أخبارنا المسرحية

المشاركة على المواقع الأجتماعية

السبت، يناير 14، 2012

مسرحية زهايمر التونسية عرض يأخذك من البداية حتى النهاية / منصور عمايرة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, يناير 14, 2012  | لا يوجد تعليقات

 مسرحية زهايمر التونسية عرض يأخذك من البداية حتى النهاية / منصور عمايرة 

الكاتب الأردني منصور عمايرة

من العروض المسرحية التي تشارك منافسة على جائزة مهرجان المسرح العربي، والمنعقد في عمان " مسرحية الزهايمر التونسية " حيث عرضت على المسرح الرئيسي المركز الثقافي عمان مساء الأربعاء 11-1-2012 ، المسرحية من إخراج مريم بوسالمي ، تمثيل صلاح مصدق وقابيل السياري.
إن موضوع المسرحية ، يدور حول مرض الأب المريض بالزهايمر ، ومعاناة الابن الذي يعتني بهذا الأب لمدة طويلة ، وهي تبين عن العلاقة بين الأب والابن سواء أكانت في حالة تواصلية تندرج في إطار التراحم والتعاطف والشفقة، أو حالة انفصامية تبين عن التذمر والبحث عن الخلاص.

عبرت المسرحية عبر مراحلها الزمنية عن سينوغرافيا بسيطة وفقيرة ، تتواءم مع الحالة العامة للمسرحية " الموضوع " فمرة تبدو السينوغرافيا منضدة في مكتب المحامي يحكم بالعدل كما يشي بذلك ميزان العدالة المائل، وفي مرحلة أخرى يبدو الملف الذي يحوي كل الذكريات كجزء مهم في حياة الأب فيضن به على ابنه ليفتحه ويقرأ ما فيه ، وفي لحظة المرض الشديد يقوم الأب بفتح الملف الضخم، ويقوم بتقطيع كل الذكريات، وهو يشي بأنه لا فائدة من الزمن الماضي ، ولم يعد يعنيه بشيء في الحالة الهذيانية المريضة.
إن الجمجة في العرض المسرحي تقرأ على مستويات عدة ، وهي تمثل المراحل الزمنية للإنسان والدولة ، وهي مثلت حالة من مخزون ذكرياتي كبير ، وجمود الجمجمة في مكانها كشيء متحجر ، يشي بأبعاد كثيرة منها السلطة وحب الذات والتفرد ؛ ولهذا تبدوا الجمجمة شيئا جامدا.
إن الساعة الذاكرة الزمنية تشي بأن الزمن يسير باتجاه واحد تصاعدي إلى ما لانهاية ، وهنا إشارة إلى التغيير والتحول ودعوة تمثل حالة أمل بأن الزمن يسير مهما بدت الحركة راكدة وهنا قد نقول " لا بد أن يستجيب القدر ".   
إن السرير أوضح الحالة المرضية المستعصية والتي لا بد أنها ستعني الاستسلام ، لكن الأب الذي يفقد الذاكرة شيئا فشيئا يبقى يحافظ على وجوديته في المكان ، وكأنه يرفض الرحيل ، وهذه الحالة التي أخذت سواد الممجتمعات العربية إلى حالة من القهر ، ليبحث عن كيفية العلاج ، ولهذا يحاول الابن أن يصطنع علاقة لمداراة هذا المرض ، فذاك المشجب هو الذي سيغذي المريض بالغذاء والدواء ، وهنا إشارة مرة أخرى إلى رفض الإزاحة والتشبث بكل بقايا الحياة من أجل الاستمرار ، وهذا ما تمثله الحالة المرضية للأب ، وينجر وراءها الابن بغير حول ولا قوة.
إن ثياب الأب تتماهى مع طبيعة الحالة المرضية الزمنية، حتى يصل إلى الحالة الرثة التي تستدعي الشفقة ، وتلجأ إلى الله في حالة الابن أكثر من مرة ، ليخلص الأب من هذه الحياة ، ولكنها بالواقع ، ليتخلص الابن من أب مريض أثقل عليه في كل شيء حتى بدا كالمقيد ، وكذلك فعل من حكم الشعوب العربية فصار الشعب يسير كالمقيد ، لأن رأسه محشوه بالتعليمات الفوقية والضريبية والمعيشة البغيضة التي تغلق نوافذ الضوء " الأمل ".   
