أخبارنا المسرحية

أحدث ما نشر

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الأربعاء، يوليو 07، 2010

الكوميديا في المسرح / محسن النصار

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, يوليو 07, 2010  | لا يوجد تعليقات

 أنواع الكوميديا في المسرح  
                                                                     لودوفيكو أريستو) 1474- 1533
 البداية التاريخية للملهاة (الكوميديا) كانت في الإغريق، في أعياد الإله "ديونيسوس" الذي يعتبر أنه إله الخصب والخمر... فكانت تقام لهذا الإله عيدان، وقت زرع البذور ووقت حصاد العنب... إنها طقوس دينية لتمجيد هذا الإله وتقديم القربان... ففي عيد الحصاد تقدم الاحتفالات الحزينة... لأن الإله سوف يموت مع الثمر... وفي أعياد الزرع فإن الاحتفالات تكون سعيدة لأن الإله سوف يحيا من جديد مع الزرع، لأنه إله الخصب... في هذه الأعياد السعيدة يبدأ الناس في الغناء والسخرية وتبادل النكات البذيئة، والنساك كانوا يحملون شعار إله الخصب (عبارة عن عصا طويلة في نهايتها قضيب رجل(الجهاز التناسلي) للدلالة على الخصوبة) ومن هنا بدأت الملهاة (الكوميديا)... والتي تعني تفل العنب، لأن المحتفلين كانوا يضعون تفل العنب على وجوههم.
وهي اشتقاق من الكلمة اليونانية ( كوميديا ) وتعني الأغنية ذات الطقس الديني والتي كانت تغنى في موكب الإله ( ديونيزوس ) في الحضارة اليونانية . كما أن ارسطو أرجع معنى الكوميديا إلى (كوموس ) ومعناها المأدبة الماجنة والتي تقام في نهاية احتفالات الإله (ديونيزوس ) كمحاكاة تهكمية . وعبر مسيرة تاريخ المسرح استخدمت كلمة كوميديا بمعانٍ ثلاث:
-اسم نوع مسرحي يناقض التراجيديا.
-اعتبرت الكوميديا في القرن السادس عشر هي المسرحية بالعموم.
-أطلق اسم الكوميديا على كل مسرحية تحمل طابع الضحك.
لكن الكوميديا كنوع لابد أن تعرَف إلا من خلال معايرها الجمالية , والتي تميزها عن الأشكال المسرحية – ما يسمى بالشعبية – المضحكة , حيث من الضروري أن يحيط هذا النوع المسرحي جماليات تناقض المفهوم المأسوي , وبعيدا عن الهزل والابتذال.
والكوميديا بتعريفها العام والشائع هي مسرحية يقوم الفعل الدرامي فيها على تخطي سلسلة من العقبات والتي لا تحمل خطرا حقيقيا , وتكون الخاتمة فيها سعيدة . كما أنها تهدف إلى التسلية عبر تضخيم الحدث وإعطائه شكلا غير طبيعي , بحيث يستطيع المتفرج النظر إلى هذا التضخم والغير طبيعي بشكل طبيعي وعقلاني بكونه خارج الحدث , وبذلك يشعر المتفرج بتفوقه بكونها – أي الكوميديا – تتطلب منه موقف محاكمة لا خوف ولا شفقة. وبالتالي فإن التطهير فيها هو نوع من التنفيس واستثارة  الوعي لأنها تشكل التصاقا بالواقع اليومي، وجمهور الكوميديا أوسع وأكثر تنوعا من التراجيديا، وهذا له أسبابه العديدة والتي تخضع لظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية، لأن الكوميديا تحاكي الطباع من خلال الفعل الذي تحمله صفة و طبيعة الشخصية.
الكوميديا والمضحك:
من غير السائد لأكثر متابعي الكوميديا عدم معرفتهم بأن الإضحاك ليس شرطا لوجود الكوميديا , كما أن كلمة كوميديا لا تفترض دائما وجود الضحك لأن فهم المضحك تدخل فيه اختصاصات متنوعة مثل الفلسفة والأنتربولوجيا وعلم النفس التحليلي
تكون مسرحية ذات طابع خفيف تكتب بقصد التسلية، أوهي عمل أدبي تهدف طريقة عرضه إلى إحداث الشعور بالبهجة أو بالسعادة. وقد نشأت الكوميديا في أوروبا من الأغاني الجماعية الصاخبة، ومن الحوار الدائر بين الشخصيات التي تقوم بأداء شعائر الخصوبة في أعياد الإله ديونيسيوس ببلاد اليونان، وهي الأعياد التي تمخض عنها فن الدراما. وتعد المسرحيات أريستوفان من أروع الأمثلة على فن الكوميديا القديمة في اليونان. أما فن الكوميديا الحديثة فيمثله ميناندر، الذي نسج على منواله كل من بلاوتس وترنس. وفي إنجلترا امتزج التقليد الذي سارت عليه من استعمال الفصل الإضافي في أثناء المسرحية بالمسرحيات الكوميدية الكلاسيكية في الأدب اللاتيني، في القرن 16 حتى بلغت المسرحيات الكوميديا الرومانسية في عصر الملكة إليزابيث ذروتها على يد شكسبير. أما في فرنسا فقد مزج موليير بين المسرحيات الكلاسيكية وما لها من تأثير، وبين المسرحيات التي أطلق عليها اسم " كوميديا الفن ". وأسفرت الحركة المعادية للمسرحية الكوميدية في إنجلترا في عصر " عودة الملكية " والتي كان من أبرز كتابها كونجريف وويتشرليي، عن ظهور الكوميديا التي تتسمى بالإغراق في الانفعالات والعاطفة. وفي أواخر القرن 18، ظهرت المسرحيات الكوميدية الساخرة على يد جولدسميث وشريدان، وتابع أوسكار وايلد كتابة المسرحيات الكوميدية التي تدور حول سلوك الناس وأخلاقهم، وذلك في القرن 19. وقد برز في كتابة الكوميديا الاجتماعية في العصر الحديث كل من بنيرو، وشو، وموم، ونويل كوارد، ويمكن للملهاة (الكوميديا) أيضاً بأن تكون النكت التي يقولها الناس لبعضهم البعض أو القصص المضحكة، ويقال بأنها بدأت على يد الإغريق منذ عصر اليونان القديمة. يسمى الأشخاص الذين يمثلون الكوميديا بالكوميديين. يعد ويليام شيكسبير و موليير من بين المشاهير الذين كتبوا عروضاً كوميدية
الكوميديا الكلاسيكية القديمة

وهذه الكوميديا كانت نتيجة الاحتفالات الطقوسية والتي أفرزت نصوصا مكتوبة أهمها نصوص اليوناني أرسطو , حيث أفرزت أشكالا شعبية . وهذه النصوص لم تقدم حدثا متماسكا بل كانت مقاطع أو اسكتشات, وخلال تطورها صارت يأخذ بنية ثابتة فأصبحت تتألف من مقدمة أو استهلال , تؤديه شخصية واحدة على شكل مونولوج , أو شخصيتان ثانويتان على شكل حوار , ويلي ذلك الدخول وهو نشيد الجوقة ومن ثم المساجلة أو الآغون.
-الكوميديا المتوسطة:
وقد ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد , وكانت مواضيعها مستمدة من الأساطير والتي تفرز بالنتيجة درسا أخلاقيا أو دينيا .
-الكوميديا الجديدة:
وهذه الكوميديا رسخت في 330- 290 ق . م وارتبطت بالكاتب ( ميناندر ) حيث أعطاها شأنا مهما فأدخل على رواياته الكوميدية حكا يا العشق والتي تتشابك في حبكة معقدة مما أعطى للمسرحية آنذاك وحدتها العضوية.


الكوميديا الرومانية

وقد وصلت هذه الكوميديا مع ( بلاوتس ) 254- 184 ق . م و ( تيرانس ) 190 – 159 ق.م. حيث قربوا هذا النوع من المسرح إلى الواقع الروماني وأدخلا عليه عناصر جديدة مثل التنكر والحيل والغناء والرقص مما أعطى للكوميديا طابع الفرجة.
الكوميديا في القرون الوسطى:

في هذه المرحلة انحسرت الكوميديا تقريبا ولم يبقى سوى أشكالا بسيطة كان يقوم به الممثلون الجوالون , وبعض الكرنفالات وعروض الحماقات , وأعياد المجانين والأخلاقيات , وكل هذا هو أنواع من الفرجة تتم في الساحات العامة والشوارع.
كما أن النصوص المسرحي انحسرت في هذه الفترة باستثناء بعض المتعلمين الذين ساهموا في توسيع شكل الكوميديا في القرن السادس عشر والذين تأثروا بالحركات الإنسانية التي استمدت هذه النصوص من التاريخ , حينها صنفت الكوميديا بالفن الراقي معتمدة على متانة الحبكة واللعب بالألفاظ , كما صنفت باقي الكوميديات بالهابطة والتي تعتمد على الإضحاك البصري القائم على الحركة المبتذلة مستجدية الضحك من المتفرجين.
الكوميديا في عصر النهضة:

ظهرت هذه الكوميديا  في إيطاليا في القرن السادس عشر واعتبرت الكوميديا في هذه المرحلة  أرقى أنواعها ومن كتاب تلك المرحلة:


((لودوفيكو أريستو) 1474- 1533 (أنجيلو روزانيه) 1502 – 1542 (نيقولو ماكيافيللي 1480 – 1527
كوميديا الأخطاء
تتكون من سلسلة من الأخطاء بالنسبة للواقع أو حقيقة الشخصيات أو سوء فهم لحادث أو شخص معين والنتيجة في أغلب الأحيان حوار " خلف خلاف "
ومثل هذه الأخطاء يستطيعها المسرح أكثر من الحياةونحن نتقلبها ونضحك لها .. أمثلة كوميديا الأخطاء " الليلة الثانية عشرة " لشكسبير و " تمسكنت حتى تمكنت " لجولد سمث.
من هذا النوع من كوميديا المزاج وهي نوع من كوميديا الشخصية مبسط إذ يأخذ المؤلف نقطة واحدة مميزة لكل شخصية فهناك الرجل الغيور أو العصبي أو الكريم أو الكسول.
وكما أن في التراجيديا نرى الشخصيات تعاني بسبب شخصياتها في الكوميديا نراهم يجعلون من انفسهم موضعاً للضحك والسخرية بسبب أحتكاك شخصياتهم بالمواقف المختلفة ، وفي مثل هذه المسرحيات قد نجد شخصية واحدة متحكمة كما في البخيل.
الفارس
الفارس بالنسبة للكوميديا مثل الميلودراما بالنسبة للتراجيديا والفارس يهدف إلى الإضحاك عن طريق مؤثرات مغالى فيها وبدون أي تعمق نفسي ورسم الشخصيات هنا كذلك الفكاهة " الحداقة " أقل أهمية من سلسلة من المواقف المسلية وهي في الغالب فجة فظة وتكثر في الفارس المفاجآت والمصادفات والمبالغات والأحتمال أو الإمكان لايراعى ، ولكن الفارس الجيد يتطلب قدراً كبيراً من الصنعة.
الكوميديا الإجتماعية
في هذا النوع تنبع المتعة من تصوير نقائص إجتماعية موجودة وشائعة أو أنماط إجتماعية كالنوفوريش - الوصولي - النمام - القنزوح .. إلخ وهذا النوع يحتوي قدراً لابأس به من التصوير للشخصية كذلك البناء قد يكون معقداً ولكن التسلية الأساسية منبعها لغة وعادات الشخصيات التي تصورها المسرحية وأمثلة ذلك " مدرسة الفضائح " لشريدان و " النساء العالمات " لموليير و " خاب سعي العشاق " لشكسبير.
الكوميديا العاطفية
هذه الكوميديا تخاطب عواطفنا إلى جانب الإضحاك وقد قامت كرد فعل لكوميديا عصر العودة في بريطانيا بخشونتها وتعريتها للمجتمع وهذا لنومع من الكوميديا قد تميزت السينما الحديثة بإنتاجه.
كوميديا الشخصيات
الأهتمام هنا بالشخصيات نفسها وهو أهتمام أعمق من مجرد تصوير نواحي نقصها أو لوازمها الإجتماعية وكل كوميديات شكسبير تقربياً من هذا النوع وفي هذه الحالة نجد الفارس الجيد قربياً من كوميديا الأخطاء ومن أمثلة ذلك " نهاية البداية " لأوكيزي.
هنالك العديد من الأنواع للملهاة، من بينها الملهاة الرخيصة حيث يقوم الكوميديون بأداء أعمال سخيفة مثل السقوط أو إحراج الآخرين مما قد يسبب الضحك. ومن الأنواع المعروف كوميديا الوقوف، حيث يقف المؤدي الكوميدي أمام الناس ويخبرهم بالنكت والقصص المضحكة، وهي مهنة لدى البعض أو مجرد هواية

