقد كان قاسم محمد (أمينا) جدا لوثائقه ومصادره في تلك المسرحية، إذ كانت الشخصيات الأخرى أيضا تشير دائما إلى أسم المصدر والمؤلف وحتى رقم الصفحة في نهاية كل مشهد تقدمه, وبهذا كان في العرض شيء أقرب للريبورتاج الصحفي في مجموعة من كتب التراث، منه إلى عرض يمتلك مقومات العرض المسرحي…!
في التجربة الثانية التي أشتغل فيها قاسم محمد على التراث المكتوب هي مسرحيته (حكايات وأحداث من مجالس التراث) عام1976 وأعاد تقديمها مرة أخرى عام 1983 , وقد كان أسلوب المعالجة وسينوغرافيا العرض فيها يختلفان كثيرا عما رأيناه في العمل الأول. في هذه التجربة أخذ المخرج حدثا تاريخيا محددا وأنطلق منه في معالجة درامية محددة المعالم وواضحة، إذ نراه فيها أقرب إلى سعد الله ونوس في مسرحيته ذائعة الصيت (مغامرة رأس المملوك جابر) والتي سيشتغل عليها قاسم محمد مخرجا فيما بعد، أقرب منه إلى الطيب الصديقي، ذلك الحدث هو إضراب النساجين ببغداد في نهاية القرن الرابع الهجري…!!
واضحا بأنه كان تحت تأثير المنحى الأيديولوجي (اليساري..) الذي تحرك تحت مؤثراته في أعماله السابقة، وكان مباشرا في اختياره ذلك الحدث، ومقابلته ضمنيا بأحداث معاصرة حينذاك (الإضرابات العمالية في العالم..!), ورغم اختلاف هذا العرض المسرحي عن العرض المسرحي السابق (بغداد الأزل..) لكنه كان يصر على أن يضعنا في الطقس المسرحي نفسه وأجوائه، وبمفردات متماثلة الى حد الدهشة…!! فها هي شخصية الصعلوك المتمرد تكاد تكون صدى لشخصية العيار.. فهو يردد الأفكار نفسها بل حتى الحوارات تكاد تكون متماثلة في المسرحيتين إضافة إلى تفاصيل العرض (مجموعة الصعاليك هنا تقابل مجموعة الشحاذين أو مجموعة الطفيليين هناك). في هذا العرض ابتعد المعد ـ المخرج عن المضمون الإخباري للوثيقة التاريخية بطابعها الاستعراضي كما شاهدناه في (بغداد الإزل..) الذي يشير فيه إلى اسم المصدر التاريخي ورقم الصفحة على لسان الممثل كما أسلفنا، ليقترب من الدرامي الفاعل بعض الشيء.. بعد أن يضفي عليه ملامح الحس الشعبي الممتزج بالمعاناة الإنسانية و(الطبقية…!!) ولكنه يتدخل أحيانا في إعادة بناء (الأفكار السياسية) الخاصة للشخصيات بل ومواقفهم الفكرية المفترضة…!! وبالتالي حل العقدة الدرامية بعيدا عن مضمون الرواية التاريخية وافتراضاتها الأيديولوجية المحتملة على وجه التقريب. وقد ترتب على هذه الخطوة (البنيوية..) الجديدة مضمون فكري (جديد) وبالتالي موقف أيديولوجي جديد أيضا، أي زاوية رؤيا جديدة اتخذت شكلا دراميا جديدا أيضا, كل هذا نتيجة لإعادة الصياغة تلك, تجلى ذلك في وضع حلول اجتماعية (إصلاحية) بعيدا عن الطابع (الثوري) السابق في معالجة الأزمة أو العقدة التي بنيّ عليها العرض المسرحي (أي اضراب العمال..) وهذا بعيدا عن المشكل التاريخي والفكري أيضا الذي حرّك اطراف الصراع كما طرحت في العرض المسرحي، أي التناقض الرئيسي بينهم، كل هذا انسجاما مع الوضع السياسي والأيديولوجي (القومي والوطني) الجديد، الذي بدأ يضيق الخناق على اليسار السياسي العراقي بشكل عام في تلك السنوات.
أما مسرحية (كان يا ما كان) والتي قدمت في مستهل موسم عام 1977 فقد اختلفت في نواح كثيرة عن العروض السابقة في طريقة تناول التراث ومعالجته على المسرح, فالمخرج هنا قد أنتقل الى الموروث الشعبي المحلي المدون حديثا، وهذه الانتقالة تبدو وكأنها استجابة لدعاوى النظام السياسي القائم حينذاك والتي أطلقت في تلك الفترة بـ (هدف أحياء التراث الشعبي) وكما جاء في كلمة المعد ـ المخرج في دليل العرض (تعتبر هذه المسرحية خطوة نحو تأصيل عرض مسرحي شعبي..) فهو هنا قد أبتعد قليلا عن التراث العربي المكتوب، باتجاه الموروث ألشفاهي والحكايات الشعبية البغدادية التي بدأت تدون آنذاك في المجلة الحكومية الرسمية (التراث الشعبي) الصادرة عن وزارة الثقافة والاعلام.. أي أنه غيّر زاوية الرؤيا الفكرية إلى درجة ملحوظة نسبيا..! وفي بنية درامية تكاد تكون تقليدية هذه المرة على وفق ما يفترضه منطق الحكاية الشعبية أصلا, فهو قد استعار منها إطارا سرديا كان قد سبقه إليه الآخرون ألا وهو المقهى الشعبي..! وشخصية القصخون..! وهو هنا يكاد يكون تأثرا مباشرا (تناصا) إذا لم نقل نقلا حرفيا من سعد الله ونوس في المسرحية المعروفة التي أشرنا أليها.
وعلى الرغم من أن هذه الشخصية (القصخون) مثلها الفنان خليل شوقي تذكر في جوانب كثيرة منها بشخصية الراوي في (بغداد الأزل..) التي مثلها الفنان سامي عبد الحميد.. مع الاختلاف في موقع الشخصيتين في كلتا المسرحيتين في منصة العرض المسرحي, فقد كان الراوي في المسرحية الأولى يحتل وسط أعلى المسرح، ويخاطب الجمهور مباشرة ويعلق على الأحداث، ويشرح لهم عمل الشخصيات وطبيعتها التي تظهر لأول مرة على المسرح ويعلق عليها، ويحاور الشخصيات. وهو هنا راوي بالشكل الذي استخدمه فيه برشت في مسرحه الملحمي وبذلك يختلف عن القصخون أو الحكواتي الذي يجلس مع رواد المقهى في الزاوية اليمنى السفلى من منصة العرض الذي سيحكي لرواد المقهى حكاية ستتجسد (خياليا) على المسرح. تضمنت المسرحية مشهدا رئيسيا في البداية كان مطابقا تماما للمشهد الثاني من الفصل الأول من مسرحية شكسبير الشهيرة (الملك لير) وهذا من دون الإشارة إلى المصدر كما عودنا قاسم محمد في عروضه السابقة, وهذا التطابق أقرب إلى ذهن المتفرج من أن يكون شكسبير قد أفاد من الموروث العربي ألشفاهي كما يؤكد المعد ـ المخرج في أحد اللقاءات الصحفية معه.
في مسرحية (كان يا ما كان) نلمس تراجعا فكريا بالمعنى (الأيديولوجي والسياسي) مقارنة مع ما لمسناه منه في اعماله السابقة.. وكذلك بالمعنى الفني أيضا.. وتأسيسا على هذا النهج الفكري والفني الذي أشرنا إليه في عمله السابق (حكايات وأحداث..) والذي ظهر بشكل غائم في ذلك العرض ـ أي التراجع ـ ظهر الآن وبشكل واضح، بل وتعمق أصلا وتمثل في أن الصراع الاجتماعي (الطبقي) بين أطراف الصراع (الدرامي) مثلا، هو لا أكثر من سوء فهم يجب أن ينتهي بحلول تراضي جميع الأطراف. هذا وقد زخر العرض بالكثير من المحاججات الفكرية والطروحات (النظرية) الثقيلة التي وضعت على لسان أبطال العرض, فقد جاءت تلك الحوارات وكأنها تماما من خارج سياق العرض وبعيدة عن شروط الحوار المسرحي. بجانب هذا فقد ظهرت براعة المعد ـ المخرج في الربط بين حكايتين شعبيتين مستقلتين عن بعضهما، هما حكاية (تنبل أبو رطبة) وحكاية (بنددر) المنشورتين في مجلة (التراث الشعبي) كما يشير إلى ذلك دليل العرض. وفعلا فقد جاء العرض وكأنه بني على حكاية واحدة. كما لابد أن نشير إلى دلالة عنوان العرض وعلاقته بمضمونه, وهنا تؤكد جميع تجارب قاسم محمد بأنها تفصح عن نفسها في كثافة ودلالة الاسم أو العنوان الذي يختاره للعرض, فمثلا في هذه المسرحية (كان يا ما كان) استعار العنوان من استهلال الحكاية الشعبية الشفاهية كما سمعناها من جداتنا.. والشيء نفسه ينطبق على أغلب عروضه المسرحية .
في كل تجربة من تجارب قاسم محمد المسرحية من تلك التجارب السابقة والتي أشرنا لها، يوهمنا أو في الأقل يغرينا بأنه أكتشف نهجا مسرحيا جديدا وسيستمر عليه, وبالفعل سرعان ما نلاحظ استقلالية كل تجربة مسرحية له، من ناحية الشكل والمضمون عن التجارب التي سبقتها أو ما سيأتي بعدها من تجارب لاحقة, هذه الاستقلالية التي تصل حد القطيعة الجذرية أحيانا مع ما قبلها، من ناحية بنية العرض المسرحي ككل، وما يترتب على ذلك من إشارات ودلالات تصل الى حد إلغاء المرجعيات السابقة والاختلاف معها..! ولا نقصد على صعيد الأيديولوجيا فقط، بل مناهج البحث الأكاديمي أحيانا، وهذا رغم وجود بقايا من التجارب السابقة تطل برأسها وبشكل واضح بين مشهد وآخر أو مسرحية وأخرى، أما الاستمرارية فهذا ما لم نلاحظه وهو لم يتحقق أصلا.
في صيف 1977 ظهر قاسم محمد في الوسط المسرحي، في وسط الصورة تماما من نشاطات ذلك الموسم، وكأنه يعلن يومها بأنه سوف ينهي علاقته مع التراث أو الموروث بكل أشكاله…!! ليقدم عرضه المسرحي الجديد الموسوم (أضواء على حياة يومية) ليعود أدراجه بنا إلى المسرح الواقعي، الذي سبق وان أشتغل عليه. المسرحية معدة عن قصة قصيرة للكاتبة هاديا حيدر. ومن خلال استهلال العرض وإلغائه لستارة المسرح عن منصة التمثيل نهائيا، نستشف بأننا أمام عرض مسرحي تقليدي (واقعية الديكور مثلا) التي أراد لنا المخرج أن نراها قبل بدء العرض، ومن خلال ذلك وما تلاه نقرأ حياة أسرة عراقية خلال السبعينات وما أفرزته تلك الفترة من هموم ومشاكل حديثة و (تحولات جذرية..) قد هزّت البنية الاجتماعية التقليدية للعائلة العراقية من الطبقة الوسطى دون أن تستوعب هذه العائلة تلك التحولات…!! وبالتالي سوف تشتغل التناقضات في تلك البنية الاجتماعية في ضوء (الهزات والتحولات الحاصلة في حياتنا الاجتماعية) (من كلمة المخرج في دليل العرض) لكن عملية معالجة ذلك الموضوع (التناقضات الاجتماعية..) جاءت في البحث عن شكل جديد للعرض المسرحي أيضا، ولكن في ضوء تثوير تلك المشاكل أو التناقضات أو الموضوع الاجتماعي نفسه موضوع العرض…! فوقع الاختيار على وحدة الموضوع الأرسطية لتفجيرها والبحث من خلالها عن إطار جديد للعرض المسرحي. وبذلك توزع العرض على أساليب مسرحية معروفة ومتنوعة، فقد تشكل من عدة مناهج مسرحية سائدة لكنها متباينة, فمرة يسود الأسلوب البرشتي الملحمي في عدد من المشاهد, وفي أخرى نرى ملامح من مسرح العبث واللامعقول, وفي ثالثة نكون أمام مسرح تسجيلي واضحة جدا عندما يتبنى أحد الممثلين شخصية الراوي.
أما مسرحية (مغامرة رأس المملوك جابر) التي أخرجها لطلبة معهد الفنون الجميلة ببغداد في عام 1978 فقد كانت تمثل حقا خطوة متقدمة جدا على طريق تأصيل عرض مسرحي حقيقي معاصر، وذلك بكسره لأبعاد العلبة الإيطالية التقليدية، والتي ظلت العروض المسرحية السابقة أسيرة لها, وهي فعلا تجربة فذة في ابتكاره ـ أي المخرج ـ لرؤية مشهدية مستمدة أصلا من المضمون المسرحي نفسه، وبعيدة عن الافتعال وقصدية التجريب المسبقة كما شاهدنا بعض أعماله أو يمكن أن تكون كلافتة صريحة في ذلك العرض. صحيح إن ذلك الشكل ألمشهدي الذي رأيناه خلال رحلة (مغامرة رأس المملوك جابر) لم يكن بعيدا عن تجارب إخراجية سابقة لآخرين من ناحية تشكيل سينوغرافيا العرض، إلا إنها وكما قلنا كانت مستوحاة من النص المسرحي ذاته، أي من فكرة المقهى الشعبي والحكواتي.. الذي كان يقص حكاياته على رواد المقهى, لكن قاسم محمد تخلص من المقهى والحكواتي أصلا ليصنع منا نحن المشاهدين روادا لمقهاه، ولتدور الأحداث في منتصف القاعة ونحيط بها نحن ـ أي الجمهور ـ من الأعلى والأسفل. فقد كانت هذه التجربة من التجارب اللامعة والهامة في تاريخ هذا الفنان، ويعود أحد أسباب نجاح هذا العمل الذي لم يعرض بشكل تجاري في أحد مسارح بغداد الرئيسية، فقط في قاعة المعهد وللنخبة.. لابد أن نشير إلى بناء النص المسرحي المحكم على يد كاتب محترف مثل سعد الله ونوس، وطريقة معالجته للحدث التاريخي، وبناء الشخصيات التي امتلكت مسبقا شروطها الدرامية أو نمطيتها، وكما كان الإعداد هذه المرة ـ أي اعداد النص المسرحي للعرض ـ أعدادا مختلفا عن تجارب المخرج السابقة، خاليا من الترهل والتفاصيل غير المهمة، والإضافات التي أثقلت تلك العروض أو التجارب السابقة وكانت عبئا عليها.
في عام 1984 عاد بنا قاسم محمد ـ معدا ومخرجا ـ بعودة باهتة للتراث العربي المدون..! أو للتذكير بمسرحية (بغداد الأزل..) تحديدا.. أو بالمرجعيات التراثية التي تنقل بين صفحاتها سابقا.. من خلال تجربته الجديدة في مسرحية (طال حزني وسروري في مقامات الحريري) فقد أعد العرض الجديد عن مقامات الحريري ومقامات الهمذاني وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ومصادر تراثية سبق أن نهل منها قاسم محمد في تجاربه السابقة، كما أشار الى ذلك في دليل العرض، أو هي بالحقيقة في هذه المرة وكما يبدو واضحا عودة الى مسودات المسرحية السابقة..! استهل العرض بمشهد طارىء لا علاقة له إطلاقا بموضوع المسرحية لا من قريب ولا من بعيد..! مشهد يتناول فيه تاريخ (فرقة المسرح الفني الحديث) واستعراض دورها الريادي في تاريخ المسرح العراقي…!! ويبدو من عمله على هذا المشهد المسرحي المنفصل من جميع النواحي الفنية والفكرية.. يبدو أنه رغبة ذاتية لاسترجاع ما تقطع من وشائج في تلك الفترة.. أو شعور بالذنب إزاء فرقته المسرحية الأم (المسرح الفني الحديث) التي ساهمت بصنع مجده الفني السابق، والتي أبتعد عنها الى حد ما عندما (جند) نفسه للعمل في الفرقة القومية للتمثيل (الحكومية..!) وبأعمال مسرحية (تعبوية) في ذلك الوقت تنسجم مع عمله كموظف في الفرقة المذكورة، وربما أكثر من ذلك..! في أعمال مسرحية معروفة (تعبويا) في تلك الفترة من مثل مسرحية (احتفالية للوطن والناس) ومسرحية (العودة) وكذلك مسرحية أسخيلوس الشهيرة (الفرس) بعد أن أعدها لعرض جديد ينسجم مع توجهات السلطة آنذاك في حربها الطويلة مع إيران..!! أما هذه المسرحية (طال حزني وسروري…) فتركز على مهنة أو عقدة الشحاذة في حياة أبي زيد السروجي بطل المقامات، وما يترتب عليها من تفاصيل ومفارقات وطرائف, بل هو يكرر مشاهد من مسرحية (بغداد الأزل..)
يعتمد البناء الدرامي في (طال حزني وسروري..) على صنع نقيض مسرحي إيجابي لشخصية أبي زيد السروجي السلبية..! مثلها الفنان يوسف العاني.. وهذا النقيض هو ابنه قطرب مثله الفنان هيثم عبد الرزاق، وهذا الأخير شخصية إيجابية جدا (كما قدمها العرض المسرحي) وتتمتع بقدر من الرفض و(الثورية..!) فهو يرفض مهنة الشحاذة ويدعو أباه لأن يتخلص منها..! وقطرب يكاد يتقول.. أو يقول بما كان يقوله العيّار.. من شعارات ودعوة للثورة في (بغداد الأزل ..) وكذلك نرى في هذا العمل تكرار لتجربة (مغامرة رأس المملوك جابر) إذ استعار منها سينوغرافيا العرض برمته…! بأن جعلها في منتصف القاعة..!
في المقابلة الصحفية التي أشرنا إليها سابقا مع الطيب ألصديقي والتي يتحدث فيها عن عمله فـي (مقامات بديع الزمان..) يتحدث فيها أيضا عن بطله عيسى بن هشام فيقول عنه (انه مثقف عربي ثوري بالنسبة لمقاييس عصره..! فهو من طائفة الإسماعيلية, انه تقدمي بالمعنى المعاصر, انه من القلائل الذين شعروا بانحطاط عصرهم, انه لا يتحدث عن الاقتصادي وحده.. بل عن نتائجه.. الانحطاط الفكري..) (مجلة السينما والمسرح العراقية العدد 10 لعام 1974 ) ترى ماذا يمكن أن يقول قاسم محمد عن بطله أبي زيد السروجي أو أبنه قطرب اللذين قدمهما في ذلك العرض..؟ هل أراد أن يعرض علينا مهارته في البحث عن شكل مسرحي جديد مستمد من التراث أيضا..؟ لقد عرض علينا شحاذا ومحتالا ماهرا في استغفال الآخرين.. والنصب على النساء تحديدا، كما صنع نقيضا مفتعلا له هو ابنه قطرب، واستعار له حوارات (ثورية) من مسرحياته الأخرى تتناقض مع منحى شخصيته وتربيته أصلا، لأنه يفترض به ـ أي قطرب ـ أنه قد تربى في حضن ذلك الشحاذ المحتال الماكر..!! كما يذكر لنا ذلك المصدر الرئيسي نفسه للعرض (مقامات الحريري) وكما يشير إلى ذلك الممثل أيضا, فهو في الأصل كان يساعد أباه في احتياله ونصبه على الآخرين..! ولكنه وبقدرة المخرج ـ المعد يصبح (ثوريا) فجأة ودون تمهيد..!
في جميع تجارب قاسم محمد المسرحية نرى إصرارا ذاتيا على التجاوز والتخطي..! ولكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك تطورا الى الإمام.. أو في إطار مفهوم التطور والتقدم الجدليين.. أو الموضوعي.. إننا شاهدنا اختلافا أو (تجديدا..!) إلى حد ما بين تجربة وأخرى، وأحيانا نقلة نوعية حقا.. إلا أنه كان وبشكل عام تراجعا مرة.. وتقدما فعلا في مرة أخرى.. وبالرغم من تباين الموضوعات التي تناولها، وتنوع مصادرها ومرجعياتها في جميع أعماله السابقة، لكننا نجد فيها قاسما مشتركا يتحرك بشكل خفيّ، مرة داخلها وأخرى جليا غير وجل على سطحها، هذا القاسم المشترك تجلى في إشارات أو سمات واضحة في أغلب الأحيان، تناثرت هنا وهناك في كل تلك الأعمال والعروض المسرحية التي تناولناها آنفا على الأقل, هذه الإشارات تظهر مرة في البحث عن شكل جديد للعرض.. وأخرى في بناء وتركيب الشخصيات.. وثالثة في طبيعة الموضوعات التي عالجها ومصادرها وتنوع مرجعياتها الفكرية. وكما هو دأبه دائما في البحث عن الدرامي سواء في التراث المكتوب أو في الحكاية الشعبية أو في الأدب المعاصر (شعر.. قصة.. حكاية)

