أخبارنا المسرحية

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الأربعاء، مايو 19، 2010

«حلاق اشبيلية» لبايزيلو: قبل أن يدخل روسيني على الخط

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 19, 2010  | لا يوجد تعليقات



ابراهيم العريس


تعتبر أوبرا «حلاق اشبيلية» للإيطالي جاكينو روسيني، من أشهر الأوبرات في تاريخ هذا الفن... وهي بلغت من الشهرة ان نسي الناس ان النص المسرحي الأصلي الذي أخذت منه، وهو من تأليف الفرنسي بومارشيه، كان ذات يوم عماد حركة مسرحية نشطة... وكذلك كانت أوبرا روسيني من الشهرة بحيث نسي الناس – بمن فيهم هواة فن الأوبرا – أنه كان ثمة قبل دخول روسيني ميدان هذا العمل أوبرا أخرى تحمل الاسم نفسه، ومقتبسة بدورها عن مسرحية بومارشيه وضعها مواطن روسيني، جوفاني بايزيلو، لتقدم في عرضها الافتتاحي في سانت بطرسبرغ، عاصمة روسيا في العام 1782، أي قبل 34 سنة من العرض الافتتاحي لـ «حلاق اشبيلية» التي نعرفها اليوم.  

* من الناحية المسرحية، نحن أمام العمل نفسه في الحالين. ولكن من الناحية الموسيقية من الواضح أننا أمام عملين مختلفين تماماً عن بعضهما البعض... وكذلك ثمة اختلاف وان يكن أقل بكثير، بين الاقتباس الذي حققه كاتب نص أوبرا بايزيلو (بتروزيليني)، والاقتباس الآخر الذي حققه كاتب النص الذي لحنه روسيني (تشيزار ستربيني)... حتى وان كان الكاتبان قد بقيا أمينين للنص المسرحي الأصلي. ومنذ البداية هنا لا بد من القول ان روعة العمل الموسيقي الذي حققه روسيني لهذه الأوبرا، كان لا بد له من أن يمحو من الذاكرة، والى حد كبير، العمل الذي سبقه والذي يكاد يكون منسياً اليوم، حتى وان كان يقدم في ايطاليا أو في روسيا بين الحين والآخر، على سبيل الذكرى لا أكثر.

ومع هذا، لا بأس من التوقف هنا عند «حلاق اشبيلية» كما لحنها بايزيلو، لأنها – على أية حال – تبقى الأشهر بين أعماله، هو الذي كتب عشرات الأعمال الأوبرالية طوال حياة غنية، ملأت القرن الثامن عشر، وكاد خلالها أن يكون فريد زمنه في هذا الفن... وكان واحداً من مؤسسي حقبته التالية التي شغلت القرن التاسع عشر بأسماء عرفت كيف تغطي على اسم بايزيلو، وأسماء معاصريه، بحيث بات يخيل الى كثر ان ايطاليا عرفت نهضة أوبرالية، في حقبة فصلت بين بدايات مونتفردي العظيمة، وظهور روسيني وفردي ومن لف لفهما، من صانعي مجد هذا الفن في ايطاليا القرن التاسع عشر.

من ناحية الموضوع تتبع أوبرا بايزيلو، السياق نفسه الذي يسير روسيني على هديه في أوبراه... أي الخط الحدثي الذي صاغه بومارشيه علماً بأن هذا الأخير، حين كتب العمل في المرة الأولى، من خمسة فصول، صاغه أصلاً على شكل أوبرا هزلية كتب لها الموسيقى بنفسه. ولكن، اذ لم يحقق ذلك العمل أي نجاح يذكر، واذ سخر كثر من جهود بومارشيه الموسيقية، عاد هذا واكتفى بتقديم العمل كمسرحية. حتى اليوم، لم يبق أي أثر حقيقي من موسيقى بومارشيه. أما تلحين بايزويلو للعمل فقد بقي كما أسلفنا... وان كانت عبقرية روسيني اللاحقة قد نسفته نسفاً. اذاً، تدور أحداث أوبرا بايزيلو، بدورها، في مدينة اشبيلية الاسبانية. وعندنا هنا، منذ البداية الكونت المافيفا (تينور) يعبر عن غرامه المولّه بالحسناء روزينا (سوبرانو). وها هو يشكو من عدم قدرته على الالتقاء بها أبداً، لأن وصيها وأستاذها الدون بارتولو يصادرها في بيتها ويكاد لا يسمح لها بمقابلة أي انسان. وذات يوم، وفيما كان الكونت المافيفا يتلصص سراً، مترقباً ولو فرصة عابرة لمشاهدة محبوبته، ولو عبر نافذة البيت الذي تقيم فيه، يلتقي الحلاق فيغارو (باريتون) فيكاشفه بما يعزيه من حب راشجان. وهنا يخبره فيغارو، الذي – بوصفه حلاقاً – يعرف كل الأسرار عن كل الناس، ان الدون بارتولو انما هو في حقيقة أمره، مغرم بدوره بالحسناء روزينا، ويخطط للزواج منها... بل يضيف ان العرس من المفروض أن يحتفل به في ذلك اليوم تحديداً. وهنا، اثر ذلك، تظهر روزينا عند النافذة لتغني مناشدة عاشقها الغامض أن يغني لكي تتعرف عليه. وعلى الفور يرتجل الكونت الموله أغنية من نوع «سبرينادا» مدعياً انه الطالب لندور. وهنا يقرر الحلاق فيغارو أن يمد يد العون لصديقه الجديد الكونت المافيفا... مسارعاً بتسليمه، قبل أي شيء آخر، رسالة من روزينا. ثم ينصحه بأن يقدم على الدخول الى بيت الدون بارتولو، حيث تقيم الفتاة، بزعم انه جندي ثمل يبحث عن مأوى يلتجئ اليه. وتنجح الحيلة، ما يمكن الكونت من أن يناول روزينا رسالة كتبها رداً على الرسالة التي كان قد تسلمها منها من طريق فيغارو.