المصادر :
 1- كتاب " فن كتابة المسرحية " تأليف: لاجوس أجري - ترجمة وتحقيق :دريني خشبة - دار نشر سعاد الصباح - تاريخ النشر   1- 1- 1993
كتاب" الكوميديا و التراجيديا "  تأليف : مولوين ميرشنت وكليفورد ليتش -    ترجمة د. على احمد محمود - أصدار عالم المعرفه - الكويت 
تابع القراءة→

الثلاثاء، يوليو 06، 2010

التهاني بنجاح مسرحية وظيفة مربحة أعداد وأخراج محسن النصار

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, يوليو 06, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

الثلاثاء، مايو 25، 2010

تقديم التهاني للكاتب والمخرج المسرحي محسن النصار بعدنجاح عرض (مسرحية وظيفة مربحة)في المهرجان الثاني لكلية الفنون الجميلة /قسم الفنون المسرحية /بغداد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 25, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

فرحة الكاتب والمخرج المسرحي محسن النصاربعد نجاح عرض مسرحية وظيفة مربحة والتي عرضت في المهرجان المسرحي الثاتي لكلية الفنون الجميلة/قسم الفنون المسرحية /بغداد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 25, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

جانب من حضور(مسرحية النبيل)تاليف واخراج محسن النصار والتي عرضت في المهرجان المسرحي الاول لكلية الغنون الجميلة /قسم الغنون المسرحية /بغداد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 25, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

جانب من الحضور (لمسرحية النبيل)تاليف واخراج محسن النصار والتي عرضت في المهرجان المسرحي الاول لكلية الفنون الجميلة /قسم الفنون المسرحية /بغداد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 25, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

تقديم التهاني للكاتب والمخرج المسرحي محسن النصار بعد نجاح عرض( مسرحية وظيفة مربحة )فيالمهرجان المسرحي الثاني لكلية الفنون الجميلة /قسم الفنون المسرحية/بغداد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الثلاثاء, مايو 25, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

السبت، مايو 22، 2010

تكريم المخرج والكاتب المسرحي محسن النصار في المهرجان المسرحي الثاني لكلية الفنون الجميلة /قسم الفنون المسرحية/بغداد بعد نجاح عرض مسرحية وظيفةمربحة

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, مايو 22, 2010  | لا يوجد تعليقات


تابع القراءة→

تكريم الفنان محسن النصار

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, مايو 22, 2010  | لا يوجد تعليقات


تابع القراءة→

جانب من الحضور (لمسرحية النبيل)تاليف واخراج محسن النصار والتي عرضت في المهرجان المسرحي الاول لكلية الفنون الجميلة /قسم الفنون المسرحية /بغداد

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, مايو 22, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

بعد نجاح عرض مسرحية وظيفة مربحة MOHSSN ALNASIRفرحة الكاتب والمخرج

مجلة الفنون المسرحية  |  at  السبت, مايو 22, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

الجمعة، مايو 21، 2010

برتولت بريخت : أحد قمم اعمدة المسرح في القرن العشرين 1808- 1956 / عادل حبه

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, مايو 21, 2010  | لا يوجد تعليقات