أو في بعض الظواهر السياسية أو اليومية المعاشة, غير أن ذلك القلق أو الهاجس لم يبق على صعيد الفكر المجرد الذي يشكل خلفية العرض.. بل تجسد بشكل آخر أيضا، وكأنه هاجس خفي لذات غير مستقرة.. يستغرقها ذلك القلق والتمرد.. وأحيانا الثورة بكل معانيها..!! وثالثة الإحباط إلى درجة التهادن واليأس..! وهذا واضح ومحسوس جدا في كل تلك الأعمال.. فقد تحسسناه ـ أي ذلك الهاجس الخفي ـ متلبسا بأبطال تلك المسرحيات التي شاهدناها، فهو نفسه الذي أنّطق العيّار في (بغداد الأزل..) وهو الذي حرّض الصعلوك على التمرد في (حكايات وأحداث من مجالس التراث) وهو الذي تحرك فيما بعد داخل حسن التنبل في (كان يا ما كان) ثم تجسد لاحقا في شخصية فخري في (أضواء على حياة يومية) ثم تكلم على لسان قطرب بن أبي زيد السروجي في (طال حزني وسروري..) وقد تظللت تحت ظل ذلك القلق وتلك الأقنعة كل أطراف الصراع في صراعها من اجل الوجود والبقاء وحركتها العامة في كل تلك الأعمال المسرحية، ورغم اختلاف العصور والأماكن التي تجسد فيها ذلك الهاجس أو في اختلاف الهموم والأفكار التي كان يطرحها, إلا انه كان واحدا, وهو أقرب من تلك الشخصيات التي استنطقها أو تجسد فيها إلى روح مثقف معاصر اسمه قاسم محمد. من هذا نستطيع أن نقول أنه عندما وطأ أرض التراث لم يكن هدفه التراث لذاته، بل كما قلنا أرّقه البحث عن الدرامي الجديد، وأستمّر معه الهم نفسه في توليفه للحكايات الشعبية، ألشفاهية أو المدونة منها، أو في الواقع اليومي ومعالجته..! أي أنه لم يكن الغرض لديه طرح الواقع والمعاناة اليومية، بقدر ما هو البحث الفني الخالص عن الشكل, وقد رافق هذه الرحلة الكثير من المنزلقات الفكرية والفنية التي أشار أليها النقاد الذين تناولوا تلك الأعمال في حينه وكما شخصنا بعضها في هذا البحث المتواضع.
من خلال هذا البحث نستشف أيضا بان مشكلة قاسم محمد هي في الأعداد المسرحي لا غير..! إذ أنه كمخرج وفي جهد فني مستقل بعيدا عن التأليف أو الإعداد وما يترتب عليهما من مشاكل والتباسات فكرية في نقل الشخصيات والأحداث والأماكن إلى خشبة المسرح، فهو يتمتع بمهارة كبيرة قل نظيرها، وخيال إخراجي مبدع واسع جدا تجسد في ابتكارات سينوغرافية ومشهدية مذهلة أحيانا.
ونعتقد أن هذه القدرة أو الموهبة هي التي دفعته إلى أن يستسهل عملية إعداد النصوص أو إعداد (السيناريوهات) لبعض العروض.. كما كان يسميها هو نفسه في بعض تلك التجارب، وعندما تابعنا إخراجه لنصوص مسرحية جاهزة فقد كان مخرجا من الطراز الأول.. كما هو في (النخلة والجيران) و(شيرين وفرهاد) كإخراج وليس إعدادا، وكما أشرنا إلى (مغامرة رأس المملوك جابر) وكذلك التمثيل.. بل هو ممثل من الطراز الأول أيضا كما شاهدناه في مسرحية (ألبيك والسايق) وبعد ذلك في (رحلة الصحون الطائرة) فقد كان مع زميله سامي عبد الحميد على خشبة المسرح، وبإدارة الراحل الكبير إبراهيم جلال عالما واسعا رائعا وخصبا وجميلا، يستحيل أن نحدد تفاصيله الممتعة والساخنة لمدة ساعة ونصف الساعة متصلة من الأداء التمثيلي الراقي .

-------------------------------------------------------------------------
المصدر :عن كتاب  " البنية الأدبية وتحولاتها مسرحيا وسينمائيا "تأليف قاسم علوان

تابع القراءة→

الأحد، يوليو 10، 2016

"ملكات سورية" على مسارح بريطانية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, يوليو 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

 تُعرض، حالياً، في عدة مسارح بريطانية، مسرحية "ملكات سورية"، المقتبسة عن "نساء طروادة"، تراجيديا يوربيدس الإغريقية.
المسرحية التي عُرضت أول مرة في عمّان عام 2013، قُدّمت على خشبة "مسرح يونغ فيك" في لندن الإثنين الماضي، وستواصل عروضها الجوالة في أوكسفورد وبرايتون وليفربول وليدز وأدنبرة ودورهام، قبل أن تعود مجدّداً إلى لندن في عرض ختامي في 24 من الشهر الجاري.