هكذا اذاً يدخل المافيفا الى مأوى محبوبته في المرة الأولى، لكنها لن تكون الأخيرة... اذ في المرة الثانية، ودائماً بناء على نصيحة الحلاق فيغارو، يتمكن من الدخول مدعياً هذه المرة أنه بازيل، مدرب الموسيقى الذي يتولى تعليم روزينا هذا الفن... غير أنه ما ان ينجح في الدخول حتى يُكتشف أمره – اذ يصل الاستاذ بازيل الحقيقي – ويطرد من المنزل... غير ان الحلاق الأمين الصدوق، يظل بالمرصاد لكل العوائق التي تقف في وجه الكونت... اذ ها هو هذه المرة قد تمكن بحيلة من الحيل من الحصول على مفتاح باب يوصل الى سطيحة بيت الدون بارتولو. وهكذا، من جديد، وفي غياب بارتولو (الذي ذهب الى مركز الشرطة ليقدم شكوى ضد تدخل المدعو لندور في حياته وحياة خطيبته روزينا)، كما في غياب أستاذ الموسيقى الحقيقي دون بازيل (الذي كان قد أرسل لكي يحضر موثق عقود يتولى تسجيل عقد زواج بارنولو من روزينا)، يتمكن الكونت المافيفا من الوصول الى الحصن المتبع، حيث حبيبته... وبعد لحظات حين يصل موثق العقود الذي كان بارتولو قد استدعاه، ينتهز العاشقان فرصة وجوده لكي يعقد الزواج بينهما، خفية عن بارتولو الذي لم يكن قد عاد من مركز الشرطة بعد. وحين يصل بارتولو عائداً الى بيته فرحاً بأن الشرطة ستستجيب له، وتلقي القبض على لندور فيتخلص منه، ويخلو له الجو مع حبيبته، تكون المفاجأة المرة في انتظاره... ولا يكون في وسعه الا ان يستسلم تاركاً للشابة حرية اختيار زوجها، وتاركاً للكونت فرصة الاقتران بحبيبته.

اذاً، نحن هنا أمام الأحداث نفسها... وهي – كما نعرف – الأحداث التي استكملها موتزارت، بعمله الأوبرالي الكبير «زواج فيغارو» في اقتباس عن بومارشيه أيضاً. وبالنسبة الى بايزولو، فإن ما لا بد من قوله هو ان عدم فهم كاتب نص أوبراه، لروح مسرحية بومارشيه أدى الى تسطيح الشخصيات تماماً، ولا سيما شخصية فيغارو الذي لم يعد هنا سوى شخصية ثانوية مساعدة على جعل الأحداث، ولقاء الحبيبين، ممكنة... بينما نعرف أنه في مسرحية بومارشيه، كما في الأوبرا التي سينتجها روسيني لاحقاً، هو لب الأحداث ومحركها، بحيث يصبح تدخله هو الأساس... ومن هنا نرى تركيز الملحن، موسيقياً، على الشخصيات الأخرى، ولا سيما على شخصية بارتولو... ما حول العمل مجموعة مشاهد كوميدية لا أكثر. ومع هذا حققت الأوبرا حين عرضت للمرة الأولى، ثم بعد ذلك حين توالت عروضها في ايطاليا وغيرها نجاحاً كبيراً، اذ اعتبرت واحدة من أكثر الأعمال الأوبرالية شعبية في زمنها، ما رفع بايزولو الى المكانة الأولى. وجوفاني بايزيلو (1740 – 1816) عرف بأعمال أوبرالية عدة غير «حلاق اشبيلية» ومنها «لامولينارا» و «نينا: مجنونة الحب» و «سقراط المتخيل»... وتروى حكايات عدة عن موته، أقر بها الى الواقع أنه قضى حزيناً، بعد خمسة أيام من اهانة الملك له، بسبب أوبرا كتبها ولم ترق الملك.


الحياة 

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9