في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت بريخت، احد ابرز كتاب الشعر والمسرحية في القرن العشرين بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيله. ولهذا العرض في الولايات المتحدة الآن مغزى خاص حيث ان هستيريا الحرب الباردة التي طغت على هذا البلد خلال قرابة خمسة عقود، وغيبت الكثيرين من رموز الثقافة والتنوير، واجبرتهم على مغادرة البلاد او الاعتكاف او السجن ، قد ولت. ويجري منذ انهيار الحرب الباردة المشينة اعادة الاعتبار لضحايا تلك المرحلة المظلمة وعرض نتاجاتهم وطبع كتبهم في الولايات المتحدة الامريكية او في روسيا على حد سواء. وهكذا جرى ، على سبيل المثال، انتاج فلم امريكي عن حياة تشارلي شابلن في السنوات الاخيرة بعد ان منعت كل نتاجاته بحجة الشيوعية و تهمة النشاط المعادي للولايات المتحدة واجبر على مغادرة البلاد. لقد طالت هذه الهيستيريا ابرز كتاب المسرح وهو برتولت بريخت بنفس التهمة واضطر هو الآخر الى مغادرة البلاد في عام 1947. وقد تطول القائمة، والحيز لا يسمح بذلك، لو استعرضنا جميع الكتاب والمسرحيين والفنانين ونجوم السينما والتنويريين والفلاسفة وعلماء الاجتماع والاقتصاد والشخصيات السياسية والنقابية والمهنية ممن طالها سيف الحرب الباردة وشرورها والتي سادت العالم شرقها وغربها مما الحق أضراراً جمة بالمجتمع الامريكي وفي الثقافة والوجدان والضمير فيه، ناهيك عما لحق من اضرار بالثقافة في العالم عموماً. 
ولد بريخت في عام 1898 في مدينة اوغسبرغ من محافظة باير جنوب المانيا عن أب كاثوليكي وام بروتستانتية. وبدأ بكتابة الشعر في سن مبكرة ، ونشرت اولى مقطوعاته الشعرية في عام 1914. وعندما انهى بريخت المدرسة الابتدائية انتقل الى "غومنازيوم كونيغليشزه" لاكمال دراسته المتوسطة. وفي عام 1917 سجل في جامعة لودفيغ ماكسيمليان في مدينة ميونيخ لدراسة الطب. وبعد انهاء الخدمة العسكرية كطبيب متدرب في الجيش، تابع الدراسة في الطب والتي سرعان ما تركها في عام 1921. وبعد احداث الثورة البافارية في عام 1918 كتب اول مسرحية له وهي "بال" والتي اخرجت 1923 في عام ولقت نجاحاً كبيراً. 
بدأ ارتباط بريخت بالشيوعية عام 1919، عندما انضم الى الحزب الديمقراطي الاشتراكي المستقل. واثناء ذلك اقام علاقة وطيدة مع الكاتب الالماني ليون فوشتوانغر والتي كانت لها اهمية كبيرة بالنسبة الى الكاتب الشاب من الناحية الادبية. ونصحه فوشتوانغر بالانضباط بقدر ما يتعلق بكتابة المسرحيات. وعين بريخت في عام 1920 كمشاور اساسي في اختيار المسرحيات في كمرسبايد في ميونيخ. وبعد علاقة عاطفية مع فراولين باي ولد ابنه الاول فرانك. وفي عام 1922 تزوج من الممثلة ماريان زوف. وتم تعيين بريخت في عام 1924 مستشاراً لمسرح ماكس راينهاردت دويتشس في برلين. وصعد نجم بريخت مع عرض مسرحيته "تشرد في الليل" (1924) واستمرت مع عرض "اوبرا الشحاذين" او "اوبرا القروش الثلاثة" للمؤلف جون غاي، والتي اتفق على تلحينها مع الموسيقار كورت ويل.
وفي حوالي عام 1927 شرع بريخت بدراسة كتاب "الرأسمال" لكارل ماركس، وتأثر بمفهوم البناء الفوقي الذي طرجه ماركس والذي اصبح محوراً في مفهوم بريخت لنظريته المسرحية. وغدا بريخت، في عام 1929، عضواً في الحزب الشيوعي الالماني. وقام اثناء عمله في مسرح شيفباوردام بتدريب الكثير من الممثلين الذين تحولوا الى نجوم في عالم المسرح والسينما الالمانية ومن بينهم اوسكار هومولكا وبيتر لور والمغنية لوت لينيا زوجة كورت ويل. وعمل بريخت مع هانس ايزلر على انتاج فلم سياسي هو "كوهله وامب"،وهو الاسم الذي كان يطلق على احد الاحياء الفقيرة التي تحتضن العاطلين عن العمل. وسمحت السلطات بعرض الفلم في عام 1932 الا انه سرعان ما منعته السلطة النازية الجديدة التي سيطرت على الحكم حينذاك. في عام 1930 عرضت مسرحيته الملتزمة سياسياً وهي "الاجراءات اتخذت" والتي تتميز بالمباشرة واللاعاطفية، والتي تحفظ الحزب الشيوعي الالماني عليها لتضمنها قدراً من التطرف السياسي. ان الدرس الذي يقدمه بريخت في هذه المسرحية هي التضحية بالفرد بأي نحو من اجل توفير الحرية للبشرية في المستقبل. 
في عقد الثلاثينيات من القرن العشرين فرضت السلطة النازية حضراً على جميع مؤلفات بريخت ومسرحياته واشعاره. وغالباً ما كان البوليس يهاجم دور العرض ويوقف عرض مسرحيات بريخت. ولذا قرر بريخت الهجرة الى الدانيمارك واستقر في جزيرة فين حتى عام 1939. ثم رحل الى فنلندا حيث استقر في مدينة ليتي وكضيف على الكاتب الفنلندي هيلا ويوهلجوكي. وهناك كتب بريخت مسرحيته الشهيرة "السيد بونتيلا وتابعه ماتي" في عام 1940. وفي نفس السنة كتب مقالته الشهيرة "حول المسرح التجريبي" حيث القى فيها ضوءا على اعمال فاختانغوف وانتوين ومايرهولد وراينهاردت واوخلوبوكوف وستانيسلافسكي وجيسنر وغيرهم من المسرحيين الانطباعيين. وناقش بريخت اتجاهين في المسرح المعاصر هما الطبيعي والانطباعي. واعتبر الطبيعية عبارة عن "تمثيل بين الفن والعلم"، والذي يعطي المسرح الطبيعي تأثيراً اجتماعياً كبيراً ولكن على حساب قدرته على رفع المتعة الجمالية. اما الانطباعية فهي على حد قول بريخت "تغني الى حد كبير وسائل المسرح في التعبير وتجلب مكتسبات جمالية قابلة للاستغلال". ولكنها برهنت على انها غير قادرة على القاء اي ضوء على العالم بإعتباره موضوع للنشاط الانساني. 
ومن فنلندا انتقل بريخت الى الاتحاد السوفييتي ليستقر لفترة قصيرة ويتعرف على نمط من الاداء المسرحي القفقازي والشرقي التقليدي عموماً بما يعرف عندنا في الادب العربي بـ "الحكواتي" او "القصه خون" في الادب الفارسي، والتي على ضوئها كتب مسرحيته المعروفة "دائرة الطباشير القفقازية" (1941 -1945). ان جوهر هذه المسرحية توضح ان الملكية يجب أن لا تعود الا الى اؤلئك الذين يمكن ان يستفيدوا منها بطريقة انسانية. كما بادر الى كتابة مسرحيته الشهيرة الاخرى وهي "الانسانة الطيبة من ستشوان" عن حكاية صينية. وفي هاتين المسرحيتين اقتبس بريخت من اساليب المسارح الصينية والروسية والشرقية المبادئ الاساسية لمنصة المسرح وتقسيمه والاداء المسرحي.
و انتقل بريخت بعد ذلك الى الولايات المتحدة واستقر في مدينة سانتا مونيكا، ورافقته في رحلته الممثلة الدانماركية روث بيرلو والممثلة البروليتارية الالمانية مارغريت ستيفان التي وافاها الاجل في موسكو.
وفي موطنه الجديد حاول بريخت الكتابة لهوليوود، ولكن المتنفذين فيها لم يوافقوا الا على نص واحد له وهو "الجلادون يموتون ايضاً" والذي حول الى فلم اخرجه المخرج السينمائي البارز فريتس لانك في عام 1942. وفي عام 1947 استدعي الى التحقيق من قبل لحنة النشاط المعادي لامريكا والتابعة للكونغرس الامريكي برئاسة جي. بارنل توماس. والتزم بريخت الصمت امام المحققين، ولم "يشاكس". وغادر بريخت الولايات المتحدة مباشرة دون انتظار حضور عرض مسرحيته "حياة غاليلو غاليلي" في مدينة نيويورك، والتي قام بدور البطولة فيها تشارلز لافتون الممثل المسرحي والسينمائي المعروف. وتحكي هذه المسرحية عن استسلام غاليلو، هذه الشخصية العلمية وتنازلها عن نظريته حول الكون امام محاكم التفتيش الدينية القروسطائية مقابل الابقاء على حياته. وفي خلال فترة بقائه في الولايات المتحدة تعرف على الناقد والاديب الانجليزي المقيم في الولايات المتحدة اريك بنتلي، من انصار السلام والتقدم المعروفين آنذاك، حيث قام الاخير بترجمة آثار بريخت الى اللغة الانجليزية لتسهيل تقديمها على مسارح الدول الناطقة بالانجليزية. وقد الف بنتلي اخيراً كتاباً قيماً عن حياة بريخت بعنوان "خواطري عن بريخت" الذي بعتبر افضل ما كتب عن هذا المبدع والفيلسوف. 
وانتقل بريخت الى سويسرا حيث عكف خلال سنة من استقراره في مدينة زوريخ على تقديم مسرحية "انتيغونا" لصوفوكوليس. كما قام بتأليف كتابه النظري المعروف حول المسرح وهو بعنوان "مبادئ مختصرة في المسرح". وبعد 15 سنة في المنفى عاد بريخت الى وطنه المانيا في عام 1948 واستقر في برلين حيث اسس مسرحاً خاصاً به هو مسرح "برلينر انسامبل". وشاركته في نشاطه زوجته الثانية هيلين فايغل التي تزوجها عام 1928 إذ قامت بأداء أدوار رئيسية في مسرحياته الى جانب إخراج هذه المسرحيات. ولم تخلو علاقاته مع الاجهزة الرسمية في المانيا الديمقراطية من المشاكل رغم انه كان يحاول تخطي المشاكل مع اجهزة الرقابة فيها. وفي ملاحظاته التي دونها آنذاك كتب يقول "اية أزمنة هي التي نعيشها عندما يصبح الحديث عن الشجرة جريمة لا تغتفر لانه يخترق جدار الصمت على الاعمال الشائنة!". ومن اجل التمتع بإمكانية الحركة والانتقال بحرية في اوربا، بادر الى طلب الحصول على جواز سفر نمساوي في عام 1950. 
لقد اصبح برتولت بريخت الاكثر شعبية في الشعر المعاصر، ولم ينافسه سوى شكسبير وشيللر. وشاعت شهرته بنحو اكثر عندما قام المخرج الفرنسي جين فيلار بإخراج مسرحية بريخت "الام الشجاعة وابنائها" في باريس عام 1951. وتبع ذلك قيام فرقة بريخت المسرحية "برلينر انسامبل" في المشاركة في المهرجان الدولي للمسرح في باريس عام 1954 مما زاد احترام العالم لفنه. وقد ترجمت مسرحياته الى42 لغة وطبعت مؤلفاته في 70 مجلداً.
لقد اراد بريخت من المسرح ان يتحول الى منبر للحوار وليس منصة للاوهام. ووضع مفهوماً جديداً للابداع المسرحي عرف بـ "التغريب" او "مسرح ابيك" او "المسرح الملحمي"، الذي يهدف الى حث دائرة النقد في ذهن المتفرج. ان هذا المفهوم يستند الى فكرة "صناعة ما هو غريب" وهذا ما يحوله الى فعل شعري. وكان بريخت يهدف من مفهومه الى انتزاع الانفعال من الانتاج المسرحي وابعاد المشاهد عن الشخصيات المسرحية وانفكاك الممثلين عن ادوارهم. وعند ذاك تصبح الحقيقة اكثر سهولة للادراك. وكان بريخت يردد على الدوام المقولة التالية :"لا شئ اهم من تعلم التفكير بشكل خام. فالتفكير الخام هو تفكير الرجال العظام". ان مسرح بريخت يهدف الى دفع المشاهد للتفكير. لقد قادت معتقدات بريخت الفلسفية الماركسية الى دمج وظيفتين للمسرح؛ اي وظيفة التوجيه والمتعة اوالتسلية. وهنا سعى بريخت الى ان يجعل من المسرح مشروع صورة للعالم بادوات فنية، ويقدم نماذج للحياة بإمكانها ان تساعد المتفرج على فهم بيئته الاجتماعية والسيطرة عليها من الناحية العقلانية والعاطفية. 
لم يعرف المعنيون بالمسرح في العراق بريخت الا متأخراً. ففي اوائل الخمسينيات حمل المسرحي البارز جاسم العبودي وزوجته الفاضلة الامريكية مارغريت العبودي بعد عودتهم من الولايات المتحدة ملامح المسرح الانطباعي ومدرسة ستانيسلافسكي بالذات ولم يقدموا مسرح بريخت الى الجمهور العراقي. لقد ارسى جاسم العبودي المسرح العراقي على اسس علمية حديثة، كما قامت السيدة الفاضلة مارغريت بتدريس اسس المكياج المسرحي العلمي وتتلمذ على يدها الكثير من طلبة معهد الفنون الجميلة ومنهم المسرحي عبدالله حبه. ولكن في منتصف الخمسينيات بدأ المهتمون بالمسرح قراءة ما يكتب عن بريخت في صحف عربية وعراقية. فقد كتب الرسام والمسرحي والصحفي عبدالله حبه في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي اول مقالة عن بريخت في مجلة السينما التي كان يصدرها المخرج السينمائي كامران حسني وهو نفس مخرج الفلم العراقي الشهير "سعيد افندي" الذي قام ببطولته كل من الفنان القدير يوسف العاني والفنان الرائع عبد الواحد طه والفنانة الموهوبة ناهدة الرماح. وبعد عودة الفنان الراحل ابراهيم جلال من الولايات المتحدة في اوائل الستينيات من القرن الماضي، عمل على ادراج مسرح بريخت في مادة الاخراج في معهد الفنون الجميلة وفي الاكاديمية. واعتمد المرحوم ابراهيم جلال مدرسة بريخت في الاسلوب التقني واعتمد الواقعية الملحمية ضمن نظرة فلسفية مع اضافة عناصر وتشكيلات من رقص وموسيقى في الاخراج. الا ان القمع السياسي لم يدع الفنان ابراهيم جلال تحقيق مشروعه بذريعة ماركسية هذا المنهج. لقد عمل ابراهيم جلال على هذا المنهج عند اخراجه لمسرحية "مصرع كليوباترا" لاحمد شوقي و "ماكبث" لشكسبير و "كاليغولا" لكامو و "فوانيس" لطه سالم. لقد تكللت جهود ابراهيم جلال في النجاح في النهاية عندما قام بإخراج مسرحية "البيك والسائق"، المقتبسة من مسرحية بريخت "بونتيلا وتابعه ماتي"، والتي جرى تعريقها من قبل الشاعر والسنياريست صادق الصائغ. وقد مثل دور بونتيلا الممثل القدير يوسف العاني ومثل دور ماتي الممثل البارع قاسم محمد. ان هذه المسرحية في الحقيقة كانت اطروحة الماجستير التي قدمها ابراهيم جلال في معهد غودمان ثياتر في الولايات المتحدة في اثناء دراسته.
في عام 1964 نشرت "سلسلة مسرحيات عالمية" لاول مرة نص مسرحية لبريخت وهي "القاعدة والاستثناء". "وكتب المسرحي الشاب علي رفيق الطالب في معهد الفنون الجميلة دراسة لهذا الاسلوب غير المألوف في العراق في المعهد. وتلقى المسرحي الشاب التشجيع من الفنان الراحل جعفر السعدي، وشرع علي رفيق بالاستعداد لاخراج هذه المسرحية. و تطلب التحضير لهذه المسرحية الاتفاق مع الشاعر الراحل طارق ياسين لتهيئة النص الشعري وتهيئته موسيقياً. وتولى الفنان الراحل كمال السيد بالتلحين، حيث لحن 11 اغنية وكانت اول اعماله الموسيقية. وبعد التدريب المضني على هذا الاسلوب الجديد تم العرض في عام 1965 ضمن الموسم المسرحي الطلابي الرابع على قاعة حقي الشبلي، وهو يعد اول عرض لاعمال بريخت في العراق. وعرضت المسرحية لمدة يومين ولكن تدخلت عمادة المعهد في اليوم الثالث ومنعت العرض وافرغت القاعة من الكراسي بذريعة ان المسرحية ماركسية!! ولكن مخرج العرض دخل القاعة عنوة ودعى الجمهور لمشاهدة المسرحية وقوفاً. وإستجاب الجمهور للعرض الذي دام ساعتان. وشارك في التمثيل كل من الفنانين سامي السراج وكاظم فارس وساهرة احمد وعبد الحسين كامل وحكمت الكلو وتحسين شعبان وعوني كرومي وقصي البصري وقاسم الملاك وفيصل صالح وصمم الديكور الفنان فائق حسين". *
ثم جرى تباعاً عرض مسرحيات لبريخت في العراق. فقام المخرج صلاح الكصب بإخراج مسرحية "محاكمة لوكولوس". واعاد الشهيد كاظم الخالدي إخراج مسرحية "القاعدة والاستثناء". كما قام المخرج فيصل المقدادي باخراج مسرحية "القائل نعم القائل لا". وقام المرحوم ابراهيم جلال بإخراج مسرحية "دائرة الطباشير القفقازية" بعد ان عرقها واعاد كتابتها المؤلف عادل كاظم واطلق عليها اسم "دائرة الفحم البغدادية" التي منعت بعد العرض الاول من قبل طارق عزيز منظر "النازيين العراقيين"، تماماً كما منعت اعمال بريخت من قبل غوبلز والسلطات النازية قبل خمسة عقود. وقام الفنان عوني كرومي بإخراج مسرحية " حياة غاليلو غاليلي" ايضاً.
لقد كان تأثير بريخت على المسرح المعاصر ضخماً ومثيراً للنقاش والجدل في نفس الوقت. ان المخرج والممثل والمصصم والمؤلف الموسيقي يحتفظون بمكانة متساوية في الانتاج، وهو ابداع جديد في الفن المسرحي. كما إن وجهة نظربريخت الماركسية كانت حجر عثرة امام اندماجه بالمسرح الغربي، في حين شكلت تكنيكاته الشكلية في خدمة المتعة الجمالية صعوبات جدية في الاداء المسرحي في الدول الاشتراكية. ولكن وبدون شك فان المشاهد والملابس التي استخدمها بريخت في عروضه المسرحية اضحت الاكثر نفوذاً في المسرح المعاصر.
تابع القراءة→

هموم المسرح العراقي .. من جديد في هولنــــــدا

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الجمعة, مايو 21, 2010  | لا يوجد تعليقات

لأن عالم المسرح العراقي بشخوصه المتعددة من ممثلين و كتاب و نقاد و متابعين و جمهور و مسارح شهدت العطاءات الرائعة ، و مهرجانات صفقت وأنتصرت للأبداع المسرحي العراقي في بقاع مختلفة من العالم ، لأن كل هؤلاء قد تركوا بصمة واضحة تفخر بها الثقافة العراقية عبر كل العهود في تأريخ العراق الحديث ، فإن المسرحيين العراقيين في هولندا ومن جديد ومن يواكب بعض من أعمالهم، رغم قلتها و ندرتها من متخصصين و جمهور، لا زالوا على نفس تلك الروح والأصرار الكبيرين في تقديم ما يمكن تقديمه، لا من أعمال فنية وحسب ، بل ولمتابعة هموم الثقافة العراقية ومنها المسرح وما يحيق به من أخطار و رغم أختلاف الزمان والجغرافيا ممن هم فيها وعليها و رغم الصعاب الكبيرة التي يعانون منها في بلدان الشتات و من أجل أن تبقى جذوة المسرح العراقي والفن العراقي الذي يحاكي هموم الشعب اليومية متوهجة ، منتصرة لتطلعات واحدة من أهم أماني الشعب العراقي في أن يحيا حياة مدنية حرة وكريمة ، تليق به وبعطاء أبناءه الثر والوفير ومنهم الفنانون العراقيون .. وأزاء ذلك كله ومن جديد ، فقد أنتظمت للمرة الثانية وبعد أشهر من اللقاء الأول ، الطاولة المسرحية الثانية التي نظمتها لجنة العمل الفكري و الثقافي في منظمة الحزب الشيوعي العراقي في هولندا يوم الجمعة المنصرم الموافق 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 و بالتعاون مع النادي الثقافي المندائي في مدينة دنهاخ ( لاهاي ) الهولندية والذي أكتضت قاعته بعدد من المتابعين والجمهور من أبناء الجالية العراقية في هولندا.
   