يستعير النص المعاصر من النص الإغريقي شراسته في محاولة لابتكار قطعة قوية تختصر حكايات مئات الآلاف من النساء السوريات في محنة اللجوء، إذ يعطي النص البطولة لعشر لاجئات من مخيم الزعتري، حيث يقدّر عدد اللاجئين السوريين في الأردن بـ 600.000 لاجئ وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، أي أننا أمام ستمئمة ألف حكاية مختلفة انتقت المسرحية عينة من عشر نساء لتقول بعضاً منها.
هذه الحكايات الواقعية الصغيرة لا تغري وسائل الإعلام ولا وسائط التواصل الاجتماعي، حيث النساء في العمل، هن النساء العاديات اللواتي انقلبت حياتهن رأساً على عقب بعد الحرب. لن نسمع هنا أصوات معلقين سياسيين ولا صحافيين ولن يتمكّن أحد من إضافة تعليق، هذه القصص ترويها صاحباتها، وتجد مكانها على المسرح الذي يعمل على تكبيرها بعدسة الدراماتورجيا.
العمل المسرحي بنسخته العربية من إخراج المسرحي السوري عمر أبو سعدة، وقامت بتدريب النساء على التمثيل المسرحية السوري ناندا محمد، وقد وثقت المخرجة السينمائية السورية ياسمين فضة مراحل عمله وتنفيذه وحوّلت كواليسه إلى فيلم وثائقي.

-------------------------------------
المصدر : لندن - العربي الجديد 
تابع القراءة→

مسرحية "موسوساراما": كأننا لسنا أفارقة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, يوليو 10, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

قليلةٌ هي الأعمال الأدبية والفنية التي اشتغلت على الفضاء الأفريقي في الجزائر، رغم أن هذا البلد يتشارك مع بلدان أفريقية أخرى ما لا يقل عن ألفي كيلومتر من الحدود، كما أن الثقافة الأفريقية تمتدّ إلى شطر واسع من جنوبه، الذي يكاد، هو الآخر، يكون منسياً في مدوّنات الجزائر الأدبية والفنية المختلفة.
ضمن تلك الأعمال القليلة، يُمكن أن ندرج مسرحية جديدةً يُنتظر أن تُعرض على خشبة مسرح مدينة سعيدة، غربي الجزائر، في الـ 27 من نيسان/ أبريل الجاري؛ إذ يحمل العرض مناخات أفريقية خالصة، طقوساً وأسماءً وهواجسَ وذهنيات ونفسيات.
يحمل العرض عنوان "موسوساراما"، وهو اسم امرأة جميلة عشقها رجل من قبيلة الهوتو يخوض صراعاً مع أخيها المنتمي إلى قبيلة التوتسي، والذي تأثّر بالاستعمار الغربي للقارة، فعمل على تغيير وجهه الأسمر بآخر أبيض، غير أنه يتراجع في النهاية عن هذا الخيار، ويتزعّم حركة تحرير واسعة للإنسان والمكان.
المسرحية التي ستُشارك، أيضاً، في فعاليات الدورة المقبلة من "المهرجان الوطني للمسرح المحترف"، التي تحتضنها الجزائر العاصمة في أيار/ مايو المقبل، أُوكلت مهمة الجانبين الإخراجي والسينوغرافي فيها إلى شوقي بوزيد، وهو مخرج مسرحي معروف بنزعته نحو التجريب وحضوره المثير للجدل، من زاوية رفضه الدائم لطرق تسيير الفعل المسرحي في الجزائر.

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يبرّر بوزيد اختياره نص الكاتب محمد بن بديدة بقوّة البعد الأفريقي فيه، في ظل استمرار المشهد الجزائر في تجاهل هذا البعد: "نفعل ذلك كأننا لسنا أفارقة. هل يُعقل أن الأوربيين والأميركيين يستثمرون جمالياً أكثر منا نحن الجزائريين في الفضاء الأفريقي؟". يضيف أن الأخير "بقي حكراً على السياسيين والإعلاميين، ما جعله مجهولاً لدينا في بعديه الفني والإنساني".
يقول صاحب مسرحية "فوضى الأبواب" إن العرض يحاول خلق حوارية عميقة بين مختلف العناصر المسرحية، من تمثيل وموسيقى وسينوغرافيا وإخراج وتعبير جسدي ولغة، لتعميق علاقة المتلقّي الجزائري والعربي بهواجس وأسئلة ومناخات وطقوس الإنسان الأفريقي المعاصر، في مقدمتها سؤال: لماذا بقيت القارّة السمراء منتجة للسواعد الهاربة إلى غيرها؟
يضيف: "عدم استفادة العالم من تجربة الصراع الإثني بين الهوتو والتوتسي والذي أثمر قتلاً وتشريداً جماعيَّين، أدى إلى حروب مماثلة في ما بعد، وعلى المسرح أن يقول كلمته في هذا الباب".
من جهته يقول لـ "العربي الجديد"، زروق السعيدي مدير مسرح سعيدة، الجهة المنتجة للمسرحية: "إن هذه الالتفاتة إلى أفريقيا هي مرافَقة فنية، بشروط الفن وأدواته، للجهود الديبلوماسية التي تقوم بها الجزائر في القارّة، خصوصاً في دول الساحل وما تعرفه من اضطرابات أمنية".
يضيف: "تجربة تهديم مخطوطات تمبكتو وأضرحتها في مالي، وما أعقبها من صمت عالمي، أسّست لتجربة تهديم آثار العراق وسورية على أيدي "داعش". على الفن أن يزرع حس رفض الإرهاب بكل أشكاله".

---------------------------------
المصدر : الجزائر - العربي الجديد

تابع القراءة→

السبت، يوليو 09، 2016

السيرة الذاتية للأستاذ المساعد د. يوسف رشيد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يوليو 09, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

الأستاذ المساعد الدكتور يوسف رشيد جبر السعدي.
تولد:بغداد/1954.                                            
عين أول مرة عام 1973 .                                      
دكتوراه فلسفة فن/أدب ونقد/امتياز عام 1997.    
ماجستير إخراج مسرحي/ جيد جدا عام 1989.
بكالوريوس إخراج مسرحي/عام 1979 من أكاديمية الفنون الجميلة/جامعة بغداد.
حصل على لقب أستاذ مساعد عام 2000 .
مارس التمثيل والإخراج ثم تخصص في النقد المسرحي كاختصاص دقيق.

حاصل على امتياز الملاكات العلمية لثلاث سنوات متتالية عن بحوثه و دراساته المتميزة,وكان مرشح للسنة الرابعة و هي منافسة علمية سنوية عراقية.
عمل مخرجا ومصورا سينمائيا في تلفزيون بغداد منذ عام 1973 ,و له ممارسة حصل خلالها على شهادات تدريبية تخصصية.
أنتقل إلى وزارة التربية عام 1980 حيث عين مدرسا في معهد الفنون الجميلة– بغداد و أسندت إليه المسؤوليات التالية:
*رئيس فرع الإخراج المسرحي في المعهد.
*رئيس قسم الفنون المسرحية.
*عميدا لمعهد الفنون الجميلة للفترة من عام 2000-2003.
له بحوث ودراسات وكتب في اختصاص الفنون المسرحية, يمارس كتابة النقد المسرحي منذ عام 1979 .
نال جوائز متعددة وشهادات تقديرية منها: جائزة الإبداع في أيام حقي الشبلي المسرحية .
مشارك في لجان تحكيم لمهرجانات مسرحية ولجان نقدية عراقية وعربية.
اجتاز دورة في طرائق التدريس في جامعة بغداد و كان من الأوائل فيها وحصل على شكر وتكريم من رئيس الجامعة.
له إسهامات في مسرح الطفل في كتابة بحوث و لجان استشارية و لجان تحكيم مهرجانات.
شارك في مؤتمرات علمية وتخصصية داخل القطر و خارجه.
رشح من قبل وزارة التربية العراقية للتنافس على منصب مدير قسم التراث الثقافي لمنظمة اليونسكو في باريس.
أنتخب مقررا عاما لمؤتمر توحيد دراسة التربية الفنية الذي أقامته منظمة اليونسكو عام 2002 في عمان.
عضو مؤسس للرابطة العراقية لنقاد المسرح وجميع دراساته و بحوثه تصب في مجال التخصص الدقيق.
رئيس تحرير مجلة حقي الشبلي الدورية التي تصدر في معهد الفنون الجميلة منذ عام 1991
عضو فرقة المسرح الشعبي منذ عام 1973 وعضو الهيئة الإدارية حاليا.
كلف بالعمل في أول لجنة عراقية لأعادة الحياة و النهوض بواقع المسرح العراقي الجديد.
سبق و أن درس في كلية الفنون الجميلة بصفة محاضر قبل أن يصبح عضوا في الهيئة التدريسية – قسم الفنون المسرحية حيث درس الأدب المسرحي.
تخصص في تدريس مواد النقد المسرحي و فلسفة الجمال و أصول ومناهج البحث في المعهد ثم كلية الفنون الجميلة .
شارك في عدة مهرجانات عربية و دولية للمسرح آخرها مهرجان المسرح الجامعي/ عمان 2004 وحصل على شهادة مشاركة تقديرية و شهادة شكر و تقدير/جامعة فيلادلفيا.
مشارك في عدة لجان لوضع المناهج الدراسية للاختصاصات الفنية.
حاصل على(21)إحدى و عشرين شهادة تقديرية, ثلاث منها عن فوزه بالملاكات العلمية من وزير التربية / عن بحوث و دراسات متميزة.
نقل إلى كلية الفنون الجميلة/ لتدريس اختصاصه في الأدب و النقد عام 2003 .
ناقش في جامعة بغداد وجامعة بابل عددا من الرسائل و الأطاريح الجامعية للماجستير و الدكتوراه.
درس لطلبة الدراسات(الماجستير والدكتوراه)في عدة مواد دراسية.
يعمل مدرسا في قسم المسرح في الكلية حاليا.
عمل مسؤولا عن مكتب الإنتاج المسرحي.
عضو مؤسس في المركز العراقي للثقافة و الفنون.
عضو اتحاد المسرحيين العراقيين.
عضو مؤسس في منتدى النقد الفني بكلية الفنون الجميلة.       
عن المنجز الإبداعي:
في التمثيل- مثل في مسرحية البرجوازيون
                              
في التمثيل- مثل في مسرحية البرجوازيون
                                           
 مسرحية مارا صاد - كلية الفنون الجميلة
  مسرحية الوجه والقناع  -   مسرح بابل
 مسرحية كشخة ونفخة- فرقة المسرح الشعبي                           
 مسرحية قصائد مسرحية
مثل في التلفزيون – عددا من الاعمال التلفزيونية
اخرج للمسرح :
الجدران
الوجه والقناع
العلبة الحجرية
تصور الغد
الناس والحجارة
عمل مساعدا للاخراج مع اهم مخرجو المسرح العراقي في بداياته
د. عوني كرومي
أ. جعفر السعدي
أ. ابراهيم جلال
أ.قاسم محمد
أ. سامي عبد الحميد
د. فاضل خليل
د. عقيل مهدي يوسف
له اكثر من تجربة جمالية في التنظير المسرحي  (دراماتورك) اهمها
للروح نوافذ اخرى
تفاحة القلب
محنة
حصان الدم
حلم في بغداد
* أكثر من ثلاثين شهادة تقديرية وجائزة
* جائزة الإبداع العلمي للتميز في البحوث والدراسات
* تكريم يوم المسرح العالمي للعام 2007
*مارس النشر في الصحف والمجلات منذ عام 1975 وله متابعات ومقالات نقدية         
           