ثياب الابن أبانت عن حالة التماهي التي تماشت مع حالة الأب في المسرحية ، فكل تلك الأوامر الخدمية التي يقوم بها الابن تجاه والده ، أمست كأنها أسلاك كهربائية تحوي شحنات تلقائية ، ليتحرك الابن كرد فعل على طلبات الأب المتوقعة وغير المتوقعة ، في ظل هذا التوقع واللاتوقع صار الابن مقيدا غير قادر على التحرر من خلال تلك المشية ، والتي تعبر عن حالة قهرية غير إرادية ، وهذه الحالة مرة أخرى تماهت فيها الشعوب العربية كثيرا ، وهي تستقريء ما ماهو متوقع وما هو غير متوقع في الأنظمة التي تحكمه ، فاختلط الحابل بالنابل.
إن التابوت أبان عن حالة جمود أخرى ، ولكنها حالة يركن إليها الإنسان ، حالة لا بد أن تأتي ، ولكنها للأسف تأتي بعد الكثير من العذاب والمعاناة ، الموت هو مصير كل حي ، والدول تموت والحاكم يموت والنظام يموت ، والأب في نهاية المسرحية يموت ، وهي حالة متوقعة من قبل المتلقي ، ولكنها ليست متوقعه بكل حيثياتها المأساوية ، والتي غلفت البعد البيئي الميحط بالأب ، ليعاني من حالة المرض الابن بشكل غير متوقع من خلال ردة الفعل، حتى أنه يندب حظه في النهاية ، وهو يخاطب التابوت والميت في داخل التابوت بأنه عكر عليه صفو الاحتفال بيوم ميلاده ، وهذا يبين عن حزن شديد ، وكأن العرض يقول بأننا لم نكن ذات يوم قادرين على تذوق الفرح ، أليس للفرح طعم ومذاق لا يعرفه إلا من حرم منه ؟ فيبدأ بالتفكير بطرق كثيرة للوصول إلى هذا المذاق ، وكأنه حلم في متناول اليد ولكنه ممنوع.
فصلى الابن مرتين لينتهي الأب من عذابه ، وينتهي الابن من عذابه ، ليتخلص من معاناة رجل مريض بالزهايمر ، والذي سيقض مضجع من يهتم به صباح مساء، وبدا في المرة الثالثة غير قانع بهذا الدعاء ، وكأن الدعاء الذي يرفعه الناس ليتخلصوا من حاكم مجرم غرض وغاية المفلس ، وبالتالي يستمر الغاشم والطاغي بالجلوس فوق صدورهم ، وهم يتلذذون بالدعاء من دون تغيير حقيقي أو النهوض بالتغيير.
إن الممثلين من خلال العرض ، ظهرا وكأنهما في حرية تامة ومطلقة بعيدين عن تعليمات المخرجة ، وهذا ما جعلهما يبدعان بدور كل واحد منهما، أليس الممثل هو عصب العرض المسرحي ؟ الأب لعب بإجادة كبيرة لهذا الدور الكبير ، والذي يبدو معقدا من خلال الحركات الجسدية المتغيرة ما بين مرحلة وأخرى ، منذ بدايات المرض وحتى وصوله إلى الموت ، إن التعبير الجسدي في المسرحية نقطة رئيسة لا بد أن يقوم على هذا التبدل الجسدي المصاحب للحالة المرضية، وهو ينتقل من حالة القوة إلى حالة الضعف النهائية.
وبالقابل إن الممثل الشاب " الابن " استطاع أن يتقمص دوره بقوة وبراعة ، حيث بدا كأنه مقيد ، فيمشي كما " الريبوت " الإنسان الآلي، وهذه الحالة كانت نتيجة لسبب الاستمرارية في الحالة المرضية للأب ، مما جعله يستحوذ حتى على تصرفات الآخر الأبن ، ما بين صحوة الضمير وهو يحاول جاهدا مساعدة والدة بالخروج من أزمته المرضية النفسية - وهي حقيقة أزمة نفيسية تقود بالتالي إلى مرض عضال لا يرجى شفاءه أبدا - وهذه الحالة النفسية انعكست على الابن وهو ينتقل من حالة إلى أخرى ، والشفقة أيضا حالة نفسية يمر بها الابن ، وهو يرفق بأبيه الذي يعد له الطعام ويخدمه ، ويقدم له الدواء وقت الحاجة ، ويرفق به حيث يقوم بربطه ، كي لا يذهب بعيدا ويؤذي نفسه ، ومرة ثالثة الوصول إلى حالة الانفجار ، وهو يحاول أن يضع الحبل حول رقبة الأب المريض ، والذي لم يكن بالنسبة للزوجة الزوج المحب والبار والمرفق بها، وهي أم ابنه الذي يقوم على خدمته ، فتلك العلاقة ما بين الأب والأم ، لم تكن كما يجب أن تكون العلاقة الزوجية القائمة على الاحترام المتبادل.