وقد جاءت أولى المساهمات على تلك الطاولة التي أتسعت لعدد من الفنانين والنقاد العراقيين لشيخ الفنانين والمسرحيين العراقيين الفنان القدير خليل شوقي الذي أسترجع من جديد معاني التضحيات التي قدمها الفنانون العراقيون منذ الأربعينيات، رغم عدم توفر أية بنى تحتية لما يمكن أن يسمى مسرحاً عراقياً ، وأشار الى الهموم الكبيرة التي حملها المسرحيون العراقيون منذ تلك السنوات وحتى يومنا هذا والتي لا يمكن تشخيصها بالسهولة المعتادة، لكثرة المنعطفات الكبيرة والخطيرة التي صاحبت الحياة اليومية للعراقيين ومنهم المسرحيون ، لذا فإن الحديث عن تشخيص الهموم مرة واحدة ، هو ما يمكن أن يترك للنقاد وللمتابعين وللجمهور للحديث عنه . كما أشار الى عدم وجود ما يسمى بمسرح عراق الداخل أو الخارج أو مسرح لجوء ، بل أن هناك مسرحاً عراقياً واحداً لا يتجزأ يحمل هويته المعروفة منذ عقود طويلة مضت .. وتابع بسرد مشوّق كعادته الى الكثير من الأعمال التي قدمها مع مجموعة من الفنانين الهواة في سنوات تلك العقود من أجل الأنتصار لقضايا الكادحين و هموم الناس اليومية وأعتبر المسرح جزء من قضية كبيرة هي قضية الشعب الوطنية ، تاركاً الحديث لأحد متابعي المسرح من النقاد الذي أستضافته الطاولة لكي يتحدث عن أنطباعاته التي لا تنقطع حتى اللحظة عن المسرح العراقي وشجونه ، فقد أشار الناقد ياسين النصيّر الى ما تطرق اليه الفنان خليل شوقي حول مفهوم المسرح و خشبة المسرح وما تعنيه وتحدث عن الجذور التأريخية لظهور المسرح في عهود ما قبل الميلاد والتي كانت عادة ما تتم في الهواء الطلق ,امام عامة الجمهور وأرتباطها بالطقوس الدينية وعبادة الخالق والتطلع اليه بأعتباره ( المنقذ ) لما يحيط بالناس من مشاكل أجتماعية وأقتصادية آنذاك، خذلهم فيها السلاطين والحكام في إيجاد حلول ناجعة لها واشار الى الى أن المسرح العراقي يحتوي على نوى فكرية كالتي يحويها المسرح العالمي و بوجود فنانين مسرحيين قديرين .. و تطرق الى ما كان يقدم من أعمال مسرحية أجتماعية نقدية في فترة الأربعينيات من القرن المنصرم ، دون وضوح الأبعاد السياسية لتلك الأعمال ، لكن ما تلا تلك الفترة تحديدا ، هو ظهور مسرح ذو قيمة أجتماعية كبيرة ، بعد أن أتضح و نضج البعد السياسي للكثير من الأعمال المسرحية ، كما صاحب ذلك تحول كبير في النص المسرحي وذلك لتعدد حالات الواقع الأجتماعي ومشاكله وذلك عبر الترابط الواضح للفصول واللوحات التي تحويها نصوص المسرحيات ، وكانت هذه الحالة سباقة للمسرح العراقي على بقية المسارح العربية ، كما أضاف المسرح العراقي الى شخصيته ، أستثماره للميثولوجيا العراقية القديمة من خلال أعمال متميزة كثيرة أضفت للمسرح ثقافة مسرحية جديدة بكل التفاصيل ، و تطرق الة فترة السبعينيات التي أعتبرها قفزة نوعية هائلة في أعمال المسرح العراقي ، حيث أتسعت دائرة الممثلين والكتاب و كثرة النصوص و بروز العديد من النقاد الذين أثروا الصفحات النقدية في العديد من المجلات والصحف المتخصصة في المسرح التي ظهرت آنذاك وأخذت تواكب هذا النشاط الكبير والمتلاحق ، وأشار الى حصاد المسرحيات العراقية للعديد من الجوائز في مهرجانات كثيرة داخل و خارج الوطن ، أضافة الى بروز العديد من الفرق المسرحية في العديد من محافظات العراق والتي قدمت وأنتجت أعمالاً و فنانين كبار ساهموا في عملية الأبداع الفني المسرحي وعلى سبيل المثال أشار النصيــّر الى أن عدد المسرحيات التي قدمت خلال خمس سنوات في تلك الفترة قد بلغ 182 عملاً مسرحياً ، ولهذا فإن هذا التطور الكمي والنوعي في تلك الأعمال قد أثار حفيظة السلطات الحاكمة آنذاك التي لم يرق لها هذا التلاحم الكبير بين الجمهور والفنانين المسرحيين وأعمالهم التي أرتبطت بهموم الناس و تطلعاتهم الحياتية اليومية .. ! وعن وجود الطاقات والكفاءات من الفنانين المسرحيين في أوروبا وغيرها من البلاد ، فقد أوضح أنها لا تؤشر بطبيعتها الى وجود مسرح عراقي واضح المعالم ، فهناك أعمال منفردة وقليلة ، تقدم هنا وهناك .. تبقى الحاجة الى وجود ترابط وصياغة جديدة وأستثمار أمثل لكل هذه الطاقات المبعثرة هنا وهناك .. وفي حديثه عن المسرح الكردي فقد أعتبره هو الوحيد الذي نشط في كثير من الأعمال والنصوص المسرحية وإقامة المهرجانات المنتظمة في بعض البلدان الأوروبية .
   
في الجزء الثاني من أعمال الطاولة المسرحية هذه التي غاب عنها عدد من الفنانين لأرتباطهم بأعمال أخرى كالفنانة مي شوقي والفنان فارس شوقي والفنان نور الدين فارس ، فقد أحتوى على مادة فيلمية ولقطات مصورة عرضت على الشاشة المعدة للعرض قدمها الفنان فارس الماشطة، لأعمال الفنان خليل شوقي ولحفلات التكريم وما نشرته الصحافة العراقية من صحف ومجلات عن تلك الأعمال وعن البوسترات الأخيرة لمسرحية ( السيد والعبد ) التي أدى أدوارها الفنان شوقي والفنان منذر حلمي وأخرجها الفنان الراحل الكبيرعوني كرومي والتي قدمت لأكثر من مرة في العاصمة الألمانية برلين قبل سنوات قلائل .. كما عُرضت صوراً لنشاطات الفنان الماشطة في الجزائر وغيرها من البلدان ، وأستمرت لقطات العرض المصوّرة التي هيأتها الشابة أروى عبر جهاز الكومبيوتر بأقتدار تتوالى أمام أنظار المتابعين، لنشاهد أعمالاً متميزة قدمها مسرحيو هولندا وهم يشاركون في مهرجان ( آسيا تلتقي آسيا ) في اليابان عام 2003 ، فها هي عشتار المفرجي و هادي الخزاعي وفارس الماشطة يقفون وبالأشتراك مع ممثلة يابانية على خشبة المسرح في إحدى القاعات المسرحية ليقدموا للجمهور الياباني ولأول مرة في تأريخ المسرح العراقي طاقاتهم الفنية والفكرية التي لاقت أستحسان الجمهور والصحافة اليابانية.
و دعا الرفيق سمير العتابي المتابع لأعمال المسرح العراقي الى تقديم أعمال جماعية واعية ذات معاني فكرية تحاكي هموم الشعب العراقي وما يقاسيه من هموم و محن .. و تحدث عن الأعمال التي قدمها الشيوعيون العراقييون في المعتقلات والسجون وفي نضالات الأنصار خلال عقد الثمانينات، متحدين ظروف القهر والأحوال الصعبة التي كانوا يعانون منها طوال تلك السنين .. وأشار الى الدعم المادي الذي بدونه لايمكن للمسرحيين العراقيين أن ينهضوا و يواصلوا تقديم عطاءاتهم الفنية والفكرية. وعاد الفنان فارس الماشطة من جديد ليقدّم هذه المرة مجموعة من الملاحظات والمقترحات للنهوض بالتعليم الأكاديمي المسرحي من خلال وجود مناهج طرق تدريسية واضحة و علمية و تطبيقية و تواجد الخبرات العملية الناضجة والمتمكنة و كذلك تنويع اللغات ( وتحديداً اللغة الأنكَليزية ) في عملية التدريس والتطبيق للطلبة الدارسين في الأكاديميات الفنية من أجل رفع المستوى الثقافي والعلمي للطلبة وأعتبار تلك مادة اللغة المذكورة شرطاً أساسياً لتجاوز الطلبة مراحلهم الدراسية التخصصية.
أما الأستاذ جاسم المطير وهو الذي واكب هموم المسرح والثقافة العراقية بشكل عام لعقود طويلة، فقد أشار الى أن النظرة الى هذا الفصل المهم والحيوي من الفنون يجب أن تتغير تغيراً كلياً بأعتباره عنصراً من عناصر التغيير الأجتماعي في بلدان عديدة والذي أسهم من خلال نشاطه المؤثر والواضح في تحريك عملية التغيير السياسي والأجتماعي وأشار بهذا الخصوص الى نماذج عديدة أسهم فيها الفنانون المسرحيون في العديد من البلدان . كما أشار الى عدم وجود ظروف موضوعية مؤاتية لنشوء مسرح عراقي في هولندا ، لعدم توفر الأمكانات المادية وصعوبة إيجادها ، مما يخلق عثرة واضحة في نشوء مثل هذا المسرح ، وشددّ على المقترحات التي قدمها في الطاولة المسرحية الأولى التي أنعقدت قبل أشهر ومنها الدعم المتواصل للمسرح العراقي في داخل الوطن ومناشدة الجهات الثقافية في تخصيص جائزة للأعمال المسرحية المتميزة بأسم الفنانة الكبيرة الراحلة ( زينب ) . وعن الأمكانات المادية التي يجدها ضرورية لمواصلة المسرحيين العراقيين لأعمالهم في الخارج ومواصلة دعم زملائهم في الداخل ، فقد أرتأى أن يتم التعاون مع المنظمات الهولندية ذات الأهتمام المشترك بالشؤون الثقافية لأشراك فناني الداخل من المسرحيين في أعمال مشتركة في داخل هولندا والأستفادة من الدعم المادي لتلك المنظمات. ولم يغب عن بال الأستاذ المطير الدور المهم الذي تلعبه القنوات الفضائية العراقية في تطوير المسرح العراقي بالتنسيق مع الأجهزة الثقافية في داخل الوطن ، كما أكد على ضرورة الأهتمام بالطاقات الشابة الواعدة وصقلها وخلق مسرح للشباب ، يمكن أن يكون للرواد من المسرحيين دوراً مؤثراً وكبيراً في تطويره.
الفنان حمودي الحارثي الذي حضر هذا اللقاء الثقافي للمرة الثانية وبحماس كبير، أشار الى أن الملاحظات والتجارب التي تحدث عنها بقية الفنانين والنقاد المشاركين في الندوة قد أغنت هذا اللقاء الشيّق وأبدى أستعداده الدائم لأغناء أية تجربة أو مشروع أو تجمع للمسرحيين العراقيين في هولندا والمساهمة معهم في رفد الثقافة العراقية في الداخل والخارج من خلال الأعمال المسرحية أو التمثيلية .
ولم تكتفي كاميرات التصوير الثابتة والمحمولة التي وجدت لها حضوراً ملحوظاً عن قناتي الفيحاء والعراقية الفضائيتين في تغطية هذا اللقاء المهم ، بل وساهم الأعلامي كريم بدر عن قناة الفيحاء في الحديث عن سنوات القهر التي عاشها الفنانون المسرحيون العراقيون خلال عقد الثمانينات من القرن المنصرم وما قدموه من أعمال فنية متميزة رغم سلطة الرقيب و دموية النظام السابق ، وأشار الى مجموعة من تلك الأعمال والى أولئك الفنانين البواسل الذين واصلوا عطاءاتهم داخل الوطن رغم تداعيات الحرب التي فرضت نفسها على حياة الناس والتي تم تجسيدها في أعمال مسرحية عدة. ودعا بدر النقاد والكتاب والمهتمين بشؤون المسرح الى تسليط الضوء على تلك الأعمال الرائعة ومعانيها العميقة في تلك السنوات المريرة من حياة الشعب العراقي.
ومع أقتراب الوقت المخصص لهذا اللقاء على نهايته ، فقد أستثمر بعض الحضور من الجمهور الدقائق المتبقية ليشارك في تقديم عدد من المقترحات ، منها تشكيل رابطة للمسرحيين العراقيين في هولندا تضم نقاداً و ممثلين وكتاباً ، يمكن لها أن تساهم في أحتضان الطاقات المسرحية المتواجدة و تربية كوادر مسرحية شابة والتواصل مع الداخل.
الفنان المسرحي هادي الخزاعي الذي أدار الحوار بكفاءته وخبرته المعهودة خلال الساعات الثلاث لهذا اللقاء وبالأشتراك مع الدكتور هاشم نعمة عن لجنة العمل الفكري و الثقافي في المنظمة ، أشار بدوره الى ضرورة إنشاء رابطة للمسرحيين العراقيين و ضرورة التنسيق مع منظمات الشبيبة الهولندية لتدريب الكوادر العراقية الشابة والأستفادة من الدعم المادي لتلك المنظمات.