 ابرز دراساته وبحوثه في الفن
*عمل المخرج مع المصمم في العرض المسرحي – رسالة ماجستير
*التكوين الفني والفكري للبطل في المسرح- اطروحة دكتوراه
الكتب الغير منشورة
- الواقعية بين ابسن وبرناردشو. (دراسة تحليلية)
-  اساليب بعض انقاد المسرحيين في العراق. (دراسة تحليل المحتوى)
-  التقرير الوطني للعراق حول التربية الفنية / منظمة اليونسكو
- نقدنا المسرحي
اما الدراسات المنشورة
-  نظرة في مهمات الناقد المسرحي
- مسرح الطفل والفئات العمرية
-من بواكير الادب المسرحي العراقي (دولة الدخلاء) لمحمد مهدي البصير
دراسات حديثة
مقاربة التعرضن في رواق الابستمولوجي للتناص
وظيفة التحريض بين سلطة المسرح ومسرح السلطة
الخصوصية الاتجاهية وبناء الفعل في المسرح
مؤسسة الشكل في العرض المسرحي
الوظيفة الابستمية للدراماتورجية في المسرح
الفعل الارسطي ومصيره في الدراما الحديثة
الحركة بين الدافعية والاصطناع
الأجنه السينمية في سيناريوهات صلاح القصب
ودراسات اخرى
البطل الاسطوري بوصفه رمزا مثاليا
الفنون ومستقبل الخطاب التعليمي(المسرح المدرسي نموذجا)
بعض الدراسات والمقالات المسرحية المنشورة (باختصار)
نساء لوركا من التناص الى التعرضن
تناص الخطاب في انتاج العرض المسرحي
سوسيولوجيا البطل في الدراما الحديثة
الذاتانية والتكوين الموضوعي
تراجيدية النموذج في المسرح
السرياليون في المسرح
البنى الايقاعية للشكل على المسرح
دزدمونة/ الملاحظات في المكان المسرحي (دراسة تحليلية)
الدراما الحديثة وموت التراجيديا
القراءة المنهجية والجهد التنظيري للناقد(مسرحة المسرح)
البطل في الدراما  العراقية (جزئين)
السينوغرافيا وديناميكية العرض
المسرحية الشعبية والهم الجمعي
الاقتصاد في التمثيل
( الميزانسين) وتشكيل العرض المسرحي
جسم الممثل والتشكيل الحركي (مقدمة نظرية في عمل الممثل)
سلسلة جماليات مسرحية (عشر اجزاء) منشورة
النقد المسرحي والوسيط الحياتي
ذاتية البطل المسرحي والبيئة الموضوعية
البطل المؤجل على ابواب الجنة
الحس الجمالي في بغدادايات ابراهيم النقاش (دراسة تشكيلية)
الكتلة اللونية على المسرح (مقدمة نظرية في دراسة عناصر الصورة البصرية)
وضع مناهج دراسية في الاخراج المسرحي والنقد الفني
اكثر من ثلاثين شهادة تقديرية وجائزة
المتفاعل في التلقي المسرحي (دعوة اصطلاحية)
نساء في الحرب – مقاربة التناص في خطاب العرض
السايكودراما ومحنة الإخراجس
متوازيات الخطاب في رثاء الجواهري
ديناميكية الضوء وسينوغرافيا العرض
تداخلية البناء عند يوسف العاني (ام شاكر نموذجا)
اخراج الميزانسين في الفضاء العرض المسرحي
ورشة كاليكولا تناص البنى والدوران البيئي
المهرج بين الجانب التربوي والجانب الجمالي
البطل الاسطوري بطلا موضوعيا
المسرح بين اسطرة النموذج والنموذج الاسطوري
الابسنية وصداها في مسرحية الاشباح

-----------------------------------------------
المصدر : كلية الفنون الجميلة بغداد 
تابع القراءة→

آليات ما بعد الدراما و حرية الاشتباك الجمالي و التقني / أ. د .يوسف رشيد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يوليو 09, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية


 يمكن أن يعد مسرح( ما بعد  الدراما ) شكلا من أشكال الاشتباك الحر مع الدراما ألتقليدية التي ضلت ضاربه بجذورها وسطوتها منذ أن عرف الطقس المسرحي  الأول وحتى زمننا هذا، حافرتاً  أخاديدها على أطلال التنظير المسرحي الذي لم ينفك بعض من المشتغلين فيه من محاولات الانفلات من تلك القواعد الصارمة، بالجنوح صوب أشكال مسرحيه تحاكي الحداثة لتنحت أحيانا اتجاهات ومشارب في ألمغايرة والتجريب ، الهدف منها تحقيق الموائمة   والتساوق مع روح العصر وثقافاته المتجددة ... ولعل من معطيات هذا المسعى ظهور أشكال  اقترحها المعنيون بالهم المسرحي وثقافته الإنسانية ، فمنها  من تواصل مع ما هو تقليدي ومنها ما ا أختط نظرية جديدة في جماليات العرض في حين خرج البعض عن الأطر ألتقليدية المألوفة في المسرح المعاصر حتى عد بعض من هذه المساعي( فنا لا مسرحيا ) بسبب تشكلاتهِ وعناصره التي اختطت طريقها الخاص في صياغة شكل المنتج الإبداعي ، فظهرت أشكال مسرحيه ومسميات تمرد بعضها وأضاف الأخر  وأقصى بعضها  وابتكر الآخر،  ولعل من هذه المسميات مسرح (ما بعد الدراما) الذي نحاول تعرف بعض ملامحه وآليات اشتغاله من خلال ما كتب عنه من تنظير ومقاربات على مستوى العرض المسرحي . إذ لم يعرف المسرح  العربي هذا الشكل المسرحي عن قرب رغم ما كتب عنه عالميا ألا من خلال البعض القليل من الدراسات والمقالات ألمنشورة والتي ظهر البعض منها في كتاب ( مسرح ما بعد الدراما ) الذي تهيكل من مقاربات  نقدية لمجموعه من المؤلفين ، كان لهم الفضل في الاطلاع  على التنظير الأوربي لهذا المسرح و الترجمة عنه أو الكتابة فيه .
ولعل ابرز من عرف عربيا على حد علمنا في الاجتهاد بهذا الاتجاه إلى جوار الألمانية (كريستل فيلر)هم  (محمد سيف) من العراق (حسن المنيعي)و(خالد أمين) من المغرب بوصفهم من المهتمين والمشتغلين في هذا المنجز,  مستفيدين من اتصالهم الوثيق بالثقافة الفرنسية و مستجدات الثقافة الأوربية للمسرح، ومن المؤكد إن هناك أسماء أخرى قد تكون خارج دائرة اطلاعنا....

ويبدو إن ما يلفت الانتباه إلى هذا الشكل المسرحي (ما بعد الدرامي)انه قد  تميز في هيئته بالسعي للتخلص من المعايير الدرامية كشرط لوجود الحدث المسرحي من دون التخلي عن المفاهيم المتعلقة والمناسبة له كما يوصف ، بيد إن ما يلفت الانتباه في جميع الدراسات و التعريفات الإجرائية للمصطلح (ما بعد الدراما) قد دلت على انه لم يغادر بعيدا عن دائرة 
(ما بعد الحداثة)وتجارب المسرح الطليعي إذا لم يكن هو شكلا من إشكالها وعلى الرغم من أن مصطلح(ما بعد الدراما) هو مصطلحاً مسرحيا و أن مصطلح (ما بعد الحداثة) هو فكرياً وفلسفياً  ألا أن اتجاهات المسرح الطليعي  شكلت مقترباتها الفكرية والفلسفية في صياغة عروضها في ضوء فكر( ما بعد الحداثة)، ولعل ما يدلل على انتساب مسرح (ما بعد الدراما) الى هذه الدائرة, أن ميادينه التطبيقية قد التقطت عينات و تجارب مسرحية لمخرجين مسرحيين مثل (روبرت ويلسون) و(كلاوس كروبر) و(تاديوش كانتور) وغيرهم ممن تمحورت تشكلات تجاربهم في رحم التجربة الطليعية مسرح (ما بعد الحداثة)، و لما كان النص في ما يسمى بمسرح(ما بعد الحداثة) قد عمد إلى التمرد  على التراتبية وتشتيت البؤر و إقصاء المركز بالإزاحة و التمرد على الثوابت النصية ومرجعيتها ، وما إلى ذلك من آليات استند إليها هذا الخطاب ( الما بعد الدرامي ) المتمرد و المغادر للسطوة الأرسطية  التي فرضت هيمنتها على الخطاب المسرحي العالمي، دهورا و هي ترسخ الحكاية و البنية الحديثة و عناصر الصراع و مصير البطل ، و غيرها من قوانين كان قوامها قوانين (النظرية الأرسطية ) ، ولعل المتتبع التاريخي لهذا التمرد يرى انه بدأ منذ أول خروج على بنية النص ، أي منذ ( بريخت) و اجتهاده في تشكلات نصه الملحمي ، لا بل منذ(ماير هولد) في أول تعرض تصدى من خلاله إلى شكل العرض وأشتغل   على مجابهة الإيهام التقليدي ، في صورته  المسرحية كعرض جنح فيه إلى ألأسلبة و التمرد على هيئه وشكل العرض والذي  انسحب على أداء الممثل، وبالتالي استقطبت هذه الخصوصية اهتمام المنظرين و الملتقي المسرحي لتنتج موقفا (لاايهاميا) في العرض  يؤسس لقصدية اشتغال على آليات جديدة لذا, ومن اجل السعي إلى رصد آليات اشتغال تتناسب و المعطى الجديد (مسرح ما بعد الدراما) الذي هو بالتأكيد لا يلغي و إنما يضيف شكلاً حدا ثوياً معاصراً إلى الأشكال المسرحية السائدة التي ربما سبقته أو تزامنت معه إلى تحقيق هذه الإضافة، من خلال أشكال مسرحية أخرى مجاورة مثل (الكيريو كرافي) وغيرها في الفنون الأدائية التي عدتها بعض الدراسات إشكالاً (لا مسرحية) و أيضا لتمردها على القاعدة التقليدية للعرض وغيرها. 
        وعلى مستوى النص فأن بعضاً من الدراسات التي اشرنا أليها والتي عنيت ب(ما بعد الدراما) قد انتخبت نصوص (هاينر مللر) كأنموذج وصنفته في اتجاهين هما (ألما بعد درامية) و اتجاه أخر أسمته ب(الوسيطية)
و التي اجتهدت بوصف الاتجاهات في المسرح منذ بداية الستينات من القرن الماضي بوصفها بديل لجماليات المسرح التقليدي أو فنونه الأدائية التقليدية... بينما تمكن خصوصية هذه النصوص في( ما  بعد الدراما) في فرادتها في الاستخدام للعلامة المتحولة بنيويا في العرض المسرحي و باتجاهين احدهما يصبح فيه حضور العلامة تشاركياً و تفاعلياً مع مجموعة من التمثلات اللغوية و آخر تنتج فيه العلامة أكثر من دلاله عبر التواصلية التاريخية للتجربة المشتركة.
          ولعل هذا النوع من النصوص(ألما بعد درامية ) تتصدى إلى عملية أنتاج المعنى
لذا فهي في هيئتها العامة و في عروضها تعمل على إلغائها وتسعى إلى أن تهشم الحبكة و سريانها بوصفه نسيجاً بنائياً تقليدياً رابطاً, وكذلك الاحتفاء بما  كان يسمى ب (الثغرات) التي يملئها  الملتقي، بمعنى أن مسرح( ما بعد الدراما ) لا يعول على قابلية القراءة  وإمكانية الفهم بقدر  ما يركز على الفضاء العام للنص  مُغيباً فيه أي اثر للشخصية و تاريخها و إبعادها الدراماتيكية، و مغلباً على ذلك كله ، الأداء التمثيلي و تراكيبه الجمالية التي على المتفرج ان يلتقطها من فضاء العرض، الذي يعول فيه كثيراً على السينوغرافيا بوصفها (معادلاً بصرياً) جديداً يتعالق مع الأداء، و يجب على المتفرج أن يجتهد في صياغة عمق التعالق  بينها وبين الأداء  التمثيلي في فضاءٍ يتداخل فيه اشتغال التقنيات أيً كانَ نوعها للوصول إلى بُنى عميقة قابلة للتأويل في زمن إنتاج العرض، و هذا أيضاً متصل بالتجربة العملية و الإدراك الحسي للملتقي في احد إطرافه, و بهذا فأنَ هذه الدراسات في حدودها العامة تشير إلى التركيز بالتساوي على الفاعل و المتفاعل في هذا الشكل و الفضاء و اشتراكهما في الإدراك و ردود الأفعال الذاتية على حدٍ سواءْ،  لذلك وجدت أن قراءة الأداء تستدعي منهجاً ظاهراتياً أكثر منه سيميائياً لأتصال الأول بالتجربة العملية على أفق التوقع ،والتي تسند اليها (نظرية التلقي)،  ذاك لان المعنى في عرض (المسرح  ما بعد الدرامي ) هو في حالة تغيير مستمر و حيوية متجددة جعلت البعض يدعوه ب (مسرح الحالات) كونه لا يستهدف خلق عمل متماسك ، قابل للفهم، سهل التناول ، بل يسعى إلى تقنيات التشظي ، و التوحد ، و التزامن ،و كثافة العلامة الباثة لذا، فهو يطالب بعلاقة فعاله ونشيطة مع الجمهور الذي يجد فرصة لمعالجة الأحداث الآنية و تأويلها و فهمها خارج سياقها الثقافي أو الاعتماد على الموروث العالمي( ) إنها القراءة في لحظة التلقي أو ما يمكن أن نسميه ( بالتلقي الحر ) و الفعال الذي يشيد تراكيبه و يعيد إنتاجها أنياً على وفق معطيات التشتت أوما أسمته  الدراسات بالطابع (التشذري) للتركيب ، فهو كما يشير إليه (محمد سيف) في مداخلته مستفيداً من دراسته ل (هانز ليهمان)_ (ما بعد الدراما) يهدف إلى خلق تأثير لدى المشاهدين أكثر من التزامه بالنص حيث تختفي فيه الحبكة تماماً ويركز في أكثر إشكاله أو صوره على التفاعل بين الممثلين و الجمهور ، انه المسرح الذي لا يركز على الدراما بقدر تركيزه  على تطور الجماليات الأدائية التي من شأنها أن تقدم شكلاً فيه من المغايرة و العلاقة الخاصة بين النص و موقف الأداء المادي و خشبة المسرح ( )
وعليه فأننا نستشف من كل ما تقدم بان أهم آليات هذا المسرح، إن اختص بآليات فانه يستدعي الاجتهاد في خلق المعادلات الصورية المغايرة سواء كان من خلال الجسد آو ما يمتلكه في ثقافة جديدة و خاصة في هذا الأداء آو من خلال السينوغرافيا وما يمكن أن تحققها من ايحاءات  تشذرية أو طابع تشذري في التراكيب الجمالية التي تنبثق عن تعاضد جمالي يحققه (جسدالحركة)على المسرح في الزمان و المكان أن هذه الصورة الديناميكية المغايرة هي التي تمنح جسد الممثل بذاته أهميته و حضورهِ الفاعل في التشكيل البصري الخلاق الذي  يعتمد وجوده ذاتياً في خضم هذا التشكيل،  اذ يشير كتاب (مسرح ما بعد الدراما) إلى هذه الذاتية للجسد في حضوره (الجسد_الحركة ) بوصفه رافضاً لدوره كدال ،و يكتفي بتفعيل حضوره الذاتي الذي يجعل من الممثل سبباً ونتيجة في حضور فاعلية التلقي عند المتفرج .
مسرح(ما بعد الدراما) طقس يسعى الى تغيير المتفرج، و الفضاء فيه يتحول الى استمرار للواقع ،ولهذا فهو مسرح ملموس يعرض نفسه عبر الفضاء الزمن و الجسد ، هو اطار احتفالي لا مرجعية له ، كما إن العلامات المسرحية تبتعد فيه عن دلالاتها بحسب (هانز لهمان) فالوسائل المسرحية لا تخضع لأختبارات تراتبية ، بما في ذلك العلامات, وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال صياغات جديدة لدور الممثل بثقافة أدائية جديدة لأن أهم آليات هذا المسرح هي العمل على أبراز عناصر مسرحية محددة دون غيرها باستثمار الإمكانيات المتاحة التي يوفرها فضاء العرض من زمان و مكان و جسد و صوت، و ما يمكن إن ينبو عنهما من تعالق في ادائاتها لتشكيل الإيقاع العام الذي لا يهدف إلى تحقق شمولية التركيب الجمالي و إنما العمل على اضفاء (طابع تشذري) لهذا التركيب من شانه ان يتيح فرصة للمتلقي في اكتشاف عالم جديد من ناحية و فرصة  لمبدعي العرض في تأكيد الحضور لقدرات إبداعية متجددة ،كما انه يؤمن فرصاً واسعة لتطوير مكونات و عناصر المسرح باستثمارها بشكل جديد ومتطور في وسائله، ولعل ما أشار إليه مؤلفو كتاب (مسرح ما بعد الدراما) في مقارباتهم الأربعة ، يؤكد أجماعاً  على انه مسرح لا يهتم بالصراعات بقدر ما يعنى بوسائل التعبير عنها ، ذلك لان الزمن فيه هو مركز العرض ، مع انه مسرح لا يرتكز على مبدأ الحدث و الحكاية ، وإنما  يقدم موقفاً أو حالة 
يظل الفضاء فيه عنصراً فاعلاً وليس محايداً بعد إن تتعطل فيه الفعالية الحدثية للنص لتبرز هيمنة و اهمية السينوغرافيا .( )
كأنه مسرح (charisma) ، مسرح حضور لأن فضاء الأداء الذي ينشده هو فضاء حضور الممثل بذاته و فضاء السينوغرافيا هو الحضور ألتأثيري للإيحاء بالمكان، و حتى في علاقته مع البنية الدرامية و مرتكز ها الصراع فهو يشتغل على حضور الوسيلة و ليس الصراع بأقطابه المصطرعة فضلاً عن انتفاء عنصر الحدث و التراتبية فيه ، والحضور الشرطي للزمن بوصفه  فاعلاً في احتواء آليات ( ما بعد الدراما) . 
وعليه فأن محاولة ترسم شكلاً محدداً لآليات مسرح جديد مثل ( ما بعد الدراما) سيظل أمراً ترافقه بعض الصعوبات في الفرز على قدر أهمية الآمر ،اذ  يستدعي ذلك  فضاءاً للاشتباك بينه وبين بعض الأشكال الأخرى من أشكال ما بعد الحداثة  والنظر اليه بخصوصية كونه مسرح اسفر عن تمرده  على المعاير الدرامية ويتسم بالسعي للتخلص منها كشرط لوجود الحدث المسرحي الذي ظل مهيمناً ومن دونما سعى للتخلي عن المفاهيم والمتعلقات المسرحية المتصلة به .. وهذا لا يمكن تحقيقه تماماً إلا بالاكتفاء بعده شكلاً من إشكال المسرح (ألما بعد الحداثي ) الذي يسعى الى الانفراد بموقف جمالي في العرض المسرحي يتمركز في موضوعة الفضاء الحضوري التشذري للتركيب المسرحي عموماً و في مقدمتها  :    
_ اشتغاله على الآليات الأدائية التي يمكن أن تمنحه خصوصية و بالتالي تعالق هذه الآليات و اشتغالها مع آليات أداء الممثل ،كما انه مسرح للاشتغال على آليات التلقي ،و يطمح أن يفعلها في المشاركة الآنية لمعطيات العرض الجديد مع عملية القراءة و التلقي  و مشتبكاً معها بموجهات يفرضها الحضور الجديد لفرضية العرض في مسرح(ما بعد الدراما) ، وعليه فأن رصيد آليات مسرح (ما بعد الدراما ) لا يخلو من اشتباكات فنية و تقنية تستدعي وقفات تفصيلية عند الدراما وبنيتها المتجذرة و مسرح ما بعد الحداثة وجميع تطورات الفنون الأدائية المعاصرة. 