إن هذه المسرحية ، والتي ستقرأ على أنها حالة بائسة ، مرت بها وتمر بها الشعوب العربية المختلفة ، ما بين حالة حب الذات والتفرد بالقرار والتمتع، وخاصة عندما كان يذهب الأب مع صديقته في عرض البحر تاركا الزوجة حبيسة البيت ، وكان يعود للبيت حبا بابنته وليس زوجته ... وتشيخ الدول وتمرض كما يمرض جسد الإنسان فالدولة العثمانية كانت الرجل المريض ومات ، وكذلك الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية تمر بمرحلة الشيخوخة ، فكل منها يمثل الرجل المريض الذي سيموت ، ولكن هذه المراحل من القوة إلى الضعف أرهقت الآخرين ، والابن يرهق جدا وهو يقوم برعاية والد عاق لأمه إذا ما صح هذا التعبير ، وهذا الأب في لحظة أنانية يقول لابنه أنه يسكن في بيته ، وكأنه يحاول طرده ، وهذه الحالة مرت بها البلاد العربية ما بين حاكم أناني وشعب مغلوب ، لتقرأ هنا المسرحية في إطار الربيع العربي، العمل يشتغل على قراءة الواقع العربي ما قبل الثورة وما بعدها أيضا في بعض البلاد العربية ، ما بعد الثورة من خلال طرح الأب لسؤال على ابنه لماذا لا يذهب إلى العمل ؟ فيجيبه الابن بالبطالة والادمان ، هناك حالة قاتمة ما زالت تعرض في المجتمعات العربية ومنها تونس البطالة المميتة ، والإدمان الأكثر موتا ، وكأن الأمل لا يبدو قريبا.
إن اللغة الحوارية بين الأب والابن في مثل هذا الموضوع ، والذي سيبدو ليس من السهل طرحه بكل حيثياته على خشبة المسرح " وهنا أعني الحالة المرضية الزهايمر " فحفلت المسرحية بالكثير من اللغة الحوارية التي لم تبدو منفرة ، وبقيت قادرة على الإمساك بالمتلقي ، إلا أن اللغة الخطابية في نهاية المسرحية مثلت مثلبة في العرض المسرحي ، ما كان للمخرجة أن تسعى إلى هذا التمطيط في نهاية العرض المسرحي ، كان بإمكانها أن تكتفي بجملتين " هبي بيرث تو يو happy birth day to you " ومثل : أ تموت في يوم ميلادي ؟ وكان بمقدورها أن تمزج هذه الحالة بالذات بحالة مزدوجة ما بين الحزن والفرح ، يمكن أن يظهر الابن في يوم ميلادة وفرحه بأن منَّ الله عليه بقبض روح والده ، وهنا يفرح لأن والده ارتاح من العذاب ، وحالة الحزن تثير الذكريات الماضية التي تمثل العاطفة والشفقة والواجب.
من خلال الستارة السوداء ، والتي اخترقت كباب أو شق ، يظهر من خلاله التابوت في مكان قصي وبعيد عن خشبة المسرح ، وهنا إشارة إلى إقصاء ما كان يمثل ألما للآخرين ، وهذا اللون الأسود يندمغ في حالة الرؤية للعرض المسرحي.
وبدت الموسيقى غائبة ، فكأننا أمام عرض مسرحي ملأ الفجوات كلها من خلال انشغال الممثلين بكل شيء حواريا ، فلا مكان لسماع الموسيقى أو الغناء ، وهذا الانشغال ، هو ما شغل الممثلين عن الاستماع إلى الموسيقى أو الغناء في جو تملأه السوداوية والمرض ، بحيث طغى البعد الحواري على العرض منذ لحظة البداية وحتى النهاية.
بدت الإضاءة قاتمة لتشيع جو الاكتئاب من الحالة المرضية التي يعيشها الأب، ومن الحالة النفسية التي يعيشها الأبن ، الإضاءة كانت محدودة ومحصورة في المكان الذي يتواجد فيه الممثلين دائما كبقعة ضوئية ، تعطي تركيزا شديدا جدا على الممثلين وهذا المراد من هذه المسرحية.
والإضاءة تبدو مرة أخرى باللون الزرق ، والذي يذكرنا بحالة الإسعاف ، فهذا اللون يعني الهدوء وهو حالة ما بين الصحة والمرض ، وحالة إنعاش في غرفة العمليات وحالة سكون في حالة الموت.
مسرحية الزهايمر تأخذك من بداية العرض ، ولا تستطيع الخلاص منه حتى اللحظة الأخيرة ، والتي يعلن فيها نهاية العرض ، والتي أبانت عن تكامل في العرض المسرحي باستثناء القليل ، وهو ما حدث في حالة الخطاب من الابن الحي إلى الأب الميت.


المصدر : منصور عمايرة كاتب مسرحي وروائي اردني عمّان   11-1-2012
Buqasem_21@yahoo.com

0 التعليقات:

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9