التغطية الصحفية / المكتب الأعلامي - منظمة الحزب الشيوعي العراقي في هولندا

تابع القراءة→

الأربعاء، مايو 19، 2010

«حلاق اشبيلية» لبايزيلو: قبل أن يدخل روسيني على الخط

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 19, 2010  | لا يوجد تعليقات



ابراهيم العريس


تعتبر أوبرا «حلاق اشبيلية» للإيطالي جاكينو روسيني، من أشهر الأوبرات في تاريخ هذا الفن... وهي بلغت من الشهرة ان نسي الناس ان النص المسرحي الأصلي الذي أخذت منه، وهو من تأليف الفرنسي بومارشيه، كان ذات يوم عماد حركة مسرحية نشطة... وكذلك كانت أوبرا روسيني من الشهرة بحيث نسي الناس – بمن فيهم هواة فن الأوبرا – أنه كان ثمة قبل دخول روسيني ميدان هذا العمل أوبرا أخرى تحمل الاسم نفسه، ومقتبسة بدورها عن مسرحية بومارشيه وضعها مواطن روسيني، جوفاني بايزيلو، لتقدم في عرضها الافتتاحي في سانت بطرسبرغ، عاصمة روسيا في العام 1782، أي قبل 34 سنة من العرض الافتتاحي لـ «حلاق اشبيلية» التي نعرفها اليوم.  

* من الناحية المسرحية، نحن أمام العمل نفسه في الحالين. ولكن من الناحية الموسيقية من الواضح أننا أمام عملين مختلفين تماماً عن بعضهما البعض... وكذلك ثمة اختلاف وان يكن أقل بكثير، بين الاقتباس الذي حققه كاتب نص أوبرا بايزيلو (بتروزيليني)، والاقتباس الآخر الذي حققه كاتب النص الذي لحنه روسيني (تشيزار ستربيني)... حتى وان كان الكاتبان قد بقيا أمينين للنص المسرحي الأصلي. ومنذ البداية هنا لا بد من القول ان روعة العمل الموسيقي الذي حققه روسيني لهذه الأوبرا، كان لا بد له من أن يمحو من الذاكرة، والى حد كبير، العمل الذي سبقه والذي يكاد يكون منسياً اليوم، حتى وان كان يقدم في ايطاليا أو في روسيا بين الحين والآخر، على سبيل الذكرى لا أكثر.

ومع هذا، لا بأس من التوقف هنا عند «حلاق اشبيلية» كما لحنها بايزيلو، لأنها – على أية حال – تبقى الأشهر بين أعماله، هو الذي كتب عشرات الأعمال الأوبرالية طوال حياة غنية، ملأت القرن الثامن عشر، وكاد خلالها أن يكون فريد زمنه في هذا الفن... وكان واحداً من مؤسسي حقبته التالية التي شغلت القرن التاسع عشر بأسماء عرفت كيف تغطي على اسم بايزيلو، وأسماء معاصريه، بحيث بات يخيل الى كثر ان ايطاليا عرفت نهضة أوبرالية، في حقبة فصلت بين بدايات مونتفردي العظيمة، وظهور روسيني وفردي ومن لف لفهما، من صانعي مجد هذا الفن في ايطاليا القرن التاسع عشر.

من ناحية الموضوع تتبع أوبرا بايزيلو، السياق نفسه الذي يسير روسيني على هديه في أوبراه... أي الخط الحدثي الذي صاغه بومارشيه علماً بأن هذا الأخير، حين كتب العمل في المرة الأولى، من خمسة فصول، صاغه أصلاً على شكل أوبرا هزلية كتب لها الموسيقى بنفسه. ولكن، اذ لم يحقق ذلك العمل أي نجاح يذكر، واذ سخر كثر من جهود بومارشيه الموسيقية، عاد هذا واكتفى بتقديم العمل كمسرحية. حتى اليوم، لم يبق أي أثر حقيقي من موسيقى بومارشيه. أما تلحين بايزويلو للعمل فقد بقي كما أسلفنا... وان كانت عبقرية روسيني اللاحقة قد نسفته نسفاً. اذاً، تدور أحداث أوبرا بايزيلو، بدورها، في مدينة اشبيلية الاسبانية. وعندنا هنا، منذ البداية الكونت المافيفا (تينور) يعبر عن غرامه المولّه بالحسناء روزينا (سوبرانو). وها هو يشكو من عدم قدرته على الالتقاء بها أبداً، لأن وصيها وأستاذها الدون بارتولو يصادرها في بيتها ويكاد لا يسمح لها بمقابلة أي انسان. وذات يوم، وفيما كان الكونت المافيفا يتلصص سراً، مترقباً ولو فرصة عابرة لمشاهدة محبوبته، ولو عبر نافذة البيت الذي تقيم فيه، يلتقي الحلاق فيغارو (باريتون) فيكاشفه بما يعزيه من حب راشجان. وهنا يخبره فيغارو، الذي – بوصفه حلاقاً – يعرف كل الأسرار عن كل الناس، ان الدون بارتولو انما هو في حقيقة أمره، مغرم بدوره بالحسناء روزينا، ويخطط للزواج منها... بل يضيف ان العرس من المفروض أن يحتفل به في ذلك اليوم تحديداً. وهنا، اثر ذلك، تظهر روزينا عند النافذة لتغني مناشدة عاشقها الغامض أن يغني لكي تتعرف عليه. وعلى الفور يرتجل الكونت الموله أغنية من نوع «سبرينادا» مدعياً انه الطالب لندور. وهنا يقرر الحلاق فيغارو أن يمد يد العون لصديقه الجديد الكونت المافيفا... مسارعاً بتسليمه، قبل أي شيء آخر، رسالة من روزينا. ثم ينصحه بأن يقدم على الدخول الى بيت الدون بارتولو، حيث تقيم الفتاة، بزعم انه جندي ثمل يبحث عن مأوى يلتجئ اليه. وتنجح الحيلة، ما يمكن الكونت من أن يناول روزينا رسالة كتبها رداً على الرسالة التي كان قد تسلمها منها من طريق فيغارو.

هكذا اذاً يدخل المافيفا الى مأوى محبوبته في المرة الأولى، لكنها لن تكون الأخيرة... اذ في المرة الثانية، ودائماً بناء على نصيحة الحلاق فيغارو، يتمكن من الدخول مدعياً هذه المرة أنه بازيل، مدرب الموسيقى الذي يتولى تعليم روزينا هذا الفن... غير أنه ما ان ينجح في الدخول حتى يُكتشف أمره – اذ يصل الاستاذ بازيل الحقيقي – ويطرد من المنزل... غير ان الحلاق الأمين الصدوق، يظل بالمرصاد لكل العوائق التي تقف في وجه الكونت... اذ ها هو هذه المرة قد تمكن بحيلة من الحيل من الحصول على مفتاح باب يوصل الى سطيحة بيت الدون بارتولو. وهكذا، من جديد، وفي غياب بارتولو (الذي ذهب الى مركز الشرطة ليقدم شكوى ضد تدخل المدعو لندور في حياته وحياة خطيبته روزينا)، كما في غياب أستاذ الموسيقى الحقيقي دون بازيل (الذي كان قد أرسل لكي يحضر موثق عقود يتولى تسجيل عقد زواج بارنولو من روزينا)، يتمكن الكونت المافيفا من الوصول الى الحصن المتبع، حيث حبيبته... وبعد لحظات حين يصل موثق العقود الذي كان بارتولو قد استدعاه، ينتهز العاشقان فرصة وجوده لكي يعقد الزواج بينهما، خفية عن بارتولو الذي لم يكن قد عاد من مركز الشرطة بعد. وحين يصل بارتولو عائداً الى بيته فرحاً بأن الشرطة ستستجيب له، وتلقي القبض على لندور فيتخلص منه، ويخلو له الجو مع حبيبته، تكون المفاجأة المرة في انتظاره... ولا يكون في وسعه الا ان يستسلم تاركاً للشابة حرية اختيار زوجها، وتاركاً للكونت فرصة الاقتران بحبيبته.

اذاً، نحن هنا أمام الأحداث نفسها... وهي – كما نعرف – الأحداث التي استكملها موتزارت، بعمله الأوبرالي الكبير «زواج فيغارو» في اقتباس عن بومارشيه أيضاً. وبالنسبة الى بايزولو، فإن ما لا بد من قوله هو ان عدم فهم كاتب نص أوبراه، لروح مسرحية بومارشيه أدى الى تسطيح الشخصيات تماماً، ولا سيما شخصية فيغارو الذي لم يعد هنا سوى شخصية ثانوية مساعدة على جعل الأحداث، ولقاء الحبيبين، ممكنة... بينما نعرف أنه في مسرحية بومارشيه، كما في الأوبرا التي سينتجها روسيني لاحقاً، هو لب الأحداث ومحركها، بحيث يصبح تدخله هو الأساس... ومن هنا نرى تركيز الملحن، موسيقياً، على الشخصيات الأخرى، ولا سيما على شخصية بارتولو... ما حول العمل مجموعة مشاهد كوميدية لا أكثر. ومع هذا حققت الأوبرا حين عرضت للمرة الأولى، ثم بعد ذلك حين توالت عروضها في ايطاليا وغيرها نجاحاً كبيراً، اذ اعتبرت واحدة من أكثر الأعمال الأوبرالية شعبية في زمنها، ما رفع بايزولو الى المكانة الأولى. وجوفاني بايزيلو (1740 – 1816) عرف بأعمال أوبرالية عدة غير «حلاق اشبيلية» ومنها «لامولينارا» و «نينا: مجنونة الحب» و «سقراط المتخيل»... وتروى حكايات عدة عن موته، أقر بها الى الواقع أنه قضى حزيناً، بعد خمسة أيام من اهانة الملك له، بسبب أوبرا كتبها ولم ترق الملك.