-----------------------------------------
المصدر : كلية الفنون الجميلة 
تابع القراءة→

الخميس، يوليو 07، 2016

نص شعري موسقي عربي على خشبة مسارح اوروبا ..حوار مع المسرحي صلاح الحمداني

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الخميس, يوليو 07, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

لايزال الشاعر والفنان المسرحي العراقي صلاح الحمداني، برفقة عازف العود الفنان احمد المختار والممثلة الفرنسية فردريك بارياس، يحيون حفلاتهم الموسيقية الشعرية، على خشبات مسارح العديد من المدن الاوربية. وفي مدينة تورينو الايطالية كانت لهم امسية نالت اعجاب الجمهور الايطالي ونقاد الصحافة المحلية التي اشادت بروعة العمل الفني الشعري الممسرح، والذي تناول صلاح الحمداني من خلاله نصوصه الشعرية، عن مدينته الاثيرة بغداد.

يدرك هذا الشاعر الفنان (المسرحي) أعباء الكلمة، في نصه الشعري، ويعي مسؤولية الابداع فيه، ومن ثم فانه لم يسقط في عقدة المثقف المحبط، بل يسلك مع هذا النص ليشخص حالة التداخل التي تعيشها ذاكرة مدينة، وهي تداهم الجميع واينما كانوا بفضائع الرعب والالم والموت اليومي، ليخرج، بحمم شعرية، وعبارات نثرية، عربية وفرنسية، ما اختزنته ذاكرة المدينة الجريحة، وهي تجوس بين مرابع الشباب والحنين، فيطل علينا وعليها كاتب هذا النص الشاعر والفنان صلاح الحمداني، على ذكرى الحاضر، يلونه ويضبط إيقاعاته، وكأنه دفق الذاكرة المثلومة، الثائرة، ليجرف المشاهد الى الرؤية الداخلية الصادرة عن معاناة الابن الذي يريد أن يستحضر معه كل أمكنة مدينته في الآن نفسه، بحثا عما يسند الذاكرة ويبطل زيف المدعين والارهابيين مشوهي التعايش وحوار الثقافات لكل الطوائف والاثنيات التي عاشت وتآلفت فيها.

تتبلور وترسخ طريقه صلاح الحمداني في الكتابة ونسج رؤيته الحياتية المستمدة من ذاكرة تلك المدينة وعيشها، وكأنها حالة استيقاظ لحضور الزمن بكليته، والشعور بالفاجعة بكل ملامحها ومناطق وجعها وندوبها لرؤية الأزمنة والشخوص التي تتحاذى وتتجاور، بينها وبين الأمكنة، فهو لا يكتب ليحكي أو ينقل مشاهدات واحداثا، بل ليلتقط "حياة مدينة" وتجربته مع ذاكرتها، مع الحلم، وتناقضات العيش فيها، مع اسئلة الوعي والكينونة.

هناك في بغداد الحبيبة على قلب الشاعر، شرك الحياة الذي لايخطاه صلاح الحمداني بمجرد اصطناع البلاغة الشعرية والتعامل الخارجي مع اللغة. على العكس، يخوض الشاعر مغامرة الكتابة نثرا وشعرا، عربيا وفرنسيا، بعد ان غربل الاحداث ورتب المشاهد، واضاف لها ما كتبه قبل سقوط النظام البائد، وتلك التي كتبها ايام عودته للقاء مدينته بعد ثلاثين عاما من الغياب البعيد، وأضاف ما يصيبها الان من ايام عجاف، حيث ينتزع اعدائها كل حجارات الماضي من جدرانها العريقة لتفتته بنادقهم الهمجية. انه يخوض الكتابة منفتحا على مسالكها ومتاهاتها، وحريصا، في الآن نفسه، على ان يرسم ملامح العذاب الكامن وراء تجربته الكتابية عن مكان وزمان اسمه بغداد.

لقد كان صلاح الحمداني مثيرا للانظار وهو يقف على خشبة المسرح بصوته الجهوري البديع، جاء الى الشعر والمسرح بعد تجربة سياسية طويلة، وفي فترات تاريخية تبددت خلالها شروخ مجتمع كان يركض نحو الفاشية، حيث عجز الخطاب السياسي المكرور امام التحولات الاجتماعية السريعة والمعقدة التي كانت تمر بها بلاده. هاجر، إذن، إلى الفن، ومعه حصيلة حياة زاخرة بالاحداث والنضالات، غنية بخصوصيتها من خلال انتماءه إلى واحد من اعرق الاحياء الشعبية (محلة الفضل) في المدينة، ليهرب فارا من جحيم البلاد، الى مدينة باريس، المستندة إلى ثقافة عالمية واسعة وحساسية مرهفة. وستكون ذاكرة المدينة، "سماء مفتوحة" حتى الآن بطفولتها ومراهقتها، بتقلباتها ومسؤولياتها، بانكساراتها وأفراحها، هي الإطار العام الذي استمد منه صلاح الحمداني مادته الشعرية، لا بهدف إعادة تكوين بيئة، أو تأريخ قوم، أو تصفية حساب مع أحد، وإنما لاستعادة صوته الحقيقي الضائع وسط الحنين والشوق الذي يتحرك بداخله يوما بعد يوم.

في هذا العمل الشبه مسرحي، الشبه شعري، الشبه موسيقي، والذي لم يسبق لاحد ان قام به على هذا المنحى الجمالي، تكون الشهادة الجريئة الحالمة والتي تتميز بوعيها النقدي لتستوحي تجربة إنسان وتضعها موضع التساؤل، وتتخذ منها مادة للتخيل والانتقاد والحنين.

لقد استطاع صلاح الحمداني أن يكسر رتابة السرد من خلال انجاز تشخيص ادبي شعري للغة وهو ينقل للمشاهد ملامح المدينة ومناخاتها وطبيعة العلائق، وهذا ما يفسر لنا حرصه على ادراج العبارات العربية مخلوطة مع العبارات الفرنسية على شكل ابيات شعر وعبارات محكية، ويكتسي الوصف والاهتمام بالتفاصيل القديمة والجديدة مكانة اساسية عند الشاعر، لانه يعي بان الفضاء متصل بالعيش المحفور في ثنايا الذاكرة، مما يجعله حريصا على تشخيص التضاريس المبرزة لخصوصية المحيط البغدادي. وكل ذلك يجعل نص (بغداد سماء مفتوحة) نصا روائيا شعريا كثيفا، مركبا، شفافا وعميقا في آن. وإذا كان هذا النص الشعري المسرحي المرسوم باقتصاد ودقة ولقطات ساحرة وساخرة، تملأ فضاء العمل بالحياة والحركة، فان شخصيته على خشبة المسرح جنبا الى جنب الموسيقار المبدع أحمد مختار، والممثلة الفرنسية فردريك بارياس، ببعديها الرمزي والواقعي، تظل هي المتكلم الاول في النص، متكلم يبلغ كل قيم الوفاء لمدينة لازال حبها يمتلك قلبه، أنه شهادة ضد اجتثاث مدينة تاريخية عريقة وجميلة، وضد تحطيم ثقافتها، وضد الكراهية، وتقتيل الابرياء، انه يغني الحب والتآلف والتعايش المتفاعل بين كل البشر.

لقد استطاع صلاح الحمداني في "بغداد سماء مفتوحة"، أن يؤكد، أهمية الكتابة التي لاتنساق وراء إغراء سهولة الصنعة، ولا تخشى استيحاء الموضوعات الساخنة الملتصقة بحياتنا اليومية، وهو بذلك يسهم في إحياء ذاكرة مدينة.

بعد انتهاء العرض الذي قوبل بالتصفيق من قبل الحاضرين، التقينا بالشاعر والفنان صلاح الحمداني.

لماذا اخترت اسم بغداد سماء مفتوحة على هذا العمل الشعري المسرحي؟

اسم العمل مستوحى من عنوان مجموعتي الشعرية التي كتبتها عام 2006 باللغة الفرنسية وصدرت من قبل دارين للنشر هما "النرد الأزرق" الفرنسية و"الكتابة المنصهرة" الكندية. وباعتقادي أن اسم هذا العمل قريب جدا من واقع العراق اليوم. فعلا أن هناك عملية مخاض محتدمة وعصية وعلى كافة الاصعدة، فالمستقبل مفتوح على مصراعيه، وأن سماء بغداد زرقاء ومنفتحة على كافة الاحتمالات، رغم كل ما يحدث من خراب.

هل يمكن تصنيف عملك هذا بالعمل المسرحي؟

العمل ليس عملا مسرحيا بالمعنى الحرفي للكلمة، بل اننا استفدنا لتقديمه على وسائل وأدوات المسرح، مثل استخدام خشبة المسرح، الانارة، التسجيل الصوتي، وعرض  الصور (السلايدات). أما النص الذي يقرأ، فهو مستلهم عن مجموعة من النصوص المكتوبة نثرا وشعرا، عربيا وفرنسيا، وأيضا، من نصوص كنت قد كتبتها بالفرنسية وترجمتها إلى العربية، غربلتها ورتبتها، وحتى أضفت لها بعضا من تلك النصوص المكتوبة والمنشورة قبل سقوط النظام الديكتاتوري السابق في العراق، وكذلك قسما من تلك التي كنت قد كتبتها ايام عودتي للقاء بغداد والاهل بعد ثلاثين عاما من المنفى، وزودتها ايضا بما كتبته باللغة الفرنسية في بغداد وارسلته عن طريق "الانترنيت" وأصدرته بعد رجوعي الى فرنسا في كتاب فني حمل عنوان "قصائد بغداد". العمل بمجموعه أعد بعقلية اختيارية منتقاة، هدفه خلق وعكس حالة درامتيكية وحسية لمسيرة إنسانية عراقية، تمثل حقبا ومراحل مختلفة من حياة منفي عراقي بقى مشدودا بحنين الانتماء الى مكان الولادة الأولى "بغداد". بغداد المكان، وبغداد الروح، تلك المدينة التي لازالت تصارع من أجل الثبات في مكانها، كجسد أسس بجذوره عميقا في تاريخ البشرية، وذلك رغم كل ما أصابها من مسخ وتصدع في بنيتها الآدمية، جراء الحروب والطغاة، واليوم الاحتلال والارهاب البعثي السلفي، اللذان يلهبان حتى التراب.

إلى أي حد ساهمت موسيقى العود للفنان احمد مختار وصوت وحركات الممثلة فردريك بارياس في تهيئة هذه الروح الجديدة لنجاح مثل هذا العمل الفني؟

إن ما يميز هذا العمل إبداعيا وفنيا، هو امتزاج موسيقية آلة العود مع اللغة الفرنسية والعربية وتقاسمهما مع الشعر الحديث. والآلة هنا لاتشكل فقط حضورا "نوتات موسيقية" للطرب، كما اعتاد عليها غالبية الموسيقيين عمله، بل هي مقاطع ألفها الموسيقار احمد مختار خصيصا لهذا العمل، حيث جعلها تحاكي وتحاور النصوص دراميا، موسيقى تحاور وتنصهر مستفادة من أصوات وأداء الممثلين والإنارة الذكية، التي كان لها هي الأخرى دورا مكملا لعناصر العرض. وتخلل العرض مقاطعا موسيقية إبداعية، اسميها الموسيقى "الطارئة" المباشرة على المسرح. من هنا جاء حضور الموسيقار احمد مختار برفقة آلته "العود" فوق خشبة المسرح، أي انه عنصرا حيويا ومسرحيا، يرافق لهثة القراءة، ولكنة اللسان.

موسيقاه تتعاطاه ويتعاطاها، مع نبرة الصوت، نطق الكتابة مع الحرف العربي والفرنسي، بين الفارزة والهمزة، تأتي حركة الممثلة الفرنسية ونطقها الاصيل بلغتها الأم الفرنسية، ونطقي العربي، مما يغني علاقتنا بين آلة العود، أحمد مختار، فردريك برياس، وحضور صوت وكيان كاتب النصوص جسديا، لغته العربية ولكنة لسانه وهو ينطق الحروف الفرنسية، والجمهور.

 ليس كتابك الأول بالفرنسية الذي يحمل أسم بغداد كعنوان يتصدر الأغلفة، ما سر ذلك؟

بعد إصدار أكثر من عشرين مجموعة شعرية، وبالتتالي مرة بالعربية ومرة بالفرنسية أو ما كنت أترجمه من قصائدي العربية إلى الفرنسية، وكثيرا من الأحيان أتطرق في هذه المجموعات هنا وهنا إلى بغداد مدينة ولادتي. أخذت أفكر فعلا بأن "بغداديتي" تختلف تماما عن من كان يتحدث ويتبجح بها، دكتاتوريا كان أو قزما مصفقا بشوشا برعونة هذه الدكتاتورية، وحينما وقفت ضد الحرب، ليس دفاعا عن زمرة لصوص شوارع وعصابات بدوية متخلفة دمروا حضارة العراق ونهبوا خيرات العراق وأثار بابل وذلك قبل مجيء المحتل الأمريكي. وإنما كأن من أجل ناس بغداد وظلالها وبيوتها وأزقتها ونهرها العظيم دجلة. والسبب الأخر يعود إلى ازدرائي من الصراع العراقي العربي السخيف الذي لا زالت تدور رحاه بين المثقف والسياسي، وتبجح وتتطاول بعض السكارى والمخمورين من الشعراء العراقيين على الأديب الملتزم، وترويجهم المبطن لأفكار فاشية، أخذت على عاتقها تمزيق مفهوم الالتزام السياسي للمثقف والشاعر، حيث وصل الأمر إلى بعض حشاشي الشعر والأدب إلى محاربة الشاعر المناهض للقمع والاضطهاد السياسي، والإشارة إليه بأصبع الاتهام كونه ملتزم بالدفاع عن حرية الناس ومصادر رزقها، وغلق أبواب النشر بوجهه، واتهامه بالكتابة المباشرة، اللامبدعه، ضيقة الأفق، وعدم الحديث عن كتبه ونتاجه وعدم دعوته للمحافل الثقافية العربية... لقد جرى ويجرى استنكار الأديب العربي الملتزم. بالمقابل فتحوا الأبواب والنوافذ على مصراعيها بالجوائز والمقالات الرنانة الفارغة على من هب ودب من الشعراء الذين لا يتمكنون الكتابة إلا وهم في حالة سكر، ولا ينطقون أدبا إلا من خلال ما تعكسه عليهم مخيلتهم المخمورة . فما عليك، يا صاحبي، كن أهبلا وأكتب حماقات هلوسة، كن أرعنا حتى، وستكون شاعرا يكتب عنك الدونيين. من هنا أردت أن أبين وعلى جميع الأصعدة أن وضع بغداد كعنوان لأكثر من كتاب شعري، وباللغة الفرنسية، مثل: مقبرة العصافير، بغداد حبيبتي، والعودة إلى بغداد، وبغداد سماء مفتوحة"، كل هذا هو نوع من الالتزام الأخلاقي والسياسي، فأنا كنت ولا زلت نقابيا في فرنسا، ومنظم في حزب يساري فرنسي، وأملك اليوم وسام شرف أكثر قيمة من الشعر، أقصد أعوام المنفى الطويل بسبب نضالي ومناهضتي للطغاة ،وأين ما وجدت، خصوصا تلك التي تربت وأكلت من ولائم مذابح الدكتاتورية المقبورة في العراق. علما أن مجموعة "بغداد سماء مفتوحة" رشحت إلى عدة جوائز أدبية في فرنسا وبلجيكا، وترجمت إلى الإنكليزية وستصدر العام القادم ضمن مختارات من نتاجي الشعري والنثري في أمريكا سيحمل عنوان بغداد حبيبتي، وقسم منها ترجم إلى الألمانية والأسبانية والعبرية. وأقول لك، أن سماء بغداد وعلى الرغم من كل ما جرى وسيجري هي صافية زرقاء من دون صدام وحاشيته!

 أدرجتك انطولوجيا الشعر الفرنسي الحديث لهذا العام ضمن شعرائها. على من يستند هذا التصنيف؟

لا شيء يجبر العاملين على انطولوجيا للشعر الفرنسي بوضع أو حذف شاعر ما. فهم ليس شعراء ومثقفين عرب، يتعاملون مع النتاج الإبداعي على أسس العشائرية والمحسوبية والصداقية العائلية، والوصايا السياسية. وهم بعيدون عن المصلحة الذاتية الضيقة الخ. هؤلاء لا يقلقون على وجودهم الشعري حينما يقيمون فكريا شاعرا ما، بخلاف ما نراه من كم لأنطولوجيات العربية والعراقية، التي ليس فقط تتنكر على حقوق المبدع، وإنما تلغيه من الوجود تماما، وذلك دوما على حساب "الطبطبة" على الأكتاف وضرب الثريد، وتجارة الخبث والربح المادي وطريقة "أكتب عني أولا ومن ثم سأكتب عنك"، وهي طريقة همجية تجعل المبدع الذي لا يفقه قواعد لعبتهم السمجة هذه، يموت مرات عدة، أكاد أقول يقتلوه عمدا وتكرارا. فلا الثقافة العربية ولا مثقفيها وصلوا إلى التقييم الأخلاقي في الأقل لما هو موجود حقا من نتاج فكري عربي، قد ذهب بعيدا بتجاوزه لتلك العقلية الجامعية الصحفية البائسة، "والتصفيط" اللغوي، الذي يسخر من عقلية القارئ.. أقصد من هذا، يتمكن الشاعر القادم من بلادنا أن يعيش خمسين سنة في محيط غربي، لكن تبقى آفاقه مردومة وعقله غير نشط وحتى أحيانا يصل إلى نوع من البدائية المقفرة، تراه حتى يفقد إنسانيته، ومرات كثيرة تجده معلنا وبنشوة مريضة هندسته الفكرية بكيفية اختياراته بين الجثث، ولا يفرق بين الضحية والجلاد، ولا يدرك أهمية حياة الناس والشعوب. بصراحة أيها الصديق، ما هو منعش للفكر وتطوره الثقافي بمفهومه الآدمي، أنني لا أعرف مؤلفي هذه الانطولوجيا، ولكنهم قرؤوني واختاروني، ولم يوقفهم لا أسمي العربي ولا مناهضتي العلنية في فرنسا لدكتاتورية صدام وموقفي ضد الحرب على العراق، ناهيك عن وقوفي اليومي هنا بتعرية الإرهاب ومسببيه الحقيقيين الذين يمزقون أجساد أهلي هناك في واد الرافدين، ويكاد يضرب حضارة الغرب.

فالمؤلفون لم يشطبوا على قصائدي الفرنسية بحجة أن هذا الأديب والشاعر هو عراقي منفي سياسيا، ويعلن الحرب على الحرب، ولم يضعوا خطا أحمرا على أسمي لأنه لا يمت بصلة بأسماء أبنائهم الحقيقيين وأدبائهم، فهم لا يتعاملون مع الشعر كما نتعامل نحن به في منهاج عقليتنا العربية ، ولا يقلقون على وجودهم الشعري والإبداعي "كشعراء وكتاب" حينما يختارون شاعر أخرا، ويتحدثون عنه بعيدا عن المصالح الآنية التي تفسد الإبداع الشعري. وحده النص وجمالية الشعر تعبيريا كما يبدو ما جعلهم يختاروني، وهذا ما كان في حسبانهم، وأن دل على شيء فيدل أن هناك آدميين بالعالم، وأن الثقافة بمفهومها الكوني لا زالت بعافية.