الحياة 
تابع القراءة→

الفنانة زينب صوت من المنفى وصور في ذاكرة الإبداع العراقي / جمانة القروي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 19, 2010  | لا يوجد تعليقات


                                                                          الفنانة زينب مع الفنان الرائد يوسف العاني



هل يذكرنا الناس الذين سيأتون بعد مائة عام أم ينسوننا؟ هذه الجملة قالها الكاتب العظيم تشيخوف في مسرحية " الشقيقات الثلاث " وكأنه كان يتنبأ بالمستقبل ويخاف الأيام التي قد تعبث بذاكرة الناس فلا يعودون يتذكرون مبدعيهم وصانعي تراثهم .. فهل يذكر العراقيون الفنانة زينب ؟؟ انها فنانة مسرحية معطاءة .. عرفتها مسارح بغداد والمحافظات، ممثلة ملتزمة وظفت فنها من اجل مسرح عراقي تقدمي هادف يرفع من مستوى الذوق الفني العام. مناضلة تقدمية شجاعة وقفت حياتها وفنها من أجل قضية شعبها ووطنها.. فهل بقي أحد من جيل الخمسينيات والستينيات الذي سحق تحت رحى التعذيب والإرهاب والمقابر الجماعية يتذكر صرختها وهي تقول " أنه أمك يا شاكر "!!! وهل يعرف جيل السبعينيات والثمانينيات .. جيل الحصار والحروب والقمع من هي " سليمة الخبازة " في (النخلة والجيران) لرائعة غائب طعمة فرمان؟ .. وأنى لهم ذلك وسلطة الموت والخوف حرفت تاريخ العراق وطمست كل ما هو تقدمي ووطني؟ ... من هي زينب ؟؟ امرأة متسلحة بالطيبة والبساطة ، ذات قيم ومبادئ.. مناضلة إيمانها ثابت بقضايا شعبنا الأساسية .. فنانة ذات موهبة إبداعية رفيعة .. ولدت فنانة الشعب زينب " فخرية عبد الكريم " في بغداد بين أحضان عائلة وطنية معروفة في مقارعتها للظلم والتعسف والاستعمار والإقطاع ، كان والدها يعمل مديرا للزراعة ، وبحكم ذلك انتقل وعائلته إلى العديد من المحافظات العراقية ومنها محافظة الناصرية " ذي قار " حيث نشأت وترعرعت هناك.. ثم انتقلت إلى محافظة الكوت " واسط " لتكمل فيها المرحلة المتوسطة.. ثم عادت إلى بغداد وهناك تابعت دراستها الإعدادية ثم دخلت دار المعلمين العالية وتخرجت فيها .. في عام 1948 دخلت المعترك السياسي ، فكان لها دور بارز ومتميز في الكفاح الذي خاضه شعبنا ضد معاهدة بورتسموث وحكومة صالح جبر إبان وثبة كانون المجيدة ، حيث كانت زينب في مقدمة المظاهرات الطلابية التي اجتاحت بغداد آنذاك.. انتمت إلى الحزب الشيوعي عام 1950 .. وساهمت بشكل فعال في المظاهرات التي اجتاحت بغداد في تشرين الثاني عام 1952 وما رافقها من المعارك الدموية التي خاضها شعبنا ضد حكوماته الرجعية .. التحقت الفنانة زينب بفرقة " المسرح الحديث " سنة 1959 ، حيث قدمت أول أدوارها وهو أم شاكر في مسرحية " انه أمك يا شاكر " .. مع الفنان يوسف العاني .. ثم توالت أعمالها المسرحية والتلفازية والسينمائية والإذاعية .. إلى جانب موهبتها الفنية ، كانت تكتب القصة القصيرة وكذلك التمثيليات الإذاعية ، كان يُسمع لها كل أسبوع تمثيلية إذاعية من تأليفها .. استمرت الفنانة زينب في عطائها الفني إلى أن وقع انقلاب 8 شباط عام 1963 المشؤوم ، فخرجت لتؤدي واجبها الوطني في الدفاع عن ثورة 14 تموز المجيدة مع جماهير الشعب من اجل بقاء شعلة الثورة وهاجة ، إلا أن أعداء الشعب القتلة كانوا قد صمموا واعدوا كل شيء من اجل وأعداد الثورة. فاضطرت للهروب إلى كردستان والمكوث هناك حوالي سنة ونصف السنة، إلا أنها عادت إلى بغداد عام 1965 لممارسة نشاطها في المنظمات النسائية وعملت مدرسة في مدرسة النجاح الأهلية. أعيدت زينب إلى وظيفتها أسوة بباقي المفصولين السياسيين عام 1968 حيث عينت في مدرسة ثانوية المنصور ثم أصبحت فيما بعد مشرفة تربوية .. في نفس العام مثلت مع الفنان خليل شوقي فيلم " الحارس " الذي حاز على الجائزة الفضية لمهرجان قرطاج السينمائي في تونس .. أزدهر عطاء الفنانة زينب في السنوات التالية من خلال فرقة " المسرح الفني الحديث " فمثلت أدواراً جادة وهادفة في مسرحيات " تموز يقرع الناقوس "و"الخرابة " و"الخان "و "بيت برنادا ألبا " التي حازت فيها على جائزة أحسن ممثلة في العراق أما دورها في مسرحية " النخلة والجيران "فقد كانت نقلة هامة في حياتها الفنية ، فمن منا لا يذكر " سليمة الخبازة "؟؟ لم يقتصر عطاؤها الفني على السينما والمسرح ، بل قدمت أعمالا كثيرة للإذاعة والتلفاز ومن أهم تلك الأعمال " الربح والحب " ، " بائع الأحذية " وقد نالت عن هذين العملين الجائزة الأولى في مهرجان الخليج التلفازي. اقترنت الفنانة زينب بالمخرج والفنان لطيف صالح عام 1970 ليكون رفيق مشوارها الفني والسياسي، وعملت في نقابة الفنانين وفي اتحاد الأدباء ورابطة المرأة العراقية منذ تأسيسها. 


قامة المسرح الفارعةإختارت “ فنانة الشعب الراحلة “ زينب المنفى الإجباري بعد أن قامت السلطة المجرمة بتشديد الخناق عليها وذلك بمنعها من دخول مبنى الإذاعة والتلفاز وجرى توقف عرض المسلسلات التي كانت الراحلة تكتبها للإذاعة مثل (أمل والريح) و(ما فات القطار )و(في مهب الريح) و(الساقية المهجورة) وتعددت المنافي (في عدن وسوريا وصوفيا والسويد وغيرها). كان الوطن والمسرح هاجسها الدائم فكانت تقوم بتشكيل الفرق المسرحية مع زوجها الفنان لطيف وبمشاركة نخبة رائعة من الممثلين العراقيين التقدميين، في الوقت الذي تقوم به بتمثيل أغلب الأدوار الرئيسية. ففي عدن ساهمت بإنشاء فرقة الصداقة وفي سوريا فرقة بابل وفي السويد فرقة مسرح سومر ، ومن المسرحيات التي قدمتها في الغربة : ثورة الموتى ، القسمة والحلم ، المملكة السوداء ،رئيس المملوك جابر ، غرف التعذيب ،والأم والتي هي رواية للكاتب مكسيم غوركي، والجوع ، ويا غريب إذكر هلك ، وقارب في غابة وغيرها الكثير وحينما مكثت في دمشق كان أكثر أعمالها لإذاعة صوت الشعب العراقي. هذه الإذاعة كانت تبث من العاصمة السورية دمشق البرامج والأناشيد الوطنية للدعاية والتحريض ضد النظام العراقي المنهار ! وكانت الراحلة تملك ثقافة عالية عكستها كتاباتها الدرامية ومنها : ليطة والريح والحب وتحقيق مع أم حميد وبائعة الأحذية ، ونحن نتذكر بألم بالغ رحيل الإبنة البارة لشعبنا العراقي الذي غيبها الموت عنا في وقت مبكر وهي في أوج عطائها الفني ، لا يسعنا إلاّ أن نشاطر رفاقها وأصدقاءها ومحبوا فنها الأصيل ، الحزن والألم في داخل العراق وفي الدول التي يتواجد بها أبناء العراق وما أكثرها !! ونطلب من الحكومة العراقية بأن تقيم لها تمثالاً يتوسط إحدى ساحات بغداد الرئيسية وأن تجمع تراثها الفني من مسرحيات الى أفلام وغيرها وأن تقوم بتعريف المجتمع العراقي بها وخاصة الجيل الجديد !! وأن تصدر طابعاً عراقياً لتخليدها وقبل ذلك كله على الحكومة أن تمنح عائلتها راتباً تقاعدياً مع جميع مستحقاتها الأخرى .
ستبقى فنانة الشعب زينب في قلب كل عراقي أصيل ، الخلود لها ولفنها الرفيع ويا أحباءنا أوقدوا الشموع وضعوا الزهور على قبر زينب في الثالث عشر من آب ذكرى رحيل إبنة الشعب العراقي والقامة الفارعة للسينما والمسرح العراقي الملتزم ، بعد صراع مرير مع مرض السرطان ، الذي قضى عليها في نهاية المطاف ، بعد أن وقفت شامخة ومتحدية له مدة طويلة الى حد ما ! ( الفنانة الرائعة زينب ) حيث توقف قلبها الحنون عن الخفقان في مثل هذا اليوم في مدينة يوتوبوري السويدية وهي بين رفاقها وأصدقائها من الفنانين والأدباء والشعراء وغيرهم ، بعد شهور عديدة عاشوها بحزن وألم حينما سمعوا بصراعها مع المرض ولم تنقطع زياراتهم عنها حتى آخر لحظة من حياتها المليئة بالعطاء وبحب الناس ، وتوافد المشيعون عليها من عدة دول بالإضافة الى المدن السويدية وكانت عيونهم تغرق بالدموع وهم يعزون زوجها الفنان لطيف الذي وقف بصبر رجولي الى جانبها كل لحظة وكان يشد من أزرها لتحمل الألم والمعاناة ، والذي كانت خسارته لها لا تقدر بثمن. 
 

تابع القراءة→

My Network Places.files MOHSSN ALNASIR

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 19, 2010  | 1 تعليق

تابع القراءة→

My Network Places.files MOHSSN ALNASIR

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 19, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

My Network Places.files MOHSSN ALNASIR

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 19, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

My Network Places.files MOHSSN ALNASIR

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 19, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

My Network Places.files MOHSSN ALNASIR

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 19, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

النشاط يعود إلى أوصال المسرح العراقي

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 19, 2010  | لا يوجد تعليقات

بعد سنوات الحرمان والهجرة

على الرغم من الأوضاع غير العادية فإن قطاعات كثيرة في العراق تشهد مساعي نشطة على أيدي عاملين فيها يقدمون أقصى ما في مقدورهم بغية إنجاز أكبر قدر مما يستطيعون لأداء واجباتهم والتزاماتهم، كل في نطاق عمله، بهدف تحسين الأحوال عموما. ومن هؤلاء يبرز الفنانون العراقيون، وبالذات المسرحيون منهم.
على هذا الصعيد يؤكد خبراء المسرح العراقي أن هذا الفن ارتبط بالسياسة في العراق منذ ظهوره أواخر النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما كان العراق يشهد تداعيا لحكم الدولة العثمانية وتمهيدا لولوج البلاد حقبة جديدة تمثلت في الاستعمار البريطاني.