 ممكن أن تحدثنا عن مشاريعك وكتاباتك القادمة؟

ما هو مؤسف أيها الصديق، أن كتابي الروائي السردي "العودة إلى بغداد"، الذي كتبته باللغة العربية، ويتطرق إلى عودتي إلى بغداد بعد ثلاثين عاما من المنفى، لرؤية الوالدة والأهل، لم يصدر للآن، وقد رفضته دار المدى العراقية في سوريا بحجة أن الرقابة لا ترخص طبعه. علما أنه صدر باللغة الفرنسية وسيصدر باللغة الإنكليزية ويترجم حاليا إلى الألمانية. جاهز أيضا للنشر وبالعربية كتابين "وداعا يا جلادي"، و"لم يعد يتذكرني أحد هناك"، وهن كتب سردية روائية شعرية، وكتاب أخر، قصائد هذه المرة بالعربية، تحمل عنوان "أوهام الحضور"، ومجموعة كتبتها باللغة الفرنسية ولكني لا زلت أعمل عليها، وفيلم بالفرنسية سينتهي تصويره بعد أشهر في باريس، يتحدث عن تجربتي الإنسانية كعراقي منفي وشاعر وفنان مسرحي يعيش منذ زمن طويل في فرنسا.


-----------------------------------------
حاوره: موسى الخميسي - العربي الجديد 

تابع القراءة→

الثلاثاء، يوليو 05، 2016

"عطيل شكسبير" يلبس ثوبا مغربيا يهوديّا بأمريكا

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يوليو 05, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

قام مغني الأوبرا الفرنسي ومنتج المسرحيات الغنائية دافيد سريرو بإعادة تشخيص دور بطل المسرحية التراجيدية "عطيل"، للكاتب الإنجليزي وليام شكسبير، والتي أعيدت صياغتها بطريقة مغربية يهودية، هذا الشهر بمركز التاريخ اليهودي في مانهاتن الأمريكيّة.

وحسب موقع "جيروساليم بوست" فإن المسرحية تتألف من خمسة فصول، تدور أحداثها بين البندقية وقبرص، ويعتقد أنها كتبت سنة 1603، وهي مستوحاة من قصة إيطالية بعنوان "النقيب المغربي"، كتبها سينثو، تلميذ جيوفاني بوكاتشو.

وتدور أطوار المسرحية حول أربع شخصيات رئيسة، هي عطيل، الجنرال المغربي في جيش البندقية، وزوجته ديدمونة، والملازم كاسيو مساعد عطيل، وحامل الراية ياجو المنافق؛ كما تتنوع مواضيعها بين العنصرية والحب والغيرة والخيانة.

وفي قراءته للمسرحية، يقيم الموقع الإسرائيلي الشخصية البطلة بنحو إيجابي، رغم الاختلاف العرقي، وهو أمر غير مألوف في الأدب الإنجليزي بزمن شكسبير، إذ تحكي المسرحية قصة مواطن مغربي أسمر البشرة، اسمه عطيل، وهو شخص وصف بكونه أمينا وصريحا ومحبا للخير، بالإضافة إلى تميزه بالتواضع ونبذ الخيانة.

وقبل الشروع في العمل، قام دافيد سريرو بإحاطات واسعة همت تحليلاتها المسرحية وشخصياتها، كما حرص على إدخال مجموعة من المكونات ذات الطابع المغربي اليهودي، كإيقاع "الدربوكة" في التركيب الصوتي، باعتبارها آلة القرع المستخدمة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط والبلقان.

وتحضر العبارات المغربية بشكل لافت في هذه المسرحية، ويتم تداول عدد منها في الحوارات، إذ تمت إعادة إخراجها وفق قالب يهودي مغربي، "يحتاج أيضا إلى تبسيط اللغة وتغيير بعض التفاصيل"، على حد تعبير "جيروساليم بوست".

ومن أبرز التغييرات التي طالت المسرحية مسألة تمثل الشاي في الثقافة الشعبية المغربية، كأبرز المشروبات التي يتناولها المغاربة، وهذا ما دفع بالقائمين على العمل الفني إلى استبدال "المشروبات الروحية" بالشاي في أحد مقاطع المسرحية.

التغييرات التي طرأت على المسرحية تجد لها عددا من المبررات لدى دافيد سريرو، الذي اعترف باستبدال بعض المقاطع من أجل تيسير المسرحية بشكل أكبر، موردا أن أفضل ما يميز أعمال شيكسبير هو إمكانية تكيفيها مع مختلف السياقات الثقافية .

ولم يخف الفنان الفرنسي رغبته في نشر أعمال شيكسبير بشكل أكبر، وعلى نطاق واسع، نظرا للإنتاجات الكبيرة التي قدمها في مجال المسرح الغنائي، وتحديثه أعماله، لكي تتلاءم مع التطورات التي عرفها العالم.

---------------------------------
المصدر : هسبريس
تابع القراءة→

الأحد، يوليو 03، 2016

«جوهر في مهب الريح»: 19 سجيناً تديرهم زينة دكاش في عنبر بسجن رومية

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, يوليو 03, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

«جوهر في مهب الريح»
إنه عنوان المسرحية الجديدة التي تقدمها المخرجة زينة دكاش في أحد عنابر سجن رومية بمشاركة 19 سجيناً مصابين بأعراض نفسية مختلفة همهم العمل من أجل الفوز بتعديل أو إلغاء مواد في القانون تتعلق بالمحكومين مؤبد، أو لفترات طويلة، لذا كان طبيعياً دعوة عدد من القضاة للاستماع إلى حقيقة الشكوى المرفوعة، وقد لبى عدد منهم الدعوة، وتصدروا الحضور الكثيف في قاعة ضيقة وصلنا إليها عبر باصات عسكرية خاصة جرى تحضيرها لهذه الغاية، بينما كانت المسرحية السابقة تقام في قاعة أفضل نسبياً في مكان قريب من المدخل الرئيسي.
غلب على الحضور الطابع النسائي. وهناك من أدمعن على بعض روايات السجناء عن واقعهم وعما حل ببعض زملائهم، ومنهم إثنان قضيا مؤخراً بالسرطان، ومن الملامح المطلوب التعامل معها، النظر إلى الحالات اللانسانية ببعض الرأفة، خصوصاً مع وجود أمراض مستعصية على الشفاء، فلماذا ترك المحكوم يفني كل عمره في السجن، مثلما وصل مؤخراً مع نموذج عاش 45 عاماً في السجن ثم مات.
المطلوب تحرير هذه الحالات عندما تستقر أوضاعهم الصحية وإرسالهم إلى بيوتهم في الحياة المفتوحة، وما أن باشر الممثلون يقدمون مطالعات وشروحات عن أوضاعهم عمد عدد من الحضور إلى أخذ ملاحظات على دفاتر صغيرة تمهيداً لنقلها إلى غرف مقفلة تبحث في إمكانية تعديل أو إلغاء بعض القوانين رأفة بمن هم في عداد الأموات.
19 سجيناً توزعوا الكلام والشكوى والصراخ وعرض الحال والمفاتحة، فقالوا كل شيء تقريباً، وصوت زينة دكاش لا يغيب، تصوب بعض المعلومات وتنبه هذا الممثل أو ذاك إلى طبيعة الدور الذي تدرب عليه وأتقنه فلماذا ينسى، ولماذا لا يتذكر ما أعاده عشرات المرات قبل الإفتتاح.
ونجزم أن إثنين على الأقل من المشاركين يعتبران اكتشافاً فنياً مميزاً هما لاعب شخصية: معك ولعة، والرياضي الذي غنى بصوت جهوري معبر. وهذا يعني أن إمكانية الفوز بمواهب، واردة حتى مع سجناء. وفي حديثنا مع المخرجة زينة بعد العرض أكدت أنها إشتغلت على الممثلين وقتاً ليس قصيراً لكي يصبحوا على ما هم عليه من إجادة وعفوية أسهمت أكثر من مرّة في تصفيق حار من الحضور، وبدموع من بعض الصبايا على ما سمعنه من وجود بعضهم في السجن من 31 عاماً، أو 27 عاماً وهم يتوقون ويأملون في بناء حياة جديدة خارج الأسوار.
وتكمن أهمية الشهادات والأدوار التي يؤديها السجناء، في صدق الحالات، والإشارة النموذجية إلى مكامن المعاناة، وكيفية المعالجة، ولاحظنا أن معظمهم إمتلك قوة حضور متميزة وبدأوا يتصرفون كالفنانين المحترفين، الذين يلاحظون الاهتمام بهم من جمهور واسع، فكانت تصرفاتهم في غاية اللباقة والإحترام، بعدما رددت بعض الصبايا مواقف من أنهن يشعرن ببعض الخوف من ردّات بعض السجناء على وجود عناصر نسائية، وهم لم يروا نساء منذ زمن..
صحيح أن مشروع الذهاب إلى رومية يأخذ وقتاً، ويحتاج في مجمله إلى أربع ساعات، نصفها للعرض فقط، والباقي في الطريق إلى أكبر سجون لبنان، والخضوع في داخله لإجراءات الأمن الدقيقة، التي تُخضع كل الداخلين من مدنيين وعسكريين إلى التفتيش الدقيق الموحّد، وإستناداً إلى لوائح موثقة لأسماء الوافدين فيكون الجميع تحت سقف التنظيم.
لقد خضنا تجربة رائعة، عميقة ومؤثرة، ورغم  أنها ليست الأولى لنا، إلا أن خصوصية الموضوع، وعناصره، والقائمة عليه زينة، وحكايات السجناء، وأسلوب عرض ما مر بهم من معاناة، وما يعيشونه اليوم، لنجد أحياناً أن أحداً ليس مرتاحاً خلف القضبان أو بعيداً عنها. فالمشاكل قد تختلف إلا أن المحصلة النهائية متساوية، والزمن الذي نواكبه هو السيء، ويأخذ في جريرته كل جيد في يومياتنا وخصوصياتنا، ليبقى أمل واحد فقط، وهو الإيمان بأن الأفضل لا بدّ أن يأتي ولو تأخر.

-------------------------------------
المصدر : محمد حجازي  - اللواء

تابع القراءة→

"الدراماتورجيا وما بعد الدراماتورجيا" لباتريس بافيس شعرية العمل الفرجوي أم تقنية تحليل النص وإخراجه على خشبة؟

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأحد, يوليو 03, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

من ضمن الاصدارات المتنوعة للمركز الدولي لدراسات الفرجة، كتاب "الدراماتورجيا وما بعد الدراماتورجيا" لباتريس بافيس، استاذ الدراسات المسرحية بجامعة باريس ما بين 1976 - 2007 ، الغني عن التعريف في مجال الدراسات الموسوعية، الترجمة والتقديم لكل من الدكتور خالد امين والدكتور سعيد كريمي. وهو يتتبع تحولات مفهوم الدراماتورجيا وتداوله منذ المرحلة البريشتية، وما بعدها، واجمالا منذ الخمسينات في أوروبا، وبلورة منهجيته في قراءة النصوص المسرحية وتأويلها، ومدى إفادته الفعالة من العلوم الانسانية، التاريخية، الاجتماعية، واللسانيات، والسيميولوجيا.

يتجلى سوء الفهم بالنسبة لـباتريس بافيس، في الغاية من التحليل، وفي دور الدراماتورج، ويختزله في السؤال الآتي: هل الدراماتورجيا هي شعرية/انشائية العمل الفرجوي، أم انها تقنية دقيقة وبراغماتية لتحليل نص، واخراجه عمليا على المسرح؟ لكي يجيب، يحاول ان يتبع مسار الدرامتورجيا بالتحليق في تاريخ المسرح، لدراسة الانماط الدراماتورجية التي تمثل كل حقبة من حقب المسرح وطرق تحليلها، ابتداء من الشعرية الكلاسيكية الاغريقية، الى الكلاسيكية الجديدة الاوروبية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، والدراماتورجيا النصية، والعرضية لديدرو، وليسينغ، مرورا بالدراماتورجيا السياسية لبريشت، وبسكاتور، ليصل الى الدراماتورجيا المتشظية في وقتنا الحاضر. هذا يعني أن الدراماتورجيا كمفهوم ليست بجديدة أو مبتكرة، وإنما هي استمرار لمفاهيم قديمة تطورت بتطور المسرح وعناصره. وقد عرفت منذ أرسطو وحتى الآن، تطورا دلاليا ملحوظا، في المجال المزدوج للفكرة والنشاط المسرحيين، إلى درجة استحالة حصر وظيفة الدراماتورج في مجال محدد، وتعريف معناه. وعلى الرغم من كل ما كتب عنه وفيه وحوله حتى الآن- وهو كثير وفي لغات عدة- وعلى الرغم من كل ما يبدو عليه من بساطة في المفهوم، لا نكاد نعثر على تعريف دقيق يمكن الاعتماد عليه؛ بل لم يوجد تعريف واحد لا في المعاجم ولا في الكتب، يمكن الاتفاق عليه اليوم، وذلك بسبب تشظي هذه الوظيفة، واختلاف ادوارها من بلد إلى اخر.
يقوم دور الدراماتورج في فرنسا وألمانيا، مثلما يذكر بافيس، على التأويل التاريخي والسياسي للنص المسرحي، إلى جانب المخرج. وفي المملكة المتحدة، يساهم غالبا في تطوير الكتابة الدرامية، او في الاعداد الجماعي التوليفي للمسرح. وفي بلجيكا، وهولندا، غالبا ما يناط به الرقص، أو الاشكال التعبيرية المرتبطة بالفن التشكيلي، وإلخ. هذا الاختلاف في التسمية، يدل على البون الشاسع الموجود في الممارسة، وإلى اتخاذه أشكالا وأبعادا أخرى كثيرة متنوعة: دراماتورجيا المخرج، دراماتورجيا المؤلف، دراماتورجيا التوثيق، دراماتورجيا المشاهد، السينوغرافيا والإضاءة والتلقي وإلخ. وكلما كثرت الآراء والتعريفات ازداد الأمر غموضا والتباسا واتساعا في الوقت نفسه. لهذا دأب مركز دراسات الفرجة في طنجة اكثر من مرة على تناول مفهوم الدراماتورجيا في مؤتمراته السنوية واصداراته المتعددة والمتنوعة في مجال المسرح وعلومه التطبيقية والنظرية. ويأتي هذا الاصدار الجديد لتعزيز هذا المفهوم ومعرفته واختباره، إذ يأخذ في الاعتبار، تحول الأعمال الدرامية إلى "نصوص مسرحية"، ويعتبر "المُبلغ عن جميع الأنظمة الدلالية المستخدمة في العرض، وعن الترتيب والتفاعل الذي يتشكل منه الإخراج، وفقا للقاموس المسرحي لباتريس بافيس. بحيث صار يضع جسرا بين الكتابة النصية والكتابة المسرحية، ويمتلك اللغة الخاصة التي تقوم بتحويل الواحد إلى الآخر. ثم يبحث المؤلف الجانب التأويلي للدراماتورجيا الذي لا يأخذ معناه الحقيقي على الورق إلا اذا تمت ترجمته الى حركات فوق الخشبة، والى الفائدة من الدراماتورجيا، التي تكمن في ايجاد أحسن الحلول السيوغرافية (أو أقلها سواء)، وإلى التجزيء التدريجي للخشبة، ودراماتورجيا الفرجة (المعاد بناؤها من طرف المتفرج). ثم يلقي الضوء على الدراماتورجيات الجديدة، في المسرح التوليفي، الذي ليس ابداعا جماعيا بقدر ما هو مسرح للتعاون، حيث لا يحظى فيه الدراماتورج (نظريا) بمرتبة اعتبارية اكثر من زملائه. والدراماتورجيا البيداغوجية، التي تمثل جسرا بين عالم التربية والابداع المسرحي. ودراماتورجيا الممثل، وهو تعبير اخترعه يوجينيو باربا، ويخص عمل الممثل، والدراماتورجيا ما بعد السردية، والدراماتورجيا البصرية، الذي نحت مفهومه أرنتزين، في بداية التسعينات، ولا يتمثل معيارها في غياب النص على الخشبة فقط، ويبنى على سلسلة من الصور مثلما في اخراجات روبير ويلسون، وإنما على شكل سينوغرافي يكون فيه المظهر البصري مهيمنا الى الحد الذي يفرض نفسه باعتباره مكوّنا للخصوصية الرئيسية للتجربة الجمالية. تقود هذه الدراماتورجيا مباشرة نحو دراماتورجيا الرقص التي تشكل التحدي الكثر جدية بالنسبة للدراماتورجيا المسرحية الكلاسيكية، وتتأسس رؤيتها على ما هو خارج اللغة، وعلى الحركة، وليس على الحركات الدرامية والشخصيات. يشتغل الدراماتورج على قراءة الحركة، وعلى جعلها ترى، وعلى حكي قصة، مع العلم أن المقروء، والمرئي، والمحكي، ليست مضمونة، ولا اساسية.
يناقش بارفيس مستقبل الدراماتورجيا وتحدياتها، من خلال الدراماتورجيات الجديدة التي تركز في الأساس على تلقي الجمهور، فالتأمل النظري يمنح من الممارسة التطبيقية، لذلك يقترح ضرورة التفكير في طرائق الاشتغال الاكثر تأقلما مع التجارب الجديدة. ثم يطرح سؤال جوهوريا: ما هي الورش التي يجب علينا فتحها- نحن الجامعيين والدراماتورجيين المهتمين بالنظرية؟ وهل بإمكاننا اقتحامها دونما التحول بعض الشيء إلى فنانين؟

المسرح المعاصر
تحليل لمجموعة من النصوص، من ساروت الى فينافير، وهو مفصل من كتاب اقترحه المؤلف على المترجمين، صدر عن دار آرمان كولين الفرنسية. يتناول فيه باتريس بافيس نصوص كل من ناتالي ساروت، فينافير، كولتيس، ريزا، مينيا، لاغارس، نوفارينا، دور انجير، وكورمان، وهي تتموضع جميعها في اطار منظور قارئ يكتشف النص من دون الحاجة الى الاخراج، ومن دون معرفة قبلية ودقيقة بالمؤلف وبأعماله، وتصوراته حول العالم. ويقترح من خلالها نهجا تحليليا، يقدم نوعا من الكونية العابرة للتاريخ، يتلاءم مع السياقات التاريخية، التي افرزت الأعمال المعاصرة. مستوحى بشكل حر من التحليل الدراماتورجي ومن اعمال امبرتو ايكو أيضا، وجماليات الاستقبال وتعاون القارئ، أي يتموضع النهج التحليلي منطقيا في التلقي، وبالطريقة التي "يفعل" فيها القارئ النص، ويتأسس على المواجهة بينه وبين النص. ويشكل هذا التلقي مجموع العمليات المعرفية المنجزة، وهو نقيض المنهجية التوليدية التي تختص بتكوين العمل، وأصوله، وطريقة اشتغال المؤلف.
يقول باتريس بافيس، رغم غياب المنهج المأسوف عليه في اختيار هذه النصوص، فإن هؤلاء المؤلفين التسعة، ينقسمون ثلاث مجموعات: كلاسيكيو الحداثة الحقيقيون: ناتالي ساروت، وميشال فينافير، وجون ماري كولتيس. ورثة الثلاثة المذكورين اعلاه: ياسمينا ريزا، وفيليب مينيانا، وجون لوك لاغارس. والمخالفون للنماذج، بتهشيمهما للغة، كزافيه دورانغير، وإعادة تشكيله للطبيعوية، وكورمان اونزو، والوجوه الاستيهامية في كتاباته. يسعى باتريس بافيس من خلال دراسة هؤلاء المؤلفين إلى اسماع اصواتهم، بعيدا من الخشبات، مع الرؤية الداخلية للقارئ الذي سيعيش لحظاتها. وهذا منهج يمكن تطبيقه على نصوص اخرى، علما ان الكتاب موجه الى طلاب الأدب والمسرح، والى الطلبة والممثلين، بالإضافة إلى جمهور القراء المهتم بالمسرح عامة. بعيدا من النقاش المنهجيي فأن طموح بافيس في هذا التعريف، هو التعريف اكثر بهؤلاء المؤلفين، الذين استأثرت اعمالهم بإعجابه. وهذا ما يشترك به معه المترجمان الدكتور خالد امين وسعيد كريمي. في المقابل، لا يدّعي هذا الجهد، كتابة تاريخ هذه الدراماتورجيا الجديدة، ولا تقديم اهم توجهاتها، ذلك أن مشروعا من هذا القبيل، يتطلب عمل فريق جماعي، والحصول على مجموعة من المطبوعات، ومسافة تاريخية تجعل من الصعب تحقيق المراد.

------------------------------------
المصدر : محمد سيف - النهار

تابع القراءة→

السبت، يوليو 02، 2016

مسرحية "زج زج": استعراض ما جرى محوُه

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يوليو 02, 2016  | لا يوجد تعليقات

مجلة الفنون المسرحية

ليس نادراً في الفن استلهام تجارب تاريخية موثقة عن وقائع من أزمنة سابقة جرى نسيانها أو الانشغال عنها. المسرح ليس استثناءً، ولكن قلّما نجد ملامح مجهود استقصائي في الكشف عن حوادث حُذفت عمداً من التاريخ وصارت في طي النسيان الفعلي، كما تفعل الرواية أو السينما.
مسرحية "زج زج" التي عُرضت مؤخراً في "مركز الجيزويت" في القاهرة، من إخراج ليلى سليمان، كشفت عن وقائع أحداث اغتصابٍ وسلب وقتل ونهب وقعت في قرية نزلة الشوبك (محافظة الجيزة) عام 1919، ليس من خلال كتب التاريخ المصرية أو الوثائق، لأنها تخلو تماماً من ذكر الواقعة وملابساتها، بل من سجلات وزارة الخارجية البريطانية التي وثقت التحقيقات مع سيدات تعرضن للاغتصاب من قبل جنود بريطانيين إبّان الاحتلال البريطاني لمصر في عشرينيات القرن الماضي.
المسرحية أدتها خمس ممثلات (نادية أمين ومنى هلا وريم حجاب وزينب مجدي ونانسي منير) قمن بأدوار الضحايا المتعرّضات للاغتصاب، وأدوار المحققين أيضاً، في عرض تمثيلي اتسم بسرد الشهادات مع الاستعانة بالأداء الجسدي كلغة لتجسيد معاناة الانتهاك الجسدي والنفسي، الذي تعرّضت له الضحايا.
"يدين العمل صمت السياسيين على الاعتداءات على البسطاء"
تصوّر المسرحية أهالي نزلة الشوبك ليس على أنهم مجرّد فلاحين منشغلين بقراهم، بل باعتبارهم أيضاً ثواراً على أرض الواقع يقطعون مراراً خطوط السكك الحديدية التي يستخدمها الإنكليز وحدهم في التنقل لنهب محاصيل الفلاحين، ويقطعون خطوط التليفونات كرد فعل احتجاجي على استعمار بلادهم ورفضهم وجود المحتلين.

في الوقت الذي كان فيه بيان نداء الأمة المصرية عام 1919 يناشد الشعب المصري بـ"عدم الاعتداء على الأجانب" (24 آذار/ مارس 1919) بالقول "نناشد الشعب المصري باسم مصلحة الوطن أن يجتنب كل اعتداء، وأن لا يخرج أحد في أعماله عن حدود القوانين حتى لا يسد الطريق في وجه كل الذين يخدمون الوطن بالطرق المشروعة، وإننا شديدو الرجاء في أن الأمة المصرية بما عرفت من العقل والرويّة تصغي إلى هذا النداء وتلزم طريق الحكمة في سلوكها".
"زج زج"، والتي تعني "نريد جنساً" بالعامية المصرية لذلك الوقت، أعادت الكلمة للضحايا، لتربط بشكل أو بآخر تلك الجرائم، بجرائم تتعرّض لها المرأة المصرية في وقتنا الحاضر، وكذلك الثوار في ميادينهم؛ مما يدفع إلى حالة من التوحش، ما دامت المحاكمات التي تجري غير عادلة وما دام الجاني ينعم بجريمته دون عقاب.

يمكننا اعتبار العرض المسرحي، وإن قام على سرد شهادات ووقائع محاكمة مرّ عليها قرابة المائة عام، هو إعادة محاكمة من جديد، ليس فقط للضحايا والمحققين، بل إعادة محاكمة لزعماء مصر في ذلك الوقت، حينما لم يوظفوا هذه القضية ومثيلاتها في الخطاب السياسي لاستقلال مصر، وصمتوا في وقت لاحق عن القضية بعد أن رفضتها المحكمة البريطانية، وبرّأت جنودها، وجرى محو التحقيقات العربية من سجلات مديرية أمن الجيزة، وجرى إخفاء وقائع الحادثة من "الكتاب الأبيض" البريطاني الخاص بعرض الوثائق التي تتضمّن تقرير السياسة البريطانية في مصر والذي كان يقدّم للبرلمان البريطاني للنظر بها.
كما تتساءل المسرحية: ماذا لو كانت السيدات اللاتي تعرضن للاغتصاب من سيدات المجتمع الراقي أو زوجات الزعماء الوطنيين، ولسن فلاحات بسيطات من قرية نزلة الشوبك؟ هل كان سيتم تمرير القضية من قبل زعمائنا الوطنيين بهذه البساطة؟
المسرحية لم تكشف فقط ما جرى في ليلة 30 – 31 آذار/ مارس 1919 الممتلئة بمشاهد الاغتصاب والنهب والحرق والقتل، بل فتحت أيضاً على أسئلة كثيرة، منها لماذا تم طمس وقائع قرية نزلة الشوبك؟ وهل هي الحادثة المأساوية الوحيدة التي طُمست عمداً في التاريخ المصري خلال فترة الاحتلال؟ ولماذا صمت زعماء مصر، أمثال سعد زغلول ومصطفى كامل، وسيدات الحركة الوطنية والنسوية، أمثال صفية زغلول وهدى شعراوي؟ كما تلفتنا إلى كثير مما يحدث الآن.

--------------------------------------------
المصدر : القاهرة - إيمان عادل - العربي الجديد

تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9