وتؤكد المبادرة الأخيرة للمسرحيين العراقيين مدى ارتباط المسرح بالسياسة في العراق، إذ قدّم مسرحيون عراقيون مؤخرا عرضا كان الهدف منه تحفيز الناس للمشاركة في الانتخابات التشريعية التي من المقرر إجراؤها خلال العام المقبل. وجاءت هذه المبادرة على شكل عروض باللهجة العراقية وبنص كوميدي سلس يتقبله المواطن العراقي العادي. وليست هذه هي المرة الأولى التي يثبت المسرح العراقي صلاته بالسياسة، إذ سبق أن قدم هذا المسرح عروضا مسرحية أدانت أعمال العنف والإرهاب، وكان بعضها بأسلوب كوميدي، كما شارك عدد من الفنانين في عروض انتقدت، ولو بطريقة غير مباشرة، ساسة البلاد والأوضاع السياسية عموما.

ولا يعتبر هذا أمرا جديدا، إذ ترافقت مسيرة المسرح في العراق أيضا مع أحداث وتطورات سياسية تركت بصمات على تاريخ العراق الحديث. لذا فإن متابعة تطور المسرح العراقي يلحظ سردا لتاريخ العراق السياسي خلال نفس تلك الفترة، إضافة إلى مراجعة صفحات من الحياة الاجتماعية والثقافية للبلاد في الفترة ذاتها. فبعد نشأته أواخر القرن التاسع عشر ارتبط المسرح في العراق بالسياسة، ثم بالأحزاب السياسية في البلاد، لا سيما اليسارية منها، التي ساهمت في تطوير فن المسرح للولوج من خلاله إلى قلوب وأفئدة عامة الناس.

وبناء عليه فإن الفضل في تطور المسرح العراقي يعود، وبدرجة كبيرة، أولا إلى المتحمسين ومن بينهم سياسيون نشطون، ثم إلى الأحزاب السياسية، وأخيرا إلى القطاع الأهلي في البلاد.

ومن ناحية أخرى لعب المسرحيون العراقيون إلى جانب بعض المطربين والمطربات دورا كبيرا في ظهور السينما في العراق، وكان ذلك خلال أربعينات القرن الماضي. ولكن على الرغم من هذه المشاركة لم تحظَ السينما العراقية بالقدر نفسه من النجاح الذي رافق مسيرة المسرح هناك. وبين أسباب ذلك أن صناعة السينما تحتاج إلى رأسمال كبير بعكس المسرح، ورأس المال هذا كان يمكن للدولة فقط توفيره. وبالفعل قامت الدولة خلال فترات معينة بتخصيص مبالغ ضخمة، ولكن فقط لتلك الأفلام التي تمجد السلطة وتحكي حياة زعيمها، ولذا نجد أن السياسة التي لعبت دورا يمكن وصفه بالإيجابي في ازدهار المسرح في العراق، كانت سببا في كبح تطوير السينما في العراق وهروب عدد كبير من الفنانين العراقيين إلى الخارج. وبسبب الموقف السلبي حيالهم إبان حكم الرئيس السابق صدام حسين، كرّر المسرحيون في العراق نموذج زملائهم السينمائيين فغادر عدد كبير منهم بلادهم خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، وفارق بعضهم الحياة في المهجر.

ولكن بعد التحولات الأخيرة في العراق، قبل ما يزيد عن ست سنوات، عاد كثيرون من هؤلاء إلى وطنهم، وانضم عدد منهم بنشاط للمشاركة من جديد في مسيرة المسرح العراقي.

في أعقاب التغيير (عام 2003) نشطت منظمات أهلية، وبعضها يعرف عنها ارتباطها بتيارات سياسية معينة، في مجال تطوير صنوف الفن في العراق ومن بينها المسرح. وشهدت البلاد محاولات لإعادة المسرحية على عرش ملاذات العائلة العراقية في تمضية الأمسيات بعدما تراجعت السينما من القيام بهذا الدور. ولكن كيف ذلك وحالة منع التجوال مساء كانت سارية في العراق حتى وقت قريب؟ لمعالجة ذلك لجأ المسرحيون العراقيون إلى العروض النهارية. على صعيد ثانٍ، كاد المسرح العراقي بسبب المد الديني يبتعد عن مقومات كثيرة يستند إليها في عروضه التي يلجأ فيها إلى استخدام وسائل الترفيه والتسلية. وواجه غالبية الفنانين في العراق هذا الوضع الجديد بإصرارهم على إعادة الأغاني ووصلات الرقص وعرضها أمام رواد المسرح. وكان هذا الموقف من أسباب الهجمة الإرهابية على دور المسارح. ولكن على الرغم من أعمال العنف والإرهاب لم ينقطع الفنانون العراقيون عن تدريباتهم وتمارينهم استعدادا لعرض هذه المسرحية أو تلك، وانضموا بذلك إلى بقية العراقيين في القول: «نحن نخرج من البيت ولا ندري هل سنعود إليه أحياء». كما أن تدفق الجمهور (وبالأخص من الشباب) على دور المسرح لم ينقطع.

لقد جسد المسرحيون ما يشهده بلدهم في عروض تنتقد الوضع الراهن ولو بشكل مبطن، مثل عرض مسرحية تحمل اسم «حقل الأحلام»، والمقصود بها حقل للألغام. ولم يكتفِ فنانو المسرح في العراق بهذا القدر، بل إنهم ذهبوا إلى حد انتقاد رجال السياسة أنفسهم على غرار ما جاء في إحدى المسرحيات من نصيحة لهؤلاء بالتوجه إلى كوكب آخر وحل خلافاتهم هناك قبل العودة إلى العراق.

---------------------------
المصدر :صوفيا: علي طالب - الشرق الأوسط 

تابع القراءة→

My Network Places.files MOHSSN ALNASIR

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 19, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

يوسف العاني: حين لا أتمكن من قول الحقيقة في نص مسرحي فلن اكتبه

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 19, 2010  | لا يوجد تعليقات

دخل الفنان يوسف العاني العقد السابع من عمره والخامس من سيرة فنية توزعت على المسرح والسينما والاذاعة والتلفزيون والصحافة أيضاَ، كتب في عام 1944 أول مسرحية له ومثلها وأخرجها، تخرج في كلية الحقوق عام 1950. درس في معهد الفنون الجميلة ( فرع التمثيل ) لمدة أربع سنوات، وكان الاول في كل الدورات وفصل في السنة الاخيرة ( عام 1953 ) لمواقفه الوطنية. ساهم بتأسيس "فرقة المسرح الفني الحديث" مع الفنان الراحل ابراهيم جلال وعدد من المثقفين الشباب عام 1952 . كتب ( 43 ) مسرحية من فصل واحد وأعدّ ( 25 ) مسرحية مثّل اغلبها بطريقة اظهرته شخصية مسرحية عراقية تقدمت الصفوف بما تستحق .
 يوسف العاني في هذا الحوار يبوح لـ"الشرق الاوسط" عن جانبه "المسرحي" ومواقفه من قضايا شتى :
*  اذا ذكر التحديث في المسرح العراقي، يذكر أسم "فرقة المسرح الفني الحديث" بل هو للانصاف يبدو قريناَ بأسم الفنان يوسف العاني، في هذه السيرة التي بدأت جادة، ولكنها توارت الان، مالذي يقول عنها الفنان يوسف العاني ؟ -  نعم كانت سيرة جادة، ورؤيتك لها دقيقة، ولكن للامانة أقول لم يكن التحديث مقترناَ بأسمي فقط ، بل بأسم اعضاء ( فرقة المسرح الفني الحديث ) ، أما ما برزت انا شخصياَ فيه فهو: التحديث في كتابة النص المسرحي . فكتبت مسرحيات أختلفت فعلاَ عن السياقات السائدة في مسرح تلك الفترة وهو ما بدأ فعلاَ في مسرحية " راس الشليلة" في عام 1950 . وقبل هذه الفترة كان التهيؤ قد بدأ لتأسيس فرقة المسرح الفني الحديث واثناء الدراسة في معهد الفنون الجميلة، خالفنا ( انا وسامي عبد الحميد وبدري حسون فريد ) بمعاونة الفنان المرحوم ابراهيم جلال الذي كان يرأس فرع المسرح في المعهد، الاتجاه التقليدي في العروض المسرحية. واخترقنا لاحقاَ الجدران التي تحول بين المسرح وبين الجماهير الواسعة المتعطشة لفن أصيل وفيه قراءة جديدة للفكر والواقع .
هذه الخطوة ولجذريتها كانت مثار إمتعاض السلطة انذاك، وبعد ان أبعد ابراهيم جلال عن معهد الفنون الجميلة ومنعت عدة مسرحيات كتبتها بدأنا التفكير بتكوين فرقة مسرحية، وهكذا تأسست عام 1952. وبدأت بتحويل المفهوم السائد عن المسرح في العراق، الى آخر مغاير، له علاقة بمفهوم سليم عنه، مرتبط بالناس أولاَ وعامل مثبت لاسس الفن المسرحي وكما عرفنا نماذجه الرفيعة اثناء الدراسة ، ثانياَ . واذا ارتبط التحديث في الفرقة – كما قلت – بأسمي، فهو يعود الى كونني المحرك لهذه الفرقة، بسبب تفرغي لها، فلم اكن موظفاَ ولم اكن مرتبطا بعمل غير ممارستي للمحاماة، وهذا أمدتني بعلاقة خصبة مع حالات انسانية، هذا الانهماك منح الناس اقناعاَ بأن يوسف العاني هو الاساس في الفرقة، ولكن الحقيقة ان الفرقة كانت تضم عناصر موهوبة وكفوءة، يكفي انها الان تركت بصمات رائدة في المسرح العراقي والعربي .

وهذه المجموعة من العاملين في المسرح كانت تضع امامها عاملين، الاول هو الارتباط بالناس وعياَ وتعبيرا،َ والثاني قراءة العمل المسرحي التي هي بصدد تقديمه لما كانت تعيشه البلاد من ظروف اجتماعية وسياسية، لا بطريقة النقل المباشر والتعبير الفج، بل بالصياغة الفنية المتقدمة . من هنا لابد من الاشارة الى ان المسرح العراقي بدأ سياسياَ، ولم يسيس كما جرى ذلك للعديد من المسارح العربية، بل ان المسرح العراقي ذاته بدأ بعد ثورة العشرين التي بدأتها المدن العراقية ضد الاحتلال الانكليزي .
 
 
العاني في مشهد من مسرحية "النخلة والجيران" والى جانبه الراحل عبد الجبار عباس
والملاحظ ان المسرح العراقي بدأ مثقفاَ أيضاَ، ولم يظهر على يد "المحترفين" في المسرح. فكانت هناك بدايات مسرحية جادة عند جمعيات ومنتديات ثقافية، كذلك في الحاضنة الاولى للثقافة العراقية الجديدة: "دار المعلمين العالية" التي انجبت للثقافة العراقية وللادب بشكل خاص غالبية رموزه المتقدمة، وكنا نحن، صدى لتلك البدايات، طوّرنا لاحقاَ اسئلتها وانشغالاتها الفنية والاجتماعية والفكرية ضمن نظرة جديدة للمسرح. ورغم انحسار نشاط الفرقة الان، الا انها ظلت مخلصة لفكرة التحديث المسرحي، وحمل شعلة المسرح العراقي الوضاءة التي أجدها تتعرض لريح شديدة تعصف بها، ولكنها مع ذلك ( تضيء ) من حولها .
* تكاد "فرقة المسرح الفني الحديث" تختصر في نشاطها وانحساره، حال الثقافة العراقية، فهي ناشطة مع نشاط ثقافي دائب يرتبط بأنفراج سياسي واجتماعي، وهي على العكس اثناء فترة التدهور السياسية والاجتماعية، وهو ما تحمله فترة ما بعد الحرب ولاحقاَ الحصار. الا تعتقد انه من الطبيعي الان ان تنحسر الفرقة طالما انحسرت الحياة الثقافية الرصينة في العراق ؟-  أنا اكتب وأؤرخ في جريدة عراقية للفرقة وللمسرح العراقي، ووجدت ان الفرقة قامت بما لم يقم به أحد، ووجدت اننا في الفرقة "ناضلنا" بشكل حقيقي ورغم الظروف الصعبة كنا نعمل. ثمة هدف كنا نصبوا اليه، الا وهو التعبير فنياَ عن المراحل الاجتماعية والسياسية التي يعيشها العراقيون دونما الانقطاع عن الارتباط بما هو عربي وانساني، وعلى ما اعتقد استطعنا ان ننجز في هذا الصدد الكثير .

العاني، خليل شوقي والراحلة زينب: من اعمدة فرقة المسرح الفني الحديث

 الان ما يجري في الساحة، مؤسف وتحديداَ في منتصف الثمانينات إذ حدث ما يمكن وصفه كلمة حق أريد بها باطل . فظرف الحرب، ظرف صعب وان الناس متعبة، ومن اجل ان يخترقوا المسرحي الحقيقي ( ... ) جاءوا بان الناس بحاجة للضحك وهذا صحيح، غير ان استغلالاَ سيئاَ لتلك الفكرة هو الذي ساد وبدأ التراجع في المسرح فقدموا ( ... ) للناس المتعبة من الحرب وتأثيراتها، المسرحيات الهازلة والمنحدرة بحيث صار التهريج هو العلامة المميزة لهذا المسرح واستمر حتى يومنا هذا. فالتراجع هو الغالب عل مسارح العراق، وهذه أصبحت قريبة من الملاهي الليلية إن لم تكن كذلك، ولان الملاهي ممنوعة الان في العراق، فقد آثر البعض ان يحول المسرح الى ملهى ونقل تقاليد "الفرفشة الليلية" الى مكان ما زلنا نحن العاملين في المسرح ننظر اليه بشيء من "القدسية" !
 *   إذن في هذا الوضع كان من الطبيعي ان تنسحب "فرقة المسرح الفني الحديث" ؟-  نعم لا مكان للفرقة، لا موضع لنا بين مسارح صارت "الغجريات" نجماتها البارعات، وتوقفت الفرقة لعدم قدرتنا مجاراة هذا المستوى من العمل "المسرحي" لا بالامكانات المادية ولا بالخط الفكري. وتوقفت ايضاَ علامات في المسرح العراقي : "فرقة المسرح الشعبي"، "فرقة مسرح اليوم"، وانجرّت للاسف، "الفرقة القومية"، انجراراَ قصدياَ او لا قصدي – لا ادري – الى هذا النوع من المسرح !
*  هل ستظل الفرقة مقيدة ؟ هل سيظل مسرحها "مسرح بغداد" يشحذ حياته بين عرض وآخر لفرق من المسرح الهابط، إذ تؤجره لتقديم "مباهج" الملاهي الليلية ؟
-  أقولها صراحة وصدقاَ لم ولن تقبل الفرقة على نفسها، وعلى المسرح العراقي في أن تكون مقيدة القيد الكامل، ورغم ظروفنا، لابد من مراجعة، ولابد من قراءة نقدية لسيرتنا وحال الجمهور الان، وقد نخرج بعروض جديدة تظل مخلصة لسنوات طويلة من التعب والجهد والأمل، وفي نفس الوقت قد يدخل الضحك تلك العروض ولكنه الضحك المقصود، لاداء مهمة في العرض لا بوصفه ضحكاَ على المشاعر الانسانية والمعاني الطيبة وسخرية من مواصفات كانت الناس تموت من اجلها .
*  تأخذنا هذه الحال الى فكرة تأصيل المسرح واشكال العرض الحديثة فيه. ففي عروض "فرقة المسرح الفني الحديث" برزت قضية تأصيل المسرح بملامح عراقية ، هل تتوقع ان وعي اعضاء الفرقة، الفكري والثقافي كان حاضراَ في حسم هذه القضية ؟-  ان تأصيل المسرح قضية عويصة وطويلة. ولكنني ارى ان التأصيل يبدأ بالنص أولاَ، فهو الذي يعكس الشكل المطلوب لهذا التأصيل. فالذي قام به الطيب الصديقي كان خطوة مهمة بأتجاه التأصيل ولكنها لم تمضي باتجاهات آخرى، وفي فرقتنا استوحينا عبر نص كتبته انا " المفتاح" عوالم الحكاية الشعبية العراقية، واستطعنا عبر تفعيل عناصرها الانسانية والحميمة عربياَ ان نعرضها في جولات مسرحية أخذتها الى العديد من العواصم العربية. هذه الاشكال من تناول الملامح الشعبية في عروض مسرحية متقدمة فنياَ وجدت في اعمال لسامي عبد الحميد وقاسم محمد وقبلهما ابراهيم جلال، حيث تقدمت المشاعر والاهتمامات المصاغة بلمحة عراقية في عروض مصاغة حسب معالجات أخراجية ونصية متقدمة ، أبعدت "الشعبي" و"الموروث" عن شكله ومادته الخام وادخلته في عناصر المسرح المعاصر حقاَ . ففي واحدة من المسرحيات "طال حزني وسروري في مقامات الحريري" التي كتبها واخرجها قاسم محمد، تشعر انك في مسرح غير اعتيادي وتقليدي وانما كسر لكل التقليد في المسرح، وأوجدنا صيغة "بريشتية" دون الاتكاء على برشت بل نبعت من العرض ذاته. كذلك الحال في مسرحية "الشريعة" التي كتبتها انا، ومسرحية "الخان " المكان الذي كنت اعني فيه العراق.

العاني والراحل قاسم محمد في واحد من عروض المسرح العراقي ايام مجده
 
هكذا قاربنا تاريخ العراق اجتماعياَ وانسانياَ في المسرح، وكنا نريد القول وبجرأة اكبر عن قضايا كثيرة دون نسيان الهاجس الفني المتقدم، ودائماَ بهاجس عراقي كما في "خيط البريسم" التي كانت تتناول حكايات الحائكين، مهنة الصبر والألم والانتاج الجميل أيضاَ، ومقاربة الحقيقة على امتداد كل هذه العروض وكما قلت بملامح عراقية، لابد ان اعترف هنا وأقول، انها لم تكن لتنجز بالطريقة التي ظهرت بها لولا جهود الفنان الراحل كاظم حيدر، الذي اعطى بديكوراته لمسرحياتنا، نكهة وحميمية عراقية ليس من السهل نسيانها ومعها كان المشاهد يحس تماماَ انه أزاء عرض عراقي تماماَ .
 *  قلت انك وعبر نصوصك المسرحية قاربت تاريخ العراق ولفترات طويلة، هل انك قادر على كتابة تاريخ العراق في فترة الحرب والحصار وبعيداَ عن التوصيفات الرسمية وقريباَ من هاجس "عراقيتك" الذي كتبت على ضوئه فترات سابقة ؟ -  يمكن ذلك ، واذا لم اتمكن من قول الحقيقة فأنني لن اكتب فصلاَ واحداَ.
*  جيلكم بدا منشغلاَ بفكرة المثقف العضوي ورسالته، واعرف انك على علاقة جيدة بالاجيال التي جاءت بعدك الى المسرح في العراق، هل تجد ان الرسالة "رسالة المثقف العضوي والحالم بالتغيير" خافتة عند مسرحيي العراق اليوم ؟
العاني والراحل قاسم محمد في واحد من عروض المسرح العراقي ايام مجده
-  انا متهم ( وهذه اشرف تهمة ) بأنني منحاز الى الشباب، لانني اجد نفسي فيهم حين كنت شاباَ، ثم ان لا قيمة لرسالة لا يظهر جيل يتلقاها بشكل جيد وينقلها بموضوعية وابداع الى الجيل الذي يليه ان كانت رسالة حقيقية وصادقة . لهذا السبب انا أجد نفسي قريباَ الى معترك ايصال تاريخ المسرح العراقي الى الجيل الجديد، فهم يستغربون احياناَ اننا قدمنا منذ اكثر من ربع قرن مسرحية "بيت بيرناردا ألبا" بصيغة متقدمة، لم أجد شبيهة لها. خذ مثلاَ "ستوديو الممثل" فنحن بدأناه منذ السبعينات، بينما اعتبره المسرحيون الشبان فتحاَ جديداَ في وسائل اعداد الممثل، كذلك عملنا على مسارح بعيدة عن الوطن العربي، كما في "مسرح اوزفالدو دراكون" من اميركا اللاتينية، حيث كان لفرقتنا قصب السبق في تقديمه، واستطعنا ان ننبت ذوقاَ فنياَ حقيقياَ للمسرح، لكنه اوشك على ان يذوب مع العروض السطحية السائدة اليوم عراقياَ وعربياَ وعبر شاشات التلفزيون التي تعرض المسرحيات المصرية المنحدرة دون الانتباه للاثر الذي تحدثه مثل هذه العروض. وهكذا يبدو ان الرسالة مطروحة الان، قلة هم من أخذوا منها ما يشعل الجذوة عندهم لمواصلة الرحلة الشيقة والشائكة في آن .
*  في المسرح العراقي اليوم والى جانب ما اسميته عروض ( الملهى الليلي ) هناك عروض مغرقة في تجريبتيها وشكلانيتها، الا تجدها مصادفة غريبة في ان نشاطين مسرحيين يتناقضان في شكل العرض يلتقيان في النتيجة: ابعاد الجمهور عن وعي لحظته الراهنة بكل ما فيها ؟-  ان الاشكال الغريبة والتي تكاد مغلقة على كل معطى انساني يتوقعه المشاهد في العرض المسرحي مطلوبة ولكن ليس على خشبات المسرح الجماهيري، بل مسرح اكاديمية الفنون التي تدرس فن المسرح لطلبتها، ولكن ما نحن بصدده في لجنة شكلت حديثاَ هي "لجنة المسرح العراقي" هو ان يوفق المسرحي العراقي بين ما شاع وصار هو الراجح شكلاَ، وبين قضايا ينسجها نص مؤثر يحض على موقف واع في تقديم مسرحيات تجذب وتكسب الناس .
 ان يافطات المسرحية الجادة ليست مبرراَ لكل هذه العوالم المغلقة على ذاتها، ولكل هذه الاشارات التي تبدو غير مفهومة، وإن تعكزت على نصوص عالمية وعربية ومحلية، والمسرح الجاد ليس نقيضاَ للضحك بل انني ارى فن "الضحك الحلال" كما أسميه، فناَ صعباَ، وانتزاع ضحكة من انسان متعب ومكبل بقضايا حياتية توجع انسانيته وتثقلها بالحزن، هو أصعب بكثير من تقديم فن مسرحي مغلق على ذاته على اعتبار انه المسرح الجاد. للاسف ساهمت تجارب كهذه في ابعاد الجمهور عن المسرح لينصب في الاتجاه الآخر: المسرح الهابط ، فخاَ للهارب من طلاسم مسرح يمعن في غموضه !

-------------------------------------------------
المصدر : عمّان- "الشرق الاوسط" حاوره :  علي عبد الامير 

تابع القراءة→

صور Blogger

مجلة الفنون المسرحية  |  at  الأربعاء, مايو 19, 2010  | لا يوجد تعليقات

تابع القراءة→

المشاركة في المواقع الأجتماعية

المنشورات في صور

حقوق الطبع والنشر خاصة بموقع مجلة الفنون المسرحية 2016. يتم التشغيل بواسطة Blogger.

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

الاتصال بهيئة تحرير مجلة الفنون المسرحية

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الترجمة Translate

من مواضيعنا المتميزة

جديد المقالات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الفنون المسرحية 2016

المقالات المتميزة

احدث المنشورات في مجلة الفنون المسرحية

أرشيف مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

موقع مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

الصفحة الرئيسية

مقالات متميزة

تعريب وتعديل: قوالبنا للبلوجر | تصميم: BloggerTheme9